الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البخاري، ولا طيف برأسه في الدنيا، ولا سُبي أحدٌ من أهل الحسين؛ بل الشيعة كتبوا إليه وغرّوه، فأشار عليه أهل العلم والنُّصح بأن لا يقبل منهم، فأرسل ابن عمه مسلم بن عقيل، فرجع أكثرهم عن كتبهم، حتى قُتل ابن عمه، ثم خرج منهم عسكرٌ مع عمر بن سعد حتى قتلوا الحسين مظلومًا شهيدًا أكرمه الله بالشهادة كما أكرم بها أباه وغيره من سلفه سادات المسلمين.
ونحن لا نقول في يزيد إلا كما قاله شيخ الإِسلام ابن تيمية: كان ملكاً من ملوك المسلمين له حسنات وسيئات ولم يولد إلا في خلافة عثمان ولم يكن كافراً ولكن جرى بسببه ما جرى من مصرع الحسين وفعل ما فعل بأهل الحرة، ولم يكن صحابياً ولا من أولياء الله الصالحين وهذا قول عامة أهل العقل والعلم والسنة والجماعة.
8 - ومما يؤخذ على الصنعاني إطلاقه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه لفظ (الوصي):
وهذا ثابت عن الصنعاني في مواضع من كتابه هذا، فقد قاله في شرح حديث برقم (1687):"إن الله تعالى أمرني أن أزوج فاطمة من علي".
وقالها تحت حديث برقم (5647)"العباس وصيي": كأنه أمر خاص وإلا فقد ثبت أن علياً كرم الله وجهه وصيه كما حققناه في الروضة الندية. (مع أن الحديث المذكور موضوع).
وتحت حديث رقم (9366)"نهى عن المراثي": والمراد به النهي عن النياحة وأما المراثي في العرف وهي التحزن على الميت بالأشعار فهذا قد فعله حسَّانُ والبتولُ رضي الله عنهما وغيرهما من السلف في زمانه صلى الله عليه وسلم وما زال الناس عليه وفعله الوصي.
وكذلك تحت حديث رقم (8947)"من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله" قال الصنعاني: كما هو رأي الوصي.
وقال تحت حديث رقم (8981)"من كنت مولاه فعلي مولاه": وما فيه من
شرف الوصي وفضله
…
وقال تحت حديث رقم (4132)"الخوارج كلاب النار": سئل الوصي كرم الله وجهه عنهم هل هم كفار؟. وغيرها من مواضع.
وفي مواضع من مؤلفاته الأخرى.
وهذا اللفظ من إطلاقات الرافضة، حيث يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم وصَّى بالخلافة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، يُفهم من هذه الإطلاقات أنه يذهب مذهب الشيعة الإمامية والزيدية في إثبات وصية النبي صلى الله عليه وسلم (بالخلافة) لعلي رضي الله عنه وقد وضع الشيعة أحاديث في هذا الأمر، وقد أشار الشوكاني أن أحاديث وصايا علي بن أبي طالب كلها موضوعة. وهذا الغلو في علي بن أبي طالب رضي الله عنه يعد مصداقاً لما جاء في كتاب السنة لابن أبي عاصم حيث أخرج من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:"ليحبني قوم حتى يدخلوا النار فيّ، وليبغضني قوم حتى يدخلوا النار في بغضي". قال الشيخ محمَّد ناصر الدين الألباني رحمه الله: وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
إن إطلاق لقب (وصي) على من يخلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تصريف شؤون المسلمين لم يعرف عند المسلمين، فمن المعلوم أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الذي تولى أمور المسلمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم ينقل عن أحد منهم أنه أطلق عليه لقب (وصي رسول الله) حتى من الذين قالوا بالنص على خلافته، ثم أتى بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد كان أوصى إليه أبو بكر بالخلافة قبل وفاته، ومع هذا لم يطلق عليه لقب (وصي) بل كان يطلق عليه (خليفة خليفة رسول الله) ثم أطلق عليه فيما بعد لقب (أمير المؤمنين) وذلك للاختصار، ثم أطلق هذا اللقب على عثمان رضي الله عنه ولم يوجد أحد من المسلمين أطلق لقب (وصي) على أحد من الخلفاء الثلاثة، إلا ما كان من ابن سبأ وممن غرر بهم من عوام الناس، عندما أحدث القول بالوصية، وزعم أن عليا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان ذلك في زمن عثمان بن
عفان رضي الله عنه فبهذا يتضح أن أصل لقب (وصي) يهودي صرف، انتقل إلى الشيعة عن طريق ابن سبأ.
فالشيعة أحدثوا "عقيدة الوصي" وحشدوا لها عشرات الأدلة التي لا تنص عليها مباشرة ولا يُفهم منها ما يريدون إلا بتكلف وهم قد قرروا أنَّ الإمامة ثبتت بالنص فلمَّا لم يجدوا نصًّا صريحًا اتهموا سيد البشر صلوات الله وسلامه عليه لأنَّه لم يحقق مطلبهم وليس مطلب الله.
فقد تأثرت الشيعة بدعوة عبد الله بن سبأ اليهودي وأصبح عندهم من أصول دينهم إثبات الإمامة والوصية والولاية لعلي بن أبي طالب بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتبرءُ من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكفيرهم والحكم بضلالهم لما فعلوه في علي بن أبي طالب وأخذهم الخلافة منه كما يزعمون.
ومن بعض الأحاديث التي يستدل بها الرافضة على الوصي من كتب أهل السنة منها:
حديث بريدة بن الحُصَيب الأسلمي (1).
عن محمَّد بن حميد، نا: علي بن مجاهد، نا: محمَّد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبيٍ وصيٌّ، وإنّ علياً وصيي ووارثي".
قلت: هذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً فيه:
1 -
علي بن مجاهد الرازي، قال الحافظ ابن حجر:(متروك وليس في شيوخ أحمد أضعف منه).
(1) أخرجه أبو القاسم البغوي في: معجم الصحابة (4/ 363)، والحافظ الجورقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 150)، والموفق بن أحمد الخوارزمي في المناقب (رقم 74)، والحافظ ابن عساكر (42/ 392) وابن الجوزي في الموضوعات (1/ 281) من طريق البغوي وعنه الذهبي: في تلخيص كتاب الموضوعات (ص 125).
2 -
محمَّد بن حميد الرازي، واهي الحديث وقد تُكُلّم فيه بشدة، وكذَّبه بعضهم، وأمَّا ما جاء من ثناء الإِمام أحمد بن حنبل، وابن معين، وأبي زرعة، وغيرهم عليه، فذاك قبل أن ينكشف أمره، ويتبين حاله.
قال الحافظ الذهبي في أحاديث مختارة ص: 65 علي بن مجاهد كذاب كذبه جماعة وابن حميد قال خ: فيه نظر.
وقال في تلخيص كتاب الموضوعات ص 125: ويروى من وجه آخر عن سلمة الأبرش، عن محمَّد بن إسحاق مثله، وهو منكر من القول).
وقد توبع علي بن مجاهد.
قلت: أخرجه ابن عدي (4/ 14)، وابن المغازلي في:(مناقب علي)، عن محمَّد بن حميد، ثنا: سلمة، حدثني: محمَّد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لكل نبي وصي، ووارث، وإنَّ علياً وصيي ووارثي".
قلت: ضعيف جداً وفي إسناده آفات:
1 -
محمَّد بن حميد الرازي، متروك ويتلقن.
2 -
وسلمة بن الفضل، ضعيف الحديث.
قال الحافظ ابن حجر: (صدوق كثير الخطأ).
قال الحافظ ابن حجر في: فتح الباري (8/ 150).
ومن طريق أبي ربيعة الإيادي عن ابن بريدة عن أبيه رفعه لكل نبي وصي وإن عليا وصيي وولي ومن طريق عبد الله بن السائب عن أبي ذر رفعه أنا خاتم النبيين وعلي خاتم الأوصياء وهذه الأحاديث أوردها وغيرها ابن الجوزي في الموضوعات. وتوبع ابن حُمَيد عليه إلا أنها متابعة كالعدم.
فروى ابن الجوزي في: (الموضوعات)، قال: أنبأنا زاهر بن طاهر، قال: أنبأنا أبو بكر البيهقي، قال: أنبأنا الحاكم أبو عبد الله النيسابوري، قال: أنبأنا
محمود بن محمَّد أبو محمَّد المطوّعي، قال: حدثنا أبو جعفر محمَّد بن أحمد بن راذبه، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن أحمد بن عبد الله الفِرْيانَانِي، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمَّد بن إسحاق، عن شريك بن عبد الله، عن أبي ربيعة الإيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لكل نبيٍّ وصياً، ووارثاً، فإنَّ وصيي ووارثي علي بن أبي طالب".
قلت: أحمد بن عبد الله بن حكيم أبو عبد الرحمن الفِرْيانَانِي، كان متروك الحديث، ليس بثقة، وقال أبو نعيم:(كان وضاعاً، مشهوراً بالوضع) فهذه متابعة لا تثبت.
دعوى النص على إمامة علي رضي الله عنه وأنه الوصي بعهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوى تزعمهم جميع الشيعة الإمامية بما في ذلك المذهب الزيدي، وإن كان الإِمام زيد على خلاف ذلك، كما يفيد قوله الذي جاء في مجموع الإِمام زيد بن علي عن أبي خالد الواسطي، ما لفظه: "قال سألت زيد بن علي عليه السلام عن الإمامة؟ فقال: هي من جميع قريش، ولا تنعقد الإمامة إلا ببيعة المسلمين، فإذا بايع المسلمون، وكان الإِمام براً تقياً عالماً بالحلال والحرام فقد وجبت طاعته على المسلمين (1).
الخلاف بين الزيدية والاثنى عشرية إنما هو في وضوح النص وخفائه، فالزيدية قالت: بأن النص خفي، والرافضة قالت: بأن النص جلي، وأن الصحابة قد تواطؤ على كتمانه وإنكاره.
قال الحسن بن بدر الدين أحد أئمة الزيدية (ت: 670 هـ): "اختلف الناس في الإِمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب الزيدية الجارودية والإمامية إلى أن الإِمام بعده بلا فصل هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأن طريق إمامته النص، ثم اختلف هؤلاء:
(1) تتمة الروض النضير (ص 11) للسيد العباس بن أحمد بن إبراهيم.
فقالت الإمامية: إن النبي صلى الله عليه وسلم نص عليه نصاً جلياً، يعلم كل واحد ممن سمعه قصد النبي صلى الله عليه وسلم فيه ضرورة.
ومالت الزيدية الجارودية بأن النص على إمامة علي رضي الله عنه مما يحتاج في معرفة المراد إلى تأمل ونظر
…
(1).
وقال الأمير الحسين، صنو الحسن بن بدر الدين في كتابه (شفاء الأوام المميز بين الحلال والحرام) ما لفظه: "الذي نختاره إن النص الوارد في علي رضي الله عنه وقع على وجه يحتاج في معرفة المراد به إلى تأمل، ولا نكفر من دافعه، ولا نفسقه وتخطئة من تقدمه يحتمل أن تكون صغيرة؛ لأن لمن تقدم عليه من المشايخ -يعني أبا بكر وعمر وعثمان- أعمالاً حسنة، وأفعالاً زكية صالحة، وقد قال علي رضي الله عنه: لأن أخطئ في العفو أحب إليّ من أن أخطىء في العقوبة، ونقول كما قال الله تعالى:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْألونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [البقرة:141](2).
وقال الديلمي في كتاب "عقائد آل محمَّد" ما لفظه: "اعلم أن مذهب سادات الزيدية من العترة الزكية بل مذهب جميع الطهرة من الذرية وأتباعهم وأشياعهم دون من تسمى باسمهم، وليس منهم التوقف في أمر الشيخين لوجوه ذكروها في كتبهم، خصوصاً ما ذكره المؤيد بالله والإمام المنصور بالله، وما ذكره الشيخ أحمد الكنّي، والقاضي جعفر وغيرهم من العلماء
…
" ثم قال: "قال: من طعن فيهم ممن سبهم، وتسمى باسم الزيدية فقد أخطأ الخطأ العظيم، وجاوز في أمره الصراط المستقيم، ولعل ذلك منه لما سمع من خرافات الرافضة من الإمامية وغيرهم من الإسماعيلية، ولا يغتر مسلم عاقل بذلك؛ لأنه طعن في أصل
(1) انظر: الإيضاح لما خفا من الاتفاق على تعظيم صحابة المصطفى لعلامة اليمن يحيى بن الحسين (ص: 212 - 213).
(2)
انظر: شفاء الأوام (3/ 495 - 497) نقلاً عن: الإيضاح لما خفا (ص: 214).
الإِسلام، وتحصل بسببه قدح في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا انتهى الأمر إلى الحد الذي تذكره الإمامية وغيرهم، وصححنا قولهم لم يبق من أخبار الصحابة ورواياتهم شيء بخروجهم عن الإِسلام، ويلزم إبطال الشريعة بالكلية؛ لأنها مروية عن جميعهم، منقولة من سندهم، وكيف وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من سب أصحابه؟!!
وأما الهادي فإنه جلد من سب أبا بكر وعمر". انتهى ما ذكره (1).
فالخلاف بين الفرقتين كبير لا يمكن إنكاره بعد أن وصل إلى تكفير كل جانب للآخر، فالرافضة روت أخبار كثيرة في كتبهم عن أئمة البيت في تكفير الزيدية حتى قال إمامهم المجلسي:"كتب أخبارنا مشحونة بالأخبار الدالة على كفر الزيدية وأمثالهم من الفطحية والواقفة"(2).
هذه خلاصة لمذهب الشيعة في الوصاية لعلي رضي الله عنه، والحقيقة أنه لا نص لوصاية علي رضي الله عنه لا خفي ولا جلي وإنما هي أوهام ودعاوي!!
بل جاء عن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله عنه إنكاره للنص.
"
…
وَسَألَهُ رَجُلٌ: أَلمْ يَقُلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كنْتُ مَوْلاهُ فَإِنَّ عَلِيًّا مَوْلَاهُ"، قَالَ: بَلَى، أَمَا وَاللهِ لَوْ يَعْنِي بِذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الإِمَارَةَ وَالسُّلْطَانَ لأَفْصَحَ لَهُمْ، وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَنْصَحَ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذَا وَلِيُّ أَمْرِكُمْ، وَالْقَائِمُ لَكُمْ مِنْ بَعْدِي فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا، واللهِ مَا كَانَ وَرَاءَ هَذَا شَيْءٌ، وَاللهِ إِنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ اخْتَارَا عَلِيًّا لِهَذَا الأَمْرِ وَالْقِيَامِ لِلْمُسْلِمِينَ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ، ثُمَّ تَرَكَ عَلِيٌّ مَا اخْتَارَ اللهُ لَهُ وَرَسُولُهُ أَنْ يَقُومَ بِهِ حَتَّى يُعْذَرَ فِيهِ إِلَى الْمُسْلِمِينَ إِنْ كَانَ أَحَدٌ أَعْظَمَ ذَنْبًا وَلَا خَطِيَّةً مِنْ عَلِيٍّ إِذْ تَرَكَ مَا اخْتَارَ اللهُ لَهُ وَرَسُولُهُ حَتَّى يَقُومَ فِيهِ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ" (3).
(1) انظر: الإيضاح لما خفا (ص: 215 - 216).
(2)
بحار الأنوار (37/ 34).
(3)
أخرجه الخلال في السنة برقم 465، والبيهقي في الاعتقاد (ص: 355 - 356)، واللالكائي في شرح=