الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7ـ
موقفه من التقليد والاجتهاد
التقليد: قبول قول الغير بلا حجة ولا دليل1.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1ـ التقليد بعد ظهور الدليل وقيام الحجة، وهذا تقليد مذموم؛ لأن الله تعالى ذم الكافرين بسبب تقليدهم الآباء في الضلالة كما قال تعالى عنهم:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ، فإذا ورد الدليل الصحيح فعلى المسلم الالتزام به وتطبيقه، دون النظر لقول كائن من كان.
2ـ التقليد مع القدرة على الاستدلال والبحث عن الدليل، فهذا تقليد مذموم أيضا لقدرته وتمكنه من معرفة الدليل.
3ـ التقليد في فروع العبادات والمعاملات والسلوك وغيرها، لمن لا يعرف الدليل وطريقة الاستدلال، وهذا تقليد سائغ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]2.
وقد شنع علماء الإسلام على التقليد بلا دليل في كل المسائل؛
1 التعريفات، الجرجاني، ص 90.
2 انظر: الدرر السنية، 4/68، 4/389، وانظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص151ـ152.
والأئمة الأربعة رحمهم الله نهوا عن ذلك، فهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقول:" لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري وتعلموا كما تعلمنا..وقال: لا تقلد الرجال فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا"1.
وقال الإمام مالك رحمه الله: " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في قولي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"2.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت"3.
وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول إذا أفتى: "هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت فمن جاء برأي خير منه قبلناه"4.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في
1 ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 20/211.
2 المرجع السابق، 20/210.
3 المرجع السابق، بنفس الموضع.
4 المرجع السابق، بنفس الموضع.
كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.."1.
فاتضح مما سبق أن المعول عليه في الشريعة هو الدليل، ويكون التعصب له دون أقوال الرجال؛ لأن كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم فهو المبلغ عن ربه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4] .
أما الاجتهاد: فهو بذل الوسع في معرفة حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط2.
فالاجتهاد لا يكون إلا ممن لديه القدرة عليه وتوفرت فيه شروط عدة: كالعقل والبلوغ والعدالة والعلم بالدين ومعرفة أحكامه، والعلم باللغة العربية، وبأصول الفقه وقواعده العامة، ويعرف أيضا: المجمع عليه، والمختلف فيه، وأن يكون عالما بمقاصد الشريعة، وغيرها من الشروط، ولا يكون الاجتهاد في الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة أو التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، أو ما أجمع عليه، وإنما يكون في مسائل الفروع التي ورد فيها دليل محتمل لعدة معان، كما يجوز في الأحكام التي لم يرد فيها نص ولا إجماع3.
1 المرجع السابق، بنفس الموضع.
2 انظر: إرشاد الفحول، الشوكاني، ص 250.
3 انظر: إرشاد الفحول، الشوكاني، ص 250ـ255، وانظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، بحث في مؤتمر الفقه المنعقد في جامعة الإمام عام1396هـ، ص 26ـ30.
والموقف من الاجتهاد والتقليد لخصه علماؤنا أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية في فتوى صدرت منهم نصها:
"من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك ليعمل به في نفسه، وليفصل به في الخصومات وليفتي به من يستفتيه، ومن لم يكن أهلا لذلك فعليه أن يسأل الأمناء من أهل العلم في زمنه، أو يقرأ كتب العلماء الأمناء الموثوق بهم ليتعرف الحكم من كتبهم ويعمل به من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم وضبط كتبهم وانتشارها وتيسرها لهم.
ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقا فهو مخطئ جامد سيء الظن بالمتعلمين عموما وقد ضيق واسعا ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ أيضاً وقد ضيق واسعاً بغير دليل، ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم، كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء"1.
وقبل ذكر موقف الشيخ وعلماء الدعوة في مسألة التقليد
1 مجلة البحوث الإسلامية، العدد: 53، ص 101.
والاجتهاد لابد أن نشير إلى أنه مما مدحت به دعوة الشيخ بأنها دعت إلى فتح باب الاجتهاد وفق ضوابطه الشرعية ونبذ التقليد1، كما أن هذا الموضوع مما ذمه بها خصومها حيث وصفت الدعوة من أولئك بأنها تمردت على المذاهب الفقهية ورفضتها وجاءت بمذهب جديد يخالف مذاهب الفقهاء المعتبرين عند أهل الإسلام على حد زعمهم، وأيضا بأن الشيخ يدعي الاجتهاد ويرفض التقليد2.
ونعود إلى موقف الشيخ من هذه القضية:
فنجده ينفي ما ينسبه إليه أعداؤه وخصومه بأنه يدعي الاجتهاد المطلق وينهى عن التقليد، وفي ذلك يقول رحمه الله:" وما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله"3.
ويقول أيضا: " لم أستدل بالقرآن والحديث وحدي حتى يتوجه علي ما قيل من أني نسبت نفسي إلى الاجتهاد، ولا خلاف في أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم ولكن الشأن إذا اختلفوا، هل يجب قبول الحق ممن جاء به ورد المسألة إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم مقتدين بأهل العلم؟ أو ننتحل قول بعضهم من غير حجة ونزعم أن الصواب في
1 الدعوة الوهابية وأثرها، د. محمد ضاهر، ص 191ـ192.
2 انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره، د. العثيمين، ص146.
3 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص96.
قوله"1.
ويقول الشيخ أيضا: " وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، ولا ننكر على أهل المذهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها"2.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بين في بعض رسائله التقليد الممنوع والمأذون فيه والمباح فقال:" وأما القول في التقليد واتباع الدليل فإن الله تعالى فرض علينا فرضين:
الأول: اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك مخالفته في كل شيء، وأن الإنسان لا يؤمن حتى يحكمه فيما شجر بينه وبين غيره، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء: 65.
والفرض الثاني: أن الله فرض علينا في كل مسألة تنازعنا فيها أن نردها إلى الله والرسول كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . [النساء: 59] ، وخاطب بها جميع المؤمنين، المجتهد وغيره، ولكن نقول: الواجب عليك تقوى الله ما استطعت، وذلك أن
1 انظر: الدرر السنية، 1/44ـ45، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، د. العبود، 1/364.
2 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية، 5/107.
تطلب علم ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة على قدر فهمك فما عرفت من ذلك فاعمل به، وما لم تعرفه واحتجت فيه إلى تقليد أهل العلم؛ قلدتهم، وما أجمعوا عليه فهو الحق، وما تنازعوا فيه، ردّ إلى الله والرسول، وأما أخذ الإنسان ما اشتهت نفسه، ووجد عليه آباءه، وترك ما خالفه من كلام أهل العلم، وغفلته عن كلام الله ورسوله، واستهزاؤه بمن طلب ذلك فهذا هو الضلال الذي أنكرنا، والأدلة على هذا من كلام أهل العلم أكثر من أتحصر"1.
ويوضح الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بتفصيل أكثر الموقف من الاجتهاد والتقليد بقوله: " مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف، وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، ونحن أيضا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض
…
"2، فاتضح من كلامه رحمه الله أنهم يقسمون الاجتهاد
1 عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 1/368ـ369.
2 انظر: الدرر السنية، 1/226ـ227.
إلى قسمين:
1ـ اجتهاد مطلق.
2ـ اجتهاد جزئي.
3ـ ويقسمون من يقوم به إلى:
1ـ مجتهد مطلق: وهو للمؤهل في أمور الدين، وقادر على إعطاء رأي مستقل، مثل الأئمة الأربعة، ونحوهم.
2ـ مجتهد مقيد: وهو لمن هو أقل رتبة من أولئك، ولكنه متعمق جدا في المسألة التي يريد الحكم فيها1.
ومما سبق يتضح موقف الشيخ وعلماء الدعوة الإصلاحية من الاجتهاد والتقليد، وأن منهجهم في ذلك منهج وسط يوافقون فيه جماهير علماء الإسلام وأئمته.
1 انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص 150.