الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الهمزة
2 -
" آتي باب الجنة فأستفتح، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: محمد، فيقول: بك أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك. (حم م) عن أنس (صح) ".
أي هذا حرف الهمزة أو حرف الهمزة هذا أو أنه على سبيل التعداد، ولم يقصد به التركيب، فلا إعراب له، (آتي) بالمد على أنها همزة فألف؛ لأنه مضارع، أتي مقصورًا بمعنى جاء (باب الجنة) أجيء إليه من الموقف بعد فصل القضاء (فأستفتح) أطلب فتحه، فالسين للطلب، وذلك بقرع الباب، كما أفاده حديث:"أنا أوَّل من يدق باب الجنة فلم تسمع الأذان أحسن من طنين تلك الحِلَق على تلك المصاريع" سيأتي وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم يأتي والباب مغلق، ويأتي بحث في ذلك في هذا الحرف، ووجه الجمع بينه وبين آية الزمر الدالة على أن أبواب الجنة مفتحة قبل مجيء أهلها إليها، (فيقول الخازن: من أنت؟) لم يقتصر على من؛ لأنه يريد تعيين الذي قرع ليفتح له، أو يرده، ولو اقتصر عليها لقيل: افتح، فيقال: ومن أتيت، فأتى الخازن بعبارة تفيد المراد من أول الأمر، ومن قال أتى بالاستفهام وأكده بالخطاب تلذذًا بمناجاته فليس بسديد؛ لأنه لو أراد ذلك لأتي بمن أولاً ليجاب ثم ومن أنت فيجاب متلذذاً بالمناجاة مرتين. ولأن التلذذ يتوقف على علم الخازن بأن الذي استفتح هو محمد صلى الله عليه وسلم والدليل عليه. (فأقول: محمد) أي أنا محمد، حذف لقرينة السؤال، وأتى باسمه العلم ولم يقل: رسول الله، وأنه يفيد النص عليه بخلاف ما لو جاء بلفظ الرسول لاحتيج إلى طلب تعيينه، ولا يقال: اسمه العلم مشترك، فلا يعرف أي المحمدين؛ لأننا نقول: قد عرف في الملأ الأعلى به، كما أفاده سياق حديث الإسراء، وأنه يقول أهل كل سماء لجبريل، ومن معك؟ فيقول: محمد، فقد كان معلومًا عندهم، أنه قد أرسله الله إلى العباد؛ لأنه لم يُسر به إلا بعد مدة من البعثة، ومعلوم أنه لا يخفى ذلك على الملائكة،
فقولهم في حديث الإسراء: قد بعث الله، أي للإسراء، فلا يقال ما قد كانوا عرفوا أنه رسول الله، حتى يقول لهم جبريل ذلك جوابًا عن سؤالهم (فيقول: بك) يتعلق بقوله (أمرت)، قدّم عليه إفادة للحصر، والباء سببية وكأنها صلة للفعل (أن لا أفتح لأحد قبلك) على الأول هو مفعول الأمر الثاني، نزع عنه الخافض أي بأن لا أفتح، وهو يحذف قياساً مع أن، وعلى الثاني بدل من الكاف أي أمرت أن لا أفتح لأحد قبلك.
والحديث فيه فضيلة واضحة له صلى الله عليه وسلم لما فيه من تعظيمه، وأنه تعالى قد قدم الأمر إلى الخازن قبل مجيء محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يفتحَ له، ولا يفتح لأحد قبله، وأنه أول من يفتح له، كما أنه أول من تنشق عنه الأرض، كما أنه أول شافع ومشفّع، وجزم الشارح أن الخازن رضوان، فيحتمل أنه لحديث ورد بذلك، ويحتمل: أنه لما كان أعظم الخزنة ومقدمهم لا ينبغي أن يتلقى أعظم الرسل ومقدمهم إلا أعظم الخزنة، وقد ورد في لفظ ولا أقوم لأحد بعدك، ومعلوم أن غيره من الخزنة يقومون يتلقون المؤمنين، ثم لا يخفى لطف افتتاح المصنف بهذا الحديث لهذا الحرف لما فيه من الاستفتاح والفتح (حم م عن أنس)(1) واعلم أن المصنف إذا نسب الحديث للشيخين أو لأحدهما، اكتفى عن الرمز بالتصحيح بالنسبة إلى الصحيح وقد أسلفنا كلامه في ذلك، وإن عزاه إلى غيرهم فالأغلب أنه يرمز للحديث بأحد صفاته وسننبه على ذلك.
3 -
"آخر من يدخل الجنة رجل يقال له "جهينة" فيقول أهل الجنة: عند جهينة الخبر اليقين (خط) في رواة مالك عن ابن عمر".
(آخر) بفتح الهمزة وكسر الخاء ضد الأول، وبفتحها بمعنى المغاير، والمراد هنا الأوَّل (من يدخل الجنة) من أهل التوحيد (رجل يقال له جُهينة) أي
(1) أخرجه أحمد (2/ 136)، ومسلم (197).
يدعى ويسمى، وهو بضم الجيم وهاء مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة بعدها نون (فيقول أهل الجنة) السابقون بالنزول فيها (عند جهينة الخبر اليقين) يحتمل أن المراد عنه أهل النار، ويدل له رواية الخطيب: آخر من يدخل الجنة رجل من جهينة الخبر اليقين سلوه هل بقي أحد من الخلائق يعذب؟ فيقول: لا، ومثله للدارقطني وهكذا أورده عنه المصنف في الكبير (1) [ص:13]. ثم قال: قال الدارقطني: باطل، وأقره عليه، ويحتمل أن المراد عنه أهل المحشر وأنه يقول له ذلك من تقدم دخوله الجنة.
واعلم أن هذا اللفظ من الأمثال تضرب فيمن يترقب عنه خبر مستغرب وسببه أنه خرج رجلان من العرب أحدهما من جهينة يقال له الأخنس، والآخر من كلاب يقال له حصين فنزلا منزلاً، فقتل الجهيني خبيره، وأخذ ماله، وكانت أخته تبكيه في المواسم، فقال الأخنس: تسأل عن حصين كل حي وعند جهينة الخبر اليقين، فصار مثلاً قال المعري (2):
طلبت يقينًا يا جهينة عنهُم
…
ولن تخبريني يا جُهين سوَى ظني
ومن الغرائب اتفاقه لمن يقال له في الآخرة ذلك، وفيه: أن أهل الجنة يسألون عن أهل النار كما أنهم ينادونهم ويتحاورون، وقد ذكر الله ذلك في القرآن كثيراً (خط في رواة مالك) أي في كتاب أسماء من روى عن مالك (عن ابن عمر)(3) أخرجه من وجهين وسكت عليه المصنف وهو ضعيف، ورواه
(1) انظر: الجامع الكبير (1/ 2).
(2)
أبو العلاء المعري أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعري (363 - 449).
انظر: لسان الميزان (7/ 83)، وانظر أيضاً: مجمع الأمثال للميداني (2/ 319).
(3)
أخرجه الدارقطني في غرائب مالك كما قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 459)، من طريق عبد الملك بن الحكم وهو واه عن مالك عن نافع عن ابن عمر، وأورده محمد بن المظفر في غرائب مالك (ص 161 رقم 186)، وأورده في اللسان (2/ 93)، وقال: قال الدارقطني: باطلٌ، وجامع بن سوادة ضعيف كذلك، وأورده الذهبي في الميزان (8/ 151) في ترجمة عبد الملك بن=
الدارقطني في غرائب مالك من الوجهين، ثم قال: هذا حديثٌ باطلٌ، فيه جامع بن سوادة وكذا عبد الملك بن الحكم انتهى. ورواه العقيلي عن أنس من طريق ضعيف (1). وابن عمر حيث أطلق فهو: الصحابي الجليل عبد الله ابن عمر بن الخطاب، كان من أعيان الصحابة وأحرصهم على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، مات بمكة سنة ثلاث وسبعين رحمه الله (2).
4 -
" آخر قرية من قرى الإسلام خرابا المدينة (ت) عن أبي هريرة".
(آخر قرية) بفتح القاف وتكسر المصر الجامع إخبار أن الله قد كتب على دار الدنيا الخراب فأخرها (خراب المدينة) وهي من مدن، إذا أقام وهي الحصين مبني أصطمة، وغلبت عند الإطلاق على مدينته صلى الله عليه وآله وسلم، ودار هجرته، والنسبة إليها مدني وإلى غيرها من المدن مديني، قال النووي (3): يكون خرابها عند قيام الساعة، وأخرج أحمد بإسناد حسن:"ليسيرن الراكب في جنب وادي المدينة فيقول: لقد كان في هذه مره حاضرة من المؤمنين"(4) وأخرج ابن أبي شبة (5) بسند صحيح: (والله لتذرنها مذللة للعوافي) أتدرون ما العوافي؟ الطير والسباع، وبذلك (6) الإسناد: "لا تقوم الساعة حتى يجيء الثعلب فيربض على
=الحكم وأقره عليه العراقي في ذيل الميزان (ص: 343، ترجمته 551). وقال الشيخ الألباني رحمه الله: موضوع، انظر: السلسلة الضعيفة (377)، وضعيف الجامع (6 و1019).
(1)
لم أجده في المطبوع.
(2)
انظر: الإصابة (4/ 181).
(3)
انظر: المنهاج (9/ 160) ونقله عنه الحافظ في فتح الباري (4/ 90).
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (3/ 341).
(5)
أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (619) من رواية أبي هريرة وقال ابن حجر في الفتح (4/ 90): إسناده صحيح.
(6)
أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (627) من رواية أبي هريرة. وذكره السمهودي في خلاصة الوفاء (1/ 278).
قبر النبي صلى الله عليه وسلم لا ينهنهه أحد"، وقد تكلم السمهودي (في خلاصة (1) الوفا) في الفصل التاسع من الباب الأول، بما يفيد من يريد الاستيفاء، والأحاديث تفيد أن ذلك قبل قيام الساعة لا عنده كما قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ
…
} الآية. [الإسراء: 58]، وعلى هذا فالمدينة آخر القرى الإسلامية خرابًا، ويبقى بعدها من البادية محلات كما يدل له قول الراكب:(ت عن أبي هريرة)(2) سكت عليه المصنف، وقال: مخرجه الترمذي: حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث جنادة بن مسلم، وقال في العلل (3): أنه سأل البخاري عنه فلم يعرفه، وجعل يتعجب منه، وقال: كنت أرى أن جنادة هذا مقارب الحديث. انتهى.
5 -
" آخر من يحشر راعيان من مزينة، يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما فيجدانها وحوشا، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما (ك) عن أبي هريرة (صح) ".
(آخر من يحشر) أي من يساق إلى المدينة للموت لا أنهما آخر من يساق إلى أرض الحشر بعد البعث (راعيان من مزينة) بالزاي مثناة تحتية بزنة جهينة قبيلة معروفة (يريدان المدينة) يقصدان دخولها (ينعقان بغنمهما) بالعين المهملة مكسورة والقاف من نعق كمنع وضرب صاح بغنمه وزجرها (فيجدانها) أي الغنم أو المدينة (وحوشًا) جمع، بزنة فلوس أي تنقلب ذات الغنم وتوحش من
(1) انظر: خلاصة الوفاء للسمهودي (1/ 277)، ومعنى "لا ينهنهه" أي ما يخيفه وما يفزعه وما يردعه.
(2)
أخرجه الترمذي (3919)، وفي علله الكبير (703)، وابن حبان (6776)، وانظر: الضعيفة (1300).
(3)
انظر: علل الترمذي الكبير (2/ 945 رقم 423)، وفيض القدير للمناوي (1/ 41) وجنادة بن مسلم قال أبو حاتم الرازي: ضعيف، وكذلك قال أبو زرعة ضعيف الحديث. انظر: الضعفاء لابن الجوزي (1/ 176).
صوتهما على الأول، وعلى الثاني يجدان المدينة قد سكنتها الوحوش لخلوها عن أهلها، قال النووي: وهو الصحيح، وتعقبه الحافظ ابن حجر (1) أن قوله:(حتى إذا بلغا ثنية الوداع) يريد الأول؛ لأن ذلك قبل دخولهما المدينة، وثنية الوداع: بفتح الثاء، جبل شامي المدينة قرب سلع، قال في القاموس (2): سميت بذلك؛ لأنَّ من سافر إلى مكة كان يودع ثم ويشيع إليها (خَرَّا على وجوههما) سقطا ميّتين قيل بالصعقة الأولى، ويحتمل أنه بغيرها، وجمع الوجه مع أنهما اثنان لما تقرر في العربية من كراهتهم جمع تثنيتين في كلمة واحدة ولذا قال تعالى:{فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} بعد قوله: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} [التحريم: 4][ص:15].
(ك عن أبي هريرة)(3) رمز له المصنف بالصحة، وقال الحاكم: على شرطهما، وأقره الذهبي، وهو قطعة من حديث رواه الشيخان ولفظ البخاري: "يتركون المدينة على خير ما كانت لا يغشاها إلا العوافي، وآخر من يحشر
…
" (4) إلى آخره ما هنا بنصه، وبه يعرف أن استدراك الحاكم له غير صحيح.
6 -
" آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" ابن عساكر في تاريخه عن أبي مسعود البدري".
(آخر ما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى) يحتمل أنها أريد بها المتقدمة مطلقًا قريبة أو بعيدة، ويحتمل أنه أريد بها الأولى حقيقة، وهي نبوة آدم عليه السلام:(إذا لم تستح) هو خبر قوله: آخر ما أدرك الناس، يقال: استحي استحياء،
(1) انظر: المنهاج (9/ 161 - 162)، وفتح الباري (4/ 90 - 91).
(2)
القاموس المحيط (ص 994).
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 565)، وقد وهم الحاكم في استدراكه على الشيخين فقد أخرجه البخاري (1874)، ومسلم (1389).
(4)
أخرجه البخاري (1874)، ومسلم (1389).
يستحي واستحياء، يستحي والأول أعلى وأكثر، وهو من الحياء بالمد، وفسروه بأنه. تغير وانكسار يلحق بالمرء من خوف ما يعاب به، أو يذم، وله تفاسير أخرى (فاصنع ما شئت) فيه معنيان مشهوران: أي إذا لم تستح من العيب ولم تخش العار مما تفعله فافعل ما تحدثك به نفسك من إعراضها حسنًا كان أو قبيحًا، فلفظه: أمر ومعناه تهديد وتوبيخ، وفي معناه قيل: إذا لم تصن عرضاً ولم تخش خالقًا وتستحي مخلوقًا فما شئت فاصنع، وهذا الأول، والثاني أن معناه: إذا لم يكن فيما تأتيه عيب ولا نكارة تستحي من إتيانه فاصنعه، فجعل الحياء معيارًا وميزانًا لما يباح للإنسان فعله، وقيل: معناه الإخبار أن من لم يستح فهو يصنع ما يشاء، وفيه: أن الكلام متوارث من النبوة الأولى، يتواصي به الأمم، وينقله الأبناء عن الآباء لعظم مقدار صفة الحياء عند العقلاء، ويحتمل: أنه من كلام الله الذي أوحاه في أهل عصر تلك النبوة، وفيه: تعظيم لقدر صفة الحياء، وأنه الذي يردع من ارتكاب القبيح، وذلك معلوم عند العقلاء، ولذلك قيل:
إذا لم تخش عاقبة الليالي
…
ولم تستحي فاصنع ما تشاء
فلا وأبيك ما في العيش خير
…
ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
(ابن عساكر في تاريخه عن أبي مسعود البدري (1)) اسمه: عقبة بن عامر الأنصاري ونسب إلى بدر لأنه نزل بها لا أنه شهد وقعة بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أنصاري خزرجي صحابي جليل توفي بالكوفة سنة إحدى أو اثنتين وأربعين (2)، وسكت المصنف عليه، وإسناده ضعيف لضعف فتح المصري أحد رواته (3)،
(1) أخرجه ابن عساكر (53/ 119) وفي إسناده سويد بن سعيد وهو الحدثاني، قال الحافظ في "التقريب"(2690) صدوق في نفسه إلا أنه عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه فأفحش فيه ابن معين القول.
(2)
انظر: الإصابة (4/ 521).
(3)
هو: فتح بن نصر المصري الفارسي، قال الدارقطني: ضعيف متروك. انظر: ميزان الاعتدال (4/ 411) ط العليمة، لسان الميزان (6/ 317).
إلا أنه شهد له ما رواه البيهقي في (الشعب)(1) عن أبي مسعود المذكور ولفظه: (أن آخر ما بقي من النبوة الأولى) إلى آخر ما هنا، بل رواه البخاري (2) عن أبي مسعود أيضًا بلفظ إن آخر ما أدرك الناس. آخره.
7 -
" آخر ما تكلم به إبراهيم حين ألقي في النار "حسبي الله ونعم الوكيل" (خط) عن أبي هريرة، وقال: غريب. والمحفوظ عن ابن عباس موقوفاً".
(آخر ما تكلَّم به إبراهيم) خليل الله (حين ألقي في النار) التي أعدها له نمرود وقومه؛ ليحرقوه ورموه في المنجنيق (حسبي الله) كافيني عن ناركم وغيرها (ونعم الوكيل) الموكول إليه، والحسب الكافي، والوكيل الكفيل، بأرزاق العباد، وحقيقته أنه المستقل بأمور الموكول إليه، قاله في (النهاية)(3)، وحذف مخصوص نعم، وهو يحذف كثيراً، وما قيل أنه من عطف الإنشاء على الأخبار، ففيه أجوبة كثيرة، أقربها: أن التقدير وهو نعم الوكيل على أنها جملة اسمية خبرية، حذف صدرها، فهو من عطف الأخبار على الأخبار، وهاتان الكلمتان هما كلمتا التفويض إلى من بيده كل خير، وهما اللتان قالهما المؤمنون حين قيل لهم:{إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]، ثم أخبر الله تعالى أنهم انقلبوا بنعمة من الله وفضل، كما انقلب الخليل بنعمة من الله وفضل سالمًا من نار عدوه، فهو إرشاد منه صلى الله عليه وسلم إلى أنه بقولهما من وقع في مهم من الأمور كما قالها الخليل:(خط (4) عن أبي هريرة، وقال الخطيب: غريب) الغريب في عرف المحدثين: ما تفرد به من يجمع حديثه لعدالته وضبطه كحديث الزهري إذا انفرد، وقسموه إلى صحيح وغير صحيح (والمحفوظ عن ابن عباس) هو حيث
(1) أخرجه البيهقي في الشعب (7736).
(2)
أخرجه البخاري (3484).
(3)
النهاية (5/ 220).
(4)
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 118). وانظر: زوائد تاريخ بغداد (6/ 603).
أطلق بحر الأمة وترجمان القرآن، وهو: أبو العباس عبد الله بن عباس بن عم المصطفى صلى الله عليه وسلم، توفي صلى الله عليه وسلم وله ثلاث عشرة سنة، وقيل: عشر، كان خير هذه الأمة وعالمها، ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالحكمة والفقه والتأويل، [ص: 16] كف بصره آخر عمره، ومات بالطائف سنة ثمان وستين وهو ابن سبعين سنة، وصلَّى عليه محمد بن الحنفية (1)(موقوف) الموقوف في عرفهم أيضًا، ما روي عن الصحابي من قول أو فعل متصلاً كان أو منقطعًا، وليس بحجة إن كان للاجتهاد، فيه مسرح وإلا فهو حجة على الأصح، وهو هنا كذلك، إذ لا يقال مثله بالرأي، وهذا الموقوف صحيح فقد أخرجه البخاري في صحيحه عنه بلفظ:(كان آخر قول إبراهيم (2)
…
).
8 -
" آخر أربعاء في الشهر يومُ نَحْسٍ مستمر (وكيع في الغرر، وابن مردويه في التفسير، (خط) عن ابن عباس".
(آخر أربعاء) تثليث الموحدة وبالمد (في الشهر يوم نحس) بالإضافة وعدمها أي شؤم وبلاء (مستمر) يحتمل أنه آخر كل شهر، والمراد أنه تعالى قدر شؤمه بما ينزل فيه من العقوبة على العصاة والعتاة، وأنه المراد بشؤمه كما أنه تعالى قدر نزول البركات في ليلة القدر، وليلة النصف من شعبان، وقدر قيام الساعة أي: القيامة في يوم الجمعة ونحو ذلك، فهو يوم نحس على العصاة تحل بهم العقوبة فيه، أو تحل قريبًا من دارهم، لا أنه يوم يتشاءم به، ويتطير به، ويترك فيه الأعمال كما يصنعه كثير من أهل مكة وجدة، في آخر أربعاء من شهر صفر يتعطلون فيه عن الأعمال، ويبقون كالمحابيس، ولا ندري ما مستندهم وما وجه تخصيص هذا الأربعاء عن نظائره، ويحتمل أنه ورد في قوم عاد، والأخبار أنهما أرسلت عليهم الريح العقيم في يوم الأربعاء في آخر الشهر كما في كتب
(1) انظر: الإصابة (4/ 141).
(2)
أخرجه البخاري (4564).
التفسير، وأنه عليهم يوم نحس مستمر هلكوا فيه، وشمل صغيرهم وكبيرهم بالعقوبة والنحس، ويكون الحديث واردًا بيانًا لكلامه، وتفسيرًا لها؛ كأنه قال صلى الله عليه وسلم يوم النحس الذي حكاه الله هو آخر أربعاء في الشهر، والأول أقرب (وكيع) بفتح الواو وآخره مهملة، ابن الجراح هو الإمام المثبت محدث العراق، قال الذهبي: وثقوه، إلا أنه كان يشرب النبيذ وأطال الثناء عليه، مات سنة سبع وتسعين ومائة (1)(وابنَ مرْدُويه) بفتح الميم وسكون الراء وفتح الدال المهملة، هو الحافظ أبو بكر أحمد بن موسى صاحب التاريخ والتفسير وغير ذلك، كان عالمًا بهذا الشأن، بصيراً بالرجال، طويل الباع مليح التصانيف، ولد سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة، ومات سنة عشر وأربعمائة رحمه الله (2)، (في التفسير خط عن ابن عباس) سكت عنه المصنف، وفيه مسلمة بن الصلت، قال أبو حاتم: متروكٌ، وجزم ابن الجوزي بوضعه، وقال ابن رجب: حديث لا يصح، ورواه الطبراني من طريق آخر عن ابن عباس موقوفاً، قال السخاوي: طرقه كلها واهية (3).
(1) انظر: تهذيب الكمال (30/ 462) تاريخ بغداد (13/ 466)، تذكرة الحفاظ (1/ 306)، سير أعلام النبلاء (9/ 140)، وتهذيب التهذيب (11/ 109) وقد وهم المؤلف هنا؛ لأن "الغرر من الأخبار" ليس لوكيع بن الجراح، إنما لمحمد بن خلف بن حيَّان الضَّبي البغدادي، أبو بكر، لقبه: وكيع، (ت: 306) ونبّه عليه المناوي في الفيض، انظر ترجمته في: تاريخ بغداد (5/ 236)، والمنتظم لابن الجوزي (6/ 152)، وسير أعلام النبلاء (14/ 237).
(2)
انظر: تهذيب الكمال (1/ 473) وتهذيب التهذيب (1/ 66).
(3)
أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (14/ 405)، وابن الجوزي في الموضوعات برقم (917، 918)، وانظر اللآلئ المصنوعة للسيوطي (1/ 485)، وابن عراق في تنزيه الشريعة (2/ 54). وقال الذهبي في ترتيب الموضوعات (38/ ب): فيه مسلمة بن الصلت متروكٌ، وقال ابن حجر في اللسان (6/ 34): ورأيت له حديثًا منكراً وذكر هذا الحديث.
أما الموقوف، فأخرجه الطيوري في الطيوريات، كما قال ابن عراق (2/ 55) وفيه: الأبزاري الحسن أو الحسين بن عبيد الله وهو كذاب قليل الحياء كما في الميزان (2/ 250) ت: 1885.=
9 -
" آدم في السماء الدنيا تعرض عليه أعمال ذريته، ويوسف في السماء الثانية، وابنا الخالة يحيى وعيسى في السماء الثالثة، وإدريس في السماء الرابعة، وهارون في السماء الخامسة، وموسى في السماء السادسة، وإبراهيم في السماء السابعة (ابن مردويه عن أبي سعيد".
(آدم في السماء الدنيا) إخبار عن محل آدم وغيره من الأنبياء عليهم السلام في السماوات والدنيا القربى من الأرض (تعرض عليه أعمال ذريته) حسنها وقبيحها كما يقتضيه اللفظ العام، وكأنه يعرض عليه كتاب الأعمال، فلا حاجة إلى القول بأنها تشكّل بأشكال يخصها، وإلا فهي أعراض، ولعل الحكمة في عرضها عليه سروره برؤية حسنها، وسؤاله لمن أتي بالقبيح منه الهداية والتوفيق، وهل ذلك كل يوم أو نحوه، لا دليل على تعيين شيء من ذلك (ويوسف في السماء الثانية) في رواية الشيخين بحديث الإسراء (1) أنَّ يوسف في الثالثة، وفي الثانية يحيى وعيسى عليهم السلام، والظاهر أن هذا الإخبار عن رؤيته صلى الله عليه وسلم إياهم ليلة الإسراء، فإن هؤلاء الثمانية من الرسل عليهم السلام هم المذكورون هنالك كما هنا، والترتيب الترتيب إلا في هذا وجميع روايات الإسراء مخالفة؛ فلينظر في ذلك، (وابنا الخالة يحيى وعيسى) كل واحد منهما ابن خالة الآخر، وذلك لأن أم يحيى إيشاع بنت عمران أخت مريم، (في السماء
=انظر في المقاصد الحسنة (ص: 479 - 480)، والدر المنثور (7/ 677).
ويروى الحديث من طريق جابر أخرجه الطبراني في الأوسط (797)(6422)، والبيهقي في السنن (10/ 170)، وابن عدي في الكامل (1/ 238) وابن حبان في المجروحين (1/ 103)، ومدارها على إبراهيم بن أبي حبَّة، روى مناكير وأوابد. والحديث طرقه كلها واهية كما قال السخاوي، وانظر: الفيض (1/ 47). وكشف الخفاء (1/ 12) وقد نقل قول ابن رجب.
وقال الألباني في ضعيف الجامع (5) والسلسلة الضعيفة (887): موضوع.
(1)
أخرجه البخاري (3207) ومسلم (264/ 265) من رواية أنس.
الثالثة) قيل: والحكمة في أنهما أسكنا في سماء واحدة بخلاف سائر السماوات فما فيهما إلا نبي واحد، أنه لابدَّ من نزول عيسى إلى الدنيا آخر الزمان فيبقي يحيى لئلا تخلو سماء من نبي (وإدريس في السماء الرابعة) وبه فسر تعالى {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} [مريم: 57] وتلاها صلى الله عليه وسلم بعد هذا في بعض روايات الإسراء عند أحمد ومسلم كالمفسر للآية (1)[ص:17].
وهذا يعارض ما رواه ابن مردويه والطبراني من رواية ابن عباس أنه في السماء السادسة إلا أنَّ هذا أرجح لموافقتها رواية الإسراء: "وهارون في السماء الخامسة، وموسى في السماء السادسة، وإبراهيم في السماء السابعة" في هذا دليل على تفضيل الله لرسله بعضهم على بعض وأن خليله إبراهيم أرفع الأنبياء مقامًا، وزاد في حديث الإسراء مسندًا ظهره إلى البيت المعمور وأنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه.
إن قلت: هل هذا إخبار عن مستقر أرواح الرسل عليهم السلام، أو عن أبدانهم معها؟
الأول: لا يناسبه ما في الروايات من أنه رأى يوسف قد أعطي شطر الحسن، ومن أنه بكى موسى حين رآه، ومن إسناد الخليل ظهره، ومن خطابهم له صلى الله عليه وسلم وترحيبهم، فإن هذه هيئات الأجساد، التي فيها الأرواح.
والثاني: يأباه ما ثبت من أنهم في قبورهم أحياء يصلون، ولذلك شرعت لهم الزيارة، ورد السلام والذي في القبور الأبدان بلا كلام، وأيضًا فقد ثبت أنه لا
(1) انظر: الإسراء والمعراج للشيخ الألباني رحمه الله وكنت قد كتبت بحثاً بعنوان: أحاديث الإسراء والمعراج -جمعاً ودراسةً- وشاركت به في مسابقة ثقافية بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية وكنت استفدت فيه شفهياً من فضيلة الشيخ الألباني رحمه الله ثم رأيت له رسالة صغيرة في "الإسراء والمعراج" وتحدث عنه الصالحي في سبل الهدى والرشاد بإسهاب (3/ 11 - 248)، وكما جمع ابن كثير في تفسيره أكثر الأحاديث في مقدمة سورة الإسراء.
موت إلا الموتة الأولى إلا من استثناه ربه فيلزم لهم موتة أخرى، وهذا السؤال ليس بخاص بهذا، بل يرد في نظائر، مثل كون الخليل عليه السلام يكفل أطفال المسلمين، وأنَّهم أحياء وأشباه ذلك.
قلت: الجواب عن هذا: ما أفاده ابن القيم (1) في كتاب (الروح) ما حاصله: أن للأرواح شأنًا آخر تكون في الرفيق الأعلى في أعلى عليين، ولها اتصال بالبدن بحيث إذا سلم المسلم على الميت رد الله عليه روحه فيرد عليه السلام، وهي في الملأ الأعلى، وإنما يغلط أكثر الناس في هذا الموضع، حيث يعتقد أن الروح من جنس ما يعهد في الأجسام الذي إذا أشغلت مكانًا لم يكن أن تكون في غيره، فالروح في السموات وترد إلى القبر وتتصل به وتعرف الزائر، وترد عليه السلام وهي في أعلى عليين، نحو روح رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرفيق الأعلى، وإنما يردها الله سبحانه إلى القبر فيرد السلام على من سلم عليه، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام قائمًا يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة أو السابعة، فإما أن تكون سريعة الانتقال والحركة كلمح البصر، وإما أن يكون المتصل منها بالقبر وفنائه بمنزلة شعاع الشمس وجرمها في السماء، وبهذا ندفع ما توهمه السائل من التعارض بين كونهم في القبر وفي السماوات، ويظهر أن الرؤية ليلة الإسراء والإخبار بأنَّ هؤلاء الرسل في السماء إنما هو للأرواح دون الأبدان، وأن الأرواح تكيف بكيفية يُدركها الرائي عليها، كالحسن ليوسف، والاستناد لإبراهيم، ويتضح هذا بما ذكره ابن القيم (2) أيضًا من أن الأرواح حيّة لا تذوق الموت، وأن موت الأرواح هو خروجها من الأبدان، وأن كل روح متميزة عن الأخرى تأخذ من بدنها صورة تتميز بها عن غيرها، وأنَّ الحق أن الأرواح أجسام نورانية، فهذه
(1) الروح (ص101).
(2)
الروح (ص 44).
ثلاثة أطراف قد عقد في كتاب الروح بكل طرف منها مسألة واستدل له بما لا مدفع له، وحينئذ فعرفت أن رؤيته صلى الله عليه وسلم كانت لهذه الأرواح متميزةً بما أخذت كل روح من صفات أجسامها ما به تعرف، وأنها هي التي رحبت به وخاطبته، وأن إسناد الظهر ونحوه هو لتلك الأجسام النورانية، وإنها لا تموت الأرواح إلا بخروجها من الأبدان، وليس إلا مرة واحدة، وإذا عرفت هذا التحقيق، عرفت اجتماع تشمل الأحاديث وأنها تصدق بعضها بعضًا، ولله الحمد، وإذا قدرت مقدار هذا البحث نفعك في كثير مما يأتي وقد استوفيناه هنا ولعلنا لا نعيده (1).
واعلم أن رؤيته صلى الله عليه وسلم لهؤلاء الأنبياء عليهم السلام وإخباره عنهم بخصوصهم، ولم يذكر إسماعيل ولا داود ولا غيرهم من سائر رسل الله [ص:18]، مع أن مستقرهم الجميع السماوات العُلا، إما إنهم الذي واقف من ورائهم في مسراه، أو خصوصية جعلها الله لهم بلقائه صلوات الله عليهم أجمعين، (ابن مردويه عن أبي سعيد) سكت عليه المصنف، وإسناده (2) ضعيف، لكن المتن صحيح، فإنه قطعة من حديث الإسراء المتفق عليه من حديث أنس كما سبقت الإشارة إليه، إنما بينه وبين هذا اختلاف في الترتيب وبعض الألفاظ (3).
10 -
"آفة الظرف الصلف، وآفة الشجاعة البغي، وآفة السماحة المن، وآفة الجمال الخيلاء، وآفة العبادة الفترة وآفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة الحلم السفه، وآفة الحسب الفخر، وآفة الجود السرف (هب) وضعفه عن علي".
(1) قد ألف البيهقي كتاباً سمّاه: "حياة الأنبياء بعد وفاتهم" وقد طبع هذا الكتاب.
(2)
أخرجه ابن مردويه في التفسير كما عزاه إليه ابن كثير (3/ 14)، والبيهقي في دلائل النبوة (2/ 390) وفيه أبو هارون العبدي متروك الحديث كما قال الغماري في المداوى (1/ 29)، وانظر الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (2427) هـ العلمية.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (7)، والسلسلة الضعيفة (1485).
(3)
انظر: فتح الباري (7/ 210)، تحت حديث رقم 3787).
(آفة) الآفة العاهة أو عرض مفسد لما أصابه (الظرف) بفتح الظاء وسكون الراء هو الكياسة، (الصلف) بفتح المهملة والسلام: التكلم بما يكرهه صاحبك، والتمدح بما ليس عندك، أو مجاوزة حد الظرف والإدعاء فوق ذلك تكثرًا، وهو تحذير من إفساد ما أوتيه الظرف بهذه الآفة (وآفة الشجاعة) وهي: قوة القلب، وثباته البغي أي العاهة التي تفسد الشجاعة (البغي) وهو: تجاوز الحد والتعدي والظلم (وآفة السماحة) الجود والكرم (المن) تعديد النعم على المنعم عليه فانفسد به صفة الجود (وآفة الجمال) الحسن في الخَلق والخُلق (الخيلاء) بضم الخاء المعجمة والمد العجب والكبر والتيه (وآفة العبادة الفترة) بكسر الفاء مصدر فتر فتورًا، سكن بعد حدة، ولان بعد شدة، وهذه الآفة لا تلحق الملائكة لقوله تعالى:{لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20]، (وآفة الحديث) ما يتحدث به وينقل (الكذب) الإعلام بالشيء على خلاف ما هو عليه، فإنه يفسد الحديث لأنه لا يوثق به (وآفة العلم) وهو حصول صورة الشيء عند العقل (النسيان) هو زوال صورة الشيء عن الحافظة فإنه يفسد العلم (وآفة الحلم) وهو الوقار أي: عدم العجلة والإثارة من غير إفراط ولا تفريط (السفه) الخفة والطيش (وآفة الحسب) بفتح المهملتين هو ما يعده الإنسان من المآثر، وقيل: إنه الشرف في الآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم (الفخر) إدعاء العظم والتمدح (وآفة الجود السرف) التبذير والإنفاق في غير طاعة وتجاوز المقاصد الشرعية، ولا يخفى أن الجود والسماحة أخوان، وإن اختلفا باعتبار ما فذكرهما لأن مفسدة المن عائده على العطية بعد إطلاق اليد بها، وإخراجها، ومفسدة السرف عائدة إلى المال المنفق منه.
واعلم أنه صلى الله عليه وسلم عدَّ هذه العشر الآفات لهذه العشر الشريفة من الصفات، وليس المراد مجرد الإخبار بأن هذه تفسد هذه فقط، بل المقصود الحث على تجنب المفسدات المذكورة والتخلق بهذه الصفات المحمودة، وتكميل ما وهبه الله
منها لعبده، كالجمال يصونه عمَّا يفسده من الخيلاء ونحوه من الخصال المذكورة يكمل بالتنزه عن أضدادها، (هب وضعفه) (1) قال السخاوي (2): وفيه مع ضعفه انقطاع (عن علي)(3) هو أبو الحسن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه، وأمه فاطمة بنت أسد، أسلمت وهاجرت، وهو أوَّل من أسلم من المذكور في أكثر الأقوال، وصفاته الشريفة وخلاله المنيفة شهيرة معروفة، ومن أراد استيفاء أحواله فقد أودعنا من ذلك الكثير الطيب في (الروضة الندية شرح التحفة العَلَوية)(4) استشهد صبيحة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان سنة أربعين من الهجرة، وسِنُّه ثلاث وستون سنة، وقيل: أكثر، وخلافته أربع سنين وتسعة أشهر وأيامًا، وليس في الصحابة من سمي عليًّا إلا أربعة ليس منهم علي بن أبي طالب سواه، وإذا أطلق في الكتب الحديثية فهو المراد كما أطلق هنا، وهذا الحديث قد أخرجه الطبراني بتقديم وتأخير من حديث علي أيضًا، قال الهيثمي: فيه أبو رجاء كذَّابٌ.
11 -
" آفة الدين ثلاثة: فقيه فاجر، وإمام جائر، ومجتهد جاهل (فر) عن ابن عباس".
(آفة الدين) أي العاهة التي توهن أمر الدين وتضعفه ثلاثة، أجمل أولاً ثم فصل ثانيا إعلامًا بعظمة ما يلقيه إلى السامع (فقيه فاجر) الفجور الانبعاث في المعاصي، وذلك لأنه يقتدي بفجوره العامي وغيره، فيسرى فساده في العامة
(1) أخرجه البيهقي في الشعب (4648) وقال: تفرد به الحبطي وليس بالقوي، والطبراني في الكبير (3/ 69)، وفي إسناده أبو رجاء وهو كذاب، كما قال الهيثمي في المجمع (10/ 283)، والقضاعي في مسند الشهاب (836).
(2)
انظر: المقاصد الحسنة (ص: 5) لفظه يختلف عما هنا، وقال: وسنده ضعيف، لكنه صحيح المعنى.
(3)
انظر: الإصابة (4/ 564).
(4)
لم يطبع الكتاب.
والخاصة بل غالب فساد أبناء الملوك من فقهاء الفجور ولذا قدم على قوله (وإمام جائر) مائل عن نهج الاستقامة، وذلك أن الإمام [ص: 19] إذا حاد أفسد أمر الدين، وغيَّر شرائع سيد المرسلين وتابعه على جوره في الرعايا أعوانه، فاتسع خرق الفساد ومجتهد في العبادة والطاعة جاهل بل يجتهد في طاعته خبطًا وجزافًا، وإفساد للدين لأنه يراه من يعتز به فيقتدي به، ويمل ميلته فيكون من الذين ضلوا وأضلوا، وملئوا الدنيا بما يبتدعونه، وهل أفسد دين الإِسلام إلا جهلة الصوفية وأئمة الفجور وفقهاء السوء، وأشار إلى ذلك من قال، وهل أفسد الدين إلا الملوك وأحبار سوء ورهبانها، وقد أفاد صلى الله عليه وسلم إلى أن العلم والرئاسة والعبادة قد تكون مفاسد للدين إذا صحبها الجور والفجور والجهل، فهؤلاء الثلاثة بإفسادهم الأديان يحملون أوزارهم وأوزارًا مع أوزارهم (فر عن عبد الله بن عباس)(1) سكت عليه المصنف، وهو حديث ضعيف؛ لأنه من رواية نهشل بن سعيد عن الضحاك، ونهشل قال الذهبي في الضعفاء: قال ابن راهويه: كان كذَّابًا، والضحَّاك لم يلق ابن عباس.
12 -
" آفة العلم النسيان، وإضاعته أن تحدث به غير أهله (ش) عن الأعمش مرفوعاً معضلا وأخرج صدره فقط عن ابن مسعود موقوفًا".
(آفة العلم النسيان) تقدم، وهل يرادفه السهو؟ قيل: هما مثلان، وقيل: بينهما تغاير (وإضاعته أن تحدث به غير أهله) هم الذين لا يلقون له سمعًا ولا يرفعون له رأسًا ولا يعملون به إن عرفوه، فإن أهل العلم هم العاملون به، الحراص على سماعه، وكتبه والدعاء إليه، وإذا عرفت أن هذه إضاعته وهو أنفس من المال
(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (76)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 238)، وفي إسناده نهشل بن سعيد بن وردان وهو كذاب، انظر: الضعفاء والمتروكين (6673)، وتهذيب الكمال (30/ 32 رقم 6483)، وقال الحافظ: متروك وكذّبه إسحاق بن راهويه انظر: التقريب (7198).
وقال الألباني في ضعيف الجامع (8) والسلسلة الضعيفة (819): موضوع.
وإضاعة المال منهي عنها كما يأتي فالنهي عن إضاعة العلم أولى وآكد، فحقيق على من علمه أن لا يضيعه ويحرم عليه إضاعته، وأما حديث:"يبلغ الشاهد الغائب"، وحديث:"من كتم علمًا" فالمراد بهما عن أهله وإلى أهله، أو المراد مما يجب إبلاغه لإقامة الحجة على سامعه، فقد كانت الرسل تحدث من لا يقبله ولا يعد من أهله؛ لإقامة الحجة عليهم (ش عن الأعمش)(1) بالعين المهملة والسين المعجمة، هو: الحافظ الثقة شيخ الإسلام أبو محمد سليمان بن مهران الأعمش، الإمام المشهور، كان ثقة عالمًا فاضلاً، أدرك من الصحابة أنس بن مالك ولم يأخذ عنه شيئًا، ولد سنة ستين من الهجرة، ومات سنة ثمان وأربعين ومائة (مرفوعًا) (2) هو في الاصطلاح: ما رُفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث صحيحًا كان أو غير صحيح، ويقابله الموقوف، ونُصِب على أنه حال من ضمير المفعول الذي حذف مع عامله، إذ الأصل أخرجه مرفوعًا، وكذلك نُصِب على الحالية (معضلاً) وهو بضم الميم وفتح الصاد المعجمة وهو في الاصطلاح: ما سقط من إسناده اثنان على التوالي (وأخرج ابن أبي شيبة صدره) إلى قوله: "آفة العلم النسيان"(عن ابن مسعود) هو حيث أطلق عبد الله بن مسعود العالم الرباني الصحابي المعروف، أحد العبادلة، كنيته أبو عبد الرحمن، كان سادس من أسلم، كان من خواص رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب سره وسواكه ونعله وطهوره في
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 286) رقم (26139)، والدارمي (624) عن الأعمش معضلاً أو مرسلاً، وأخرج صدره ابن أبي شيبة (26140)، والدارمي (622) عن ابن مسعود موقوفاً، وأخرجه الدارمي (621)، والبيهقي في المدخل (433) عن الزهري من قوله. أما حديث الأعمش فإسناده ضعيف لأنه معضل الأعمش لم يسمع سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما حديث ابن مسعود فإسناده ضعيف أيضاً لانقطاعه لأن القاسم بن عبد الرحمن لم يسمع عبد الله بن مسعود، وأما حديث الزهري فإسناده ضعيف لأن فيه الوليد بن مسلم مدلس وقد عنعن، وانظر ما جاء في كشف الخفاء (1/ 16)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (10) والسلسلة الضعيفة (1303).
(2)
انظر: تهذيب الكمال (12/ 76)، تهذيب التهذيب (4/ 195).
السفر، هاجر إلى الحبشة، وشهد بدرًا وما بعدها، وكان يشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم في هديه ودله، مات بالمدينة، ودُفن بالبقيع، وله بضع وستون سنة (1)(موقوفًا) تقدم بيانه وللحديث طرق يتقوى بتعددها.
13 -
" آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهداه، إذا لمسوا ذلك، والواشمة، والموشومة للحسن، ولاوي الصدقة، والمرتد أعرابيا بعد الهجرة، ملعونون على لسان محمد يوم القيامة (ن) عن ابن مسعود (صح) ".
(آكل الربا) هو اسم فاعل من أكل، والربا: في الأصل الزيادة، ربا الماء يربوا إذ ازداد وارتفع، والاسم الربا مقصور، وهو في الشرع الزيادة على أصل المال من غير عقد تبايع، أفاده ابن الأثير (2). والمراد بالأكل مطلق الانتفاع، وإنما عبر به لأنه أكثر ما يستنفع به في الاستهلاكات، والتعبير بذلك في القرآن كثيراً {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ} [النساء: 29] ، ونحوه (وموكله) اسم فاعل أيضًا من المزيد مثل مخرج من أخرج من أكله الشيء أطعمه إياه، والمراد الممكن منه غيره، وفيه دليل على: ما حرم أخذه حرم إعطاؤه، وقد عدها الفقهاء من القواعد وفرعوا عليها كثيراً من الأحكام، ولكنهم استثنوا منها مسائل، مثل الرشوة للحاكم ليصل إلى حقه، وفك الأسير، وإعطاء الشيء لمن يخاف هجوه، وكاتبه: كاتب الربابين المرابين (إذا علموا ذلك) قيد للثلاثة؛ لأنه لا إثم مع الجهل، ويأتي زيادة الشاهد (1).
والواشمة اسم الفاعل من وشم بالمعجمة، يقال: وشم يشم إذا غرز الإبرة في البدن، وذر الكحل عليه ليبقى أثره، والموشومة المفعول بها ذلك الوشم للحسن قيد واقع، إذ لا يكون الوشم إلا لذلك، وما في حديث ابن مسعود في
(1) انظر: الإصابة (4/ 233)، والطبقات الكبرى (3/ 150).
(2)
النهاية (2/ 192).
ذلك زيادة المغيرات خلق الله، وقد استشكل هذا الشيخ عز الدين بن عبد السلام بالحناء، وقال: إنه صبغ للبدن كصبغ الوشم وتغيير لخلق الله أيضًا، ولم يجب عنه، قلت: ولك أن تجيب عنه بالتفرفة بأن الحناء والاختضاب به ما هو إلا كلبس ثياب الزينة يعلو وثم يزول، فلا تغيير فيه لخلق الله بخلاف الوشم، فإنه لا يزول من البدن أبدًا، ولأنه لا يحصل إلا بالإسلام الشديد، وإن كان الحديث لم يتعرض للتعليل به فمعلوم أنه منهي عنه إلا لحاجة إصلاح البدن بإزالة ما يؤذيه بقاؤه كالحجامة (ولاوي الصدقة) اسم فاعل من لوي يلوي إذا منع أي مانع صدقة الفرض؛ لأنها المراد عند الإطلاق (والمرتد أعرابيًّا بعد الهجرة) بالعين المهملة والراء نسبة إلى الأعراب، وهم سكان البادية، وفي النهاية (1): أن التعريب بعد الهجرة هو أن يعود إلى البادية، ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرًا، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد (ملعونون على لسان محمد يوم القيامة) هو خبر أكل الربا وما عطف عليه، أي مبعدون عن رحمة الله في يوم القيامة، وهو وعيد شديد، فإنَّ يوم القيامة يرجى فيه الرحمة، ويكون لله تعالى فيه تسعة وتسعون رحمة، فإذا لعنوا في ذلك اليوم فهو أشد الوعيد، وهو يحتمل أنه أريد بلعنه هو صلى الله عليه وسلم لهم، أو بأنه يخبر أن الله تعالى لعنهم، ويأتي الاحتمالان في قوله تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ
…
} الآية. [المائدة: 78].
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: يحتمل هذا وأمثاله مثل قوله: "لعن الله السارق"(2)،"لعن الله من غيَّر منار الأرض"(3)، على أن ذلك ليس دعاء منه صلى الله عليه وسلم بالإبعاد، بل إخبار بأنَّ الله تعالى لعن هؤلاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يبعث لعَّانًا، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
(1) النهاية (3/ 202).
(2)
سيأتي برقم (7242).
(3)
سيأتي برقم (7264).
"المؤمن لا يكون لعانًا"(1). قلت: ولأنه صلى الله عليه وسلم قد سأل الله أن من دعا عليه أن يجعل دعاءه عليه رحمةً له، فيلزم لو كان هذا إنشاء منه صلى الله عليه وسلم أن يكون دعاء للمذكورين بالرحمة ومعلوم أنه غير مراد (ن عن ابن مسعود (2)) رمز لصحته، وقد رواه عبد الله بن أحمد والبيهقي وأبو يعلى والطبراني وابن حبان وابن خزيمة كلهم من حديث الحارث الأعور عن ابن مسعود، والحارث ضعيفٌ وقد وثق.
قلت: قد بينا كلامهم في الحارث المذكور وما عليه من رسالتنا (ثمرات النظر في علم الأثر)(3) بما يقتضي توثيقه، وقد رواه ابن خزيمة عن مسروق عن ابن مسعود فإسناده صحيح.
14 -
" آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد ابن سعد عن عائشة" ح.
(آكل) مضارع أكل كما يأكل العبد أي (كما يأكل العبد) الذي ليس له صفة إلا العبودية، فلا آكل أكل المترفين، وملوك الدنيا، ولا أقعد قِعْدتهم وقت الأكل، وقد بينها بقوله فيما يأتي:(أما أنا فلا آكل متكئًا)، ويحتمل أن المراد بأكل العبد المأكول نفسه أي يأكل ما وجد ولا يتطلب ما يعدوه وكانت هذه صفته صلى الله عليه وسلم في الأمرين: الهيئة والمأكول، (وأجلس كما يجلس العبد) متواضعًا متخشعًا، وصدر الحديث أنه قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: "يا عائشةُ لو شئت لسارت معي جبال
(1) أخرجه هناد في الزهد (1314) عن مجاهد مرسلاً.
(2)
أخرجه النسائي (8/ 147)، وكذلك أحمد (1/ 393، 402)، والبيهقي في السنن (9/ 19)، وابن حبان (3252)، وابن خزيمة (2250)، وأبو يعلى (5241)، والطبراني في مسند الشاميين (1338)، وإسناده صحيح بطريق ابن خزيمة من رواية مسروق عن ابن مسعود. كما قال المؤلف.
وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته (5)، وانظر للتفصيل: إرواء الغليل (5/ 185).
(3)
انظر: ثمرات النظر في علم الأثر (ص: 124)، وانظر: المنهاج شرح مسلم للنووي (1/ 98 - 99).
الذهب، أتاني ملك وإن حجرته تساوي الكعبة فقال: إن ربَّك يقرئك السلام، ويقول لك: إن شئت نبيًّا ملكًا" [ص: 21]، وإن شئتَ نبينًا عبدًا، فأشار إليَّ جبريل، ضع نفسك، فقلتُ: نبيًّا عبدًا)، قالت: فكان بعد ذلك لا يأكل متكئًا، ويقول:(آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد)(ابن سعد)(1) هو الحافظ العلامة عبد الله بن سعد البصري مولى بني هاشم، مؤلف الطبقات الكبرى والصغير، ومصنف التاريخ، ويعرف بكاتب الواقدي، وكان كثير العلم، كتب الكثير: كتب الفقه والحديث والغريب، توفي في جمادى سنة ثلاثين ومائة رحمه الله (2)، (عن عائشة) هي بالهمز، وقراءتها بالمثناة التحتية لحن، وهي أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق كانت فقيهةً عالمةً فاضلةً، يرجع إليها الصحابة، وهي كثيرة الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، عارفة بأيام العرب وأشعارها، خطبها النبي صلى الله عليه وسلم وتزوجها بمكة في شوال سنة عشر من النبوة، ولها ست سنين وأعرس بها في المدينة في شوال سنة اثنتين من الهجرة، ولها تسع سنين، وروى عنها عددٌ كثيرٌ من الصحابة وغيرهم، ماتت بالمدينة سنة سبع وخمسين، وصلى عليها أبو هريرة، وكان خليفة مروان على المدينة في أيام معاوية (3).
والحديث رمز المصنف لحسنه، ورواه البيهقي عن يحيى بن أبي كثير
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 381) وأبو يعلى (4920) قال الهيثمي (9/ 19): رواه أبو يعلى وإسناده حسن، والبيهقي في الشعب (5975) مرسلاً وهناد في الزهد (800) وابن عساكر (4/ 74) وحسّن سنده العجلوني في كشف الخفاء (1/ 17) عن عمرو بن مرة.
وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع (7) والسلسلة الصحيحة (544).
(2)
هكذا أورد في المخطوط، والصواب في اسمه أنه: محمد بن سعد بن منع الهاشمي مولاهم، أبو عبد الله البصري، المعروف بابن سعد وبكاتب الواقدي لكونه لازم شيخه محمد بن عمر الواقدي زمناً طويلاً، وكتب له، انظر لترجمته: تاريخ بغداد (5/ 321)، وفيات الأعيان (4/ 351)، تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 425)، وسير أعلام النبلاء (10/ 664)، النجوم الزاهرة (2/ 258).
(3)
انظر: الطبقات الكبرى (8/ 58)، الإصابة (8/ 16).
مرسلاً، ورواه هناد عن عمرو بن مرة، وزاد:"فوالذي نفسي بيده لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء".
15 -
" آل محمد كل تقي (طس) عن أنس (ض) ".
(آل محمد كل تقي) أصله أهل قلبت الهاء همزة على قول، وآل الرجل: أهله وأولياؤه، وأتباعه، كما في القاموس (1): فيحتمل أنه يريد بهم هنا أتباعه، وأن أتباعه حقيقة هم الأتقياء، ويحتمل أن يراد بهم أهله، وأن المراد أن آله هم الأتقياء، فإنهم المستحقون لهذه الإضافة، وهذا الشرف فإنه من لم يكن منهم تقيًّا ليس جديرًا بأن يعد من آله، ويضاف إلى كماله، وإن كان من آله لغة، ويرشد إلى هذا قوله تعالى:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} [هود: 46] على أحد الوجهين (طس)(2) وكذا في الصغير (عن أنس) رمز المصنف لضعفه، ورواه ابن لال، وتمام، والعقيلي، والبيهقي، والحاكم في (تاريخه) قال الهيثمي: وفيه نوح بن أبي مريم ضعيف جدًّا، وقال البيهقي: لا يحل الاحتجاج به، وقال ابن حجر: سنده واه جدًّا، وقال السخاوي: أسانيده كلها ضعيفة.
16 -
" آل القرآن آل الله (خط) في رواة مالك عن أنس"(ض).
(آل القرآن) أهله، وهم حفظته العاملون به، المتقيدون لأوامره ونواهيه الناظرين في حقائقه ومعانيه (آل الله) أي أولياؤه أضيفوا إلى القرآن تشريفًا لهم،
(1) القاموس المحيط (1245).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (3332)، وفي الصغير (318)، والديلمي في الفردوس (1692) وتمام في فوائده (1567)، والبيهقي (2/ 152) وقال: فيه نافع السلمي أبو هرمز كذبه يحيي بن معين وضَعَّفه أحمد وغيرهما من الحفاظ. وفي إسناده نوح بن أبي مريم وهو ضعيف كما في المجمع (10/ 269)، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/ 161): سنده واهٍ جدًّا، وأورده الحافظ الذهبي في الميزان (7/ 8) في ترجمة نافع بن هرمز. وانظر المداوي (1/ 44) والمقاصد الحسنة (1/ 40).
وأضيفوا إلى الله تعظيمًا لهم وتكريمًا، (خط في رواة مالك عن أنس (1)) رمز المصنف لضعفه، وذلك لأنه من رواية أحمد بن بزيغ عن مالك عن الزهري عن أنس وابن بزيغ مجهولٌ.
17 -
" آمروا النساء في بناتهن (د هق) عن ابن عمر (ح) ".
(آمروا) بالمد وميم مخففة مكسورة (النساء في بناتهن) قال في النهاية (2): شاورُهن في تزويجهن؛ لأن في ذلك استطابة أنفسهن، وهو أدعى إلى الألفة بين الزوجين، ودفعًا لما يترقب من الوحشة بينهما إذا لم يكن الزواج عن رضا الأم، إذ البنات إلى الأمهات أميل، ولأن الأم ربما علمت من حال ابنتها أمرًا لا يصلح معه النكاح يجهله الأب، والأمر للإرشاد والندب كما في النهاية، ويحتمل: الوجوب وهو الأصل (د هق عن ابن عمر (3)) رمز المصنف لحسنه.
18 -
" آمروا النساء في أنفسهن، فإن الثيب تعرب عن نفسها. وإذن البكر صمتها (طب هق) عن العرس بن عميرة"(ح).
(أمروا) هو بزنة الأول، والخطاب للأولياء (النساء) أي المكلفات (في
(1) أورده العجلوني في كشف الخفاء (1/ 17) رواه الخطيب في رواة مالك عن أنس، قال في الميزان: هو خبر باطل، وأقول لكن يشهد له ما أخرجه أبو عبيدة والبزار (7369) وابن ماجه (215) وأحمد (3/ 127) والدارمي (3326) والحاكم (1/ 156) من طريق بديل بن ميسرة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله تعالى أهلين من الناس، قيل من هم يا رسول الله؟ قال أهل القرآن، هم أهل الله وخاصته". وعزاه السيوطي كما في الجامع الكبير إلى الخطيب في رواة مالك. قال الذهبي في الميزان (6/ 78) في ترجمة محمد بن بزيغ عن مالك بخبر باطل عن الزهري عن أنس مرفوعاً، قال الخطيب: مجهول ووافقه الحافظ في اللسان (5/ 93).
وقال الألباني في ضعيف الجامع (11) والسلسلة الضعيفة (1582): موضوع.
(2)
النهاية (1/ 66).
(3)
أخرجه أبو داود (2095) والبيهقي في السنن (7/ 115) وكذلك أحمد (2/ 34). عن ابن عمر وفي إسناده رجل مجهول كما قال المنذري. وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (14) والسلسلة الضعيفة (1486).
أنفسهن) أي شاوروهن في تزويجهن (فإن الثيب) من ثاب إذا رجع لرجوعها عن الزوج الأول، أو لأنها ترجع إلى الزواج مرة أخرى (تعرب) بالعين المهملة مخففة من الإعراب، الإبانة أي تبين وتوضح، قال في النهاية (1): قال أبو عبيد: الصواب تعرّب بالتشديد عربت عن القوم إذا تكلمت عنهم، قال ابن قتيبة: الصواب بالتخفيف وكلا القولين لغتان مستويتان (عن نفسها) لعدم غلبة الحياء عليها لما سبق لها من مخالطة الرجال (وإذن البكر) هي التي لم يوطأ في قُبلها (صمتها) شبه بالإذن، ثم جعل إذنًا شرعًا وأفاد أن الولي لا يزوج المرأة إلا بإذنها، الثيب بنطقها، والبكر بصمتها، فإن نطقت بالإذن كان أبلغ، قال أبو محمد بن حزم (2): لا يصح أن تزوج إلا بالصمات، قال ابن القيم (3): وهذا هو اللائق بظاهريته، (4)(طب (5) هق عن العرس) بفتح العين المهملة وسكون الراء (6) آخره سين مهملة، وفي جامع الأصول (7): أنه بضم العين (ابن عميرة)(8) بفتح المهملة وسكون الراء، وتاء تأنيث، وهو صحابي لم يذكر
(1) النهاية (3/ 200).
(2)
انظر: المحلى لابن حزم (9/ 471).
(3)
زاد المعاد (5/ 100).
(4)
جاء في الهامش: قوله لا يصح أن تزوج إلا بالصمات، هذا خطأ وخروج عن الشرع لأنها إذا نطقت كان نطقها أبلغ في إذنها ولأن الغالب على البكر الحياء فلأجل ذا لم تستطع غالباً النطق في شدة حياءها، وفي غير الغالب قد تنطق، فالحديث لا يقتضي ظاهره أن صحة الزواج متوقفة على الصمت كما قاله أبو محمد بن حزم ووافقه بن القيم، وإنما لسوء فهمهما لحديث النبي صلى الله عليه وسلم اعتقدا صحة الزواج في الإذن بالصمت فلا قائل به، والله أعلم.
(5)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في المجمع (4/ 279)، وكذلك البيهقي في السنن الكبرى (7/ 123). صحَّحه الألباني في صحيح الجامع (13) والإرواء (1836).
(6)
هكذا في المخطوط وصوابه وفتح الراء.
(7)
انظر: جامع الأصول (2/ 605) ط. دار الفكر.
(8)
انظر: الإصابة (4/ 484).
ابن الأثير (1) من أحواله شيئًا، والمصنف رمز بحسن الحديث، وقال الهيثمي: بعد عزوه للطبراني رجاله ثقات.
19 -
" آمن شعر أمية بن أبي الصلت وكفر قلبه أبو بكر بن الأنباري في المصاحف، (خط) وابن عساكر عن ابن عباس (ض) ".
(آمن شعر أمية بن أبي الصلت) الإيمان: التصديق وهو من أفعال القلب، فإسناده إلى القول مجاز، والمعنى أنه أتى في شعره بما هو إيمان، أي بقول من آمن، وقلبه غير مصدق، وفيه دلالة على أنه لا يعتد بالألفاظ إذا لم تصدر عن الاعتقاد، وأمية تصغير أمة، واسمه: عبد الله بن أبي الصلت بالصاد المهملة، ثقفي جاهلي كان شاعرًا، كان قد تنبأ أوَّل زمانه، وكان أول دهره على الإيمان، ثم زاغ عنه، وهو الذي استنشد النبي صلى الله عليه وسلم شعره من الشريد بن سويد كما في صحيح مسلم من حديث الشريد قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيء؟ "فأنشدته بيتًا، قال:"هيه"، ثم أنشدته بيتًا، قال:"هيه" حتى أنشدته مائة بيت، فقال:"إن كاد ليسلم"وفي لفظ: "فلقد كاد ليسلم في شعره"(2) و (كفر قلبه) لاعتقاده ما ينافي الإيمان من إنكار البعث، وغيره قال في الأغاني: إنه لما أنشد صلى الله عليه وسلم قول أمية:
الحَمْدُ لله مُمسَانَا ومُصْبَحَنا
…
بِالخَيْرِ صَبَّحْنَا ربِّي ومَسَّانَا
أَلا نبيّ لنَا مِنَّا فيخبّرنَا
…
مَا بَعدَ غَايَتِنَا مِن بعد مَجْرَانَا
بينا يربّينَا آبَاؤُنَا هَلَكُوا
…
وَبَيْنمَا نَقْتَنِي الأوْلاد أَفْنَانَا
وَقَدْ عَلِمْنَا لَوْ أنَّ العِلْمَ يَنْفَعُنَا
…
أَنَّ سَوْفَ يَلْحَقُ أُخْرَانَا بِأُوْلَانَا
(1) انظر: أسد الغابة لابن الأثير (4/ 21)، وانظر: ترجمة العُرس بن عميرة في تهذيب الكمال (19/ 552).
(2)
أخرجه مسلم (2255)، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (869)، وابن أبي شيبة (26012).
يَا رَبِّ لَا تَجْعَلْنِي كَافِرًا أبدًا
…
وَاجْعَلْ سَرِيرَةَ قَلْبِي الدَّهْر إِيْمَانَا (1)(*)
فقال صلى الله عليه وسلم: (آمن شعره، وكفر قلبه) وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يؤمن به، ومات كافرًا، وكان من أهل العيافة وزجر الطير، صاح غراب، وهو عند ندمةٍ، له من الطائف فتطير به، فقيل له ما قال؟ قال: إنه قال: إني أشرب كأسًا فأموت، ثم صاح أخرى فقال: إنه يقول: أنه تقع على هذه الحربه فينشر عظمًا فيصعق فيموت، فكان كما قال، ومات كافرًا (أبو بكر ابن الأنباري) بفتح الهمزة نسبة إلى الأنبار محل معروف، هو العلامة الحافظ شيخ الأدب أبو بكر محمَّد بن القاسم، سمع من القاضي إسماعيل وتغلب وغيرهما، وصنف تصانيف كثيرة، كان من أفراد دهره في سعة الحفظ مع الصدق واليقين، قال الخطيب: كان صدوقًا دينًا من أهل السنة، قال أبو علي القالي: كان شيخنا أبو بكر يحفظ كما قيل ثلاثمائة بيت شاهدًا في القرآن، روي عنه أنه قال: أحفظ ثلاثة عشر صندوقًا، مات ليلة النحر ببغداد سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، في المصاحف كتاب له (2)(خط وابن عساكر عن ابن عباس)(3) رمز المصنف لضعفه، وإسناده ضعيف، وسبب الحديث أن الفارعة بنت أبي الصلت أخت أمية أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأنشدته من شعر أمية فذكره.
20 -
" آمين خاتم رب العالمين على لسان عباده المؤمنين (عد طب) في الدعاء عن أبي هريرة (ض) ".
(آمين) فيها لغتان المد والقصر من الأول، قوله: ويرحم الله عبدًا قال آمينا،
= (1) شعر أبي أمية بن أبي الصلت قصيدة عدد أبياتها (20 بيتاً) من البحر البسيط.
(*) انظر: الوافي بالوفيات (9/ 228)، الأغاني (4/ 129)، ولسان العرب (15/ 218).
(2)
انظر: تاريخ بغداد (3/ 182).
(3)
أخرجه ابن عساكر (9/ 272) وأورده الحافظ في الإصابة (8/ 51)، وأورده الفاكهي في أخبار مكة (3/ 202) وقال العجلوني في كشف الخفاء (1/ 20): قال المناوي: وسند الحديث ضعيف. وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (15) والسلسلة الضعيفة (1546).
ومن الثاني قوله: أمين فزاد الله ما بيننا بعدًا، وهي اسم فعل بمعنى استجيب، وروى الثعلبي من حديث ابن عباس: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى آمين؟ فقال: (اجعل)، قال الحافظ ابن حجر: إسناده واهٍ (1)، (خاتم) بفتح المثناة الفوقية وكسرها، وفي رب تسع لغات (رب العالمين) في نِهاية (2) ابن الأثير: (قوله: خاتم رب العالمين، أي: خاتم دعاء رب العالمين، بمعنى أنه يمنع الدعاء من فساد الحسبة والرد كان أن الطابع على الكتاب يمنع فساد ظهور ما فيه على العير قيل: معناه طابعه وعلامته التي يدفع بها عنهم الآفات والأمراض، لأن خاتم الكتاب يصونه، ويمنع الناظر عما في باطنه.
قلت: ويحتمل أن المراد خاتمه الذي يقضي به حوائجهم، ويستجيب دعواتهم المختومة به؛ لأنه كان لا يمضي الكتاب ويقبل إلا إذا كان عليه خاتم، ولذا اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخاتم لما قيل له أنهم لا يقرؤن كتابًا ليس عليه خاتم (على لسان عباده المؤمنين، عد: طب في الدعاء)(3) قيد للطبراني، لعله يريد في كتاب الدعاء من المعجم الكبير، فإن طب رمز المعجم الكبير ولكنها قاعدة لم يلتزمها فإنه لا يذكر الكتب والأبواب التي في معاجم الطبراني، وإن أريد أنه في كتاب ألفه في الدعاء غير المعاجم فلا يحسن أن يرمز له بطب (عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه، وقال المصنف في حاشيته على البيضاوي: إنه ضعيف لضعف مؤمل الثقفي.
(1) أخرجه الثعلبي في تفسيره وعزاه الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (1/ 27) إلى الثعلبي وضعفه الحافظ ابن حجر لأن في إسناده الكلبي وهو كذابٌ.
(2)
النهاية (1/ 72).
(3)
أخرجه الطبراني في الدعاء (219)، وابن عدي في الكامل (6/ 440) في ترجمة مؤمل بن عبد الرحمن أبو أمية بن يعلى الثقفي، وقال: عامة أحاديثه غير محفوظة، وقال الذهبي في المغني (7311) ضعفه الدارقطني.
وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (16) وفي السلسلة الضعيفة (1487).
21 -
" آية الكرسي ربع القرآن أبو الشيخ في الثواب عن أنس (ح) ".
(آية الكرسي) الآية، في كتاب الله جماعة حروف وكلمات من قولهم خرج القوم بآيتهم، أي بجماعتهم، لم يَدَعوا ورآهم شيئًا، والآية في غير هذا العلامة، وفي الكشاف: الآية هي الطائفة الموسومة منه بفاصله فترة قصراً التي أقلها ستة أحرف نحو الرحمن، وأضيفت إلى الكرسي لذكره فيها (ربع القرآن) قيل: المراد بمثل هذا أنها ربعه في الثواب، وأنها تعدل ربعه، وضعّف هذا القول ابن عقيل، وقال: إنه لا يجوز القول بذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ القرآن فله بكل حرف عشر حسنات" وقال ابن عبد البر (1): إن السكوت في مثل هذه المسألة أفضل وأسلم، وأسند عن أحمد بن حنبل أنه سئل عن مثل ذلك، فقيل له:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن؟ ما وجهه؟ فلم يجب، وأسند عن ابن إسحاق أن معناه: أن الله لما فضل كلامه على سائر الكلام جعل لبعضه أيضًا فضلاً في الثَّواب لمن قرأه تحريضًا على تعليمه، لا أنّ من {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلاث مرَّات كان كمن قرأ القرآن جميعه، هذا لا يستقيم ولو قرأها مائة مرَّة.
قلت: أما دليل بن عقيل فلا يدفع القول بأن ثوابها يعدل ثلث القرآن؛ لأن ذلك حكم عام للقرآن كله، وهذا حكم خاص لهذه السورة وأمثالها، مما ورد فيه نحو هذا، والخاص مقدَّم على العام فلا مانع من تفضيل الله تعالى لبعض كلامه على بعض، قال المصنف: العدل في الثواب هو ظاهر الأحاديث، ونعم ما قال، وقيل: أنها تعدل ربع القرآن فيما اشتمل عليه من المقاصد، قال الغزالي (2): إن القصد من القرآن كله تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر لله سبحانه، وقال: إنَّ آية الكرسي اشتملت على ذات الله
(1) انظر: التمهيد (7/ 254 - 259).
(2)
انظر: جواهر القرآن للغزالي (ص: 73 - 74)، ط. دار إحياء العلوم، بيروت.
سبحانه وصفاته وأفعاله فقط، ليس فيها غير ذلك، ومعرفة ذلك هو المقصد الأقصى في العلوم، وما عداه تابع له، ولذا سميت آية الكرسي سيدة الآيات؛ لأن السيد اسم للمتبوع المقدم، قال: فقوله: {اللَّهُ} إشارة إلى الذات، وقوله:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} إشارة إلى توحيد الذات، وقوله:{الْحَىُّ الْقَيُّومُ} إشارة إلى صفة الذات، وجلاله، فإن معنى {الْقَيُّومُ} هو الذي يقوم بنفسه، ولا يقوم به غيره، وذلك غاية الجلال والعظمة، وقوله:{لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} تنزيه وتقديس له تعالى عما يستحيل عليه من أوصاف الحوادث، والتقديس عما يستحيل أحد أقسام المعرفة، وقوله:{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} إشارة إلى الأفعال كلها، وأنها منه تعالى وإليه، وقوله:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} إشارة إلى انفراده بالملك والحكم والأمر، وإنما يملك الشفاعة من يملكها لتشريفه إياه، والإذن، فيها وهذا نفي الشركة عنه في الأمر والملك، وقوله:{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} إشارة إلى صفة العلم وتفضيل بعض المعلومات على بعض، والانفراد بالعلم حتى لا علم لغيره إلا ما أعطاه على قدر مشيئته، وإرادته، قوله:{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إشارة إلى عظمة ملكه وكمال قدرته، وقوله:{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} إشارة إلى صفة القدرة وتنزيهها عن الضعف والنقصان [ص: 24]، وقوله:{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} إشارة إلى أصلين عظيمين في الصفات، فإذا تأملت هذه المعاني ثم تلوت جميع آي القرآن لم تجد جملتها مجموعة في آية واحدة انتهى كلامه.
قلت: ولعظمة هذه الآية وما اشتملت عليه قال صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب، وقد قال له:"أي آية أعظم عندك في كتاب الله؟ " قال: آية الكرسي، "ليهنك العلم أبا المنذر"(1).
(1) أخرجه مسلم في صحيحه (810)، وأحمد (5/ 141)، والحاكم في المستدرك (3/ 344).
وسيأتي أحاديث في هذه الآية في هذا الكتاب (جمعه أبو الشيخ)(1) هو حافظ أصبهان ومسند زمانه محمد بن عبد الله بن محمد بن جعفر بن حبان الأصبهاني، صاحب التصانيف السائرة، يعرف بأبي الشيخ، ولد سنة أربع وتسعين ومائتين، كتب العالي والسافل، ولقي الكبار، كان مع سعة علمه وغزارة حفظه خيرًا صالحًا قانتًا لله، صدوقًا، حدث عنه أبو نعيم وابن مردويه وغيرهما، قال أبو نعيم: كان أحد الأعلام صنَّف التفسير والأحكام، توفي في المحرم سنه تسع وستين وثلاثمائة رحمه الله.
(في الثواب عن أنس)(2) رمز المصنف لحسنه، وكأنه لاعتضاده بشواهد، وإلا ففيه ابن أبي فديك عن سلمة بن وردان، وسلمة ضعيفٌ.
22 -
" آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم (تخ هـ ك) عن ابن عباس (صح) ".
(آية ما بيننا وبين المنافقين) علامة الفرق بين أهل الإيمان، وأهل النفاق، ويأتي تفسير المنافق أنهم أي المنافقين (لا يتضلعون) بالضاد المعجمة وتشديد اللام، في القاموس (3): تضلع امتلأ شبعًا، وريًّا؛ حتى بلغ الماء أضلاعه، وذلك لأنه لا يمتلئ ويستكثر من زمزم إلا المؤمن؛ لأنه يرغب فيما يحبه الله ورسوله، والمنافق على الضد من ذلك، وذلك لأن ماء زمزم فيه شيء من الملوحة، فلا يحمل على التضلع منه إلا الإيمان، ولما كانت هذه العلامة من الأمور المحسوسة، المشاهدة، نص عليها صلى الله عليه وسلم ويأتي للمنافق علامات أُخر (تخ 5 ك
(1) ينظر: تذكرة الحفاظ (3/ 945)، ومقدمات كتبه المطبوعة خاصة مقدمة كتاب "العظمة".
(2)
أخرجه أبو الشيخ في الثواب كما في الكنز (2536)، والذهبي في السير من طريق أبي الشيخ (16/ 280) وفي إسناده سلمة بن وردان وهو ضعيف كما قال الحافظ في التقريب (2514). قال الهيثمي في المجمع (7/ 147): رواه الترمذي باختصار.
وضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (20) والسلسلة الضعيفة (1548).
(3)
القاموس المحيط (ص959).
عن ابن عباس (1)) ورمز المصنف لصحته وهو من رواية عثمان بن الأسود قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: من أين جئت؟ فقال: من مكة، قال: شربت من زمزم؟ قال: شربت إلى أن قال: فذكره، قال الحاكم: إن كان عثمان سمع من ابن عباس فالحديث على شرطهما، وتعقَّبه الذهبي: بأنَّه لم يُدرك ابن عباس، وقال ابن حجر: حديث حسن.
23 -
" آية العز "الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" الآية (حم طب) عن معاذ بن أنس (ح) ".
(آية العز) العز في الأصل القوة والغلبة والشدَّة، قاله في النهاية (2): الحمد لله الذي لم يتخذ ولدًا كما زعمته اليهود والنصارى، والقائلون الملائكة بنات الله، الآية منصوب بفعل محذوف أي اقرأ الآية، وإنما يجد قوته اختصارا ومثله البيت والحديث، والآية هي قوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} [الفرقان: 2] كما زعمه من اتخذ مع الله إلهًا آخر، ولم يكن له ولي من الذل، أي لم يوالي أحداً يمتنع به من المذلة، وكبره تكبيرًا، عظمه ومجَّده تعظيمًا كثيراً، وإن كنت لا تبلغ ثناء عليه فهذه الآية الكريمة أثبتت الحمد لله، ودلت على اختصاصه به، ونفت عنه الولد والشريك في الملك، والولي من الذل، وأمرت بتكبيره وتعظيمه، وكذلك أفادت أن من تفرد بهذه الصفات فهو القوي الذي لا يغالب، والعزيز
(1) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 57) وابن ماجه (3061) والطبراني في المعجم الكبير (11/ 124) رقم (11268) والحاكم في المستدرك (1/ 472) والبيهقي في السنن (5/ 147)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه إن كان عثمان بن الأسود سمع من ابن عباس، وقال البوصيري (3/ 208): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وقال المناوي (1/ 61) قال الحافظ: حديث حسن والحاصل أن بعض أسانيده رجالها ثقات لكن فيه انقطاع بين عثمان بن الأسود وابن عباس عند الحاكم فقط أما عند الباقين فالحديث متصل، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (22) والإرواء (1125).
(2)
النهاية (3/ 228).
الغالب، والمعنى أن علامة العز تفرده تعالى بالملك والحمد والكبرياء مع عدم اتخاذه الولد، ونفي الشريك عنه، والولي، والمراد: الآية الدالة على عزة الله من القرآن هذه الآية، ومن قال أن المراد الملازم على تلاوتها يصير قويًّا شديدًا، فمعلوم أنه غير المراد، وأن المقصود بيان ما دلت عليه لا بيان ما يحصل لتاليها، ثم ملازمة التلاوة شيء لم تدل عليه عبارة الحديث؛ ولأن هذا المعنى مما لا تساق له الأحاديث في الآيات، (حم طب عن معاذ بن أنس (1)) رمز المصنف لحسنه، وقال الزين العراقي: سنده ضعيف، وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني من طريقين في أحدهما: رشدين بن سعد وهو ضعيف، وفي الأخرى ابن لهيعة وهو أصلح منه.
24 -
" آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار (حم ق ن) عن أنس (صح) ".
(آية الإيمان) أي علامته الواضحة [ص:25]، حب الأنصار من إضافة المصدر إلى المفعول، أي حب المؤمن الأنصار: جمع ناصر من نصره أعانه، غلب على الأوس والخزرج الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآووه وقد سماهم الله تعالى بهذا الاسم في كتابه الكريم في عدة آيات، وقال حسان: سماهم الله أنصارًا لنصرهم دين الإله ونار الحرب تستعر.
وقيل: الإضافة في حب الأنصار إلى الفاعل، وأن من أحبه الأنصار فهو علامة
(1) أخرجه أحمد (3/ 439)، والطبراني في المعجم الكبير (20/ 192) رقم (429)، وقال الهيثمي في المجمع (7/ 52): رواه أحمد من طريقين في إحداهما رشدين بن سعد وهو ضعيف، وفي الأخرى ابن لهيعة وهو أصلح منه وكذلك الطبراني، وقال في (10/ 96): رواه أحمد ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم. وانظر تخريج أحاديث الإحياء (1/ 306)، وفي الإسناد رشدين بن سعد وهو ضعيف، "التقريب"(1942). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (19) والسلسلة الضعيفة (1547).
إيمانه، إذ لا يحبون إلا المؤمنين، والأول أقرب لما يأتي من التوصية بالأنصار، وتحري الوجهان في قوله:(وآية النفاق بغض الأنصار) ووجه الجميع أنه لا يحصل حب الأنصار إلا لمن أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم الذين أحبوا الدين وبذلوا النفوس والأموال في نصرة الرسول الأمين، وهذا مثل ما ورد في أمير المؤمنين كرَّم الله وجهه:"أنه لا يحبه إلا مؤمنٌ ولا يبغضه إلا منافقٌ"(1).
(حم ق ن عن أنس (2)) كلما أخرجه الشيخان أو أحدهما فإنه يرمز له المصنف بالصحة، وقد اكتفينا لهذا هنا ولم نذكر بعد ذلك في رمزهما أنه رمز لصحته المصنف.
25 -
" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان (ق ت ن) عن أبي هريرة (صح) ".
(آية المنافق) في النهاية (3): قد تكرر ذكر النفاق اسما وفعلاً، وهو اسم إسلامي لم تعرفه العرب بالمعنى المخصوص به، وهو الذي يستر كفره ويظهر إيمانه، وإن كان أصله في اللغة معروفاً، يقال: نافق ينافق منافقة، وهو مأخوذ من النافقا، أحد بأبي جحر اليربوع، إذا طلب من واحد هرب إلى الآخر، وخرج منه، وقيل: من النفق وهو السرب الذي يستتر فيه لستره كفره انتهى.
(ثلاث) مفهومه غير مراد لما يأتي من حديث ابن عمر: "وأربع من كن فيه كان منافقًا" عد هذه الثلاث، وزاد:"وإذا خاصم فجر"، فالأربع علامة أن من اجتمعن فيه خالص النفاق، ومن كانت فيه واحدة منهن كان فيه شعبة من
(1) أخرجه أحمد (6/ 292) والترمذي (3717) وأبو يعلى (6931) والطبراني في المعجم الكبير (23/ 375) رقم (19838) وفي إسناده: مساور الحميري مجهول، يروى عن أمه ولا يعرف حالها انظر التقريب (6587) و (8770).
(2)
أخرجه البخاري (17)، ومسلم (74)، وأحمد (3/ 130)، والنسائي (8/ 116).
(3)
النهاية (5/ 97).
النفاق، كما سيصرح به في الحديث الآتي، أن من كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان) أمانته، وأصله، أأتمن بهمزة مكسورة بعدها ساكنة، قلبت الساكنة ياء؛ لما علم في التصريف، وقد استشكل هذا الحديث على تقدير كون اللام جنسية لا عهدية، وهو أن هذه الخصال قد توجد في المسلم ولا يحكم بكفره بالإجماع، وقد أجيب عنه بأجوبة خمسة ستأتي في شرح حديث:"أربع من كن فيه"، وأحسنها جواب الكرماني أن المراد: وإذا حدَّث في كل أحاديثه كما يدل لإرادة العموم حذف المفعول، وكذا إذا وعد وإذا ائتمن معناه: إذا حدث كل حديث، كذب أو يكون الفعل ينزله منزلة اللازم، أي إذا وجد ماهية التحديث كذب، وارتضاه الحافظ ابن حجر (1) وحسنه، فليس في المسلمين من يتصف بهذا.
قلت: ولابد من تقييد هذا العموم، بأن يراد إذا حدث عن صحة إيمانه وحبه لله ولرسوله، إذ من المعلوم أنه لا بد وأن يجري الصدق على لسانه في شيء من أخبار دنياه، وتضم الثلاث: من قال: آية من نافق فيما روى الحفاظ عن أصدق من ينطق، إذا وعد أخلف، أو ائتمن خان، وإن حدث لا يصدق، (ق ت ن (2) عن أبي هريرة) وفي الباب أبي بكر وغيره.
26 -
" آية بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونهما (ص) عن سعيد بن المسيب مرسلاً".
(آية) بتنوين آية، (بيننا وبين المنافقين) علامة فارقة (شهود العشاء والصبح) أي حضور صلاتهما فالشهود مصدر شهد إذا حضر فهو مضاف إلى مفعوله، (لا يستطيعونهما) أي ليس لهم إيمان يحملهم على حضورهما فعبَّر بالمسبب عن
(1) انظر: فتح الباري (1/ 90).
(2)
أخرجه البخاري (33)، ومسلم (59)، والترمذي (2631).
السبب لا أن المراد نفي الاستطاعة التي هي شرط التكليف.
واعلم أنه لا تنافي بين هذه العلامات المذكورة في هذه الأحاديث الثلاثة بل هي إخبار بأن أيها حصل فهي علامة النفاق (ص عن سعيد ابن المسيب (1) مرسلاً) [ص:26]، سعيد بن المسيب هو شيخ الإسلام فقيه المدينة أجل التابعين ولد في زمن عمر بن الخطاب وسمع منه شيئًا وهو يخطب، قال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا من سعيد هو عندي أجل التابعين، قال العجلي: كان لا يقبل جوائز السلطان، وله أربعمائة دينار يتجر بها في الزيت، أفرد الذهبي سيرته في مؤلف، مات سنة 94 (2) على أحد الأقوال، والمسيب بفتح الياء المثناة التحتية المشددة، ورُوي عنه أنه كان يقوله بكسر الياء ويقول: سيّبَ الله من سيب أبي، والمرسل اسم مفعول من أرسله، وهو في عرف المحدثين: قول التابعي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل كذا، وفي قبوله ورده خلاف مفصل في كتب الأصول.
27 -
" آيتان هما قرآن، وهما يشفيان، وهما مما يحبهما الله، الآيتان من آخر سورة البقرة (فر) عن أبي هريرة".
(آيتان هما قرآن) في النهاية (3): الأصل في هذه اللفظة الجمع، وكل شيء جمعته فقد قرأته، وسمي به القرآن؛ لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد
(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه كما في الكنز (448)، وأخرجه البيهقي في الشعب (2856)، وقال المناوي (1/ 64) إسناده صحيح، وأخرجه مالك في الموطأ (1/ 130) رقم (292) دون قوله:"آية"، قال ابن عبد البر في التمهيد (20/ 11) لم يختلف عن مالك في إسناده هذا الحديث وإرساله ولا يحفظ هذا اللفظ عن النبي -عليه الصلاة السلام - مسنداً ومعناه محفوظ من وجوه ثابتة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (21).
(2)
انظر: الطبقات الكبرى (2/ 379) وتهذيب الكمال (11/ 66) وتهذيب التهذيب (4/ 74) والتقريب (2396).
(3)
النهاية (4/ 30).
والوعيد، والآيات المرسلة والسور بعضها إلى بعض، وهو مصدر كالغفران والكفران. انتهى.
قلت: والإخبار عنهما هنا بأنهما قرآن، تشريف لهما وإعلام بفضلهما، وإلا فكل ما اشتمل عليه دفتا المصحف من الآيات والسور فإنه قرآن وكذا قوله، (وهما يشفيان) فإن كل القرآن شفاء كما هو الحق في أنَّ {مِن} في قوله:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ} [الإسراء: 82] للبيان لا للتبعيض، وسيأتي الكلام على خاصية القرآن في كونه شفاء (وهما مما يحبهما الله الآيتان من آخر البقرة) بيان بعد الإبهام، فيه دلالة على شرفهما وتنويه بشأنهما، وهما من قوله تعالى:{آمَنَ الرَّسُول} إلى آخر السورة، أخرج أبو عبيد في (فضائله) (1) عن كعب قال: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم أعطي أربع آيات لم يعطهن موسى، ثم فسرها قال: والآيات التي أعطيها محمَّد صلى الله عليه وسلم {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} حتى ختم السورة. انتهى.
وهذه هي خواتيم البقرة الذي سيأتي أنه أعطيها صلى الله عليه وسلم من كنز من تحت العرش، فيحتمل إنما ذكره هنا خاص بآيتين منها، ويحتمل: أنه أطلق الآيتان على الأكثر منها، وأريد بالتنبيه عين معناها على مطلق التعدد، من باب فارجع البصر كرتين، وقوله: من آخر البقرة دليل على جواز هذا الإطلاق على السورة، خلافاً لمن زعم أنه لا يقال إن السورة التي يذكر فيها البقرة، (فر عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وهو ضعيف؛ لضعف إبراهيم بن يحيى (2).
(1) انظر: فضائل القرآن لأبي عبيد (ص: 123 رقم 17 - 34).
(2)
أخرجه الديلمي في الفردوس (1671)، وفي الإسناد محمد بن إبراهيم بن جعفر الجرجاني الكيال وقال الذهبي في الميزان: 6/ 39) صدوق، ووقع في مختصر الديلمي وفيه: إبراهيم بن يحيى وهو متروك كما قال الحافظ في التقريب (268)، ورجّح الغماري في المداوي (1/ 54) أنه إبراهيم بن جعفر اليزدي وليس الكيالي فإذا كان الكيالي فهو وضاع، وإن كان اليزدي فهو صدوق. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (18) والسلسلة الضعيفة (1545).
28 -
" ائت المعروف، واجتنب المنكر، وانظر ما يعجب أذنك أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فأته، وانظر الذي تكره أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فاجتنبه (خد) وابن سعد، والبغوي في معجمه، والباوردي في المعرفة، (هب) عن حرملة بن عبد الله بن أوس، وما له [حديث]-غيره (ح) ".
(إئت) بالياء الساكنة بعد الهمزة وأصلها همزة ساكنة، قلبت ياء لما عرف في التصريف (المعروف) في النهاية (1): المعروف: حسن الصحبة والنصيفة مع الأهل وغيرهم، والمنكر: ضد ذلك (واجتنب المنكر) قال المناوي: المنكر ما ليس فيه رضي الله تعالى من قول أو فعل، والمعروف ضده (وانظر ما يعجب أذنك) نسبة الإعجاب إلى الأذن مجاز، وإلا فالمعجب الإنسان، إلا أنه لما كان السمع سبب إهدائه الإعجاب، نسبت إليه، أو من باب إطلاق الجزء على الكل، ويحتمل أن قوله (أن يقول) هو الفاعل فيكون المجاز في الأول في الإيقاع (الك القوم) الحاضرون (إذا قمت من عندهم) أي فارقتهم، والمراد ما يقولونه مع غيبته عنهم، فأته بفتح الهمزة مقصورًا أي الفعل الذي مدحت به، ولا ملامة عليك في إتيانه وإعجاب أذنك بما قالوه منه، (وانظر الذي تكره أن يقول لك القوم إذا قمت من عندهم فاجتنبه) فهو حث على أنه لا يأتي إلا بما يمدح به، وأن يجتنب ما يذم به، وفيه مراعاة الإنسان لأقوال جلسائه، وأنه لا يأتي إلا ما يمدح به (خد وابن سعد (2) والبغوي) هو الحافظ الكبير مسند العالم أبو القاسم
(1) النهاية (3/ 216).
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (222)، وابن سعد في الطبقات (1/ 320) والبغوي في معجم الصحابة والبارودي في المعرفة، وكذلك المزي في تهذيب الكمال (5/ 542)، والبيهقي في الشعب (11130)، وابن قانع في معجم الصحابة (1/ 210) وحَسّن إسناده الحافظ ابن حجر في الإصابة (2/ 51)، وفي إسناده عبد الله بن رجاء وهو الغداني، انظر ترجمته في المغني في الضعفاء (1/ 316)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (23) والسلسلة الضعيفة (1489).
عبد الله بن محمد البغوي الأصل البغدادي، سمع من عالم، وحدث عنه خلائق، وألّف معجم الصحابة [ص:27] والجعديات، وطال عمره وتفرد في الدنيا، مولده سنة 314، قال الذهبي: احتج به عامة من خرج الصحيح كالإسماعيلي والدارقطني والبرقاني عاش، 104، ومات سنة 317، ليلة عيد الفطر (1).
قلت: فقوله: في معجمه أي معجم الصحابة، وهذا غير البغوي مؤلف معالم التنزيل، وشرح السنة والمصابيح، والتهذيب، فإن اسم ذلك أبو الحسين محمد بن الحسين بن مسعود وفاته سنة 519 هـ في شوال (2)، والبغوي بالموحدة فغين معجمة نسبة إلى بغوان بلد من أعمال نيسابور، أو إلى بغثور، قال في القاموس: البغوي الأخير منسوب إليها، ولم يذكر الأول، والباوردي: بفتح الموحدة وسكون الراء وآخره، دال مهملة نسبة إلى بلدة بناحية خراسان، وهو أبو منصور، (في المعرفة) كتاب له في معرفة الصحابة (هب عن حرملة) بالحاء المهملة مفتوحة وراء ساكنة فميم مفتوحة فلام ابن عبد الله بن أوس وماله حديث يرويه غيره، غير هذا الحديث، قال: قلت: يا رسول الله ما تأمرني به أعمل؟ فذكره، رمز المصنف بحسنه، وفيه عبد الله بن رجا، قال الفلاس: كثير الغلط، والتصحيف، ليس بحجة، وقال أبو حاتم: ثقة، لكن قال الحافظ ابن حجر: حديثه يعني حرملة في الأدب المفرد للبخاري، ومسند الطيالسي، وغيرهما بإسناد حسن، قلت: ولذا رمز المصنف عليه بالحسن.
29 -
" ائت حرثك أنى شئت، وأطعمها إذا طعمت، واكسها إذا اكتسيت، ولا تقبح الوجه، ولا تضرب (د) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده (ح) ".
(1) تذكرة الحفاظ (2/ 737)، ومقدمة محقق كتاب "معجم شيوخ" للبغوي.
(2)
انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ (4/ 1257)، وهو: أبو محمد الحسين بن مسعود بن مسعود بن محمد البغوي.
(ائت حرثك) أي أهلك، لأنهم محل الحرث أي النسل، قال تعالى:{فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223]، أنَّى (شئت) أي من أي مكان شئت، من قُبل أو دُبر إذا كان المأتي موضع الحرث وهو القبل، والحديث مشتق من الآية (وأطعمها إذا طعمت) ليس ذلك شرطًا في إطعامها، وأنه لا يطعمها إلا إذا طعم بل ذلك مبالغة في الإيجاب، وأنه كما يطعم نفسه يطعمها، ومثله قوله:(واكسها) من الكسوة (إذا اكتسيت)(ولا تقبح الوجه) لا تدع عليها بذلك فتقول: قبح الله وجهك أو لا تصفها بقبح الوجه، وتقول يا قبيحة الوجه لما فيه من سوء العشرة، (ولا تضرب) أي الوجه على تقدير المفعول، وأنه حذف بدلالة الأول، عليه وذلك لأنه قد ثبت النهي عن ضرب الوجه، لا أنه نهي عن الضرب مطلقًا فقد ثبت إباحته في القرآن، ويحتمل أنه نهي إرشاد عن مطلق الضرب لما يأتي من حديث:"اضربوهن ولا يضرب إلا شراركم"(1) إلا أن في لفظ أبي داود: "ولا تضرب الوجه" وهو يؤيد الاحتمال الأول، (د عن بهز)(2) بالموحدة مفتوحة وهاء ساكنة آخره زاي (بن حكيم عن أبيه) حكيم المذكور، عن جَدِّه معاوية بن حيدة بالحاء المهملة فمثناة تحتية ساكنه القشيري وهو صحابي أعني معاوية -قال الذهبي: بهز صدوق فيه لين، وحديثه حسن، وثقه ابن المديني وابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وسئل ابن معين عن بهز عن أبيه عن جده؟ فقال: إسناد صحيح إذا كان من دون بهز ثقة،
(1) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/ 204) عن القاسم بن محمد مرسلاً وأخرجه البزار كما في المجمع (4/ 332) عن عائشة بلفظ: "اضربوهن ولن يضرب -أحسبه قال- خياركم" وفي إسناده علي بن الفضل وهو متروكٌ.
(2)
أخرجه أبو داود (2143)، وكذلك أحمد في المسند (5/ 3)، والنسائي في الكبرى (9110)، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في تغليق التعليق (4/ 431)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (17) والسلسلة الصحيحة (687).
والمصنف رمز هنا لحسن الحديث.
30 -
" ائتوا المساجد حسرًا ومعصبين، فإن العمائم تيجان المسلمين (عد) عن علي (ض) ".
(ائتوا) من الإتيان وهو القصد (المساجد) للصلاة (حُسرًا) بضمِّ الحاء المهملة وفتح السين المهملة المشددة آخره راء، جمع حاسر قال في (النهاية) (1): حسرت العمامة عن رأسي، والثوب عن بدني كشفتهما والمراد هنا بغير عمائم (ومعصبين) بالعين والصاد المهملة جمع معصب وهو المعمم والعمامة يقال لهما العصابة، (فإن العمائم تيجان المسلمين) بكسر المثناة الفوقية جمع تاج، وهو ما يصاغ للملوك من الذهب والجواهر وأراد صلى الله عليه وسلم أن العمائم للمسلمين بمنزلة التيجان للملوك لأنهم أكثر ما يكونون في البوادي مكشوفي الرؤس، وبالقلانس والعمائم فيهم قليل، والحديث إعلام بأنهم يقصدون المساجد على أية هيئة، وفيه حث على العمامة لقوله تيجان المسلمين، (عد (2) عن علي) هو حيث أطلق ابن أبي طالب، أمير المؤمنين عليًّا كما سلف [ص:28]، ورمز المصنف لضعفه؛ لأن فيه مبشر بن عبيد متروك، إلا أنه يشهد له ما رواه ابن عساكر (3) بلفظ:"ائتوا المساجد حسرًا ومعتمين فإن ذلك من سيماء المسلمين".
31 -
" ائتوا الدعوة إذا دعيتم (م) عن ابن عمر (صح) ".
(ائتوا الدعوة) بفتح الدال وغلط نغلب وقطرب القائلين بالضم، وأما دعوة النسب فبالكسر، والمراد: إجابة المسلم إلى الطعام، ويأتي فيها أحاديث،
(1) النهاية (1/ 383).
(2)
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 419) في ترجمة مبشر بن عبيد وهو متروك، وانظر ترجمته في:"المغني في الضعفاء"(51687) والميزان (6/ 17) وقال الألباني في ضعيف الجامع (26) موضوع وكذلك في السلسلة الضعيفة (1296).
(3)
انظر: تاريخ دمشق (36/ 265).
والإجابة من جملة حقوق المسلم على المسلم (إذا دعيتم) شرط للأمر بالإجابة، ومفهومه مراد، فإنه لا يجوز مع عدمها لحديث ابن عمر: من دخل على غير دعوة دخل سارقًا وخرج مغيرًا (م عن ابن عمر)(1).
32 -
" ائتدموا بالزيت، وادهنوا به، فإنه يخرج من شجرة مباركة (هـ ك هب) عن عمرو (صح) ".
(ائتدموا) أمر للندب والإباحة والإرشاد (بالزيت) هو دهن الزيتون ذكره الله في القرآن، وهو حار رطب يسخن باعتدال وينفع من السموم ويطلق البطن ويخرج الدود، وفوائده كثيرة (وادهنوا به فإنه يخرج من شجرة مباركة) فتبركوا به أكلا ودهنًا للبدن والشعر، وذلك لأن الله وصفها بالبركة، وقيل: لأنَّها تنبت في الأرض التي بارك الله فيها للعالمين (5 ك هب عن عمرو (2)) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: على شرطهما.
33 -
" ائتدموا ولو بالماء (طس) عن ابن عمر (ض]).
(ائتدموا) أي أصلحوا الخبز بالإدام، فإن أكله بغير إدام ضار، (ولو بالماء) فإن لم تجدوا إدامًا فإن الماء يقوم مقام الإدام في إصلاح الخبز، (طس (3) عن ابن عمرو) رمز المصنف لضعفه، وقال ابن الجوزي: لا يصح.
(1) أخرجه مسلم (1429) وكذلك البخاري (5173) فعزوه لمسلم قصور من المصنف رحمه الله.
(2)
أخرجه ابن ماجه (3319) والحاكم (4/ 122)، والبيهقي في الشعب (5939)، وقال الترمذي في العلل:(1/ 306) سألت محمداً عن هذا الحديث فقال: هو حديث مرسل، قلت له: رواه أحمد عن زيد بن أسلم غير معمر، قال: لا أعلمه، وانظر مسند البزار (275)، وقد ضعفه العقيلي في الضعفاء (3/ 401)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (18)، والسلسلة الصحيحة (379).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (1572)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن سفيان إلا عفيف تفرد به غزيل أهـ. وكذا أخرجه تمام في فوائده (1094)، والخطيب في تاريخه (7/ 430)، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية:(10803)، هذا حديث لا يصح أما غزيل فهو رجل مجهول)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (24) والسلسلة الضعيفة (1711).
34 -
" ائتدموا من هذه الشجرة، يعني الزيت، ومن عرض عليه طيب فليصب منه (طس) عن ابن عباس"(ض).
(ائتدموا) من هذه الشجرة، يعني الزيت وهذا التفسير لعله مدرج، وهو على تقدير مضاف أي من دهنها (ومن عرض) مبني للمجهول، (عليه طيب) بالإهداء ونحوه (فليصب منه) أي يأخذ منه؛ لأنه خفيف المؤنة يقوي الأعضاء، ويحبه الله تعالى وهو مما حبب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والأمر للندب (طس عن ابن عباس)(1) وهو حيث أطلق عبد الله صحابي جليل، رمز المصنف لضعفه وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح، فيه مجهولٌ وآخر ضعيفٌ.
35 -
" ائتزروا كما رأيت الملائكة تأتزر عند ربها إلى أنصاف سوقها (فر) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده".
(ائتزروا) البسوا الإزار، وهو إرشاد إلى كيفية لبسها لقوله:(كما رأيت الملائكة تأتزز عند ربها) أي في محل كرامته وإجلاله على جهة التمثيل كما ذكره أئمة التفسير في قوله: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} الآية. [الأعراف: 206]، (إلى أنصاف سوقها)، وسيأتي في ذلك أحاديث مبينة أنها إلى نصف الساق، وفيما بينه وبين الكعبين، وأنها يحرم من تحت الكعبين، وفيه دلالة على أن الملائكة تلبس الثياب كلبسه بني آدم وهم أصناف، كان هؤلاء صنف منهم (فر (2) عن عمرو بن
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (8340)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن ليث عن مجاهد إلا سويد أبو حاتم وقال الهيثمي في المجمع (5/ 43): فيه عبد الله بن طاهر وهو ضعيف، وقال في (5/ 157): رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه موسى بن زكريا وهو متروك. وانظر: العلل المتناهية (1083، 1084)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (19)، والسلسلة الصحيحة (379) وقال: وجملة القول أن الحديث بمجموع طريقي عمر وطريق أبي سعيد يرتقي إلى درجة الحسن لغيره على أقل الأحوال، والله أعلم.
(2)
أخرجه الديلمي كما في الفردوس (288)، وكذلك الطبراني في الأوسط (7807)، وفي إسناده=
شعيب عن أبيه عن جده) هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، وللناس في قبول روايته وردها كلام كثير، ذكره الذَّهبي في النُّبلاء (1)، وأختار توثيقه سكت عليه المصنف، وهو من حديث عمران القطان ضعَّفه الذَّهبي (2).
36 -
" ائذنوا للنساء أن يصلين بالليل في المسجد الطيالسي عن ابن عمر (ح) ".
(ائذنوا للنساء) إذا لم تخافوا عليهن الفتنة كذا قيده الشارح (أن يصلين بالليل في المسجد) فيه جواز خروج المرأة إلى الصلاة في المساجد في الليل للجماعة، ويأتي أحاديث في ذلك وأنها لا تخرج إلا غير متطيبة، والأمر يحتمل الإباحة والندب، والتقييد بالليل، إما لأنه محل للستر أو لأنه كان مظنة منعهن لما فيه من انتشار أهل الريبة، فعلى الأول لا يؤذن لهن بالنهار، وعلى الثاني يؤذن لهن (الطيالسي)(3) نسبة إلى الطيلسان، إقليم واسع، من نواحي الديلم (4) ويأتي أبو داود الطيالسي وهو هذا (عن ابن عمر) رمز المصنف لحسنه.
37 -
" ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد (حم م د ت) عن ابن عمر (صح) ".
(ائذنوا للنساء بالليل) أي لتأدية الصلاة جماعة (إلى المساجد) (حم م د ت
=عمران القطان وهو عمران بن داود وهو صدوق ضعفه يحيى والنسائي، وانظر: المغني في الضعفاء (4596)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (25) وفي السلسلة الضعيفة (1653).
(1)
انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 165).
(2)
هو عمران بن داوَرْ أبو العوَّام، قال الذهبي في الكاشف (4264): ضعّفه النسائي ومشّاه أحمد وغيره، وقال الحافظ في التقريب (5154): صدوق يهم، ورُمي برأي الخوارج. وانظر: الضعفاء والمتروكين (502).
(3)
انظر معجم البلدان (4/ 56).
(4)
أخرجه الطيالسي في مسنده (1892)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (21).
عن ابن عمر) (1).
38 -
" أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة (طب) والضياء في المختارة عن أنس (صح) ".
(أبى الله) الإباء أشد الامتناع، والمراد أن حكمته تعالى وعدله وإنصافه منع من (أن يجعل لقاتل المؤمن) عمدًا (توبة) وإنما قيدنا بالعمد لأنه المراد لتقييد الآية له في قوله:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} [النساء: 93] وقد ذهب ابن عباس وآخرون إلى هذا وأنه لا توبة [ص: 29] لقاتل المؤمن عمدًا، وأن عمومات عدم قبول التوبة مخصصة بالقاتل، وقيل: إن كان يفتي من يظن أنه سيقتل بعدم التوبة، ويفتي من قتل بالتوبة، وقال ابن القيم: هما روايتان عن أحمد، واستدل من منع من قبول التوبة بأنه حق لآدمي لم يستوفه في دار الدنيا، وخرج بظلامته فلابدَّ أن يستوفيه في دار العدل، قالوا: والذي استوفاه الوارث حقه الذي خيره الله بين استيفائه والعفو عنه، وما ينفع المقتول من استيفاء وارثه، وأي استدراك لظلامته حصل باستيفاء وارثه واستدل من قال بالقبول أن التوبة تمحو أثر الشرك والسحر وما هو أعظم إثمًا من القتل، فكيف تقصر عن محو أثر القتل، وقد قبل الله توبة الكفار الذين قتلوا أولياءه، وجعلهم من خيار عباده، ثم قال ابن القيم (2) بعد نقله لأدلة الفريقين: والتحقيق في هذه المسألة أن القتل يتعلق به ثلاثة حقوق: حق لله، وحق للمقتول، وحق للولي، فإذا سلم القاتل نفسه طوعًا واختيارًا إلى الولي وندمًا على ما فعل وخوفاً من الله عز وجل وتوبة نصوحًا، سقط حق الله بالتوبة، وحق الولي بالاستيفاء أو العفو، وبقي حق المقتول يعوضه الله سبحانه يوم القيامة، عن عبده التائب المحسن، ويصلح بينه وبينه ولا يذهب
(1) أخرجه مسلم (442) وأبو داود (568)، والترمذي (570)، وأحمد (2/ 145).
(2)
الجواب الكافي (ص 102).
ولا يبطل حق هذا ولا يذهب دمه هدراً انتهى.
فكأنه حمل عدم قبول التوبة على عدم سقوط حق المقتول بتوبة القاتل (طب (1) والضياء في المختارة عن أنس) رمز المصنف لصحته، وقال في الفردوس: صحيح.
والضياء هو الإمام الحجة محدث الشام شيخ السنة ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد السعدي المقدسي الصالحى الحنبلي صاحب التصانيف النافعة ولد سنة 569 سمع ما لا يوصف كثرة، وحصل أصولاً كثيرة ونَسَخَ وصنَّف وجرَّح وعدَّل، وكان الرجوع إليه في هذا الشأن، كان مجتهدًا في العبادة كثير الذكر منقطعًا متواضعًا، قال ابن النجار: حافظ متقن، عالم بالرجال ورع، مات سنة 643 (2)، والمختارة: كتاب صنَّفه في مختار الأحاديث التي ليست في الصحيحين إلا أنَّه لم يتمه، قال ابن كثير الشافعي: إنه أرجح من المستدرك للحاكم (3).
39 -
" أبى الله أن يرزقَ عبده المؤمن إلا من حيث لا يحتسب (فر) عن أبي هريرة (هب) عن علي"(ض).
(أبى الله أن يرزق عبده المؤمن) قيل: الكامل الإيمان (إلا من حيث لا يحتسب) أي من جهة لا يظنها ولا يخطر بباله أنه منها ليكون ذلك أتم لسروره، وأكمل في زيادة يقينه.
فإن قلت: كثيراً ما يأتي رزق المؤمن من جهة يقدرها ويحتسب رزقه منها كزراعته وتجارته وحرفته؟
(1) أخرجه الضياء في المختارة (2164)، وقال: إسناده حسن، والدارقطني في أطراف الغرائب والأفراد (855)، والطبراني في المعجم الكبير (17/ 355) رقم). (980)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (33) والسلسلة الصحيحة (689).
(2)
انظر: سير أعلام النبلاء (23/ 128)، والمقصد الأرشد (2/ 451).
(3)
قال الذهبي في السير: (23/ 126): ولد سنة (569) بالدير المبارك بقاسيون.
قلت: المراد جهة خاصة فإنه قد يقدر التاجر رزقه في سلعة معينة فيأتيه من سلعة أخرى لا يقدر فيها ذلك، وقد جرّب كثير من هذا، ويحتمل: أنه أريد بالمؤمن من رسخت فيه الثقة بالله والانقطاع إلى الله تعالى، ويدل لهذا خبر الطبراني (1):"من انقطع إلى الله كفاه كل مؤنه، رزقه من حيث لا يحتسب، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها"، والحديث يفسر بعضه بعضًا.
(فر (2) عن أبي هريرة) لكنه قال: من حيث لا يعلم، ورمز المصنف لضعفه لأنه فيه عمر بن راشد عن عبد الرحمن بن حرملة، قال الذهبي: عمر مجهول، منكر الحديث، وابن حرملة ضعيف. (هب عن علي) وتعقبه بقوله: لا أحفظه بهذا الإسناد، وهو ضعيف بمره.
40 -
" أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته (5) وابن أبي عاصم في السنة عن ابن عباس (ح) ".
(أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة) في القاموس (3) البدعة بالكسر، الحدث في الدين بعد الإكمال، وما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الأهواء والأعمال، وفي النهاية (4): أنها نوعان بدعة هدى وبدعة ضلالة، فما كانت في خلاف ما أنزل الله به ورسوله فهي في حيز الذم [ص:30] والإنكار، وما كان واقعًا تحت عموم ما ندب الله إليه وحض عليه، أو رسوله فهي في حيّز المدح انتهى.
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (3359) وفي الصغير (321)، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 303): فيه إبراهيم بن الأشعث صاحب الفضيل وهو ضعيف.
(2)
أخرجه الديلمي في الفردوس (1714) عن أبي هريرة، والبيهقي في الشعب (1197) وقال: ضعيف بمرة، والقضاعي عن علي في "الشهاب"(585)، وانظر طرقه وتضعيفه في "فتح الوهاب بتخريج أحاديث الشهاب"(1/ 415 - 418)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (28) وفي السلسلة الضعيفة (1490).
(3)
القاموس المحيط (ص 908).
(4)
النهاية (1/ 106).
والحديث يراد به بدعة الضلال، والعمل هنا عام لكل عمل ابتدع فيه أو بكل عمل عمله مبتدع، ولو كان على سنة فلا يقبل لابتداعه في غيره، ويدل لهذا حديث حذيفة مرفوعًا:"لا يقبل الله لصاحب بدعةٍ صلاة ولا صوماً ولا صدقةً ولا حجاً ولا صرفاً ولا عدلاً" أخرجه ابن ماجة (1)(حتى) يدع (يترك) بدعته ونفي القبول نفى الإثابة أو للإجزاء سيأتي فيه التحقيق، وهذا الحديث من أعظم الزواجر عن الابتداع، ولقد عم الابتداع في كل ذرة من ذرات الدين، ولا يزال كل يوم في مزيد، فإن لله وإن إليه راجعون (5 بن أبي عاصم في السنة عن ابن عباس)(2) رمز المصنف لحسنه على رمز ابن ماجة، إلا أنه من رواته بشر بن الحناط عن أبي زيد عن المغيرة عن بن عباس قال في (الميزان) (3): أبو زيد والمغيرة لا يعرفان انتهى.
قلت: ورمز المصنف خلاف الصواب. وابن أبي عاصم هو ابن الحافظ الكبير الإمام أبو عمر بن النبيل بن أبي عاصم الشيباني الزاهد قاضي أصبهان، سمع من خلائق وله الرحلة الواسعة والتصانيف النافعة، قال ابن أبي حاتم: صدوق ذهبت كتبه في البصرة في فتنة الزنج، فأعاد من حفظه خمسين ألف
(1) أخرجه ابن ماجه (49)، وفيه محمد بن محصن كذاب كما قال ابن معين وأبو حاتم وقال البخاري: منكر الحديث وقال الدارقطني يضع الحديث. انظر ميزان الاعتدال (6/ 63) وقال الحافظ في التقريب (6268)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (1494): موضوع. وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/ 10) هذا إسناد ضعيف فيه محمد بن محصن، وقد اتفقوا على ضعفه.
(2)
أخرجه ابن ماجه (50) وابن أبي عاصم في السنة (39) والخطيب في تاريخ بغداد (13/ 185)، وقال البوصيري في الزوائد (1/ 11)، هذا إسناد ورجاله كلهم مجهولون قاله الذهبي في الكاشف، وقال أبو زرعة لا أعرف أبا زيد ولا المغيرة، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 145) هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه مجاهيل وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (29) وفي السلسلة الضعيفة (2/ 149).
(3)
انظر: ميزان الاعتدال (7/ 439)، وذكر هذا الحديث، ونقل عن ابن أبي زرعة قال: لا أعرف أبا زيد ولا شيخه ولا بشرًا، وانظر الجرح والتعديل (9/ 439).
حديث، وكان ظاهري المذهب مات سنة 387 (1).
41 -
" أبى الله أن يجعل للبلاء سلطاناً على بدن عبده المؤمن (فر) عن أنس (ض) ".
(أبى الله أن يجعل للبلايا) بالكسر والقصر وهو التألم والمشقة سلطانًا تسلطًا (على بدن عبده المؤمن) أي تسلطًا يدوم ويستمر، وإن اتفق ذلك لزيادة في أجره أحيانًا كذا قال الشارح.
قلت: هذا ذكره الشارح أيضًا فتدبر، ويحتمل أن يكون من بلي الثوب إذا تلاشى وذهب، وأنَّ المراد أنَّه لا يبتلي العبد المؤمن في قبره الذي هو بيت النبلاء كما قال الجريري، وإهالة بيت النبلاء ويكون خاصًا بالعلماء والشهداء الذين ورد أنها لا تأكلهم الأرض، وأما الأول فيرده أو يبعده ما في الأحاديث من أن المؤمن كخامة الزرع لا يزال النبلاء يصيبه وما لا يأتي عليه العد من الأحاديث في هذا الباب، ويؤيد ما حملناه عليه ذكر البدن (فر عن أنس)(2) رمز المصنف لضعفه لأن فيه القاسم بن إبراهيم الملطي كذاب، له عجائب من الأباطيل.
قلت: وهذا مما يخالف شرط المصنف الذي ذكره في الخطبة.
42 -
" ابتدروا الأذان، ولا تبتدروا الإمامة (ش) عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً".
(ابتدروا) بكسر الهمزة، أي يبادر بعضكم بعضًا مسارعة (الأذان) أي الإعلام بدخول وقت الصلاة، والمراد بادروا وسارعوا، والأذان لغة: الإعلام، وفي الشرع: الإعلام بألفاظ مخصوصة على أمر مخصوص، وهذا يصلح له كل
(1) انظر: سير أعلام النبلاء (13/ 430)، وفي قوله ظاهري المذهب: قال الذهبي: في هذا نظر: فإنه ضعف كتاباً على داود الظاهري أربعين خبراً ثابتاً مما نفى داود صحتها.
(2)
أخرجه الديلمي في الفردوس (1715)، وفي إسناده القاسم بن إبراهيم قال الدارقطني: كذاب، انظر:"المغني في الضعفاء" وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (27)، والسلسلة الضعيفة (471)(4977).
مؤمن، (ولا تبتدروا الإمامة) لأنه ما يصلح إمامة كل مؤمن، بل قد اعتبر الشارع لمن يؤمّ شرائط وأوصاف: من كونه أقرأهم ونحوها مما يأتي، ولأن ابتدار الأذان لا مفسدة فيه بخلاف بابتدار الإمامة، فإنه قد يتقدم من ليس بأهل على من هو أهل لها، ولأن ابتدار الأذان لا خلل فيه، ولا تفريق لجماعة المسلمين بخلاف ابتدار الإمامة (ش عن يحيى (1) بن أبي كثير مرسلاً) وهو ابن منصور اليمامي أحد الأعلام العباد أرسل عن أنس وغيره، وله شواهد.
43 -
" ابتغوا الرفعة عند الله: تحلم عمن جهل عليك، وتعطي من حرمك (عد) عن ابن عمر"(ض).
(ابتغوا) هو بالغين المعجمة اطلبوا (الرفعة) بكسر الراء هي علو الدرجة (عند الله) وفي الكبير: أنه لما قال صلى الله عليه وسلم الرفعة، قالوا: وما هي يا رسول الله، قال:(تحلم) بضم اللام من الحِلم بكسر الحاء المهملة وهي جملة استئنافية، وقعت جوابًا عن السؤال، فهو مرفوع لا مجزوم، لأنَّه ليس جوابًا للأمر ولذا عطف عليه، وتعطي مرفوعًا، والحلم العقل، والمراد هنا لازمه وهو الوقار وأنه لا يستفزه الغضب (عمن جهل عليك وتعطي من حرمك) مقابلة للسيئة بالحسنة، وذلك مما يوجب الرفعة عند الله في الدارين (عد عن ابن (2) عمر) رمز المصنف
(1) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 358) رقم (4116)، وعبد الرزاق (1/ 488) رقم (1877). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (30) والسلسلة الضعيفة (1491) وقال: وهذا إسناد ضعيف؛ فإنه وإن كان رجاله كلهم ثقاتا رجال الشيخين، فإنه معضل، وليس بمرسل كما قال السيوطي وأقره المناوي؛ فإن يحيى بن أبي كثير، إنما له رؤية لأنس، ولم يسمع منه، ولا من صحابي آخر كما فى "التهذيب" عن ابن حبان وغيره.
(2)
أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 96) في ترجمة الوازع بن نافع عن أبي أيوب، وقال ابن عبد البر: منكر الحديث، يروي عن أبي سلمة وسالم أحاديث لا تعرف إلا به ولا يتابع عليها. انظر: الاستيعاب (1/ 639)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1/ 195)، وضعفه الألباني في ضعيف=
لضعفه [ص31] لأن فيه الوازع بن نافع متروك.
44 -
" ابتغوا الخير عند حسان الوجوه (قط) في الأفراد عن أبي هريرة".
(ابتغوا الخير) اطلبوه (عند حسان الوجوه) المراد بها جمالها وثيابها وذلك أنها لما كانت الصورة الظاهرة عنواناً للصورة الباطنة والأخلاق تبع الخلق أرشد صلى الله عليه وسلم إلى أن من كمل الله صورته فهو مظنة للخير، ومحل لقضاء ما يراد منه من الحاجات على يديه، وقد كان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه إذا بردوا إليه بريداً أن يجعلوه حسن الوجه؛ ويأتي ذلك، ولذلك، يقول الإنسان في قبره لقرينه الصالح فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير، ولقرينه السيئ فوجهك الوجه الذي يأتي بالشر، كما ثبت في الأحاديث، وفي هذا الحديث إرشاد إلى القيافة والاستدلال بالصور إلى أثارها وهو علم مأثور له شأن متبع، ومن حمله على حسن الخلق فقد أبعد وقد روى عن ابن عباس (قط في الأفراد عن أبي هريرة)(1) سكت عليه المصنف، وهو من رواية محمد بن جعفر بن عبد الله الغفاري عن يزيد بن عبد الملك عن عمران بن إياس عنه، قال ابن الجوزي: موضوع، وتعقبه المصنف في مختصر الموضوعات، بأنَّ ابن أبي الدنيا أخرجه عن مجاهد بن موسى عن معن عن يزيد بن عبد الملك فزالت تهمة الغفاري.
45 -
" أبد المودة لمن وادك فإنها أثبت، الحارث بن أبي أسامة (طب) عن أبي حميد الساعدي"(ح).
(أبد) بفتح الهمز وسكون الباء والدال مكسورة، وتحذف ياء الأمر، وفي
=الجامع (32) وفي السلسلة الضعيفة (1575).
(1)
أخرجه الدارقطني كما في أطراف الأفراد (5382)، وقال: تفرد به يزيد بن عبد الملك الزركلي عن عمران، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1064) وتعقبه السيوطي في اللآلي (2/ 80) بأن ابن أبي الدنيا رواه كما في قضاء الحوائج (52) ومحمد بن جعفر مجهول كما في المغني في الضعفاء:(5359) وقال الألباني في ضعيف الجامع (31) وفي السلسلة الضعيفة (1585): موضوع.
بعض النسخ بألف بعد الدال، وهو غلط، يوهم أنه من المهموز وليس كذلك فإنه من بدا يبدوا إذا ظهر، لا من بدأ مهموز لأنه لا معنى له هنا، ولأن النسخ الصحيحة بإسقاط الألف والمعنى أظهر (المودة) وهي المحبة أي مودتك (لمن وادك) فإنها أي هذه الخصلة هي إبداك المودة لمن وادك (أثبت) لإدامة الود بينكما ويأتي المعنى هذا باسط (الحارث) هو ابن محمد (بن أبي أسامة) الإمام أبو محمد التميمي البغدادي الحافظ صاحب المسند ومسنده لم يرتبه، ولد سنة 176 وسمع عن خلائق، وعنه خلائق، وثقه ابن حبان، وقال الدارقطني: صدوق، وأما أخذه على الرواية فكان فقيرًا كثير البنات، وضعفه الأزدي وابن حزم، مات سنة 276 (1)(طب عن أبي حميد)(2) بضم المهملة (الساعدي) بالمهملات نسبة إلى بني ساعدة بطن من الخزرج واسم أبي حميد منذر وقيل عبد الرحمن من فقهاء الصحابة توفي أول خلافة معاوية (3)، وقد رمز المصنف لحسن الحديث، وقال الهيثمي: فيه من لم أعرفهم.
46 -
" ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فَضَلَ شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا (ن) عن جابر (ح) ".
(ابدأ) هذا من المهموز بمعنى ابتدأ الشيء وفعله أولاً (بنفسك فتصدق عليها) بالإنفاق فإن الإنفاق على النفس صدقة، والأمر للندب أو للإباحة
(1) انظر: لسان الميزان (2/ 157)، وجاءت وفاته سنة اثنتين وثمانين وقال: وهو الصواب وتاريخ بغداد (8/ 218) وجزم كذلك أنه مات سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
(2)
أخرجه الحارث في مسنده (915 - زوائد) والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (10/ 282) وقال الهيثمي: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفهم، وكذلك ابن أبي الدنيا في الإخوان (66). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (34).
(3)
انظر: الإصابة (7/ 94) وقال توفي في آخر خلافة معاوية أو أول خلافة يزيد بن معاوية.
والإيثار فضيلة (فإن فضل) زاد (شيء) من الذي ينفق منه (فلأهلك) وفيه أن نفقة الأهل بعد كفاية النفس، والمراد بالأهل الزوجة، (فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك) الأولاد ونحوهم إن أريد بالأول الزوجة، وإن أريد أعم منها فالقرابة يراد بهم الأعم من الأولاد (فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا) أي بين يديك وعن يمينك وشمالك، وهو كناية عن كثرة عدد الإنفاق، وأصل كذا كناية عن العدد، ويجيء من الخبر قليلاً (ت عن جابر) قال: اعتق رجل عبدًا لله له عن دبر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله فقال:(ألك مال غيره؟) قال: لا، فقال:(من يشتريه مني؟) فاشتراه نعيم العدوي، بثمانمائة درهم فجاء بها النبي صلى الله عليه وسلم فدفعها إليه، ثم ذكره، رمز المصنف لحسنه، وقد رواه مسلم (1).
47 -
" ابدأ بمن تعول (طب) عن حكيم بن حزام (صح) ".
(ابدأ بمن تعول) في النهاية (2): من تمونه وتلزمك نفقته من عيالك، يقال: عال الرجل عياله يعولهم، إذا قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة ونحوها.
قلت: وهو مقيد بما قبله أي بعد كفاية نفسك، وتبين أن المراد بالأصل فيه من يلزم نفقتهم (طب (3) عن حكيم) بزنة أمير (بن حزام)(4) بالمهملة مكسورة فزاي صحابي جليل ابن أخي خديجة أم المؤمنين، مات سنة 54، قال البخاري: عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإِسلام ستين سنة، قال: سألت
(1) أخرجه مسلم (997)، والنسائي (5/ 69).
(2)
النهاية (3/ 321).
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (3/ 200) رقم (3129)، وقد أورده ابن أبي الدنيا في العيال (3)، وفي إسناده أبو صالح مولى حكيم قال الهيثمي في المجمع (3/ 116) لم أجده، وأورده الذهبي في الميزان (7/ 383)، وقال: وعنه أبو الزبير لا يعرف وذكر الحديث، والحديث ثابت في الصحيح عن حكيم وغيره من الصحابة.
(4)
انظر: الإصابة (2/ 112) وقول البخاري في التاريخ الكبير (3/ 11).
رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الصدقة أفضل؟ فذكره، ورمز المصنف لصحته، وقال الهيثمي: فيه أبو صالح مولى حكيم لم أجد من ترجمه.
48 -
" ابدؤا بما بدأ الله به (قط) عن جابر (صح) ".
(ابدأوا) أي في السعي بين الصفا والمروة، ثبتت الرواية لهذا اللفظ بصيغة المضارع عند أحمد ومالك وجماعة من الأئمة (بما بدأ الله به) قاله صلى الله عليه وسلم خطاباً لأصحابه عند طوافه بين الصفا والمروة مشيرًا بذلك إلى الآية، ثم بدأ صلى الله عليه وسلم بالصفا، وذلك لأنه لا يبتدئ المتكلم إلا بما هو الأهم الأقدم عنده، لا لأن الواو تفيد الترتيب كما استدل به من ذهب إلى ذلك قال سيبويه ما معناه أن الواو لا تفيد الترتيب، لكنهم يقدمون ما هم بشأنه أعني وببيانه أهم وظاهر الأمر الوجوب (قط (1) عن جابر) رمز المصنف لصحته، وجابر هو بن عبد الله صحابي جليل إذا أطلق المحدثون اسمه فهو المراد، وفي الصحابة ممن اسمه جابر عشرون، ولا يذكر أحد منهم إلا مقيدًا باسم أبيه أو صفة، مات جابر بالمدينة سنة 78 وعمره 94 (2).
49 -
" أبردوا بالظهر، فإن شدة الحر من فيح جهنم (خ هـ) عن أبي سعيد (حم ك) عن صفوان بن مخرمة (ن) عن أبي موسى (طب) عن ابن مسعود (عد) عن جابر (هـ) عن المغيرة بن شعبة"(صح).
(أبردوا) في النهاية: (3) الإبراد: انكسار الوهج والحر، وهو من الإبراد
(1) أخرجه الدارقطني (2/ 254)، ورواه كذلك النسائي (5/ 236) وابن الجارود (419)، وصححه النووي في شرحه لصحيح مسلم (8/ 177) وابن حزم في المحلى (2/ 48)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (36)، وفي الإرواء (1120) لأن لفظ "ابدؤوا" شاذ لا يثبت لتفرد الثوري وسليمان به مخالفين فيه سائر الثقات.
(2)
الإصابة (1/ 434).
(3)
النهاية (1/ 114).
الدخول في البرد، وقيل: معناه صلوها في أول وقتها من برد النهار، هو أوله وفي القاموس (1): أبرد دخل في آخر النهار، وقوله:(بالظهر) أي بصلاته فإن الظهر اسم للوقت وهو ساعة الزوال، كما في القاموس (2): أيضاً (فإن شدة الحرِّ من فيح جهنم) بالفاء مفتوحة فمثناه تحتية فحاء مهملة، قال في النهاية (3): سطوع الحرِّ وفورانه، ويقال: بالواو وفاحت القدر يفيح ويفوح إذا غلت، وقد أخرجه مخرج التشبيه والتمثيل أي كأنه نار جهنم في حرها انتهى.
والمراد: تأخير الظهر عن أول وقتها حتى يعتدل حر الظهيرة، ذلك لأنه مع شدة الحرِّ لا تُقبل القلوب على الصلاة لشغلها بالمؤذي من شدة الحر، كما نهي عن الصلاة عند حضور الطعام، وعند مدافعة الأخبثين، وهذا الحديث دال على الأمر بتأخير صلاة الظهر أيام الحر، وهو حديث صحيح، وقال المصنف: هو متواتر رواه بضعه عشر (4) صحابيًّا.
قلت: إلا أنه قد عارضه حديث خبَّاب بن الأرت: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حر الرمضاء في جباهنا وأكفنا فلم يشكنا أخرجه مسلم (5)، في رواية البيهقي: فما أشكانا (6)، وقال:"إذا زالت الشمس فصلوا"، وقال الحافظ ابن حجر (7): مال
(1) القاموس المحيط (ص 341).
(2)
القاموس المحيط (ص 557).
(3)
النهاية (3/ 484).
(4)
انظر: قطف الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة (ص: 75 - 77) وذكر الكتاني في نظم المتواتر، الحديث رقم (62)، وبلغ عدد رواته عنده تسعة عشر صحابياً ..
(5)
أخرجه مسلم (619) وليس فيه "جباهنا وأكفنا"، ونسبها الحافظ المسلم في الفتح وفي التلخيص، وفي تنقيح أحاديث التعليق (1/ 405) وقال رواه مسلم وليس فيه جباهنا وأكفنا ونفاها كذلك ابن الملقن كما في خلاصة البدر المنير (429) ..
(6)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1/ 438).
(7)
انظر كلام الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 16 - 17).
الطحاوي إلى نسخ حديث خبَّاب هذا، وحمل بعضهم حديث الإبراد على ما إذا صار الظل فيئًا، وحديث خبَّاب على ما إذا كان الحصا لم تبرد؛ لأنه لا تبرد حتى تصفر الشمس فلذلك رخص صلى الله عليه وسلم: في الإبراد ولم يرخص في التأخير إلى خروج الوقت انتهى.
قلت: يأتي هذا التأويل في قوله صلى الله عليه وسلم: (فصلوا إذا زالت الشمس) وقد، بحثنا عن هذا في رسالتنا المسماة اليواقيت في المواقيت (خ 5 عن أبي سعيد (1) /حم ك عن صفوان بن مخرمة الزهري ن عن أبي موسى) هو حيث أطلق الأشعري اسمه عبد الله بن قيس صحابي معروف وفاته سنة 44 وقيل: سنة 50 (2)(طب عن ابن مسعود/ عد عن جابر/ 5 عن المغيرة) بضم الميم وبكسر بعدها غين معجمة فمثناه تحتيه (بن شعبة) بضم المعجمة فعين مهملة فموحدة والمغيرة صحابي معروف مات سنة خمسين وفي الصحابة ستة يسمون بالمغيرة (3).
50 -
"أبردوا بالطعام فإن الحار لا بركة فيه (فر) عن ابن عمر (ك) عن جابر، وعن أسماء، مسدد عن أبي يحيى (طس) عن أبي هريرة (حل) عن أنس".
(أبردوا) أمر إرشاد وندب (بالطعام الحار) أخروه حتى يبرد (فإن الحار لا
(1) أخرجه البخاري (538)، وابن ماجه (679) عن أبي سعيد. والطبراني (8/ 71) رقم (7399) عن صفوان الزهري، الطبراني، والطبراني (20/ 400)، وابن ماجه (680) عن المغيرة بن شعبة. والنسائي (1/ 249) عن أبي موسى، ومسلم (617)(615)، وأبو داود (402) والترمذي (157) والنسائي (1/ 248)، عن أبي هريرة، وابن ماجه (681)، عن ابن عمر، والبخاري (535)، ومسلم (616) والترمذي (158)، وأبو داود (401)، والبزار (280) عن عمر بن الخطاب، وابن خزيمة (331) عن عائشة، والطبراني في مسند الشاميين (1401) عن عمرو بن عبسة، وابن عدي في الكامل (2/ 292) عن جابر، الإصابة (4/ 294) عن عبد الرحمن بن جارية، والطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (1/ 307) عن ابن مسعود.
(2)
انظر: الإصابة (4/ 211)، والطبقات الكبرى (4/ 105).
(3)
انظر: الإصابة (6/ 197).
بركة فيه) أي لا نماء ولا خير وقد ذكر الأطباء ردأة الحار من الطعام، ويأتي النهي عنه، ويأتي في هذا الحرف وعليكم بالبارد فإنه أهنأ وأكثر بركة، (فر عن ابن عمر (1) ك عن جابر وعن أسماء) بفتح الهمزة وسين مهملة [ص:33] ممدودة، وهي إذا أطلقت بنت أبي بكر زوج الزبير والدة عبد الله بن الزبير ذات النطاقين، توفيت بمكة سنة 73، قال الذهبي: هي آخر المهاجرات وفاة (2)(مسدد) في القاموس كمعظم وهي بالمهملات بن مسرهد بن مجرهد، محدث، قال الذهبي: هو أبو الحسن الأسدي سمع من عوالم، وعنه البخاري وأبو زرعة وأبو داود وخلق، قال الذهبي: هو ثقة، وقال أبو حاتم: أحاديثه عن العطار عن عبيد الله عمر كالدنانير كأنه سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الذهبي: قلت لمسددٍ: مسند سمعتُ بعضه، مات سنة 228 رحمه الله (3)، (عن أبي يحيى) اسمه شيبان صحابي له هذا الحديث الواحد (4)(طس عن أبي هريرة) سكت عليه المصنف وفيه عبد الله بن يزيد البكري ضعفه أبو حاتم (5)
(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (327) والطبراني في الأوسط (6029) عن أبي هريرة (قلت لم يخرجه الديلمي عن ابن عمر)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 20) رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن يزيد البكري وقد ضعفه أبو حاتم. وأخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 132) عن جابر، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 25) عن أنس، وأخرجه بنحوه أحمد (6/ 350) وعبد بن حميد (1575) والدارمي (2047) وابن حبان (5207) والطبراني في الكبير (24/ 84) رقم (20247) والحاكم في المستدرك (4/ 131) والبيهقي في السنن (7/ 280)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 19) رواه أحمد بإسنادين أحدهما منقطع وفي الآخر ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف، ورواه الطبراني وفيه قرة بن عبد الرحمن وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن معين وغيره، وبقية رجالهما رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (37) والضعيفة (1587).
(2)
انظر: الإصابة (7/ 476).
(3)
انظر: تهذيب الكمال (27/ 443) تهذيب التهذيب (10/ 98)، الكاشف (5388).
(4)
انظر: الثقات لابن حبان (3/ 188)، وأسماء من يعرف بكنيته للأزدي (ص: 71).
(5)
انظر: الجرح والتعديل (5/ 201)، والكامل في الضعفاء (3/ 81)، والضعفاء لابن الجوزي=
(حل عن أنس) قال: أُتي النبي صلى الله عليه وسلم بقصعة تفور، فقال:"إن الله لم يُطعمنا نارًا فذكره"(1).
51 -
" أبشروا وبشروا من وراءكم أنَّه من شهد أن لا إله إلا الله صادقًا بها دخل الجنة (حم طب) عن أبي موسى (صح) ".
(أبشروا) خطاب لكل من يصلح له الخطاب من باب {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} [السجدة: 12]، فيحتمل أن يراد الحاضرون السامعون والبشرى أول خبر سار (وبشروا من ورائكم) وهو يؤيد أن الخطاب للسامعين إنه أي بأنه المبشّر لا يتعدى إلى المبشر به بنفسه إلا أن يحذف الجار مع أن قياسًا مطرداً (أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقًا بها) أي قائمًا به الصدق بمضمونها والاعتقاد بأنها حق؛ لأن كلمة الشهادة صادقة بلا ريب؛ لأنها مطابقة لما في نفس الأمر، ولو صدرت عمن يعتقد كذبها كالمنافق، بأن صادقته الكلام لا يلزمها صادقته المتكلم، فإنه لا يتصف بالصدق حتى يقوم به بأن يعتقده بخلاف صادقته الكلام، فهي مطابقته للواقع سوى صدر عمن يعتقده أولاً وشهد له قوله تعالى:{وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} فوصفهم بما قام بهم من الكذب مع صادقته ما قالوه وهو الشهادة بأنه رسول الله، وإذا عرفت هذا عرفت ملازمة صدق المتكلم لصدق الكلام، وعرفت ما في كلام الجمهور وخلاف الجاحظ من عدم التحرير، وهذا القيد في الحديث أخرج المنافق فإنه يقولها بلسانه غير صادق بها.
ثم هذا الحديث مقيد للأحاديث الواردة في فضل هذه الكلمة بهذا القيد،
= (2/ 149)، وتعجيل المنفعة (1/ 241)، ولسان العرب (3/ 379).
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (7012)، وفي الصغير (934)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 13): فيه عبد الله بن يزيد البكري وهو ضعيف.
وهو الصدق بها، وهو أيضًا مقيد بالأحاديث الدالة على إن مات على ذلك التصديق دخل الجنة.
واعلم أنها لما وردت الأحاديث في فضل هذه الشهادة أنها تدخل قائلها الجنة، وقد علم يقينًا أن للإسلام فرائض من أخلّ بها أو بشيء منها لم يكن من أهل الجنة، كما وردت النصوص بذلك تأول النَّاس أحاديث كلمة الشهادة فمنهم من قال: إنها منسوخة، ومنهم من قال بغير ذلك، قال الحافظ المنذري (1): وقد ذهب جماعة من أساطين أهل العلم إلى أن مثل هذه الإطلاقات التي وردت فيمن قال لا إله إلا الله دخل الجنة. أو حرمت عليه النار، أو نحو ذلك، إنما كانت في ابتداء الإِسلام حين كانت الدعوة إلى مجرد الإقرار بالتوحيد، فلما فرضت الفرائض وحدت الحدود نسخ ذلك، والدلائل على هذا كثيرة متظاهرة ثم قال: وإلى هذا القول ذهب الضحاك والزهري وسفيان الثوري وغيرهم، وقالت طائفة أخرى: لا احتياج إلى ادعاء النسخ في ذلك، فإن كل ما هو من أركان الدين وفرائض الإسلام هو من لوازم الإقرار بالشهادتين، ومتمماته، فإذا أقر ثم امتنع عن شيء جاحدًا ومتهاونًا على تفاصيل في ذلك، وخلاف حكمنا عليه بالكفر، وعدم دخول الجنة والنجاة من النار، وهذا القول قريب، وقالت طائفة: التلفظ بكلمة التوحيد سبب يقتضي دخول الجنة والنجاة من النار: بشرط أن يأتي بالفرائض ويجتنب الكبائر وهذا قريب من الذي قبله انتهى.
قلت: أما النسخ فرده الإمام الحافظ مؤلف العواصم ما هو مبسوط في الجزء الثالث منها، وقد تأولت أيضًا بتقييدها بالموت على التوبة، وضعف بأنه لا ينبغي للمبشر بكلمة التوحيد [ص:34] فضيلة أو بأنها مقيدة بعفو الله أو شفاعته صلى الله عليه وسلم أو يبعد الخروج من النار كما يدل له حديث: "نفعته يومًا من دهره
(1) الترغيب والترهيب (2/ 266).
يصيبه قبل ذلك ما أصابه) وسيأتي (1).
ثم المراد: من قال لا إله إلا الله مع الإقرار بأنَّ محمدًا رسول الله؛ لأنه علم من ضرورة دينه صلى الله عليه وآله وسلم وجوب الإقرار برسالته بكلمة التوحيد، حيث وردت مقيدة بما علم من الدين ضرورة، وأنها لا تتم إفادتها إلا مع قرينتها، فإن اليهود تقولها وتعتقدها مع أنهم في النار خالدين، فمثل:"من كان آخر قوله من الدنيا لا إله إلا الله"(2) أي مع اعتقاد الرسالة ثم الأظهر أن هذه البشرى مثل قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وإن من كان من أهلها ولم يقم بحقها داخل تحت المشيئة وهذا أقرب التأويل (حم (3) طب عن أبي موسى) رمز المصنف لصحته، قال الهيثمي: رجاله ثقات وله طرق.
52 -
" أبعد الناس من الله يوم القيامة القاص الذي يخالف إلى غير ما أمر به (فر) عن أبي هريرة".
(أبعد الناس من الله يوم القيامة) أي من رحمته (القاص) بقاف وآخره صاد مهملة ثقيلة وهو الذي يأتي بالقصة على وجهها ويحض الناس ويخوفهم ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ثم يخالف قوله فعله كما قال (الذي يخالف) أي يأتي مخالفًا في فعله (إلى غير ما أمر به) وقد ذمَّ الله من هذا شأنه حيث قال: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]، {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} الآية. [البقرة: 44]، وذمَّه العقلاء قال (4):
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (3486) وفي الصغير (العروض الداني)(393)، والبيهقي في الشعب (97)، وأوله: "من قال لا إله إلا الله
…
".
(2)
أخرجه أبو داود (3116)، والترمذي (977)، وقال الشيخ الألباني: صحيح.
(3)
أخرجه أحمد (4/ 411)، والطبراني كما في مجمع الزوائد (1/ 16)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (35) والسلسلة الصحيحفة (716).
(4)
البيت منسوب إلى أبي الأسود الدؤلي (ق. هـ 69)، وهو ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني.
لا تنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
وتأتي في معناه عدة أحاديث (فر عن (1) أبي هريرة) سكت عليه المصنف، وهو ضعيف، لضعف راويه عمرو السكسكي.
53 -
" أبغض الحلال إلى الله الطلاق (د هـ ك) عن ابن عمر (صح) ".
(أبغض الحلال إلى الله) البغض خلاف المحبة، وهو كراهة القول والفعل أو الشخص وهو هنا للأول (الطلاق) لما فيه من كسر النفس وحل عقدة الألفة التي يحبها الله تعالى ولأنه قد تفوت العفة الحاصلة بالنكاح للمرأة والرجل، وفيه أن كراهة الله تعالى للفعل لا ينافي حِلّه.
إن قلت: قد طلَّق صلى الله عليه وسلم وأمرنا بالطلاق، بل وأمر الله تعالى به فكيف يكون مبغوضًا إليه؟
قلت: ليس المراد هنا إلا الطلاق الذي لم يأمر به الشارع، ولا أذن فيه، وذلك الذي لا يكون له سبب إلا التشهي والتنقل في الحريم والرجال، فالمرأة تطلب الطلاق شهوة في غير من هي تحته وهو يفارق أهله ليذوق غيرها، ويأتي ذم الذواقين من الرجال والذواقات.
وأما ما كان لسوء عشرتها ومخافة أن لا يقيما حدود الله، فإنه محبوب إلى الله لأنه خلوص عن معصيته يحب الله الخلوص منها، فقد نهى الله تعالى عن الإمساك ضرارًا.
واعلم أن (أبغض) اسم التفضيل من بغض الثلاثي وهو هنا مبني للمفعول أي أشد الخلق مبغوضيةً والأكبر أنه يبني للفاعل إلا أنه في هذا الخمسة
(1) أخرجه الديلمي في الفردوس كما في الكنز (14984)، وانظر: المداوي للغماري (1/ 77 - 78).
وقد أورده ابن عدي في الكامل (5/ 146) في ترجمة عمرو بن بكر السكسكي وقال: ولعمرو بن بكر هذا أحاديث مناكير عن الثقات. وقال الألباني في ضعيف الجامع (42)، والسلسلة الضعيفة (2019) ضعيف جدًّا.
الأحاديث مبني للمفعول (د هـ ك عن ابن عمر (1)) رمز المصنف لصحته، وقد روي مرسلاً قال الحافظ ابن حجر (2): رجح أبو حاتم والدارقطني تصحيح المرسل.
54 -
" أبغض الخلق إلى الله من آمن، ثم كفر، تمام عن معاذ"(ح).
(أبغض الخلق إلى الله) أي شر الخلق عنده وأشدهم عذابًا لديه (من آمن ثم كفر) ومات كافرًا لأنه عرف الحق ثم خرج عنه بعد الدخول فيه، فبدل نعمة الله كفرًا، فهو أشد كفرًا وعذابًا من الكافر الأصلي (تمام)(3) بالمثناة الفوقية وتشديد الميم، هو الحافظ الإمام أبو جعفر محمد بن غالب الضبي البصري نزيل بغداد سمع من خلائق، وصنف وجمع، قال الدارقطني: ثقة محمود، وقال أيضًا: ثقة مأمون، إلا أنه يخطئ، مات سنة 273 (4)(عن معاذ) وهو بضم الميم ثم مهملة
(1) أخرجه أبو داود (2178) وابن ماجه (2018) والحاكم (2/ 196) وكذلك البيهقي (7/ 322)، وانظر العلل لابن أبي حاتم (1/ 431) ، وأورد أبو داود في مراسيله (2177)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 638) وقال: هذا حديث لا يصح، قال يحيى: الوصافي ليس بشيء، وقال الفلاس والنسائي: متروك الحديث، وقال البيهقي (7/ 322): وهو مرسل وفي رواية ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عمر موصولاً ولا أراه حفظه، وضعفه ابن القيم في حاشية السنن (6/ 160) بعد عزوه للدارقطني (4/ 35)، من رواية معاذ بن جبل، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (44) والإرواء (2040)، وأخرجه الحاكم في طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة موصولاً بلفظ:"ما أحل الله شيئاً أبغض إليه من الطلاق"، وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي، وزاد بأنه على شرط مسلم. المستدرك (2/ 196)، قال ابن التركماني: فهذا يقتضي ترجيح الوصل؛ لأنه زيادة، وقد جاء في وجوه، ولهذا رمز السيوطي في الجامع الصغير إلى الحديث بالصحة، انظر الجوهر النقي مع السنن الكبرى للبيهقي (7/ 227).
(2)
فتح الباري (9/ 356).
(3)
أخرجه تمام في الفوائد (1598)، وكذلك الطبراني في المعجم الكبير (20/ 114) رقم (226)، وكذلك البزار (2656)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 156)، وفي الإسناد صدقة بن عبد الله السمين وهو ضعيف، انظر: التقريب (2913)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (45).
(4)
انظر: لسان الميزان (5/ 337) و"الثقات"(9/ 151).
آخره معجمة، إذا أطلق منه وابن جَبَل بالجيم والموحدة مفتوحتين صحابي جليل أحد من تشتاق إليه الجنة (1)، ورمز المصنف لحسنه ورواه الطبراني وفيه صدقة بن عبد الله السمين ضعَّفه أحمد ووثَّقه أبو حاتم، قال الهيثمي: بقية رجاله ثقات.
55 -
" أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم (ق حم ت ن) عن عائشة (صح) ".
(أبغض الرجال إلى الله) أشدهم مبغوضية إليه (الألد) بفتح الهمزة آخره دال مهملة وهو الذي لا يرجع إلى الحق (الخصم) بالخاء المعجمة فصاد مهملة بزنه فرح هو المخاصم من خاصم إذا جادل وما راء وهو الذي [ص:35] يلح في الخصومة ولا ينفك والمراد: أنه أبغض الخلق في الخصومة (ق حم ت ن عن عائشة)(2) بالعين المهملة وستين معجمة هي: أم المؤمنين وأعلم أزواج سيد المرسلين، روت ألفاً ومائتي حديث عنه صلى الله عليه وسلم.
56 -
" أبغض العباد إلى الله من كان ثوباه خيرًا من عمله: أن تكونَ ثيابه ثياب الأنبياء، وعمله عمل الجبارين (عق فر) عن عائشة".
(أبغض العباد) أشدهم مبغوضية من حيث اللباس، فكأنه قال: أشد اللابسين بغضًا عند الله فلا يعارض ما تقَّدم (إلى الله من كان ثوباه) الإزار والرداء، إذ هما غالب ملبوس أهل ذلك العصر (خيرًا من عمله) قد فسرت الإبدال منه بقوله:(أن يكون ثيابه ثياب الأنبياء) في الهيئة والخشونة، (وعمله عمل الجبارين) جمع جبار وهو المتمرد العاتي كما في النهاية (3)، وشدة بغض الله
(1) انظر: الإصابة (6/ 136)، الطبقات الكبرى (2/ 347).
(2)
أخرجه البخاري (2457)، ومسلم (2668)، وأحمد (6/ 55)، والترمذي (2976)، والنسائي (8/ 247).
(3)
النهاية (1/ 235).
له؛ لأنه كالمستهزئ بالله بتواضعه في اللباس وتجبره في الأفعال أو لتدليسه على الناس وإيهامه أنه من الزهاد، ولكن الزهد في الملبوس وإن كان خير مطلقاً لكان عارضه ما صيره شرًّا محضًا (عق فر عن عائشة)(1) سكت عليه المصنف، وقال العقيلي: منكر، وفيه أبو صالح كاتب الليث وفيه مقال، عن سليم بن عيسى وهو متروك، وفيه أيضًا جعفر بن زبرقان ولا يحتج به، وجزم ابن الجوزي بوضعه، وقال الذهبي: باطل. وقال المصنف في الكبير: أنه أورده ابن الجوزي في الموضوعات ولم يتعقبه، فالعجب من إتيانه به هنا مع ما قاله في الخطبة.
57 -
" أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه (خ) عن ابن عباس (صح) ".
(أبغض الناس إلى الله أشدهم) مبغوضية لديه (ثلاثة) فسَّرهم بقوله: (ملحد في الحرم) بالحاء والدال المهملتين قال في القاموس (2): ألحد في الحرم ترك القصد فيما أمر به أو أشرك بالله أو ظلم أو احتكر الطعام (ومبتغ) من بغي بالموحدة والغين المعجمة طالب (في الإسلام سنة الجاهلية) طريقها وسيرتها وذلك شامل لكل ما كانت عليه الجاهلية من الطرائق والسير (ومطلب) أصله متطلب أدغمت التاء في الطاء بعد قلبها إليها (دم امرئ) لم يبح الشرع قتله كما أفاده بغير حق (ليهريق) أصله أراق أبدلت الهمزة هاء (دمه) الضمير فيه لامرئ ويحتمل أنه لمتطلب أي ليهريق دم نفسه، فإنه إذا قتل قُتل، والمعنى أن أشد
(1) أخرجه العقيلي (2/ 162)، وقال منكر، والديلمي في الفردوس (1418)، وفي إسناده سليم بن عيسى الكوفي قال الذهبي في الميزان (3/ 324): هذا باطل أ. هـ وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات (1448)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (46) والسلسلة الضعيفية (807) موضوع.
(2)
القاموس المحيط (ص 404).
أهل السيئات من الناس هؤلاء الثلاثة أما هم فيما بينهم فلا دلالة فيه على أن أحدهم أشد بغضًا من الآخر إلا أن ترتب الذكر يدل على أن المقدم أعرق في المبغوضية ثم ما يليه وقد يقال: صيغة الترقي تقتضي العكس، ولكل وجهه (خ عن ابن عباس)(1) ولم يخرجه مسلم وزاد في الكبير عن ابن ماجه.
58 -
" ابغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم (حم 3) عن أبي الدرداء".
(ابغوني) يقال أيضًا: بغيني كذا بهمزة الوصل أي أطلب لي أو أبغني بهمزة القطع أي أعني على الطلب، فالحديث يحتملهما والمراد، اطلبوا لي (الضعفاء) يصحبونني أو أعيونني على طلبهم فإني طالب لهم (فإنما ترزقون وتنصرون) على أعدائكم (بضعفائكم) بسببهم فلا يغتر الأقوياء بقوَّتهم، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم عند الخروج للجهاد، ويأتي حديث:"إذا بعثت سريةً فلا تنتقهم من الانتقاء" واقتطعهم فإن الله ينصر القوم بأضعفهم (حم 3 عن أبي الدرداء)(2) بدالين مهملتين بينهما راء ثم آخره همزة ممدودة، اسمه عويمر مصغَّر ابن زيد، ويقال بن عبد الله صحابي جليل عرف بكنيته، والدَردَاء ذهاب الأسنان، والدرداء ابنته توفي بدمشق سنة 32 وقيل غيرها (3)، سكت عليه المصنف وقد صحَّحه الحاكم وأقرَّه الذَّهبي وفي الرياض سنده جيد.
59 -
"أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته، فمن أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها، ثبَّت الله تعالى قدميه على الصراط يوم القيامة (طب) عن
(1) أخرجه البخاري (6882)، قلت: ولم يخرجه مسلم ولا ابن ماجه بل وهو مما انفرد به البخاري.
(2)
أخرجه أحمد (5/ 198)، وأبو داود (594) والترمذي (1702)، وقال: حسن صحيح. والنسائي (6/ 45)، والحاكم (2/ 106)، وقال النووي في رياض الصالحين (272) إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (40).
(3)
انظر: الإصابة (4/ 747).
أبي الدرداء (ح) ".
(أبلغوا حاجة من لا يستطيع إبلاغ حاجته) هو أمر لذي الوجاهة والقبول عنده، وعند السلاطين. وقيل: وهو أمر ندب؛ لأنه قرن بفعله الأجر، ولم يقرن بتركه الوعيد، وقد يقال: إنه للوجوب في شيء من الحاجات وللندب في شيء على حسب الأحوال (فمن أبلغ سلطانًا حاجة من لا يستطيع إبلاغها) لعدم قدرته على الاتصال به، ولعدم وجاهته عند السلطان (ثبَّت الله قدميه على الصراط) قد فسَّره الحديث أنَّه جسر على جهنم يعبر عليه الخلائق، فمنهم هالك، ومنهم ناجٍ، وتثبيت القدم كناية عن النَّجاة (يوم القيامة طب (1) عن أبي الدرداء) ورمز المصنف لحسنه وفي سنده إدريس بن يوسف الحراني، قال في "اللسان": لا يعرف حاله، قال الشارح: تبع المؤلف في عزوه للطبراني الديلمي، قال السخاوي (2): وهو وهم، فإن لفظه عنده:"رفعه الله إلى الدرجات العلى في الجنة" وأما لفظه الذي هنا فإنَّه رواه البيهقي عن علي وفيه من لم يسم.
60 -
" ابنوا المساجد واتخذوها جُمًّا (ش هق) عن أنس (ح) ".
(ابنوا المساجد) أمر للندب (واتخذوها جُما) بضم الجيم وتشديد الميم بزنة خمر جمع أجم قال في "النهاية"(3) لا شرف لها شبه الشرف بالقرون انتهى. وكان ذلك لئلا تعرف المساجد بأعقابها فيقصدها المشركون بالأذى، أو كأنه لأنها بيوت الله، ولا يحسن فيها فعل ما لا يحتاج إليه، أو لأنه زينه لظاهرها، وقد نهى
(1) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (5/ 210) وقال المناوي في فيض القدير (1/ 83) وفيه إدريس بن يوسف الحراني. قال في اللسان عن ذيل الميزان: لا يعرف حاله. ثم إن المؤلف تبع في عزوه للطبراني الديلمي. قال السخاوي: وهو وهم والذي فيه عنه بلفظ: "رفعه الله في الدرجات العلى في الجنة" وأما لفظ الترجمة فرواه البيهقي في الدلائل عن علي وفيه من لم يسم انتهى. فكان الصواب عزوه للبيهقي عن علي، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (48) والسلسلة الضعيفة (1954).
(2)
انظر: المقاصد الحسنة (ص: 13)، وكشف الخفاء (1/ 30).
(3)
النهاية (1/ 300).
عن تزيين باطنها فظاهرها كذلك (ش هق (1) عن أنس) رمز المصنف لحسنه، وفيه ليث ابن أبي سليم ضعيفٌ، وفيه انقطاعٌ كما صرَّح مخرجه البيهقي.
61 -
" ابنوا مساجدكم جُمًّا، وابنوا مدائنكم مشرفة (ش ق) عن ابن عباس (ح) ".
(ابنوا مساجدكم جُمًّا، وابنوا مدائنكم مشرفة" ذات شرف بتشريف بيوتها أو سورها، وكأنه لأنها أهيب في صدور الأعداء أو لغير ذلك (ش هق عن (2) ابن عباس) رمز المصنف لحسنه.
62 -
" ابنوا المساجد، وأخرجوا القمامة منها: فمن بنى لله بيتًا بنى الله بيتًا في الجنة، وإخراج القمامة منها مهور الحور العين (طب) والضياء في المختارة عن أبي قرصافة".
(ابنوا المساجد وأخرجوا القمامة منها) بضم القاف وتخفيف الميم، الكناسة (فمن بنى لله بيتًا) مسجدًا ويأتي ولو مثل مفحص قطاه (بنى الله تعالى له بيتًا في الجنة) في الكبير زيادة فيه قيل: يا رسول الله، وهذه المساجد التي تبنى في الطرق، قال:"نعم"(وإخراج القمامة منها مهور) جمع مهر وهو صداق المرأة، (الحور) بضم الحاء المهملة وسكون الواو جمع حوراء من الحور، وهو أن يشتد بياض بياض العين وسواد سوادها ويستدير حدوقها وترق جفونها وتبيض ما حواليها أو شدة بياضها وسوادها في بياض الجسد وسواد العين كلها كالطائر، ولا يكون في بني آدم بل يستعار لها، قاله في القاموس (3)، (والعين)
(1) أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 274) رقم (3152) والبيهقي في السنن (2/ 439) وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (2/ 502) ولم يتابع ليث بن أبي سليم على هذا وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (54) والسلسلة الضعيفة (1674).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 274) رقم (3151)، والبيهقي في السنن (2/ 439)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (54)، وفي السلسلة الضعيفة (1731) لجهالة الرجل الذي لم يسم.
(3)
القاموس المحيط (ص 486).
بكسر المهملة جمع عين وهي بجلاء العين من النحل بالتحريك، وهو سعة العين، والحديث حثَّ على الأمرين: بناء بيوت الله، وتنظيفها (طب (1) والضياء في المختاره عن أبي قرصافه) بكسر القاف وبالراء والصاد المهملة وفي اسمه خلافٌ، قيل: جندل، وقيل: جندرة، وكذلك في اسم أبيه، وهو صحابي (2)، سكت عليه المصنف، وضعَّفه المنذري وأعلَّه العراقي بأن في سنده جهالة، ومثله قال الهيثمي.
63 -
" أبِنِ القدح عن فِيكَ ثم تنفَّس (سمويه في فوائده (هب) عن أبي سعيد".
(ابن) من الإبانة الإزالة (القدح عن فيك) أزله عنه (ثم تنفَّس) أطلق نفسك من الفم، بعد إبانة الإناء الذي تشرب فيه عنه؛ لأَنه ينتن القدح إذا اتصل به النفس، فيفسده على نفسه أو على غيره، وهذا من آداب الشُّرب، ويأتي أنَّه يتنفَّس عنده ثلاثاً ويأتي الكلام فيه (سمويه) بفتح السين المهملة وتشديد الميم وضمها وفتح الواو وبعدها مثناة تحتية مفتوحة، هو الحافظ المتقين الطوّاف أبو بشر إسماعيل بن عبد الله بن مسعود العبدري الأصبهاني سمع عن عوالم، وعنه خلق، قال أبو الشيخ: كان حافظًا متقنًا مذاكرًا بالحديث، وقال أبو نعيم الحافظ: كان من الحفاظ والفقهاء، وقال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، قال الذهبي: قلت: من تأمل فوائده المروية عنه، علم اعتناءه بهذا الشأن توفي سنة 293 (3)(في فوائده هب عن (4) أبي سعيد) سكت عليه المصنف، وقد أخرجه
(1) أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 19) رقم (2521)، وقول الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 9) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (52)، والسلسلة الضعيفة (1775).
(2)
الإصابة (5/ 146 - 150).
(3)
انظر: تذكرة الحفاظ (2/ 566) تاريخ دمشق (8/ 422).
(4)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 925) رقم (1650)، والترمذي (1887)، والبيهقي في الشعب (1650)، وسموية في فوائده، وصححه الألباني في صحيح الجامع (46)، والسلسلة الصحيحة (380).
مالك في الموطأ، وفيه زيادة في أوله، أخرجه الترمذي وصححه وأقره الحفاظ، ورواه البيهقي في الشعب.
64 -
" ابن آدم، أطع ربك تسمى عاقلا، ولا تعصه فتسمى جاهلاً (حل) عن أبي هريرة وأبي سعيد".
(ابن آدم) خطاب عام لكل بني آدم من المذكور والإناث والصبيان وغيرهم، والعقلاء والمجانين، إلا أنه خص العقلاء المكلفين لأدلة أخرى، وهو منادي، والمطلوب استمالة قلب السامع للإصغاء إلى ما يلقى إليه من قوله (أطع ربك) والطاعة الانقياد له في كل ما أمر به ونهى عنه، والتعيين بالرب مع إضافته إلى المخاطب إيقاظ له بأنه مملوك، وأن من شأن المملوك، طاعة مالكه، سيما إذا كان مفيضًا عليه إحسانه مسبلاً عليه امتنانه، مبتدئًا بإيجاده فضلاً وبإبقائه له، وإدرار نعمه عليه (تسمَّى عاقلاً)، لم يجزمه في جواب الأمر؛ لأنه لم يقصد السببية؛ لأنها لا يناسب هنا؛ لأنها تقضي بأنه ليس بعاقل إن لم يطع ربه، مع أنه عاقل أطاع أو عصى إذ هو مكلف إلا أنه لما كان عاصيًا كان كأنه غير مستحق؛ لأن يسمي عاقلاً فإنَّ العاقل من عقله غفلة عن معاصيه وحجزه عن مناهيه (ولا تعصه فتسمي جاهلاً) لأنه مع العصيان لا يستحق أن يسمي عاقلاً؛ لأنه اسم تشريف وتكريم لا يستحقه إلا من قام بمعناه؛ لأن من غمره مولاه ومالكه بالنعم وأفاض عليه من جوده ما لا يحيط به الإحصاء إذا عصاه كان من الجهل في رتبة هي أعظم رتب الجهل، ولا يستحق أن يكون من ذوي العقل ولذا جعلهم الله كالأنعام بل أضلّ، وخصّ تعالى الخطاب في القرآن بذوي الألباب تعريضًا بأن من لا لب له ينتفع به كالبهائم، ويأتي حديث أفلح من رزق لبًّا، وقال الفقهاء: وأعقل الناس أزهدهم؛ لأنه لا يزهد في الدنيا إلا أرغب الناس في طاعة مولاه ويأتي حديث: "الكيس من عمل لما بعد
الموت" (حل عن (1) أبي هريرة وأبي سعيد) سكت عليه المصنف وقال مخرجه: غريب.
65 -
" ابن آدم، عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك. ابن آدم، لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع. ابن آدم، إذا أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك، عندك قوت يومك، فعلى الدنيا العفاء (عد هب) عن ابن عمر".
(ابن آدم عندك ما يكفيك) بما ضمنه تعالى من الكفاية، أليس الله بكاف عبده، ولم يكتف به العبد (وأنت تطلب ما يطغيك) من الغنى والزيادة في الدنيا، اللذين هما أسباب الطغيان {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق: 6 - 7]، (ابن آدم لا بقليل) من المال ونحوه (تقنع) تكتفي وترضى (ولا من كثير تشبع) هذا كالتفسير لصدر الحديث (ابن آدم إذا أصبحت معافى في جسدك) من الأسقام والآلام وأراد الشارح والآثام وليس بمراده من الحديث، وإن كان لا عافية إلا بالسلامة في الدين، إلا أن الحديث مسوق لغير ذلك (آمنا في سربك) بكسر المهملة وسكون الراء نفس الإنسان، يقال: فلان واسع السرب أي رخى البال، ويروى بالفتح لها وهو المسلك والطريق، يقال: خلاله سربه أي طريقه، (عندك قوت يومك فعلى الدنيا) ليس جواب الشرط (العفاء) بالمهملة والفاء ممدودة بزنة سما، كما في النهاية (2): أي الدروس وذهاب الأثر، وقيل: التراب، والمعنى: إذا أصبح عندي العافية في الجسد والقوت، والأمن، فهو يغنيك عن الدنيا، فإذا درست وذهب أثرها؛ فإنه لا يضرك ذلك، وقد عرفت أن جواب الشرط ما قدرناه أقيم مقامه قوله، فعلى الدنيا أو المراد:
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 345)، وكذلك الحارث في مسنده (841) زوائد، وفي إسناده عبد العزيز بن أبي رجاء قال الذهبي في الميزان (4/ 363) عن الدارقطني: متروك، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (41)، والسلسة الضعيفة (1714).
(2)
النهاية (3/ 266).
فقل أنت ذلك تحقيرًا لشأنها وإبعادًا لها فحذف القول، وبقي المقول وليس دعاء على الدنيا بالذهاب والدروس بل إظهارًا؛ لعدم المبالاة بها إن ذهبت (عد هب عن (1) ابن عمر) سكت عليه المصنف، وفيه أبو بكر الداهري أحد رجاله كذاب متروك، وقال الذهبي: متهم بالوضع، وذكر نحوه الحافظ ابن حجر.
66 -
" ابن أخت القوم منهم (حم ق ت ن) عن أنس (د) عن أبي موسى (طب) عن جبير بن مطعم، وعن ابن عباس، وعن أبي مالك الأشعري (صح) ".
(ابن أخت القوم منهم) هو قطعه من حديث فيه قصَّة واللفظ النبوي هو الذي في الكتاب، وسبب حديث أنس هو ما أخرجه ابن أبي شيبة عن أنس (2) قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم من غنائم حنين الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وعيينة بن حصن مائةً من الإبل، فقال ناس من الأنصار: يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمنا ناسًا تقطر سيوفنا من دمائهم، أو تقطر سيوفهم من دمائنا، فبلغ رسولَ الله فأرسل إليهم، فجاءوا فقال: فيكم غيركم؟ فقالوا: لا، إلا ابن أختنا، فقال:"ابن أخت القوم منهم".
وأما حديث أبي موسى فله خبر آخر وذلك ما أخرجه أحمد وغيره من حديث أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على باب فيه نفر من قريش وأخذ بعضادتي الباب وقال: هل في البيت إلا قرشي، قال: فقيل: يا رسول الله غير فلان ابن أختنا، فقال:"ابن أخت القوم منهم"(3)، والمراد: أنه متصل بهم بما له عليهم
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 140)، والبيهقي في الشعب (10360) وكذلك الخطيب (12/ 71) وابن عساكر (16/ 212) والقضاعي (1/ 361) من رواية ابن عمر، وفي إسناده أبو بكر الداهري متهم بالوضع، وانظر: المغني في الضعفاء (3144)، وقال الحافظ: أبو بكر الداهري هو: عبد الله بن حكيم ليس بثقة ولا مأمون. انظر: اللسان (7/ 15).
(2)
انظر: المصنف لابن أبي شيبة (7/ 418) رقم (36995)، وابن حبان (7268).
(3)
رواه أحمد (4/ 396) والدولابي في الكنى (2/ 49) والطبراني في الأوسط (3/ 83 رقم 2563) ،والصغير (الروض الوافي) برقم (216) عن أبي سعيد الخدري.
من الخولة والاتصال بهم، ولا تنافيه أنه من آبائه نسباً، فإن المراد هنا: أنه ليس غيرًا لهم، كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: هل فيكم غيركم (حم ق ت ن (1) عن أنس د عن أبي موسى طب عن جُبَيْر) بضم الجيم وباء موحدة فمثناه تحتية آخره راء (ابنِ مُطعِم) اسم فاعل من أطعم، وجبير صحابي جليل قرشي نوفلي، توفي سنة تسع أو ثمان وخمسين بالمدينة (2)، (وعن ابن عباس وعن أبي مالك الأشعري) صحابي جليل.
67 -
" ابن السبيل أول شارب يعني من زمزم (طص) عن أبي هريرة (ح) ".
(ابن السبيل) في النهاية (3): أنه المسافر الكثير السفر سمي ابناً لها لكثرة ملازمته لها، والمراد به هنا: الوافد إلى مكة من قصَّادها (أوَّل شارب) أول مستحق، وأقدم بالشرب، فلا يقدم عليه غيره، وقوله (يعني من زمزم) مدرج في الحديث، ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم، وفي حديث أخرجه البيهقي (4):"ابن السبيل أحق بالماء، والظل من الباني عليه"، قال ابن الأثير (5): يعني إذا مرَّ بقوم مقيمين على الماء فهو أحق. انتهى.
قلت: وهذا في كل ظل، وما لا يختص بمكة كما خصصه من فسر ذلك، والأولى بقاء الحديث الذي في الكتاب على عمومه إلا أن يكون الذي أدرج
(1) أخرجه أحمد (3/ 171) والبخاري (3528)، ومسلم (1059)، والترمذي (3901)، وأبو داود (5122) رواية أبي موسى والنسائي (5/ 106)، والطبراني في المعجم الكبير (2/ 136) رقم (1576). وأحمد (5/ 342) عن أبي مالك الأشعري وله طريق آخر في حديث رفاعة بن رافع في حديث رواه البخاري في الأدب المفرد (42)، والحاكم في المستدرك (4/ 73).
(2)
انظر: الإصابة (1/ 462).
(3)
النهاية (2/ 339).
(4)
السنن الكبرى للبيهقي (10/ 4) لكن في إسناده كثير بن عبد الله المزني، وهو ضعيف، التقريب (5617).
(5)
النهاية (1/ 198).
التفسير الصحابي فإنه يقدم تفسيره لمعرفته بموقع الخطاب والسياق (طص (1) عن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه، وقال الهيثمي: رجاله ثقات.
68 -
" أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين، إلا النبيين والمرسلين (حم ت هـ) عن علي (هـ) عن أبي جحيفة (ع) والضياء في المختارة عن أنس (طص) عن جابر، وعن أبي سعيد".
(أبو بكر) اسمه عبد الله أو عتيق إلا أنه غلب عليه كنيته (وعمر) هو ابن الخطاب (سيدا كهول أهل الجنة)(2) السياد هنا الرفعة عند الله تعالى والأفضلية والكهل كفلس جمعه كهول هو من وخطه الشيب، أو من جاوز الثلاثين أو أربعًا وثلاثين إلى إحدى وخمسين، قاله في القاموس (3) وقريب منه في النهاية (4)، وقيل: أراد بالكهل هنا الحليم العاقل، فإن أريد به الأول ورد أن الجنة لا كهل فيها، بل كلهم في سن واحدة أبناء ثلاث وثلاثين، كما جاءت به الأحاديث، ويدفع الإيراد بأن المراد هنا سيدا من أكهل في الدنيا، وهو من أهل الجنة، فلا ينافيه حديث:"الحسنين سيدا شباب أهل الجنة" وحديث: "لا يبلي شبابهم" سيأتي، وحينئذ فالحسنان أفضل أهل الجنة إلا الأنبياء، وإلا أباهما فهو خير منهما. لما يأتي، وإن أريد بالكهل المعنى الثاني، والمراد: سيدا أهل الحلم والعقل في الجنة، عارضه حديث:"الحسنان سيدا شباب أهل الجنة" لأن أهلها كلهم
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الصغير (252) وقال تفرد به أحمد بن سعيد الجمال والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 132)، وقول الهيثمي في المجمع (3/ 286)، ولكن الحافظ ابن حجر أورده في اللسان (1/ 177) في ترجمة أحمد بن سعيد الجمال، وقال: تفرد بحديث منكر وذكره. وكذلك الذهبي في الميزان (1/ 100)، وانظر: المداوي (1/ 94).
(2)
أخرجه الترمذي (3781) وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل، وقال الشيخ الألباني: صحيح، وابن ماجه (118)، وأحمد (3/ 3) وابن حبان (6959) وغيرهم، وسيأتي.
(3)
القاموس المحيط (1362).
(4)
النهاية (4/ 213).
شباب حلماء عقلاء، فيكون دالاً على أفضلية الشيخين على من عداهما إلا الحسنين، ومن استثني وحديث الحسنين دال على أفضليتهما إلا على الشيخين، فالحديثان لا يدلان إلا على أفضلية من ذكر فيهما من حسنين على من عداهما إلا الشيخين ومن استثنى، وحديث الكتاب هذا دال على أفضلية الشيخين على من عداهما إلا الحسنين ومن استثني، ونظيره أن يقال: زيد أفضل أهل البلد إلا عمرًا، وعمر أفضل أهل البلد إلا زيدًا، فإنه يدل على أفضلية كل واحد منهما على أهل البلد، إلا من استثنى، وأما أفضلية زيد على عُمَر وعكسه فإنه لا دليل عليه من هذا التركيب، ويأت لهذا نظائر في الحديث (من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين) في هذا العطف دليل على مغايرة الرسول للنبي، خلافاً لمن زعم ترادفهما، ويأتي هذا مبسوطًا إن شاء الله تعالى (حم ت 5 عن علي) قال الصدر المناوي سنده سند البخاري (1)(5 عن أبي جحيفة) مصغَّر جحفة بالجيم والحاء المهملة والفاء صحابي جليل من صغار الصحابة، توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ الحلم، وشهد مع علي على المشاهد كلها، ومات سنة 74 بالكوفة (2)(ع والضياء في المختارة عن أنس (3) طص عن جابر وعن أبي سعيد).
69 -
" أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر من الرأس (ع) عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده، قال ابن عبد البر (4): وما له [حديث]-
(1) انظر: كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح برقم (4889).
(2)
انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (4/ 1619).
(3)
أخرجه أحمد (1/ 80) والترمذي (3665)، وابن ماجه (95)، وقال الترمذي: حديث غريب من هذا الوجه وأخرجه ابن ماجه (100) وابن حبان (6904) والطبراني في الكبير (22/ 104) رقم (257) عن أبي جحيفة، والضياء في المختارة (6/ 244)(2260) وابن عساكر في تاريخ (7/ 118) عن أنس، والطبراني في الأوسط عن جابر (8808)، وعن أبي سعيد (4431). وصححه الألباني في صحيح الجامع (59) والصحيحة (814).
(4)
انظر: الاستيعاب لابن عبد البر (1/ 119)، وقال: إسناده ضعيف.
غيره (حل) عن ابن عباس (خط) عن جابر" (ح).
(أبو بكر وعمر مني بمنزلة السمع والبصر) لمكانهما ومحلهما في الانتفاع بهما، والاستعانة بهما، أو بتلك المنزلة، في القرب والمحبة، أو في وجوب إكرامهما والصيانة لهما، ثم إنه يحتمل أن المراد: كل واحد منهما بمنزلة الحاستين، ويحتمل أنه أراد أن كل واحد منهما بمنزلة حاسة واحدة من الحاستين، لاحتمال أنَّ قوله:(بمنزلة السمع والبصر)، خبر عنهما معًا وأنه خبر عن الأول حذف خبر الثاني، لدلالته عليه، ويأتي الكلام على حديث:"أن عليًّا منه صلى الله عليه وسلم بمنزلة الرأس من الجسد" في حرف العين (ع عن المطلب) بضم الميم وتشديد الطاء (بن عبد الله بن حنطب) بالحاء المهملة المفتوحة فنون ساكنة وفتح الطاء بعدها موحدة تابعي وجده صحابي، ووقع في الموطأ حويطب، وقال الحفاظ أنه غلط وأن الصواب ما ذكرناه (1)، وكان المطلب تابعيًّا، من وجوه قريش، سمع عمر بن الخطاب وأبا هريرة، وعن أبيه عبد الله وعن جده حنطب (2)، (قال ابن عبد البر) هو الحافظ الكبير عالم الغرب مولده 368، سمع الكثير وساد أهل زمانه في حفظه، وإتقانه، له تآليف لا مثيل لها في جميع معانيها، وكتاب الاستيعاب في الصحابة ليس لأحد مثله، والتمهيد والاستذكار، وعدة مؤلفات، كان ديِّنا صينًا ثقة صاحب سنة، توفي سنة 463 (3)(وماله غيره) أي ليس لحنطب غير هذا الحديث يرويه، سكت عليه المصنف، وفي سنده اختلاف كثير قاله في الإصابة، وقال في أسد الغابة (4): سنده
(1) وقع ذلك في رواية يحيى الليثي حديث رقم 1786 في كتاب الغيبة، إلا أن المحقق قد صححه ولم بنبّه عليه، كما جاء في حاشية الموطأ برواية محمد بن الحسن.
(2)
انظر: الإصابة (4/ 64)، والاستيعاب (1/ 119). وقال الحافظ: صدوق كثير التدليس والإرسال، من الرابعة، انظر: التقريب (6756). وانظر للتفصيل: تهذيب الكمال (28/ 84081).
(3)
انظر: تذكرة الحفاظ (3/ 1128).
(4)
انظر أسد الغابة (1/ 288).
ضعيف، (حل عن ابن عباس)(1)، وسكت عليه المصنف، وفيه الوليد بن الفضل عن عبد الله بن إدريس قال الذهبي: مجهول واه، (خط عن جابر) رمز المصنف لحسنه إلا أن لفظه عند الخطيب:"أبو بكر وعمر من هذا الدين بمنزلة السمع والبصر من الروس"، ورواه الطبراني أيضًا، قال الهيثمي: رجاله ثقات.
70 -
" أبو بكر خير الناس؛ إلا أن يكون نبي (طب عد) عن سلمة بن الأكوع"(ض).
(أبو بكر خير الناس) الخيرية هنا مطلقة، قال الشارح: سقط من قلم المصنف لفظ بعدي، بعد قوله:"خير الناس".
قلت: وهو ثابت في الجامع الكبير.
(إلا أن يكون) أي يوجد (نبي) فكان تامة الحجة إلا أن لا يوجد بعده صلى الله عليه وسلم نبي، وفيه: فضيلة لأبي بكر (طب عد عن سلمة) بسين مهملة مفتوحة ولام مفتوحة، صحابي جليل من شجعان الصحابة، وفي الصحابة أربعون رجلاً يسمون بهذا الاسم (2) وهذا (ابن الأكوع) بفتح الهمزة آخره عين مهملة، والمصنف رمز لضعفه لأن فيه عكرمة بن عمار، ومن طريقه أخرجه ابن عدي والخطيب، قال ابن عدي: هذا الحديث مما أنكر على عكرمة، وقال الهيثمي
(1) أخرجه أبو يعلى (7345) وكذلك الترمذي (3671) عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبيه عن جده، وأبو نعيم في الحلية (4/ 73) عن ابن عباس، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة"(7/ 1318) والخطيب في تاريخ بغداد (8/ 460)، وأبو نعيم في المعرفة (2/ 886)، وابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 401) وابن عساكر في تاريخ دمشق (44/ 67). وعزاه الحافظ في الإصابة (1/ 358) للباوردي وقال: اختلف في إسناده اخلافاً كثيراً. وعزاه المناوي (1/ 89) لأبي يعلى والحاكم في تاريخه. وانظر: ترجمة الوليد بن فضل في الجرح والتعديل (9/ 13). وقول الذهبي في المغني في الضعفاء (2/ 724 رقم 6878) وفي المطبوع: مجهول، واتهمه ابن حبان.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (59) والسلسلة الصحيحة (814).
(2)
انظر: الإصابة (3/ 151).
بعد عزوه للطبراني: فيه إسماعيل بن زياد الأُبُلِّي (1) ضعيف (2).
71 -
" أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار، سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبى بكر (عم) عن ابن عباس".
(أبو بكر صاحبي) هذه صحبة خاصة له، وقد سماه الله صاحبه، {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} والإخبار بأنه صاحبه تنويه بشأنه، وإبانة لفضله، إلا أنه اختار لإفادة الحكم، أو لازمه (ومؤنسي في الغار) وهو غار ثور الذي اختفيا فيه، لما هاجرا، والقصة معروفة، ويحتمل أنه أراده صلى الله عليه وسلم تفسير الصاحب في الآية وبيان أنه المراد فيكون الإخبار لإفادة الحكم وهو الظاهر، وقوله في الغار قيد للأمرين (سدوا كل خوخة في المسجد) هي بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو ثم آخره معجمة أيضًا باب صغير كالنافذة الكبيرة يكون بين بيتين ينصب عليهما باب، غير خوخة أبي بكر، قال السمهودي في "خلاصة الوفا" (3): وبوب البخاري لقوله سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر، وساق حديثًا عن ابن عباس، وفيه:"لا يبقينَّ باب إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر"(4)، وفي رواية مسلم (5):"إلا خوخة أبي بكر"، قال: والخوخة: طاقة تفتح في الجدار للضوء، وحيث تكون سفلاً يمكن
(1) ذكر الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (2/ 127) هذا الحديث وقال: تفرد به إسماعيل هذا. فإن لم يكن هو وضعه، فالآفة ممن دونه، مع أن معنى الحديث حق. انتهى.
وانظر ترجمة إسماعيل هذا في تاريخ بغداد (6/ 274)، وتهذيب التهذيب (1/ 300)، وانظر كذلك: ميزان الاعتدل (1/ 231).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير كما في المجمع (9/ 44)، وابن عدي في الكامل (5/ 276)، وقول الهيثمي في المجمع (9/ 44)، وأخرجه ابن عساكر من طريق ابن عدي (30/ 212). ورواه الخطيب في تاريخه (5/ 253) في ترجمة داود القنطري، من حديث أبي هريرة. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (55)، والسلسلة الضعيفة (1676).
(3)
انظر: خلاصة الوفا (2/ 79).
(4)
أخرجه البخاري (3654).
(5)
أخرجه مسلم (2382).
الاستطراق منها، وهو المراد هنا، لذا أطلق اسم الباب عليها (1) قال الحافظ ابن حجر (2) في حديث:"سدوا الأبواب" ما يخالف ظاهره ما سبق، كحديث سعد بن أبي وقاص أمر رسول الله كما صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب علي أخرجه أحمد والنسائي وسنده قوي (3)، زاد الطبراني في الأوسط (4): قالوا: يا رسول الله، سددت أبوابنا، قال:"ما أنا سددتها ولكن الله سدها"، ورجاله ثقات، وذكر في المعنى أحاديث، ثم قال الحافظ: هذه الأحاديث تقوي بعضها بعضًا، وكل حديث منها صالح للاحتجاج به، وقد أورده يعني سدوا الأبواب إلا باب علي ابن الجوزي في الموضوعات (5)، وقد أخطأ في ذلك خطأ شنيعًا، لرده الأحاديث الصحيحة، بتَوَهُّم المعارض يريد حديث خوخة أبي بكر، مع إمكان الجمع، وقال البزار (6): الجمع ما دل عليه حديث أبي سعيد يريد الذي في الترمذي مرفوعًا (7): "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبًا غيري وغيرك" يريد علي بن أبي طالب عليه السلام؛ لأن الخطاب له، والمعنى أن باب علي
(1) انظر: خلاصة الوفا (2/ 79 - 80).
(2)
انظر: فتح الباري (7/ 14).
(3)
أخرجه أحمد (1/ 175)، والنسائي في الخصائص (41)، وللحافظ ابن حجر كلام طويل في هذا الحديث. انظر القول المسدد (ص: 5 - 6 و 17 - 23)، وذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 366)، من طريق أحمد، وقال أحمد شاكر في حاشية المسند برقم (1511): إسناده ضعيف.
وانظر: منهاج السنة لشيخ الإِسلام ابن تيمية (5/ 34 - 36). أخرجه الإِمام أحمد أيضاً من حديث زيد بن أرقم (4/ 369) وإسناده ضعيف أيضاً.
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط (3930).
(5)
الموضوعات رقم (684) عن سعد بن مالك، ورقم (686) عن ابن عمر، ورقم (690) عن جابر، ورقم (687) و (688) عن ابن عباس و (689) عن زيد بن أرقم و (692) عن أنس.
(6)
أخرجه البزار في المسند برقم (1197) وقال: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن سعد إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. ولا نعلم روى عن خارجة بن سعيد إلا الحسن بن زيد هذا.
(7)
أخرجه الترمذي (3727) وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه. وقال الشيخ الألباني: ضعيف.
عليه السلام كان لجهة المسجد، ولم يكن له باب غيره، فلذلك لم يؤمر بسده بخلاف أبي بكر، فإنه كان له باب من خارج المسجد، وخوخة إلى المسجد، كما صرح به الكلاباذي، ويقال: وهو الأصح أنهم أمروا بسدِّ الأبواب، إلا باب علي فسدوها، ثم أحدثوا خوخًا يستقربون الدخول منها، بعد الاستئذان فيه فأمروا أخرى سدها غير خوخة أبي بكر، وقد أطال السمهودي في خلاصته بما هذا خلاصته (1).
واعلم أنه سقط عن قلم المصنف ما هو ثابت في الجامع الكبير بعد قوله: في الغار، فاعرفوا ذلك له، فلو كنت متخذا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، سدوا إلى آخره (عم عن ابن عباس)(2) سكت عليه المصنف، وقال في الفتح (3): رجاله ثقات، وكذا رواه الديلمي وابن مردويه.
72 -
" أبو بكر مني وأنا منه، وأبو بكر أخي في الدنيا والآخرة (فر) عن عائشة (ض) ".
(أبو بكر مني) قال في الكشاف: قولهم: فلان مني كأنه بعضه لاختلاطهما واتحادهما، والمراد: هو يختلط ويتصل بي، وأنا كذلك فعرفت معنى قوله:(وأنا منه وأبو بكر أخي في الدنيا والآخرة) هذه أخوة خاصة غير أخوة الإيمان العامة، وليست هي المؤاخاة التي عقدها صلى الله عليه وسلم بين أصحابه فإنه عقد الأخوة بين
(1) انظر: خلاصة الوفاء (2/ 79 - 85).
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (1/ 270) وفي فضائل الصحابة برقم (603)، والقطيعي في جزء الألف دينار (294)، وكذلك أبو نعيم في الحلية (4/ 303) وعزاه السيوطي في الدر المنثور (4/ 202) إلى ابن مردويه وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 42): رواه عبد الله ورجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (56) وقال في السلسلة الضعيفة (2584): موضوع بلفظ "مؤنسي" ولكن سائره صحيح مشهور. وانظر كلامه هناك مفصلا. والسلسلة الضعيفة (2084).
(3)
فتح الباري (7/ 10).
أبي بكر وعمر فواخى بينهما كما ذكره المصنف في الجامع الكبير في مسند زيد بن أبي أوفى، ولأنه صلى الله عليه وسلم عقد الأخوة بينه وبين علي عليه السلام كما أخرجه أحمد في كتاب مناقب عليه السلام من حديث ابن أبي أوفى أيضًا قال: لما آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه قال علي: لقد ذهب روحي وانقطع ظهري حين رأيتك فعلت بأصحابك ما فعلت غيري، فإن كان هذا من سخط عليَّ ذلك العقبى والكرامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي بعثني بالحق نبيًّا ما أخَّرتك إلا لنفسي، أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي .. "(1) الحديث.
وفي الباب أحاديث كثيرة أودعناها "الروضة الندبة" في شرح قوله:
واخي قال له خير الورى
…
وهو أمر ظاهر ليس خفيًّا
وحينئذ فلا تعارض بين إخائه صلى الله عليه وسلم عليه السلام، وإخباره بأن أبا بكر أخوه في الدنيا والآخرة؛ لأن رتب الأخوة ودرجاتها متفاوتة وقد قال صلى الله عليه وسلم لعمر لما ودَّعه وهو خارج إلى مكة:"لا تنسانا يا أخي من دعائك"(2)(فر عن (3) عائشة) رمز المصنف لضعفه؛ لأن فيه عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، قال الذهبي في الضعفاء: كذبوه، وفي الميزان عن ابن أبي حاتم: كان يكذب، وعن الدارقطني: كان يضع.
(1) أخرجه أحمد في فضائل الصحابة برقم (1085)، وإسناده ضعيف. وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2707)، والطبراني في الكبير (5/ 230) رقم (5146) وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 219) هذا حديث لا يصح عن رسول صلى الله عليه وسلم قال أبو حاتم الرازي عبد المؤمن ضعيف.
(2)
أخرجه أبو داود (1498)، وابن ماجه (2894)، وأحمد (1/ 29)، والبيهقي في الشعب (9059)، وفي السنن الكبرى (5/ 251)، وقال الشيخ الألباني: ضعيف.
(3)
أخرجه الديلمي في الفردوس (1780)، وعبد الرحمن بن عمرو بن جبلة كذاب، انظر: المغني في الضعفاء (3607)، وميزان الاعتدال (2/ 580).
وقال الألباني في ضعيف الجامع (57) والسلسلة الضعيفة (2090): موضوع.
73 -
" أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة (حم) والضياء عن سعيد بن زيد (ت) عن عبد الرحمن بن عوف".
(أبو بكر في الجنة) محكوم له وهو في دار الدنيا بأنه في الجنة، أو إخبار باعتبار ما يؤول إليه، وهؤلاء المذكورون هم العشرة الذين أخبر صلى الله عليه وسلم بأنهم في الجنة (وعمر في الجنة) هو حيث يطلق: ابن الخطاب (وعثمان) هو ابن عفان (في الجنة وعلي) هو ابن أبي طالب (في الجنة، وطلحة) هو ابن عبد الله، أسلم على يد أبي بكر قديماً (1) (في الجنة والزبير) هو أبو عبد الله هو: ابن العوام زهري قرشي (2)(في الجنة وعبد الرحمن بن عوف) العوف: بفتح المهملة الشأن أو الذكر والجد واسم طائر وكأنه نقل من أحد هذه الأسماء، وهو زهري، وكان اسمه: عبد عمر فسمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن، أسلم بمكة قديمًا على يد أبي بكر (3)(في الجنة وسعد) هو أبو إسحاق هو ابن أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن وهيب زهري قرشي أسلم قديمًا على يد أبي بكر (4)(في الجنة وسعيد) هو أبو الأعور، (بن زيد) بن عمرو بن نفيل العدوي القرشي (5)، (في الجنة وأبو عبيدة) اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح الفهري القرشي (6)(في الجنة) فهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة نظّمهم السيد الحافظ محمد بن إبراهيم بن الوزير
(1) انظر: الإصابة (3/ 529).
(2)
انظر: الإصابة (2/ 553).
(3)
انظر: الإصابة (4/ 346).
(4)
انظر: الإصابة (3/ 73).
(5)
انظر: الإصابة (3/ 103).
(6)
انظر: الإصابة (3/ 586).
رحمه الله تعالى:
للمصطفي خير صحبٍ نص أنهم
…
في جنَّة الخلد نصًّا زادهم شرفاً
هم طلحة وابن عوف والزبير
…
مع أبي عبيدة والسعدان والخلفاء
ونظم عددهم جماعة من أئمة الحديث، واعلم أن الإخبار بأنهم في الجنة، المراد: أنهم داخلون الجنة في أول الأمر من دون أن يصيبهم بعذاب، فلا يرد أن كل من مات على الإيمان يدخل الجنة، وفيه فضيلة لهم ليست لغيرهم، إلا من شهد له صلى الله عليه وسلم بمثل ذلك (حم والضياء عن سعيد بن زيد ت عن عبد الرحمن بن عوف (1).
74 -
" أبو سفيان بن الحارث سيد فتيان أهل الجنة، ابن سعد (ك) عن عروة مرسلاً".
(أبو سفيان) في سببه الثلاث حركات (بن الحارث) هو ابن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم أبو سفيان عام الفتح، وحسن إسلامه (سيد فتيان أهل الجنَّة) الفتيان بكسر الفاء جمع فتى، وهو الشباب السخي الكريم، قاله في القاموس (2)، وهذه السيادة أخص من سيادة الحسين والعمرين، كما لا يخفى واسم أبي سفيان المغيرة، (ابن سعد ك عن عروة) بضم المهملة وهو إذا أطلق فهو عروة بن الزبير ليس له صحبة؛ لأنه ولد سنة 29 وهو أحد الفقهاء السبعة وهو ثقة مأمون (3)(مرسلاً)(4) ورواه ابن سعد عنه بلفظه، وروى الحاكم
(1) أخرجه أحمد (1/ 187) والضياء في المختارة (3/ 282) رقم (1083)، وابن أبي شيبة (6/ 350) وابن أبي عاصم (1428) وأبو نعيم في الحلية (1/ 95) عن سعيد بن يزيد، والترمذي (3747)، وأحمد (1/ 193) وأبو نعيم في المعرفة (1/ 20) وابن عساكر (21/ 78). عن عبد الرحمن بن عوف وقال أبو نعيم في المعرفة: حديث سعيد بن زيد هو الأصح، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5).
(2)
القاموس المحيط (ص 1702).
(3)
انظر: الطبقات في الكبرى (5/ 178) وتهذيب الكمال (20/ 11).
(4)
أخرجه الحاكم (3/ 255)، وابن سعد (4/ 53)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (61) =
والطبراني موصولاً بلفظ أبو سفيان بن الحارث خير أهلي، قال الحاكم: على شرط مسلم وأقره الذهبي (1).
75 -
" أتاكم أهل اليمن، وهم أضعف قلوبًا، وأرق أفئدة، الفقه يمان، والحكمة يمانية (ق ت) عن أبي هريرة (صح) ".
(أتاكم أهل اليمن) هو إخبار لأصحابه صلى الله عليه وسلم عند قدوم أهل اليمن كما تقتضيه أتاكم، وفي شرح مسلم (2) أنه قد صرف هذا اللفظ عن ظاهره، فقيل: المراد باليمن مكة والمدينة، وقيل: أراد مكة فقط، وقيل: أراد الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل، قال: وقال ابن الصلاح: لا منع عن إجراء الكلام على ظاهره، وحمله على أهل اليمن حقيقة؛ لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به، وتأكد إطلاعه منه نسب ذلك الشيء إليه إشعارًا بتميزه به، وكمال حاله فيه وهكذا كان حال أهل اليمن حينئذ في الإيمان وحال الوافدين منه في حياته صلى الله عليه وسلم وفي أعقاب موته كأويس القرني وأبي إدريس الخولاني وشبههما ممن أسلم قلبه وقوي إيمانه فكانت نسبة الإيمان إليهم بذلك إشعارًا بكمال إيمانهم من غير أن يكون في ذلك نفي له عن غيرهم، ثم قال: والمراد بذلك الموجودون منهم، حينئذٍ لا كل أهل اليمن في كل زمان، فإن اللفظ لا يقتضيه، هذا هو الحق على ذلك، ونشكر الله على هذا، انتهى.
قلت: ونعم ما قال أن الحق، أن المراد أهل اليمن حقيقة، وأما قوله: أنه لم
=والسلسلة الضعيفة (1743) وقال: هذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم، ولكنه مرسل. وهو بظاهره مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم: "الحسن والحسين سيدا شباب
…
". وهو مخرج في "الصحيحة" (796)، ورواية الطبراني في الكبير (22/ 327) رقم (824)، وحسن إسنادها الهيثمي في المجمع (9/ 274).
(1)
أخرجه الحاكم في المستدرك (3/ 285)، وقال: على شرط مسلم.
(2)
المنهاج شرح مسلم (2/ 32).
يرد إلا الموجودين، ففيه نظر، فإن ظاهر الممادح الواردة في أهل البقاع مثل قوله:"أهل الشام سوط الله في الأرض"(1)، الحديث، ونحوه ما أريد بها الموجودون بل أهل ذلك المحل، في أي زمان، بل لا يصح في حديث أهل الشام إرادة الموجودين، فإنه صلى الله عليه وسلم تكلّم بهذا قبل إسلام أهل الشام، وما هذه من الشيخ أبي عمرو إلا نعته مذهبيه كأنه رأى أهل اليمن في عصره ليسوا من أهل المذاهب الأربعة فحمل الحديث على الموجودين علمًا أن الموجودين، عند تكلّمه صلى الله عليه وسلم بالحديث لم يكن الأكثر منهم قد أسلم، فإنه ذكر في شرح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم تكلَّم بهذا الحديث وهو في تبوك، ولم يكن حينئذ كل أهل اليمن قد أسلموا، بل البعض منهم، فلو حمل الحديث على الجماعة الذين أتوه صلى الله عليه وسلم من أهل اليمن لكان أوفق وأنسب لقوله:"أتاكم"، على أن هذه الأحاديث الواردة في الفضائل لقبيلة أو بلدة ليست عامةً للأفراد، بل هي خاصة في نوع من وردت فيه فلا ينافيها خروج أفراد عن تلك الفضيلة، والحق أن أهل اليمن في كل الأعصار منهم الأخيار، والأشرار ولا تنافي الحديث، كما أن أهل الشام كذلك فهي فضيلة للنوع لا للأفراد، وهي قاضية بأن الأخيار أغلب من الأشرار (أضعف قلوباً وأرق أفئدة) المشهور أن الفؤاد هو القلب وقيل: الفؤاد، عين القلب، وقيل: باطن القلب، وقيل: غشاء القلب ووصفها بالضعف والرقة إعلام بأنها سريعة الخشوع، والاستكانة والتأثر عند سماع القوارع سالمة من الغلظ والشدة والقسوة التي وصف بها صلى الله عليه وسلم قلوب أهل المشرق حيث قال:"رأس الكفر المشرق" وفي لفظ: "غلظ القلوب [ص: 42] والجفاء في المشرق" والإيمان في أهل الحجاز، (الفقه) المراد به الفهم في الدين (يمان) أصله يمني فعوضت
(1) أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 288)، وأحمد في المسند (3/ 499)، والطبراني في الكبير (4/ 209)، رقم (4163).
الألف عن ياء النسبة، ولذا لا يجمع بينهما فلا يقال: يماني بالتشديد إلا أنه قد حكى المبرد والجوهري أنه قد جاء بالتشديد (والحكمة) اختلف فيها على أقوال في شرح مسلم (1) أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به، والصد عن اتباع الهوى، والباطل، والحكيم كل من له ذلك (يمانية) هو بتخفيف الياء عند جماعة أهل العربية، لما عرفت من أن الألف المزيدة عوض عن ياء النسبة، فلا يجمع بينهما وقد جاء التشديد كما سلف، والحديث فضيلة لأهل اليمن (ق ت عن أبي هريرة)(2).
76 -
" أتاني جبريل بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة، وأرسلت الطاعون إلى الشام. فالطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم، ورجس على الكافرين (حم) وابن سعد عن أبي عسيب (صح) ".
(أتاني جبريل بالحمى) الحمى حرارة، غريزية، تشتعل في القلب وينبث منه بتوسط الروح والدم في الشرايين والعروق إلى جميع البدن فيشتعل منه اشتعالاً يضر بالأفعال الطبيعية (والطاعون) المرض العام والوباء الذي يفسد الهواء، فتفسد الأمزجة قاله في القاموس (3)، ومثله في النهاية (4)، وقال ابن القيم (5): التحقيق أن بين الوباء والطاعون عمومًا وخصوصًا، فكل طاعون وباء وليس كل وباء طاعوناً، وكذلك الأمراض العامة أعم من الطاعون فإنه واحد منها، والطاعون خراجات وقروح وأورام رديئة حادثه في المواضع المتقدم ذكرها،
(1) انظر: المنهاج شرح مسلم للنووي (2/ 33).
(2)
أخرجه البخاري (4388)، ومسلم (52)، والترمذي (3935).
(3)
القاموس المحيط (1/ 69).
(4)
النهاية (3/ 127).
(5)
زاد المعاد (4/ 38).
قال: وهي اللحوم الرخوة وجه وخلف الأذان والأرنبة (فأمسكت الحمى بالمدينة) وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة وهي وبيئة، وكانت كذلك في الجاهلية، وروى البيهقي عن هشام بن عروة قال (1): كان وباء المدينة معروفاً في الجاهلية، وكان إذا كان الوادي وبيئًا وأشرف عليه الإنسان، قيل له: أنهق نهيق الحمار، فكان إذا فعل ذلك لم يضره وباء ذلك الوادي، انتهى (2).
وهاجر إليها صلى الله عليه وسلم وهي وبيئة ومرض فيها أصحابه، فدعا صلى الله عليه وسلم أن يُنقل إلى الجحفة، فنقل إليها (3)، فكان الطير يمر بالجحفة فتقع ميتًا، فهذه الحمى التي نزل بها جبريل غير تلك، ولعلها أخف من التي نقلت منها، (وأرسلت الطاعون إلى الشام) وإنما أمسك صلى الله عليه وسلم الحمى وأرسل الطاعون؛ لأنَّ الحمى أخف ألماً، لأنَّ الطاعون يعم، ويهلك في أسرع الوقت، قال السيد نور الدين (4): المشاهد عدم خلو المدينة عن الحمّى بخلاف الطاعون فإنها محفوظة منه، وكأنه صلى الله عليه وسلم أرسل الطاعون إلى الشام، ثم استمر، وأنه تعالى أخبره أنه لا بد في هذه الأمة من الطاعون والحمَّى وأنه يختار لبلديه أيهما أخف، فاختار الأخف، وأرسل الآخر إلى الشام لأنه لا يخلو عن كافر، فيكون عليه رجسًا، بخلاف أهل المدينة فإنهم مؤمنون لا يسكنها كافر (فالطاعون شهادة لأمتي) أي المصاب به يكون له أجر شهيد إن مات به (ورحمة لهم) لأنه يكون به لهم أجر الشهداء أو لأنه يسرع بهم إلى رحمة الله (ورجس) بكسر الراء وسكون الجيم آخره مهملة هو العذاب (على الكافرين) لأنهم لا يؤجرون على ألم، ولأنه يسرع بهم إلى عذاب الله (حم وابن
(1) انظر: دلائل النبوة للبيهقي (2/ 568)، والبداية والنهاية لابن كثير (3/ 223).
(2)
فتح الباري (7/ 262).
(3)
قال الخطابي وغيره: كان ساكنو الجحفة في ذلك الوقت يهوداً.
(4)
انظر: وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى لنور الدين السمهودي (1/ 61).
سعد (1) عن أبي عسيب) بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة بعدها مثناه تحتية آخره موحدة، هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقال: عصيب (2)، رمز المصنف لصحته، وقال الهيثمي: رجال أحمد ثقات.
77 -
" أتاني جبريل فقال: بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة. قلت: يا جبريل وإن سرق وإن زنى، قال: نعم، قلت: وإن سرق وإن زنى، قال: نعم، قلت: وإن سرق وإن زنى، قال: نعم وإن شرب الخمر (حم ت ن حب) عن أبي ذر (صح) ".
(أتاني جبريل فقال: بشر أمتك) أمة الإجابة (أنه) هو المبشر به (من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة) والمراد أنه لا يشرك، وقد صدق بكل ما جاءت به الرسل فإنه لا يدخله الجنة مجرد عدم الإشراك، (قلت: يا جبريل وإن سرق وإن زنا؟ قال: نعم) يدخلها، وإن سرق وإن زنى (قلت: وإن سرق وإن زنا؟ قال: نعم) يدخلها (قلت: وإن سرق وإن زنا؟ قال: نعم)، كرّر صلى الله عليه وسلم الاستفهام استثباتًا واستعظامًا للأمر، وأنه يدخل الجنة من أتى القبائح، ثم زاد جبريل قوله، (وإن شرب الخمر) إبانة لكونه أعظم من الزنا والسرقة، لأنه أم الآثام.
واعلم أن الحديث ورد بألفاظ أخرى، في بعضها: لأنَّ أبا ذر قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أخبره بصدر الحديث، وإن زنا وإن سرق سائلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم هل هذه البشرى تعم من أتى القبائح هذه؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بقوله:"وإن زنا وإن سرق"،
(1) أخرجه أحمد (5/ 81) وابن سعد في الطبقات (7/ 61)، والطبراني في المعجم الكبير (22/ 391)، رقم (9749) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (1016)، وقول الهيثمي في المجمع (2/ 310)، وقال المنذري (2/ 220): رواة أحمد ثقات مشهورون، وصححه الألباني في صحيح الجامع (60) والسلسلة الصحيحة (761).
(2)
انظر: الإصابة (7/ 275).
كرر السؤال والجواب ثلاثًا، وقال صلى الله عليه وسلم: على رغم أنف أبي ذر، ونسبها في "تيسير الأصول"(1) إلى الشيخين، وكأنه ورد الحديث بهذا اللفظ الذي في الجامع، وأنه أخبره جبريل أولاً فسأله كما سأله أبو ذر، وأجابه بما أجاب به صلى الله عليه وسلم أبا ذر فروى أبو ذر القصتين، قال التاج السبكي (2) في طبقاته: ولقد تأملت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن سرق وإن زنى"، وجمعه بين الزنا والسرقة، دون سائر المعاصي، فوقع لي أن الإشارة إلى أنه يتجاوز عن المعاصي المتعلقة بحق الله تعالى بعد الكفر كالزنا والمتعلقة بحق المخلوقين كالسرقة، فجمع من أوتي جوامع الكلم بين حق الله وحق المخلوقين يشير إلى أن دخول الجنة لا يتوقف على شيء منها انتهى.
قلت: وأما ما ثبت أن الذنوب ثلاثة، ذنب لا يتركه الله، وهو حقوق المخلوقين، وحديث "الدواوين ثلاثة"(3)، فلا تنافى هذا لأنه تعالى يرضى صاحب السرقة في الآخرة من فضله، ما يغنيه عن سرقته وعن مطالبة من سرقه كما يأتي أحاديث تعضد هذا، وأن المسروق عليه العفو عمّن سرق ويحتمل أن المراد به دخول من مات غير مشرك الجنة بعد العقاب على الذنوب وإن كان يبعده قول جبريل نعم فإنه صلى الله عليه وسلم قد علم أنه يدخل الجنة من مات غير مشرك، ولو بعد الخروج من النار إلا أن يقال: أنه صلى الله عليه وسلم ما كان قد علم ذلك إلا بعد ورود هذا الحديث، وإلا فإنه كان الحكم عنده أنه من مات على معصية فلا يدخل الجنة
(1) انظر تيسير الأصول للمناوي (1/ 64 رقم 78).
(2)
طبقات الشافعية الكبرى (1/ 56).
(3)
أخرج حديث: "الدواوين ثلاثة" أحمد (6/ 240)، والحاكم في المستدرك (4/ 575)، وقال: حديث صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي في التلخيص بقوله: صدقة -بن موسى- ضعفوه، ويزيد بن بابنوس فيه جهالة، وقال العراقي في تخريج الإحياء (4/ 5): فيه صدقة بن موسى ضعفه ابن معين وغيره، وله شاهد من حديث سلمان، رواه الطبراني. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3022).
أصلاً، والحاصل: أن قوله: دخل الجنة إن أريد قبل العقاب، وأنه يدخل مع السابقين، كان للاستفهام وجه واضح وإن أريد يدخل الجنة بعد العقاب فلا يتم الاستفهام إلا بناء على أنه صلى الله عليه وسلم كان حاكمًا بأنه لا يدخل الجنة من أتي الكبائر، ومات ولم يتب عنها، ويتعين حمله على هذا الأخير، إذ لو حمل على الأول وأنه يدخل الجنة مع الأولين لكان دليلاً لأهل الرَّجاء الأكبر القائلين بأنه لا يضرّ مع الإيمان معصية، مع أنه قول مرذول مردود، ولا بعد في أنه صلى الله عليه وسلم كان يعتقد أنه من مات على الكبائر يخلد في النار لعظمة ما أتاه في حق الله، وهتكه لحجاب الأمر والنهي، ثم أعلمه الله سعة رحمته، وإن كان يعكر عليه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمه أبي طالب عند السياق:"قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله"(1)، فإنه يدل على أنه يعلم أن لهذه الكلمة نفعًا في الآخرة، وإن مات صاحبها على الكبائر، إلا أن يقال أراد من أبي طالب التوبة من كل كبيرة، والله أعلم بمراده تعالى ومراد رسوله، والحديث فيه بشرى عظيمة، وقد روي أيضاً عن أبي الدرداء، أخرجه عنه أحمد والطبراني والذهبي في ترجمة عطاء بن أبي يسار في الميزان ورجال الذهبي رجال الصحيحين، قال السيد محمد بن إبراهيم مشيراً إلى الحديثين:
برغم أبي الدرداء أو رغم أبي ذر، تواترت البشرى وصرح بالسر وخلده الحفاظ في كل مسند، وصارت به الركبان في البر والبحر فإنه ورد بلفظ:"على رغم أبي ذر" أخرجه الشيخان، وورد بلفظ:"على رغم أبي الدرداء" أخرجه من ذكرناه آنفا (حم ت ن حب عن أبي ذر)(2) بفتح المعجمة بعدها راء اسمه جُندب بضم الجيم فنون ساكنة، فقال مهملة مفتوحة، آخره موحدة، ابن جُنادة
(1) أخرج هذا الحديث بطوله: البخاري (3884)، والنسائي (4/ 90)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 42)، والطبراني في المعجم الكبير (20/ 349)، ومسند الشاميين (4/ 173).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 161) والبخاري (6443) ومسلم (94) والترمذي (2644)، وابن حبان (169، 170)، والنسائي في الكبرى (10955). وهو في الجمع بين الصحيحين للحميدي (356).
بضم الجيم فنون بعد الألف قال مهملة، صحابي جليل مات بالربذة سنة 32 في خلافة عثمان (1)، ورمز المصنف لصحة الحديث، وصحَّحه الترمذي.
78 -
" أتاني جبريل فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، فقلت: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق (ق) عن أبي ذر"(ح).
(أتاني جبريل فبشرني) أي وأمرني أن أبشَّر أمتي كما سلف إن كان الحديث واحداً (أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا) أي وهو مصدق بالشرائع (دخل الجنة) قال الشارح: إما ابتداء إن عفى عنه، أو بعد دخوله النار، فأتى بالاحتمالين اللذين ذكرناهما قبل وقوفنا على كلامه، إلا أنه لا يتم إلا بناء على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن قد علم أن الله يعفو عن الكبائر وأن الحديث قبل نزول آيتي النساء، وعلى أنه كان يعتقد أن من مات على كبيرة لا يدخل الجنة أصلاً كما هو مذهب الوعيدية، فيصح ما وقع منه من الاستفهام بقوله (قلت: يا جبريل وإن زنا وإن سرق؟ قال: وإن زنا وإن سرق، ق عن أبي ذر) (2) وفي الباب غيره.
79 -
" أتاني جبريل فقال: يا محمد كن عجاجًا ثجاجًا (حم) والضياء عن السائب بن خلاد"(صح).
(أتاني جبريل فقال: يا محمد كن عجَّاجًا) كأنه أتاه في الحج وهو بالعين المهملة وجيمين، قال في النهاية (3)، العج رفع الصوت بالتلبية، وعج يعج عجا فهو عاج وعجاج (ثجاجًا) بالمثلثة وجيمين بزنة الأول، في النهاية (4): الثج سيلان دم الهدي والأضاحي انتهى.
(1) انظر: الإصابة (7/ 125).
(2)
أخرجه البخاري (6443) ومسلم (94).
(3)
النهاية (3/ 184).
(4)
النهاية (1/ 207).
ويأتي حديث: "أفضل الحج: العج والثج" فهو أمر له صلى الله عليه وسلم برفع صوته بالتلبية وبنحر الهدي والأضاحي (حم والضياء عن السائب)(1) بالمهملة آخره موحدة (بن خلَاّد) بالخاء المعجية وتشديد اللام آخره قال مهملة، وهو: ابن سويد بن ثعلبة خزرجي كنيته أبو سهله (2)، ورمز المصنف لصحته، وفيه ابن إسحاق ثقة لكنه مدلس.
80 -
" أتاني جبريل فقال: يا محمد كن عجَّاجا بالتلبية. ثجَّاجا بنحر البدن القاضي عبد الجبار في أماليه عن ابن عمر"(ضعيف).
(أتاني جبريل فقال: يا محمد كن عجَّاجًا بالتلبية) هي مصدر لبَّى قال: لبيك، مأخوذة من ألب بالمكان أقام به، أي أنا مقيم على طاعتك (ثجاجًا بنحر البدن) بضم الموحدة وضم الدال المهملة وسكونها جمع بدنه، وهي من الإبل والبقر كالأضحية من الغنم، قاله في القاموس (3)(القاضي عبد الجبار) ابن أحمد الهمداني ولي القضاء في قزوين، وكان شافعي الفروع معتزلي الأصول، أملى عدة أحاديث، وله كتاب في التفسير، وله كتب أخر (في أماليه)(4) جمع إملاء بكسر الهمزة، وهو ما يلقيه العالم على أصحابه (عن ابن عمر) كتب عليه المصنف ضعيف.
(1) أخرجه أحمد (4/ 56) والضياء في المختارة (4/ 65)(1289)، وفي إسناده ابن إسحاق، قال الهيثمي في المجمع:(3/ 224)، ثقة ولكنه مدلس.
(2)
الإصابة (3/ 21).
(3)
القاموس المحيط (1522).
(4)
أخرجه القاضي عبد الجبار في أماليه عن ابن عمر كما في الكنز (11880)، وأورده الرافعي من طريق عبد الجبار بن أحمد (3/ 337)، وقال المناوي (1/ 97): القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني قال عنه الخليلي: كان ثقة في حديثه لكنه داع إلى البدعة لا تحل الرواية عنه. وبه ضعف الحديث في أماليه الحديثية، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (76).
81 -
" أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية (حم 4 حب ك هق) عن السائب بن خلاد (صح) ".
(أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي ومن معي) في سفر الحج، ولا يقال في مع ما قبله من أمره صلى الله عليه وسلم بأن يكون عجَّاجًا ثجَّاجًا، دليل على عدم التأسي، وإلا فكان يكفي أمره صلى الله عليه وسلم بذلك، والأمة تقتدي به تأسيًا لا ما يقول، لا مانع من تعدد الأدلة، فالتأسّي دليل، وأردفه دليل الأمر لأصحابه خاصة، عناية بهذا الشأن وهو قوله (أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) فإنها لا تشرع إلا جهرًا، وظاهر الأمر الوجوب وفيه أن الصحبة لا يكفي فيها مجرد الرؤية (حم 4 حب ك هق عن السائب بن خلاد)(1) ورمز المصنف لصحته، وقال الترمذي: حسن صحيح.
82 -
" أتاني جبريل فقال لي: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنها من شعائر الحج (حم هـ حب ك) عن زيد بن خالد (صح) ".
(أتاني جبريل فقال لي: إن الله يأمرك أن تأمر أصحابك) ظاهر الأمرين الوجوب فيكون المذكور من قوله (أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية) واجبًا وتعليله بقوله (فإنها) أي التلبية التي يرفع بها الصوت (من شعائر الحج) بكسر الشين المعجمة أي من مناسكه كما في القاموس (2)، والمراد والعمرة لكنه اقتصر على الحج؛ لأنه الأمر الأعظم (حم 5 حب ك عن زيد بن خالد) هو الجهني (3)،
(1) أخرجه أحمد (4/ 55) وأبو داود (1814)، والترمذي (829) وقال: حسن صحيح، والنسائي (5/ 162) وابن ماجه (2922)، وابن حبان (3802)، والحاكم (1/ 450)، والبيهقي (5/ 42) وقال: هذه الأسانيد كلها جيدة، وصححه الألباني في صحيح الجامع (62)، وقال بعد أن ذكر له عدة طرق: هذه الأسانيد كلها صحيحة وليس يعلل واحد منها الآخر.
(2)
القاموس المحيط (ص53).
(3)
الطبقات الكبرى (4/ 344) والإصابة (2/ 603).
وليس في الأمهات من اسمه زيد بن خالد سواه، ورمز المصنف لصحته (1).
83 -
" أتاني جبريل فقال: إن ربي وربك يقول لك: تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله أعلم، قال: لا أذكر إلا ذكرت معي (ع حب) والضياء في المختارة عن أبي سعيد (صح) ".
(أتاني جبريل: فقال: إن ربي وربك) الإتيان بهذه الجملة وتأكيدها بأن، واسمية الجملة، وذكر الربَّ وتكريره، ولم يقل إن ربنا (يقول لك: تدري كيف رفعت ذكرك) فيه استفهامه عن كيفية رفعه لذكره الذي أخبره في قوله له {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4)} [الشرح: 4] فيه تعظيم لشأن ما يلقيه إليه، وتنويه وتفخيم لأمره، وأنه لا يقدر قدره، وأي فضيلة توازيها، فإنها أفضل الفضائل وأعظمها.
(قلت: الله أعلم، قال: ألا أذكر إلا ذكرت معي) وذلك في كلمة الشهادة التي لا يدخل باب الإيمان إلا منها، وقرن طاعته في طاعته في غالب آيات الذكر، مراده: لا ذكر في كلمة الشهادة أو في القرآن غالبًا.
فلا يرد أن بعض الأذكار لا يذكر فيها معه تعالى، كالحمد له والبسملة والحولقة ويحتمل: أن المراد لا أذكر من أي [ص: 45] ذاكر في الأرض، أو في الملأ الأعلى إلا ذكرت معي، وإطلاق العبارة دليل عليه، ويحتمل: أن يراد لا أذكر بلسان كافر ولا مؤمن إلا ذكرت معي بلسان الملائكة في الملأ الأعلى فيكون تعالى قد جعل ملائكته تذكره صلى الله عليه وسلم عند ذكر أي ذاكرٍ له تعالى بالصلاة عليه (إن الله وملائكته يصلون على النبي) وترشد إليه تغيير الصيغة، ثم المراد بالذكر له صلى الله عليه وسلم تعظيمه وتشريفه والثناء عليه، أي لا يثنى عليَّ إلا أثني عليك، ويحتمل: لا أذكر إلا ذكرت عندي؛ لأن المعية والعندية متقاربان، وذلك أنه يصعد إلى الله تعالى الكلم الطيب، وذكر الذاكرين فيكتب أجره، ويكتب له صلى الله عليه وسلم مثله من الأجر،
(1) أخرجه أحمد (5/ 192) وابن ماجه (2923)، وابن حبان (3803)، والحاكم (1/ 450).
لأنه الذي سنَّ كل سنة حسنة وكل ذكر جميل، ومثل هذا القِرَان الذكري، القِرَان الخطي كما في حديث: توبة آدم أبي البشر أنه رآه مكتوبًا على ساق العرش مقرونًا اسمه صلى الله عليه وسلم أخرجه الحاكم (1) وغيره. كما قرن تعالى ذكره بذكره، قرن اسمه باسمه خطًّا، واعلم أن هذه مزية لا توازي، وفضيلة لا أجلّ منها حيث يقرن مالك السماوات والأرض، ومن فيها، ذكر عبده بذكره، ويضمه إليه فأيُّ رفعة أشرف منها، أن يضم المملوك وينوِّه به، ويقرن اسمه لفظًا وخطًا باسم مالكه، ولذا جاء بلفظ الربِّ في قوله: إن ربي وربك: إعلام بأن المالك قد رفع شأن مملوكه رفعة تقصر عنها العبارات ولا تقي توصيغها كل الكلمات، ولم يقل: أن الله كما قال في الحديث الأول، فللَّه در الكلام النبوي ما أعلاه قدرًا، وأبلغه لفظًا ومعنىً وما أشرف هذا الرسول عند مولاه، وما أستاه لديه وأعلاه (ع حب والضياء في المختاره عن أبي سعيد) رمز المصنف لصحته (2).
84 -
" أتاني جبريل في خضر تعلق به الدر (قط) في الأفراد عن ابن مسعود".
(أتاني جبريل في خضر) بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة أيضًا، أي في لباس أخضر (تعلق) بسكون العين المهملة وفتح اللام أي يتصل (به الدر) بضم الدال المهملة كبار اللؤلؤ، وفيه دليل على لباس الملائكة للثياب كما تقدم، وكان هذه أحد هيئات جبريل في إتيانه إليه صلى الله عليه وسلم (قط في الإفراد عن ابن مسعود (3)) زاد في الكبير، وأبو الشيخ في العظمة.
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 615) وقال صحيح الإسناد، وقال الذهبي: بل موضوع وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم واهٍ.
(2)
أخرجه أبو يعلى (1380) وابن حبان (3382) وقال الهيثمي في المجمع (8/ 254) إسناده حسن.
(3)
أخرجه الدارقطني كما في أطراف الغرائب (3944)، وأبو الشيخ في العظمة (11) وكذلك أحمد في المسند (1/ 407)، والطبراني في الأوسط (1901)، وقال: لم يرو هذا الحديث عن حصين إلا=
85 -
" أتاني جبريل فقال: إذا توضأت فخلل لحيتك، (ش) عن أنس (ح) ".
(أتاني جبريل فقال: إذا توضأت فخلل) بالخاء المعجمة، قال في النهاية (1): التخليل: تفريق شعر اللحية، وأصابع اليدين والرجلين، في الوضوء، وأصله من إدخال الشيء في خلال الشيء وهو وسطه (لحيتك) بكسر اللام فقط، وقد اختلف أئمة الحديث هل خلِّل رسول الله صلى الله عليه وسلم لحيته في وضوئه؟ فصحح الترمذي (2) وغيره أنه صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته، وقال أحمد وأبو زرعة: لا يثبت في تخليل اللحية حديث، وقال ابن القيم (3): كان يخلّل صلى الله عليه وسلم لحيته أحيانًا، ودليل من نفى ذلك أنه لم يورده أحد ممن ضبط صفة وضوئه مثل علي وعثمان وغيرهما، ولا ذكره صلى الله عليه وسلم للأعرابي والمسيء صلاته، بل قال له:"توضأ كما أمرك الله"(4) إلا أنه لا يخفى أن ذلك لا يقاوم ما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم، وإن المثبت مقدّم على النافي (ش عن أنس (5)) رمز المصنف لحسنه.
86 -
" أتاني جبريل بقدر فأكلت منها، فأعطيت قوة أربعين رجلاً في الجماع، ابن سعد عن صفوان بن سليم مرسلاً".
= الحسين بن واقد تفرد به زيد بن الحباب وعزاه ابن كثير (4/ 252) لأحمد وقال: وإسناده جيد، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (80) ثم تراجع وصححه في الصحيحة (3485).
(1)
النهاية: (2/ 73).
(2)
أخرجه الترمذي (29، 30)(31)، وانظر حاشية ابن القيم مع سنن أبي داود (1/ 167 - 171).
(3)
زاد المعاد (1/ 198).
(4)
أخرجه أبو داود (861)، والترمذي (302)، وابن خزيمة (545)، والبيهقي (2/ 380). وقال الألباني في: صحيح.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة كما في المصنف (1/ 20) رقم (114)، (7/ 318)(114)، وأوردد ابن عدي في الكامل (7/ 102)، وأعله بالهيثم بن جماذ وهو ضعيف قال الحافظ في الدراسة (1/ 22 رقم 11) في إسناده ضعف شديد. وقال الألباني في ضعيف الجامع (63) والسلسلة الضعيفة (1685): ضعيف جداً.
(أتاني جبريل بقدر) بكسر القاف وسكون الدال المهملة آخره راء، وقد سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفيت، في رواية جابر ولفظه:"أتاني جبريل بقدر يقال له: الكفيت"(1) والمراد: أنه قدر من الجنة، كما ورد أيضًا، قال في النهاية (2): يقال للقدر الصغير: الكفيت، بالكسر ومنه حديث (3) الحسن: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم الكفيت، قيل للحسن: وما الكفيت؟ قال: البضاع، وفي القاموس (4): الكفيت: بالضم القدر الصغيرة، ويكسر، والذي في النهاية والقاموس: كفت، وفي الحديث كفيت بالمثناة التحتية بعد الفاء وكأنه لغة، أو أنه مصغر الكفت إلا أنه ضبط بفتح الكاف، (فأكلت منها) ورد في حديث عند الدارقطني (5): أن الطعام كأنه هريسة لكنه ضعيف جداً (فأعطيت قوة أربعين رجلاً في الجماع) وروى به ابن سعد، وابن أبي أسامة عن طاووس ومجاهد قالا: أعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوة بضع وأربعين رجلاً، كل رجل من أهل الجنة (6)، وروى الإمام أحمد (7) بن حنبل والنسائي عنه صلى الله عليه وسلم:"أن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مائة رجل، في المأكل والمشرب والجماع"، وروى الترمذي (8) وصحَّحه عن أنس مرفوعاً:"يعطى المؤمن في الجنة قوة كذا وكذا في الجماع" قلتُ: يا رسول الله! أو يطيق ذلك، قال:"يعطى قوة مائة" انتهى.
(1) أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 376).
(2)
النهاية (4/ 185).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (7492).
(4)
القاموس المحيط (ص 203).
(5)
الدارقطني في أطراف الغرائب (1979)، وهو عند الخطيب في تاريخه (2/ 279)، وفي الميزان للذهبي (6/ 101) في ترجمة محمد بن الحجاج.
(6)
أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده انظر: بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (2/ 878 رقم 944)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (1/ 374).
(7)
أخرجه أحمد (4/ 367)، والنسائي في السنن الكبرى (11478).
(8)
أخرجه الترمذي (2536)، وقال: حديث صحيح غريب. والطيالسي (2012)، وابن حبان (7400).
قال الحافظ محمد الشامي (1) تلميذ المصنف في سيرته بعد نقل هذه الأحاديث: فإذا ضربنا أربعين في مائة كانت بأربعة آلاف وبهذا يندفع ما استشكل من أنه صلى الله عليه وسلم أعطي قوة أربعين فقط، وأعطي سليمان بن داود قوة مائة رجل أو ألف على ما ورد. انتهى.
قال ابن العربي (2)"في العارضة": قد أتى الله رسوله صلى الله عليه وسلم خصيصة عظمى، وهي قلة الأكل، والقدرة في الجماع، فكان أقنع الناس في الغذاء، وأقواهم في الوطء، وقال القاضي عياض: النكاح متفق على التمدح بكثرته، والفخر بوفوره شرعًا وعادة، فإنه دليل الكمال وصحة الذكورية، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة، والمتمدح به سيرة مرضية، وقال الحافظ (3) ابن حجر في "فتح الباري": قالوا: كل من كان أتقى لله كان أشد شهوة، واعلم أن هذه الخاصية له صلى الله عليه وسلم قد ظهر أثرها في أنه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في اليوم الواحد، وهن تسع، وقد صحَّ ذلك عنه، وأنه كان أحيانًا يغتسل عند كل واحدة، وأحيانًا يغتسل بعد طوافه على الجميع غسلًا واحداً، واعلم أيضًا أن الأنبياء عليهم السلام فضلوا بذلك على الناس، قال الحكيم (4) الترمذي في "نوادر الأصول": الأنبياء زيدوا في النكاح لفضل تنورهم وذلك أن النور إذا امتلأ به الصدر منه وفاض في العروق التذت النفس والعروق فأثارت الشهوة، وروي عن سعيد بن المسيب قال: إن الأنبياء عليهم السلام يفضلون بكثرة الجماع على الناس، وذلك لما فيه من اللذة (ابن سعد (5) عن صفوان بن سليم) بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء، وسليم بضم
(1) انظر: الشفا للقاضي عياض (1/ 87).
(2)
عارضة الأحوذي.
(3)
فتح الباري (1/ 379).
(4)
نوادر الأصول (ص 255).
(5)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 374) مرسلاً، ووصله أبو نعيم في الحلية (8/ 376)، وقال: =
السين المهملة مصغرًا هو الزهري مولاهم المدني، من خيار التابعين، قال أحمد بن حنبل: ثقة من خيار عباد الله الصالحين، يستشفى بحديثه، وينزل القطر من السماء بذكره (1)، (مرسلاً) ووصله أبو نعيم والديلمي من حديث صفوان عن عطاء عن أبي هريرة يرفعه، ورواه الخطيب وابن السني في الطب مرفوعًا عن حذيفة، ثم إن فيه سفيان بن وكيع متهم بالكذب، ولذلك أورد الحديث ابن الجوزي في الموضوعات، وتعقب بأن له شواهد.
87 -
" أتاني جبريل في أول ما أوحي إليَّ فعلمني الوضوء والصلاة، فلما فرغ الوضوء أخذ غرفة من الماء فنضح بها فرجه (حم قط ك) عن أسامة بن زيد عن أبيه زيد بن حارثة".
(أتاني جبريل في أول ما أوحي إليَّ فعلمني الوضوء) بفتح الواو اسم للماء المتوضئ به، وبضمها للفعل وهو المراد هنا (والصلاة) فيه أن شرعية الوضوء والصلاة قديمة في أول البعثة، وأما أحاديث أنها إنما فرضت الصلاة ليلة الإسراء، فيحتمل: أن المراد فرضها على الأمة، ويحتمل: أن هذه الصلاة التي كانت في أول البعثة لم تكن فرضًا، ويحتمل: أنها كانت صلاة واحدة فرضت أولاً، ثم فرضت الخمس ليلة الإسراء، ويحتمل: أن يراد أول ما أوحي إلى في شأن الصلاة، لا مطلق الوحي، ويراد به ليلة الإسراء، أو أنها فرضت عليه، وأتاه جبريل بعد ذلك بتفاصيلها وكيفياتها وشرائطها، كما ثبت أنه أمَّه عند البيت في تعليمه له المواقيت.
وفيه دليل على مشروعية الوضوء من أول مشروعية الصلاة، وإن آيتين التي
=غريب من حديث صفوان تفرد به وكيع. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1375) وتعقبه السيوطي في اللآلي (5/ 236 - 237) وقال الحافظ أحمد الغماري في المغير ص8: موضوع، وقال الألباني في ضعيف الجامع (63)، والسلسلة الضعيفة (1685): موضوع.
(1)
سير أعلام النبلاء (5/ 365) وطبقة الحفاظ للسيوطي (ص 61).
في سورة النساء [ص:47] والمائدة من الآيات التي تأخر لفظها عن حكمها لتأخر نزولها، وقد ذكرهما المصنف رحمه الله مثالاً لما تأخر لفظه وتقدم حكمه (فلما فرغ الوضوء) أي أكمله وأتمه (أخذ) جبريل (غرفة) بفتح الغين المعجمة، المرة من غرف الماء أخذه بيده من الماء (فنضح) بالضاد المعجمة والحاء المهملة أو الخاء المعجمة هو الرش، وهما متقاربان في المعنى (بها) فرجه الفرج: العورة، كما في القاموس (1)، والظاهر: أن المراد هنا القبل، قيل: والحكمة فيه أنه لدفع الوسواس والشك في الوضوء إذا أدرك بللاً، والظاهر أنه من آخر أعمال الوضوء، وأنه بعد الاستمان، وهذه سنة تركها الناس، وقلَّ من تعرَّض لها من الفقهاء في كتبهم، وحديثها مصحّح أو محسّن فلا عذر عنها، وكان العذر عندهم عدم ذكرها في أحاديث التعليم وليس ذلك بعذر مع صحة الحديث أو حسنه كما يأتي (حم قط ك عن أسامة)(2) بضم الهمزة وسين مهملة، هو حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مولاه، وهو زيد وأبوه من نبلاء الصحابة، والحديث رواية صحابي عن صحابي فإنه رواه أسامة عن أبيه (بن زيد عن أبيه) زيد بن حارثة، سكت عليه المصنف، وأورده ابن الجوزي في العلل من طريقين، في أحدهما رشدين وفي الأخرى ابن لهيعة، وقال: ضعيفان، قال: والحديث باطل انتهى.
وقال مخرجه الدارقطني: فيه ابن لهيعة ضعفوه، وتابعه رشدين وهو
(1) القاموس المحيط (ص 257).
(2)
أخرجه أحمد في المسند (4/ 161)، والدارقطني (1/ 111)، والحاكم (3/ 217)، وكذلك البزار (1332)، والطبراني في المعجم الكبير (5/ 85)، وانظر: العلل المتناهية (1/ 355)، وقال ابن أبي حاتم في العلل:(1/ 46)، قال أبي: هذا حديث كذب باطل.
والرواية التي استشهد بها عند ابن ماجه (462) وهي (كلها طرق) ضعيف، وصححه الألباني في صحيح الجامع (76) وفي السلسلة الصحيحة (841) وانظر هناك تصحيحه للحديث.
ضعيف، ولكن يقويه وروده من طريق ابن ماجه، بمعناه وورد نحوه عن البراء وابن عباس فهو حديث حسن.
88 -
" أتاني جبريل في ثلاث بقين من ذي القعدة فقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (طب) عن ابن عباس، قلت: هذا أصل في التاريخ (صح) ".
(أتاني جبريل في ثلاث بقين من ذي القعدة) بفتح القاف وكسرها ولم يبين صلى الله عليه وسلم السنة التي أتى فيها. وكأنها سنة حجه وهي العاشرة من هجرته (فقال: دخلت العمرة في الحج) في النهاية (1): معناه سقط فرضها بوجوب الحج ودخلت فيه، هذا تأويل من لم يرها واجبة وأما من أوجبها فقال: معناه أن عمل العمرة قد دخل في عمل الحج، فلا يرى على القارن أكثر من إحرام واحد وسعي وطواف، وقيل: معناه أنها قد دخلت في وقت الحج وشهوره، لأنَّهم كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج فأبطل الإسلام ذلك (إلى يوم القيامة) مثل هذا القيد إعلام بأنه قد أعلم صلى الله عليه وسلم أنه لا نسخ ولا تبديل لهذا الحكم، وهو من كلام جبريل فهو إعلام له صلى الله عليه وسلم منه بذلك (طب عن ابن عباس) (2) رمز المصنف لصحته. (قلت: هذا أصل في التاريخ) أي دليل على شرعية تقييد الحوادث والكائنات بزمان صدورها.
قلت: ولا يخفى أن في التاريخ بذلك إيماء إلى أن المراد بدخول العمرة في الحج دخول فعلها في وقته، وزمانه، وهذا التأويل الأخير من تأويل النهاية.
89 -
" أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن
(1) النهاية (2/ 108).
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (12/ 228) رقم (12961) في إسناده عمرو بن عبيد بن باب المعتزلي قال ابن حجر في التقريب (5071): اتهمه جماعة مع أنه كان عابدًا. أما الشطر الثاني من الحديث فصحيح ثابت من حديث جابر الطويل في "مسلم" رقم (1218).
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (79) وفي السلسلة الضعيفة (1317).
قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس الشيرازي في الألقاب (ك هب) عن سهل بن سعد (هب) عن جابر (حل) عن علي (صح) ".
(أتاني جبريل فقال: يا محمد عش ما شئت) العيش: الحياة، من عاش يعيش عيشًا ومعيشة والمراد بالأمر قدر في نفسك أي غاية تريدها في الحياة (فإنك ميت) وإذا كان لا بد من الموت فطويل الحياة وقصيرها سواء، كما قيل:
كل عمر يكون آخره الموت
…
سواء طويله والقصير
وليس المراد بأن الإخبار بأن بعد الحياة موتًا، فإنه معلوم، بل المراد الاستعداد لأخذ الزاد والإرشاد إلى ذلك (وأحبب من أحببت فإنك مفارقه) إرشاد إلى قطع العلائق عن محبة كل من غاية حبه الفراق، ودلالة على محبة الإنسان لمن يلازمه، حيث كان في الدنيا في اليقظة والمنام والصحة والسقام، والغنى والإعدام، والشدة والرخاء، والممات والمحيا، فهو معه في لحده وقبره وحشره ونشره، وذلك مولاه الذي أوجده من العدم وغمره بما لا يحصيه من النعم، وهو الذي ينجيه من كل كرب وهم وغم وهو الذي يشفيه إن مسَّه السقم، كما قال الخليل:{وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} [الشعراء: 79 - 82]، (واعمل ما شئت) من خير وشر من باب قوله تعالى:{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، (فإنَّك ملاقيه) أي: ملاق جزاءه إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر [ص:48].
وأعلم: الأمر بهذه الصيغة، لا يأتي إلا إذا كان بعده أمر عظيم له شأن وخطَر، وهو هنا قوله (إنَّ شرف المؤمن قيامه بالليل) والشرف: بتحريك فائه وعينه الغلو، وهو عند الناس معروف في شرف الدنيا، بمال أو جاء أو نسب فأخبر صلى الله عليه وسلم ونبه بهذه الصيغة على خطأ اعتقاد أن الشرف فيما ذكر بل هو في قيام الليل، والمراد: شرفه عند الله فإنه الشرف الحقيقي، وقيام الليل مراد به القيام بالعبادة
من تلاوة وصلاة وذكر لله (وعِزّه استغناؤُه عن الناس) العز: القوة والشدة والغلبة كما في النهاية (1)، فأخبر صلى الله عليه وسلم أن عز المؤمن غير هذا بل هو استغناؤه وعدم إنزاله لحاجاته بالناس، ومنه استغن عمن شئت تكن نظيره فإنه لا يستغنى عنهم إلا من كملت ثقته بالله تعالى.
واعلم أن مثل هذه الاستعمال النبوية لمثل هذه الألفاظ اللغوية الموضوعة فيها لمعان غير ما استعملها فيها الرسول صلى الله عليه وسلم مثل العز والشرف هنا، ومثل قوله: أتدرون من المفلس من أمتي؟ ثم فسره بمن يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام، "ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا
…
" (2) الحديث. ذكره المصنف في الذيل، ومثل قوله: "ليس الشديد بالصرعة، بل الذي يملك نفسه عند الغضب" (3) ومثل قوله:"ليس المسكين بالطوَّاف الذي ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكنه الذي لا يسأل الناس ولا يفطن له"(4)، ونظائر لهذه الأحاديث كثيرة، يراد بها إيقاظ السامعين وتنبيههم على أن هذه الأسماء وغيرها قد وضعت لمسميات باعتبار معانيها، وهي بهذه المعاني أجدر وأحق وأكثر مناسبة، لأن المعاني هذه بها أحق وأوفق وأليق وليس هذا قادحًا في حكمة الواضع؛ لأنه قد وضعها لمعان هي فيها صحيحه ما خلت عن الحكمة، هذا ويحتمل أن هذه حقائق شرعية نقلها إليها الشارع في عرفة، مع بقائها باعتبار معناها اللغوي غير مهجورة أيضاً، ويحتمل أن المراد أن عنده تعالى هذه الألفاظ لهذه المعاني أي أنكم تسمون مثلاً المفلس من وجد فيه تلك الصفة، والمفلس عنده تعالى من ذكر وقد، نبه ابن القيم على شيء من نحو هذا، إلا أنه
(1) انظر: النهاية (3/ 465).
(2)
أخرجه مسلم (2581)، والترمذي (2418)، وأحمد (2/ 371)، وابن حبان (4411).
(3)
أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2909).
(4)
أخرجه البخاري (1479)، ومسلم (1039).
لم يحضرني نصه فأنقله (1).
(الشيرازي) الشيرازي هو الإمام الحافظ الجوَّال أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الفارسي صاحب كتاب "الألقاب" سمع بالبصرة وواسط وشيراز وعدة مدائن، وروى عنه جماعات، كان صدوقًا حافظًا، قال المستغفري: كان يفهم ويحفظ، كتبت عنه مات سنة 407 (2)(في الألقاب) جمع لقب وهو النَّبْزُ، وأريد به هنا أسماء الرواة، وهو فن من فنون علوم الحديث (ك هب عن سهل بن سعد، هب عن جابر حل عن علي)(3) رمز المصنف لصحته، ونقل الشارح في الكبير عن الحافظ ابن حجر: اختلاف الحفاظ فيه، وأن منهم: من صححه، ومنهم: من ضعفه، ثم قال ابن حجر: والحق أنه لا يحكم عليه بصحة ولا وضع، قال: وجزم العراقي بحسنه.
90 -
" أتاني آت من عند ربي فخيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة. وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئاً (حم) عن أبي موسى (ت حب) عن عوف بن مالك الأشجعي".
(أتاني آت من عند ربي) يحتمل أنه جبريل؛ لأنه السفير بينه صلى الله عليه وسلم وبين ربه بالوحي، ويحتمل أنه غيره، وهو ظاهر الإبهام، وقد ثبت أن غير جبريل من
(1) انظر: زاد المعاد لابن القيم (1/ 376).
(2)
انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ (3/ 1066) والسير (17/ 142).
(3)
أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 325) والبيهقي في الشعب (10541) وكذا الخطيب في تاريخ بغداد (4/ 10) وابن عساكر (23/ 216) وابن الجوزي في الموضوعات (982)، والعلل المتناهية (2/ 886)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 25313) عن سهل بن سعد، والبيهقي في الشعب (10540)، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (2/ 281) عن جابر، وأبو نعيم في الحلية (3/ 2029) عن علي، وحسّن إسناده المنذري في الترغيب (1/ 243) والهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 253)، وانظر: كلام المناوي في فيض القدير (1/ 102)، وكلام العراقي في تخريج أحاديث الإحياء (1/ 56)، وحسّنه كذلك الألباني في صحيح الجامع (73)، والسلسلة الصحيحة (831).
الملائكة عليهم السلام جاءه صلى الله عليه وسلم (فخيَّرني) أي ربي على لسان الآتي، أو الآتي عن ربي أي جعل الخيرة إليَّ (بين أن يدخل نصف أمتي الجنة) المراد من الذين يستحقون العذاب، إذ الذين لا يستحقونه داخلون الجنة، وسكت عن النصف الثاني، والظاهر أنهم يعذبون ولا شفاعة لهم، ويحتمل: أنهم موكولون إلى رحمة الله، وعفوه، وإنما سيق الحديث لإفادة تخييره صلى الله عليه وسلم أن يدخل الله الجنة نصف أمته، أو لا تبقى له شفاعة (وبين الشفاعة) والشفاعة: هي سؤال التجاوز عن الذنوب والجرائم قاله في النهاية (1)(فاخترت الشفاعة) دليل أنها أوسع في شمولها من النصف، وأنها تشمل أمة الإجابة أجمعين، كما دل له قوله (وهي لمن مات لا يشرك بالله شيئًا) فإنه عام لكل أمة الإجابة، ولفظه شامل لمن مات مصرًا على الكبائر مستوجبًا للنار، ولمن تساوت حسناته وسيئاته فلم يستوجب أحد الدارين، وشامل لمن لم يستحق في الجنة رفع درجاته، ولمن أدخل النار بذنوبه، وشفع في التحقيق عنه فإنه يصدق على الكل إنه مات غير مشرك بالله، وأدلة ثبوت الشفاعة لهذه الأنواع ثابتة واسعة، ويأتي منها الكثير الطيب في هذا الكتاب، وإن كان ظاهر الحديث إنما هو في الإنقاذ من النار، إلا أن اللفظ عام والمعنى يحتمله.
وأما حديث شفاعتي (2) لأهل الكبائر من أمتي، فإنه نص في بعض أفراد هذا العام، ولا يبطل العام، وإنما فيه بيان أنهم أحق الناس بشفاعته، وكذلك حديث: فإن شفاعتي للهالكين (3) من أمتي، سيأتي، واعلم أن هذه الشفاعة التي خيَّر صلى الله عليه وسلم
(1) النهاية (2/ 485).
(2)
أخرجه أبو داود (4739) والترمذي (2435)، من روايات أنس وقال: حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (369/ 23)(872)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد=
فيها غير الشفاعة العظمى، في فصل القضاء بين العباد (حم عن أبي موسى/ ت حب عن عوف بن مالك الأشجعي)(1) بالشين المعجمة والجيم ثم عين مهملة نسبة إلى أشجع بن ريث بن غطفان، وعوف صحابي معروف، كانت معه راية أشجع يوم فتح مكة (2).
91 -
" أتاني آت من عند ربي عز وجل فقال: من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، ورد عليه مثلها (حم) عن أبي طلحة (صح) ".
(أتاني آتٍ) في الجامع الكبير من رواية أبي طلحة التصريح بأنه جبريل، وإن كان في ألفاظه اختلاف يسير (من ربي عز وجل فقال: من صلَّى عليك من أمتك صلاة)، واحدة في لفظها، وقد علّم صلى الله عليه وسلم أصحابه كيف يصلون عليه (كتب الله له) أمر الملك كاتب الحسنات (بها) بسبب قوله إياها (عشر حسنات) جزاءًا مضاعفاً (ومحا عنه عشر سيئات) محاها من صحائفه أو غفرها، وأغفلها حتى كأن لم يكن، والمراد بها من الصغائر لما تقرر عندهم من أن الكبائر لا يمحوها إلا التوبة (ورفع له عشر درجات) في الجنة، والدرجة رتبه من رتب الإثابة أو مرقاة حقيقة يصعد عليها غرف الجنة، فرفع الدرجة كناية عن رفع غرفته (ورد) أي الله (عليه مثلها) بلسان الملك كما يفسره حديث الطبراني عن طلحة
= (10/ 378): فيه عمرو بن مخرم وهو ضعيف وأورده ابن عدي في الكامل (5/ 152) في ترجمة عمرو بن مخرم.
(1)
أخرجه أحمد (5/ 232)، والطبراني في الصغير (784) وقال الهيثمي في المجمع (10/ 369):
رواه أحمد والطبراني واحد أسانيد الطبراني رجاله ثقات عن أبي موسى والترمذي (2441) وابن حبان (7207)، وهناد في الزهد (181)، والطبراني في الكبير (18/ 72) رقم (133) عن عوف بن مالك. وصححه الألباني في صحيح الجامع (56).
(2)
ينظر: الإصابة (4/ 742).
في هذا الحديث، فإنه زاد بعد قوله: عشر درجات، وقال له الملك مثل ما قال: قلت: يا جبريل وما قال الملك؟ قال: إن الله وكَّل بك ملكًا من لدن خلقك إلى أن يبعثك لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا قال: وأنت صلى الله عليه انتهى.
فكأن بعض الرواة اختصر الحديث، أو أن الصَّحابي كان ينشط تارة فيروي الحديث بطوله، ويفقد النشاط تارة فيروي بعضه، فكل سامع روى ما سمع وقد زيد في رواية عنه وعرضت عليه يوم القيامة، واعلم أن هذا من تشريفه صلى الله عليه وسلم بما هو غاية الشرف، يجعل جزاء المصلي عليه هذه الثلاثين الخلة الشريفة المذكورة مع صلاته عليه، وفيه أنها من أعظم الحسنات أجرًا؛ لأنَّ الأصل في جزاء الحسنة عشر أمثالها من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها والمضاعفة فضل من الله سبحانه إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة، وهنا جعل تعالى جزاء هذه الحسنة ما سمعت فهي أبلغ من مطلق الحسنات، ويأتي أحاديث جمة في فضل الصلاة عليه صلى الله عليه وآله كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون (حم عن أبي طلحة)(1) اسمه زيد بن سهل نجاري أنصاري شهد بدرًا والمشاهد كلها وكان من فقهاء الأنصار مات سنة 34 وصلى عليه عثمان (2) ورمز المصنف لصحته.
92 -
" أتاني ملك برسالة من الله عز وجل، ثم رفع رجله فوضعها فوق السماء والأخرى في الأرض لم يرفعها (طس) عن أبي هريرة"(ض).
(أتاني ملك) يحتمل أنه جبريل، فقد رأه صلى الله عليه وسلم وقد سد الأفق، ويحتمل: أنه غيره إلا أن في رواية هذا الحديث عن أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط وهي هذه بعينها زيادة، وهي: لم ينزل إلى الأرض قبلها قط انتهى، وهي صريحة أنه غير جبريل لتكرر نزوله على الأنبياء عليهم السلام، ونزل إلى الأرض
(1) أخرجه أحمد (4/ 29) عن أبي طلحة، وحسنه المناوي في فيض القدير (1/ 104)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (57).
(2)
انظر: الإصابة (2/ 607)، تهذيب الكمال (10/ 76).
قبل خلق آدم كما في أحاديث خلق آدم (برسالة من الله عز وجل لم يأت بيانها في الحديث (ثم رفع رجله) كأن المراد للصعود إلى السماء (فوضعها فوق السماء) والرجل (الأخرى في الأرض لم يرفعها) والحديث مسوق لبيان عظمة خلق الله تعالى (طس عن أبي هريرة) وأخرجه أبو الشيخ في (1) العظمة ورمز المصنف لضعفه.
93 -
" أتاني ملك فسلم علي، نزل من السماء لم ينزل قبلها، فبشرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ابن عساكر عن حذيفة".
(أتاني ملك فسلّم عليَّ) الظاهر أن كل ملك يأتيه يسلم عليه، فهو بيان للواقع (نزل من السماء لم ينزل قبلها) فيه بيان عظمة ما نزل به، والمراد قبل هذه النزلة أو المرة (فبشرني أن الحسن والحسين) سبطيه صلى الله عليه وسلم (سيدا شباب أهل الجنة) هو مخصص بما عدا الأنبياء، وأبيهما، ويأتي الكلام على سيادة الحسنين وتقدم شيء من ذلك قريباً، (و) بشرني (أن فاطمة) الزهراء ابنته صلى الله عليه وسلم (سيدة نساء أهل الجنة) سيأتي تقييد سيادة فاطمة بما عدا مريم بنت عمران (ابن عساكر عن حذيفة) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة ومثناة تحتية ساكنة فتاء تأنيث وهو إذا أطلق منه وابن اليمان، واسم حذيفة حسيل بمهملتين مصغرًا يكنى أبا عبد الله، هو صحابي جليل صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، توفي بالمدينة سنة 34 بعد قتل عثمان بأربعين ليلة (2)، والحديث سكت عليه المصنف، ورواه
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 6) رقم (6689)، وأبو الشيخ في العظمة (7)، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 80): فيه صدقة بن عبد الله السمين أبو معاوية، الأكثر على تضعيفه وقد وثقه يحيى بن معين ودحيم، قال الحافظ: ضعيف. انظر: التقريب (2929)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (81) والسلسة الضعيفة (6689).
(2)
الإصابة (2/ 44).
النسائي والحاكم (1) وأقره الذهبي، وفي نسخة قوبلت على خط المصنف ما لفظه: متنه صحيح.
94 -
" اتبعوا العلماء فإنهم سرج الدنيا ومصابيح الآخرة (فر) عن أنس (ض) ".
(اتبعوا) من الإتباع (العلماء) اتبعوا أمرهم واقتدوا بهم، وامشوا على هداهم، (فإنهم سرج الدنيا) ومن اهتدى بضوء السرج لم يخبط في الظلمات، وفيه أن الجاهل في ظلمة من جهله، لا إضاء له إلا بالعلم، (و) هم أيضًا (مصابيح الآخرة) لاهتداء الناس بأنوارهم فيها، وشفاعتهم كما يأتي، أن لهم شفاعة فمن اتبع بنور علومهم في الدنيا، استضاء بمصابيح علومهم في الآخرة (فر عن (2) أنس) رمز المصنف لضعفه؛ لأن فيه القاسم بن إبراهيم الملطي، قال الدارقطني: كذاب، وجزم المصنف في زيادات الموضوعات، بوضعه فما كان يحسن منه إيراده هنا لأنه على خلاف شرطه.
95 -
" أتتكم المنية راتبة لازمة. إما بشقاوة، وإما بسعادة، ابن أبي الدنيا في ذكر الموت (هب) عن زيد السلمي مرسلاً (ض) ".
(أتتكم المنية) هي الموت جمعها منايا (راتبة) بالراء فمثناة فوقية من الرتوب، وهو اللزوم، وقوله:(لازمة) تأكيدًا بالمعنى لا أنه معنوي على الاصطلاح المعروف أو المراد مترتبة بأحد الناس الأول فالأول وهي لازمة لكل إنسان (إما بشقاوة وإما بسعادة) تقسيم لحال من تأتيه، وأنه إما إنه شقي أو سعيد كما قسم الله أهل المحشر في كتابه، وقدَّم الشقي لأنه الأكثر وهو حث لعباده أن
(1) أخرجه ابن عساكر (4/ 135)، والحاكم (3/ 166 - 167)، والنسائي في الكبرى (8527)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (79) والسلسة الصحيحة (796).
(2)
أخرجه الديلمي في الفردوس (209)، وفي إسناده القاسم بن إبراهيم الملطي قال الدارقطني: كذاب انظر: "المغني في الضعفاء"(4977)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (82) وفي السلسلة الضعيفة (378): موضوع.
يكونوا من السعداء، وأن يستعدوا للمنية (ابن أبي الدنيا) هو المحدِّث الكبير الصدوق أبو بكر عبد الله بن محمد ابن أبي الدنيا القرشي الأموي البغدادي صاحب التصانيف، ولد سنة 208 سمع من خلائق، وعنه عوالم، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق مات سنة 281 رحمه الله (1)(في كتاب ذكر الموت هب عن زيد السلمي (2) مرسلاً) رمز المصنف لضعفه، إلا أنه يقويه مرسل آخر عند البيهقي عن الوضين بن عطاء بمعناه.
96 -
" أتحب أن يلين قلبك، وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك (طب) عن أبي الدرداء"(ض).
(أتحب) خطاب لكل من يصلح له الخطاب (أن يلين قلبك) ولين القلب مطلوب للمؤمن لأنه قد استعاذ صلى الله عليه وسلم مِنْ قلب لا يخشع، وذلك لقسوته، والقلوب القاسية مذمومة في القرآن (وتدرك حاجتك) تنال مطلوبك من الحوائج (ارحم اليتيم) استئناف كأنه قيل نعم أحب ذلك فما أصنع؟ فقيل: ارحم إلى آخره، واليتيم كما في النهاية (3): أنه في الناس فَقْد الصبي أباه قبل البلوغ، وفي الدواب فقد الأم، وأصل اليتم بالضم والفتح الانفراد انتهى. ورحمته الإشفاق عليه واللطف به (وامسح رأسه) يحتمل: أن المراد بالدهن أو لطفاً به وإظهار البر به (وأطعمه من طعامك) أعطه منه (يلين قلبك) لم يجزم في جواب الأمر وكان الظاهر جزمه، وكأنه لعدم إرادة السببية وكأنه للإشارة إلى أنه يكون
(1) انظر لترجمته: تاريخ بغداد (10/ 89).
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في "ذكر الموت" برقم (69)، وفي "قصر الأمل" وابن أبي الدنيا أيضاً برقم (117)، والبيهقي مرسلاً في الشعب و (10568) وكذلك أبو نعيم في الحلية (7/ 304)، وعزاه الحافظ في الإصابة (2/ 552) في ترجمة زيد السلمي إلى العدني في مسنده، ورواية الوضين بن عطاء عند البيهقيِ في الشعب وهو فيه برقم (10561)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (85).
(3)
النهاية (5/ 290).
الإطعام وما ذكر معه الله تعالى لا لقصد هذه الفائدة فإنها حاصلة بعد ذلك، فإنه لو جعل لقصدها لكان عملاً لغرض غير وجه الله (وتدرك حاجتك) فالإحسان إلى هذا النوع من الآدميين محصل لهذا المطلوب (طب (1) عن أبي الدرداء) رمز المصنف لضعفه؛ لأن فيه بقية وهو مدلس، وفيه راوٍ آخر لم يسم، وروى أحمد بسند صحيح (2): أن رجلاً شكى إليه صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه، فقال: امسح رأس اليتيم وأطعم المسكين.
97 -
" اتجروا في أموال اليتامى لا تأكلها الزكاة (طس) عن أنس (صح) ".
(اتجروا) هو أمر للأولياء بالاتجار في أموال اليتامى (لا تأكلها الزكاة) لا يستهلك واجب الزكاة مال اليتيم، وفيه دليل على وجوب الزكاة في أموال الأيتام وعلى وجوبها في المال وإن لم يتجر فيه بل كان كنزًا، وفي الكل خلاف، والأكل مجاز عن الاستهلاك
(طس عن أنس)(3) رمز المصنف لحسنه، وقال الهيثمي: أخبرني شيخي -يريد العراقي- أن سنده صحيح، واقتصر الحافظ ابن حجر على تحسينه وقال: الصحيح خبر البيهقي عن ابن المسيب عن ابن عمر موقوفاً.
(1) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (8/ 160) وفي إسناده من لم يسم، وأخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/ 96) رقم (20029) والبيهقي في الشعب (11034)، وفي السنن الكبرى (4/ 60). وصححه، الألباني في صحيح الجامع (81) وفي الصحيحة (854).
(2)
أخرجه أحمد في المسند (2/ 263)، (2/ 387) عن أبي هريرة، الأولى: ضعيف لجهالة الراوي عنه. والثاني: إسناده ضعيف لانقطاعه.
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (4152)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 67) وقال: سنده صحيح، وقد صحح البيهقي الموقوف على عمر كما في نصب الراية (2/ 333)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (87) والإرواء (788)، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص (2/ 158): آكده الشافعي بعموم الأحاديث الصحيحة في إيجاب الزكاة مطلقاً
…
وروى البيهقي من حديث سعيد بن المسيب عن عمر موقوفاً عليه مثله وقال: إسناده صحيح.
98 -
" اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وموسى نجيًّا، واتخذني حبيباً ثمَّ قال: وعزتي وجلالي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجيي (هب) عن أبي هريرة (ض) ".
(اتخذ الله إبراهيم خليلاً) هو اقتباس من الآية، ودليل على جواز هذا الإطلاق، وفي النهاية، الخليل: الصديق، (و) اتخذ الله (موسى نجيًّا) في النهاية (1): أنه المناجي أي المخاطب للإنسان، يقال ناجاه يناجيه مناجاة، والنجي فعيل منه، وفي القرآن:{وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164](واتخذني حبيبًا) هو المحبوب، وللناس كلام طويل في التفرقة بين الحبيب والخليل وأنهما أعظم منزلة [ص:51]، وقد أودع ذلك القاضي عياض في الشفاء (2) قال: وأصل المحبة الميل إلى ما يوافق المحب لكن هذا في حق من يصح الميل منه والانتفاع بالموافق، وهي درجة المخلوق، فأما الخالق جل جلاله فمنزَّه عن الأعراض فمحبته لعبده تمكينه من سعادته وعصمته وتوفيقه وتهيئته للقرب، وإفاضة رحمته عليه وقصواها كشف الحجب عن قلبه حتى يراه بقلبه ويبصره ببصيرته، فيكون كما قال في الحديث:"فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به"(3)، ولا ينبغي أن يفهم من هذا سوى التجرد والانقطاع إليه، والإعراض عن غير الله، وصفاء القلب لله، وإخلاص الحركات لله، وفي الحديث دليل أن رتبة الحبيب أرفع من رتبة الخليل والنجي.
فإن قلت: قد نهى صلى الله عليه وسلم عن تفضيله على يونس بن متى، وقال: "لا تفاضلوا (4)
(1) النهاية: (5/ 24).
(2)
الشفاء (1/ 162).
(3)
أخرجه البخاري (6137 بغا)، وابن حبان (347)، والبيهقي في السنن الكبرى (3/ 346) و (10/ 219).
(4)
أخرجه البخاري (6518) ومسلم (2373) من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة=
بين الأنبياء" وأخذ من ذلك العلماء النهي عن تفضيله صلى الله عليه وسلم على معين وهذا الحديث يدل على فضله على من ذكر فإن قوله (ثم قال) أي الله تعالى (وعِزَّتي وجلالي لأوثرن حبيبي على خليلي ونجي) دال على تفضيله عليهما.
قلت: لعله كان النهي قبل إعلام الله له أنه سيد ولد آدم، أو أنه نهى عن التفضيل إذا كان يؤدي إلى الانتقاص بالمفضول، أو أنه نهى عن التفضيل في حق النبوة والرسالة، فإن رسل الله في ذلك على حد سواء، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والكرامات والخصوصيات والرتب، وأمور زائدة، ولذلك كان منهم الرسل، وأولوا العزم، ومنهم من رفعه الله مكانًا عليًّا، أفاده القاضي عياض (1).
قلت: وهذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار للأمة بأن الله تعالى فضله على من ذكره تحدثا بنعمة الله التي أمره الله أن يحدث بها، ويجوز لنا التفضيل بهذا الدليل، وهو دليل للجواب الأول.
(هب (2) عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه؛ لأنه تعقبه مخرجه البيهقي، وقال: تفرد به مسلمة الخشني وهو متروك، والحمل فيه عليه، وجزم ابن الجوزي بوضعه، وتعقب بأن مجرد الضعف والترك لا يوجب الحكم بالوضع.
=وروي من طرق مختلفة مطولة ومختصرة، بلفظ "لا تفضّلوا .. ". انظر: العلل للدارقطني (8/ 67) وفتح الباري (13/ 414) ، وراجع شرح العقيدة الطحاوية (1/ 171)، بتحقيق الألباني.
(1)
انظر الشفا (1/ 174).
(2)
أخرجه البيهقي في الشعب (1494)، وقال: ومسلمة بن علي هذا ضعيف عند أهل الحديث، وقال الحافظ في التقريب (6662): متروك. وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (550)، وقال المناوي (1/ 109) حكم ابن الجوزي بوضعه وقال: تفرد به مسلمة الخشني وهو متروك كما قال الحافظ في التقريب (6662) والحمل فيه عليه ونوزع بأن مجرد الضعف أو الترك لا يوجب الحكم بوضعه أهـ. وتعقبه أحمد الغماري في "المداوي"(1/ 119)، وقال: ومع كونه انفرد به -مسلمة- فإنه اضطرب في إسناده فمرة قال: كما سبق ومرة قال: عن زيد بن واقد، وقال الألباني في ضعيف الجامع (90) والسلسلة الضعيفة:(1605) موضوع.
99 -
" اتخذوا السراويلات فإنَّها من أستر ثيابكم، وحصنوا بها نساءكم إذا خرجن (عق عد) والبيهقي في الآداب عن علي (ض) ".
(اتخذوا) أمر يعم الأمة (السراويلات) في القاموس (1): السراويل بالكسر فارسية معربة، وقد يذكر جمعها سراويلات انتهى. وهو لباس معروف (فإنها من أستر ثيابكم) أشدها سترة للعورات، وذكر ابن القيم (2) أنها اتخذت له صلى الله عليه وسلم ومات ولم يلبسها و (حصنوا) بالمهملتين والنون امنعوا (بها نساؤكم) اجعلوها كالمحصون لمنع عوراتهن إذا خرجن من منازلكم، وسببه أن امرأة مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم راكبة على حمار، فسقطت فأعرض عنها بوجهه فقالوا: إنها متسرولة، فقال: "اللهم اغفر للمتسرولات، يا أيها الناس اتخذوا
…
" الحديث. (عق عد والبيهقي في الأدب عن علي)(3) رمز المصنف لضعفه؛ لأنه قال مخرجاه العقيلي وابن عدي: أن فيه محمد بن زكريا العجلي، وأنه لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به، وقال أبو حاتم: حديثه منكر، وقال ابن عدي: يحدث بالبواطل، وحكم عليه ابن الجوزي بالوضع، لكن تعقبه الحافظ ابن حجر: بأن البزار والمحاملي والدارقطني رووه من طريق آخر به، قال: فهو ضعيف لا
(1) القاموس المحيط (1211).
(2)
انظر: زاد المعاد (1/ 134).
(3)
أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 54)، وابن عدي في الكامل (1/ 256)، والبزار في مسنده (898)، وقال: وإبراهيم بن زكريا لم يتابع على هذا الحديث وهو منكر الحديث، والبيهقي في الآداب (ص:272 رقم 694)، وابن عساكر في تاريخه (8/ 222)، وابن الجوزي في الموضوع (1438)، وقال ابن أبي حاتم في العلل (4/ 348): هذا حديث منكر. وإبراهيم مجهول. وانظر كذلك الجرح والتعديل (2/ 101). وضعفه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 272)، وانظر الإصابة (3/ 64)، وذكره السيوطي في اللآلي وقال: وبمجموع هذه الطرق يرتقى الحديث إلى درجة الحسن. انظر: اللآلي المصنوعة (2/ 260). والفوائد المجموعة للشوكاني (ص 189)، وابن عراق في تنزيه الشريعة (2/ 272)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (92)، وفي السلسلة الضعيفة (601) وقال موضوع.
موضوع، وتابعه المصنف.
100 -
" اتخذوا السودان؛ فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة: لقمان الحكيم، والنجاشي، وبلال المؤذن (حب) في الضعفاء (طب) عن ابن عباس"(ض).
(اتخذوا السودان) هم أولاد حام، والمراد: تملكوا منهم، ويأتي النهي عن اتخاذ الزنج فهو عام مخصص وقوله (فإن ثلاثة منهم من سادات أهل الجنة) تعليل للأمر باتخاذهم، وإعلام بأنهم مظنة للخير، وأبان الثلاثة بالإبدال منه بقوله (لقمان الحكيم) لقمان وهو ابن باعورا بن أخت أيوب عليه السلام، وقيل: ابن خالته، عمِّر ألف سنة، وأدرك داود، [ص 52] وأخذ عنه العلم، وقيل: كان قاضيا في بني إسرائيل، وأكثر الأقاويل أنه كان حكيمًا، ولم يكن نبيًّا، وقد قص الله بعض حكمته في القرآن في خطابه لابنه (والنجاشي) هو أصحمة بمهملتين، ابن الحركان من أعلم الناس بالإنجيل، أسلم وحسن إسلامه وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات بالمدينة، وموته بالحبشة (1)، (وبلال) هو ابن رباح مولى أبي بكر أسلم قديمًا بمكة، وعُذِّب في الله، وكان المؤذن له صلى الله عليه وسلم (2)(حب في الضعفاء طب عن ابن عباس)(3) رمز المؤلف لضعفه، قال الهيثمي بعد عزوه للطبراني: فيه أبين بن سفيان ضعيف (4)، وقال غيره: فيه أيضًا أحمد بن عبد الرحمن الحرَّاني
(1) انظر: أسد الغابة (1/ 62)، والإصابة (1/ 205).
(2)
انظر: الاستيعاب (1/ 254)، أسد الغابة (1/ 129)، الإصابة (1/ 326).
(3)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 981) رقم 11482) وقول الهيثمي في المجمع (4/ 236) وابن حبان في المجروحين (1/ 179) وقال: هذا متن باطل لا أصل له. وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 462). وأورده ابن الجوزي في الموضوعات (1197) وقال الألباني في ضعيف الجامع (93) والسلسلة الضعيفة (687): ضعيف.
(4)
انظر: ميزان الاعتدال (1/ 78).
عدّه الذهبي في الضعفاء، قال: أبو عروبة ليس بمؤتمن على دينه (1)، وجزم ابن الجوزي بوضعه، فإن سلم عن الوضع فهو ضعيف شديد الضعف.
101 -
" اتخذوا الديك الأبيض؛ فإن دارا فيها ديك أبيض لا يقربها شيطان، ولا ساحر، ولا الدويرات حولها (طس) عن أنس (ض) ".
(اتخذوا الديك الأبيض) بكسر المهملة يجمع على ديوك، وأدياك، وديكة كقردة، وقد يطلق على الدجاجة ويأتي فيه أحاديث (فإن دارًا فيها ديك أبيض لا يقرّبها شيطان ولا ساحر) أي لا يضر أهلها سحره، ولا يقربها أصلاً (ولا الدويرات حولها) كأن المراد إلى أربعين جارًا كما في الجار، ويحتمل: ما حولها منتهى سماع صوت الديك، وقد أخرج أبو القاسم علي بن أحمد بن عبد القدوس الكوفي في "فوائده" عن سالم بن عبد الله بن عمر قال: أخبرني واقد أنَّ جنيًّا عشق جارية لا أعلمه إلا قال منهم، أو من آل عمر، قال: وكان في دارهم ديكًا فكلما جاءها صاح الديك فهرب، فتمثل في صورة إنسان ثم خرج، فلقي بعض شياطين الإنس، فقال: له اذهب فاشتري لي ديك بني فلان، بما كان وائت به في مكان كذا، فذهب الرجل فأغلاهم في الديك، فباعوه، فلما رآه الديك صاح، فهرب وهو يقول: اخنقه فخنقه حتى صرع الديك، فجاءه فحز رأسه فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتى صرعت الجارية، وروى ابن الجوزي في كتاب العرائس ما يناظرها.
فائدة: ذكر بعض الحفاظ أن أهل التجربة ذكروا أن الديك الأبيض الأفرق إذا ذبح لم يزل الرجل ينكت في ماله.
واعلم أن الحديث دال على أن للسحر حقيقة، وإليه ذهب أئمة التحقيق، وخالف فيه جماعة، وقالوا: لا حقيقة له، قال القرافي (2): السحر اسم وقع على
(1) انظر: ميزان الاعتدال (1/ 116).
(2)
هو أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن (626 - 684) هـ. أبو العباس شهاب الدين القرافي: أصله من=
حقائق مختلفة، وهي السميا والهيميا، وخواص الحقائق من الحيوانات وغيرها، والطلمسيات والأوفاق، والرقي والعزائم، والاستخدامات، فالسميا عبارة عما ركب من خواص أرضيه كدهن خاص، أو كلمات خاصة توجب تخيلات خاصة، وإدراك الخواص الخمس أو بعضها لحقائق من المأكولات والمشمومات والمبصرات والمسموعات، وقد يكون لذلك وجود يخلقه الله إذ ذاك، وقد يكون لا حقيقة له بل هي تخيلات. والهيميا تمتاز عن السميا أن أثارها الصادرة عنها تضاف للأثار السماوية من الاتصالات الفلكية وغيرها، والخواص للحيوانات وغيرها كثيرة، وليست مما يذكره الأطباء من خواص النباتات وغيرها يزيد، بل هي أمور مجموعة من أشياء يعتني بها السحرة وقد ذكر لها أمثلة، لا يتسع لها هذه الكلمات، وأراد بالحيوانات، قال: والطلسميات نقش أشياء خاصة لها تعلق بالأفلاك والكواكب، على زعم أهل هذا العلم في الأجسام من المعادن وغيرها، على قوة نفس صالحة لهذه الأعمال فليس كل النفوس مجبولة على ذلك، والأوفاق ترجع إلى مناسبات الأعداء، وجعلها على شكل مخصوص، وكان الغزالي يعتمده كثيراً حتى نسب إليه، وأما الرقى فهي ألفاظ خاصة فإن حدث عنها الشفاء فهي رقى، وإن حدث عنها ضرّ فهي سحر، والعزائم: كلمات يزعم أهل العلم أن سليمان عليه السلام وجد الجن يعبثون بالناس في الأسواق ويخطفونهم [ص 53] في الطرقات، فسأل الله أن يولي على كل قبيلة من الجن ملكًا يضبطهم، فولى الله على كل قبيلة ملكًا من الملائكة، فإذا عتا بعض الجن وأفسد ذكر المعزم كلمات يعظمها الملك، ويزعمون أن لكل
= ضهاجة وهو فقيه مالكي مصري المولد والمنشأ والوفاة انتهت إليه دراسة الفقه على مذهب مالك من تصانيفه "الفروق"و"الذخيرة" وشرح "تنقيح الفصول في الأصول" ينظر: الديباج المذهب (ص 62 - 67) شجرة النور (ص 188).
ملك من الملوك أسماء يعظمونها، ومتى أقسم عليه بها أطاعته وأجابته، وفعلت ما يريد المعزم، وأما الاستخدامات فهي قسمان: للكواكب والجن، ويزعمون أنَّ للكواكب إدراكات فهذا كلام القرافي فيه إبانة لما يسأل عنه من هذه الأمور (طس عن أنس)(1) رمز المصنف لضفعه.
102 -
" اتخذوا هذه الحمام المقاصيص في بيوتكم؛ فإنها تلهي الجن عن صبيانكم الشيرازي في الألقاب (خط فر) عن ابن عباس (عد) عن أنس (ض) ".
(اتخذوا هذه الحمام المقاصيص) بقاف وصادين مهملتين أي التي قصت ريشها فلا تطير ولزمت البيوت (فإنها تلهي الجن) تشغلهم (عن صبيانكم) فلا يتعرض لهم بأذى، وفيه دليل على جواز قصّ الحمام واتخاذها، وأما حبسها في الأقفاص، فقد أفتى الشيخ عز الدين بن عبد السلام بعدم جوازه أو كراهته، وفيه: دليل على أن للجن تسلطًا على الصبيان ابتلاءًا وامتحانًا (الشيرازي في الألقاب خط (2) فر عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه، فإن فيه محمد بن زياد كذاب يضع الحديث، قال ابن حجر: كذبوه، وقال الذهبي: وضّاع، وساق له في "الميزان" هذا الحديث، (عد عن أنس) رمز المصنف لضعفه؛ لأن فيه عثمان بن زفر، قال الذهبي: يروي الموضوعات عن الأثبات، وساق له هذا الحديث.
103 -
" اتخذوا الغنم فإنها بركة (طب خط) عن أم هانئ، وروى (هـ) بلفظ "اتخذي غنما فإنها بركة".
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (677)، وفي مسند الشاميين (10)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 117): فيه محمد بن محصن العكاشي وهو كذاب، وقال الألباني في ضعيف الجامع والسلسلة الضعيفة (1695): موضوع.
(2)
أخرجه الخطيب في تاريخ (5/ 279)، والديلمي في الفردوس (260)، وابن عدي في الكامل (6/ 130)، وابن الجوزي في الموضوعات (1313) وقال: حديث موضوع عن أنس في إسناده محمد بن زياد كذاب انظر: "ميزان الاعتدال"(6/ 154)، والتقريب (5890)، واللسان (5/ 171). وقال الألباني في ضعيف الجامع (95) وفي السلسلة الضعيفة (18): موضوع.
(اتخذوا الغنم فإنها بركة) أي نماء وزيادة، وبركتها درها ونسلها وصوفها، ولكونها من دواب الجنة، وجعلها نفس البركة مبالغة، وبركتها مشاهدة، وقد اتخذها صلى الله عليه وسلم كما أخرج الشافعي وأحمد وأبو داود (1) أنه كان له صلى الله عليه وسلم مائة من الغنم، ولفظه عنه صلى الله عليه وسلم:"لنا غنم مائة لا نريد أن تزيد فإذا ولد الراعي بهمه ذبحنا مكانها شاة"(طب خط عن أم هانئ) هي بنت أبي طالب أخت علي عليه السلام واسمها فاختة، وقال أحمد: هند أسلمت يوم الفتح، وقيل: قبله (وروى (2) 5) أي ابن ماجه (بلفظ اتخذي) خطابا لأم هانئ الراوية (غنما فإن فيها بركة).
104 -
" اتخذوا عند الفقراء أيادي؛ فإن لهم دولة يوم القيامة (حل) عن الحسين بن علي (ض) ".
(اتخذوا عند الفقراء أيادي) جمع يد بمعنى النعمة، وجمعها بمعنى الجارحة أيدي، وذلك بالإحسان إليهم، (فإن لهم دولة) الدال المهملة (يوم القيامة) شفاعة وقبولاً عند الله، وذكر المصنف في ذيل الجامع من حديث أنس عند ابن ماجة:"يصف الناس يوم القيامة صفوفاً فيمر الرجل من أهل النار، على الرجل من أهل الجنة فيقول: يا فلان! أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة فيشفع له .. " الحديث (3). (حل عن (4) الحسين بن علي) هو سبط رسول الله صلى الله
(1) أخرجه أبو داود (142) والشافعي (1/ 15) وأحمد (4/ 211).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2304) والخطيب في التاريخ (7/ 11) والطبراني في الكبير (24/ 426) رقم (1039) قال البوصيري في الزوائد (3/ 40): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (82) والسلسلة الصحيحة (773).
(3)
أخرجه ابن ماجه (3685)، وأبو يعلى في مسنده (3490).
(4)
أخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 71) من قول ابن منبه ولم أقف عليه من قول الحسين بن علي وعزاه الطرفي وفي إسناده أصرم بن حوشب وهو كذاب، وأورده ابن تيمية في الفتاوى (2/ 196)، وقال: كذب لا يعرف في شيء من كتب المسلمين، وأورده ابن عساكر في تاريخ دمشق (14/ 19) من رواية ابن عباس وقال: حديث منكر، وكذلك ابن الجوزي في العلل (2/ 516)، وضعفه العراقي=
عليه وآله وسلم شهيد كربلاء رضى الله عنه، وقد ذكرنا شطرًا صالحًا من أحواله في "الروضة الندية شرح التحفة العلوية" والحديث رمز المصنف لضعفه، قال الحافظ ابن حجر: أنه باطل، وقال السخاوي: بعد إيراده وإيراد عدة أحاديث في معناه: كل هذا باطل، وسبقهما إلى ذلك، ابن تيميه والذهبي، قالوا: إنه مقطوع بوضع هذا الحديث.
105 -
" اتخذه من ورق ولا تتمه مثقالا، يعني الخاتم (3) عن بريدة (ح) ".
(اتخذه) الضمير يعود على الخاتم المذكور في صدر الحديث، ولفظه عن بريدة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه خاتم من حديد، فقال:"مالي أرى عليك حلية أهل النار"، ثم جاءه وعليه خاتم من صفر، وفي رواية: من تشبّه فقال: "مالي أجد فيك ريح الأصنام" ثم جاءه وعليه خاتم من ذهب، فقال:"مالي أرى عليك حلية أهل الجنة"، فقال: من أي شيء أتخذه يا رسول الله قال: "اتخذه من ورق" بفتح الواو وكسر الراء الفضة، وفيه كراهة التحلي بالحديد، والشبه: وهو بفتح المعجمة الموحدة نوع من النحاس وهو الصفر، وكراهته بالذهب، وإباحة اتخاذه من الفضَّة، قال الخطابي (1): قوله "مالي أرى عليك حلية أهل النار" أي زي الكفار، وهم أهل النار، يقال: إنما كرهه لذلك، وقيل: لزهومة ريحه، وقد عارض هذه الكراهة حديث معيقيب: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه (2) فضة، وهذا أجود إسنادًا مما قبله، لا سيما وقد عضده حديث:
=في تخريج أحاديث الإحياء (4/ 89)، وانظر قول الحافظ ابن حجر والسخاوي في المقاصد الحسنة (ص:16) وفتاوى ابن حجر برقم (217)، وكشف الخفاء (1/ 36). وقد أجاب السخاوي عن هذا الحديث بالتفصيل في الأجوبة المرضية (2/ 748 - 750) بتحقيقنا، وقال الألباني في ضعيف الجامع (94) والسلسة الضعيفة (3/ 161): موضوع.
(1)
عون المعبود (10/ 190).
(2)
أخرجه أبو داود (4224)، والنسائي و (8/ 175).
"التمس ولو خاتمًا من حديد"(1)، فلو كان مكروهًا لم يأذن فيه، قال البيهقي (2): وهذا لأنه بالفضة التي لويت عليه لا توجد منه رائحة الحديد، [ص: 54] فيشبه أن ترتفع الكراهة انتهى.
قال الحافظ ابن حجر (3): إن كان الحديث الأول محفوظًا حمل المنع على ما كان حديدًا صرفاً، وأما الشبه فإنما كرهه صلى الله عليه وسلم لأنها كانت تتخذ الأصنام منه.
فائدة: للعلماء في لبس الخاتم ثلاثة أقوال: الإباحة، إلا عند قصد الزينة، الكراهة: إلا لذي سلطان، الإباحة مطلقًا. قال الحافظ ابن حجر: الصواب الأول، فإنه لبسه صلى الله عليه وسلم ولبسه أصحابه. ولم ينكر.
قلت: ولو قيل الصواب الآخر، فإن كراهة الزينة لا دليل عليها، بل قوله تعالى:{خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: 31] عام لإباحة كل زينة، ما لم يرد النهي عنه كالتشبه بالنساء (ولا تتمه مثقالاً) كأنه لأنه عبث إذ يحصل الخاتم من أقل من ذلك (يعني الخاتم) مدرج من الراوي تفسير للضمائر (3 عن (4) بريدة) بضم الموحدة فراء فمثناه تحتية فدال مهملة صحابي جليل أخر من مات من الصحابة بخراسان، وهو ابن الحصيب ولم يقيده باسم أبيه لأنه ليس في الصحابة من له هذا الاسم غيره (5)، رمز المصنف لحسنه، وضعفه النووي في شرح مسلم، وتابعه على ذلك جماعة.
(1) أخرجه البخاري (4741 بفا)، ومسلم (1425)، وأبو داود (211)، والنسائي (3200)، وابن ماجه (1889).
(2)
شعب الإيمان (5/ 199).
(3)
فتح الباري (10/ 323).
(4)
أخرجه أبو داود (4223)، والترمذي (1785)، وقال: غريب، والنسائي (8/ 172) وقال النسائي في السنن (8/ 172) وفي الكبرى (9508): هذا حديث منكر، وابن حبان (5488)، وضعفه النووي في شرح مسلم (14/ 70)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (96).
(5)
الإصابة (1/ 286) قال ابن سعد: مات سنة ثلاث وستين.
106 -
" أتدرون ما العَضَه؟ نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض ليفسدوا بينهم (خد هق) عن أنس"(ح).
(أتدرون ما العضة) جاء في كتب اللغة (1)، العضة: بكسر العين وفتح الضاد، وقال الزمخشري (2): أصلها العضهة فعلة من العِضة، وهو البهت حذفت لامُه، كما حذفت من السنة انتهى. ويأتي: إياكم والعضه النميمة بين الناس، وقد أفاده قوله (نقل الحديث من بعض الناس إلى بعض) أي نقل قبيح ما يقوله الرجل في الآخر لا مطلق ما يقوله فيه، كما يدلس لذلك قوله (ليفسدوا بينهم) فإنهم لا إفساد إلا بنقل ما يكره الذي قيل فيه الحديث المنقول، وفي احتراز لو أراد الناقل بالنقل النصيحة للمنقول إليه مثل {إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ} فيحترز على نفسه، وقد بحثنا عليه في "العدة حاشية شرح العمدة" (3) في كلام على حديث:"أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة"(4)(خد هق (5) عن أنس) رمز المصنف لحسنه، وفي سنان بن سعد ضعيف، وكأنه حسنه المصنف لغيره.
157 -
" أترعوا الطسوس، وخالفوا المجوس (هب خط فر) عن ابن عمر".
(اترعوا) الإتراع الإملاء (الطسوس) بضم الطاء وسينين مهملتين جمع طس لغة في الطست (وخالفوا المجوس) في هذا؛ لأن مخالفة المشركين في كل أمر
(1) النهاية (3/ 254).
(2)
الفائق (الفائق (2/ 443).
(3)
انظر: (1/ 264 - 275).
(4)
أخرجه البخاري (218)، ومسلم (292/ 111).
(5)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (425)، والبيهقي في السنن (10/ 246) عن أنس، وقال المناوي في الفيض (1/ 114): أعله الذهبي في المهذب متعقباً على البيهقي فقال: فيه سنان بن سعد وهو ضعيف، انظر: المهذب في اختصار السنن الكبير للذهبي (8/ 4267)، وسنان بن سعد قال الحافظ: صدوق له أفراد، التقريب (2238). وصححه الألباني في صحيح الجامع (85) وفي السلسلة الصحيحة (845).
مدعو إليها ومنها، أنَّ المشابهة في الأفعال تسرق الطبع إلى من يشابهه، وهذا من التنبيه بالأدنى على الأعلى لأنه إذا نهي عن مشابهتهم في هذا، علم أن النهي في غيره بالأولى (1) (هب خط (2) فر عن ابن عمر) سكت عليه المصنف وضعفه البيهقي وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح.
108 -
" أَتَرْعَونَ عن ذكر الفاجر أن تذكروه؟ فاذكروه يعرفه الناس (خط) في رواة مالك عن أبي هريرة".
(أترعوون) من ورع يرع كوعد يعد أي اتقي من الورع، محرك الراء، وهو التقوى والمعنى أتتورعون (عن ذكر الفاجر) بوصف فجوره تحذيرًا منه، ونصيحة للناس إذا تورعتم (أن تذكروه) فمتى يعرف فجوره الناس فيحذروه (فاذكروه) أي الفاجر، أمر بذكر فجور الفاجر للتحذير منه كما دل له ما يأتي في الأحاديث (يعرفه الناس) مجزوم جواب الأمر أي فلا يغتر به الجاهل بحاله، ومن هنا اتفق الناس على القدح في رواة الأخبار، وفي الشهود، وبنيت عليه كتب التخريج، فمن عرف فاجرًا وجب عليه ذكر فجوره، لئلا يغتر به الناس في شيء من الأمور التي لا يقبل فيها، فإذا كان قد عرف فجوره فلا فائدة في ذكره ولا في التفكه بعرضه والامتلاء من لحمه (خط في رواية (3) مالك عن أبي هريرة) سكت
(1) قلت: والمراد: أجمعوا الماء الذي تغسولن به أيديكم في إناء واحد تميلئ فإن ذلك مستحب ولا تريتوه قبل امتلائه كما تفعل المجوس.
(2)
أخرجه البيهقي في الشعب (5820) وقال: إسناد ضعيف، والخطيب في تاريخه (5/ 9) وكذلك ابن عساكر في تاريخ دمشق (5/ 325)، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 668)، هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر رواته ضعفاء ومجاهيل، قال المناوي (1/ 115) قال العراقي: إسناده لا بأس به ..
وقال الألباني في ضعيف الجامع (102) والسلسلة الضعيفة (1552): ضعيف جدًّا.
(3)
أخرجه الخطيب في الجامع (1/ 328)، وأخرجه البيهقي في السنن (10/ 210)، وقال: فهذا حديث يعرف بالجارود بن يزيد النيسابوري وأنكره عليه أهل العلم بالحديث، وكذلك أبو بكر=
عليه المصنف، وقال مخرجه الخطيب: تفرد به الجارود، وهو منكر الحديث.
109 -
" أترعون عن ذكر الفاجر؟ متى يعرفه الناس؟ اذكروا الفاجر بما فيه يحذره الناس ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة، والحكيم في نوادر الأصول، والحاكم في الكنى، والشيرازي في الألقاب، (عد طب هق خط) عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده"(ض).
(أترعون عن ذكر الفاجر متى يعرفه الناس) أن تروعتم عن ذكر فجوره (اذكروا الفاجر بما فيه) من دون زيادة (يحذره الناس) فإن نصح الناس واجب فذكر الفاجر واجب للتحذير كما سلف (ابن أبي الدنيا في ذم الغيبة والحكيم في نوادر الأصول) هو الإمام أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن الحكيم الترمذي، صاحب التصانيف أخذ عن عالَم وعنه عالَم، ثم نفي من ترمذ بسبب تأليف "كتاب ختم الولاية" وكتاب "عدل الشريعة" قالوا: زعم أن للأولياء خاتمًا، وأنه يفضل الولاية على النبوة، فنفوه من ترمذ إلى بلخ وهو غير الترمذي صاحب الرمز (1)(والحاكم) هو غير الحاكم أبي عبد الله الذي قدمنا ذكره في أهل الرموز، ولذا ذكره المصنف هنا بلفظه، وهو أبو أحمد محدث خراسان الإمام الحافظ محمد بن محمد بن أحمد الإمام النيسابوري، صاحب التصانيف، الحاكم الكبير، مؤلف كتاب "الكنى" سمع من ابن خزيمة والباغندي والبغوي وطبقتهم، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله المتقدم ذكره وخلائق، قال الحاكم: هو إمام عصره في هذه الصنعة كثير التأليف، مقدّم في معرفة شروط الصحيح
=الإسماعيلي في معجم شيوخه (رقم 262)، وأورده ابن حبان في المجروحين (1/ 220) في ترجمة الجارود بن يزيد العامري. وأورده الذهبي في الميزان (1/ 239 ت 400) في ترجمة أحمد بن سليمان الحراني: حديث موضوع ووافقه الحافظ في اللسان (1/ 181).
وقال الألباني في ضعيف الجامع (103) وقال: ضعيف جدًّا.
(1)
انظر: لسان الميزان (5/ 308).
والأسامي والكنى، وقال أيضًا: كان من الصالحين الثابتين على سنن السلف، ومن المنصفين فيما يعتقده في أهل البيت والصحابة، توفي سنة 378 رحمه الله (1)، (في الكنى) بضم الكاف جمع كنية وهي الإسم المصدر بلفظ أب أو أم، وهو كتاب في أسماء الرواة، وهو نظير الألقاب للشيرازي وهو نوع من علوم الحديث (والشيرازي في الألقاب، عد طب هق خط عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده)(2) رمز المصنف لضعفه، قال البيهقي بعد إخراجه: ليس بشيء، وقال غيره من مخرجيه: هذا غير صحيح، وكلهم رووه من حديث الجارود، وهو واه، قال أحمد: حديثه منكر، وقال ابن عدي: لا أصل له، قال: وكل من روى هذا الحديث فهو ضعيف، وقال الدارقطني: هو من وضع الجارود.
(1) انظر: لسان الميزان (7/ 5) وتاريخ دمشق (55/ 154)، سير أعلام النبلاء (16/ 370) وتذكرة الحفاظ (3/ 976).
(2)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الغيبة والنميمة برقم (83)، والعقيلي في الضعفاء (1/ 202)، والمحاملي في أماليه برقم (262)، والحكيم في نوادر الأصول (2/ 257)، وأبو أحمد الحاكم في الكنى (1/ 414 رقم 360) وابن عدي (3/ 289)، والطبراني في الكبير (19/ 418)، والبيهقي في السنن الكبرى (10/ 210)، وشعب الإيمان برقم (9666) وبرقم (9667)، والخطيب في تاريخه (1/ 382 و 3/ 188) وقال العقيلي في الضعفاء (1/ 202) ليس له من حديث بهز أصل ولا من حديث غيره ولا يتابع عليه.
وقال البيهقي في السنن الكبرى (10/ 210) حديث يعرف بالجارود بن يزيد النيسابوري وأنكره عليه أهل العلم بالحديث سمعت أبا عبد الله الحافظ يقول سمعت أبا عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ غير مرة يقول كان أبو بكر الجارودي إذا مر بقبر جده في مقبرة الحسين بن معاذ يقول يا أبة لو لم تحدث بحديث بهز بن حكيم لزرتك.
وقال وقد سرقه عنه جماعة من الضعفاء فرووه عن بهز بن حكيم ولم يصح فيه شيء.
وقال في الشعب: هذا حديث يعد في إفراد الجارود بن يزيد عن بهز وقد روى عن غيره وليس بشيء وهو إن صح.
قلت: الجارود بن يزيد تفرد به: كذبه أبو أسامة وقال يحيى ليس بشيء وقال أبو داود غير ثقة وقال النسائي والدارقطني متروك وقال أبو حاتم كذاب. انظر ميزان الاعتدال (2/ 108) ت (1430) ولسان الميزان (2/ 90) ت (371)، ذكره الألباني في الضعيفة برقم (583 و2632) وقال: موضوع.
110 -
"اتركوا الترك ما تركوكم؛ فإن أول من يسلب أمتي ملكهم وما خولهم الله بنو قنطوراء (طب) عن ابن مسعود"(ض).
(اتركوا الترك) بضم الفوقية المثناة وسكون الراء جيل من الناس، (ما تركوكم) لا تتعرضوا لهم ما لم يتعرضوا لكم (فإن أول من يسلب) من باب قتل يقتل (أمتي ملكهم وما خولهم الله) بالخاء المعجمة (أعطاهم بنو قنطوراء) بفتح القاف وسكون النون وضم الطاء المهملة وألف مقصورة قال المصنف "في مرقاة الصعود حاشية سنن أبي داود" يقال: إنها اسم جارية كانت لإبراهيم عليه السلام والترك من نسلها، وقيل: أراد بهم يأجوج ومأجوج (طب عن ابن مسعود) رمز المصنف لضعفه، قال الهيثمي: فيه مروان بن سالم متروك، وقال السمهودي: قد أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير بإسناد حسن، ولم يصب ابن الجوزي حيث جزم بوضعه، وقد جمع فيه الضياء جزءًا (1).
111 -
" اتركوا الحبشة ما تركوكم؛ فإنه لا يستخرج كنز الكعبة إلا ذو السويقتين من الحبش (دك) عن ابن عمر".
(اتركوا الحبشة ما تركوكم فإنه لا يستخرج كنز الكعبة) الكنز: المال المدفون، ولم يذكر هنا ما هو المراد به، فيحتمل: أنه قال مدفون في جوفها، فإنه
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (10/ 181 رقم 10389) وفي الأوسط (5634) وقال الهيثمي في المجمع (7/ 312)، فيه عثمان بن يحيى القرقساني ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح، وانظر الموضوعات لابن الجوزي (2/ 235)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (105) وفي السلسلة الضعيفة (1747) موضوع؛ لأن فيه ثلاث علل:
الأول: مروان بن سالم الجزري قال البخاري منكر الحديث (التاريخ الكبير 8/ 373) وقال أبو عروبة الحراني يضع الحديث (ميزان الاعتدال 6/ 397) ت (8431).
الثاني: عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، مختلف فيه، وفي "التقريب" (4160): صدوق يخطئ، وكان مرجئا، أفرط ابن حبان فقال: متروك.
الثالثة: عثمان بن يحيى القرقساني، لم أجد له ترجمة.
ثبت أنه صلى الله عليه وسلم بعث، وفيها أموال من النذور ولم يتعرض لها، وأراد عمر إخراجها والانتفاع بها في الجهاد، فشاور الصحابة في ذلك فأشار عليه علي عليه السلام بتركه، ويحتمل: أنه أراد به الحجر الأسود فسماه كنزًا تشبيها واستعارة بجامعها لنفاسته (إلا ذو السويقتين من الحبشة) في النهاية (1): أنه تصغير الساق وظهرت التا لأنها مؤنثة وإنما صغّرها لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة انتهي. وذكر الحليمي (2) وغيره عن كعب: أن ظهور ذو السويقتين في زمن عيسي عليه السلام وذلك بعد هلاك يأجوج ومأجوج، ويبعث إليه عيسى عليه السلام طليعة ما بين السبعمائة والثمانمائة، فبينا هم يسيرون إذ بعث الله ريحًا يقبض فيها روح كل مؤمن انتهى. وأخرج أحمد والبخاري:"كأني أنظر إليه أسود أفحج ينقضها حجرًا حجرًا"(3) يعني الكعبة، فيحتمل أن يراد بالكنز الكعبة نفسها، وباستخراجها هدمها، وإذا كان تعالى قدر خروج الحبشة آخر الزمان كما قال كعب فالأمر بتركهم يشعر أنهم إذا حركوا قبل ذلك كان سببًا لظهورهم قبل ذلك.
(د ك عن ابن عمر)(4) وصححه الحاكم ولكن أعله عبد الحق بأن فيه زهير بن محمَّد شيخ أبي داود سيء الحفظ لا يحتج به.
(1) النهاية: (2/ 423).
(2)
قول الحليمي أورده صاحب عون المعبود (11/ 258)، وعزاه إلى السيوطي وقال: قلت: لابد لهذا من سند صحيح وإلا فالله تعالى أعلم بوقت خروجه.
(3)
أخرجه البخاري (1518)، وأحمد في المسند (1/ 228)، وابن حيان (6752).
(4)
أخرجه أبو داود (4309)، والحاكم (4/ 453)، والبيهقي (9/ 176) وكذلك البزار (2355) والخطيب (12/ 403) وقال المناوي (1/ 118): أعله عبد الحق بأن زهير بن محمد شيخ أبي داود كان سيئ الحفظ لا يحتج بحديثه انظر: التقريب (2049)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (90) وفي السلسلة الصحيحة (772).
112 -
" اتركوا الدنيا لأهلها؛ فإنه من أخذ منها فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر (فر) عن أنس"(ض).
(اتركوا الدنيا لأهلها) الذين رضوا بها واطمأنوا إليها، فحقهم أن ينسبوا إليها ويكونوا أهلها وأن تضاف إليهم (فإنه) أي الشأن (من أخذ منها فوق ما يكفيه) فإنه قد اقبح منها الكفاية [ص:56] وخلقت الأرض وما فيها لذلك، فمن جاوز الكفاية في أخذه منها (أخذ من حتفه) ضبط بالحاء المهملة بعدها مثناة فوقية من هلاكه فإنها تهلكه في أخراه، بل ربما هلك بها في دنياه، وبالجيم فمثناة تحتية أي هي كالجيفة في الآخرة، لتضرر صاحبها بها أو في الدنيا يتكالب الناس عليها تكالب الكلاب على الجيف، كما قال الشافعي (1) رحمه الله: وما هي إلا جيفة مستحيلة، عليها كلاب همهن اجتذابها، فإن تجتنبها كنت سلمًا لأهلها، وإن تجتذبها نازعتك كلابها، وقوله (وهو لا يشعر) لجهله بعاقبتها (فر (2) عن أنس) رمز المصنف لضعفه، وذلك لأن في سنده من لا يعرف، إلا أن له شواهد تصيره حسنًا، كذا قاله الشارح.
113 -
" اتق الله فيما تعلم (تخ ت) عن زيد بن سلمة الجعفي".
(اتق الله فيما تعلم) في القاموس (3): اتقيت الشيء وتقيته اتقاء وتقية وتقاء، ككساء: حَذِرته، والاسم: التقوى، انتهى. والحديث في الترمذي عن يزيد بن سلمة بلفظ: قلت: يا رسول الله! سمعت حديثًا كبيرًا أخاف أن يُنْسِينى آخره أوله، فحدثني بكلمة تكون جماعًا، قال:"اتق الله فيما تعلم وادرز واعمل به"
(1) ابن العماد في شذرات الذهب (2/ 10)، والعجلوني في كشف الخفاء (4/ 40) وعزاه للشافعي رضى الله عنه.
(2)
أخرجه الديلمي في الفردوس (363)، وقال المناوي (1/ 119): فيه من لا يعرف لكن فيه شواهد تصيره حسناً لغيره. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (106)، والسلسلة الضعيفة (1691).
(3)
القاموس (ص 1732).
واعلم أن هذا من جوامع كلمة صلى الله عليه وسلم، ومعناه: اتق الله فيما تعلم أنه سائلك عنه إن فعلته، لم فعلته؟ وإن تركته، لم تركته؟ فأت ما أمرك به، واجتنب ما نهاك عنه، ودع ما لا علم لك به (تخ ت عن يزيد بن سلمة)(1)، بفتح المهملة والسلام (الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة صحابي كوفي، له حديث، منسوب إلى جعفي ككُرسي، ابن سعد العشيره أبو حي من اليمن كما في القاموس (2).
114 -
" اتق الله في عسرك ويسرك أبو قرة الزبيدي في سننه عن طليب بن عرفة".
(اتق الله في عسرك وشرك) أي على أي صفة كنت من شدة أو رخاء لا ينسينك الفقر، ولا يطغيك الغنى، بل طاعته وتقواه لازمة لك في جميع أحوالك، والمراد: اتق الله في عسرك بالصبر عليه، والعفة عمَّا لا يحل، وفي يسرك بالصدقة، والإحسان والشكر (أبو قرة) (3) بضم القاف وتشديد الراء اسمه: موسى بن طارق، قال ابن حبان: كان ممن جمع وصنف وذاكر وتفقه (4)، (الزبيدي) بفتح الزاي نسبة إلى زبيد (في سننه عن طليب)(5) مصغر آخره موحدة (بن عرفة) بفتح العين المهملة وسكون الراء ففاء، وطليب له وفاده ولم يرو عنه إلا ابنه كليب، وكلاهما مجهولان ذكره الذهبي وابن الأثير.
(1) أخرجه الترمذي (2683)، والبخاري في "التاريخ"، وعبد بن حميد (1/ 162)، وكذلك هناد في الزهد (936) والطبراني (22/ 242)(633)، والبيهقي في الزهد الكبير (2/ 333) رقم 894)، قال الترمذي في العلل (1/ 341): سألت محمداً فقال: سعيد بن أشوع لم يسمع عندي من يزيد بن سلمة وهو عندي حديث مرسل، وقال كذلك الحافظ في الإصابة (6/ 660): وهو منقطع .. وانظر: ضعيف الترمذي للألباني (554) والضعيفة (1696).
(2)
القاموس (ص 1029).
(3)
ينظر: تهذيب الكمال (29/ 80).
(4)
الثقات (9/ 159).
(5)
أورده الحافظ في الإصابة (3/ 539)، وابن عبد البر في الاستيعاب (2/ 772)، وقال: لم يرو عنه غير ابنه كليب بن طليب وكليب ابنه مجهول، وانظر: أسد الغابة (1/ 547)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (107).
115 -
" اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن (حم ت ك هب) عن أبي ذر (ح) (حم ت هب) عن معاذ ابن عساكر عن أنس".
(اتق الله حيثما كنت) في أي مكان نزلت وأي جهة حللت، فلا يخص بالتقوى مكانًا دون مكان؛ لأنك بمرأى منه تعالى، ولأن الأماكن بالنسبة إلى علمه بعملك سوى (وأتبع السيئة الحسنة تمحها) تمح إثمها، وتذهب أثره، وهو مشتق من قوله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 114](وخالق الناس بخلق حسن) هو ملكة نفسانية تسهّل على المتصف بها الإتيان بالأفعال الجميلة والآداب المرضية، فتصير ذلك كالخلقة في صاحبه، فيدخل فيه التحرر من البخل والشح والكذب وغير ذلك من الصفات المذمومة، ويدخل فيه التحبب إلى الناس بالقول والفعل، والبذل وطلاقة الوجه مع الأقارب والأجانب، والتساهل في الأمور، والتسامح وما يلزم من الحقوق، وترك التقاطع والتهاجر، واحتمال الأذى مع الأعلى والأدنى، مع طلاقة الوجه وإدامة البشر.
فهذه الخصال تجمع محاسن الخلق ومكارم الأفعال، ولقد كان جميع ذلك وأضعافه من أخلاقه صلى الله عليه وسلم، وبه وصفه الله بأنه على خلق عظيم، وجَمَع من قال:
طلاقة الوجه وكفُّ الأذى
…
وبذلك المعروف حسن الخلق
هذه أمهات مكارم الأخلاق، وفي عطفه على التقوى ما يشعرك بعلو شأن الخلق الحسن وفي قوله: الناس، إعلام بأنه يحسن خلقه مع كل مؤمن وكافر قال الله تعالى:{وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} [البقرة: 83](حم ت ك هب عن أبي (1) ذر)
(1) أخرجه أحمد (5/ 153)، والترمذي (1987) وقال: حسن صحيح، والحاكم (1/ 54) وقال: صحيح على الشيخين، والبيهقي في الشعب (8026) عن أبي ذر، وأحمد (5/ 236)، والترمذي (1987)، والبيهقي في الشعب (8025)، وكذا الطبراني في الكبير (20/ 1459 رقم (297). عن=
رمز المصنف لصحته، وقال الترمذي: حسن صحيح (حم ت هب عن معاذ) وحسنه الترمذي (ابن عساكر عن أنس) سكت عليه المصنف وإسناده ضعيف.
116 -
" اتَّق الله، ولا تَحْقِرنَّ من المعروف شيئًا، ولو أن تقرغَ من دلوك في إناء المستسقي، وأن تلقى أخاك ووجهك إليه منبسط، وإياك وإسبال الإزار فإن إسبال الإزار من المخيلة ولا يحبها الله، وإن امرؤ شتمك وعيرك بأمر ليس هو فيك فلا تعيره بأمر هو فيه، ودعه يكون وباله عليه وأجره لك، ولا تسبنَّ أحدًا الطيالسي، (حب) عن جابر بن سليم الهجيمي"(صح).
(اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئًا) لا تعدّن بأي شيء من المعروف حقيرًا، فتزهد فيه لحقارته، وقد تصدقت عائشة بحبةٍ من عنب، فقيل لها في ذلك، فقالت: كم فيها من مثقال ذرة (1)(ولو بأن تفرغ) تصب (من دلوك في إناء المستسقي) فإن هذا معروف، يعد حقيرًا فلا تحتقره فتتركه (و) لو (أن تلق أخاك) في الدين (ووجهك إليه منبسط) جملة حالية، وانبساط الوجه طلاقته، وظهور البشر عليه، (وإياك) إيا صفته ضمير منصوب لحقه كاف الخطاب، وناصبه مقدر محذوف وجوبًا، من باب التحذير أي احذر، (وإسبال الإزار) منصوب لأنه المحذر منه، معطوف على المحذر، والإسبال مجاوزة الإزار الكعبين، لحديث:"ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار"(2)، وحديث:"إزرة المؤمن إلى نصف الساق، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين"(3)،
= معاذ، وابن عساكر (61/ 314) عن أنس، انظر: العلل للدارقطني (6/ 72)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (97).
(1)
انظر: الزهد للإمام أحمد (ص: 212).
(2)
أخرجه البخاري (5450) والنسائي (8/ 207)، وأحمد (2/ 461).
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (2/ 914)، وابن ماجه (3537)، وأحمد (3/ 5)، وابن حبان (5446)،=
والحكم شامل للقميص والعباءة ونحوهما، إلا أنه قد قيد الحديث بقوله (فإن إسبال الإزار من المخيلة) فإن حمل على أنه العلة المظنة حرم مطلقًا، وإن أريد بها المس لم يحرم، إلا لمن حصلت له المخيلة، وهو ظاهر حديث أبي بكر حيث قال: يا رسول الله! إن إزاري يسترخي أو نحوه فقال رسول الله: "إنك لست ممن يفعل ذلك مخيلة"(1) أو نحو هذا اللفظ، والمخيلة: بفتح الميم وكسر الخاء المعجمة هي الكبر، أي الإسبال من دلائلها وذرائعها وقررنا في "رسالة الإسبال" تحريم ذلك لكل حال، لما أقمناه من الأدلة التي ليس فيها مقال (ولا يحبها الله) بل يبغضها كما يدل له أحاديث أخرى (وإن امرؤٌ) مرفوع على أنه فاعل فعل محذوف وجوبًا أي إن شتمك امرؤ (شتمك) هو الذم (وعيرك) من العار بالمهملة وهو كل شيء لزم به عيب، وعيره الأمر ولا يقال بالأمر كما في القاموس (2)، فعليه قوله (بأمرٍ) يتعلق بشتم على رأي الكوفيين (هو فيك) أنت متصف به، ويفهم منه أنه إذا لم يكن فيه أنه ينتصر لنفسه، وتبين أنه ليس فيه، ويحتمل إنه يدعه أيضًا بالأولى؛ لأنّ الوبال على الشاتم فيه أكثر لأنه بهت وكذب (فلا تعيّره) شاتمًا له بأمر (هو فيه) نهي للتنزيه وإلا فهو جائز بدليل {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيهمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى: 41] وقوله (ودعه يكون وباله) إثم الشتم والتعيير (عليه، وأجره لك) يدل لذلك، وإلا لعلَّله بأنه إثم (ولا تسبن أحدًا) نهي للتحريم مؤكد بالنون، وأدلته واسعه، وفيه أن المنتصف لا
= والطبراني في مسند الشاميين (4/ 51 رقم 2704)، والأوسط (412). قال الألباني: صحيح. انظر: صحيح الجامع الصغير رقم (919). وصحيح الترغيب رقم (2031).
(1)
أخرجه البخاري (5447) وأبو داود (4085) والنسائي (8/ 208)، وأحمد (2/ 136)، وابن حبان (5444)، والطبراني في المعجم الكبير (12/ 301) رقم (1317).
(2)
القاموس المحيط (ص 574).
يسمى سبابًا (الطيالسي)(1) هو أبو داود الحافظ الكبير سليمان بن داود الفارسي الأصل، سمع عن خلائق، وعنه خلائق، منهم أحمد وبندار ومن في طبقتهم، قال الفلاس: ما رأيت أحفظ منه، وقال عمر بن شيبة: كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديثًا، قال الذهبي: قلت قد كان يتكل على حفظه فغلط في أحاديث، توفي سنة 204 (2)(حب عن جابر بن سليم) بالمهملة مصغرًا، ويقال فيه سليم بن جابر وهو أبو جزي بالجيم مصغرًا (الهجيمي) بضم الهاء فجيم نسبة إلى هجيم بطن جابر بن سليم، رمز المصنف لصحته وقد رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
117 -
" اتق الله يا أبا الوليد، لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثواج (طب) عن عبادة بن الصامت"(ح).
(اتق الله يا أبا الوليد) نادى صلى الله عليه وسلم المخاطب استمالة لقلبه، وطلبًا لإصغائه سمعه لما يلقيه إليه وهو كنية عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي راوي الحديث، والخطاب له، وهو عام في حق غيره (لا تأتي يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء) بضم الراء وغين معجمة ممدودة بزنة غراب صوت الإبل (أو بقرة لها خوار) بالخاء المعجمة وراء بزنة الأول صوت البقر (أو شاةٍ لها ثؤاج) بمثلثة مضمومة آخره جيم بزنة أجوف، وهو صوت الغنم والحديث مسوق للنهي عن غلول الصدقة، {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161]، وفيه: دليل على حشر الحيوانات وأن الغال يحشر حاملاً لما غلَّه، وتمام الحديث: فقال: عبادة يا رسول الله ذلك كذلك، قال: أي والذي نفسي بيده إلا من رحم
(1) أخرجه أحمد (5/ 63)، والطيالسي (1208)، وابن حبان (521)(522)، وأبو داود (4084)، والنسائي في السنن الكبرى (9691)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (98)، والصحيحة (770).
(2)
انظر: تهذيب الكمال (11/ 401)، والتقريب ت (2550) والكاشف ت (2082).
الله، قال: والذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين (طب عن عبادة)(1) بضم العين المهملة بعدها موحدة حقيقة آخره دال مهملة فتاء تأنيث هو أبو الوليد عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي صحابي جليل شهد العقبتين (2)(بن الصامت) رمز المصنف لحسنه.
118 -
" اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب (حم ت هب) عن أبي هريرة" ض).
(اتق المحارم) أول الحديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يأخذ مني هذه الكلمات فيعمل بهن، أو يعلّم من يعمل بهن"، قال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله، فأخذ بيده فعد خمسًا، والمحارم ما حرّمه الله، كما في القاموس (3)(تكن أعبد الناس) اسم تفضيل من العبادة، وهي غاية الخضوع والتذلل، والمراد إذا ترك المحارم وأتى بالواجبات، تكن أعبد الناس، لا أنه بتركه المحارم فقط يكون كذلك، أو يراد يكون من أعبدهم بالنسبة إلى تركه المحارم [ص:58] لا أعبدهم مطلقًا. إن قلت: أي ذلة في ترك المحارم حين سمي عبادة؟ قلت: تركك ما تهواه النفس وتحبه امتثالاً للنهي وزيادة للنفس عنه نهاية الإذلال لها.
(وارض بما قسم الله) من الأرزاق (تكن أغنى الناس) الغنى: ضد الفقر، ومن
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير كما في المجمع (3/ 86) قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح، وكذلك الحميدي في مسنده (895)، والبيهقي في السنن (4/ 158)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 192). وصححه الألباني في صحيح الجامع (99) والسلسلة الصحيحة (857).
(2)
انظر: الإصابة (3/ 624) والطبقات الكبرى (3/ 546).
(3)
القاموس المحيط (9/ 1412).
رضي بالقسمة، وعلم أنها جارية على وفق الحكمة لم يأسف على ما فاته من حظوظ الدنيا، ولم يحزنه ما ناله أهلها منها فصار أغنى الناس بقلبه، فإن الغنى غنى القلب كما يأتي. قيل:
إِنَّ الغَنِي هُو الغَنِي بِنَفسه
…
ولو أَنه عاري المَناكب حافِ (1)
(وأحسن إلى جارك تكن مؤمناً) يأتي حديث أن الجوار أربعون (2) دارًا، والله قد وصَّى في الجار، والحديث فيه لا يحصى والعقل قاضي بحسن الإحسان إليه، فقد تطابق العقل والشرع على ذلك، وقد استوفى الغزالي في الإحياء (3) حقوق الجار، وقد كانت الجاهلية تعرف ذلك كما قال الحماسي:
وَاعرِف لجارِكَ حَقَّه
…
والحقُّ يَعرِفُهُ الكَريمُ (4)
وفيه أن من لم يحسن إلى الجار لا يتصف بالإيمان فكيف من يؤذيه.
(وأحبّ للناس) المؤمنين أو ذلهم وأرتض لهم ما تريده، وترتضيه لنفسك من أمور الدنيا والآخرة (ما تحب لنفسك تكن مسلماً)، والمراد: مثل ما يحبه لنفسه، لا أنه يحب له أن تكون زوجته لغيره وولده ونحوه، ويحتمل أن لفظ الناس على عمومه، وأنه يحب للكافر الإيمان، وللفاجر الطاعة، وفيه أنه لا يتحقق فيه صفة الإِسلام حتى يتصف بهذا، ولما كان الإحسان إلى الجار أرفع رتبة من مجرد المحبة، كان المترتب عليه الاتصاف بكمال الإيمان، ولما كانت المحبة كالجزء منه ناسب أن يرتب عليها الاتصاف بالإِسلام الذي هو كالجزء من الإيمان، إذ الإيمان لا يكون إلا بعد الاستسلام (ولا تكثر الضحك فإن كثرة
(1) البيت منسوب إلى أبي فراس الحمداني.
(2)
أخرجه أبو يعلى (5982) من رواية أبي هريرة وقال الحافظ في التلخيص الحبير (3/ 92) وفي إسناده عبد السلام بن أبي الجنوب وهو متروك.
(3)
انظر: الإحياء (2/ 212).
(4)
البيت منسوب إلى يزيد بن الحكم الثقفي (105 هـ).
الضحك يميت القلب) يخرجه عن حياته، وذلك لأن حياة القلب في استعماله لما خلق له من معرفة الله، والإقبال عليه، والسكون إلى ذكره، والتلذذ بمناجاته، فلا حياة له ولا إنارة إلا بهذا، وكثرة الضحك لا تنشأ إلا عن الإعجاب بالأمور الدنيوية، والسرور بها، ووفور محبتها، والرغبة فيها، والقلب لا يتسع إلا لمحبوب واحد، فموت القلب هو خلوه عن ذكر الله، وإنارته بحبه وتعظيمه وخوفه ورجائه، ولما كان البشر لا يخلو عن إعجاب يتولد عنه ضحكه عفى الله عن قليله لطفاً منه بعباده، فلم يجعله مميتًا للقلب (حم ت (1) هب عن أبي هريرة) رمز المصنف لضعفه، وقال الترمذي: غريب، وقال المنذري: وبقية إسناده فيه ضعيف.
119 -
" اتق دعوة المظلوم؛ فإنما يسأل الله تعالى حقه، وإن الله تعالى لن يمنع ذا حق حقه (خط) عن علي (ض) ".
(اتق دعوة المظلوم) هذا نهي عن المسبب، والمراد النهي عن السبب وهو الظلم، إلا أنه أقيم المسبب مقام سببه مجازًا، والنكتة في إيثاره على الحقيقة، ولم يقل: اتق الظلم للإشارة إلى أن المظلوم له ناصر يجيبه إذا دعاه، ويلبيه إذا ناداه، ويغيثه إذا استغاث به، ويأتي أن دعوة المظلوم لا ترد، ولو كان كافرًا (فإنما يسأل الله حقه) وهو إنصافه من ظالمه (وأن الله تعالى لن يمنع ذا حق حقه) أفاد أن دعوته مجابة وأنه طالب لحقه الذي لا يمنع عنه (خط (2) عن علي) رمز المصنف
(1) أخرجه أحمد (2/ 310)، والترمذي (2305): وقال: غريب، وابن ماجه (1410)، والبيهقي في الشعب (9543)، و (11128)، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 244). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (100)، وفي الصحيحة (930). وقال: حسن لغيره في صحيح الترغيب (2349)
(2)
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 302)، وفي إسناده صالح بن حسان انظر: التاريخ الكبير (4/ 275). والعلل ومعرفة الرجال لأحمد (1/ 540)، وتهذيب الكمال (13/ 28) وقال في التقريب (2849): متروك. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (110)، والسلسلة الضعيفة (1697).
لضعفه؛ لأنه أخرجه الخطيب في ترجمة صالح بن حسان وقال: قال ابن معين: ليس بشيء، وقال البخاري: أنه منكر الحديث.
120 -
" اتقوا الله في البهائم المعجمة: فاركبوها صالحة، وكلوها صالحة (حم د) وابن خزيمة (حب) عن سهل بن الحنظلية"(صح).
(اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة) هي كل ذات أربع (فاركبوها صالحة) للركوب قوية عليه، وسببه أنه مر صلى الله عليه وسلم على بعير قد لجيء بطنه بظهره، فقال: اتقوا الله فلا يحل تحميلها إلا ما تطيق، ولا ركوبها إلا على حسب ما تقوى عليه (وكلوها صالحة) للأكل لا تتركوها حتى يهلكها الهزال من الجوع أو المرض (حم (1) د وابن خزيمة) بالخاء مضمومة وزاي، هو الإمام الكبير الثبت إمام الأئمة شيخ الإسلام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ولد سنه 223، وعني بهذا الشأن في الحداثة، سمع فأكثر، وجوّد وصنف، واشتهر اسمه، وإليه انتهت الإمامة والرئاسة، والحفظ في زمانه بخراسان، حدّث عنه الشيخان خارج الصحيحين [ص:59] وخلائق، سئل من أين أوتيت العلم؟ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شرب له"(2) وأنا لما شربت ماء زمزم سألت الله علمًا نافعًا، قال الدارقطني: كان ابن خزيمة إمامًا ثبتًا معدوم النظير، وقال أبو حاتم ابن حبان: ما رأيت على وجه الأرض من يحسن صناعة السنن ويحفظ ألفاظها الصحاح وزيادتها حتى كأن السنن بين عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة،
(1) أخرجه أحمد في المسند (4/ 181) وأبو داود (3548)، وابن خزيمة في صحيحه (2545)، وابن حبان (545)، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 96) وقال: رجال أحمد رجال الصحيح.
وصححه الألباني في صحيح الجامع (104)، والسلسلة الصحيحة (33).
(2)
أخرجه ابن ماجه (3062) وأحمد في المسند (3/ 357)، والطبراني في الأوسط (849)، والبيهقي في السنن الكبرى (5/ 148) وفي الشعب (4128) عن جابر، وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس (1/ 646، والدارقطني (2/ 289)، راجع للتفصيل: إرواء الغليل (4/ 320) ففيه فوائد جمّة. وأفرد الحافظ ابن حجر فيه جزءاً وقد طبع.
قال الحاكم: وفضائل ابن خزيمة مجموعة عندي في أوراق كثيرة ومؤلفاته تزيد على مائة وأربعين كتابًا غير المسائل، والمسائل مائة جزء، وأثنى عليه الأئمة بما لا يتسع له هذا المقام، مات سنة 311 (1)(حب عن سهل بن الحنظلية) بالحاء المهملة فنون بعد اللام ياء النسبة، وهي أمه واسم أبيه الربيع بن عمر وسهل صحابي جليل من الأنصار، قال البخاري: بايع تحت الشجرة (2)، والمصنف رمز لصحة الحديث، وقال الهيثمي: رجال أحمد رجال الصحيح.
121 -
" اتقوا الله واعدلوا في أولادكم (ق) عن النعمان بن بشير"(صح).
(اتقوا الله) يحتمل أن اتقوا منزل هنا منزلة اللازم أي أوجدوا التقوى، فلا يقدّر له مفعول، ويحتمل تقديره عامًا أي في كل شيء فيكون عطف (واعدلوا في أولادكم) من التخصيص بعد التعميم، إبانة لزيادة التوصية في ذلك وهكذا في نظائره الآتية، وعلى الأول فهو عطف على اتقوا جعل بديلاً له، وقسيمًا بيانًا لذلك أيضًا، والعدل هو القسط، والتوسط في الأمور بين طرفي ذمها الإفراط والتفريط، والمراد هنا عدم الميل بإيثار أحد الأولاد بالإحسان إليه دون غيره، إما بهبة أو إكرام أو نحو ذلك، بل يجعلهم في كل أمر على حد سواء (ق عن النعمان بن (3) بشير) نعمان بزنة لقمان وبشير بموحدة فمعجمة بزنة كريم، والنعمان أنصاري خزرجي صحابي بن صحابي أول مولود أنصاري بعد الهجرة ولي الكوفة ودمشق وقتل بالشام سنة 64. (4)
122 -
" اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم (طب) عنه [أي النعمان بن بشير]- (صح) ".
(اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم كما تحبون أن يبروكم) هو صفة لمصدر
(1) ينظر: تذكرة الحفاظ (2/ 720).
(2)
انظر: الطبقات الكبرى (7/ 401) والإصابة (3/ 196)، والتاريخ الكبير (4/ 98).
(3)
أخرجه البخاري (2587)، ومسلم (1623).
(4)
انظر: الطبقات الكبرى (6/ 53) الإصابة (6/ 440).
محذوف تقديره: اعدلوا بينهم عدلاً مشابهًا لمحبتكم برهم، أي كما أنكم تحبون أن يكونوا في برهم بكم على نهج واحد، بالغ أحسن درجات البر، كذلك اعدلوا بينهم عدلًا واحداً، وعاملوهم معاملةً يحبون أن يعاملوكم بها، فإنكم إذا فضلتم أحدهم انكسرت نفس المفضل عليه، وأحرجتم صدره فكما لا يرضيكم صدور مثل هذا عن أحد منهم إليكم، كذلك لا يصدر منكم إليهم، ويحتمل أن الكاف للتعليل أي اعدلوا لأجل أنكم تحبون أن يبروكم أي العدل بينهم سبب لبرهم بكم، فبالعدل يحصل ما تريدون من برهم، وعدم العدل سبب للقطيعة والعقوق ويناسبه ما يأتي من حديث:"رحم الله من أعان ولده على بره"(1) وسبب الحديث: أن بشيرًا والد النعمان أنحله غلامًا ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشهده على ذلك فقال له: "أكل ولدك نحلته" قال: لا، قال:"أما أنا لا أشهد على جور" وله ألفاظ عديدة قد استوفيناها "في المسائل المهمة فيما يعم به البلوى وحال الأمة"، وبينا أن الحديث دليل على تحريم تخصيص بعض الأولاد بالهبة دون بعض، وقد بسطنا القول في ذلك وقررناه في حواشي شرح العمدة وحواشي ضوء النهار (طب (2) عنه) أي عن النعمان، رمز المصنف لصحته.
123 -
" اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم؛ فإن الله تعالى يصلح بين المؤمنين يوم القيامة (ع ك) عن أنس"(صح).
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (5/ 219)، وذكره الألباني في الضعيفة برقم (1946).
(2)
لم أجده عند الطبراني، وعزاه المناوي (1/ 127)(224) والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 43) والحسيني في البيان والتعريف (1/ 23) للطبراني، وقد أورده أسلم الواسطي في تاريخ واسط (ص 125)، لفظه وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (121) ثم تراجع وصححه في الصحيحة (3946)، وهو في الصحيحين بدون لفظ:"كما تحبون أن يبروكم".
(اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم) قال جار الله رحمه الله في الكشاف (1): فإن قلت: ما حقيقة ذات بينكم؟ قلت: أحوال بينكم يعني ما بينكم من الأحوال، حتى تكون أحوال إلفة ومحبة، واتفاق، كقوله:{بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، وهي مضمراتها، لما كانت الأحوال ملابسة للبين، قيل لها ذات البين، كقولهم: اسقني ذا إنائك يريدون ما في الإناء من الشراب (فإن الله يصلح بين المؤمنين يوم القيامة) علة للأمر، والمراد إذا كان الله تعالى يصلح بين عباده وقد ورد "تخلقوا بأخلاق الله"(2)، فيحسن منكم ويليق بكم إصلاح ذات البين بين العباد وقد نص الله على الحث على الإصلاح في كتابه الكريم {أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} [النساء: 114] وندب إلى بعث الحكمين بالإصلاح بين الزوجين، بل أباح لأهل الإيمان مصالحة عُباد الأوثان، وبالجملة فالألفة وعدم الفرقة محبوبة لله كما أن ضدها مكروه مذموم، وإصلاح الله بين العباد يوم القيامة، قد أرشد إليه ما في صدر هذا الحديث الذي أورد المصنف آخره ولفظه: فيما أخرجه الحاكم عن أنس مرفوعًا بلفظ: "رجلان من أمتي جثيا بين يدي رب العزة فقال أحدهما: يا ربِّ خذ لي، يا ربِّ خذ لي مظلمتي من أخي، فقال الله عز وجل: كيف نصنع بأخيك؟ ولم يبق من حسناته شيء؟ قال يا ربِّ فليحمل من أوزاري؛ لأن ذلك اليوم عظيم يحتاج الناس أن يحمل عنهم من أوزارهم، فقال الله للطالب: ارفع بصرك فانظر، فرفع رأسه فقال: يا ربِّ أرى مدائن من ذهب وقصور من ذهب مكلَّلة باللؤلؤ، لأيِّ نبي هذا؟ أو لأيِّ صديق هذا؟ أو لأي شهيد هذا؟ قال: هذا لمن أعطي الثمن، قال: يا ربِّ ومن يملك ذلك؟ قال: أنت تملكه، قال: بماذا؟ قال: بعفوك عن أخيك، قال: يا ربِّ، فإني قد عفوت عنه، فقال الله: فخذ بيد أخيك فأدخله الجنة، اتقوا الله
(1) انظر: الكشاف للزمخشري (1/ 445).
(2)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية (1/ 113)، وذكره الألباني في الضعيفة برقم (2822) وقال: لا أصل له.
وأصلحوا ذات بينكم فإن الله يصلح بين المسلمين يوم القيامة"، وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق (ع ك عن أنس)(1) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: صحيح وردَّه الذهبي بأن فيه عباد بن الحبطي ضعيف وشيخه سعيد بن أنس لا يعرف.
124 -
" اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم (خد) عن علي (صح) ".
(اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) قيل: المراد التوصية بالأرقاء والمماليك من الدواب وغيرها، وقيل: الزكاة، ولا يبعد أن يراد الجميع، ويأتي بيان حقوق المماليك (خد عن (2) علي) رمز المصنف لصحته وهذا الحديث من آخر ما تكلم به صلى الله عليه وسلم قال علي عليه السلام كان آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة، الصلاة، اتقوا الله
…
" الحديث.
125 -
" اتقوا الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم (خط) عن أم سلمة"(ض) ".
(اتقوا الله في الصلاة) أي في أمرها وشأنها، والمراد احذروا عقابه بسبب تركها، أو عدم الإتيان بها على وجهها الكامل فإنها أعظم أركان الإِسلام، ولأنها تكرر كل يوم خمس مرات فكانت مظنة التساهل والإخلال بها (وما ملكت أيمانكم) سلف فيه الاحتمالان، وإرادة الزكاة أظهر لأنها قرينة الصلاة في القرآن،
(1) أخرجه الحاكم (4/ 576)، وقال: صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي في التلخيص، والبيهقي في الشعب (11084)، وابن أبي الدنيا في حسن الظن (118). والخرائطي في مكارم الأخلاق، وذكره في ضعيف الترغيب والترهيب (1469) وقال: ضعيف جدًّا. وعزاه الحافظ في المطالب العالية (18/ 622)(4590) وإتحاف الخيرة (10/ 414) رقم (10238) وقال البوصيري في إتحاف الخيرة: رواه أبو يعلى بسند ضعيف لضعف سعيد بن أنس وعباد بن شيبة. وقال ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين (2/ 74): عباد بن شيبة الحبطي، قال ابن لبان: يروي عن سعيد بن أنس لا يجوز الاحتجاج بأفراده. انظر: المجروحين (2/ 171)، وانظر كذلك لسان الميزان (3/ 230). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (120).
(2)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (158) وصححه الألباني في صحيح الجامع (106) والإرواء (2178).
لا يكاد تذكر إلا ذكرت معها (خط (1) عن أم سلمة) هي أم المؤمنين واسمها هند، وقيل: رملة بنت أبي أميَّة سهيل، ويسمى زاد الراكب لجوده، ورمز المصنف لضعفه.
126 -
" اتقوا الله في الضعيفين: المملوك والمرأة. ابن عساكر عن ابن عمر (ض) ".
(اتقوا الله في الضعيفين: المملوك، والمرأة) سماهما ضعيفين لأنهما في أسر المالك، والزوج إن أريد بالمرأة ذات الزوج، وإن أريد مطلق المرأة فلأن ضعفها واضح لنقصان عقلها ودينها، وفي الحديث من علم البيان التوسع من باب يشيب المرء ويشيب معه خصلتان الحرص وطول الأمل (ابن عساكر عن ابن (2) عمر) رمز المصنف لضعفه.
127 -
"اتقوا الله في الصلاة، اتقوا الله في الصلاة، اتقوا الله في الصلاة، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم، اتقوا الله في الضعيفين: المرأة الأرملة. والصبي اليتيم (هب) عن أنس"(ص).
(اتقوا الله في الصلاة) تقدم وكرر ذكره تأكيدًا بشأن الصلاة، فقال:(اتقوا الله في الصلاة، اتقوا الله في الصلاة) تأكيد على تأكيد (اتقوا الله فيما ملكت أيمانكم) نسب الملك إلى اليمين؛ لأنه يكون التصرف بها غالبًا في كل ما ملكت، وإلا فالمالك ذو اليمين كما ينسب الأعمال إلى الأيدي {وذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] (اتقوا الله في الضعيفين المرأة الأرملة) في النهاية (3): يقال: رجل أرمل
(1) أخرجه الخطيب في التاريخ (10/ 169)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (105)، والسلسلة الصحيحة (868).
(2)
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (52/ 38) في ترجمة محمَّد بن إسحاق بن يعقوب بن إبراهيم، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (119).
(3)
النهاية: (2/ 645).
للذي ماتت زوجته، وامرأة أرملة للذي مات زوجها، سواء كانا غنيين أو فقيرين. والمرأة هنا المسكينة التي لا كافل لها، وقد يقيد به ما سلف قريبًا، والأظهر أن المرأة مطلقًا موصّى فيها بتقوى الله، وإن خصَّت امرأة كما هنا فهو لزيادة تأكيد في بعض الأفراد (واتقوا الله في الصبي اليتيم) هو من لا أب له ولم يبلغ سن التكليف (هب (1) عن أنس) قال: كنا عند رسول صلى الله عليه وسلم حين حضرته الوفاة، فقال لنا: "اتقوا الله
…
" إلى آخره، وفيه بشر بن منصور الحناط أورده الذهبي في الضعفاء والمصنف رمز لحسنه.
128 -
" اتقوا الله، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها أنفسكم، وأطيعوا ذا أمركم؛ تدخلوا جنة ربكم (ت حب ك) عن أبي أما مة (صح) ".
(اتقوا الله وصلوا خمسكم) عطف على مقدر أي اتقوه في كل شيء، وصلوا تخصيص بعد التعميم، ويحتمل أنه استئناف ونسبها إليهم لتعلق الوجوب بهم، وملابسة الإتيان بها منهم (وصوموا شهركم) أراد به رمضان، ونسبه إليهم لذلك، وأطلقه للعلم به، (وأدوا زكاة أموالكم) اشتمل الحديث على الثلاثة من أركان الإِسلام، ولم يذكر الحج كأنه قبل فرضه، أو لأن هذه الأمور لتكررها كل يوم، وكل عام تثقل أداؤها، فخصّها بالأمر والتوصية [ص: 61] وقد ذكر الحج في رواية أخرى، ورواه الخلعي في فوائده بلفظ:"وحجوا بيت ربكم"، وأما الشهادتان فهذه الأمور فروعها لا يتم إلا فيمن يأتي بها أولاً (وأطيعوا ذا أمركم) صاحب الأمر فيكم، والمراد به السلطان والأمر بطاعته فيما هو طاعة، وإلا فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، كما قيدته الأحاديث الكثيرة (تدخلوا جنة
(1) أخرجه البيهقي في الشعب (11053)، وفي إسناده بشر بن منصور الحناط قال الذهبي في "المغني" (924): شيخ لأبي سعيد الأشج فيه جهالة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (118).
ربكم) جزم في جواب الأمر أي إن فعلتم ذلك دخلتم الجنة التي لربكم، ولا حق لكم فيها، ولذا أضافها الله تعالى، ويأتي أن دخول الجنة لا يكون بمجرّد العمل كما يفيده هذا الحديث، وأمثاله، ويأتي أيضًا أن العدة بدخول الجنة لا ينافيها العقاب على الذنوب قبل ذلك (ت حب ك عن أبي أمامة)(1) هو الأنصاري الحارثي اسمه إياس بن ثعلبة أو عبد الله بن ثعلبة صحابي (2)، والحديث رمز المصنف لصحته، وقال الترمذي: حسن صحيح.
129 -
" اتقوا الله وصلوا أرحامكم، ابن عساكر عن ابن مسعود (ض) ".
(اتقوا الله وصلوا أرحامكم) في النهاية (3): يقال وصل رحمه يصلها وصلاً صلة كأنه بالإحسان إليهم، قد وصل ما بينه وبينهم من علاقة القرابة والصهر، وصلة الرحم كناية عن الإحسان إلى الأقربين من ذوي النسب والأصهار، والتعطف عليهم والرفق بهم والرعاية لأحوالهم، وكذلك إن تعدوا أو اساؤا أو قطعوا الرحم عاملهم بضد ذلك كله، وتحقيق الرحم يأتي (ابن عساكر (4) عن ابن مسعود) رمز المصنف لضعفه، وقال الشارح: سنده ضعيف، إلا أنه ساق أحاديث في معناه ثم قال وبذاك يصير حسناً.
130 -
" اتقوا الله، فإن أَخْوَنَكم عندنا من طَلَب العمل (طب) عن أبي موسى (ح) ".
(اتقوا الله فإن أخونكم عندنا) اسم تفضيل من الخيانة بالمعجمة ضد الأمانة
(1) أخرجه الترمذي (616) وقال: حسنٌ صحيحٌ، وابن حبان (4563)، والحاكم (1/ 389) وقال: صحيحٌ على شرط مسلم، وكذلك أحمد (5/ 251)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (109)، والسلسلة الصحيحة (867).
(2)
الإصابة (7/ 19).
(3)
النهاية: (5/ 191).
(4)
أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 317)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (108) وفي السلسلة الصحيحة (869).
أي أشدكم خيانة (من طلب) أي من الأمر (العمل) على الصدقات ونحوها من الولايات، وهو وعيد شديد، وزجر عن طلب الولايات والأعمال من السلطان، ويأتي أن من طلب القضاء وسأل فيه الشفعاء وكّله الله إلى نفسه.
إن قلت: قد طلب يوسف الصديق الولاية وقال: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ} [يوسف: 55]؟
قلت: لأنه أحق بها من ولاية الكافر، إذ لا ولاية للكافر، وإنما هو غاصب لمنصب غيره، فما طلبه لها إلا توصلاً إلى إنكار المنكر، ومثله خروج أئمة الحق على سلاطين الجور، فإنه طلب للإمارة لكنه واجب لما فيه من إنكار المنكر ونزع الأمر من غاصبه، إلا أنه انقلب الحال وصار ملوك الأرض لا يولون أمرًا من أمورهم إلا لمن طلبه، وبالغ فيه، وسأل الشفعاء وبذل الرشاء، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون (طب عن أبي موسى)(1) رمز المصنف لحسنه.
131 -
" اتقوا البول: فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر (طب) عن أبي أمامة"(ح).
(اتقوا البول) أي احذروا إصابته لأبدانكم وثيابكم فتجردوا عنه (فإنه) أي البول أو ذنب أصابته والألف واللام في البول لجنس بول الإنسان، بول نفسه أو بول غيره، القول بأنه يضم الأبوال من كل حيوان فلأنه الظاهر، ولأن التعليل بأن أول ما يحاسب به العبد في قبره يناسب بول الإنسان لحديث صاحبي القبرين وأن في لفظه أن "أحدهما كان لا يستبرأ من بوله". (أول ما يحاسب) ليعاقب عليه (به العبد في القبر) وقد ثبت أن عامة عذاب القبر من البول، وثبت أنه صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال:"إنهما ليعذبان" وأخبره أن عذاب أحدهما لأنه كان لا
(1) أخرجه الطبراني في الكبير كما في الكنز (14983)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (103) ثم تراجع وضعفه في الضعيفة (3642).
يتنزه من البول (1)، وكأن الحكمة في تعجيل عقوبته أنه سهل الاحتراز عنه، فحيث تساهل فيه مع سهولته عجلت عقوبته في أول منازل الآخرة (طب عن أبي أمامة)(2) رمز المصنف لحسنه، وقال المنذري: إسناده لا بأس به وقال الهيثمي: رجاله موثقون.
132 -
" اتقوا الحجر الحرام في البنيان، فإنه أساس الخراب (هب) عن ابن عمر (ض) ".
(اتقوا الحجر الحرام في البنيان) احذروا البناية، وجعله في الأبنية (فإنه أساس الخراب) الأساس أصل البناء واستعماله في الخراب من جعل لازم أحد الضدين لازمًا للآخر، وفيه نوع من التهكم والإشارة إلى أن فاعل ذلك ساع في ضدِّ ما يريد، وظاهره أن الحجر الواحد من الحرام لو خالط ألوفاً من الحلال لغلب خبثه طيب الحلال، وهذا شيء قد شاهده كل من له فكر في أحوال العالم ومثله الدرهم الحرام بين الحلال، ويحتمل أنه أريد بالحجر ما ينفق في البنيان، فالفضة والذهب يطلق عليهما الحجر والأول أوضح (هب عن (3) ابن عمر) رمز المصنف لضعفه، وقال ابن الجوزي: حديث لا يصح لكن له طرق وشواهد، وممن رواه الخطيب والديلمي والبيهقي وابن عساكر والقضاعي.
(1) سبق تخريجه.
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم (8/ 133) رقم (7605)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (112)، وفي السلسلة الضعيفة (1782).
(3)
أخرجه البيهقي في الشعب (10722)، وأخرجه القضاعي في مسند الشهاب (664)، والديلمي في الفردوس (300)، والخطيب في تاريخه (5/ 106)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 296)، وأبو نعيم في تاريخ أصبهان (1749)، وقال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 786) رقم (1313): لا يصح، وفي الإسناد معاوية بن يحيى وهو ضعيف كما في التقريب (6772)، وحسان بن عطية لم يسمع من عبد الله بن عمر.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (113)، والسلسلة الضعيفة (1699).
133 -
" اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم: فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده في النار (حم ت) عن ابن عباس (ح) ".
(اتقوا الحديث عني) أي التحديث (إلا ما علمتم) أي أنه عني، والمراد بالعلم: ما يشمل الظن لأنه غالب الأحاديث لا يخبر المخبر إلا ومعه ظن أنها عنه صلى الله عليه وسلم، وقد ثبت الدليل على العمل بمعناها، وهو فرع روايتها وقبولها (فمن كذب على متعمدًا) أي تقوَّل عليَّ ما لم أقله، أو نسب إليَّ فعل ما لم أفعله أو تقرير ما لم أقرره، فإنه ليس المراد بالكذب اختلاق القول فقط، فإن الفعل والتقرير كالقول في علة النهي لأن فعله صلى الله عليه وسلم وتقريره تشريع كالقول، إلا أنه لما كان غالب الكذب في الأقوال اقتصر عليها.
وقوله: (فليتبوأ) التبوأ النزول قال تعالى: {يَتبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ} [يوسف: 56] مقعده بفتح الميم اسم مكان من القعود أي ينزل مكانه الذي أعد له (من النار) وأمره بنزوله وإضافته إليه دليل أنه مكان معين قد أعده الله له واهبه وهيَّأَه وصار أمرًا مفروغًا منه (ومن قال في القرآن برأيه) أي من فسر منه بما لا يعلم إلا التوقيف من علم قصصه، وأسباب نزوله ومغيباته ونحوها (فليتبوأ مقعده من النار) وأما حل تراكيبه وبيان معانيها اللغوية وبيان وجوه إعرابه، وإبراز خفيات أسراره، واستخراج أحكامه وما دلت عليه ألفاظه من أوامره ونواهيه، فإن هذا مأمور به وهو من فوائد تدبره الذي أمر الله به، وجعله وجه الحكمة لإنزاله حيث قال:{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} [ص: 29] وهذا مجمع على جوازه كما دل عليه فعل الصحابة، ومن معهم إلى الآن، وقد قسَّم المصنف رحمه الله التفسير (1) في "الإتقان" إلى أربعة أقسام: الرابج: التفسير بالمقتضى من كلام العرب، ومعنى
(1) الإتقان في علوم القرآن (ص 474).
الكلام والمقتضب من وجوه الشرع، وهذا هو الذي دعا به النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس حيث قال:"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل"(1) والذي عناه علي عليه السلام بقوله: إلا فهم يؤتاه رجل في القرآن (2)، ومن ها هنا اختلف الصحابة في معنى الآية، فأخذ كل برأيه على مقتضى نظره ولا يجوز تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد، من غير أصل قال الله:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْم} [لإسراء: 36] وقال: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 169] وقال: {لِتُبيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] فأضاف البيان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى.
وأما حديث: "من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ" أبو داود والترمذي والنسائي (3)، قال البيهقي: إذا صح، فإنما أراد -والله أعلم- الرأي الذي يغلب من غير دليل تام، وأما الذي شيده البرهان فالقول به جائز، وقال الماوردي (4): قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره، ومنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده، ولو صحبها الشواهد ولم يعارض شواهدها نص صريح، وهذا عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن، واستنباط الأحكام منه قال الله تعالى:{لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] ولو صح ما ذهب إليه لم يعلم شيء بالاستنباط، ولما فهم الأكثر من كتاب الله شيئًا، وإن صح الحديث فتأويله أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه ولم يعرج على سواء لفظه، وأصاب الحق فقد أخطأ الطريق، وإصابته اتفاق إذ الغرض أنه مجرد رأي لا شاهد له، وفي الحديث:
(1) أخرجه أحمد (1/ 266)، والبخاري (75، 117)، ومسلم (2477).
(2)
انظر: روح المعاني (1/ 6).
(3)
أخرجه أبو داود (3652)، والترمذي (2952)، والنسائي في فضائل القرآن (111)، وأبو يعلى (1520)، والطبراني في الكبير (1672)، وفي الأوسط (5097)، وانظر: ضعيف الترمذي للألباني (571)، وقول البيهقي في المدخل: في هذا الحديث نظر.
(4)
الإتقان في علوم القرآن (5/ 475).
"القرآن ذلول ذو وجوه فأحملوه على أحسن وجوهه"، أخرجه أبو نعيم (1) وغيره من حديث ابن عباس، فقوله:"ذلول" يحتمل معنيين: أحدهما: أنه مطيع لحامليه، تنطق به ألسنتهم، والثاني: أنه موضح لمعانيه، حتى لا يقصر عنه إفهام المجتهدين، وقوله:"ذو وجوه" يحتمل: أن من ألفاظه ما يحتمل وجوهاً من التأويل، أو أنه قد جمع وجوهًا من الأوامر والنواهي والترغيب والترهيب والتحليل والتحريم، وقوله:"فأحملوه على أحسن وجوهه" هكذا عبارته، وكأنه يحتمل أحد معنيين: أحدهما: الحمل على أحسن معانيه، والثاني: أحسن ما فيه من العزائم دون الرخص، والعفو دون الانتقام، وفيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله انتهى. (حم ت (2) عن ابن عباس) رمز المصنف لحسنه وقال الشارح: رمز المصنف لحسنة اغتراراً بالترمذي، وقال ابن القطان: ينبغي أن يضعف، فإن فيه سفيان بن وكيع، قال أبو زرعة: متهم بالكذب [ص:63] لكن ابن أبي شيبة رواه بسند صحيح، قال ابن القطان (3): فالحديث صحيح من هذا الطريق لا من الطريق الأول. انتهى.
134 -
" اتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن إبليس طَلَّاع رَصَّاد حَصَّاد. وما هو بشيء من فُخُوخه بأوثق لصيده في الأتقياء من فُخُوخة النساء (فر) عن معاذ (ض) ".
(1) أخرجه الدارقطني في السنن (4/ 144).
(2)
أخرجه أحمد (1/ 323)، والترمذي (2951) وقال: حسنٌ، وقال ابن القطان في بيان الوهم والإيهام (5/ 252) وينبغي أن يقال فيه: ضعيف إذ فيه سفيان بن وكيع، قال أبو زرعة: متهم بالكذب. وكذلك في إسناده عبد الأعلى الثعلبي وهو ضعيف. انظر ميزان الاعتدال (4/ 235) ت (47113) والتقريب (3731)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (114)، وفي السلسلة الضعيفة (1783).
(3)
بيان الوهم والإيهام (4/ 668).
(اتقوا الدنيا) الاغترار بها، وقد حذّرت عنها الآيات والأحاديث (واتقوا النساء) عطف خاص على عام إذ النساء من الدنيا كما سلف في شرح أول أحاديث في الكتاب (فإن إبليس طلاع) بزنة صراب مشدَّدا، في القاموس (1): رجل طلاع الثنايا، والأنجد كشداد مجرب للأمور ممارس ركاب لها يعلوها ويقهرها بمعرفته وتجاربه وجودة رأيه (رصَّاد) برايته بالمهملتين، في القاموس (2): رصَّاد من رَصده رَصْدًا ورَصدَا راقبه، والمعنى: احذروا فتنة الدنيا والنساء، فإن إبليس خابر للأمور التي بها إضلالكم وفتنتكم، ومن أين يأتيكم ومع ذلك فهو مرتقب عريكم ناظر لمواقيت غفلتكم (وما هو بشيء من فخوخه) بالفاء ومعجمتين بزنة فلوس جمع فخ، والفخ المصيدة تجمع على فخاخ وفخوخ (بأوثق لصيده في الأتقياء) قيده به إعلامًا بأنَّه أعدَّ الفتنة من النساء لأبعد الناس عن الاغترار به، وهم الأتقياء فكيف بغيرهم (فر عن (3) معاذ) رمز المصنف لضعفه لأن فيه هشام بن عمار، قال أبو حاتم: صدوق تغيّر وكان يلقن الحديث، وفيه غيره ممن اتهم بالوضع.
135 -
" اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة (حم طب هب) عن ابن عمر (صح) ".
(اتقوا الظلم) الظلم هو الجور ومجاوزة الحد، والمعنى احذروا عقوبة الظلم (فإن الظلم) لصاحبه (ظلمات يوم القيامة) يحتمل أن الله تعالى يجعل المعنى جسمًا فيكون الظلم ظلمة حقيقية تعم صاحبها من جميع جهاته، يوم
(1) القاموس (ص 961).
(2)
القاموس: (ص 361).
(3)
أخرجه الديلمي في الفردوس (1302)، وفي إسناده سعيد بن سنان قال في التقريب (2333): متروك رماه الدارقطني وغيره بالوضع.
وقال الألباني في ضعيف الجامع (116)، والسلسلة الضعيفة (2065): موضوع.
يسعى نور المؤمنين يوم القيامة بين أيديهم ومن خلفهم، وللنشأة الآخرة أحكام ليست لهذه الدار، فإن الله يجعل الموت كبشًا ينحر (حم طب هب عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته (1).
136 -
" اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، وحملهم على أن سَفَكُوا دماءهم واستحلوا محارمهم (حم خدم) عن جابر (صح) ".
(اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح) بضم المعجمة، في النهاية (2): الشح أشد البخل وهو أبلغ في المنع من البخل، وقيل: هو البخل مع حرص، وقيل: البخل، في أفراد الأمور وأحادها، والشح عام، وقيل: البخل بالمال، والشح بالمال والمعروف. انتهي. (فإن الشح أهلك من كان قبلكم) كان سببًا في هلاكهم حرصوا على الدنيا (حملهم على أن سفكوا دماءهم) سفك الدم صبّه، (واستحلوا محارمهم) صيَّروا ما حرم الله عليهم حلالاً.
إن قلت: ما هو الشح الذي حذر عنه صلى الله عليه وسلم؟
قلت: بيَّنه حديث: "بريء من الشح من أدى الزكاة، وقرى الضيف وأعطى في الناببة" أخرجه ابن عدي، والطبراني (3)، وفي حديث ابن مسعود (4):"والشح أن تأخذ مال أخيك بغير حقه"(حم خدم عن جابر) رمز المصنف لصحته (5).
(1) أخرجه أحمد (2/ 92)، والطبراني في المعجم كما في المجمع (5/ 235) وقال الهيثمي: فيه عطاء بن السائب وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح، والبيهقي في الشعب (7459)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (171) وفي السلسلة الصحيحة (858).
(2)
النهاية: 2/ 448).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 188) رقم (4096)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 68): فيه إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع وهو ضعيف.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (5/ 332) رقم (26611).
(5)
أخرجه أحمد (3/ 323)، والبخاري في الأدب المفرد (483)، ومسلم (2315).
137 -
" اتقوا القدر، فإنه شعبة من النصرانية، ابن أبي عاصم (طب عد) عن ابن عباس"(ض).
(اتقوا القَدَر) بفتح المهملة والقاف، في النهاية (1): قد تكرر ذكر القدر في الحديث، وهو عبارة عما قضاه الله، وحكم به من الأمور، وهو مصدر قَدَر يقدر قدرًا، وقد سكّن داله (فإنه شعبة) بضم المعجمة الطائفة من كل شيء، والقطعة منه (من النصرانية) من دينها الذي أمرت الأمة باجتنابه والإيمان به، وفي أحاديث النهي هذا، واعلم أنها قد طفحت الأحاديث في الإيمان بالقدر والنهي عن الخوض فيه، وسيأتي من الأمرين شطر واسع في الكتاب، وكأنه تعالى أعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتشعب الناس فيه، فأكد النهي عنه، ولقد خاضوا في القدر وركبوا فيه كل صعب وذلول وخبطوا خبط عشواء، وضللت كل طائفة من خالفها، قالت المعتزلة: لم يقدر تعالى الأشياء توهما منهم أن التقدير يقتضي الجبر، وعدم الاختيار، وهو وهم فاحش، فإنه ليس فيه شيء من ذلك وما هو إلا كسبق العلم وكان يلزمهم نفي سبق العلم؛ لأن التقدير نوع منه، وقالت الأشاعرة: بل قدر الله الأشياء كلها ثم جاءوا بالطامة الكبرى وهي نفيهم الاختيار، بناء على أن التقدير ينافي الاختيار ثم تفرع من ذلك ترامي الفريقين الأحاديث الواردة في ذم القدرية، فالمعتزلة تقول القدرية القائلون بالقدر، فالذم يتوجه إليهم، والأشعرية يقولون القدري من نفى القدر، وكلا الطائفتين غالط على نفسه، وعلى خصمه، والحق ما قاله غيرهما من المحققين وهو: أن كل حادث فله عند الله تعالى ثلاثة أمور: علمه تعالى المحيط بكل كائن أنه واقع قبل وقوعه، ثم تنزيله لكل جزئي على ما سيوقعه الفاعل المختار، فالإيقاع مع تفصيل العلم بالجزئيات، هو المسمى بالتقدير، ثم إنه تعالى قد كتب على كل جزء على أي
(1) النهاية (4/ 22).
صفة وقع، فالكتب قد تضمن التقدير قطعًا، وحينئذ تعلم أن الكتب والتقدير على حسب العلم، والعلم على حسب ما الحقائق عليه، والحقائق متابعة للاختيار، فالتقدير كالتحديد، وتواتر شرعًا تقدير الله لجميع الأشياء، ولو لم يرد ذلك في الشرع لكان في إدراك العقل كفاية كما ذكرنا، لكنه بفضل الله تعالى بإرداف الحجة العقلية بالشرعية، وإذا حققت هذا علمت أنه لا ينبغي أن يختلف في القدر بهذا المعنى المذكور، ولا نعلم فيه بهذا المعنى مخالف إلا ما يحكى عن بعض القدماء أنهم يقولون الأمر أنف أي أنه تعالى عما يقولون لا يعلم الشيء إلا حال وقوعه، وبنفيهم العلم نفوا القدر، ولذا قال الشافعي صلى الله عليه وسلم (1) إذا أثبتوا العلم فقد حجوا أنفسهم، قالوا: وقد انقرض القائل بأن الأمر أنف قبل عصر الشافعي رضي الله عنه وبهذا نعلم إثبات الفريقين للقدر؛ لأنهم أثبتوا العلم إلا أنهم اختبطوا فيه بعد ذلك، وقالوا: إذا كان الله قد قدَّر الحقائق على ما علم أنها ستكون فلا يمكن فيها تقديم ولا تأخير، وكذلك قالوا في العلم إلا أنه اشتهر عنهم ذلك في القدر، وله جوابه فيه أكثر مع أنهما من واد واحد ثم أخذتها الأشعرية دليلاً على الجبر وحين لهجت بالقدر زاعمة أنه دليل لها على الجبر ونفي الاختيار، قائلهم المعتزلة بنفيه مساعدة لهم على معناه، وفرارًا عما التزمته الأشعرية، وقد [[ثبَّته]] المحققون منهم، لهذا قال السيد الشريف الجرجاني: لو كان سبق العلم مستلزمًا لجبر ونفي الاختيار للزم أن الرب تعالى وتنزَّه مجبور في أفعاله غير مختار فيها؛ لأنه قد سبق علمه بها كسبق علمه بأفعال عباده.
قلت: ونعم ما قال، وهذا القدر كاف في هذا المقام بل فيه زيادة على قدره، والمسألة مبسوطة في كتب المقالات، وقد بسطنا بعض البسط في كتابنا:"إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة" ولعلنا لا نعيد البحث في هذا عند سياق أحاديث القدر
(1) أورده ابن حجر في الفتح (3/ 247).
فليرجع إليه (ابن أبي عاصم طب (1) عد عن ابن عباس) رمز المصنف لضعفه، وقال الهيثمي: فيه نزار بن جيان ضعيف.
138 -
" اتقوا اللاعنين: الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم (حم م د) عن أبي هريرة (صح) ".
(اتقوا اللاعنين) بصيغة التثنية، لاعن اسم فاعل من لعنه أي الأمرين الجالبين للعن الباعثين عليه سماهما لاعنا مجازًا، إسنادًا إلى السبب، وجعل التخلي لاعنًا لأنه تسبب لذلك من باب ينزع عنهما لباسهما، وبينهما بالإبدال منهما الأقل (الذي يتخلى) بالخاء المعجمة أي يتبرز ويتغوط في طريق الناس التي يسلكونها، والثاني: قوله (أو في ظلهم) أي المحل الذي يعتادون التظلل تحته، من شجرة أو جدار، وظاهر هذا ونحوه من الأحاديث تحريم ذلك، وهو قول جماعة، وقال آخرون: يكره تنزيهًا (حم م د عن (2) أبي هريرة).
139 -
" اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل (د هـ ك هق) عن معاذ (صح) ".
(اتقوا الملاعن الثلاث) بفتح الميم وكسر العين جمع ملعن بزنة مقعد، اسم مكان أي احذروا المواضع التي يلعن فيها من تبرُّز فيها (البراز) بكسر الموحدة، رواية المحدثين، وقيل: بزنة سحاب اسم للفضاء الواسع، كني به عن قضاء الحاجة، كما كنوا عنه بالخلاء؛ لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة
(1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (11/ 262)، (11680)، وابن أبي عاصم في السنة (332)، وابن عدي في الكامل (5/ 194) وأورده ابن حبان في الضعفاء (3/ 56) وقال: نزار بن حبان وهو منكر الحديث، وأورده الذهبي "في الميزان" (7/ 18) في ترجمة نزار بن حبان أورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 159) وقال: حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (117) والسلسلة الضعيفة (1786).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 372)، ومسلم (269)، وأبو داود (25).
الخالية من الناس، قال الخطابي (1): المحدثون يروونه بالكسر وهو خطأ لأنه بالكسر مصدر من المبارزة في الحرب، وقال الجوهري: بخلافه (في الموارد) جمع مورد هو من ورد يرد وهو محل الورود للماء (وقارعة الطريق) بالقاف وكسر الراء وسطه لأنه يقرعها المارة، وقيل: أعلاه، والمراد هنا نفس الطريق (والظل) هو كل ما يستظل تحته كما سلف، وفيه الإرشاد إلى اجتناب كل ما فيه أذية للعباد، ويكون سببًا لذم فاعله.
فإن قلت: هل فيه دليل على جواز لعن فاعل ذلك في هذه المواضع؟
قلت: يحتمل ذلك؛ لأنه لو كان غير جائز لنهى صلى الله عليه وسلم عنه، ويحتمل: عدم الجواز إلا أن الاحتمال الأوَّل أقوى أو متعين؛ لأنه قد ورد بلفظ الأمر باللعن لمن فعل ذلك (د هـ ك هق عن (2) معاذ) رمز المصنف لصحته، لكن جزم أبو داود أنه منقطع، وبيَّن عبد الحق انقطاعه فإن أبا سعيد الحميري لم يدرك معاذًا، وأبو سعيد هذا مجهول، كما قاله الذهبي وغيره، لكنه حسَّن الحديث النووي (3)، قال الولي العراقي: ولعله لشواهده.
140 -
" اتقوا الملاعن الثلاث: أن يقعد أحدكم في ظل يستظل فيه، أو في طريق، أو في نقع ماء (حم) عن ابن عباس (صح) ".
(اتقوا الملاعن الثلاث) بيَّنهَا بقوله (أن يقعد أحدكم) متبرزًا بما علم يقينًا
(1) انظر: معالم السنن (1/ 9) وقال الحافظ في الفتح (1/ 249) من فتح أراد الفضاء فإن أطلقه على الخارج فهو من إطلاق اسم المحل على الحال كما تقدم قبله في الغائط ومن كسر أراد نفس الخارج أ. هـ.
(2)
أخرجه أبو داود (26) وابن ماجه (328)، والحاكم (67111)، والبيهقي (1/ 97)، وقال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 105):
وصححه ابن السكن والحاكم وفيه نظر لأن أبا سعيد لم يسمع من معاذ ولا يعرف هذا الحديث بغير هذا الإسناد.
(3)
خلاصة الأحكام (1/ 155) رقم (340).
من جواز التظليل (في ظل يستظل به) بتعيين الصيغة تعم كل مستظل من مسلم وكافر، (أو في طريق) قيَّده آنفًا بقارعة الطريق، فيحتمل أن يقيد به هذا الإطلاق، ويحتمل أنه خرج هنالك للغالب (أو في نقع ماء) بفتح النون وسكون القاف آخره عين مهملة، هو الماء المتجمع وهو غير المورد، فإن هذا نهي عن التبرز في نفس الماء، والأول عن محل الورود وحول الماء (حم عن ابن (1) عباس) رمز المصنف لصحته فيما رأيناه من النسخة المقابلة على خطه، وقال الشارح رمز لضعفه، وهو كما قال، فقد بيَّن مغلطاى أنَّ أحمد رواه من حديث ابن المبارك عن ابن لهيعة، ثم قال: لكن لا يقدح ذلك في إيراده شاهدًا لما قبله.
141 -
" اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد (تخ) عن أبي هريرة"(صح).
(اتقوا المجذوم) هو من تهافتت أطرافه من الجذام، وهو داء معروف، قال الجوهري (2): جذم الرجل بضم الجيم فهو مجذوم، ولا يقال للمجذوم أجذم.
إن قلت: إنه لا عدوى كما يأتي، فما وجه الأمر بالحذر من المجذوم.
قلت: ليس فيه أنه نهى عنه وحذر منه لأجل العدوى، بل لحكمة لا نعلمها أو لدفع ذريعة الوهم، فإنه قد ثبت أن للوهم أثرًا، كما ذكره الأطباء، وضربوا بذلك مثلاً، وهو الماشي على جذع منصوب على هواه، فإن وهمه وتخيله السقوط يقتضي سقوطه مع أن مشيه عليه وهو كذلك كمشيه عليه وهو ملقى على الأرض لا فرق بينهما إلا الوهم والخوف والإشفاق والحذر، أو أنه تحذير من قربانه لمن ضعف توكله، ويأتي زيادة على هذا (كما يتقى الأسد) بالفرار عنه
(1) أخرجه أحمد (1/ 299)، وضعفه المنذري (1/ 80)، وابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 308) لأجل ابن لهيعة والراوي عن ابن عباس المبهم، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 204) فيه ابن لهيعة ورجل لم يسم. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1/ 113)، والإرواء (62).
(2)
انظر: الصحاح (5/ 1884).
(تخ عن أبي (1) هريرة) رمز المصنف لصحته، ولم يتعقبه الشارح.
142 -
" اتقوا صاحب الجذام كما يتقى السبع، إذا هبط وادياً فاهبطوا غيره، ابن سعد عن عبد الله بن جعفر"(ض).
(اتقوا صاحب الجذام كما يتقى السبع) هو حيث أطلق اسم للأسد (إذا هبط) المجذوم (واديًا) نزل بواد (فاهطبوا غيره) غير واديه، وفيه إعلام بالإبعاد عنه، بحيث لا يجمعهما بقعة، وكأنه مبالغة بالتحذير وإلا فالذي اعتاده الناس إخراجه عن البلد إلى قريب منها.
إن قلت: هل يجوز إخراجه من بيته وبلده كما يفعله الناس؟
قلت: النهي عن قربانه الناس يقتضي نهيه أن يخالطهم، ويكفي بقاؤه في منزله بحيث لا يخرج عنه، وتجب كفايته على بيت المال (ابن سعد عن (2) عبد الله بن جعفر) أي ابن أبي طالب، وجعفر هو الطيار في الجنة شهيد مؤته، ويأتي ذكره في قوله أسمح وكان مولده في الحبشة في هجرة أبيه إليها، وتوفي في المدينة سنة ثمانين، وكان يسمَّى بحر الجود (3)، والحديث رمز المصنف لضعفه.
143 -
" اتقوا النار ولو بشق تمرة (ق ن) عن عدي بن حاتم (حم) عن عائشة (طس) والضياء عن أنس، البزار عن النعمان بن بشير، وعن أبي هريرة (طب) عن ابن عباس، وعن أبي أمامة (صح) ".
(1) أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 138)، والبيهقي في السنن (7/ 218)، وابن عدي في الكامل (6/ 356)، والخطيب في تاريخ بغداد (2/ 307)، قال الذهبي في السير (8/ 167): هذا خبر منكر. وانظر: العلل للدارقطني (10/ 307).
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 117)، وأورده ابن عبد البر في التمهيد (1/ 53)، وقال:
…
محمود بن لبيد: فلقيت عبد الله بن جعفر فقلت له: يا أبا جعفر ما حديث حدثه عنك أهل جرس ثم حدثته الحديث فقال: كذبوا والله ما حدثتهم
…
أ. هـ
وقال الألباني في ضعيف الجامع (126): موضوع أ. هـ
(3)
انظر: الإصابة (4/ 41).
(اتقوا النار ولو بشق تمرة) بكسر الشين المعجمة، قال في النهاية (1): أي نصف تمرة، وهو حث على التصدق ولو بالقليل، وإن عذاب النار يدفع بالصدقة (ق ن عن (2) عدي) بالمهملتين صحابي جليل، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع وأكرمه، وألقى إليه وسادة كانت تحته صلى الله عليه وسلم ليجلس عليها، وشهد مع علي عليه السلام المشاهد كلها وفقيت عينه يوم الجمل، عاش مائة وعشرين سنة وهو من الشجعان الأجواد (3)(بن حاتم) هو الجواد الذي به تضرب الأمثال (حم عن عائشة البزار) بفتح الموحدة وتشديد الزاي آخره راء، هو الحافظ العلامة الشهير أبو بكر أحمد ابن عمرو بن عبد الخالق البصري، صاحب المسند الكبير ذكره الدارقطني وأثنى عليه، وقال: ثقة يخطئ ويتّكل على حفظه، مات بالرملة سنة اثنين وتسعين ومائتين (4)(طس والضياء عن أنس البزار، عن النعمان بن بشير وأبي هريرة، طب عن ابن عبَّاس وعن أبي أمامة).
144 -
" اتقوا الدنيا، فوالذي نفسي بيده إنها لأسحر من هاروت وماروت الحكيم عن عبد الله بن بسر المازني"(صح).
(اتقوا الدنيا) احذروها (فوالذي نفسي) أي روحي (بيده) في قبضته، يقبضه متى شاء ويرسله متى شاء، وكان هذا قسمه صلى الله عليه وسلم، والإقسام هنا ليس لرد إنكار المخاطب بل لعظمة شأن الخبر وتحقيق صدقه، وحقيقته ونشاط المخبر في إخباره، وأما إطلاق اليد على الله فهو إطلاق قرآني {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: 10] ونحوه،
(1) النهاية (2/ 491).
(2)
أخرجه البخاري (1413)، ومسلم (1016)، والنسائي (5/ 74)، وكذا أحمد (4/ 258) عن عدي وأحمد (6/ 137) عن عائشة والطبراني في الأوسط (3644)، والضياء في المختارة (2048)(2049) عن أنس والطبراني في الكبير (12/ 163) رقم (8017) عن أبي أمامة.
(3)
انظر: الإصابة (4/ 469).
(4)
تذكرة الحفاظ (2/ 653).
ويأتي الكلام على أمثال هذه العبارات (أنها) أي الدنيا (لأسحر) في النهاية (1): السحر في كلامهم صرف الشيء عن وجهه، وفي الكشاف، علم السحر مزاولة النفوس الخبيثة لأقوال وأفعال ترتب عليها أمور خارقة للعادة، وقد قدمنا عن القرافي في تحقيق أنواع السحر، والمراد أن الدنيا أشد أسحر به (من هاروت وماروت) وهما الملكان المذكور في القرآن شأنهما، وذلك لأن حبها والتهالك عليها، والشغف بها يصير الإنسان يتصرف في تحصيلها على كل وجه من التصرف، ويخرج الأمور على غير وجهها كما يفعله الساحر ليتم له مراده، والمراد أن حب الدنيا يعلّمه أنواع التحيل لجلبها وتحصيلها أشد مما يعلمه الملكان، والإسناد إليها مجازًا، فهو تحذير عن الدنيا لئلا تعلمه السحر، ويحتمل أن المعني أنها تسحر الناس ويخرجهم عن الوجه الذي خلقوا له من عبادة الله والقيام بواجبه، بما تزينه لأهلها من زخارفها وشهواتها، والأول يرجحه التفضيل على الملكين فإنهما يعلمان كما قال الله، لا يسحران إلا أن يقال: من علم السحر فقد سحر (الحكيم عن عبد الله بن بسر)(2) بضم الموحدة فمهملة وعبد الله وأبوه صحابيان، وعبد الله آخر من مات من الصحابة بالشام (المازني) نسبة إلى مازن قبيلة معروفة (3) وإسناد الحديث ضعيف، والمصنف رمز لصحته.
145 -
" اتقوا بيتاً يقال له "الحمام" فمن دخله فليستتر (طب ك هب) عن ابن عباس"(صح).
(اتقوا) احذروا (بيتًا) أي تدخلوه بدليل قوله: فمن دخله (يقال له الحمام) وذلك لأنه محل كشف العورات، ورفع الأصوات، وهو نهي تنزيه بدليل قوله (فمن دخله فليستتر) وجوبًا، وفيه الإذن بدخول الحمام، وإيجاب ستر العورة،
(1) النهاية (2/ 346).
(2)
أخرجه الحكيم الترمذي (ص 130)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (115).
(3)
الإصابة (4/ 23)، وأسد الغابة (1/ 585).
(طب ك هب (1) عن ابن عباس) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: على شرط مسلم وتعقب.
146 -
" اتقوا زَلَّة العالم، وانتظروا فَيْئَته، (الحلواني (عد هق) عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده"(ض).
(اتقوا) احذروا (زلَّة العالم) خطيئته فلا تتابعوه فيها (وانتظروا فيئته) رجوعه عنها بالتوبة، فإنه بما عنده من العلم يرجع إلى الحق والتوبة، فإياكم والاقتداء به في زلته وتظنون أنهما جائزة، لما صدرت عنه لما عنده من العلم فتقتدوا به فتأثموا وارتقبوا رجوعه (الحلواني) بضم المهملة نسبة إلى اسم بلده، ويأتي قريبًا بيان حاله (عد هق (2) عن كثير) بفتح الكاف والمثلثة تابعي، قال في الكاشف (3): واه وقال أبو داود: كذاب، وقال الشافعي: ركن من أركان الكذب، (بن عبد الله بن عمرو عن أبيه عن جده) عمرو بن عوف، وهو صحابي رمز المصنف لضعف الحديث لما عرفت.
147 -
" اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 288) وقال: صحيح على شرط مسلم، والطبراني في الكبير (11/ 27) رقم (10932)، والبيهقي في الشعب (7766) وقال: فذكره بنحوه مرسلاً وهو المحفوظ، وانظر: العلل لابن أبي حاتم (2/ 240) وقال: إنما يروونه عن طاوس عن النبي مرسلاً. أ. هـ والمرسل أخرجه عبد الرزاق (1/ 290) وانظر: "المداوي"(1/ 171 - 173)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (116).
(2)
أخرجه البيهقي في السنن (10/ 211)، وابن عدي في الكامل (6/ 60)، وأورده الذهبي في الميزان (5/ 492)، وقال المناوي (1/ 141): فيه كثير المزني وهو متروك، متهم بالكذب، وقال الألباني في ضعيف الجامع (125)، والسلسلة الضعيفة (1700): ضعيفة جدًّا.
(3)
انظر: الكاشف للذهبي (2/ 145 رقم 4637)، وقال الحافظ في الفتح (4/ 451):"البخاري ومن تبعه كالترمذي وابن خزيمة يُقوُّون أمره". وقال في التقريب (5617): ضعيف، أفرط في نسبه إلى الكذب. وانظر:"الإِمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين" للدكتور/ نور الدين عتر، (ص: 268 - 280).
وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين (طب) والضياء عن خزيمة بن ثابت" (صح).
(اتقوا دعوة المظلوم) احذروها بترك ظلمه (فإنها تحمل على الغمام) هو السحابة البيضاء حتى تنتهي إلى حيث يشاء الله (يقول الله: وعزتي) غلبتي (وجلالي) عظمتي، وفي الإقسام بهاتين الصفتين عند الإخبار بنصرة المظلوم أتم مناسبة؛ لأنه لا ينصر إلا الغالب العظيم، وفي الإقسام دليل غضب شديد على الظالم (لأنصرنك ولو بعد حين) لأنها قد تقتضي الحكمة تأخير النصر فيكون أبلغ وأتم (طب والضياء (1) عن خزيمة) بضم الخاء المعجمة فزاي فمثناة تحتية (بن ثابت) اسم فاعل من الثبوت، وخزيمة صحابي جليل أنصاري خطمي، وهو ذو الشهادتين شهد بدرًا وغيرها، وقتل بصفين مع أمير المؤمنين علي كرَّم الله وجهه (2)، رمز المصنف لصحة الحديث، وقال الهيثمي: فيه من لم أعرفه.
148 -
" اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرارة (ك) عن ابن عمر (صح) ".
(اتقوا دعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كأنَّها شرارة) في سرعة صعودها أو لأنَّها خرجت من قلب يلهب بنار القهر والظُّلم، وأنها في خرقها للحجب كأَنَّها شرارة في أثرها، وفي هذا التشبيه نكتة شريفة هي الإشارة إلى أن الجزاء من جنس الفعل، كما جرت به سنته تعالى، فمن ألهب قلب المظلوم وملأه بالقهر وظلمه، فليرتقب لنار الجزاء في الدارين (ك عن ابن (3) عمر) رمز المصنف لصحته وهو
(1) أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 84) رقم (3718)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 186)، وقال المنذري (3/ 130): لا بأس بإسناده في المتابعات، وصححه الألباني في صحيح الجامع (118) والسلسلة الصحيحة (870).
(2)
الإصابة (2/ 278).
(3)
أخرجه الحاكم (1/ 29) وقال: رواة هذا الحديث متفق على الاحتجاج بهم، وكذلك قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 130) وزاد: إلا عاصم بن كليب فاحتج به مسلم وحده وفي إسناده عاصم بن كليب، انظر: ترجمته في "المغني"(2992)، والميزان (4/ 12)، وصححه الألباني في=
من رواية عاصم بن كليب، قال الحاكم: احتج به مسلم وأقره الذهبي في التلخيص لكنه أورده في الضعفاء، وقال: قال ابن المديني لا يحتج بما انفرد به غيره ممن تكلم فيه.
149 -
" اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا، فإنها ليس دونها حجاب (حم ع) والضياء عن أنس (صح) ".
(اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرًا) فإن الله حرَّم ظلمه وأنه ينتقم له كما ينتقم منه (فإنه ليس دونه) دون دعائه (حجاب)، فلا يظن أن كفره وقبائح أفعاله يحجب دعاءه من القبول، فإن حجاب الدعوة كناية عن عدم قبولها، فإنه إنما يطلب حقه، وهذا من عظيم إنصاف الربّ تبارك وتعالى حيث ينتصف له، وما أنصف هو ربه بطاعته (حم ع والضياء (1) عن أنس) رمز المصنف لصحته.
150 -
" اتقوا فراسة المؤمن، فإنَّه ينظر بنور الله عز وجل (تخ ت) عن أبي سعيد الحكيم الترمذي وسمويه، (طب عد) عن أبي أمامة ابن جرير عن ابن عمر"(ض).
(اتقوا فراسة المؤمن) في النهاية (2): الفراسة تقال بمعنيين:
أحدهما: ما دل له ظاهر هذا الحديث، وهو ما يلقيه الله في قلوب أوليائه، فيعرفون به أحوال بعض الناس بنوع من الكرامات، وإصابة الظن والحدس.
والثاني: نوع يتعلم بالتجارب والدلائل والخلق والأخلاق، فيعرف به أحوال الناس وللناس فيه تصانيف كثيرة قديمة وحديثة انتهى.
=صحيح الجامع (118)، والسلسلة الصحيحة (871).
(1)
أخرجه أحمد (3/ 153) وأبو يعلى (6762)، (7492)، والضياء في المختارة (7/ 293)(2748)، والطبراني في الدعاء (1321). وحسنه الألباني في صحيح الجامع (119) وفي السلسلة الصحيحة (767).
(2)
النهاية (3/ 428).
قلت: والمراد هنا هو الأوَّل لقوله (فإنَّه ينظر بنور الله) ولقوله: "المؤمن فإن التعلمي" يعرفه المؤمن والكافر، والمعنى: احذروا إتيان ما تكرهون أن يعرفه المؤمن من أفعالكم، وفي كلام "نهج البلاغة": اتقوا ظنون المؤمنين فإن الله تعالى جعل الحق على ألسنتهم.
فإن قلت: فهل يعمل بالفراسة في الأحكام الشرعية؟
قلت: قد حققنا في الجزء الأول من التحبير شرح التيسير أنَّه لا يعمل به، وانَّما هو من القرائن واللوث ونحو ذلك يكون سببًا للبحث وفي كلام بعض السلف: ظن المؤمن كهانة، وفي شعر أوس بن حجر (1):
الألمعي الذي يظن لك الظن
…
كأن قد رأى وقد سمعا
وفي شعر أبي الطيب (2):
ذكي تظنيه طليعة عينة
…
يرى قلبه في يومه ما ترى غدا
(تخ ت عن (3) أبي سعيد) وتمامه عند الترمذي: ثم قرأ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} [الحجر: 75] قال الترمذي: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ، رمز المصنف لضعفه، وكأنه لما قاله الترمذي فإنه قال بعد إخراجه: هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه، وقد روي عن بعض أهل العلم في تفسير هذه الآية {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ} قال: للمتفرسين انتهى بلفظه (4).
(1) أوس بن حجر شاعر تميم في الجاهلية (95 - 2 ق. هـ).
(2)
أبو الطيب المتنبي (303 - 354 هـ).
(3)
أخرجه الترمذي (3127)، والبخاري في التاريخ الكبير (1529) عن أبي سعيد وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 102) رقم (7497)، وابن عدي في الكامل (4/ 207) عن أبي أمامة، وابن جرير في التفسير (14/ 46) عن ابن عمر، والحكيم في نوادر الأصول (2/ 221). وأورده ابن أبي الدنيا في الحلم (ص 61) رقم (88، 89)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (127)، وفي السلسلة الضعيفة (1821).
(4)
أخرجه ابن جرير في تفسيره (7/ 527) وزاد السيوطي في الدر المنثور (5/ 90) نسبته إلى ابن المنذر.
(الترمذي الحكيم) زاد قوله: الحكيم ليتميز عن صاحب السنن، ولم يكن محتاجًا إليه لأنه، يتميز بأن ذلك جعل له رمزًا، وهذا بلفظه (وسمويه طب عد عن أبي أمامه، بن جرير) بالجيم والرائين هو الإِمام الكبير محمَّد بن جرير بن يزيد بن كثير الإِمام الفرد الحافظ أبو جعفر أحد الأعلام وصاحب التصانيف من أهل طبرستان أكثر التطواف وسمع من أمم وعنه خلائق، قال الخطيب: كان الأئمة ترجع إليه، وتحكم بقوله، وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله، جمع من العلوم ما لم يشاركه أحد من أهل عصره، قال تلميذه أبو محمَّد الفرغاني: حسبت تلامذته أبا جعفر منذ احتلامه إلى أنَّ مات، فقسموا على المدة مصنفاته فصار لكل أربعة عشر ورقة، قيل: مكث أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة، له تاريخ العالم أملاه في نحو ثلاث آلاف ورقة وله التفسير الذي ليس له نظير، توفي سنة إحدى وثلاثمائة (1)(عن ابن عمر) سكت عليه المصنف، وفيه مؤمل بن سعيد الرحبي، أورده الذهبي في المتروكين، وقال أبو حاتم: منكر الحديث (2).
151 -
" اتقوا محاش النساء سموية (عد) عن جابر (ض) ".
(اتقوا محاش النساء) بالحاء المهملة والشين المعجمة، وفتح أوله في النهاية (3): أنه جمع محشة وهي الدبر، قال الأزهري (4): ويقال أيضاً بالمهملة كني بالمحاش عن الأدبار كما يكنى بالحشوش عن موضع الغائط، والحديث:"نهى عن إتيان الزوجة في الدبر"، وفي الباب عدة أحاديث كحديث أبي هريرة في
(1) ينظر: لسان الميزان (5/ 100)، وتاريخ بغداد (2/ 162).
(2)
انظر: الجرح والتعديل (8/ 49)، والمغني للذهبي (6548)، ولسان الميزان (6/ 137)، والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/ 31).
(3)
النهاية (1/ 391).
(4)
انظر: تهذيب اللغة (2/ 15).
السنن: "ملعون من أتى امرأته في دبرها"(1)[ص:68] وحديث عمر (2) عند وكيع، قال: قال رسول الله: "إن الله لا يستحي من الحق، لا تأتوا النساء في أعجازهن" وقال مرَّة: "في أدبارهن"، وحديث طلق بن علي عند الترمذي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأتوا النساء في أدبارهن إن الله لا يستحيي من الحق"(3) وفي الباب عدة أحاديث.
قال ابن القيم (4) في الهدي: قد دلَّت الأحاديث على تحريم الوطء في أدبار النساء؛ لأنه تعالى أباح إتيانها في الحرث وهو موضع الولادة، لا في الحشس، الذي هو موضع الأذى، وموضع الحرث هو المراد من قوله:{مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} [البقرة: 222] وإذا كان الله حرَّم الوطء في الفرج لأجل الأذى العارض وهو الحيض، فما الظن بالحشس الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل، والذريعة القريبة جدًا من أدبار النساء إلى أدبار الصبيان وأيضًا فإن ذلك مضر بالرجل فلذا نهى عنه عقلاء الأطباء من الفلاسفة وغيرهم؛ لأن للفرج خاصَّته في اجتذاب الماء المتحقن وإراحة الرجل منه والوطء في الدبر لا يتعين على اجتذاب جميع الماء، ولا يخرج كل المتحقن لمخالفته الأمر الطبيعي، وأيضًا فإنه يضر بالمرأة جدًا لأنه دار غريب بعيد عن الطبائع منافر لها غاية المنافرة، وأيضًا فإنه يُحدث الهم والغم والنفرة عند الفاعل والمفعول، وأيضًا فإنه يسود الوجه، ويظلم الصدر ويطمس نور القلب ويكسب الوجه وحشة ويصير كالسيها عليه يعرفه من له أدنى فراسة، ثم
(1) أخرجه أبو داود (2162)، وابن ماجة (1923)، والنسائي في السنن الكبرى (9015)، وأحمد (2/ 444). قال الشيخ الألباني: صحيح في صحيح الجامع (5889).
(2)
حديث عمر لم أقف عليه وكذلك قال مثله المباركفوري في التحفة (4/ 275).
(3)
أخرجه الترمذي (1164)، وأبو داود (205).
(4)
زاد المعاد (4/ 262).
عدَّ له عدة مفاسد لا يتسع لها هذا المقام.
(سمويه عد (1) عن جابر) رمز المصنف لضعفه، وفيه علي بن أبي على الهاشمي قال في "الميزان" عن أبي حاتم والنسائي: متروك وعن أحمد: له مناكير، ثم أورد فيها هذا الخبر.
152 -
" اتقوا هذه المذابح، يعني المحاريب (طب هق) عن ابن عمرو" ح.
(اتقوا هذه المذبح) جمع مذبح بالذال المعجمة والحاء المهملة، وفسَّره بقوله (يعني المحاريب) وهو مدرج وهي جمع محراب، وهو الموضع العالي المشرف وهو صدر المجلس أيضًا، ومنه سمي محراب المسجد، وهو صدره وأشرف موضع فيه، قاله ابن الأثير (2)، والمراد هنا: احذروا صدور المجالس والتصدر فيها، وذلك لما تجده النفس من الكبر والترفع على من دونه، وفي حديث أنس: كان يكره المحاريب أي لم يكن يجلس في صدور المجالس ويترفع على الناس (3)(طب هق (4) عن ابن عمرو) رمز المصنف لحسنه، وبحث
(1) أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 185)، وأورده الذهبي في الميزان (5/ 178) في ترجمة علي بن أبي علي اللهبي، وقال الألباني في ضعيف الجامع (127) وفي السلسلة الضعيفة (1995): ضعيف جداً.
(2)
النهاية (1/ 359).
(3)
راجع الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب للألباني (ص: 475 - 476).
(4)
أخرجه الطبراني انظر القطعة المفقود (برقم 939) و (2/ 439) من الكبير كما في مجمع الزوائد (8/ 60)، والبيهقي في السنن الكبرى (2/ 439)، وتعقبه الذهبي في "المهذب" قال: قلت: هذا خبر منكر تفرد به عبد الرحمن مفراء وليس بحجة أ. هـ وقد تعقب الغماري المناوي في المداوى (1/ 180 - 183) على تفسير كلامه الذي نقله الصنعاني فراجعه فإنه مهم. وراجع رسالة السيوطي بعنوان: " إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب".
وصححه الألباني في صحيح الجامع (120) وفي الضعيفة (2/ 25) وحسّنه وتكلم عليه وجاء بطرق أخرى في السلسلة الضعيفة (488). وقال الأزهري: المذابح: المقاصير، ويقال: هي المحاريب ونحوها. تهذيب اللغة (2/ 89).
الشارع فيه بما لا يقدح في حسنه.
153 -
" اتموا الركوع والسجود، فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من وراء ظهري إذا ركعتم وإذا سجدتم (حم ق ن) عن أنس (صح) ".
(أتموا الركوع والسجود) هو خطاب لمن يصلي خلفه مؤتمًا به، كما يرشد إليه قوله (فوالذي نفسي بيده إني لأراكم من وراء ظهري) قال الحافظ ابن حجر: الأحاديث الواردة في ذلك مقيدة بحال الصَّلاة، وبذلك يجمع بينها وبين قوله:"لا أعلم ما وراء جداري هذا" انتهى (1).
قلت: ويدل له قوله: (إذا ركعتم وإذا سجدتم) واعلم أنه اختلف العلماء هل يرى ذلك بعينين له في ظهره أو بمعنى يخلقه الله فيه، ولا دليل إلا أنه كان يراهم من ورائه، والله أعلم بماذا كانت تلك الرؤية، وفي اختصاص هذه الرؤية بحال الصلاة دليل على عظمة شأن الصلاة، وإنما لم يقل: فإن الله يراكم؛ لأنَّ سبب الحديث أنه قال رجل: لأفعل في صلاتي كذا انظر هل يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أم لا؟ فذكره، وقيل: النكتة غير ذلك (حم ق ن (2) عن أنس).
154 -
" أتموا الصفوف، فإني أراكم خلف ظهري (م) عن أنس (صح) ".
(أتموا الصفوف) قد فسَّر إتمامها الحديث الثاني، أعني قوله المقدم:"ثم الذي يلي"، وفيه دليل على أنه لا يصف صف آخر إلا إذا لم يبق في الأول متسع، والأصل في الأمر الوجوب، ما لم يقم دليل على خلافه، وهذا مما تساهل الناس فيه، نرى في المسجد أربعة أو خمسة صفوف لو انضم بعضهم إلى بعض لكانوا
(1) فتح الباري (1/ 514). قال المناوي في الفيض (1/ 189): قال الحافظ ابن حجر: وأما ما اشتهر من خبر "لا أعلم ما وراء جداري" فلا أصل له وبفرض وروده فالمراد به أنه لا يعلم الغيب إلا بإطلاعه تعالى. ونقل عنه هذا الكلام السخاوي في المقاصد (ص: 571). وانظر: الجد الحثيث في بيان ما ليس بحديث (409).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 135)، والبخاري (6644) ومسلم (425)، والنسائي (2/ 92).
صفًا واحداً (فإني أراكم خلف ظهري) هو كما سلف (م عن (1) أنس) وأخرجه غيره.
155 -
" أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه. فما كان من نقص فليكن من الصف المؤخر (حم د ن حب) وابن خزيمة والضياء عن أنس"(صح).
(أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه) هذا يؤكد الإيجاب (فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر) فلا يصف صف إلا بعد أن يضيق الذي قبله، ويمتلئ بحيث لا يتسع لأحد، والأمر ظاهر في الوجوب (حم د ن (2) حب وابن خزيمة والضياء عن أنس) رمز المصنف لصحته.
156 -
" أتموا الوضوء، ويل للأعقاب من النار (هـ) عن خالد بن الوليد، ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة (صح) ".
(أتموا الوضوء) أي أبلغوه مبالغه التي أمر الله بها (ولي للأعقاب) جمع عقب (من النار) قال الحافظ ابن حجر (3) جاز الابتداء بالنكرة لكونه دعاء أو جاءت مرة فيما أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي سعيد مرفوعًا: "ويل واد في جهنم"(4) وفيه أقوال أخرى.
قلت: فالابتداء به حينئذ لكونه علمًا لا لكونه دعاء، وكأنه أراد ذلك على أحد الأقوال قال البغوي (5): معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصّرين في غسلها،
(1) أخرجه مسلم (434).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 132)، أبو داود (671)، والنسائي (2/ 93)، وابن خزيمة 1546، 1547)، والضياء في المختارة (2379) وابن حبان (2155)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (122).
(3)
فتح الباري (1/ 158).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 75)، وعبد بن حميد (924)، والترمذي (3164) وقال: غريب. وأبو يعلى (1383)، وابن حبان (7467)، والحاكم (4/ 639) وقال: صحيح الإسناد. وأخرجه أيضًا: ابن المبارك (334)، والديلمي (7164).
(5)
انظر: شرح السنة للبغوي (1/ 429)، وفتح الباري (1/ 266).
وهو دليل على وجوب إمساس أعضاء الوضوء الماء كلها ولا يعفي عن شيء منها (5 عن خالد (1) بن الوليد) هو الصحابي المعروف سيف الله على المشركين (ويزيد) هو منقول من مضارع زاد (بن أبي سفيان) صحابي أخ لمعاوية (وشرحبيل) بمعجمة فراء مهملة بزنة خزعبيل (بن حسنة) بالمهملتين مفتوحات وهو ابن عبد الله وعرف بابن حسنة، وهي أمه، والحديث صحيح وقد رمز المصنف لصحته.
157 -
" أتيت بمقاليد الدنيا على فرس أبلق، جاءني به جبريل عليه قطيفة من سندس (حم حب) والضياء عن جابر (صح) ".
(أُتيت) معبر الصيغة أي أتاني الملك (بمقاليد الدنيا) في الكشاف (2): هي المفاتيح لا واحد لها من لفظها، وقيل: مقليد، ويقال إقليد وأقاليد والكلمة أصلها فارسية (على فرس أبلق) هو ما كان لونه بين السواد والبياض (جاءني به) بالفرس (جبريل) هو بيان لفاعل أتيت (عليه) أي الفرس (قطيفة) هي الدثار المحمل (من سندس) هو رقيق الديباج معرب بلا خلاف، قاله في القاموس (3)، والحديث تبشير للأمة أنهم يفتحون الأقطار ويملكونها، وقد جاء هذا البشير بأوضح من هذا، وقد وقع كما أخبر صلى الله عليه وسلم وهذا الإتيان والمقاليد والفرس ظاهرها أنها حقائق لا مجاز فيها، والكيفية غير معلومة لنا ويحتمل التمثيل والمجاز (حم حب (4) والضياء عن جابر) رمز المصنف لصحته، وقال الهيثمي: رجال
(1) أخرجه ابن ماجه (455) عن خالد بن الوليد ويزيد بن أبي سفيان وشربيل بن حسنة وعمرو بن العاص، كل هؤلاء سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال البوصيري في الزوائد (1/ 66): هذا إسناد حسن ما علمت في رجاله ضعفًا. وصححه الألباني في صحيح الجامع (124) والسلسلة الصحيحة (782).
(2)
الكشاف (1/ 1116).
(3)
القاموس المحيط (صـ 710).
(4)
أخرجه أحمد (3/ 327)، وابن حبان (6364)، وعن جابر، وقول الهيثمي في المجمع (9/ 20)،=
أحمد رجال الصحيح.
158 -
" أثبتكم على الصراط أشدكم حبا لأهل بيتي ولأصحابي (عد فر) عن علي (ض) ".
(أثبتكم على الصراط) عند الجواز عليه وقد تقدم تفسيره (أشدكم حبًّا لأهل بيتي ولأصحابي) لما علم صلى الله عليه وسلم بإعلام الله له أن الأمة تحزب بعده أحزابًا، وتفرق شيعًا فتكون فرقة منهم تحب الآل كما هو الواجب الذي دلت عليه الآيات والآثار، ولكنها تقصّر في حق الصحابة، وتقابلهم فرقة أخرى تحب الصحابة وتقصّر في حق الآل، فلا ترى لهم حقًّا، وتبالغ في حق الصحابة، وهذا داء قد ملأ وجه البسيطة، وعمّت به البلوى، إلا من عصمه الله، أخبر صلى الله عليه وسلم عليه أن أثبت العباد على الصراط من عرف حق هؤلاء وهؤلاء، وأحب الآل لشرفهم وقرابتهم، وأحب الأصحاب لصحبتهم له صلى الله عليه وسلم ومناصرتهم إياه، وذكر الأشدّية في حتى الفريقين مبنية على غيره، ذلك لأن غالب من اشتدَّ حبه لفريق الغلو في حقه حتى يقصر في حق غيره، وفي جعل الجزاء على ذلك الأثبتيّة على الصراط مجازاةً من جنس الفعل؛ لأنه لما ثبت في حب من أمر الله بحبه ورسوله صلى الله عليه وسلم كان جزاءه الأثبتية على الصراط، ومن ثبت عليه فقد نجا، والخطاب في أثبتكم للآل والأصحاب وغيرهم من الموجودين في حال الخطاب، وهو في حال من سيوجد لحقه فيمن وجد من الأمة كسائر الخطابات الشرعية (عد فر (1) عن
= وعده الذهبي في الميزان (2/ 308) من مناكيره -الحسين بن واقد- وأورده ابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 179). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (132)، وفي السلسلة الضعيفة (1720).
(1)
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 302) في ترجمة محمَّد بن محمَّد بن الأشعث، قال وعامة أحاديثه مناكير أو كلها. وعزاه الغماري في المداوى إلى الديلمي (1/ 183 رقم 159)، وقال: موضوع.
وقال الألباني في ضعيف الجامع (134)، وفي السلسلة الضعيفة (1996): موضوع.
علي) رمز المصنف لضعفه.
159 -
" أثردوا ولو بالماء (طس هب) عن أنس"(ض).
(أثردوا) أي الطعام (ولو بالماء) الثريد هو الخبز المأدوم باللحم كما قال:
إذا ما الخبز تأدمه بلحم
…
فذاك أمانة الله الثريد
فتسمية الذي يثرد بالماء ثريدًا مجاز، وهو حث على تليين الخبز بالإدام لأنه أنفع وألين، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم بعث ليعلم الأمور الدينية والبدنية (طس (1) هب عن أنس) رمز المصنف لضعفه.
160 -
" اثنان فما فوقهما جماعة (هـ) عن أبي موسى (حم طب عد) عن أبي أمامة (قط) عن ابن عمر، وابن سعد، والبغوي والماوردي عن الحكم بن عمير" ض.
(اثنان فما فوقهما جماعة) أي في الصلاة فهو إعلام بأنها تحصل فضيلة الجماعة بالاثنين، ودفع لما يتوهم من أن لفظ الجماعة لا يصدق إلا على الثلاثة، فالجماعة تتم بالاثنين، وهما خير من الواحد، كما يأتي، وهذا الحديث قاله صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً يصلي وحده، فقال:"ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه" فقام إليه رجل فصلَّى معه فذكره (هـ عن أبي موسى حم طب عد (2) عن أبي أمامة قط عن ابن عُمر، وابن سعد والبغوي والماوردي عن الحكم) بفتح المهملة والكاف
(1) أخرجه الطبراني في الأوسط (1110)(7147) والبيهقي في الشعب (5923)، وفي إسناده عباد بن كثير الرملي ضعيف كما في التقريب (3140). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (135) والسلسلة الضعيفة (1790).
(2)
أخرجه ابن عدي (5/ 250) وابن سعد (7/ 415)، والبغوي (482) عن الحكم بن عمير والدارقطني (1/ 281) عن ابن عمر وابن ماجة (972)، والبيهقي في الشعب (3/ 69) والدارقطني (1/ 280) وابن عدي (3/ 128) عن أبي موسى قال البوصيري (1/ 119): إسناده ضعيف، وأحمد (5/ 254)، والطبراني في المعجم الكبير (8/ 248 رقم 7974)، والأوسط (6624) وابن عدي (6/ 315) عن أبي أمامة، وقال الهيثمي (2/ 45) فيه مسلمة بن علي وهو ضعيف. وانظر نصب الراية (2/ 198).
(بن عمير) بالمهملة مصغر عمر، رمز المصنف لضعفه، وقال الزيلعي: هذه كلها ضعيفة [ص: 70].
161 -
" اثنان لا ينظر الله إليهما يوم القيامة: قاطع الرحم، وجار السوء (فر) عن أنس"(ض).
(اثنان لا ينظر الله إليهما يوم القيامة) هو كناية عن الاستهانة بهما والسخط عليهما يقال: فلان لا ينظر إلى فلان والمراد نفي اعتداده به وإحسانه إليه، قال: فمن لي بالعين التي كتب مرَّة إلى بها في سالف الدَّهر تنظر وبيَّنهما بقوله: (قاطع رحم وجار السوء) بفتح المهملة وضمها وهو من الإساءة ضد الإحسان، والمصدر بمعنى الفاعل أي الجار السيئ وإنما استحق من ذكر هذا الوعيد؛ لأنه قطع ما أمر الله به أن يُوصل فقطع تعالى عنهما أعظم بره، والحديث فيه من البديع التوسيع ومرّ نظيره، ويأتي كثيرًا وفائدته: الإيهام أولاً، ثم التفسير ثانيًا؛ ليكون أوقع في النفس (فر عن أنس) رمز المصنف لضعفه (1).
162 -
" اثنان خيرٌ من واحدٍ، وثلاثةٌ خيرٌ من اثنين، وأربعةٌ خيرٌ من ثلاثةٍ، فعليكم بالجماعة فإنَّ الله لن يجمعَ أمَّتي إلا على هدىً (حم) عن أبي ذر (صح) ".
(اثنان) في الصلاة (خيرٌ من واحد) في الأجر (وثلاثة خير من اثنين، وأربعة خير من ثلاثة فعليكم بالجماعة) في صلاة وغيرها (فإنَّ الله لن يجمع أمتي إلا على هدىً) حثَّ على عدم الانفراد لا في صلاة ولا في رأي ولا مبايعة واقتداء فهو عام للإجماع في المسائل الدينية وملازمة السلاطين وعدم الخروج عليهم ونحو
(1) أخرجه الديلمي في الفردوس (1674)، وقال الألباني في ضعيف الجامع (138) والسلسلة الضعيفة (1917): موضوع فيه: أبان بن أبي عياش قال ابن حجر في التقريب (142) متروك.
وفيه: مهدي بن هلال البصري: قال يحيى بن سعيد كذاب وقال ابن معين كذاب وقال مرة من المعروفين بالكذب ووضع الحديث وقال النسائي والأزدي والدارقطني: متروك وقال ابن حبان يروي الموضوعات عن الأثبات. وانظر الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي (3/ 143).
ذلك، وقوله إلا على هدى تصريح بأنه إذا وقع الإجماع من الأمة كان على الحق فهو أصرح من أحاديث (لن يجمع الله أمتي على ضلالة) إذ ليس في هذا أنها تجمع على هدىً، وقد بحث بعض المحققين على استدلال أهل الأصول بأحاديث "لن يجمع الله أمتي على ضلالة" (1) حيث جعلوا دليلاً لحقية الإجماع فقال: لا دليلَ فيه إلا على عدم ضلالها (2) وليس هو المدعي فهذا الحديث المذكور في الكتاب يبين المراد (حم عن أبي ذر)(3) رمز المصنف لصحته وتعقبه الشارح وقال: ليس بصحيح، فإنه من رواية ابن عياش عن أبي البختري قال الهيثمي: إن أبا البختري ضعيف.
163 -
" اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبدٌ أبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت زوجها حتَّى ترجع (ك) عن ابن عمر"(صح).
(اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤسهما) وهو من جاوز المكان إذا تعداه وقد علم إنما قبل من الأعمال صعد به إلى السماء {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] فالمقبول مرفوعٌ، والمردود موضوعٌ، فقوله:(لا تجاوز) كناية عدم القبول أو عدم إسقاط الواجب إلا أنه ذهب العلماء إلى أنهما
(1) رواه الترمذي (2167) والحاكم: 1/ 115 من حديث ابن عمر، ورواه أبو داود (4253) وأحمد في "مسنده" 6/ 397 من حديث أبي بصرة الغفاري، ورواه ابن ماجه (3950) والحاكم: 1/ 116 من حديث أنس، ورواه أحمد: 5/ 145 من حديث أبي ذر، ورواه الحاكم: 1/ 116 من حديث ابن عباس، وفي كلها مقال، لكن يتقوى بها الحديث. انظر: المقاصد الحسنة (ص 460). قال الشيخ الألباني عن رواية الترمذي: صحيح. انظر: صحيح الجامع (1848).
(2)
ورد في الحاشية الآتي: يقال: هو ملازم للحق؛ لأن الحق والضلال ضدان، فإذا لم يكونوا على ضلالة فهم على الحق فليتأمل.
(3)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/ 145) وقال الهيثمي (1/ 177): فيه البختري بن عبيد بن سلمان وهو ضعيف، وقال الألباني في ضعيف الجامع (136)، والسلسلة الضعيفة (1797): موضوع.
لا يؤمران بالقضاء فدل أنها تجزئ ولا يثاب عليها، وقد بحثنا على هذا في حواشي شرح العمدة بحثًا نفيسًا، وبيَّنهما بقوله:(عبد آبق) اسم فاعل من أبق العبد يأبق ويابق إذا هرب من مواليه، (وامرأة عصت زوجها) بنشوز أو غيره (حتى ترجع) إليه وقد اكتفى به عن غاية الأول فحذف لدلالة هذا عليه فإنَّه لا يقبل للعبد الآبق صلاة حتى يرجع (ك عن ابن عمر) رمز المصنف لصحته؛ لأنَّه صحَّحه الحاكم وتعقبه الذهبي بأنَّه من حديث بكر بن بكار وهو ضعيف (1).
164 -
" اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في الأنساب والنياحة على الميت (حم م) عن أبي هريرة (صح) ".
(اثنتان) من الخصال (في الناس) كائنة فيهم (هما بهم كفر) أي من خصال أهل الكفر (الطَّعن في الأنساب) من طَعَن يطعن بفتح عين مضارعه وضمها إذا قدح في صحة نسبه (والنِّياحة) بكسر النون وحاء مهملة، وهي تعديد محاسن الميت، والحديث إخبار بأنَّ هاتين الخصلتين من خصال الكفَّار لا أن فاعلهما كافر، ويأتي أربع من خصال الجاهلية يضم إلى هاتين غيرهما يأتي في أربع وهو دال على تحريم الأمرين (حم م عن أبي هريرة)(2).
165 -
" اثنان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير له من الفتنة، ويكره قلَّة المال، وقلَّة المال أقل للحساب (ص حم) عن محمود بن لبيد".
(اثنان يكرهما بن آدم) عام بكل آدمي، أي ينفر عنهما (يكره الموت) بالطبع
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك (4/ 172)، ولم يتعقبه الذهبي في المطبوع، وكذلك الطبراني في الأوسط (3628)، ليس فيه بكر بن بكار، علة الحديث، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 313): رجاله ثقات، وقال المنذري (3/ 18) إسناده جيد، وصححه الألباني في صحيح الجامع (136)، والسلسلة الصحيحة (288).
(2)
أخرجه أحمد (2/ 496)، ومسلم (67).
والجبلة (والموت خير له من الفتنة) هي الامتحان والاختبار، وقد كثر استعمالها فاستعملت في معنى الإثم والكبر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء كما أفاده في النهاية (1) ولا شكَّ أنَّ الحياة لا تخلو عن مسمَّى الفتنة، وأنه لا يزال الحي مفتونًا فلذا خيَّر صلى الله عليه وسلم الموت على الفتنة اللازمة للحياة وفي كلام النهج: لا يقولنَّ أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة لأنَّه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلَاّت الفتن. اهـ
(ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحيات)؛ لأنه لابدَّ منه وإذا كان أقل فهو خير له من الكثرة، والحديث تزهيد في محبة الحياة ومحبة كثرة المال (ص حم عن محمود (2) بن لبيد) هو أنصاري من بني عبد الأشهل، قال في الخلاصة (3): إنه من أولاد الصَّحابة، لا يصح له سماع من النبي صلى الله عليه وسلم وثَّقه ابن سعد، مات سنة (96).
قلتُ: فكان على المصنف أن يقول مرسلاً.
166 -
" اثنان يعجّلهما الله في الدنيا: البغي، وعقوق الوالدين (تخ طب) عن أبي بكرة".
(اثنان) من المعاصي (يعجلهما الله في الدنيا) يعجل عقوبتهما فيها (البغي) بالموحدة فالمعجمة من بغا عليه بغيًا وعلا وطلب وعدل المراء واستطال
(1) النهاية (3/ 411).
(2)
أخرجه سعيد بن منصور كما في الجامع الكبير (1/ 19)، وأحمد (5/ 427)، وقال المنذري (4/ 73) رواه أحمد بإسنادين رواة أحدهما تحتج بهم في الصحيح، ومحمود له رؤية ولم يصح له سماع فيما أرى، وأما قوله: أنه مرسل فهذا قد بين رد هذه الدعوة ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1378)(2347)، وانظر حاشية الكاشف للشيخ محمَّد عوامة (2/ 246 - 247)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (139)، والسلسلة الصحيحة 813).
(3)
انظر: خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال للخزرجي (ص: 371).
وكذب كما في القاموس (1)، وفي النهاية (2): أصل البغي مجاوزة الحد (وعقوق الوالدين) وكأن المراد أو واحد منهما في النهاية (3)، يقال عق والده يعقه عقوقًا فهو عاق إذا آذاه وعصاه وخرج عليه وهو ضد البر وأصله من العق القطع أي الشقّ وإنما عجَّل الله عقوبة ذلك لعظمته عنده تعالى، والحديث من أعلام النبوة، فإنَّه واقع مشاهد، وهل يعاقبان على ذلك أيضًا في دار الآخرة؟ الظاهر ذلك إذا لم يتوبا ويحتمل خلافه وأن الله لا يجمع لهما عقوبتين والأول أوضح (تخ طب عن أبي (4) بكرة) بفتح الموحدة وبسكون الكاف فراء بعدها تاء تأنيث اسمه نفيع، مصغَّر نافع، وكني بأبي بكرة؛ لأَنَّه نزل من حصن الطائف على بكرة وهم محاصرون فأسلم وهو صحابي معروف (5).
167 -
" أثيبوا أخاكم، ادعوا له بالبركة، فإنَّ الرَّجل إذا أكل طعامه وشرب شرابه، ثمَّ دعى له بالبركة فذلك ثوابه منهم (د هب) عن جابر (ح) ".
(أثيبوا) من الإثابة يقال أثابه يثيبه إثابة إذا جازاه والاسم الثواب ويكون في الشر والخير إلا أنه في الخير أكثر استعمالاً (أخاكم) في الله قيل فكأنه قيل بما أثيبه فقال (ادعوا له بالبركة) فهي جملة استئنافية (فإن الرجل) والمرأة كذلك (إذا أكل طعامه) بعبر ضيفه أي أكله الأضياف (وشرب شرابه ثم دعى له بالبركة فذاك ثوابه منهم) من الآكلين والشاربين، فيه دليل أنَّه إذا دعى الآكل والشَّارب لمن أحسن إليه بهما، فقد كافأه وكأن المراد به إذا لم يجد جزاء؛ لأنه قيَّده في
(1) القاموس المحيط (ص 1631).
(2)
النهاية (1/ 143).
(3)
النهاية (3/ 277).
(4)
أخرجه البخاري في التاريخ (1/ 166)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (38/ 131)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (137) وفي السلسلة الصحيحة (1120).
(5)
انظر: أسد الغابة (1/ 1075)، وتهذيب الكمال (30/ 5) رقم (6465).
بعض الأحاديث بقوله: "إذا لم يجد مكافأة" سيأتي (د هب (1) عن جابر) قال جابر: صنع أبو الهيثم طعامًا، ودعى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلمَّا فرغوا ذكره، رمز المصنف لحسنه قال الشارح: وفيه فليح بن سليمان المدني أورده الذَّهبيُّ في الضعفاء والمتروكين، وقال ابن معين، والنسائي: غير قويٍّ وكأنَّه حسنه لشواهده.
168 -
" اجتمعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارك لكم فيه (حم د هـ حب ك) عن وحشي بن حرب".
(اجتمعوا على) أكل (طعامكم واذكروا اسم الله) تعالى عليه (يبارك لكم فيه) أي يحصل فيه النماء والزيادة بسبب الاجتماع، وصدر الحديث عن وحشي بن حرب أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا رسول الله، إنا نأكل ولا نشبع قال:"لعلكم تفترقون" قالوا: نعم، قال:"فاجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله عليه يبارك لكم فيه"، فأفاد أن الاجتماع سبب البركة ويدلُّ عليه:"طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الثلاثة"(2) وهل البركة تكون بالاجتماع أو بالتسمية أو بهما ظاهر جواب الشكوى أنَّها تحصل بالاجتماع ثمَّ أرشدهم إلى زيادة التسمية لزيادة البركة، وقد ورد تعليل الأمر بالتسمية بأنه يدفع مشاركة الشيطان ولا شكَّ أنَّه بمشاركته لهم ترتفع البركة ثمَّ قوله (واذكروا اسم الله) هل هو أمر لكل فرد أو للجماعة وأنَّه إذا سمَّى البعض أجزأ عن الجميع قال ابن القيم (3): وهاهنا مسألة تدعو الحاجة إليها وهي أن الآكلين إذا كانوا جماعة فسمَّى
(1) أخرجه أبو داود (3853)، والبيهقي في الشعب (4605)، وقال المنذري: فيه رجل مجهول وفيه يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد المعروف بالدالاني وقد وثقه غير واحد، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (139)، والسلسلة الضعيفة (1928).
(2)
أخرجه البخاري (5077)، ومسلم (2058، 2059)، والترمذي (1082)، وابن ماجه (3255).
(3)
زاد المعاد (2/ 398).
أحدهم هل تزول مشاركة الشيطان لهم في الطعام بتسميته وحده؟ أو لا تزول إلا بتسمية الجميع؟ فنصَّ الشَّافعيُّ رحمه الله على إجزاء تسمية الواحد وجعله أصحابه كتشميت العاطس ورد السَّلام وقد يقال: لا ترتفع مشاركة الشيطان للآكل إلا بتسمية الآكل نفسه ولا يكفيه تسمية غيره ولهذا جاء في حديث حذيفة: إنا حضرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها، ثمَّ جاء أعرابيٌّ فأخذ يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه وأنه جاء بهذه الجارية ليستحلَّ بها فأخذتُ بيدها فجاء بهذا الأعرابي ليستحلَّ به فأخذتُ بيده فوالذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع يديهما"(1)، ثمَّ ذكر اسم الله فأكل، فلو كانت تسمية الواحد تكفي لما وضع الشَّيطان يده في ذلك الطَّعام، وقد يُجاب عن هذا، بأنَّه لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سمَّى بعد، ولكن الجارية ابتدأت بالوضع من غير تسمية وكذلك الأعرابي فشاركهما الشيطان فمن أين لكم أنَّ الشيطان شارك من لم يسمِّ بعد تسمية غيره، فهذا مما يمكن أن يقال، لكن قد روى الترمذي (2) وصحَّحه من حديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الطَّعام في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما إنه لو سمى لكفاكم"، ومن المعلوم أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأولئك الستة سموا فلمَّا جاء هذا الأعرابي فأكل ولم يسمِّ شاركه الشَّيطان في أكله فأكل الطَّعام بلقمتين ولو سمَّى لكفى الجميع. اهـ
قلت: قوله في حديث حذيفة: ثم ذكر اسم الله وأكل، يدل أنَّه صلى الله عليه وسلم اكتفى بتسميته ولم يأمر الأعرابي ولا الجارية أن يسميا دليل على ما قاله الشافعي إلا أنه
(1) أخرجه مسلم (2017) وأبو داود (3666) وأحمد (5/ 382، 397)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 74 رقم 5830).
(2)
أخرجه الترمذي (1858) وكذلك أبو داود (3717)، وابن ماجه (3264).
قد عارضه حديث عائشة الدال على أنه لا يكفي تسمية بعض الآكلين قال بعض الأذكياء من المتأخرين: يمكن الجمع بينهما بأن يقال: إذا كان الآكلون حضروا معًا وشرعوا دفعة فسمَّى أحدهم فتسميته كافية إذ الكل كالأكل الواحد، وأما إذا كان البعض منهم متأخرًا ولم يحضر وقت التسمية فلا يكفي تسمية من قد سمَّى كما هو نص الحديث الآخر وأما ما قيل معنى في الجمع بين الحديثين أنهما قد تكون عدم تسمية الآكل سببًا لنزع البركة وإن كان غيره قد سمى كما في حديث عائشة ولا يلزم أن تنزع البركة بسبب مشاركة الشيطان وعدم التسمية رأسًا بسبب استحلال الشيطان الطعام.
وحاصله أن هنا أمرين استحلال الشيطان للطعام ونزع البركة قبل عدم التسمية رأسًا يحصل الأول ومن عدم تسمية الآكل نفسه يحصل الثاني ففيه تأمل لأنه يلزم أنه صلى الله عليه وسلم أهمل أمر الأعرابي والجارية بالتسمية التي مع عدمها يحصل سلب البركة وأكل طعامًا غير مبارك فيه وهو صلى الله عليه وسلم شديد المحافظة على الأمر المبارك فيه (حم د هـ حب ك (1) عن وحشي بن حرب) بفتح الواو وسكون الحاء المهملة ثم شين معجمة آخره مثناة تحتية وحرب بالحاء المهملة والراء آخره موحدة ووحشي هو قاتل حمزة عم رسول صلى الله عليه وسلم وأسلم بعد ذلك وحسن إسلامه وقتل شر خلق الله مسيلمة الكذاب، فالمصنف سكت على الحديث، قال الشارح: إن الحديث من رواية وحشي بن حرب بن وحشي عن أبيه عن جده، ووحشي هذا قال فيه المزي والذهبي: لين.
(1) أخرجه أحمد (3/ 105)، وأبو داود (3764)، وابن ماجه (3286)، وابن حبَّان (5224)، والحاكم (2/ 103)، وانظر ترجمة وحشي في المغني في الضعفاء (6830)، والميزان (7/ 21)، وقال العجلوني في كشف الخفاء (1/ 48): سنده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الجامع (143)، والسلسة الصحيحة (884).
169 -
" اجتنب الغضب (ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الغضب، وابن عساكر عن رجل من الصحابة".
(اجتنب الغضب) سببه أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله، علِّمني كلماتٍ أعيش بهنَّ ولا تكثر عليَّ فذكره، والغضب محركه ضد الرضا قاله في القاموس (1)، وفي النهاية (2): قد تكرَّر ذكر الغضب في الحديث من الله ومن الناس، أما غضب الله فهو إنكاره على من عصاه وسخطه عليه وإعراضه عنه ومعاقبته له، وأما من المخلوق فمنه محمودٌ ومذمومٌ، فالمحمود ما كان في جانب الدين، والحق والمذموم ما كان خلافه. اشهى.
قلت: والمراد هنا المذموم، ثمَّ لا يخفى أنَّ الغضب أمرٌ وجدانيٌّ عند وجود سببه لا يمكن دفعه والأمر موجه إلى اجتناب أسبابه التي تثيره حتَّى لا يقع، أو إلى اجتناب ما يتفرَّع عنه بعد وقوعه وإلى استعمال ما يذهبه وتأتي أحاديث في أدويته، منها: الاستعاذة، ومنها: التحول من الحالة التي هو عليها إلى ضدها، ومنها: الوضوء، ويأتي ذلك وتحقيقه في حرف العين المهملة -إن شاء الله تعالى- وقد كثر التحذير من الغضب، قال جعفر بن محمَّد: الغضب مفتاح كلِّ شرٍّ، وقال الحسن: يا ابن آدم، كلَّما عصيت وثبت توشك أن تثب وثبة إلى النار (ابن أبي الدنيا في كتاب الغضب وابن عساكر (3) عن رجل من الصحابة) لا يقال هو مجهول العين، فكيف يروى عنه لأنَّا نقول: لا تضر جهالة العين لما تقرَّر عند المحدثين من أنَّ الصَّحابة كلُّهم عدولٌ، فجهالة العين غير ضارة؛ لعدم جهالة الصفة وما يذكر العين إلا لأجل الصفة.
(1) القاموس (ص 154).
(2)
النهاية (4/ 370).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 408) وابن عساكر (64/ 46)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (143)، والسلسلة الصحيحة (884).
170 -
" اجتنبوا السبع الموبقات: الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النَّفس التي حرَّم الله إلا بالحقِّ، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتَّولِّي يوم الزَّحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات (ق د ن) عن أبي هريرة (صح) ".
(اجتنبوا السبع الموبقات) في النهاية (1): أي الذنوب الموبقات يقال: ويوبق إذا هلك (الشرك بالله) منصوبٌ على البدلية، ويصح رفعه على الاستئناف، وكذا ما بعده، في النهاية (2): أشرك بالله فهو مشرك، إذا جعل له شريكًا (والسحر) سلف تحقيقه (وقتل النفس التي حرم الله) النفس الجسد واشتهرت في الإنسان (إلا بالحق) هو القتل الذي أذن الله به (وأكل الربا) تقدم تحقيقه (وأكل مال اليتيم والتولي) الفرار (يوم الزحف) تقدم تفسيره وضبطه (وقذف) القذف الرمي، والمراد رمي (المحصنات) العفائف من الفاحشة (المؤمنات) المتصفات بالإيمان بما يجب (الغافلات) عن الفاحشة التي لا تخطر ببالهنَّ واعلم أن مفهوم العدد هنا غير معتبر؛ لأنَّه قد عدَّ غير هذه من الموبقات إلا أن يقال أنواع الهلاك مختلفة، فهذه أعظمها إيقاعًا في الهلاك، ثم المراد أنَّ كل واحدة منها موبقة ولذا جمعها لأنها تشترك كلها في الإهلاك، واحتمال أنَّه صفة للمجموع من حيث هو بعيد (ق د ن عن أبي هريرة)(3).
171 -
" اجتنبوا الخمر: فإنَّها مفتاح كلِّ شرٍّ (هـ ك هب) عن ابن عباس (صح) ".
(اجتنبوا الخمر) أي شربها وهو الأظهر وإلا فإنه محرَّم أيضًا بيعها ويحتمل أن يراد كلاهما ملابسة لها (فإنَّها مفتاح كل شر) وقد عد بعض شرورها في قوله صلى الله عليه وسلم من شرها ترك الصلاة، ووقع على أمه وخالته وعمته (هـ ك هب (4) عن ابن
(1) النهاية (5/ 145).
(2)
النهاية (2/ 1144).
(3)
أخرجه البخاري (6857)، ومسلم (89)، وأبو داود (2874)، والنسائي (6/ 257).
(4)
أخرجه الحاكم (4/ 145) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في=
عباس) رمز المصنف لصحته وصححه الحاكم وأقره الذهبي وتعقبه الشارح بأن فيه محمَّد بن إسحاق ولا يضر لأنه قد تقرر ثقة محمَّد بن إسحاق.
172 -
" اجتنبوا الوجوه لا تضربوها (عد) عن أبي سعيد".
(اجتنبوا الوجوه) من أي حيوان (لا تضربوها) فهو نهي عن ضرب الوجه مما أبيح ضربه من خادم وزوجة وولد في تأديب، أو إقامة حد أو نحو ذلك، ويأتي تعليله (عد عن أبي سعيد) (1) سكت عليه المصنف وقال الشارح: إنه حديث ضعيف.
173 -
" اجتنبوا التكبر، فإنَّ العبد لا يزال يتكبَّر حتى يقول الله تعالى: اكتبوا عبدي هذا في الجبارين، أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق، وعبد الغني بن سعيد في إيضاح الإشكال (عد) عن أبي أمامة"(ض).
(اجتنبوا الكبر) بكسر الكاف وسكون الباء هو العظمة وصار من آدابه اعتقاد الإنسان في نفسه أنه عظيم بحيث يستحقر غيره وفي شرح العيني (2) على البخاري، الكبر والتكبر والاستكبار متقارب، والكبر هو الحالة التي يختص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وذلك أنه يرى نفسه أكبر من غيره وأعظم من ذلك أن من يتكبر على ربه بأن يمتنع عن قبول الحق. اهـ.
قلت: ويأتي تفسير الكبر في كلامه صلى الله عليه وسلم: "أنَّه بطر الحق وغمص الناس"(3)، فبطر الحق أن يجعل ما جعله الله حقًّا من توحيده وعبادته باطلاً، وقيل: هو أن
=التلخيص، والبيهقي في الشعب (588) عن ابن عباس، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (142) والسلسلة (1812) وقال في صحيح الترغيب والترهيب (2368) حسن لغيره.
(1)
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 439)، في ترجمة مخول بن إبراهيم وقال: وقد روى أحاديث لا يرويها غيره وهو في جملة متشيعي أهل الكوفة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (143).
(2)
عمدة القاري (22/ 140).
(3)
أخرجه مالك في الموطأ (3/ 445) برواية محمَّد بن الحسن، والترمذي (1999)، وابن حبان (5466) والحاكم في المستدرك (4/ 201).
يتكبر على الحق فلا يراه حقًّا، وقيل: هو أن يتكبر على الحقِّ فلا يقبله، وغمص الناس بالغين المعجمة والصاد المهملة احتقارهم وعدم الاعتداد بهم (فإن العبد لا يزال يتكبر) يساعد نفسه على التعاظم ويسترسل ولا يفتقد عينها، ويغسل عنها درنها بتذكر الحق وأسباب الكبر (حتَّى يقول الله: اكتبوا عبدي هذا في الجبارين) وقد أطال العلماء الكلامَ في الكبر وأسبابه وأدويته، وهو حقيق بذلك وأطولهم فيه نفسًا الغزالي في الإحياء (1)، ويأتي فيه عدَّة أحاديث في الكتاب -إن شاء الله تعالى- والتعبير بالعبد في الموضعين، ولم يقل الإنسان أو ابن آدم إشارة إلى أن معه ذل العبودية لا تفارقه فماله وللكبر (أبو بكر بن لال) اسمه أحمد بن علي (في مكارم الأخلاق)، عبد الغني بن سعيد) وهو الحافظ الإِمام المتقين الأزدي المصري مفيد تلك الديار روى عن خلائق وعنه عوالم، مولده سنة 333 قال البرقاني: ما رأيت بعد الدارقطني أحفظ من عبد الغني المصري، قال منصور بن علي: لما أراد الدارقطني الخروج من مصر خرجنا نودِّعه وبكينا، فقال: أتبكون وعندكم عبد الغني بن سعيد وفيه الخلف، مات سنة 409 فكان له جنازة عظيمة يحدث الناس بها، ونودي: "هذا نافي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)(في إيضاح الإشكال عد عن أبي أمامة)(3) رمز المصنف لضعفه؛ لأن فيه عثمان بن أبي عاتكة وهو ضعيف.
(1) انظر: الإحياء (3/ 363 - 394).
(2)
انظر: تاريخ بغداد (4/ 318).
(3)
أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 165) في ترجمة عثمان بن أبي العاتكة قال ابن معين: ليس بشيء، وقال المناوي في فيض القدير (1/ 154) وفيه عثمان بن أبي عاتكة ضعفه النسائي وغيره وهو علي ابن يزيد الالهاني قال في التقريب ضعيف والقاسم بن عبد الرحمن صدوق لكنه يغرب كثيراً، وقال الألباني في ضعيف الجامع (141)، والسلسلة الضعيفة (2101): ضعيف جدًّا وعزاه إلى الديلمي (1/ 1/ 40).
174 -
" اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله تعالى عنها، فمن ألَمَّ بشيء منها فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله، فإنه من يبد لنا صفحته نُقم عليه كتاب الله (ك هق) عن عمر (صح) ".
(اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عنها) في النهاية (1): القاذورة هنا الفعل القبيح والقول السيء (فمن ألم بشيء منها) ألم به: نزل به (فليستتر بستر الله) والتوبة عنها كما دل له (وَلْيتُبْ إلى الله) يرجع إليه نادمًا عن قبيح ما أتى (فإنه من يبدِ) من أبدا أي يظهر (لنا صفحته) بالصاد والحاء المهملتين الوجه وصفحة كل شيء وجهه وناحيته والمعنى من أظهر لنا ما أتاه من القبيح عبر عنه بإبداء الوجه لأنه لا يظهر إلا بإبدائه (نقم عليه كتاب الله) أي حكمه الذي أنزل في كتابه أو كتبه على عباده (ك هق عن عمر)(2) قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم بعد رجم الأسلمي فذكره، رمز المصنف لصحته وقال الحاكم: على شرطهما وتعقَّبه الذهبي فقال: غريب جدًّا لكنَّه قال في المهذب (3): قال: إسناده جيدٌ، وصحَّحه ابن السكن.
175 -
" اجتنبوا مجالس العشيرة (ص) عن أبان بن عثمان مرسلاً".
(اجتنبوا مجالس العشيرة) بالشين المعجمة القبيلة، وعشيرة الرجل بنو أبيه الأدنون، وكأن النهي هنا؛ لأنه لا تخلو مجالسهم عمَّا لا يحل من القيل والقال والمنكر والباطل واللغو (ص عن أبان بن عثمان)(4) هو تابعي ثقة كما قال
(1) النهاية (4/ 28).
(2)
أخرجه الحاكم (4/ 244)، والبيهقي في السنن (8/ 330)، (329)، لكن الذي في تلخيص الذهبي ليس فيه قوله: غريب جداً. قال الحافظ في التلخيص الحبير (4/ 57)، وصحَّحه ابن السكن وذكره الدارقطني في العلل وقال: روي عن عبد الله بن دينار مسندًا، ومرسلاً والمرسل أشبه وصححه الألباني في صحيح الجامع (149)، والصحيحة (162).
(3)
انظر: المهذب في اختصار السنن الكبير (7/ رقم 10372).
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه كما في الكنز (2538) مرسلاً. وقد ضعَّفه الألباني: في ضعيف=
العجلي ولذا قال (مرسلاً).
176 -
" اجتنبوا الكبائر، وسددوا، وأبشروا (ابن جرير عن قتادة مرسلاً) ".
(اجتنبوا الكبائر) في النهاية (1): واحدها كبيرة، وهي الفعلة القبيحة المنهي عنها من الذنوب شرعًا لعظم أمرها؛ كالقتل والزنا والفرار من الزحف وغير ذلك، وهي من الصفات العالية. اهـ ويأتي الكلام فيها في قوله:"أكبر الكبائر" في حرف الهمزة مع الكاف (وسددوا)(2) بالمهملات من السداد القصد في الأمر والعدل فيه (وأبشروا) أي بغفران الله وعفوه، فإنه قد وعد من اجتنب الكبائر بتكفير ذنبه (ابن جرير عن قتادة مرسلاً) وقتادة بالقاف المثناة فوقية ودال مهملة هو: ابن دعامة بفتح الدال المهملة وعين مهملة، تابعيٌّ جليلٌ أحد الأعلام، احتج به أهل الصحاح.
177 -
" اجتنبوا دعوة المظلوم، ما بينها وبين الله حجاب ((ع) عن أبي سعيد وأبي هريرة معاً"(صح).
(اجتنبوا دعوة المظلوم) بترك ظلمه (ما بينها وبين الله حجاب) فهي مجابةٌ لا محالة وتقدَّم قريبًا (ع عن أبي سعيد وأبي هريرة معًا)(3) رمز المصنف لصحته.
178 -
" اجتنبوا كل مسكر (طب) عن عبد الله بن مغفل (صح) ".
(اجتنبوا كل مسكر) أي شربه أو كل ملابسة منهي عنها فيه، سواء كان
= الجامع (145).
(1)
النهاية (4/ 142).
(2)
أخرجه ابن جرير مرسلاً (5/ 45)، وأخرجه مرفوعاً من حديث جابر أحمد (3/ 394)، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (146) والسلسلة الصحيحة (885).
(3)
أخرجه أبو يعلى (1337)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (144) والسلسلة الضعيفة (2127) لأن في إسناده عطية بن سعد بن جنادة العوفي الكوفي أبو الحسن صدوق يخطئ كثيرا وكان شيعيا مدلساً. كما في التقريب (4616).
مصنوعًا كالخمر أو خلقيًا، فالنبيذ إذا أسكر قد شمله النص إلا أنه مقيس (طب عن عبد الله بن مغفل)(1) هو اسم مفعول من مضاعف العين المعجمة بزنة معظم، وعبد الله صحابي معروف، بايع تحت الشجرة، وقال الحسن: كان من بقايا الصحابة، مات سنة 57 (2)، والحديث رمز المصنف لصحته فيما رأيناه مقابلاً على خط المصنف، وقال الشارح: إنَّه رمز المصنف لضعفه، وقال الحافظ ابن حجر: إسناده لين، ولكن رواه أحمد بسند حسن بلفظ:"اجتنبوا المسكر" وله طرق كثيرة.
179 -
" اجتنبوا ما أسكر (الحلواني عن علي (صح) ".
(اجتنبوا ما أسكر) هو كما سلف (الحلواني) تقدم ضبط لفظه (عن علي)(3) والحلواني هو: الإِمام الحافظ أبو محمَّد الحسن بن محمَّد بن علي الحلواني محدث مكة، حدَّث عن خلائق، ورحل إلى عبد الرزاق فأكثر، وصنَّف وتعب في هذا العلم، قال أبو داود: كان عالمًا بالرجال، وقال يعقوب بن شيبة: كان ثقة متقنًا، مات سنة 242 (4)، والحديث رمز المصنف لصحته، وقال الشارح: فيه علي بن زيد بن جدعان لينه الدارقطني وغيره، وقال الحافظ ابن حجر: في الباب عن نحو ثلاثين صحابيًا وأكثر الأحاديث عنهم جياد ومضمونها: أن المسكر لا
(1) أخرجه الطبراني في الكبير (5/ 82)(4648) وفي الأوسط (880)، وأحمد (4/ 87) وابن أبي حاتم في العلل (1/ 311) عن عبد الله بن مغفل، وذكر رواية ابن مغفل ابن حجر في الفتح (10/ 44) وحسنها. وصححه الألباني في صحيح الجامع (147) والسلسلة الصحيحة (886).
(2)
انظر الإصابة (4/ 242).
(3)
أخرجه أبو داود (3701) والدارقطني (4/ 258) والبيهقي (8/ 310) عن عبد الله بن عمرو وأحمد (1/ 145) عن علي، وحسنه الحافظ ابن حجر في الفتح (10/ 44).
وصحّحه الألباني في صحيح الجامع (148) والصحيحة (886).
(4)
انظر: تهذيب الكمال (6/ 259) وتهذيب التهذيب (2/ 262) وتذكرة الحفاظ (2/ 522).
يحل تناوله بحال، قال ابن المبارك: لا يصح في حل النبيذ الذي يسكر كثيره عن الصحابة شيء ولا عن التابعين إلا عن النخعي.
180 -
" اجثوا على الركب، ثم قولوا: يا ربِّ يا ربِّ أبو عوانة والبغوي عن سعد (صح) ".
(اجثوا على الركب) عند الدعاء (ثم قولوا يا ربِّ، يا ربِّ) وسببه أن قومًا شكوا إليه صلى الله عليه وسلم قحط المطر فقال: (اجثوا
…
) الحديث، بتمامه ففعلوا فمُطروا، والرَّب: السيد والمالك وهو المراد هنا، وفيه الحثُّ على قعدة الاستكانة وتكرير نداء الرب عند طلب الحاجات (أبو عوانة) بفتح المهملة هو الحافظ الفقيه الكبير يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري الأصل، صاحب الصحيح والمسند المخرج على صحيح مسلم وله فيه زيادات عدة، طوف البلاد وعني بهذا الشأن وسمع من خلائق، قال الحاكم: أبو عوانة من علماء الحديث وثقاتهم (1)(والبغوي عن (2) سعد) رمز المصنف لصحته، قال الشارح: إنه من حديث عامر بن خارجة بن سعد عن أبيه عن جده وعامر هذا قال البخاري: فيه نظر، ثم ساق له هذا الخبر.
181 -
" أجرؤكم على قسم الجد أجرؤكم على النار (ص) عن سعيد بن المسيب مرسلاً) (ض).
(أجرأكم) هو اسم تفضيل من الجرأة كالجرعة الشجاعة أي أشجعكم (على قسم الجد) على الإفتاء فيه وبيان مقدار ما يستحقه الجد من ميراث فرعه والقسم بكسر القاف النصيب بالفتح المصدر والمعنى هنا على الأول وميراث الجد من مشاهير مسائل الخلاف بين السلف والخلف (أجرؤكم على النار) أي أشجعكم
(1) انظر: تاريخ جرجان (ص 490)، تذكرة الحفاظ (3/ 77).
(2)
أخرجه أبو عوانة (2530) والعقيلي في الضعفاء (3/ 308)، والطبراني في الأوسط (5981) عن سعد وفي إسناده عامر بن خارجة قال البخاري في التاريخ الكبير (6/ 457): في إسناده نظر، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (146)، والسلسلة الضعيفة:(1813).
عليها فإن كان الحديث مرفوعًا كما هو الظاهر، فلعله يقال لم يبين صلى الله عليه وسلم قسم الجد كما بين غيره لحكمه وأبقاه الله على نظر عباده ليجتهدوا وإن كان موقوفًا فكأنه وقع في نظر الصحابي إشكاله وعلى كل تقدير فهو للتحذير عن المسارعة إليه مع إشكاله والمجتهد لا إثم عليه لأنه مأمور بما أدى إليه نظره فهو تحذير للمقلد وتثبيت للمجتهد عن المسارعة (ص عن سعيد بن المسيب (1) مرسلاً) رمز المصنف لضعفه.
182 -
" أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار، الدارمي عن عبيد الله بن أبى جعفر مرسلًا".
(أجرأكم على الفتيا) في النهاية (2) يقال: أفتاه في المسألة يفتيه إذا أجابه، والاسم الفتوى، وفي القاموس (3): أفتاه في الأمر أبان له والفتيا والفتوى وتفتح ما أفتى به الفقيه (أجرؤكم على النار) لشدة خطر الفتيا لأنها إخبار بأن هذا حكم الله وفيه خطارة عظيمة إلا لمن قام الدليل له ولا يعارضه حديث: "من سئل عن علم فكتمه لجمه الله بلجام من نار"(4) سيأتي فإنه خاص بعلم وهو ما كان عن دليل وذلك يكون للمجتهد، والتحذير من الفتيا بالرأي أو فيما لا يلزم بعلمه ويأتي تحقيقه هنالك (الدارمي (5)) بالدال المهملة مفتوحة فراء نسبه إلى دارم اسم جد له، وهو عبد الله بن عبد الرحمن التيمي الإِمام الحافظ شيخ
(1) أخرجه سعيد بن منصور في سننه (55) مرسلاً، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (146)، وقال في الإرواء (1685) إسناده عن سعيد جيد لولا إرساله.
(2)
النهاية (3/ 411).
(3)
القاموس المحيط (ص 1702).
(4)
أخرجه أبو داود (3658)، والترمذي (2649)، وابن ماجه (264)، وأحمد (2/ 305)، والحاكم (1/ 182)، وابن حبان (95).
(5)
انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 214) وتهذيب التهذيب (5/ 258).
الإِسلام أبو محمَّد السمرقندي، أحد الأئمة الأعلام، ولد سنة 181 صنف المسند العالي، وحدث عنه خلائق منهم: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وخلائق قال ابن نمير: غلبنا عبد الله بن عبد الرحمن بالحفظ والورع، قال ابن أبي حاتم عن أبيه عبد الله بن عبد الرحمن: إمام أهل زمانه، وقال ابن حبان: كان من الحفَّاظ المتقنين ممن جمع وتفقه وصنَّف وأظهر السنة في بلده ودعا إليها وذبَّ عنها من خالفها، توفي سنة 255 (عن عبيد الله (1) بن أبي جعفر مرسلاً) عبيد الله مصغَّر هو: الكناني مولاهم أبو بكر المصري الفقيه أحد الأعلام وثَّقه ابن أبي حاتم، وقال ابن سعد: هو فقيه أهل زمانه، وقال ابن يونس: كان عالمًا عابدًا زاهدًا مات سنة 133 (2).
183 -
" اجعل بين أذانك وإقامتك نفسًا حتى يقضيَ المتوضئ حاجته في مهل، ويفرغ الأكل من طعامه في مهل (عم) عن أبي، أبو الشيخ في الأذان عن سلمان، وعن أبي هريرة"(ح).
(اجعل) لبلال المؤذن كما صرَّح به في رواية البيهقي (بين أذانك) ندائك (للصَّلاة وإقامتك لها نفسًا) بالتحريك للفاء سعة وفسحة (حتى يقضيَ المتوضئ) من يريد الوضوء (حاجته) التي يتم بها صلاته في مهل بفتح الميم والهاء وتسكن المهملة (ويفرغ الآكل من طعامه في مهل) هو أمر للمؤذن أن يجعل بين أذانه وإقامته فرجة وسعة حتى يدرك السامع حضور الصلاة فإن النداء دعاء إليها لمن هو غير حاضر فلا يدرك الصلاة إلا إذا تأخرت الإقامة
(1) أخرجه الدارمي مرسلاً (157) عن عبيد الله بن أبي جعفر وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (147)، والسلسلة الضعيفة:(1814) وهذا إسناد ضعيف لإعضاله، فإن عبيد الله هذا من أتباع التابعين، مات سنة 136، فبينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم واسطتان أو أكثر.
(2)
انظر ترجمته في تهذيب الكمال (19/ 18)، وتهذيب التهذيب (7/ 6)، وتدكرة الحفاظ (1/ 136). والتقريب (4281).
وهذا من باب التعاون على البر والتقوى، وهو يفيد أن من سمع النداء وهو على طعام فلا يقوم حتَّى يفرغَ من قضاء وطره منه فإنْ فاتته الجماعة كان التفريط من المؤذِّن (عم عن أُبي) (1) بضم الهمزة وتشديد المثناه من تحت هو: ابن كعب أبو المنذر الأنصاري الخزرجي النجاري أحد أئمة الصحابة وسيد القرَّاء شهد بدرًا والمشاهد كلها، توفي سنة 22 رحمه الله (2)(أبو الشيخ في الأذان عن سلمان وعن أبي هريرة) رمز المصنف لحسنه، قال الشارح: إنه حسَّنه لشواهده وإلا ففيه جماعة ضعفاء.
184 -
" اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا (ق د) عن ابن عمر (صح) ".
(اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا) بكسر الواو وسكون المثناة الفوقية ويأتي الكلام عليه في شرح قوله: "أوتروا فإن الله يحب الوتر"(ق د عن ابن عمر)(3).
185 -
" اجعلوا أئمتكم خياركم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم (قط هق) عن ابن عمر (ض) ".
(اجعلوا أئمتكم في الصلاة خياركم) جمع خير بالتشديد ككيس وهو الكثير الخير وقد بينه صلى الله عليه وسلم في قوله: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله
…
" (4) الحديث. ويأتي: خيارهم علمائهم (فإنهم) أي (الأئمة وفدكم) في النهاية (5) قد تكرَّر ذكر الوفد في الحديث وهم القوم يجتمعون ويردون البلاد، واحدهم وافد وكذلك الذين
(1) أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (5/ 143) وقال الهيثمي (2/ 4) من رواية أبي الجوزاء عن أبي وأبو الجوزاء لم يسمع من أبي وحديث أبي هريرة أخرجه أيضاً البيهقي من طريق أبي الشيخ (1/ 428) وقال: ليس بالمعروف، وحسّنه الألباني في صحيح الجامع (150) والصحيحة (887).
(2)
انظر: الإصابة (1/ 27).
(3)
أخرجه البخاري (998) ومسلم (749)، وأبو داود (1438).
(4)
أخرجه مسلم (673)، أبو داود (582)، والترمذي (235)، والنسائي (2/ 77)، وابن ماجه (980)، وأحمد (4/ 118).
(5)
النهاية (5/ 208).
يقصدون الأمراء للزيارة والاسترفاد والانتجاع. انتهى. فقد شبَّه صلى الله عليه وسلم الأئمَّة بالوفد على الأمراء وكان لا يفد على الأمراء من القوم إلا أشرافهم وخيارهم، وفيه دليل على أنَّ ذلك هو الأولى والواجب، ولا دليل فيه على عدم صحة إمامة الفاسق في الصلاة غايته أنهم يكونون بتقديمه تاركين الواجب أو الأفضل فيأثمون وقد بينا ذلك في رسالة سميناها "إنباه الأنباء على عدم شرطية عدالة إمام الصلاة"(قط (1) هق عن ابن عمر) رمز المصنف لضعفه، قال الشارح: إسناده مظلم.
186 -
" اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورا (حم ق د) عن ابن عمر (ع) والروياني والضياء عن زيد بن خالد، ومحمد بن نصر في الصلاة عن عائشة"(صح).
(اجعلوا من صلاتكم) أراد بها النوافل كما يدل له حديث: "أفضل صلاة المرء صلاته في بيته إلا المكتوبة"(2) ولذا جاء بحرف التبعيض أي اجعلوا بعض صلاتكم (في بيوتكم ولا تتخذوها) أي بيوتكم (قبورًا) أي كالقبور التي ليست منازل أعمال بل منازل جزاء ويحتمل: لا تجعلوها كالقبور مظلمة لعدم تنويرها بالطاعات فإن الطاعات تنور القلوب والوجوه والبيوت وأعظم الطاعات الصلاة (حم ق د عن بن عمر ع والروياني)(3) بضم الراء وسكون الواو ثم مثناة
(1) أخرجه الدارقطني (2/ 87)، والبيهقي (3/ 90) وقال: إسناد هذا الحديث ضعيف، وقال الذهبي في الميزان (8/ 82): علته سليمان بن سليم وعمرو بن فائد فهما ضعيفان جداً، وقال ابن القطان الحسين بن نصر لا يعرف وقال الذهبي في التنقيح (3/ 282) سنده مظلم.
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (150)، والسلسلة الضعيفة (1882).
(2)
أخرجه البخاري (698 و 5752) ومسلم (781)، وأبو داود (1044)، والنسائي (3/ 197)، وأحمد (5/ 182)، وابن خزيمة (1203)، وابن حبان (2491).
(3)
أخرجه أحمد (2/ 16)، والبخاري (1187)، ومسلم (777) وأبو داود (1043). عن ابن عمر، وأبو يعلى (4867)، والضياء عن الحسن بن علي كما في كنز العمال (41506).
ثم نون آخره مثناة هو الإِمام الحافظ أبو بكر محمَّد بن هارون صاحب المسند المشهور سمع عن جماعة وعنه جماعة، ووثقه أبو يعلى الخليلي، وجمعت الرحلة بينه وبين محمَّد بن جرير ومحمد بن نصر ومحمد بن خزيمة بمصر فنفد ما عندهم وجاعوا قالوا: نقترع فمن خرجت عليه القرعة خرج يسأل فاقترعوا فخرجت على ابن خزيمة فقال: أمهلوني حتى أصلي، فقام قال: فإذا هم بشمعة وخصي من قبل أمير مصر ففتحوا له فقال: أيكم محمَّد بن نصر فقيل: هذا، فأخرج له صرَّة فيها خمسون دينارًا فدفعها إليه، ثم قال: أيكم محمَّد بن جرير فأعطاه مثلها، ثم قال: أيكم محمَّد بن خزيمة، ثم كذلك بالروياني، ثم حدَّثهم أنَّ الأمير كان قائلاً فرأى في النوم أن المحامدة جياعٌ قد طووا فأنفذ إليكم هذه الصرر وأقسم عليكم إذا نفدت فعرفوني، مات الروياني سنة 307 رحمه الله، وهو غير الروياني الفقيه الشافعي (1)، (والضياء روياه عن زيد بن خالد) ورواه (محمَّد بن نصر (2)) بالنون فصاد مهملة فراء هو الإِمام الشيخ شيخ الإِسلام أبو عبد الله المرزوي الفقيه، ولد سنة 202، سمع من جماعة وبرز في هذا الشأن وكان من أعلم الناس باختلاف الصحابة قال أبو بكر الصبغي: أبو بكر إمام وما رأيت أحسن صلاة منه وأثنى عليه ابن حزم ثناءً عجيبًا، وبالجملة فهو إمام بلا نزاع، قال السليماني: الحافظ محمَّد بن نصر: إمام موفق من السماء له كتاب تعظيم الصلاة وهو الذي أشار إليه المصنف بقوله (في الصلاة) مات سنة 294 (عن عائشة).
187 -
" اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل ذلك استبراءً لعرضه ودينه، ومن أرتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى يوشك أن يقع فيه.
(1) انظر ترجمة الروياني في سير أعلام النبلاء (14/ 508)، وتذكرة الحفاظ (2/ 752).
(2)
انظر ترجمته في تذكرة الحفاظ (2/ 652) وتاريخ بغداد (3/ 315).
وإن لكل ملك حمى وإن حِمى الله في الأرض مَحَارِمُه (حم طب) عن النعمان بن بشير (صح) ".
(اجعلوا بينكم وبين الحرام سترًا من الحلال) الستر ما يستتر به، أي اجعلوا اتخاذ ما أحله الله لكم من الطيبات سترًا لكم عمَّا حرَّمه، فأعدوا من النساء الزوجات ومن الإماء ما يستركم من الزنا، ومن المكاسب الحلال ما يستركم من الحرام ويقرب منه حديث:"إذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأتِ أهله فإن معها مثل الذي معها" سيأتي (1) ويحتمل: أنَّ المرادَ أنكم تجتنبوا الحرام وبعدوا عنه أنفسكم حتى كان بينكم وبينه سترًا يمنع عن ملابسته والاتصال به والدنو منه والأوَّل أقرب وهذا بآخر الحديث أنسب أعني قوله (من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه) هو من استبرأ ذكره استبقاه من البول وفي التعبير بهذه العبارة إشارة إلى أنَّ المعاصي والحرام كالبول في قذارته والنهي عنه وأضراره بالأديان والأبدان (ومن ارتع فيه كان كالمرتع إلى جنب الحمى) يفال: رتع وارتع ورتعت الماشية أكلت ما شاءت، قال الزمخشري (2): ومن المجاز رتع القوم أكلوا ما شاءوا في رغد وخصب، والحمى بكسر المهملة من حميت المكان فهو محمي إذا جعلته حمى وهذا شيء حمي أي محضور لا يقرب (يوشك) بزنة يسرع ومعناه (أن يقع فيه) يؤخذ منه تحريم ذرائع الحرام (أن لكل ملك) من ملوك الدنيا (حمى) قيلت: كان الشريف من العرب إذا نزل أرضًا حية استعوى كلبًا فحمى مَدَّ عوى الكتب لا يشركه فيه غيره (3) فشبه صلى الله عليه وسلم ما حماه الله تعالى بذلك الحمى الذي يمنع فيه كل أحد (وأن حمى الله في الأرض محارمه) أي ما حرَّمه فإنه
(1) برقم (620).
(2)
الفائق (2/ 12).
(3)
النهاية (1/ 447).
قد حمى العباد عن قربانه والدنو إليه (حب طب (1) عن النعمان) بن بشير، رمز المصنف لصحته فيما رأيناه مقابلاً على خطه، قال الشارح: لم يرمز له المصنف وفيه كما قال الهيثمي: المقدام بن داود شيخ الطبراني وثق على ضعف فيه وبقية رجاله رجال الصحيح.
188 -
" اجعلوا بينكم وبين النار حجاباً، ولو بشق تمرة (طب) عن فضالة بن عبيد (ح) ".
(اجعلوا بينكم وبين النار حجابًا) شيئًا يحجبها عنكم لئلا تقعوا فيها من الصدقة كما دلَّ له قوله (ولو بشق تمرة) وتقدَّم "اتقوا النار ولو بشق تمره"(طب (2) عن فضالة) بالفاء والضاد المعجمة بزنة سحابة (بن عبيد الله) التصغير لعبد، وفضالة أنصاري أوسي شهد بيعة الرضوان وولي قضاء دمشق والحديث رمز المصنف لحسنه، وقال الهيثمي: فيه ابن لهيعة إلا أنه شهد له ما أخرجه أحمد، قال في الفتح (3): سنده حسنٌ "يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمره"(4) فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان.
189 -
" اجلوا الله يغفر لكم (حم ع طب) عن أبي الدرداء (ح) ".
(أجلوا الله) الإجلال الإعظام أي عظموه بترك معاصيه وباتباع أوامره (يغفر لكم) ما وطئتم فيه من المخالفات وهذا على رواية الجيم ولذا أدخله المصنف
(1) أخرجه ابن حبان (5569)، والطبراني في المعجم الكبير كما في مجمع الزوائد (10/ 293)، وفي المعجم الأوسط (9003)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (152)، والسلسلة الصحيحة (796).
(2)
أخرجه الطبراني في المعجم الكبير (18/ 303) رقم (777) وقول الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 106)، وحسَّنه الألباني في صحيح الجامع (153)، والسلسلة الصحيحة (897).
(3)
فتح الباري (3/ 248).
(4)
أخرجه أحمد (6/ 79) وقال الهيثمي (3/ 105): فيه أبو هلال وفيه بعض كلام وهو ثقة. وقال الشيخ الألباني: حسن لغيره. انظر: صحيح الترغيب (865).
هنا وفي النهاية (1) ذكره في الحاء المهملة وفسره بقوله: أسلموا، ثم قال: كذا فسر الحديث، قال الخطابي (2): معناه الخروج من حظر الشرك إلى حل الإِسلام وسعته من أحل الرجل إذا خرج من الحرم إلى الحل، قال: ويروى بالجيم وهذا الحديث عند الأكثر من كلام أبي الدرداء (حم ع طب عن أبي (3) الدرداء) رمز المصنف لحسنه، وقال الشارح: فيه أبو العذراء مجهول (4)، وبقية رجال أحمد وثقوا.
190 -
" أجملوا في طلب الدنيا: فإنَّ كُلاًّ مُيَسَّر لما كُتِبَ له منها (هـ ك طب هق) عن أبي حميد الساعدي"(صح).
(أجملوا في طلب الدنيا) في القاموس (5): أجمل في الطلب أتاه واعتدل ولم يفرط (فإن كلاً) التنوين بدلٌ من المضاف إليه، أي كل مخلوق أو واحد أو إنسان (ميسر لما كتب له منها) أي مستهل له ما سبق به الكتاب من حظوظ الدنيا فلا يأتي الاجتهاد بزيادة ما سبق به الكتاب ففيه بدئية الطلب أو وجوبه والنهي عن الاجتهاد والكد
ومن هنا يعلم بطلان قول من قال: أنه لا يحسن الطلب لأنه إن قد كتب له الرزق وقدره فهو سائقه إليه لا محالة وإن لم يكتبه ضاع السعي والطلب.
والجواب: أنه تعالى قد قدَّر الرزق وكتبه وقدر له سببًا هو الطلب بالإجمال، فمن فعل السبب أتاه المسبب ومن لا فلا، وكل أعمال الدنيا والآخرة منوطة
(1) انظر النهاية (1/ 1035).
(2)
غريب الحديث (1/ 689).
(3)
أخرجه أحمد (5/ 199) وأبو نعيم في الحلية (1/ 266)، والطبراني في الكبير كما في المجمع (1/ 31)، وفي الأوسط (6798)، وفي مسند الشاميين (221). وابن عساكر في تاريخ دمشق (67/ 86)، وأبو يعلى كما في إتحاف الخيرة المهرة (130).
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (153) والسلسلة الضعيفة (1810).
(4)
انظر: تعجيل المنفعة (1/ 504)، ولسان الميزان (7/ 81) وقال عنه فيهما: مجهول.
(5)
القاموس المحيط (ص 1266).
مسبباتها بأسبابها (هـ ك هب (1) هق عن بن حميد الساعدي) رمز المصنف لصحته، وقال الحاكم: على شرطهما، وأقرَّه الذهبي، قال الشارح: وفيه هشام بن عمار أورده في الضعفاء، وقال: صدوق تغير، قال الذهبي: هشام بن عمار خطيب دمشق ومقرئها، ثقة مكثر، له ما ينكر، وإسماعيل بن عياش أورده في الضعفاء أيضًا وقال مختلف فيه.
191 -
" أجوعُ الناس طالبُ العلم، وأشبعُهم الذي لا يبتغيه (أبو نعيم في كتاب العلم (فر) عن ابن عمر"(ض).
(أجوع الناس) هو اسم تفضيل من جاع يجوع وهو ضد الشبع أي أجوعكم (طالب العلم) أشدهم إليه رغبةً وفاقةً واستعير الجوع للعلم وهو للطعام إشارة إلى أنه صار من شدة رغبة طالبه فيه كأنه قوام بدنه الذي لا يعيش إلا به وإلى أنه كالأغذية الحسية (وأشبعهم) عن العلم (الذي لا يبتغيه) من بغى الشيء بالمعجمة طلبه ويحتمل أن المراد أشد الناس طلبًا لمطلوب وأشبع الناس أقلهم طلباً لمطلوب الذي مطلوبه غير، العلم وهذا أتم نحو العبارة النبوية وفي معناه حديث أبي سعيد عند الترمذي (2):"لن يشبع مؤمن من خير سمعه حتى يكون منتهاه الجنة"(أبو نعيم) هو صاحب الرمز إلا أنه صرَّح باسمه؛ لأنَّ الرمز إنما هو لما يخرجه في كتاب الحلية وهذا أخرجه (في كتاب العلم فر عن ابن
(1) أخرجه ابن ماجه (2142) والحاكم (2/ 3)، والبيهقي في السنن (5/ 264)، وفي الشعب (11085)، وفي إسناده هشام بن عمار قال الحافظ: صدوق، مقرئ كبر فصار يتلقن فحديثه القديم أصح (التقريب 7303) وكذلك إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده -حمصي- مخلط في غيرهم (التقريب 473). وصحّحه الألباني في صحيح الجامع (157)، والسلسلة الصحيحة (798). وانظر: ترجمة هشام بن عمار في المغني في الضعفاء (2/ رقم 6755). وترجمة إسماعيل بن عيّاش (1/ رقم 697) وقال الذهبي فيه: عالم أهل حمص، صدوق في حديث أهل الشام، مضطرب جداً في حديث أهل الحجاز.
(2)
أخرجه الترمذي (2686) وقال: حسن غريبٌ. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4783).
عمر) (1) رمز المصنف لضعفه؛ لأنَّ فيه الحسن بن الفضل، قال فيه الذهبي: ضعيفٌ مزقوا حديثه، وقال ابن حجر في اللسان: قال ابن حزم: مجهول.
192 -
" أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها (ق) عن ابن عمر"(صح).
(أجيبوا هذه الدعوة) بضم الدال المهملة وهي دعوة وليمة العرس، والأمر للوجوب كما يأتي إذا كملت شروطها (إذا دعيتم لها) وإذا لم يدعى حرم عليه الحضور (ق عن ابن عمر)(2) وتمام الحديث في البخاري أنه كان عبد الله بن عمر يأتي الدعوة في العرس وهو صائم.
193 -
" أجيبوا الدعوة، ولا تردوا الهدي، ولا تضربوا المسلمين (حم خد طب هب) عن ابن عمر" ح.
(أجيبوا الدعوة (3) ولا تردوا الهدية) بزنة غنية وهي ما يتحف به يأتي أنه من شمائله صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقبل الهدية (4) ويثيب عليها وقد أمر بها في قوله: "تهادوا تحابوا، وذلك؛ لأنه يحصل بها ما يريده الله تعالى من ألفة القلوب وميل بعضها إلى بعض (ولا تضربوا المسلمين).
فإن قلت: ما الجامع في عطف الضرب على الهدية؟ قلت: التضاد فإن ذلك إحسان وهذا إساءة وذلك سببًا للتحاب وهذا سبب للتباغض.
(حم خد طب هب عن ابن عمر)(5) رمز المصنف لحسنه قال الشارح:
(1) أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 310)، والديلمي في الفردوس (1/ 1/ 85) وقد أورده ابن حبان في المجروحين (2/ 264) وفي إسناده الحسن بن الفضل بن السَّمْح، انظر ترجمته في: المغني في الضعفاء (1464) وفيه: أُتُّهِمَ، فرقوا حديثه. واللسان (2/ 244).
وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (154)، وفي السلسلة الضعيفة (820).
(2)
أخرجه البخاري (5179)، ومسلم (1429).
(3)
في المطبوعة من الجامع الصغير (الداعى).
(4)
أخرجه البخاري (2585)، وأبو داود (3526)، والترمذي (1953).
(5)
أخرجه البخاري في الأدب المفرد (157) وأحمد (1/ 404)، والطبراني في الكبير (10/ 197) رقم=
وحقه الرمز لصحته، فقد قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح.
194 -
" أجيفوا أبوابكم، وأكفىوا آنيتكم، وأوكئوا أسقيتكم، وأطفئوا سرجكم فإنهم لم يؤذن لهم بالتسور عليكم (حم) عن أبي أمامة"(ح).
(أجيفوا) بالفاء بعد المثناة التحتية (أبوابكم) يقال: أجفت الباب أي رددته أفاده في القاموس (1)(وأكفئوا آنيتكم) وهو من كفأت القدر إذا كفيته وحولته وظاهره أنه عام للآنية التي فيها طعام وشراب والخالية إلا أنه يأتي: "خمروا الطعام والشراب ولو بعود يعرض عليه"(2) فهذا الحديث خاص بإكفاء الآنية الخالية ولأنَّ إكفاء ما فيه طعام أو شراب إتلاف له وإضاعة، وهو منهي عنه (وأوكئوا أسقيتكم) أي شدوا رؤوسها بالوكاء لئلا يدخلها حيوان، يقال: أوكيت السقاء أوكيه إيكاءًا فهو موكي، والوكاء الخيط الذي يشد به فم القربة (وأطفئوا سرجكم) كل هذه الآداب عند إرادة النوم (فإنهم) أي الشياطين ومردة الجن، المدلول عليهم بالسياق (لم يؤذن لهم بالتسور عليكم) بالسين المهملة من تسور عليه حائطه إذا دخل عليه والمراد أنهم لا يضرونكم إذا جعلتم ذلك وهذا تعليل لتغليق الأبواب ويأتي تعليل إطفاء السرج بأن الفويسقة ربما جَرّت الفتيلة فأحرقت أهل البيت (حم عن أبي أمامة) رمز المصنف لحسنه وقال الهيثمي: رجاله ثقات (3).
= (10444)، والبيهقي في الشعب (5359)، وقول الهيثمي في المجمع (4/ 52) وصححه الألباني في صحيح الجامع (158) والإرواء (1616).
(1)
القاموس المحيط (ص 1031).
(2)
أخرجه البخاري (5301، 5938)، وأحمد (3/ 374)، وابن حبان (1274).
(3)
أخرجه أحمد في المسند (5/ 262)، وقال الهيثمي (8/ 111)، ورجاله ثقات، غير الفرج بن فضالة وقد وثق. قلت: والفرج بن فضالة قال الحافظ في "التقريب"(5383): ضعيف.
وقد ضعَّفه الألباني في ضعيف الجامع (155) والسلسلة الضعيفة (1831).