الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانياً: ترجمة الصنعاني:
عصر الصنعاني:
عاش الصنعاني في اليمن، في القرن الثاني عشر، وقد اتسم عصره بكثرة الاضطرابات، والقلاقل، والثورات، وحوادث التمرد، لدرجة ثورة الابن علي أبيه، والأخ على أخيه، ذلك كلُّه من أجل الإمارة، ولعل السبب في كثرة هذه الثورات ما ينادي به المذهب الزيدي من أن الإِمام لا يكون إمامًا حتى يخرج داعياً إلى نفسه، ولا يقوم بالتقية، وأن يكون فاطمياً، وجامعاً لعلوم الاجتهاد.
وقد عاصر الصنعاني ستة من الأئمة الذين تولوا حكم اليمن، تشابهت أسماؤهم وأنسابهم وألقابهم، وهم:
1 -
محمَّد بن أحمد بن الحسن بن الإِمام القاسم بن محمَّد، صاحب المواهب.
2 -
المنصور بالله: الحسين بن القاسم بن المؤيد بالله، محمَّد بن الإِمام القاسم.
3 -
المتوكل على الله: القاسم بن الحسين بن أحمد بن الحسين.
4 -
الناصر: محمَّد بن إسحاق بن الإِمام المهدي، أحمد بن الحسن بن الإِمام القاسم.
5 -
المنصور بالله: الحسين بن المتوكل على الله: القاسم بن الحسين.
6 -
المهدي لدين الله: العباس بن الإِمام المنصور بالله، الحسين بن الإِمام المتوكل على الله.
وقد أنكر الصنعاني المنكرات التي كانت تحيط به في أيام المهدي صاحب المواهب فقال: "ولقد استرسل أهل الأمر في هذه الأعصار في أخذ الأموال في العقوبة استرسالاً ينكره العقل والشرع، وصارت تناط الولايات بجهال لا يعرفون من الشرع شيئاً، ولا من الدين أمراً، فليس همهم إلا قبض المال من كل
مَنْ لهم عليه ولاية، يسمونه أدباً وتأديباً، ويصرفونه في حاجاتهم وأقواتهم .. فإنا لله وإنا إليه راجعون .. ومنهم من يضيع حد السرقة أو شرب المسكر، ويقبض عليه مالاً، ومتهم من يجمع بينهما، فيقيم الحد ويقبض المال، وكل ذلك محرم ضرورة دينية، لكنه شاب عليه الكبير، وشب عليه الصغير، وترك العلماء النكير، فزاد الشر في الأمر الخطير" (1).
وقد استمر التنازع على الإمارة ونشوب نار الفتنة، وهو السمة البارزة في عصر الصنعاني، حتى ختم عصره بالإمام المهدي لدين الله: العباس الذي سار في رعيته سيرة الأئمة المهديين العدول، حتى عدّت دولته من محاسن اليمن، بل الزمن، يقول الشوكاني في وصفه: "وكان إمامًا فطناً، ذكياً عادلاً، قوي التدبير، عالي الهمة، منقاداً إلى الخير، مائلاً إلى أهل العلم، محباً للعدل، منصفاً للمظلوم، مطلعاً على أحوال رعيته
…
" (2).
وقد كان للصنعاني تأثير كبير وبارز في أحداث عصره ومجرياته، وقد قام الصنعاني بالصلح بين الخليفة المتوكل والمولى محمَّد بن إسحاق، وقد حصل التوفيق بينهما وخمدت -بسعي الصنعاني- نار الفتنة (3).
وتوجد -أيضاً- مواقف بارزة ومضيئة للصنعاني منها:
1 -
لما زيّن للإمام المهدي العباس، بعض وزرائه شراء أموال الوقف التي بوادي شعوب، شمالي صنعاء بالمعاوضة، وهذا يعني إخراجها من الوقفية إلى الملكية، وهو تبديل لحكم الله تعالى ورسوله؛ لأن مال الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أرسل الصنعاني خطاباً مطولاً إلى الخليفة المهدي المذكور في ذي الحجة من سنة 1180هـ، بدأه ببيان بعض محاسن اليمن في عهده، ثم
(1) انظر: سبل السلام (2/ 256) رقم (565)، وقد قال مثله الشوكاني في البدر الطالع (2/ 98).
(2)
البدر الطالع (1/ 310 - 311)(ت: 220).
(3)
وألف الصنعاني رسالة بديعة في ذلك وهي: "تنبيه ذوي الفطنة على السعي لإطفاء نار الفتنة".
ثنى بترهيبه من الإقدام على شراء الوقف، وكانت نصيحة الصنعاني سبباً في ترك الخليفة مال وقف وادي شعوب وقفاً كما هو (1).
2 -
ومن ذلك نعيه على انتشار النذور والذبح على القبور والقباب والمشاهد، وذلك حيث يقول:"أما النذور المعروفة في هذه الأزمنة على القبور والمشاهد والأموات، فلا كلام في تحريمها؛ لأن الناذر يعتقد في صاحب القبر أنه ينفع ويضر، ويجلب الخير ويدفع الشر، ويعافي الأليم ويشفي السقيم، وهذا هو الذي كان يفعله عباد الأوثان بعينه، فيحرم كما يحرم النذر على الوثن، ويحرم قبضه لأنه تقرير على الشرك، ويجب النهي عنه، إنه من أعظم المحرمات، وإنه الذي كان يفعله عُبَّاد الأصنام، لكن طال الأمد حتى صار المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وصارت تعقد اللواءات لقباض النذور على الأموات، ويجعل للقادمين إلى محل الميت الضيافات، وينحر في بابه النحائر من الأنعام، وهذا هو بعينه الذي كان عليه عُبَّاد الأصنام"(2).
وغيرها من المواقف المضيئة للصنعاني، ومن ذلك -أيضًا-: نعيه على الهادوية تحريم نكاح الفاطمية إلا من فاطمي، وتقريره أن المعتبر في الكفاءة هو الدين، وقرر أنه ليس مذهباً للإمام الهادي وإنما نشأ هذا القول -من بعده- في أيام الإِمام أحمد بن سليمان
…
(3).
وهكذا نرى أن العصر الذي عاش فيه الصنعاني كان عصراً مضطرباً من الناحية السياسية والثورات الطائفية، وكان للصنعاني الأثر الكبير في العمل على إصلاح عصره.
(1) انظر: نشر العرف (2/ 21 - 24).
(2)
انظر: سبل السلام (4/ 212 - 213).
(3)
انظر: سبل السلام (3/ 274 - 275).