الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْبَاب السَّابِع
فِي الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالقضاة والسلاطين والأمراء
قَالَ الله تَعَالَى: {وَالَّذين أُوتُوا الْعلم دَرَجَات} (المجادلة 11)، وَقَالَ لنَبيه عليه السلام:{وَقل رب زِدْنِي علما} (114 طه) .
وَقَالَ النَّبِي عليه السلام: " إِذا مَاتَ الْمُؤمن، وَترك ورقة عَلَيْهَا علم، تكون الورقة سترا فِيمَا بَينه وَبَين النَّار، وَأَعْطَاهُ الله بِكُل حرف عَلَيْهَا مَدِينَة أوسع من الدُّنْيَا تسع مَرَّات ".
وَقَالَ النَّبِي عليه السلام: " من درس مَسْأَلَة من الْعلم - مثلا رجل مَاتَ وَترك ابْنا فَالْمَال كُله لَهُ - أعطَاهُ الله - تَعَالَى - ثَوَاب أَرْبَعِينَ ألف سنة ".
وروى: " أَن الله - تَعَالَى - خير سُلَيْمَان عليه السلام بَين الْعلم وَالْملك، فَاخْتَارَ الْعلم، فَأعْطَاهُ الله تَعَالَى الْملك وَالْعلم جَمِيعًا ".
وَقَالَ النَّبِي عليه السلام: " لَا بُد لكل مُؤمن ومؤمنة من أَرْبَعَة أَشْيَاء: دَار وَاسع، وَفرس جواد، ولباس جيد، وسراج مُنِير ". قيل يَا رَسُول الله، مَا الدَّار الْوَاسِع؟ فَقَالَ عليه السلام: الصَّبْر. قيل: وَمَا الْمركب الْجواد؟ فَقَالَ عليه السلام: الْعقل. قيل: وَمَا اللبَاس الْجيد؟ فَقَالَ عليه السلام: الْحيَاء، قيل: وَمَا السراج الْمُنِير؟ فَقَالَ عليه السلام: الْعلم ".
وَقَالَ النَّبِي عليه السلام " إِن لكل شَيْء عمادا، وعماد هَذَا الدّين الْفِقْه ".
وَقَالَ عليه السلام: " الْعلمَاء مصابيح الْجنَّة وخلفاء الْأَنْبِيَاء ".
وَقَالَ أَبُو عَليّ رحمه الله: " من أَرَادَ الدُّنْيَا فَعَلَيهِ بِالْعلمِ، وَمن أَرَادَ الْآخِرَة فَعَلَيهِ بِالْعَمَلِ ".
وروى عَن الشَّافِعِي رحمه الله أَنه قَالَ: " الْعلم قلادة، وَالْأَدب إِفَادَة، ومجالسة الْعلمَاء زِيَادَة ".
وَقيل: " الْعلم كنز مؤبد، وَعز سرمد ".
وَقيل: الْعلم نسب لمن لَا نسب لَهُ، وَحسب لمن لَا حسب لَهُ.
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رحمه الله: " إِن هَذَا الْعلم يزِيد الشريف شرفا، ويبلغ الْمَمْلُوك مجَالِس الْمُلُوك ".
وَقيل: الْعلم أفضل من الْعقل عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، خلافًا للمعتزلة.
وَعَن عُرْوَة بن الزبير رضي الله عنه أَنه قَالَ لأولاده: " تعلمُوا فَإِنَّكُم إِن تَكُونُوا صغَار قوم، عَسى أَن تَكُونُوا كبار قوم آخَرين ".
وَقَالَ النَّبِي عليه السلام: " لَا رَاحَة لِلْمُؤمنِ فِي الدُّنْيَا إِلَّا فِي ثَلَاث: فِي ترك الدُّنْيَا، وَطلب الْعلم، وصحبة الصَّالِحين ".
وَعَن أبي يُوسُف رحمه الله قَالَ: " اخْتلفت إِلَى أبي حنيفَة رحمه الله تسع عشرَة سنة مَا فَاتَنِي صَلَاة الْغَدَاة مَعَ ابْن أبي ليلى.
وَعَن زفر رحمه الله قَالَ: " اخْتلفت إِلَى أبي حنيفَة رحمه الله خمْسا وَعشْرين سنة مَا فَاتَنِي فطر وَلَا أضحى ".
مَسْأَلَة: قَالَت لَهُ امْرَأَته: يَا نحس، فَقَالَ الرجل: إِن كنت نحسا فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا. قَالَ الْعلمَاء: إِن كَانَ الْحَالِف من أهل خوارزم، ينظر: إِن كَانَ
لَهُ مَال لم يَحْنَث، وَإِن لم يكن حنث، لِأَن من عَادَتهم أَن من لم يكن لَهُ مَال يعدونه نحسا. وَإِن كَانَ من أهل " بُخَارى ": إِن كَانَ لَهُ علم لَا يَحْنَث، وَإِن كَانَ جَاهِلا حنث. وَإِن كَانَ من أهل " خجند ": إِن كَانَ لَهُ جمال لَا يَحْنَث، وَإِن لم يكن حنث. كَذَا يعْتَبر عرف كل بلد.
وَقَالَ النَّبِي عليه السلام: " الْقُضَاة ثَلَاثَة: اثْنَان فِي النَّار، وَوَاحِد فِي الْجنَّة: رجل عَالم يقْضِي بِمَا علم بِهِ فَهُوَ فِي الْجنَّة، لِأَنَّهُ أظهر الْحق بِعلم، وأنصف الْمَظْلُوم من خَصمه، فَهُوَ فِي الْجنَّة، وَرجل جَاهِل فَقضى بِالْجَهْلِ فَهُوَ فِي النَّار، لِأَنَّهُ قضى بالجور، وَرجل عَالم فَقضى بِغَيْر علمه فَهُوَ فِي النَّار، لِأَنَّهُ كَابر الْحق، وأقدم الْبَاطِل عَن بَصِيرَة ".
إِنَّمَا يسْتَحبّ التَّحَرُّز عَن الدُّخُول فِي الْقَضَاء، إِذا كَانَ وَرَاءه فِي الْبَلَد من يصلح للْقَضَاء، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ تحرزه عَن الْقَضَاء لَا يخْتل.
رُوِيَ عَن أبي حنيفَة رحمه الله: " الْقُضَاة ثَلَاثَة: قَاض يقبل قَوْله مُجملا ومفصلا، وَهُوَ الْفَقِيه الْوَرع. وقاض يقبل قَوْله مفصلا لَا مُجملا، وَهُوَ الْوَرع غير الْفَقِيه. وقاض لَا يقبل قَوْله لَا مُجملا وَلَا مفصلا، وَهُوَ أَلا يكون فَقِيها وَلَا ورعا.
الإِمَام الجائر لَا يقبل قَوْله فِي الْمُحرمَات، نَحْو أَخذ الْأَمْوَال، وَالْقَتْل، إِلَّا إِذا علم.
الْعَدَالَة فِي الْإِمَامَة، والإمارة، وَالْقَضَاء، شَرط الْأَوْلَوِيَّة، لَا شَرط الصِّحَّة.
السُّلْطَان إِذا حكم بَين الْخصم: قَالَ أَبُو الْقَاسِم: لَيْسَ لمن ولى الْحَرْب والحلب من الْقَضَاء شَيْء، إِنَّمَا ذَلِك إِلَى مُتَوَلِّي الْقَضَاء. أَرَادَ بالحلب الرِّشْوَة. وَذكر الْخصاف: أَنه يجوز، لِأَن قَضَاء غَيره إِنَّمَا نفذ، لِأَنَّهُ تقلده، فَلِأَن ينفذ قَضَاؤُهُ كَانَ أولى. وَالْفَتْوَى على قَول الْخصاف، وَإِن كَانَ فِي تَعْلِيله نظر.
مَسْأَلَة:
من قَالَ لسلطان هَذَا الزَّمَان: عَادل، كفر، لِأَنَّهُ لَا شكّ فِي جوره، والجور حرَام بِيَقِين، فَمن جعله حَلَالا وعدلا فقد كفر.
قَالَ لسلطان ظَالِم: إِنَّه عَادل.
قَالَ أَبُو مَنْصُور الماتريدي: يكفر.
وَقَالَ السَّيِّد الإِمَام: لَا يكفر، لِأَنَّهُ عدل فِي شَيْء.
رُوِيَ عَن بشر عَن أبي حنيفَة، وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله: أَن القَاضِي إِذا كَانَ غير عدل، فقضاياه كلهَا مَرْدُودَة.
وَإِذا كَانَ الْأَمِير الَّذِي تولى الْقَضَاء جائرا لم يجز حكمه، وَيجوز حكم قُضَاته، كَمَا جَازَ قَضَاء من تقلد الْقَضَاء من مُعَاوِيَة مَعَ أَنه كَانَ جائرا.
قَضَاء القَاضِي فِي غير مَكَان ولَايَته لَا يَصح.
يجب أَن يذكر القَاضِي فِي مكتوباته مَكَانَهُ.
وَيجوز قَضَاء الْأَمِير الَّذِي تولى الْقَضَاء، وَكَذَلِكَ كِتَابه إِلَى القَاضِي، إِلَّا أَن يكون القَاضِي من جِهَة الْخَلِيفَة، فقضاء الْأَمِير لَا يجوز.
اعْلَم أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي القَاضِي والأمير إِذا جَار وارتشى:
قَالَ بَعضهم: هما سَوَاء، وينعزلان بِنَفس الْجور والخيانة، لِأَنَّهُمَا أمينان فِي الشَّرْع، والأمين إِذا جَار لَا يبْقى أَمينا.
وَقَالَ بَعضهم: يَنْعَزِل القَاضِي دون الْأَمِير، لأَنا تركنَا الْقيَاس فِي الْأَمِير بقوله عليه السلام:" وَلَو أَمر عَلَيْكُم عبد حبشِي أجدع "، وَلَا نَص فِي القَاضِي، فَيعْمل فِيهِ بِالْقِيَاسِ، وَبِه أَخذ أَبُو بكر الْبَلْخِي رحمه الله.
وَقَالَ بَعضهم: لَا يَنْعَزِل، بل يعزلان. وَهُوَ الصَّحِيح، لِأَن الْإِنْسَان لَا يَخْلُو عَن ذَنْب.
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام إِسْمَاعِيل الزَّاهِد: " إِنِّي أحفظ عَن أَصْحَابنَا الْمُتَقَدِّمين رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف رحمهمَا الله: أَن القَاضِي يَنْعَزِل، لَكِن أدع هَذِه الرِّوَايَة، وَلَا أُخَالِف أَصْحَابِي، فَأَقُول: لَا يَنْعَزِل مَا لم يعْزل، وَينفذ قَضَاؤُهُ إِلَّا فِيمَا ارتشى، فَإِنَّهُ لَا ينفذ قَضَاؤُهُ، بل يكون حكمه فِيهِ بَاطِلا، حَتَّى لَا يحل لأحد من الْقُضَاة تَصْحِيح ذَلِك الحكم، بل يردهُ ويبطله.
وَذكر الْخصاف أَيْضا عَن أَصْحَابنَا رحمهم الله: " لَو أَن قَاضِيا أَخذ الرِّشْوَة ليحكم، فَحكم، كَانَ حكمه بَاطِلا، وَصَارَ معزولا من الْقَضَاء.
قَالَ الناطقي: " قَوْله: " كَانَ حكمه بَاطِلا - مجْرى على ظَاهره.
وَأما قَوْله: " صَار معزولا " مَعْنَاهُ: أَن يعْزل، أَلا يرى أَنه لَو رد الرِّشْوَة، وَحكم، صَحَّ حكمه، وَلَو صَار معزولا لاحتيج إِلَى تَقْلِيد آخر؟ ".
كَذَا ذكره الناطقي عَن تَأْوِيل رِوَايَة الْخصاف. والخصاف لم يؤول، بل أَخذ بظاهرها، فَقَالَ: يعْزل. لَكِن الْفَتْوَى على أَنه يسْتَحق الْعَزْل، وَلَا يَنْعَزِل.
وَلَو ارتشى ولد القَاضِي، أَو كَاتبه، أَو أحد فِي ناحيته ليعين الراشي عِنْد الْقَضَاء، ليقضي لَهُ وَهُوَ حق، فَقضى القَاضِي، وَلم يعلم بذلك، أَثم الراشي، وَحرم على الْقَابِض، وَنفذ الْقَضَاء، وَلَو علم القَاضِي بذلك، فقضاؤه مَرْدُود، كَمَا لَو ارتشى بِنَفسِهِ.
وَاعْلَم أَن الرِّشْوَة والارتشاء حرَام، إِلَّا لدفع خوف عَن نَفسه، أَو لدفع طمع ظَالِم فِي مَاله، حل الْإِعْطَاء وَلَا يحل الْأَخْذ، وَكَذَا لَو رشاه ليسوي أمره بَين السُّلْطَان، يحل الْإِعْطَاء، دون الْأَخْذ، وَالْحِيلَة فِي حل أَخذ تِلْكَ