المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌في شروط الإمامة - الدرة الغراء في نصيحة السلاطين والقضاة والأمراء

[الخيربيتي]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَبِه نستعين

- ‌الْبَاب الأول

- ‌فِي الْإِمَامَة

- ‌الْبَاب الثَّانِي

- ‌فِي شُرُوط الْإِمَامَة

- ‌الْبَاب الثَّالِث

- ‌فِي كَيْفيَّة حكم الإِمَام

- ‌الْبَاب الرَّابِع

- ‌فِي قَوَاعِد الْإِمَامَة وَأَحْوَالهَا

- ‌الْبَاب الْخَامِس

- ‌فِي الوزارة

- ‌وعَلى السُّلْطَان أَن يُعَامل الْوَزير بِثَلَاثَة أَشْيَاء:

- ‌الْبَاب السَّادِس

- ‌فِي قَوَاعِد الأجناد، وآدابها

- ‌فصل فِي الموعظة (والنصيحة)

- ‌الْبَاب السَّابِع

- ‌فِي الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة الْمُتَعَلّقَة بالقضاة والسلاطين والأمراء

- ‌فصل فِي كَيْفيَّة جُلُوس القَاضِي للْقَضَاء

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فصل فِي الْبُغَاة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فصل فِي أَحْكَام قطاع الطَّرِيق

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌فضل فِي الْجُمُعَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌‌‌مسالة

- ‌‌‌‌‌مسالة

- ‌‌‌مسالة

- ‌مسالة

- ‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسَائِل

- ‌مسَائِل

- ‌مَسْأَلَة

- ‌مسَائِل

- ‌‌‌مسَائِل

- ‌مسَائِل

- ‌الْبَاب الثَّامِن

- ‌فِي الْحِيَل الشَّرْعِيَّة

- ‌مسَائِل

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌مسالة

- ‌‌‌‌‌‌‌مسالة

- ‌‌‌‌‌مسالة

- ‌‌‌مسالة

- ‌مسالة

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌‌‌مَسْأَلَة

- ‌مَسْأَلَة

- ‌الْبَاب التَّاسِع

- ‌فِي تَنْبِيه الْمُجيب من الْمسَائِل الشَّرْعِيَّة مِمَّا جمعه الْمُحَقق أَبُو اللَّيْث السَّمرقَنْدِي رحمه الله

- ‌فصل فِي النِّكَاح

- ‌فصل فِي الطَّلَاق

- ‌فصل فِي الْعتْق

- ‌فصل فِي مسَائِل شَتَّى

- ‌فصل فِي مسَائِل شَتَّى

- ‌الْبَاب الْعَاشِر

- ‌فِي الْمسَائِل المتفرقة

- ‌دُعَاء الْقُنُوت

- ‌فصل

- ‌فَائِدَة: " فِي الْفرق بَين الْإِقْرَار وَالْهِبَة

الفصل: ‌في شروط الإمامة

‌الْبَاب الثَّانِي

‌فِي شُرُوط الْإِمَامَة

أما شُرُوط الْإِمَامَة فبعضها لَازم لَا تَنْعَقِد الْإِمَامَة إِلَّا بِهِ، وَبَعضهَا شَرط الْكَمَال يَصح للترجيح، وَبَعضهَا مُخْتَلف فِيهِ.

أما اللَّازِم، فالذكورة، وَالْحريَّة، وَالْبُلُوغ، وَالْعقل، وَالْعلم، وأصل الشجَاعَة، وَهُوَ أَن يكون قوي الْقلب، وَأَن يكون قرشيا، أَو يكون مِمَّن نَصبه الْقرشِي.

ص: 118

أما " الذُّكُورَة ": فَلِأَن الْمَرْأَة لَا تصلح للقهر وَالْغَلَبَة، وجر العساكر، وتدبير الحروب، وَإِظْهَار السياسة غَالِبا، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ النَّبِي عليه السلام بقوله:" كَيفَ يفلح قوم تملكهم امْرَأَة ".

وَأما " الْحُرِّيَّة "، و " الْبلُوغ "، و " الْعقل "، فَإِن العَبْد وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون مولى عَلَيْهِم فِي تصرفاتهم، فَمن لم تكن لَهُ ولَايَة على نَفسه، فَكيف تكون لَهُ الْولَايَة على غَيره؟ .

وَأما " الْعلم "، فَلِأَن بِالْعلمِ تتضح الْأَشْيَاء الْخفية، وَيتم بِالْعلمِ السلطنة والإمارة، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر: " إِن الله - تَعَالَى - خير سُلَيْمَان عليه السلام بَين الْعلم وَالْملك، فَاخْتَارَ الْعلم، فَأعْطَاهُ الله تَعَالَى الْملك وَالْعلم جَمِيعًا.

وَقَالَ الله تَعَالَى: {وَلَقَد آتَيْنَا دَاوُد وَسليمَان علما وَقَالا الْحَمد لله الَّذِي فضلنَا على كثير من عباده الْمُؤمنِينَ} (النَّمْل 15) .

وَقَالَ عليه السلام: " الْعلمَاء مصابيح الْجنَّة وخلفاء الْأَنْبِيَاء عليهم السلام.

ص: 119

وَلِهَذَا قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ رحمه الله: " خير الْمُلُوك من جَالس أهل الْعلم ".

وَقيل: إِن جَمِيع الْأَشْيَاء يتجمل بِالنَّاسِ، وَالنَّاس يتجملون بِالْعلمِ، وَتَعْلُو أقدارهم بِالْعقلِ، وَلَيْسَ للملوك أخير شَيْء من الْعلم وَالْعقل، فَإِن الْعلم سَبَب بَقَاء الْعِزّ ودوامه، وَالْعقل سَبَب بَقَاء السرُور ونظامه.

وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ رحمه الله: " إِن هَذَا الْعلم يزِيد الشريف شرفا، ويبلغ الْمَمْلُوك مقَام الْمُلُوك ".

وَقَالَ الله تَعَالَى: {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم} . (النِّسَاء: 59) .

ص: 120

انحصر قَول الْمُفَسّرين من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أَن المُرَاد من " أولى الْأَمر " الْأُمَرَاء وَالْعُلَمَاء.

فَإِذا اتّصف الْأَمِير بِالْعلمِ يكون مرَادا بإجماعهم، فحقيق على من يقوم مقَام النُّبُوَّة أَن يُطِيع النَّاس لَهُ.

وَقيل: لَا بُد لِلْأُمَرَاءِ من ثَلَاثَة أَشْيَاء: الْعلم، والمعرفة، وَالْعقل.

فَمثل الْعلم كَالنُّجُومِ، فَإِنَّهَا كَثِيرَة لَا غَايَة لَهَا وَلَا نِهَايَة، وَمثل الْمعرفَة كَالشَّمْسِ، لِأَنَّهَا أبدا تكون مضيئة، ونورها لَا يَنْقَطِع، لَا يزِيد وَلَا ينقص.

وَأما الْعقل فَمثله كَمثل الْقَمَر تَارَة يزِيد، وَتارَة ينقص وينكسف.

وَيدل على شرف الْعلم أَن كل شَيْء أعطَاهُ الله تَعَالَى لنَبيه مُحَمَّد عليه السلام لم يقل فِيهِ قل: " رب زِدْنِي " إِلَّا فِي الْعلم، فَقَالَ الله تَعَالَى لنَبيه عليه السلام:{وَقل رب زِدْنِي علما} . (النِّسَاء 59)

فَمن أَرَادَ أَن يكمل سلطنته وإمارته، يَنْبَغِي لَهُ أَن يكون عَالما، أَو يكون حَرِيصًا بحب الْعلمَاء وحضورهم عِنْده، وَيقبل نصيحتهم.

وَأما أصل " الشجَاعَة ": يَكْفِي للْإِمَامَة بِحَيْثُ يكون بِحَال يُمكنهُ جر العساكر، وَإِقَامَة الْحُدُود، ومقاتلة الْعَدو، وَإِن لم يقدر أَن يُقَاتل مَعَ الْعَدو بِنَفسِهِ.

ص: 121

وَأما " نسب قُرَيْش "، فَلقَوْله عليه السلام:" الْأَئِمَّة من قُرَيْش " وَاللَّام تفِيد الْعُمُوم حَيْثُ لَا عهد. واتفقت الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ على قبُول هَذَا الحَدِيث، وَالْعَمَل بِهِ حِين رَوَاهُ أَبُو بكر الصّديق رضي الله عنه محتجا بِهِ على الْأَنْصَار.

ص: 122

وَأما شَرط " الْكَمَال ": فَهُوَ التَّقْوَى، يَعْنِي يَنْبَغِي أَن يكون الإِمَام متقيا عَن الْحَرَام والشبهات، وَيكون ورعا صَالحا ليأمن الْخَلَائق على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ، وتميل قُلُوب الْخَلَائق إِلَيْهِ، وَلَا تنفر عَنهُ، لما روى عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ:" كَانَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] إِذا بعث أحدا من أَصْحَابه فِي بعض أمره قَالَ: " بشروا وَلَا تنفرُوا ويسروا وَلَا تُعَسِّرُوا ". فالتقوى شَرط الْكَمَال عندنَا.

ص: 123

وَعند الشَّافِعِي رحمه الله هُوَ شَرط وَكَذَا كَون الإِمَام مَعْصُوما -

ص: 124

الْجَوَاز والانعقاد، وَكَذَا عِنْد الْخَوَارِج والمعتزلة، فَإِن عِنْد الشَّافِعِي رحمه الله الْفَاسِق لَيْسَ بِأَهْل للشَّهَادَة وَالْقَضَاء، فَأولى أَلا يكون أَهلا للخلافة، وَعند الْمُعْتَزلَة الْفَاسِق لَيْسَ بِمُؤْمِن، لِأَنَّهُ يخرج بِالْفِسْقِ عَن الْإِيمَان، وَعند الْخَوَارِج يكفر بِالْفِسْقِ، فَلَا يكون أَهلا للخلافة.

وَذكر فِي فَتَاوَى " الْمنية ": " الْعَدَالَة فِي الْإِمَامَة والإمارة وَالْقَضَاء شَرط الْأَوْلَوِيَّة، لَا شَرط الصِّحَّة.

وَأما عِنْد أبي حنيفَة وَأَصْحَابه رحمهم الله كَون الإِمَام من بني هَاشم لَيْسَ بِشَرْط، وَهَذَا مَذْهَب أهل السّنة وَالْجَمَاعَة.

وَقَالَ بعض أهل الروافض: هُوَ شَرط.

ص: 125

وَأما كَونه " أفضل أهل زَمَانه ": فَعِنْدَ الشَّيْخ أبي مَنْصُور الماتريدي لَيْسَ بِشَرْط، وَهُوَ مَذْهَب الْحُسَيْن بن الْفضل البَجلِيّ رحمه الله. وَقَالَ أَكثر الروافض: لَا تَنْعَقِد إِمَامَة الْمَفْضُول مَعَ قيام الْفَاضِل، وَوَافَقَهُمْ على ذَلِك بعض أهل السّنة، وَإِلَيْهِ مَال الْأَشْعَرِيّ. وَالصَّحِيح: مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو مَنْصُور رحمه الله.

ص: 126

أَي مَحْفُوظًا من الْعِصْيَان - لَيْسَ بِشَرْط عندنَا، خلافًا للباطنية.

ص: 127

وَأما انْعِقَاد الْخلَافَة فبأربعة أَشْيَاء: إِمَّا بتنصيص الله تَعَالَى: كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {إِن الله قد بعث لكم طالوت ملكا} (الْبَقَرَة: 247) أَو بتنصيص رَسُوله عليه السلام كَمَا جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات فِي حق سُلَيْمَان بتنصيص دَاوُد عليه السلام. وكما جَاءَ فِي بعض الرِّوَايَات فِي حق أبي بكر الصّديق رحمه الله.

ص: 128

وَأما سَبَب انْعِقَاد خلَافَة سُلَيْمَان بن دَاوُد عليه السلام فَمَا رُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه قَالَ: " نزل كتاب من السَّمَاء إِلَى دَاوُد عليه السلام مختوم

ص: 129

فِيهِ تسع مسَائِل أَن سل ابْنك سُلَيْمَان، فَإِن هُوَ أخرجهن، فَهُوَ الْخَلِيفَة بعْدك، فَدَعَا دَاوُد عليه السلام سبعين قسا وَسبعين حبرًا، وأجلس سُلَيْمَان بَين أَيْديهم، وَقَالَ: نزل كتاب من السَّمَاء فِيهِ تسع مسَائِل أمرت أَن أَسأَلك إياهن، فَإِن أَنْت أخبرتهن، فَأَنت الْخَلِيفَة بعدِي، قَالَ سُلَيْمَان عليه السلام: ليسأل نَبِي الله عَمَّا بدا لَهُ، " وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه " (هود 88) . قَالَ: مَا أقرب الْأَشْيَاء؟ وَمَا أبعد الْأَشْيَاء؟ وَمَا آنس الْأَشْيَاء؟ وَمَا أوحش الْأَشْيَاء؟ ، وَمَا القائمان؟ وَمَا المختلفان؟ وَمَا المتباغضان؟ وَمَا الْأَمر الَّذِي إِذا رَكبه الرجل حمد آخِره؟ .

وَمَا الْأَمر الَّذِي إِذا رَكبه الرجل ذمّ آخِره؟

قَالَ سُلَيْمَان، عليه السلام: أما أقرب الْأَشْيَاء: فالآخرة.

وَأما أبعد الْأَشْيَاء: فَمَا فاتك من الدُّنْيَا.

وَأما آنس الْأَشْيَاء: فجسد فِيهِ روح، وَأما أوحش الْأَشْيَاء: فجسد لَا روح فِيهِ.

فَأَما القائمان فالسماء وَالْأَرْض. وَأما المختلفان: فالليل وَالنَّهَار.

وَأما المتباغضان فالموت والحياة، كل يبغض صَاحبه. وَأما الْأَمر الَّذِي إِذا رَكبه الرجل حمد آخِره: فالحلم على الْغَضَب.

وَأما الْأَمر الَّذِي إِذا رَكبه الرجل ذمّ آخِره: فالحدة على الْغَضَب.

قَالَ: ففك الْخَاتم، فَإِذا هَذِه الْمسَائِل سَوَاء على مَا نزل من السَّمَاء: فَقَالَ القسيسون والأحبار: لن نرضى بذلك حَتَّى نَسْأَلهُ عَن مَسْأَلَة، فَإِن هُوَ أخْبرهَا، فَهُوَ الْخَلِيفَة، من بعْدك، قَالَ: سلوه، قَالَ سُلَيْمَان عليه السلام: سلوني بِتَوْفِيق الله.

قَالُوا: مَا الشَّيْء الَّذِي إِذا صلح صلح كل شَيْء مِنْهُ، وَإِذا فسد فسد كل شَيْء مِنْهُ؟ قَالَ سُلَيْمَان عليه السلام: هُوَ الْقلب، إِذا صلح صلح كل شَيْء مِنْهُ، وَإِذا فسد فسد كل شَيْء مِنْهُ.

قَالُوا: صدقت، أَنْت الْخَلِيفَة بعده.

ص: 130

وَدفع إِلَيْهِ دَاوُد عليه السلام قضيب الْملك، ومامات إِلَّا من الْغَد. فَملك خَمْسمِائَة سنة وَسِتَّة أشهر أهل الدُّنْيَا كلهم من الْجِنّ وَالْإِنْس، وَالشَّيَاطِين وَالدَّوَاب وَالطير وَالسِّبَاع، وَأعْطِي علم كل شَيْء، ومنطق كل شَيْء حَتَّى قَالَ:" علمنَا منطق الطير وأوتينا من كل شَيْء ". (النَّمْل 16) وَقيل: تَنْعَقِد الْخلَافَة أَيْضا بتنصيص الإِمَام السَّابِق على تَعْيِينه، كَمَا ثبتَتْ إِمَامَة عمر رضي الله عنه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إِيَّاه.

وَقد نَص أَبُو بكر رضي الله عنه على خلَافَة عمر رضي الله عنه من بعده، واستخلفه بَعْدَمَا شاور أجل الصَّحَابَة، فَقَالُوا: وليت علينا فظا غليظا، فَمَا أَنْت قَائِل لِرَبِّك إِذا سَأَلَك عَن استخلافه علينا؟ فَقَالَ:" أجلسوني، أبالله تخوفونني؟ خَابَ من تردد عَلَيْكُم من أَمركُم بظُلْم إِذن أَقُول لرَبي: اسْتخْلفت عَلَيْهِم خير عِبَادك ".

ص: 131

(صفحة فارغة)

ص: 132

وَلما قَالَ لأبي بكر ابْنه رضي الله عنه: " إِن قُريْشًا تكره ولَايَة عمر رضي الله عنه وتحب ولَايَة عُثْمَان رضي الله عنه فَقَالَ: " نعم الرجل عُثْمَان، وَلَكِن الْوَالِي عمر ". وَأوصى أَبُو بكر رضي الله عنه إِلَى عمر رضي الله عنه فَقَالَ:" يَا عمر، احفظ حق الرّعية، فَإِن الله - تَعَالَى - يَسْأَلك عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة، كي لَا تَسْتَحي عَنهُ ".

ص: 133

وَقيل: تثبت الْخلَافَة بِاخْتِيَار أهل الْعدْل والرأي كَمَا ثَبت بِهِ إِمَامَة أبي بكر رضي الله عنه فِي بعض الرِّوَايَات، وَهُوَ قَول أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَلَا خلاف فِي ذَلِك.

ص: 134

(صفحة فارغة)

ص: 135

وَقَالَ الروندي: الْإِمَامَة تثبت بالوراثة، وَهَذَا القَوْل يُخَالف إِجْمَاع الصَّحَابَة، رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ.

ص: 136

وَأما لَو استولى مستعد لَهُ شَوْكَة على خطة الْإِسْلَام، فَلَا تثبت لَهُ الْإِمَامَة عِنْد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة عِنْد عدم الشَّرَائِط الْمَذْكُورَة فِيهِ، لَكِن الطَّاعَة وَاجِبَة عَلَيْهِ، دفعا للفتنة.

ص: 137

وَقَالَ بعض الروافض: الْإِمَامَة لَا تثبت إِلَّا بتنصيص الإِمَام. ثمَّ يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يكون اعْتِقَاده فِي تَفْضِيل الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة بعد النَّبِيين وَالْمُرْسلِينَ - صلى الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ - على من سواهُم من الصَّحَابَة - رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ - على مَا اجْتمع عَلَيْهِ أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَهُوَ أَن أَبَا بكر الصّديق رضي الله عنه أفضل النَّاس بعد رَسُول الله -[صلى الله عليه وسلم]- ثمَّ بعد أبي بكر عمر الْفَارُوق أفضل، ثمَّ بعد عمر عُثْمَان أفضل، على قَول عَامَّة أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، إِلَّا رِوَايَة عَن أبي حنيفَة رحمه الله أَنه كَانَ يفضل عليا على عُثْمَان رضي الله عنه، وَهُوَ قَول الْحسن بن الْفضل الْبَلْخِي رحمه الله، وَالصَّحِيح مَا عَلَيْهِ عَامَّة أهل السّنة، وَهُوَ الظَّاهِر من قَول أبي حنيفَة رحمه الله ثمَّ بعد عُثْمَان عَليّ رضي الله عنه أفضل، إِذْ هُوَ خَاتم الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ. لقَوْله عليه السلام:" الْخلَافَة بعدِي ثَلَاثُونَ سنة ". كَانَت سنتَيْن لأبي بكر، وَعشرَة لعمر، واثنى عشر لعُثْمَان، وَسِتَّة لعَلي، فتمت الْخلَافَة ثَلَاثِينَ سنة. شعر (الرجز)

(حولان للصديق عشر للنقي

ستان للعثمان سِتّ للعلي)

وَأما القَوْل فِي أَوْلَادهم: قَالَ بَعضهم: لَا نفضل من بعدهمْ أحدا، إِلَّا بِالْعَمَلِ وَالتَّقوى، وَالأَصَح أَن يفضل أَوْلَادهم على تَرْتِيب فضل آبَائِهِم، إِلَّا أَوْلَاد فَاطِمَة رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ، فَإِنَّهُم يفضلون على أَوْلَاد أبي بكر وَعمر

ص: 138

وَعُثْمَان لقربهم من الرَّسُول عليه السلام وهم العترة الطاهرة، والذرية الطّيبَة، الَّذين أذهب الله عَنْهُم الرجس، وطهرهم تَطْهِيرا. فَأَما القَوْل فِي عُمُوم الصَّحَابَة - رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ - فهم أفضل الْأمة بعد هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة بِشَهَادَة النَّبِي عليه السلام إيَّاهُم بالخيرية لقَوْله عليه السلام:" خير الْقُرُون الْقرن الَّذِي أَنا فيهم " إِذْ هم المختارون بِصُحْبَة رَسُول الله -[صلى الله عليه وسلم]- الْعَامِلُونَ بنصرة دين الله، فَمن السّنة أَن نعتقد محبتهم على الْعُمُوم، ونكف لساننا عَن الطعْن والقدح فِي وَاحِد مِنْهُم، وَلَا نذْكر مَا شجر بَينهم، بل نكل أَمرهم إِلَى الله - تَعَالَى - ونقول:{تِلْكَ أمة قد خلت لَهَا مَا كسبت وَلكم مَا كسبتم وَلَا تسئلون عَمَّا كَانُوا يعْملُونَ} {الْبَقَرَة: 134} .

ص: 139

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله [صلى الله عليه وسلم] : " من أحب أَصْحَابِي، وأزواجي، وَأهل بَيْتِي، وَلم يطعن فِي وَاحِد مِنْهُم، وَخرج من الدُّنْيَا على محبتهم، كَانَ معي فِي درجتي يَوْم الْقِيَامَة ". ثمَّ بعد اعْتِقَاد الإِمَام أَن تَرْتِيب الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة - رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ - فِي التَّفْضِيل كترتيبهم فِي الْخلَافَة، يَنْبَغِي للْإِمَام أَن يصرف عمره إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب النَّبِي عليه السلام وَهُوَ مَا قَالَ الْأَوْزَاعِيّ رحمه الله:" خمس كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب النَّبِي [صلى الله عليه وسلم] : لُزُوم الْجَمَاعَة، وَاتِّبَاع السّنة وَعمارَة الْمَسْجِد، وتلاوة الْقُرْآن، وَجِهَاد فِي سَبِيل الله ".

ص: 140

وَقَالَ عليه السلام: " أَربع إِلَى الْوُلَاة: الفئ، وَالْجُمُعَة، وَالْحُدُود، وَالصَّدقَات ".

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أَنه قَالَ: " ضمن الإِمَام أَرْبعا: الصَّلَاة، وَالزَّكَاة، الْحُدُود، والفيء ".

وكما حكى: أَن شقيقا الْبَلْخِي دخل على هَارُون الرشيد رحمه الله فَقَالَ لَهُ هَارُون الرشيد: أَنْت شَقِيق الزَّاهِد؟ فَقَالَ: أَنا شَقِيق، وَلست بزاهد، فَقَالَ لَهُ: أوصني. فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى قد أجلسك مَكَان الصّديق، وَإنَّهُ يطْلب مِنْك مثل صدقه، وأعطاك مَوضِع عمر بن الْخطاب الْفَارُوق، وَهُوَ يطْلب مِنْك الْفرق بَين الْحق وَالْبَاطِل مثله، وأقعدك مَكَان ذِي النورين، وَإنَّهُ يطْلب مِنْك حياءه، وَكَرمه، وأقعدك مَوضِع عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه وَإنَّهُ يطْلب مِنْك الْعلم وَالْعدْل كَمَا يطْلب مِنْهُ.

ص: 141

فَقَالَ لَهُ: زِدْنِي من وصيتك. فَقَالَ: نعم، إِن لله تَعَالَى دَارا تعرف بجهنم، وَإنَّهُ قد جعلك بواب تِلْكَ الدَّار، وأعطاك ثَلَاثَة أَشْيَاء: بَيت المَال، وَالسَّوْط وَالسيف، وأمرك أَن تمنع الْخلق من دُخُول النَّار بِهَذِهِ الثَّلَاثَة، فَمن جَاءَك مُحْتَاجا، فَلَا تَمنعهُ من بَيت المَال، وَمن خَالف أَمر دينه - تَعَالَى - فأدبه بِهَذَا السَّوْط، وَمن قتل نفسا بِغَيْر حق فاقتله بِالسَّيْفِ، بِإِذن ولي الْمَقْتُول، فَإِن لم تفعل مَا أَمرك الله - تَعَالَى - فَأَنت تكون الْغَرِيم لأهل النَّار، والمتقدم إِلَى أهل الْبَوَار. فَقَالَ: زِدْنِي من الْوَصِيَّة. فَقَالَ: إِنَّمَا مثلك كَمثل معِين المَاء، وَمثل سَائِر الْعلمَاء كَمثل السواقي، فَإِذا كَانَ الْمعِين صافيا لَا يضر كدر السواقي، وَإِذا كَانَ الْمعِين كدرا لَا ينفع صفاء السواقي وَالله أعلم وَأحكم.

ص: 142