الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذلك على الصفحة الأولى من المجلد الأول: من شعر المولى العلامة محمَّد بن زيد بن المتوكل كان الله له، ثم أجاب عنها المؤلف وكتب بخطه: الجواب لكاتبه محمَّد بن إسماعيل الأمير عفى الله عنهما، وكتب 19 بيتاً.
الجزء الثاني:
نسخة بخط رقعة مهمل النقط. وفي آخر هذا الجزء تغير خطها إلى تعليق، والنسخة مجدولة ومقابلة، والمتن كتب بالحمرة وبها أثر رطوبة، وليس لهذا الجزء خاتمة كما لغيره من الأجزاء، عدد أوراقها: 341 ورقة، 32 سطراً، ومقاس الصفحة 22 × 31 سم.
الجزء الثالث:
نسخة بقلم معتاد مهمل النقط أحياناً، وفرغ من رقم الجزء التالث وكتبها بعناية المؤلف ابنه في سنة 1157 هـ، والنسخة مقابلة، وفي آخره قراءة: وفرغ من قراءة هذا الربع يوم الربوع 20 ربيع آخر 1297 على يد الفقير سالم بن محمَّد بن عبد الرحمن بن شيخ الحبشي لطف به. وعدد أوراقها: 192 ورقة، 32 سطراً، ومقاس الصفحة 22 × 31 سم.
الجزء الرابع:
نسخة بقلم نسخي مهمل النقط أحيانا كتبها بعناية المؤلف ابنه في سنة 1158 هـ، والنسخة مقابلة، وكتب المتن بالحمرة، عدد أوراقها: 213 ورقة، 32 سطراً، ومقاس الصفحة 22 × 31 سم.
وجاء في آخر المجلد الرابع قال مؤلف الأصل الإِمام الحافظ السيوطي رحمه الله: فرغت منه يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة سبع وتسعمائة فجزاه الله خيرًا وأسكنه في غرف الجنات، وعدة ما اشتملت عليه من الأحاديث النبوية: عشرة آلاف حديث وتسعمائة وأربعة وثلاثون حديثاً.
قال في الأم المنقول منها هذا: وفرغت من كتابة هذا الشرح المسمى بالتنوير في وقت الضحى من يوم الاثنين سادس شهر الحجة الحرام المنتظم في شهور سنة أربعة وخمسين ومائة وألف ختمها الله وما بعدها من الأعوام بكل خير وإنعام وسلامة وحسن ختام، وصلى الله على سيد الأنام محمد بن عبد الله وعلى آله الأئمة الأعلام، بمحروس صنعاء حرسها الله.
وكتب الفقير إلى الله سبحانه محمَّد بن إسماعيل بن صلاح الأمير عمر الله قلبه بتقواه وأصلح له أولاه وأخراه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وتم نقل هذا الشرح المبارك ضحوة يوم الأحد (1) تاسع عشر شهر محرم الحرام سنة ثمانية وخمسين ومائة وألف سنة من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام.
بعناية سيدي الوالد العلامة عز الإِسلام والدين محمَّد بن إسماعيل الأمير حفظه الله وبلغه من الدارين ما يهواه وغفر لنا وإياه ما أسلفنا من الذنوب اجترحناه ووالدينا والمسلمين أجمعين بحق سيد المرسلين محمَّد صلى الله عليه وسلم (2) وآله أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وهو حسبي وكفى ونعم الوكيل.
هذا وأسأل الله -تعالى- بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن ينفعني بعملي هذا حياً وميتاً، وأن ينفع به عباده، إنه سميع مجيب، وصلى الله على خير خلقه محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه
محمَّد إسحاق آل إبراهيم
الرياض - حي الريان
المملكة العربية السعودية
(1) في هامش الأصل: بلغ بحمد الله سبحانه وتعالى قراءة وتصحيحا والحمد لله رب العالمين.
(2)
لا يَجُوزُ أَن يُسْأَل اللهُ تَعَالَى بِمَخْلُوقٍ، لَا بِحَقِّ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الجامع لصفات المجد والكمال، والواهب لمن يشاء من عباده تهذيب الأخلاق والإكمال، والصَّلاة والسَّلام على من فاض من بحار معارفه الدر المنثور من الأقوال والأفعال، وعلى آله الذين حبهم ذخائر العقبى وهم لقوله:{قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] سبب الإنزال، وعلى أصحابه الذين هم معالم التنزيل بلا مقال، وبحميد سعيهم ظهر فتح الباري عن قلوب المعاندين الأقفال، وهم المنهاج لسلسة رفع الأحاديث والإرسال. وبعد:
فإنَّ الله سبحانه شرف هذه الملة بحفظ دينها بأئمة الرجال، ولم يزل تعالى يظهر في كل عصر قومًا يطلعون البدور السافرة بعد أن صارت شمس المعارف من قبل في هيئة الهلال فيهتدي بضوئها الساري كل من له من فتح الودود بعض منال، منهم الإِمام الذي جعله الله تعالى تذكرة الحفاظ للنبلاء فرجح بعلومه ميزان الاعتدال، الحافظ الذي كان إيجاده إحياء لعلوم الدين، بعد أن صارت خلاصته من حملة الأطلال من لا يحتاج إلى ما ناله من الإصابة والتقريب والإتقان إلى برهان واستدلال، إذ مصنفاته مصباح الزجاجة للناظرين وقوت المغتذي، ومرقاة الصعود إلى بلوغ الكمال، وهو العلامة فخر الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي لا زال في رضوان ذي الجلال، وألف مؤلفات نفيسة وإن من أنفس ما جمعه "الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير" صلى الله عليه وعلى آله بلا انتهاء ولا زوال. فإنَّه سألني بعض الإخوان من العلماء المزين لعلمه بصالح الأعمال، وقد أخذ عنِّي من الجامع الصَّغير شطرًا صالحًا أن أكتب عليه ما أرجو أن يكون به ميزان الحسنات عند الله راجحًا، فاعتذرت لما أعلمه من نفسي من القصور عن هذا المجال، ثم إنها اتفقت فتراه في الجامع احتيج معها إلى البحث عما لا بد منه في توضيح المقال، وضبط بعض ألفاظه
التي لا يتضح معناها حتى يزال عنها الإشكال.
ولم يكن عند حصول المذاكرة لدينا شيء من شروح هذا الجامع التي حلَّت عن ألفاظه ومعانيه كل عقال، فكتبت من ذلك المطلوب شيئًا لنفسي أرجع إليه في بعض الأحوال، ثم يسر الله الوقوف على شرحه الذي قد بلغ الغاية في بسط الأقوال، فالتقطت من درره ما ضممته إلى ما جمعته من المقال؛ لأنفع به نفسي أولاً ومن شاء الله من الناظرين في هذا الكتاب، راجيًا من الله تعالى جزيل الثواب، طالبًا منه العفو عما ليس بصواب.
ولما كان هذا الجامع الصغير كتابًا ليس له في جمعه نظير مشتملاً من الأحاديث النبوية على الجم الغفير، كان حقيقًا بأن يصرف العالم إليه عنان العناية، فإنه لا يستغنى عنه وإن بلغ الغاية، لتقريبه للبحث عن متون الألفاظ النبوية وتسهيله، كما قاله مؤلفه لطلاب الآثار الرسولية، وقد سميت هذا الشرح بـ "التنوير على الجامع الصغير"، سائلاً من الله تعالى أن ينفع به الناظرين وأن يجعل أجره ذخرةً ليوم الدين.
قال المصنف رحمه الله: (بسم الله الرحمن الرحيم الحمد) من الثناء بالجميل على الجميل الاختياري من إنعام كان أو غيره (لله) هو علم للذات الواجب الوجود المستجمع لجميع المحامد (الذي بعث على رأس كل مائة سنة من يُجَدِّدُ لهذه الأمة أمر دينها) البعثة: الإرسال وهي فيمن أرسله من أنبيائه عليهم السلام، وأطلقت على غيرهم كحديث: "إنما بعثتم ميسِّرين، (1) ونحوه،
(1) هذا جزء من حديث أبي هريرة قال: قام أعرابي في المسجد فبال، فتناوله الناس، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"دعوه وأهريقوا على بوله دلوًا من ماء، فإنما بعثتم ميسِّرين ولم تُبعثوا معسِّرين" أخرجه أحمد (2/ 282)، والبخاري في الصحيح رقم (220) و (6128) والنسائي (1/ 48)، وأبو داود (380) والترمذي (147)، وابن خزيمة (297)، والبيهقي في السنن (2/ 428)، وابن حبان (برقم 1399، 1400) والبغوي في شرح السنة (291).
والمذكور هنا من ذلك، فإن هذا من المصنف اقتباس من حديث:"إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يُجَدِّدُ لها أمر دينها"، يأتي وأنه أخرجه الحاكم والبيهقي وأبو داود (1)، قال المصنف في المرقاة (2): اتفق العلماء على تصحيحه، منهم الحاكم والبيهقي، ونص على صحته من المتأخرين الحافظ أبو الفضل ابن الحجر (3)، وقد اختلف في معناه على أقوال، وألف فيه المصنف رحمه الله مؤلفًا سماه:(التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة) وقد أشار بأن المراد
(1) أخرجه أبو داود (4291) وقال أبو داود: "رواه عبد الرحمن بن شريح الإسكندراني، لم يجز به شراحيل". والحاكم في المستدرك (4/ 567)، والبيهقي في معرفة السنن (422) وفي مناقب الشافعي (1/ 53)، والطبراني في الأوسط (6527) والخطيب البغدادي في تاريخ (2/ 61) والداني في السنن الواردة في الفتن (364) والهروي في ذم الكلام (1098)، وابن عساكر في تنبيه كذب المفتري (ص 51 - 52) وابن كثير في مناقب الشافعي (ص 135) في البداية والنهاية (10/ 253). والحديث صحيح، وقد صرح بصحته عدد من الأئمة وممن نص على صحته أبو الفضل العراقي وابن حجر، والحاكم وقال السخاوي: سند صحيح، رجاله كلهم ثقات، انظر: توالي التأسيس لمعالي محمَّد بن إدريس لابن حجر (ص 45 - 49)، وقال:"فكان عمر بن عبد العزيز على رأس المائة الأولى، وأرجو أن يكون الشافعي على رأس المائة الأخرى". والمقاصد الحسنة (ص 203) وفيض القدير للمناوي (2/ 282)، وأورده الشيخ الألباني في الصحيحة (2/ 150 رقم 599) وحكم عليه بالصحة، وقال:"رجاله ثقات، رجال مسلم". وقال صاحب عون المعبود (11/ 267)(العلمية): ومعنى كلام أبي داود: أي لم يجاوز بهذا الحديث على شراحيل، فعبد الرحمن قد أعضل هذا الحديث وأسقط أبا علقمة وأبا هريرة، والحديث المعضل: هو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر بشرط التوالي الحاصل أن الحديث مروي من وجهين، من وجه متصل ومن وجه معضل، أما قول أبي علقمة فيما أعلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المنذري: الراوي لم يجزم برفعه، وعقب عليه صاحب عون المعبود بقوله: نعم، لكن مثل ذلك لا يقال من قبل الرأي، إنما هو من شأن النبوة فتعين كونه مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
انظر مرقاة الصعود إلى سنن أبي داود (4/ 440) بتحقيقنا، وقال السيوطي: قد أفردت في شرح هذا الحديث تأليفاً مستقلاً سميته "التنبئة بمن يبعثه الله على رأس كل مائة" وأنا ألخص فوائده هنا فأقول:
…
ثم سردها من (440 إلى 452).
(3)
انظر: توالي التأسيس لابن حجر (ص: 45 - 49).
بالمجدد: العالم المجتهد، وقد صرح به في مؤلفاته وأنه مجدد المائة التاسعة التي كان فيها (1) وقد استوفينا الكلام عليه في (إنّ الله) حيث ذكره المصنف في حرف الهمزة مع النون، كما يأتي إن شاء الله، (وأقام في كل عصر) العصر هنا: الدهر وأراد به مجرد الزمان فإنه لا يخلو عن (من يحوط) بالحاء المهملة أي يحفظ (هذه الملة الدين بتشييد أركانها) التشييد: رفع البناء، وأركان الملة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، وفي الكلام استعارة مكنية وتخييلية، (وتأييد) تقوية (سننها) طرقها، (وتبيينها) إيضاحها وإظهارها، ولا يخفى إنما ذكره مما علق الحمد به من أعظم النعم وأجلها، وتعليق الحمد بها هنا من غاية المناسبة لأنه افتتح به التأليف الذي هو من أركان الدين (وأشهد أن لا إله إلا وحده) حال مؤكدة، (لا شريك له)، تأكيد أيضاً لما قبلها، مبالغة في إثبات الوحدانية له تعالى، "شهادة" مصدر نوعي لأنه وصفها بقوله:(يزيح) أي نوعًا من الشهادة له هذه الصفة، وتزيح: بالزاي والحاء المهملة من الإزاحة وهي الإبعاد والإزالة، (ظلام الشكوك) الشك: الريبة والتركيب من باب لجُين الماء أي الشك الذي كالظلام في إيقاع صاحبه في الحيرة وعدم الهداية إلى مراده، وكذلك قوله:(صبح يقينها) أي اليقين الذي هو كالصبح في الإشراق والإنارة، والاهتداء إلى كل مراد، وكان الأحسن أن يقول: نور يقينها، ليتم له لطيفة الطباق بين النور والظلام كما أنه طابق لفظ الشكوك باليقين، (وأشهد أن سيدنا محمدًا) عطف بيان (عبده ورسوله) خبر أن (المبعوث لرفع كلمة الإِسلام) وهي كلمتا الشهادة (ومُشيِّدِها) رفعها على كل كلمة سواها، وهو عطف تفسيري لقوله: رفع كلمة الإِسلام (وخفض كلمة الكفر) المراد بها: كل كلمة تنافي الإيمان والتوحيد، (وتوهينها) تضعيفها (صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ليوث
(1) قد طبع هذا الكتاب عام 1410 هـ بتحقيق: عبد الحميد شانوخة.
الغابة) جمع ليث (1) وهو الأسد، والغابة: بالغين المعجمة والباء الموحدة هي الأجمة، والشجر الملتف تألفه الأسود قاله في الضياء (وأسد عرينها) بالعين المهملة والراء بمثناة تحتية فنون: مأوى الأسد وهذه الأربعة الألفاظ مترادفة، ولما كانت شجاعة الآل والأصحاب بها قامت قناة الدين وسيوفهم طحنت هامات المعاندين، ومدحهم الله بذلك في كتابه، خص المصنف رحمه الله من صفاتهم الشريفة، هذه الصفات ولمناسبتها ما علق به الحمد من بعثه المجددين والحائيطين.
(هذا كتاب) قد علم أن اسم الإشارة موضوع للإشارة إلى ما هو محسوس، فاستعماله في غيره مجاز، وهذا منه؛ لأنه إشارة إلى ما في الذهن من المعاني المرتبة والألفاظ المتخيلة التي يراد إبرازها في التأليف، سواء ألف الكتاب قبل الخطبة أو بعدها، إن كانت الإشارة إلى المدلولات، وإن كانت إلى الدوال وهي صور الألفاظ ونقوش الكتابة، فإن كانت الإشارة بعد تأليفها فهي إشارة إليها حقيقة، ولفظ الكتاب يطلق على الصور الخطية وإن كان مجازًا.
(أودعت فيه) بالدال والعين المهملات من أودعته مالاً دفعته إليه يكون وديعة عنده، والمراد أنه جعل ما ذكر وديعة في النقوش والأوراق، (من الكلم) بكسر اللام، قال في القاموس (2): أنه جمع كلمة (النبوية) النسبة إلى النبي (ألوفًا) جمع ألف، وقد حصر بعض من اعتنى بهذا الكتاب الجليل أحاديثه فكانت عشرة آلاف وتسعمائة وأربعة وثلاثون حديثًا (3)(ومن الحكم المصطفوية صنوفًا)
(1) انظر: القاموس المحيط (ص: 502).
(2)
انظر القاموس (ص: 1491).
(3)
قال النبهاني: ذكر شرّاح "الجامِع الصغير" أن عدة ما اشتمل عليه من الأحاديث عشرة آلاف وتسعمائة وأربعة وثلاثون حديثاً، ولم أر من عَدَّ الزيادة، وقد عددت "الجامع الصغير" فوجدته عشرة آلاف حديث يزيد قليلاً نحو العشرة، وبين ذلك وبين ما ذكروه من العدد فرق كبير،=
جمع حكمة قال في النهاية (1): الحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ولا شك أن أفضل الأشياء ما جاءت به الرسل، وأفضل العلوم ما دلت عليه شرائعهم، والصنوف: جمع صنف وهو النوع وأراد أنه أتى فيه بأنواع من العلوم من ترغيب وترهيب، ووعد ووعيد وغير ذلك، فلم يكن في نوع واحد (اقتصرت فيه على الأحاديث) جمع حديث، الذي القاموس (2): جمع حديث على أحاديث شاذ، وفي الكشاف (3): أنه اسم جمع لا جمع، وتعقب بأنه لم يأت مثله في أوزان أسماء المجموع، (الوجيزة) من أوجز في كلامه، قلله واختصره ولم يطله يعني أنه اختار من الأحاديث في هذا الكتاب ما قل لفظه [ص:2].
وكأنه أراد الأغلبية، وإلا فإنه أتى فيه بأحاديث مطولة جدًّا كحديث صلاة الحفظ، وحديث إني رأتيت البارحة عجبًا، يأتيان في حرف الهمزه، وغيرهما في غيره (ولخصت فيه من معادن الأثر إبريزه) التلخيص: التضييق، والتشديد في الأمر كما في القاموس (4)، والمعادن: جمع معدن بزنة مجلس منبت الجواهر من ذهب وغيره، والآثار: جمع الأثر، وهو الحديث أيضًا، وقيل: إنه أعم، لأنه يقال للمرفوع والموقوف، والحديث اللأول فقط، لكنه لا يصح هنا أن يراد به الأعم،
=والظاهر أن جميعهم قلَّدوا المناوي، وهو لم يعده بنفسه، فذكر ما ذكره من ذلك العدد من غير تحقيق، والصحيح ما ذكر هنا لأني عددته بنفسي، فوجدته كما ذكرت. الفتح الكبير للنبهاني (1/ 6) وعلق على كلام النبهاني السابق الشيخ الألباني رحمه الله فقال:"قلت: هذا قريب جدًّا من الترقيم الذي رقمت به نسخة "الجامع الصغير" التي عليها شرح المناوي، فآخر حديث فيها رقمه (10031)، انظر: ضعيف الجامع الصغير للألباني (1/ 35 - 36)، ويبدو مؤلفنا كذلك اعتمد على المناوي، فذكر هذا العدد.
(1)
انظر: النهاية (1/ 419).
(2)
انظر القاموس (ص: 214).
(3)
الكشاف (1/ 572).
(4)
انظر: القاموس (ص: 813).
لأنه بصدد وصف الكلم النبوية، والمراد المرفوعة، ويحتمل أن يراد به الأعم، والمعنى: أن معادن الأحاديث تجمع الموقوف والمرفوع، وأنه أخرج إلى هذا الباب المرفوع وترك غيره، ولذا شبهه بالإِبْرِيز وهو خالص الذهب، فقد شبه الآثار بالمعدن ثم صنع فيه ما صنع في لجين الماء، واستعار الإبْريز للأحاديث استعارة مصرحة، واستعمل التلخيص في معنى الاستخراج، والمعنى: واستخرجت من الآثار التي هي كالمعدن للأحاديث التي كالإبريز، والمعدن ترشيح للاستعارة (وبالغت في تحرير التخريج) ناهيت في الاجتهاد في إخراج الأحاديث التي أودعتها فيه من كتب الأئمة (فتركت القشر) بكسر القاف هو غطاء الشيء (وأخذت اللباب) قيل مراده: تجنبت الأحاديث الموضوعة، وأثبت بالصحيح والحسن، ويحتمل أن مراده حذفت الأسانيد وأثبت باللفظ النبوي الذي هو لبابها ويدل له قوله:(وصنته عما تفرد به وضَّاع) أي حفظته عن حديثما تفرد بروايته من عرف بوضع الأحاديث واختلاقها، وقد جعل أئمة الحديث الحديث الموضوع: ما طعن فيه بكذب راويه (1)، فقوله:(أو كذاب) عطف تفسيري بناء على أنه يأتي بأو، كما يأتي بالواو، وهذه الجمل على التفسير الأخير للجملة الأولى وقعت كما لاحتراز عما يوهمه حذفه إسناد الحديث، من أن يقال قد يكون فيمن حذفه من رجال الأحاديث التي تضمنها كتابه كذاب، فدفع ذلك بأنه قد صانه عن من في رجاله وضّاع أو كذّاب، وعلى التفسير الأول تكون الجملة تأكيدًا لما قبلها، والتأسيس خير من التأكيد، (ففاق) هذا الكتاب (بذلك) بجمعه لما ذكر على تلك الصفات (الكتب المؤلفة في هذا النوع) وهو إيراد متون الأحاديث مجردة عن الأسانيد مختصرة الألفاظ جامعة لأصناف
(1) انظر: مقدمة ابن الصلاح (ص: 98)، والنكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر (2/ 838)، وفتح المغيث (1/ 294).
عديدة، سالمة عن أحاديث الوضاعين والكذابين ومن قال: إن المراد هذا مع ترتيبها على الحروف لم يصب؛ لأنه لم يتقدم وصف هذا المؤلف ولا تلك بهذه الصفة (كالفائق) كتاب ألفه العلامة بن غنام، جمع فيه الرقائق: وسماه: (الفائق في اللفظ الرائق)(1) ولا يخفى ما في فاق والفائق من جناس الاستنفاق، (والشهاب) كتاب جمع فيه متونًا من الأحاديث، القاضي أبو عبد الله القضاعي (2)، فإن هذين الكتابين وإن جمعا من الأحاديث الرائقة المختصرة المفيدة أنواعًا، فإنهما ما خليا عن حديث وضّاع أو كذّاب، واعلم أن المصنف رحمه الله قد صرح أن كتابه هذا خلا عن أحاديث من ذكر من أهل الوضع والكذب، وهذه الشريطة ما تم مفاده بها، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، ولأنه قال في خطبة الجامع الكبير (3): إنما كان من الأحاديث منسوبًا للبيهقي في "الضعفاء" ولابن عدي في الكامل، وللخطيب في تاريخه، ولابن عساكر في تاريخه، وللحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وللحاكم في تاريخه، ولابن الجارود في تاريخه، أو للديلمي في مسند الفردوس، فهو ضعيف وأنه سيغني بالعزو إليها أو إلى بعضها عن بيان ضعفه، هذا معنى كلامه. والضعيف يشمل الموضوع شمول الأعم للأخص.
ثم اعلم أنها توجد رموز على رموز الكتب المخرجة منها الأحاديث: رمز الصحيح والحسن والضعيف وهي من المصنف كما صرح به شارحه ويوجد
(1) وهو للعلامة جمال الدين عبد الله بن علي بن محمد بن سليمان ابن غنائم (ت: 744 هـ) جمع منه أحاديث الرقائق، مجردة عن الأسانيد، مرتبة على الحروف، انظر: كشف الظنون (2/ 1217)،
والرسالة المستطرفة (ص181)، انظر عن نسخ الكتاب: فهرس آل البيت (2/ 1141).
(2)
هو: مسند الشهاب، للقاضي أبي عبد الله محمد بن سلامة القضاعي (ت: 454 هـ)، طبع في مجلدين بتحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، في (عام 1405 هـ) في مؤسسة الرسالة.
(3)
انظر: الجامع الكبير (1/ 14) نسخة مصورة عن مخطوطة دار الكتب المصرية (رقم 95).
في نسخ: الرمز للموضوع بلفظ (ضع)، إلا أنها تتعين أنه ألحقها غير المصنف من الناظرين في كتابه الذين وجدوا الحديث فيه موضوعًا، إذ من البعيد أن يصرح في الخطبة أنه جرَّده عن أحاديث الوضَّاعين ثم يرمز لبعض أحاديثه أنه موضوع.
ثم اعلم أنا وجدنا كثيراً مما يحكم له المصنف برمز الصحة أو الحسن أو الضعف ليس كما قاله وستمر بك كثير من ذلك [ص: 4] في هذا الشرح إن شاء الله تعالى، (وحوى) بالحاء المهملة جمع (من نفائس الصناعة الحديثية ما لم يودع قبله في كتاب) من ذلك عزو الحديث إلى موضعه من كتب الأئمة، وذكر صحابيه الراوي له، والغنية عن التصريح باسم المخرج للاكتفاء برمزه ويعدد الرمز إذ تعدد المؤلف اسم مفعول مع اتحاد المؤلف اسم فاعل كما في رموز البخاري والطبراني بألطف عبارة وأوضح رمز مع استطراد ذكر الغرابة أو نحوها من الوقف والإرسال والإعضال ونحو ذلك، وكالتصحيح والتحسين والتضعيف. (ورتبته على حروف المعجم) أي جعلت منازل الأحاديث منزلة على منازل حروف المعجم الأول فالأول، وفي القاموس: المعجم كالمُدْخل أي من شأنه أن يُعْجم، يقال: أعجم فلان الكتاب أي نقطه، يريد أن همزته للسلب، وسمّيت جميعها حروف المعجم لأن فيها ما يعجم فالتسمية تغليب، وحروف المعجم قد جمعها العلامة المقري في بيت أراد تقريب البحث للناظرين في القاموس، فقال:
جمعت حروفًا رتب الشيخ سفره
…
عليهن في بيت من الشعر محكم
أبت ثجح خد ذرز شمص منط
…
ظغ عفق كلم نوهي فاعلم
(مراعيًا) حال من فاعل رتبت مراعيًا في الترتيب (أول الحديث فما بعده) أي ما بعد الأول فإذا كان أوله همزه فألف قدمه، كما في آخر أو همزه فباء موحدة كان بعد الهمزة فالألف، وإذا كان بعدها باء مثناة كانت بعدها، ثم كذلك إلى
آخر الحروف، ولقد قربه بهذا أتم تقريب فجزاه الله خيرًا.
(تسهيلاً على الطلاب) نصب على أنه مفعول له، وهو علة لقوله رتبته، ويحتمل أنه علة لجميع ما سلف من قوله أودعت فيه إلى آخره، إذ الكل تسهيل للآخذين والناظرين فيه، وسميته:(الجامع الصغير من حديث البشير النذير) صفتان لموصوف يُعينه المقام، وهو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ووجه التسمية بذلك ما عللها به من قوله:(لأنه مقتضب) اسم مفعول من اقتضبته إذا اقتطعته فهو مقتطع (من الكتاب الكبير الذي سميته جمع الجوامع) لأنه جمع كل جامع قبله. (وقصدت فيه جمع الأحاديث النبوية بأسرها) بجميعها، وهذا بحسب ما اطلع عليه المصنف رحمه الله لا بحسب ما في نفس الأمر، إلا أنه قد جمع فيه فأوعى، وما فاته إلا ما هو خاف نادر، قال في خطبة (الكبير) (1): هذا كتاب شريف حافل، ولباب منيف رافل بجميع الأحاديث النبوية كافل، قصدت فيه إلى استيعاب الأحاديث النبوية، وأرصدته مفتاحًا لأبواب المسانيد العلية، ثم قسمته إلى قسمين قسم في الأقوال، وقسم في الأفعال، فهذا الكتاب تلخيص للقسم الأول منه، (وهذه رموزه) أي الكتاب، أو الجامع الصغير، وأضافها إليه لنفعها بمعية إلا فإنها رموز لمن جعلت علامة لاسمه من الأئمة، وهي جمع رمزة بسكون الميم، وقد يحرك ويفتح أوله وقد يضم وهي الإشارة أو الإيماء بالشفتين أو العينين أو الحاجبين أو الفم أو اليد أو اللسان، أفاده القاموس (2)، وقد نقل هنا إلى الإشارة ببعض حروف الكلمة إليها، فيقرأ المملي الاسم المرموز إليه به لا الرمز؛ لأنه غير مراد لنفسه، بل للدلالة والإشارة إلى غيره، مثاله أن ينتهي إلى صورة ق فيقرأ متفق عليه.
(1) انظر: (1/ 13) نسخة مصورة عن مخطوطة دار الكتب المصرية الهيئة المصرية العامة للكتاب.
(2)
انظر: القاموس (ص: 659).
واعلم أن المصنف رحمه الله نقل في كتابه هذا عن اثنين وعشرين إمامًا، من أئمة السنة النبوية، أعني الذين جعل لهم الرموز، وإلا فقد نقل فيه عن عالم لا يحصون، إلا أن هؤلاء هم العمدة فيه، ولا غنى للناظرين عن معرفتهم بذكر تراجمهم وسطرًا من أحوالهم، فإن معرفة من أخرج هذه الأحاديث ونقلها ثم تبعه المصنف في الأخذ من كتابه مكتفياً فيه بالنسبة إليه مع حذفه لأسانيدها مما يبعث الناظر إلى البحث عن مؤلفها، وقد ذكر ابن الأثير في كتابه (جامع الأصول)(1) تراجم الأئمة الستة الذين جمع كتابه من كتبهم في صدر كتابه، وتبعه على ذلك الحافظ ابن الديبع في كتابه (تيسير الوصول)(2).
فلنسرد رموزهم أولاً ثم تراجمهم ثانيا، معتمدًا في نقل تراجمهم على (التذكرة) لأبي عبد الله الذهبي، أمَّا الرموز فإنها التى ساقها المصنف:
(خ: للبخاري) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي صاحب كتاب (الصحيح) شيخ الإسلام، وإمام هذا الشأن المقتدى به فيه، في جميع البلدان [ص: 5].
ولد في شوَّال سنة أربع وتسعين ومائة، وأول سماعه للحديث سنة خمس ومائتين، صنَّف وحدَّث، وما كان في وجهه شعرة، وكان رأسًا في الذكاء، رأسًا في العلم، رأسًا في الورع والتعبد، رحل في طلب الحديث إلى سائر محدثي الأمصار، وقال: كتبت عن أكثر من ألف رجل، قال البخاري: لما بلغت ثماني
(1) انظر: جامع الأصول (1/ 179 - 195).
(2)
هو: عبد الرحمن بن علي بن محمد الشيباني الزبيدي الشافعي، وجيه الدين، المعروف بابن الديبع: مؤرخ محدث من أهل زبيد (في اليمن) مولده ووفاته فيها. مات أبوه في الهند، ولم يره. ورباه جده لامه. توفي سنة (944 هـ) وله مؤلفات كثيرة منها: تيسير الأصول إلى جامع الأصول من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وبغية المستفيد في أخبار مدينة زبيد وغيرها. انظر لترجمته: شذرات الذهب (8/ 255)، البدر الطالع للشوكاني (1/ 366)، الضوء اللامع للسخاوي (4/ 104).
عشرة سنة جعلت أصنِّف وصايا الصَّحابة وأقاويلهم، وحينئذ صنف التاريخ عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة، وروي عنه أنه قال: أخرجتُ هذا الكتاب -أعني الصحيح- من زهاء ست مائة ألف حديث، وقال الفربري: قال لي البخاري: ما وضعت في الكتاب الصحيح حديثًا إلا اغتسلت قبل ذلك وصلَّيت ركعتين (1). مات رحمه الله ليلة الفطر ودفن من الغد بعد صلاة الظهر يوم السبت غرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين.
(م: لمسلم) هو الإمام الحافظ الحجة أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ولد سنة أربع ومائتين، وأوَّل سماعه سنة سبع عشرة ومائتين، سمع عن خلق لا يحصون، رُوي عنه أنه قال: صنفت هذا الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة، قال أحمد بن سلمة: كنت مع مسلم في تأليف "صحيحه" خمس عشرة سنة، وهو اثنا عشر ألف حديث مسموعة، قال ابن الشرقي: سمعت مسلمًا يقول: ما وضعت شيئًا في كتابي هذا المسند إلا بحجة، وما أسقطت منه شيئًا إلا بحجة. مات مسلم في رجب سنة إحدى وستين ومائتين (2).
(ق: لهما) أي إذ اتفقا على إخراج الحديث.
(د: لأبي داود) هو الإمام المثبت سيد الحفاظ سليمان بن الأشعث أحد من رحل وطوّف وجمع وصنف، وكتب عن العراقيين، والخراسانيين والشاميين والمصريين والحجازيين وغيرهم، ولد سنة اثنين ومائتين وسمع عن خلائق،
(1) انظر ترجمة الإمام البخاري رحمه الله في المصادر الآتية: الجرح والتعديل (7/ 191)، تاريخ بغداد (2/ 4)، وفيات الأعيان (4/ 188)، تهذيب الكمال (24/ 430)، جامع الأصول (1/ 186)، سير أعلام النبلاء (12/ 391)، وتذكرة الحفاظ (2/ 555)، طبقات الشافعية للسبكي (2/ 212)، ومقدمات كتب البخاري رحمه الله.
(2)
انظر ترجمة الإمام مسلم في المصادر الآتية: الجرح والتعديل (8/ 182)، تاريخ بغداد (13/ 100) جامع الأصول (1/ 187)، وفيات الأعيان (5/ 194)، تهذيب الكمال (27/ 499)، تذكرة الحفاظ (2/ 588)، سير أعلام النبلاء (2/ 557).
وعنه خلائق، قال أبو بكر بن داسه: سمعتُ أبا داود يقول: كتبتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مائة ألف حديث، انتخبتُ منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني كتاب السنن، جمعتُ فيه أربعة آلاف حديث وثمانمائة حديث، ذكرتُ الصحيح ومقاربه، قال ابن حبان: أبو داود أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وحفظًا ونسكًا وورعًا وإتقانًا، مات في شوال سنة خمس وسبعين ومائتين (1).
(ت: للترمذي) هو: الإمام الحافظ أبو عيسي محمد بن عيسى الحافظ الضرير، مصنف الجامع وكتاب العلل، قال ابن حبان في كتاب "الثقات" (2): كان أبو عيسي ممن جمع وصنف، وضبط فأكثر، قال أبو عيسي: صنفتُ هذا الكتاب فعرضته على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به، ومن كان في بيته هذا الكتاب يعني الجامع فكأنما في بيته نبي يتكلم، قال الحاكم: سمعت عمر بن عدي يقول: مات البخاري ولم يخلف بخراسان مثل أبي عيسي في الحفظ والعلم والورع والتزهد، بكى حتى بقي ضريرًا، مات في رجب سنة تسع وسبعين ومائتين، ولم يذكر الذهبي مولده، وقال الذهبي: قال شيخنا ابن دقيق العيد: ترمذ بالكسر مستفيض على الألسنة كالمتواتر وقيل هو بضم التاء (3).
(ن: النسائي) هو: الإمام الحافظ شيخ الإِسلام أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني صاحب السنن، ولد سنة إحدى وخمسين ومائتين، سمع من خلائق، وبرع في هذا الشأن، وتفرد بالمعرفة والإتقان وعلو الإسناد، قال محمد بن المظفر الحافظ: سمعت مشايخنا بمصر يصفون اجتهاد النسائي
(1) انظر لترجمته: الجرح والتعديل (4/ 101)، تاريخ بغداد (9/ 55)، طبقات الحنابلة (1/ 159)، وفيات الأعيان (2/ 404)، تذكرة الحفاظ (2/ 591)، سير أعلام النبلاء (13/ 203)، تهذيب الكمال (26/ 250).
(2)
الثقات لابن حبان (1/ 153)، وفي المطبوع: وحفظ وذاكر.
(3)
انظر لترجمته: وفيات الأعيان (4/ 278)، تهذيب الكمال (1/ 328)، سير أعلام النبلاء (13/ 270).
بالعبادة في الليل والنهار، وأنه خرج إلى الفدى مع أمير مصر، فوصف من شهامته وإقامته السنن المأثوره في فداء المسلمين، واحترازه عن مجالس السلطان الذي خرج معه، وعدم الانبساط في المأكل، وأنه لم يزل ذلك دأبه إلى أن استشهد بدمشق من جهة الخوارج، قال أبو عبد الله بن منده عن حمزة العَقبي المصري وغيره: أن النسائي خرج من مصر في آخر عمره إلى دمشق فسئل بها عن معاوية وما جاء في فضائله؟ فقال: ألا يرضى رأسًا برأس حتى تُفضَّل؟ فما زالوا يَدْفَعُون في حِضْنَيْهِ حتى أخرج من المسجد، وحمل إلى مكة وتوفي بها، وقيل بالرملة، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلائمائة (1). [ص: 6].
قلت: ونسبته إلى نسا بفتح النون وفتح السين المهملة وبعدها همزة وهي مدينة بخراسان خرج منها جماعة من الأعيان قاله ابن خلكان (2).
(هـ: لابن ماجه) هو: الحافظ الكبير المفسر أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة، صاحب السنن والتفسير والتاريخ، ومحدث تلك الديار، ولد سنة سبع ومائتين، وسمع من عالم، وعنه خلائق، قال ابن ماجة: عرضت هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه وقال: أظن أنه إن وقع في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها، ثم قال: لعل لا تكون تمام ثلاثين حديثًا مما في إسناده ضعف، قال أبو يعلى الخليلي: ابن ماجة ثقة كبير، متفق على ثقته، يحتج به، له معرفة وحفظ، ارتحل إلى العراق ومكة والشام ومصر، قال أبو الحسن القطان: في السنن ألف وخمسمائة باب، وجملة ما فيه: أربعة آلاف حديث، قال الحافظ الذهبي قلت (3): سنن أبي عبد الله كتاب حسن، لولا ما
(1) انظر لترجمته: تهذيب الكمال (1/ 23)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 14)، سير أعلام النبلاء (14/ 125).
(2)
وفيات الأعيان (1/ 77 - 78).
(3)
قاله الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال الذي سير أعلام النبلاء (13/ 278): قد كان ابن ماجه حافظاً=
كدّره بأحاديث واهيه ليست بالكثيرة، وفاته لثمان بقين من رمضان سنة ثلاث وسبعين ومائتين، والقزويني: بفتح القاف وسكون الزاي وكسر الواو وسكون الياء المثناه من تحت، وبعدها نون، نسبةْ إلى قزوين وهو أشهر المدن بعراق العجم، خرج منها جماعة من العلماء (1).
واعلم أن من أئمة الحديث من جعل سادس الأمهات (الموطأ) لمالك كما فعل ذلك ابن الأثير في (جامع الأصول) ومعه من أخذ من كتابه، ومنهم من جعل السادس سنن ابن ماجة كالمجد ابن تيمية في المنتقى، وصنيع المصنف هذا أشعر بذلك فإنه لم يضم الموطأ مع الخمسة، وضم سنن ابن ماجه، وسينقل عن الموطأ كما ينقل عن غيره من كتب الحديث مما لم يجعل له رمزًا (2) (4: لهؤلاء الأربعة) إذا اجتمعوا على إخراج حديث، وهم أهل السنن من عدى الشيخين (3: لهم إلا ابن ماجة) إذا انفردوا بإخراج الحديث، ولم يخرجه ابن ماجه.
(حم: لأحمد في مسنده) هو: الإمام الحجة، شيخ الحفَّاظ أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني، ولد سنة أربع وستين ومائة، أخذ عن عوالم، وعنه خلائق، منهم الأئمة: البخاري ومسلم وأبو داود وأبو زرعة وعبد الله ابنه، وخلائق لا يحصون، قال عبد الله ابنه: سمعتُ أبا زرعة يقول: كان أبوك يحفظ
=ناقداً صادقاً، واسع العلم، وإنما غض من رتبة "سننه" ما في الكتاب من المناكير، وقليل من "الموضوعات" وقول أبي زرعة: -إن صح- فإنما عني بثلاثين حديثاً، الأحاديث المطرحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة، فكثيرة، لعلها نحو الألف. أهـ. وقول أبي زرعة هو: قال ابن ماجه: عرضت هذه "السنن" على أبي زرعة الرازي، فنظر فيه، وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطّلت هذه الجوامع، أو أكثرها، ثم قال: لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثاً مما في إسناده ضعف، أو نحو ذا.
(1)
انظر ترجمته في: المنتظم (5/ 90)، وفيات الأعيان (4/ 279)، تهذيب الكمال (27/ 40)، تذكرة الحفاظ (2/ 637). سير أعلام النبلاء (13/ 277)، الوافي بالوفيات (5/ 220).
(2)
مقدمة جامع الأصول (1/ 62 - 63).
ألف ألف حديث ذاكر به الأبواب، وقال إبراهيم الحربي: رأيتُ أحمد كان أمة قد جمع له علم الأولين والآخرين، وقد أفردت سيرته في مؤلفات أفردها البيهقي وابن الجوزي (1)، مات يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين وله سبع وسبعون سنة، رحمه الله (2).
قلتُ: قال المصنف في خطبة (الجامع الكبير): أن كل ما كان من مسند أحمد فهو مقبول فإن الضعيف منه يقرب من الحسن.
(عم: لابنه في زوائده) هو عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الإمام الحافظ الحجة أبو عبد الرحمن، محدث العراق، ولد سنة ثلاث عشرة ومائتين، وسمع من أبيه فأكثر، ومن عوالم، قال الخطيب: كان ثقة تقيًّا فهمًا، قال إسماعيل بن محمد بن حاجب: سمعتُ صهيب بن سليم يقول: سألتُ عبد الله بن أحمد، قلت: كم سمعت من أبيك؟ قال: مائة ألف وبضع عشرة ألفاً، مات عبد الله في شهر جمادى الآخر سنة تسعين ومائتين (3).
(ك: للحاكم) هو: الحافظ الكبير، إمام المحدثين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه النيسابوري، المعروف بابن البيّع، صاحب التصانيف، ولد سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة، في ربيع الأول، طلب الحديث من الصغر فسمع سنة ثلاثين، ورحل إلى العراق ابن عشرين، ثم جال في خراسان وما وراء
(1) انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد (7/ 354)، التاريخ الكبير (2/ 5)، تاريخ بغداد (4/ 412)، طبقات الحنابلة (1/ 4 - 20)، وفيات الأعيان (1/ 63)، تذكرة الحفاظ (2/ 431)، سير أعلام النبلاء (11/ 177)، ومناقب الإمام أحمد لابن الجوزي.
(2)
انظر ترجمته في المصادر الآتية: طبقات ابن سعد (7/ 354)، والتاريخ الكبير (2/ 5)، تاريخ بغداد (4/ 412)، وفيات الأعيان (1/ 63)، تهذيب الكمال (1/ 437)، تذكرة الحفاظ (2/ 331)، سير أعلام النبلاء (11/ 177).
(3)
انظر ترجمته في: الجرح والتعديل (5/ 7)، تاريخ بغداد (9/ 375)، المنتظم (6/ 39)، تذكرة الحفاظ (2/ 665)، سير أعلام النبلاء (13/ 516).
النهر وسمع بالبلاد من ألفي شيخ أو نحو ذلك، قال الخليل بن عبد الله الحافظ: هو ثقة، واسع العلم، بلغت تصانيفه قريبًا من خمسمائة جزء، وقال غيره: اتفق له من التصانيف في العلم يبلغ ألف جزء، وألَّف (تاريخ نيسابور) الذي لم يسبقه إليه أحدٌ، وقد أطنب الأئمة في حقه ما لا يجمعه المقام، تُوفي الحاكم سنة خمس وأربعمائة، دخل الحمام واغتسل وخرج، وقال: آوه وقبض روحه، وهو يلبس قميصه، وحمدويه: بفتح الحاء المهملة وسكون الميم وضم الدال المهملة وسكون الواو وفتح الياء المثناة من تحت بعدها هاء [ص: 7].
والبيّع: بفتح الباء الموحدة وبكسر الياء المثناة من تحتها وتشديدها وبعدها عين مهملة وإنما عرف بالحاكم لتقلّده القضاء، قاله ابن خلكان (1).
(فإن كان في مستدركه) الذي ألفه يستدرك على الصحيحين ما فاتهما مما هو على شرطهما، أو شرط أحدهما، قال المصنف في خطبة (الكبير): إن ما كان في المستدرك فإنه صحيح (2)، والعزو إليه معلم بالصحة إلا فيما انتقد عليه.
قلت: وسنقف كثيراً على ما انتقد عليه في هذا الشرح إن شاء الله (أطلقت وإلا بينته) بالتصريح باسم الكتاب الذي نقل الحديث منه.
(خد: للبخاري في الأدب) أي هو رمز ما ينقل من كتابه الذي سماه (الأدب المفرد)، (تخ: له في التاريخ) أي هذا رمز ما ننقله عنه من تاريخه الكبير المشهور، وله ثلاثة تاريخ إلا أنه إذا أطلق كما هاهنا فالمراد الكبير.
(حب: لابن حبان) هو: الحافظ العلامة أبو حاتم محمد بن حبان بن معاذ
(1) انظر ترجمته مفصلاً في: تاريخ بغداد (5/ 473)، الأنساب (2/ 370)، تبيين كذب المفتري (227)، المنتظم (7/ 274)، وفيات الأعيان (4/ 280)، تذكرة الحفاظ، (3/ 1039)، سير أعلام النبلاء (7/ 162)، طبقات السبكي (4/ 155).
(2)
وهذا غير دقيق فإن كثيراً من أحاديث المستدرك لم يتكلم عليها ولم يتعقبها الذهبي في التلخيص فإن فيها الضعيفة والواهية انظر: "تنبيه الواهم على ما جاء في مستدرك الحاكم".
التميمي البستي صاحب التصانيف، سمع على عدة من الحفاظ، وعنه عدة، وحدث عنه الحاكم وغيره، قال أبو سعيد الإدريسي: كان على قضاء سمرقند زمانًا، وكان من فقهاء الدين وحفاظ الآثار، عالمًا بالطب والنجوم وفنون العلم، صنف المسند والصحيح والتاريخ وكتاب الضعفاء وفقَّه الناس بسمرقند، وقال الحاكم: كان ابن حبان من أوعية العلم في الفقه واللغة والحديث والوعظ، ومن عقلاء الرجال، وقال الخطيب: كان ثقة نبيلاً فهمًا، قال ابن حبان في كتابه (الأنواع): لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ، مات أبو حاتم ابن حبان في شوال سنة أربع وخمسين وثلاثمائة رحمه الله (1)، (في صحيحه) هو المسمى بالتقاسيم والأنواع، قال المصنف في خطبة (الجامع): ما كان في صحيح ابن حبان فإنه صحيح، والعزو إليه معلم بالصحة.
(طب: للطبراني) هو: الإمام العلامة الحجة بقية الحفاظ أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب بن مُطَيْر الشامي الطبراني، مسند الدنيا، ولد سنة ستين ومائتين، سمع بمدائن الشام والحرمين ومصر وبغداد والكوفة والبصرة وأصبهان والجزيرة وغير ذلك، حدَّث عن ألف شيخ أو يزيدون، وصنَّف (المعجم الكبير)، وهو المسند، قال الحافظ ابن منده: هو مائتي جزء، والمعجم الأوسط، في ست مجلدات كبار في معجم شيوخه، يأتي عن كل شيخ ماله من العجائب والغرائب، بيَّن فيه فضيلته وسَعة روايتهِ، وكان يقول: هذا الكتاب رُوحي، فإنه تعب فيه، وصنَّف (المعجم الصغير) وهو عن كل شيخ له حديث، وصنف أشياء كثيرة، وهو من فرسان هذا الشأن مع الصدق والأمانة، وقد عدَّ الحافظ ابن منده تآليفه قريبة من ستين تأليفاً، قال الأستاذ ابن العميد:
(1) انظر: الأنساب (2/ 209)، تذكرة الحفاظ (3/ 920)، سير أعلام النبلاء (16/ 92)، طبقات السبكي (3/ 131) ، هدية العارفين (2/ 44).
ما كنت أظن أن في الدنيا كحلاوة الوزارة والرئاسة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجعابي بحضرتي، فكان الطبراني يغلبه بكثرة حفظه، وكان أبو بكر يغلبه بفطنته، حتى ارتفعت أصواتهما إلى أن قال الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي، فقال: هات! فقال: ثنا أبو خليفة ثنا سليمان بن أيوب وحدث الحديث، فقال الطبراني: أنا سليمان بن أيوب ومني سمعه أبو خليفة فأسمعه مني عاليًا فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني وفرحت كفرحه.
توفي الطبراني ليلة الإثنين من ذي القعدة سنة ستين وثلاثمائة، قال الذهبي: قلت: استكمل الطبراني مائة عام وعشرة أشهر، وحديثه قد ملأ الدنيا، والطبراني: بفتح الطاء المهملة والباء الموحدة والراء وبعد الألف نون نسبة إلى طبرية، والطبري نسبة إلى طبرستان (1)، وعرفت المراد من قول المصنف في (الكبير).
و (طس) له في الأوسط، وطص له في الصغير.
(ص: لسعيد بن منصور) هو العالم الحجة الإِمام أبو عثمان المروزي ويقال الطالقاني، صاحب السنن، سمع مالكًا وطبقته وعنه الأثرم، ومسلم وأبو داود وخلق، قال سلمة بن شبيب: ذكرت سعيد بن منصور لأحمد بن حنبل فأحسن الثناء عليه، وفخم أمره، وقال أبو حاتم: ثقة من المتقنين الأثبات، ممن جمع وصنف، وقال حرب الكرماني. أملى علينا نحواً من عشرة آلاف حديث من حفظه، مات سعيد بمكة في رمضان سنة سبع وعشرين ومائة (2).
(ش: لابن أبي شيبة) هو أبو بكر بن أبي شيبة الحافظ العديم النظير، الثبت
(1) انظر: الأنساب (8/ 199)، المنتظم (7/ 54)، وفيات الأعيان (2/ 407)، تذكرة الحفاظ (3/ 912)، سير أعلام النبلاء (16/ 119).
(2)
انظر: طبقات ابن سعد (5/ 502)، التاريخ الكبير (3/ 516)، الجرح والتعديل (4/ 64)، تذكرة الحفاظ (2/ 416)، سير أعلام النبلاء (10/ 586).
النحرير عبد الله بن محمد بن أبي شيبة صاحب المسند والمصنف، وغير ذلك، سمع من شريك القاضي وطبقته وعنه البخاري ومسلم [ص 8] وأبو داود وابن ماجة وخلائق، قال العجلي: ثقة حافظ، وقال الفلاس: ما رأيت أحفظ من أبي بكر بن أبي شيبة، قال الخطيب: كان أبو بكر متقنًا حافظًا صنف المسند والأحكام، قال البخاري: مات في المحرم سنة خمس وثلاثين ومائتين (1).
(عب: لعبد الرزاق في الجامع) هو بن همام بن نافع الحافظ الكبير أبو بكر الصنعاني صاحب التصانيف، أخذ عن أمم، وعنه عالم، منهم: أحمد وإسحاق وابن معين، وكان عبد الرزاق يحفظ حديث معمر، قال الذهبي: قلت: وثقه غير واحد، وحديثه مخرج في الصحيح، مات سنة إحدى عشرة ومائتين في نصف شوَّال، رحمه الله (2).
(ع: لأبي يعلي في مسنده) هو أبو يعلى الموصلي الحافظ الثقة محدث الجزيرة أحمد بن علي بن المثنى صاحب المسند الكبير سمع من يحيى بن معين وعلي بن الجعد وعوالم، وحدث عنه: ابن حبان وخلق، قال الأزدي: كان أبو يعلى من أهل الأمانة والصدق والدين والحلم، وثقه ابن حبان ووصفه بالدين والإتقان. قال الحاكم: ثقة مأمون، مولده في شوال سنة عشر ومائتين، ومات سنة سبع وثلاثمائة (3).
(قط: للدارقطني) هو الإمام شيخ الإسلام حافظ الزمان أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد البغدادي الحافظ الشهير، صاحب السنن، مولده سنة ست
(1) انظر: طبقات خليفة (ص: 173)، الجرح والتعديل (5/ 160)، تاريخ بغداد (10/ 66)، تذكرة الحفاظ (2/ 432)، سير أعلام النبلاء (11/ 122).
(2)
انظر: طبقات ابن سعد (5/ 548)، التاريخ الكبير (6/ 130)، وفيات الأعيان (3/ 216)، تذكرة الحفاظ (1/ 364)، سير أعلام النبلاء (9/ 563).
(3)
انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 707)، وسير أعلام النبلاء (14/ 174)، الوافي بالوفيات (7/ 214)، النجوم الزاهرة (3/ 197).
وثلاثمائة، سمع عن خلائق، وعنه خلائق، منهم: الحاكم وغيره من الأئمة، وصنف التصانيف الفائقة، قال الحاكم: صار الدارقطني أوحد أهل عصره في اللهم والحفظ والورع، وإمامًا في النحويين والقراء، قال الخطيب: كان فريد عصره وإمام وقته، انتهى إليه علم الأثر، والمعرفة بالعلل، وأسماء الرجال مع الصدق والثقة، وصحة الاعتقاد، والأخذ من العلوم.
قال الخطيب: وحدثني الأزهري قال: بلغني أن الدارقطني حضر في حداثته مجلس إسماعيل الصفار وقعد ينسخ والصفار يملي، فقال رجل: لا يصح سماعك، وأنت تنسخ، فقال الدارقطني: فهمي الإملاء خلاف فهمك، أتحفظ كم أملى الشيخ؟ قال: لا، قال: أملى ثمانية عشر حديثًا، الحديث الأول: عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا، والحديث الثاني: عن فلان عن فلان، ومتنه كذا وكذا، ومر على ذلك حتى أتى على الأحاديث، فتعجب الناس منه، قال أبو ذر الحافظ: قلت للحاكم: هل رأيت مثل الدارقطني؟ قال: هو لم ير مثل نفسه فكيف أنا! قال الحافظ الذهبي: وإذا شئت أن تعرف براعة هذا الإمام الفرد، فطالع العلل له فإنك تندهش ويطول تعجبك.
مات الدارقطني ثاني ذي القعدة سنة خمس وثمانين وثلاثمائة رحمه الله ودفن ببغداد، وصلى عليه أبو حامد الإسفراييني العلامة المعروف، والدارقطني: بفتح الدال المهملة وبعد الألف راء مفتوحة ثم قاف مضمومة وبعدها طاء مهملة هذه نسبة إلى دار القطن وكانت محلة ببغداد.
(فإن كان) الحديث المنسوب إليه (في السنن أطلقت وإلا) يكن الحديث فيها بل في غيرها من مؤلفاته كالإفراد والعلل (بينته).
(فر: للديلمي) هو الحافظ مفيد همدان، شيرويه بن شهردار بن شيرويه مصنف (مسند الفردوس) و (تاريخ همدان)، سمع عن جماعه ببغداد وقزوين
وأماكن، قال ابن منده: هو شاب كيّس، حسن الخلق، ذكي القلب، صلب في السنة، قليل الكلام، أخذ عنه جماعة: ابنه شهردار ومحمد بن الفضل الإسفرايني، ومن مشايخه: ابن منده، وطبقته بأصفهان وأبو منصور عبد الباقي بن محمد العطار وغيرهم، وممن أخذ عنه أيضًا: أبو موسى المديني الحافظ، توفي الديلمي تاسع عشر شهر رجب سنة تسع وخمسمائة رحمه الله (1).
(حل: لأبي نعيم في الحلية) أي كتاب "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"، وأبو نعيم هو: الحافظ الكبير محدث العصر أحمد بن عبد الله الأصفهاني ولد سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة، وأجاز له مشايخ الدنيا وهو وابن ست سنين، أخذ عن خلائق، وارتحل الحفاظ إليه بعلمه وحفظه، قال الخطيب: لم أر أحدًا يطلق عليه اسم الحافظ غير أبي نعيم، وأبي حازم العبدُوي (2)، قال السلفي: لم يصنف مثل كتابه حلية الأولياء وكانوا يقولون لما صنف كتابه الحلية حمل الكتاب في حياته إلى نيسابور فاشتروه بأربعمائة دينار، وقال ابن مَرْدَويه: كان أبو نعيم مرحولاً إليه، اجتمع حفاظ الدنيا [ص:9] عنده في كل يوم لكل منهم نوبة يقرأ ما يريده إلى قريب الظهر، فإذا قام إلى داره، ربما كان يقرأ عليه في الطريق جزءٌ، وكان لا يَضْجَر، لم يكن له غداء سوى التسميع والتصنيف، مات أبو نعيم في العشرين من المحرم سنة ثلاثين وأربعمائة رحمه الله (3).
(1) انظر لترجمته: تاريخ بغداد (12/ 34)، الأنساب (5/ 245)، المنتظم (7/ 183)، وفيات الأعيان (3/ 297)، تذكرة الحفاظ (3/ 991)، سير أعلام النبلاء (16/ 449).
(2)
انظر: طبقات السبكي (5/ 301)، سير أعلام النبلاء (17/ 335 و458)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1072).
(3)
انظر لترجمة أبي نعيم: المنتظم (1/ 210)، ووفيات الأعيان (1/ 91)، تذكرة الحفاظ (3/ 1092 - 1098)، وطبقات السبكي (4/ 18 - 26) وسير أعلام النبلاء (17/ 453 - 464)، والنجوم الزاهرة (5/ 30).
(هب: للبيهقي) وهو: الإمام الحافظ العلامة شيخ خراسان أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي صاحب التصانيف، ولد سنة أربع وثمانين وثلاثمائة في شعبان، سمع على عوالم، منهم: الحاكم، وبورك في علمه بحسن قصده وقوة فهمه وحفظه، وعمل كتبًا لم يسبق إلى تحريرها، منها: الأسماء والصفات مجلدان، ومنها: السنن الكبرى عشر مجلدات، وشعب الإيمان مجلدان، ودلائل النبوة ثلاث مجلدات، وكتب عديدة، قال أبو الحسين عبد الغفار في ذيل تاريخ نيسابور: أبو بكر البيهقي الفقيه الحافظ الأصولي الديّن الورع، واحد أهل زمانه في الحفظ، وأفرد أقرانه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد عليه بأنواع من العلوم، كتب الحديث وحفظه من صباه وتفقه وبرع وأخذ في الأصول، وارتحل إلى العراق والحجاز، ثم صنَّف، وتآليفه يقارب ألف جزء، مما لم يسبق إليه أحد، وكان على سيرة العلماء، قانعًا باليسير توفي رحمه الله في جماد سنة سبع وخمسين وأربعمائة، ودفن ببيهق من أعمال نيسابور على مرحلتين منها (1).
(هق: له في السنن الكبرى) قال السبكي: لم يؤلف أحد مثله.
(عد: لابن عدي) هو الإمام الحافظ الكبير أبو أحمد عبد الله بن عدي بن محمد الجرجاني ويعرف أيضًا بابن القصار، صاحب كتاب (الكامل في الجرح والتعديل)، كان أحد الأعلام، ولد سنة سبع وسبعين ومائتين، سمع على خلائق، وعنه خلائق، منهم: الحافظ الكبير ابن عقدة، قال الحافظ ابن عساكر: كان ثقة على لحن فيه، قال الخليلي: كان عديم النظير حفظًا وجلالة، سألت عبد الله بن محمد الحافظ؟ قال: زر قميص ابن عدي أحفظ من عبد الباقي بن قانع،
(1) انظر لترجمته: الأنساب (2/ 381)، المنتظم (8/ 242)، تذكرة الحفاظ (2/ 1132)، وطبقات السبكي (4/- 16)، وسير أعلام النبلاء (18/ 163 - 170)، النجوم الزاهرة (5/ 77 - 78).
قال السهمي: سألت الدارقطني أن يصنف في الضعفاء؟ قال: أليس عندك كتاب ابن عدي؟ قلت: بلى، قال: فيه كفاية لا يزاد عليه، توفي ابن عدي في جمادى الآخرة سنة خمس وستين وثلاثمائة (1).
(عق: للعقيلي في الضعفاء) في كتابه الذي ألفه فيهم، والعقيلي هو: الحافظ الإمام أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي صاحب كتاب (الضعفاء الكبير) سمع من كثيرين، وعنه كثيرون، قال مسلمة بن القاسم: كان العقيلي جليل القدر، عظيم الخطر، ما رأيت مثله، وكان كثير التصانيف، وكان من جاءه من المحدثين، قال: اقرأ من كتابك، ولا يخرج أصله، فتكلمنا في ذلك، وقلنا: إما أن يكون من أحفظ الناس، وإما أن يكون من أكذب الناس، فاجتمعنا واتفقنا على أن نكتب له أحاديث من روايته، ونزيد فيها وننقص، فأتيناه لنمتحنه، فقال لي: اقرأ، فقرأتها عليه، فلما أتيت بالزيادة والنقص، فطِن لذلك، فأخذ مني الكتاب، فأخذ القلم فأصلحها من حفظه، فانصرفنا من عنده، وقد طابت أنفسنا، وعلمنا أنه من أحفظ الناس، قال أبو الحسن القطان: أبو جعفر ثقة، جليل القدر، عالم في الحديث، مقدم في الحفظ، توفي سنة اثنين وعشرين ومائتين رحمه الله (2).
(خط: للخطيب فإن كان في التاريخ أطلقت وإلا بينته) هو: الحافظ الكبير الإمام محدث الشام والعراق، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، صاحب التآليف، ولد سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة، طلب هذا الشأن، ورحل إلى
(1) انظر: تاريخ جرجان (ص: 225)، الأنساب (3/ 221)، تذكرة الحفاظ (3/ 940)، سير أعلام النبلاء (16/ 154)، طبقات السبكي (3/ 315).
(2)
انظر ترجمته: تذكرة الحفاظ (3/ 833 - 834)، وسير أعلام النبلاء (5/ 236 - 239)، والوافي بالوفيات (4/ 219).
الأقاليم، وبرع وصنف، بلغت مصنفاته ستة وخمسين مصنفاً، قال ابن ماكولا: كان الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظًا وإتقانًا وضبطًا للحديث وتفننًا في علله وأسانيده، ومعرفة صحيحه وغريبه، وفرده ومنكره، ومطروحه، قال: ولم يكن للبغداديين -بعد الدارقطني- مثله، قال أبو سعيد (1) السمعاني: كان الخطيب مهيبًا وقورًا ثبتًا ثقة متحريًّا، حجة، حسن الحفظ، كثيرَ الضبط، فصيحًا، خُتِمَ به الحفاظ، قال ابن عمرو النَّسوي: كنت بجامع صور عند الخطيب، فدخل عليه علوي وفي كُمه دنانير، فقال: هذا الذهب تصرفه في مُهمَّاتك فغضب، وقال: لا حاجة لي فيه، فقال [ص:10]: كأنك تَسْتَقِلُّه، ونفض كمه على سجادة الخطيب، وقال: هي ثلاثمائة دينار، فخجل الخطيب، وقام وأخذ سجادته وراح، فما أنسى عز خروج الخطيب، وذل العلوي وهو يجمع الدنانير، ومن شعر الخطيب رحمه الله:
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي الرَّشَادَ مَحْضًا
…
لأَمرِ دُنْيَاكَ وَالْمَعَادِ
فَخَالِفِ النَّفْسَ فِي هَوَاهَا
…
إِنَّ الْهَوَى دَاعِي الْفَسَادِ (2)
فهذه نبذ من أحوال هؤلاء الأئمة تبصّر الناظر بأحوالهم، ويقر خاطره بحسن صفاتهم، وحفظهم، وتقواهم، وورعهم، وإعانتهم في الدين، وحفظهم لأحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، (والله) منصوب على المفعولية، قدم ليقدر الاختصاص أي الله
(1) وقع في الأصل هكذا والصحيح أنه أبو سعد والله أعلم.
(2)
انظر البيتان في تاريخ ابن عساكر (6/ 348) والبداية والنهاية (10/ 144)، وسير أعلام النبلاء (18/ 295 - 296)، وفيه:"إن الهوى جامع الفساد"، وانظر ترجمته في الأنساب (5/ 15)، المنتظم (8/ 265)، وفيات الأعيان (1/ 92)، سير أعلام النبلاء (18/ 270 - 278)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1135)، طبقات السبكي (4/ 29)، النجوم الزاهرة (5/ 87)، وموارد الخطيب للعمري (ص:11 - 84).
أسأل لا غيره. (أسأل أن يمنَّ بقبوله وأن يجعلنا) كأنه أتي بالنون إرادة لكل الأئمة المذكورين وأن الدعاء عام (عنده من حزبه) بكسر الحاء المهملة جنده، وخاصته (المفلحين) الفائزين بكل خير (وحزب رسوله) من أتباعه وأنصار دينه (آمين) يمد ويقصر أي استجيب.