الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب الْخَامِس
فِي الوزارة
قَالَ الله تَعَالَى: {وَاجعَل لي وزيرا من أَهلِي هَارُون أخي اشْدُد بِهِ أزري وأشركه فِي أَمْرِي كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إِنَّك كنت بِنَا بَصيرًا} (طه 29 - 35) .
وَقَالَ النَّبِي عليه السلام: " إِذا أَرَادَ الله بِملك خيرا، جعل لَهُ وزيرا صَالحا، فَإِن نسى ذكره، وَإِن ذكر أَعَانَهُ، وَإِذا أَرَادَ الله بِهِ غير ذَلِك، جعل لَهُ وَزِير سوء، إِن نسى لم يذكرهُ، وَإِن ذكر لم يعنه ".
اعْلَم أَن الوزارة تَابع السلطنة، وركن أعظم المملكة، وَلَا بُد للْملك من وَزِير صَالح ذِي رَأْي، مُشفق للرعية، عَالم، عَادل، لِأَن الْأَنْبِيَاء عليهم السلام كَانُوا مُحْتَاجين إِلَى الْوَزير، كَمَا أخبر الله تَعَالَى عَن حَال مُوسَى عليه السلام، أَنه طلب من الله تَعَالَى وزيرا فَقَالَ - {وَاجعَل لي وزيرا} (طه 29) فبطريق الأولى أَن يكون السلاطين والأمراء مُحْتَاجين إِلَى الْوَزير، وَقَالَ النَّبِي عليه السلام:" لي وزيران فِي السَّمَاء، ووزيران فِي الأَرْض، أما وزيراي فِي السَّمَاء: فجبريل وَمِيكَائِيل، وَأما وزيراي فِي الأَرْض: فَأَبُو بكر وَعمر "، رضى الله عَنْهُمَا، وَعَن بَاقِي الصَّحَابَة أَجْمَعِينَ. فَإِذا لم يكن للْملك وَزِير كَامِل، ذُو حُرْمَة عِنْد الْملك، فَلَيْسَ لذَلِك الْملك زين، وَشرف، وطراوة، وثبات فِي دولته.
وَيَنْبَغِي للملوك والسلاطين أَن ينصبوا على أَبْوَابهم حاجبا، أَو صَاحب قصَّة، مُعْتَمدًا متدينا، خَالص الِاعْتِقَاد، كي يعرض الْوَزير أَحْوَال أَرْبَاب الْحَوَائِج، وأحوال المظلومين إِلَى الْحَاجِب، والحاجب يعرض جَمِيع ذَلِك، إِمَّا بالقصة أَو بالرسالة إِلَى حَضْرَة الْملك.
وَيَنْبَغِي للْملك أَن يعلم أَن قَضَاء حوائج الرّعية من الْأُمُور الْوَاجِبَة عَلَيْهِ ويعد الْملك قَضَاء حوائج الْخلق غنيمَة عَظِيمَة على نَفسه، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر:" إِذا أحب الله عبدا أَكثر حوائج الْخلق إِلَيْهِ ".
فمهما كَانَ لأحد من الْمُسلمين حَاجَة إِلَى الْملك، يَنْبَغِي للْملك أَلا يشْتَغل بنوافل الْعِبَادَات عَن قَضَائهَا، فَإِن قَضَاء حوائج الْمُسلمين أفضل من نوافل الْعِبَادَات.
وَيَنْبَغِي للملوك والسلاطين، أَن ينصبوا فِي ولايتهم قَاضِيا عَالما، متدينا، محترزا عَن أكل الْحَرَام والشبهات، وَيكون صَالحا، ذَا مُرُوءَة وإنصاف، لَا يطاول يَده على مَال الْأَيْتَام وميراثهم، وَلَا يَأْخُذ الرِّشْوَة، ويقنع بوظيفة نَفسه وَعِيَاله من بَيت المَال، وَيقطع طمعه عَمَّا فِي أَيدي النَّاس.
وَيَنْبَغِي أَيْضا أَن يكون خَادِم القَاضِي عَالما، متدينا، صَالحا، زاهدا، لَا يجور فِي الدَّعَاوَى، وَلَا يطْمع طَمَعا فَاسِدا، وَلَا يبطل الْحق، وَلَا يحِق الْبَاطِل بل يَجْعَل كتاب الله نصب عينه.
سُئِلَ أردشير بن بابك: أَي الْأَصْحَاب يصلح للْملك؟ فَقَالَ: الْوَزير الْعَاقِل، المشفق، الْأمين، الصَّالح، الْمُدبر، ليدبر الْملك مَعَه أَمر المملكة، وَيسر إِلَيْهِ بِمَا فِي نَفسه.
وترتيب الوزراء، أَنهم مهما أمكنهم إصْلَاح أَمر الْملك بالكتب يتجاوبون بالكتب، فَإِن لم يصلح الْأَمر بالمكتب، فبالاحتيال وَالتَّدْبِير، فيجتهدون فِي تأني التَّدْبِير، بإعطال الْأَمْوَال، وبذل الصلات، وَمَتى انهزم عَسْكَر الْملك يَنْبَغِي للوزراء الْعَفو عَن ذنُوب الْجند، وَلم يستعجلوا بِقَتْلِهِم، لِأَنَّهُ قد يُمكن قتل الْأَحْيَاء، وَلَا يُمكن إحْيَاء الْقَتْلَى، فَإِن الرجل يصير رجلا فِي أَرْبَعِينَ سنة، وَمن أَرْبَعِينَ رجلا يصلح رجل لخدمة الْمُلُوك، وَإِن أسر أحد من الْجند، أَو أَخذ من أَصْحَاب الْملك، كَانَ على الْوَزير أَن ينقذه، ويفتديه، وَيُخَلِّصهُ، ويشتريه، ليسمع الْجند بصنيع الْوَزير، فيقوى قُلُوبهم إِذا باشروا حروبهم، وعَلى الْوَزير أَن يحفظ أرزاق الْجند، ويرتب جامكية كل إِنْسَان على قدره، وَأَن يُهَيِّئ الرِّجَال الشجعان بآلات الْحَرْب، وَأَن يخاطبهم بِأَحْسَن الْكَلَام، ويلين للأجناد فِي الْخطاب، ويلطف لَهُم الْجَواب، ويتحمل على فعلهم عَلَيْهِ، فَإِن الْجند قتلوا كثيرا من الوزراء فِي قديم الْأَيَّام، وسالف الأعوام، وَمن سَعَادَة السُّلْطَان، ويمن طالعه، وعلو جده، أَن يَجْعَل الله تَعَالَى لَهُ وزيرا صَالحا، ومشيرا ناصحا، كَمَا قَالَ النَّبِي عليه السلام: " إِذا أَرَادَ الله - تَعَالَى - بأمير خيرا، قيض لَهُ وزيرا ناصحا، صَادِقا، صبيحا، إِن نسى ذكره، وَإِن اسْتَعَانَ بِهِ أَعَانَهُ.