الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11ـ
مراحل دعوة الشيخ
?
يستطيع المتأمل في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أن يحدد المراحل التي مرت بها دعوته إلى توحيد الله تعالى وإظهار دينه على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: الدعوة أثناء طلبه للعلم.
المرحلة الثانية: الدعوة في حريملاء.
المرحلة الثالثة: الدعوة في الدرعية.
المرحلة الرابعة: الدعوة في الدرعية.
وهذه المراحل تستوعب حياة الشيخ كلها الحافلة بالعطاء والخير.
ولكل واحدة منها مظاهر وأساليب دعوية بارزة عبر كتب المؤرخين والباحثين في دعوة الشيخ، وفيما يلي نتحدث عن كل مرحلة على حدة:
المرحلة الأولى: مرحلة قيامه بالدعوة أثناء طلبه للعلم:
لقد استشعر الشيخ رحمه الله تعالى أهمية الدعوة وضرورتها في حياة الناس، ولاسيما في وقته الذي انتشرت فيها كثير من المخالفات
? تحدث عن هذه المراحل: الشيخ د. صالح الفوزان، في كتاب من أعلام المجددين، ص62، ود. عبد الله المجلي في مذكرة محاضرات في الدعوة الإصلاحية، ود. محمد ضاهر، الدعوة الوهابية وأثرها، ص 47.
في جميع المجالات، فعمل الشيخ منذ وقت مبكر وهو يطلب العلم على تنبيه الناس وتحذيرهم من الممارسات الخاطئة في مجالات الاعتقاد والعبادة والسلوك والأخلاق.
ونستطيع تحديد هذه الفترة ابتداء من سفره لطلب العلم في مكة والمدينة مرورا بالعيينة والبصرة والأحساء وانتهاء بوصوله إلى حريملاء.
وهذه المرحلة مرتبطة برحلاته العلمية وأبرز مظاهرها ما يلي:
1ـ إدراك الشيخ لحال الأمة السيئ ولاسيما في بلده وانزعاجه من هذا الواقع وتذمره منه وانشغال فكره بمحاولة إصلاحه.
2ـ التحاور مع مشايخه، وبخاصة في المدينة حول الشركيات والبدع القائمة وطرق إصلاحها.
3ـ تنبيهه لبعض المسلمين تجاه ما يحصل منهم من أمور مخالفة للدين.
4ـ إنكاره للأمور الشائعة المخالفة للدين وبخاصة ما له صلة بالعقيدة، ولا سيما ما هو قائم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
5ـ إنكاره على الرافضة وغيرهم من الفرق بما كانوا يعملونه من ضلالات في البصرة.
6ـ رده على الشبهات التي كان يثيرها خصومه وبخاصة الرافضة في البصرة.
وكان الأسلوب الذي سلكه الشيخ في هذه المرحلة هو أسلوب
وقبل الحديث عن جهود هذين الصنفين ودورهما في نصرة الدعوة الإصلاحية ونشرها، نبين هذين الصنفين عموما.
فلا شك أن لهذين الصنفين أثرا عظيما في ترسيخ مفهوم الأفكار والدعوات والعقائد في نفوس الناس أيا كان نوع هذه الأفكار ولدعوات.
ونضرب لذلك مثلا في فتنة خلق القرآن، التي قال بها المعتزلة والجهمية، فهذه الدعوة الباطلة انتشرت في ذلك الزمان؛ لأنها وجدت مناصرة وتأييدا من بعض الحكام وممن ينتسب لأهل العلم، فقد ناصرها في البداية الخليفة العباسي المأمون في آخر سنة من حياته، ثم استمرت الفتنة في عهد الخليفة المعتصم، وهكذا في عهد الخليفة الواثق، ووفق الله تعالى أهل السنة والجماعة بوقفة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ضد القائلين بها رغم ما تعرض له من الأذى والضرب والسجن، كل ذلك في سبيل نصرة وتأييد العقيدة الصحيحة1.
وهذا كله مما يؤكد على أهمية هذه المكانة التي يضطلع بها هذان الصنفان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه؛ وهم الذين يأمرون الناس وينهون، وذلك
1 انظر: ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي، تحقيق أحمد شاكر، ص 42ـ58.
وقد حظي الشيخ بتأييد بعض المحبين ومناصرتهم، ولكن المعارضين كانوا أقوى شوكة، فطلبوا من والد الشيخ أن يأمر ابنه بالكف عن دعوته فانصرف الشيخ بسبب ذلك إلى أعمال دعوية أخرى مثل:
4ـ تدريس بعض العلوم الشرعية والجلوس للطلبة في حلقات منتظمة.
5ـ تأليف كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد1.
وبعد وفاة والد الشيخ أصبح ابنه محمد أكبر شخصية علمية في حريملاء، واتجهت الأنظار إليه لما كان يتمتع به من علم وورع ودعو؛ ولذلك عاد مرة أخرى للقيام بالدعوة بعد وفاة والده عام1153هـ، فكثر أنصاره ومؤيدوه واشتهر أمره وذاع صيته خارج بلدة حريملاء، وبدأ بعض الأفراد يفدون إليه من البلاد المجاورة ليستمعوا ما يقوله، ولقيت دعوته قبولا لدى بعض أمراء البلدان الأخرى، ومنهم أمير العيينة عثمان بن معمر.
إلا أن البيئة ـ في حريملاء ـ لم تكن تتناسب لانطلاقة الدعوة على الوجه الذي كان الشيخ يتوخاه، وذلك بسبب رفض بعض الناس
1 انظر: المرجع السابق، ص45، وانظر: صفحة92 من هذا الكتاب.
الاستجابة للدعوة، ومحاولتهم إيقاع الأذى بالشيخ، دون أن يكون هناك سلطة سياسية قوية تساند الشيخ، إضافة إلى أن هناك بيئة جديدة مهيأة بصورة أفضل لقبول الدعوة ألا وهي بيئة العيينة، التي تأثر أميرها بالدعوة، وهي كذلك مسقط رأس الشيخ ومكان نشأته الأولى، فقرر الشيخ الانتقال إليها منهيا المرحلة الثانية من مراحل دعوته1.
المرحلة الثالثة: مرحلة قيامه بالدعوة في العيينة.
وصل الشيخ إلى العيينة سنة1154هـ تقريبا2، ومنذ وصوله رحب به أميرها عثمان بن معمر، الذي تأثر بالدعوة كما أشرنا، وأكرمه ووعده بالنصر، وأمر أتباعه بالتعاون مع الشيخ وتنفيذ ما يأمر به بعد أن عرف الأمير حقيقة الدعوة وما يترتب عليها من مصالح خيرة في الدين والدنيا، ثم تزوج الشيخ عمة الأمير عثمان وهي الجوهرة بنت عبد الله بن معمر التي كانت لها مكانة رفيعة في المجتمع وازدادت أواصر التقارب بين الشيخ والأمير فأصبحت فرص النجاح كبيرة لدعوة الشيخ، وأهم مظاهر هذه المرحلة ما يلي:
1ـ ازدياد عدد المنظمين إلى الدعوة من أهل العيينة وما حولها.
2ـ إقامة الدروس العلمية التي يحضرها عدد كبير من الطلبة.
1 انظر: المرجع السابق، ص45ـ46.
2 انظر: المرجع السابق، ص47.
3ـ قطع الأشجار التي كان يتوسل بها الجهال، ومن أشهرها شجرة الذيب.
4ـ هدم القباب التي أقيمت على القبور، وبخاصة ما أقيم على قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه.
5ـ القيام بالاحتساب ومعاقبة المقصرين في أداء الواجبات، ولا سيما عدم أداء الصلاة جماعة في المساجد.
6ـ تطبيق بعض الحدود الشرعية، وأعظم حدث في ذلك هو رجم المرأة التي اعترفت بالزنا وتوفرت فيها شروط الرجم.
7ـ إرسال الدعاة إلى البلدان النجدية القريبة من العيينة لنشر الدعوة وبيان حقيقتها.
8ـ مراسلة العلماء والزعماء خارج العيينة لإقناعهم بالدعوة وإزالة الشبه والضلالات عنها.
9ـ تأثر بالدعوة خلال هذه المرحلة عدد من وجهاء البلاد المجاورة ومن أبرزهم: مشاري وثنيان ابنا سعود أخوي الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية، وكذلك الأمير الشاب عبد العزيز بن الأمير محمد بن سعود الذي أصبح فيما بعد أحد علماء الدعوة والحاكم الثاني في الدولة السعودية الأولى.
واشتهر أمر الدعوة في هذه المرحلة اشتهار كبيرا، فلم يرق ذلك
الأمر لأعداء الدعوة من المنتسبين إلى العلم وغيرهم، فبدأوا يروجون الأباطيل ويخترعون الأكاذيب ضد الدعوة وصاحبها، وانطلقوا يؤلبون العامة والخاصة عليها ويضغطون على حاكم العيينة للتخلي عن مناصرة الشيخ وتأييده.
وقد أقنع أعداء الدعوة حاكم الأحساء سليمان آل محمد زعيم بني خالد الذي كان له نفوذ قوي على ابن معمر بأن يضغط عليه ليتخلص من الشيخ ويكف عن مناصرته.
فقبل زعيم الأحساء ذلك وطلب من عثمان بن معمر التخلي عن مناصرة الشيخ وتأييده، وهدده أنه إذا لم يفعل فإنه سيقطع عنه جميع ما يرد إليه من الأحساء سنويا من الأرزاق وغيرها.
وبالفعل تخاذل ابن معمر عن مناصرته للشيخ وتأييده وطلب منه أن يبحث له عن مكان آخر، ويرحل عن بلده1.
ولقد حاول الشيخ إقناع ابن معمر للعدول عن هذه الفكرة التي طرأت عليه قائلا:" إن الأمر الذي قمت به ودعوت إليه ما هو إلا الدعوة إلى كلمة التوحيد لا إله إلا الله وإلى أركان الإسلام وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أنت تمسكت به ونصرته نصرك الله على أعدائك، ولا يزعجك سليمان ولا تهتم لتهديداته، وإنني أرجو
1 تاريخ نجد، لابن غنام، 1/80.
الله أن يمنحك من التمكين والقوة ما ستملك بها بلاده وما وراءها وما دونها"1، ولكن ابن معمر كان قد اقتنع بفكرته فلم تؤثر فيه هذه النصائح والإرشادات، واختار العاجل على الآجل لحكمة من الله أن يجعل نصرة الدين والتمكين في أرض الجزيرة العربية لغيره، وهم آل سعود، ولما أصر ابن معمر على رأيه انتقل الشيخ إلى الدرعية.
المرحلة الرابعة: قيامه بالدعوة في الدرعية:
وبدأت هذه المرحلة منذ وصول الشيخ إلى الدرعية بعد خروجه من العيينة ولقائه بالأمير محمد بن سعود، وهذه هي المرحلة الحاسمة في حياة الشيخ وهي الأبرز والأهم بين المراحل الأخرى، ففيها توسعت الدعوة وانتشرت وقامت لها دولة هي الدولة السعودية الأولى.
وقد استخدم الشيخ في هذه المرحلة بمناصرة وتأييد الإمام محمد بن سعود وأبنائه من بعده رحمهم الله جيمع الأساليب والوسائل الدعوية المتاحة بدءا من أسلوب الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وانتهاء برفع راية الجهاد وصد مكائد خصوم الدعوة بالسيف وإزالة العقبات من طريق الدعوة وجمع المسلمين على إمام واحد في الجزيرة العربية.
1 عنوان المجد، لابن بشر، 1/10.