الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4ـ
موقف الشيخ من كرامات الأولياء
الكرامة هي: أمر خارق للعادة يجريه الله تعالى على يد بعض الصالحين من أتباع الرسل عليه السلام، إكراما لهم من الله عز وجل ببركة اتباعهم للرسل، والولي هو العبد الصالح التقي1، كما قال تعالى:{أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63] .
وليس كل ولي تحصل له كرامة، وإنما تحصل لبعضهم؛ ويكون الغرض منها: إما لتقوية إيمانه، أو لحاجته، أو لإقامة حجة على خصومه2.
يقوم منهج أهل السنة والجماعة على الإيمان بكرامات الأولياء والتصديق بها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:" ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجريه الله على أيديهم من خوارق العادات في العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر فرق الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة"3.
1 انظر: الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، ابن تيمية، ص 14، وفتاوى اللجنة الدائمة، 1/388، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، د. صالح الفوزان، ص 216.
2 المرجع السابق، بنفس الموضع.
3 العقيدة الواسطية، ص 26.
وانقسم الناس في موضع الكرامات إلى ثلاثة أقسام هي:
1ـ قسم غلوا في نفيها، حتى أنكروا ما هو ثابت في الكتاب والسنة من الكرامات التي تجري على وفق الحق لأولياء الله المتقين، وهؤلاء المنكرين كالجهمية والمعتزلة وأشباههم.
2ـ قسم غلوا في إثبات الكرامات، حتى اعتقدوا أن السحر والشعوذة والدجل منها، واستغلوها وسيلة للشرك والتعلق بأصحابها من الأحياء والأموات، حتى نشأ عن ذلك الشرك الأكبر بعبادة القبور وتقديس الأشخاص والغلو فيهم، في كثير من بلاد المسلمين.
3ـ القسم الثالث: وهم أهل السنة والجماعة، وقد توسطوا في موضوع الكرامات بين الإفراط والتفريط، فأثبتوا ما أثبته القرآن الكريم والسنة المطهرة، فلم يغلوا في أصحابها، ولم يتعلقوا بهم من دون الله تعالى، ولا يعتقدون أنهم أفضل من غيرهم بل هناك من أولياء الله من هم أفضل منهم، ولم تجر على أيديهم كرامات.
ونفى أهل السنة ما خالف الكتاب والسنة من الدجل والسحر والشعوذة، واعتقدوا أن ذلك من عمل الشياطين، وليس من الكرامات1.
1 انظر: الإرشادة إلى صحيح الإعتقاد، د. صالح الفوزان، ص 217.
الفرق بين كرامات الأولياء والمعجزات:
يشتركان في كونهما من الله تعالى، وبكونهما من الأمور الخارقة للعادات، وتفترقان بان الكرامة: لا تقترن بدعوى النبوة إذ المعجزة لا تجري إلا على يد نبي، وليس في الكرامة تحد، ولا قصد، بحيث كلما أراد الولي جرت؛ لأنها من الآيات، وهي على وفق إرادة الله تعالى، قال سبحانه:{إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ} [الأنعام: 109] ، وليس للمخلوق تصرف فيها متى أراد وكيف أراد.."1
الفرق بين كرامات الأولياء وخوارق السحر والشياطين:
1ـ أن كرامات الأولياء سببها التقوى والعمل الصالح، وأما أعمال السحرة والشياطين فسببها الكفر والفجور.
2ـ أن كرامات الأولياء يستعان بها على البر والتقوى، أو على أمور مباحة، وأما أعمال السحر والشياطين فيستعان بها على أمور محرمة من الشركيات والكفر والفجور ونحو ذلك.
3ـ أن كرامات الأولياء تقوي بذكر الله تعالى وتوحيده وعبادته، وأما أعمال السحرة والشياطين فتبطل وتضعف عند ذكر الله تعالى وقراءة القرآن والتوحيد2.
1 انظر: سف الله على من كذب على أولياء الله، صنع الله الحلبي، ص 102.
2 انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، د. صالح الفوزان، ص216ـ 219.
ويقوم موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في هذه المسألة على الإيمان بها وإقرارها في حدود الشرع وضوابطه، كما هو موقف أهل السنة، والذي سبق بيانه وفي منهجه هذا رد على من وصف دعوته بأنها: تنكر كرامات الأولياء وتسلبهم الاحترام والتقدير1، يقول رحمه الله عن ذلك:" وأقر بكرامات الأولياء وما لهم من المكاشفات إلا أنهم لا يستحقون من حق الله تعالى شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله.."2.
ويقول رحمه الله: "وأما الصالحون فهم على صلاحهم رضي الله عنهم ولكن نقول ليس لهم شيء من الدعوة قال الله:} وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا { [الجن: 18]3.
ويؤكد الشيخ على أن دعوته الإصلاحية تحفظ للصالحين حقوقهم، فيقول:" الواجب حبهم واتباعهم، والإقرار بكراماتهم، ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال، ودين الله وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين.."4.
وقال الشيخ رحمه الله: " حق أولياء الله: محبتهم، والترضي عنهم، والإيمان بكرامتهم، لا عبادتهم ليجلبوا لمن دعاهم خيرا لا
1 انظر: دعاوى المناويين لدعوة الشيخ، د. العبد اللطيف، ص142.
2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية، ص11.
3 المرجع السابق، ص 101.
4 مجموعة مؤلفات الشيخ، 1/169.
يقدر على جلبه إلا الله تبارك وتعالى، ويدفعوا عنهم سوء لا يقدر على دفعه أو رفعه إلا الله، لأنه عبادة مختصة بجلاله سبحانه، قال الله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60] ، فسماه عبادة وأضافها إلى نفسه
…
"1.
ومع تأكيد أهل هذه الدعوة الإصلاحية وأتباعها على حقوق أولياء الله فإنهم يؤكدون على عدم الغلو فيهم، فيقول الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد: "ولا ننكر كرامات الأولياء، ونعترف لهم بالحق وإنهم على هدى من ربهم..إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات، لا حال الحياة، ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته، بل ومن كل مسلم
…
"2.
1 الدرر السنية، 2/175-176.
2 المرجع السابق، 1/231.