الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكبيرة في الدنيا فاسق وعاص، وفي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ولا يخلد في النار، ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء"1.
وليس معنى ذلك أن أهل السنة والجماعة لا يرون أن المسلم لا يمكن أن يخرج من دائرة الإسلام، بل إنه ربما خرج المسلم من دين الإسلام بسبب ما يأتي به من النواقض التي تخرجه من دائرة الإسلام، ولذلك نص علماء الإسلام قديما وحديثا على باب مهم في كتب الفقه أسموه باب حكم المرتد، وبينوا فيه " أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله ويكون بها خارجا عن الإسلام"2.
قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 217]، " المرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله تعالى أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته
…
أو سب الله سبحانه وتعالى أو رسوله كفر
…
"3.
وبعد هذا البيان الموجز لموقف أهل السنة والجماعة من قضية التكفير نقلا من كلام الأئمة المعتبرين نأتي إلى بيان موقف الشيخ
1 مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، د. العقل، ص 46.
2 العقيدة الصحيحة، وما يضادها، ابن باز، ص 14.
3 المغني والشرح الكبير 10/72ـ73.
محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من هذه القضية من خلال كلامه في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة التي يعتقدها، ومن خلال رده على خصومه الذين يتهمونه بأنه يتهاون في قضية التكفير ويكفر المسلمين بالعموم ويقاتلهم من أجل ذلك1، ويقولون كذلك بأنه يكفر بالظن ويكفر الجاهل.
فيرد الشيخ رحمه الله على ذلك كله بأقواله واضحة، لا غموض فيها، منها قوله:" ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام"2.
ويقول أيضا: " وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك"3.
ويرد الشيخ في موضع آخر التهم كلها حول التكفير والهجرة إليه وغير ذلك فيقول: " وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله"4.
1 انظر: كشف الشبهات، ص37ـ38.
2 رسالته لأهل القصيم، مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص11.
3 الدرر السنية1/82-83.
4 مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص25.
ويقول: " وأما القول بأنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم"1.
ويقول في نفيه لما اتهم به من شبه وضلالات: " إني أقول من اتبع دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو ساكن في بلده لا يكفيه ذلك حتى يأتي عندي فهذا أيضا من البهتان إنما المراد اتباع دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أي أرض كانت"2.
ومع نفي الشيخ لما نسب إليه من التكفير فإنه قد كتب رسالة مهمة أوضح فيها الأمور التي تخرج الإنسان من دائرة الإسلام سماها: نواقض الإسلام ومما ذكره في ذلك: " اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض:
الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .
وقال: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72] ، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.
الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، كفر إجماعا.
1 المرجع السابق، ص 101.
2 المرجع السابق، ص58.
الثالث: من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم فقد كفر.
الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.
الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر.
السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65، 66] .
السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] .
الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] .
التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.
العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22] ، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم"1.
وبهذا اتضح لنا منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في قضية التكفير وبيان موافقته لمنهج أهل السنة والجماعة فيها.
وبعد هذا نأتي لبيان موقفه رحمه الله في مسألة القتال والجهاد الذي قام به مع دولة التوحيد بقيادة الإمام محمد بن مسعود وأبنائه من بعده رحمهم الله أجمعين.
فما يقول الشيخ عن القتال؟
يقول رحمه الله: في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94] أي فتثبتوا، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله:{فَتَبَيَّنُوا} ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى"
1 مجموعة التوحيد، ص 271ـ272.
إلى أن يقول: " وإن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك"1.
فيتضح من كلامه رحمه الله أن منهجه في هذه المسألة يقوم على التثبت لعظم حرمة دم المسلم عند الله، ولا يقاتل أحدا إلا إذا أظهر ما يناقض دين الإسلام عن علم واستكبار.
ويقول أيضا: "وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 50] ، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفه"2.
ويقول أيضا: " نقاتل عباد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق.."3، فهو لم يقم بالقتال لتحصيل مآرب دنيوية وإنما كان الغرض منه عدة أسباب:
1ـ إما دفاعا عن النفس والمحارم.
2ـ المقابلة والمجازاة، والعقاب بالمثل.
3ـ المجاهرون المعاندون لدين الحق بعد إعلامهم وتبليغهم
1 كشف الشبهات، المطبوع مع مجموعة التوحيد، ص 231.
2 مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص 158.
3 المرجع السابق، ص98.
7ـ
موقفه من التقليد والاجتهاد
التقليد: قبول قول الغير بلا حجة ولا دليل1.
وينقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
1ـ التقليد بعد ظهور الدليل وقيام الحجة، وهذا تقليد مذموم؛ لأن الله تعالى ذم الكافرين بسبب تقليدهم الآباء في الضلالة كما قال تعالى عنهم:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف: 23] ، فإذا ورد الدليل الصحيح فعلى المسلم الالتزام به وتطبيقه، دون النظر لقول كائن من كان.
2ـ التقليد مع القدرة على الاستدلال والبحث عن الدليل، فهذا تقليد مذموم أيضا لقدرته وتمكنه من معرفة الدليل.
3ـ التقليد في فروع العبادات والمعاملات والسلوك وغيرها، لمن لا يعرف الدليل وطريقة الاستدلال، وهذا تقليد سائغ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]2.
وقد شنع علماء الإسلام على التقليد بلا دليل في كل المسائل؛
1 التعريفات، الجرجاني، ص 90.
2 انظر: الدرر السنية، 4/68، 4/389، وانظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص151ـ152.
والأئمة الأربعة رحمهم الله نهوا عن ذلك، فهذا الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يقول:" لا تقلدوني ولا تقلدوا مالكا ولا الشافعي ولا الثوري وتعلموا كما تعلمنا..وقال: لا تقلد الرجال فإنهم لن يسلموا أن يغلطوا"1.
وقال الإمام مالك رحمه الله: " إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في قولي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به، وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه"2.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت"3.
وكان الإمام أبو حنيفة رحمه الله يقول إذا أفتى: "هذا رأيي، وهذا أحسن ما رأيت فمن جاء برأي خير منه قبلناه"4.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "قد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن الله سبحانه وتعالى فرض على الخلق طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يوجب على هذه الأمة طاعة أحد بعينه في
1 ابن تيمية، مجموع الفتاوى، 20/211.
2 المرجع السابق، 20/210.
3 المرجع السابق، بنفس الموضع.
4 المرجع السابق، بنفس الموضع.
كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم.."1.
فاتضح مما سبق أن المعول عليه في الشريعة هو الدليل، ويكون التعصب له دون أقوال الرجال؛ لأن كل واحد يؤخذ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم فهو المبلغ عن ربه:{وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3-4] .
أما الاجتهاد: فهو بذل الوسع في معرفة حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط2.
فالاجتهاد لا يكون إلا ممن لديه القدرة عليه وتوفرت فيه شروط عدة: كالعقل والبلوغ والعدالة والعلم بالدين ومعرفة أحكامه، والعلم باللغة العربية، وبأصول الفقه وقواعده العامة، ويعرف أيضا: المجمع عليه، والمختلف فيه، وأن يكون عالما بمقاصد الشريعة، وغيرها من الشروط، ولا يكون الاجتهاد في الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة أو التي ثبتت بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة، أو ما أجمع عليه، وإنما يكون في مسائل الفروع التي ورد فيها دليل محتمل لعدة معان، كما يجوز في الأحكام التي لم يرد فيها نص ولا إجماع3.
1 المرجع السابق، بنفس الموضع.
2 انظر: إرشاد الفحول، الشوكاني، ص 250.
3 انظر: إرشاد الفحول، الشوكاني، ص 250ـ255، وانظر: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، بحث في مؤتمر الفقه المنعقد في جامعة الإمام عام1396هـ، ص 26ـ30.
والموقف من الاجتهاد والتقليد لخصه علماؤنا أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية في فتوى صدرت منهم نصها:
"من كان أهلا لاستنباط الأحكام من الكتاب والسنة ويقوى على ذلك ولو بمعونة الثروة الفقهية التي ورثناها عن السابقين من علماء الإسلام كان له ذلك ليعمل به في نفسه، وليفصل به في الخصومات وليفتي به من يستفتيه، ومن لم يكن أهلا لذلك فعليه أن يسأل الأمناء من أهل العلم في زمنه، أو يقرأ كتب العلماء الأمناء الموثوق بهم ليتعرف الحكم من كتبهم ويعمل به من غير أن يتقيد في سؤاله أو قراءته بعالم من علماء المذاهب الأربعة، وإنما رجع الناس للأربعة لشهرتهم وضبط كتبهم وانتشارها وتيسرها لهم.
ومن قال بوجوب التقليد على المتعلمين مطلقا فهو مخطئ جامد سيء الظن بالمتعلمين عموما وقد ضيق واسعا ومن قال بحصر التقليد في المذاهب الأربعة المشهورة فهو مخطئ أيضاً وقد ضيق واسعاً بغير دليل، ولا فرق بالنسبة للأمي بين فقيه من الأئمة الأربعة وغيرهم، كالليث بن سعد والأوزاعي ونحوهما من الفقهاء"1.
وقبل ذكر موقف الشيخ وعلماء الدعوة في مسألة التقليد
1 مجلة البحوث الإسلامية، العدد: 53، ص 101.
والاجتهاد لابد أن نشير إلى أنه مما مدحت به دعوة الشيخ بأنها دعت إلى فتح باب الاجتهاد وفق ضوابطه الشرعية ونبذ التقليد1، كما أن هذا الموضوع مما ذمه بها خصومها حيث وصفت الدعوة من أولئك بأنها تمردت على المذاهب الفقهية ورفضتها وجاءت بمذهب جديد يخالف مذاهب الفقهاء المعتبرين عند أهل الإسلام على حد زعمهم، وأيضا بأن الشيخ يدعي الاجتهاد ويرفض التقليد2.
ونعود إلى موقف الشيخ من هذه القضية:
فنجده ينفي ما ينسبه إليه أعداؤه وخصومه بأنه يدعي الاجتهاد المطلق وينهى عن التقليد، وفي ذلك يقول رحمه الله:" وما ذكرتم من حقيقة الاجتهاد فنحن مقلدون للكتاب والسنة وصالح سلف الأمة، وما عليه الاعتماد من أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله"3.
ويقول أيضا: " لم أستدل بالقرآن والحديث وحدي حتى يتوجه علي ما قيل من أني نسبت نفسي إلى الاجتهاد، ولا خلاف في أن أهل العلم إذا أجمعوا وجب اتباعهم ولكن الشأن إذا اختلفوا، هل يجب قبول الحق ممن جاء به ورد المسألة إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم مقتدين بأهل العلم؟ أو ننتحل قول بعضهم من غير حجة ونزعم أن الصواب في
1 الدعوة الوهابية وأثرها، د. محمد ضاهر، ص 191ـ192.
2 انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب حياته وفكره، د. العثيمين، ص146.
3 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص96.
قوله"1.
ويقول الشيخ أيضا: " وأما مذهبنا فمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إمام أهل السنة، ولا ننكر على أهل المذهب الأربعة إذا لم يخالف نص الكتاب والسنة وإجماع الأمة وقول جمهورها"2.
والشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بين في بعض رسائله التقليد الممنوع والمأذون فيه والمباح فقال:" وأما القول في التقليد واتباع الدليل فإن الله تعالى فرض علينا فرضين:
الأول: اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك مخالفته في كل شيء، وأن الإنسان لا يؤمن حتى يحكمه فيما شجر بينه وبين غيره، قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} النساء: 65.
والفرض الثاني: أن الله فرض علينا في كل مسألة تنازعنا فيها أن نردها إلى الله والرسول كما قال تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . [النساء: 59] ، وخاطب بها جميع المؤمنين، المجتهد وغيره، ولكن نقول: الواجب عليك تقوى الله ما استطعت، وذلك أن
1 انظر: الدرر السنية، 1/44ـ45، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب السلفية، د. العبود، 1/364.
2 مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الرسائل الشخصية، 5/107.
تطلب علم ما أنزل الله على رسوله من الكتاب والحكمة على قدر فهمك فما عرفت من ذلك فاعمل به، وما لم تعرفه واحتجت فيه إلى تقليد أهل العلم؛ قلدتهم، وما أجمعوا عليه فهو الحق، وما تنازعوا فيه، ردّ إلى الله والرسول، وأما أخذ الإنسان ما اشتهت نفسه، ووجد عليه آباءه، وترك ما خالفه من كلام أهل العلم، وغفلته عن كلام الله ورسوله، واستهزاؤه بمن طلب ذلك فهذا هو الضلال الذي أنكرنا، والأدلة على هذا من كلام أهل العلم أكثر من أتحصر"1.
ويوضح الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب بتفصيل أكثر الموقف من الاجتهاد والتقليد بقوله: " مذهبنا في أصول الدين مذهب أهل السنة والجماعة، وطريقتنا طريقة السلف، وهي أنا نقر آيات الصفات وأحاديثها على ظاهرها، ونحن أيضا في الفروع على مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ولا ننكر على من قلد أحد الأئمة الأربعة، ولا نستحق مرتبة الاجتهاد المطلق، ولا أحد لدينا يدعيها، إلا أننا في بعض المسائل إذا صح لنا نص جلي من كتاب أو سنة غير منسوخ ولا مخصص ولا معارض بأقوى منه وقال به أحد الأئمة الأربعة أخذنا به وتركنا المذهب كإرث الجد والإخوة، فإنا نقدم الجد بالإرث وإن خالف مذهب الحنابلة ولا مانع من الاجتهاد في بعض المسائل دون بعض
…
"2، فاتضح من كلامه رحمه الله أنهم يقسمون الاجتهاد
1 عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 1/368ـ369.
2 انظر: الدرر السنية، 1/226ـ227.
إلى قسمين:
1ـ اجتهاد مطلق.
2ـ اجتهاد جزئي.
3ـ ويقسمون من يقوم به إلى:
1ـ مجتهد مطلق: وهو للمؤهل في أمور الدين، وقادر على إعطاء رأي مستقل، مثل الأئمة الأربعة، ونحوهم.
2ـ مجتهد مقيد: وهو لمن هو أقل رتبة من أولئك، ولكنه متعمق جدا في المسألة التي يريد الحكم فيها1.
ومما سبق يتضح موقف الشيخ وعلماء الدعوة الإصلاحية من الاجتهاد والتقليد، وأن منهجهم في ذلك منهج وسط يوافقون فيه جماهير علماء الإسلام وأئمته.
1 انظر: الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص 150.
8ـ
رفض الشيخ لمناهج الجاهلية وفضحه لمسائلها
?
يرى الشيخ رحمه الله أن لا غنى للمسلم عن معرفة أحوال أهل الجاهلية والحق لا يتبين إلا بمعرفة ضده في أحيان كثيرة، ومع ذلك فالشيخ لا يرتضي مناهج الجاهلية، ويحاربها أشد المحاربة في دعوته الإصلاحية المباركة، والتي هي في الأساس تقف موقف الضد لمناهج الجاهلية الباطلة.
والشيخ يرى أن الشرك إذا خالط العبادة أفسدها وأحبط العمل مستدلا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116]، وقوله تعالى:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: 65] .
يقول الشيخ رحمه الله: "القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركا من الأولين؛ لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة قال تعالى:{فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65] ، لذا نرى كثيرا ممن يعبد الأولياء
? تحدث عن هذه المسألة الدكتور مرشد في مذكرة الدعوة الإصلاحية للمستوى الثالث في كلية أصول الدين بالقصيم.
وأضرحة المشايخ والسادة يخلصون في الشرك بدعائهم والاستغاثة بهم في حال الشدة والرخاء، بل ربما أن بعضهم ليزداد في الشرك كلما اشتد بهم البلاء بخلاف المشركين الأولين فإنهم كانوا يشركون بالله في حال الرخاء والسرور، وفي حال الشدة كانوا يخلصون الدعاء والتضرع إلى الله، كما نطق بذلك القرآن الكريم، ومشركو زماننا شركهم في الرخاء والشدة، يدعون الأولياء ويستغيثون بهم في كل وقت، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل"1.
وللشيخ كتاب مطبوع في مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية، وذكر فيه ما يزيد عن المائة من المسائل التي خالف فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية ومنهاجهم2.
ولقد نهج الشيخ في رد مناهج الجاهلية وكشفه لزيفها ببيانه أن الذي يدخل في الإسلام هو الإيمان بجميع أنواع التوحيد وأهمها: توحيد الألوهية وهو أن يعبد الله وحده لا شريك له ولا يعبد معه غيره لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، والرسول صلى الله عليه وسلم بعث وأهل الجاهلية يعبدون مع الله غيره فمنهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو عيسى
1 أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع، ص 28.
2 طبع هذا الكتاب عدة طبعات منها: ما هو بنص كلام الشيخ رحمه الله وبعضها بشرح العلامة محمود الألوسي رحمه الله.
ومنهم من يدعو الملائكة وغير ذلك، فنهاهم عن هذا كله، وأخبرهم أن الله أرسله لعبادته سبحانه وحده لا شريك له في جميع أنواع العبادة، قال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة: 5]، وقوله:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] ، وغيرها كثير من الآيات الدالات على وجوب صرف العبادة لمن يستحقها وهو الله جل شأنه، والبعد عن كل أنواع الشرك بالله تعالى.
"دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله"
ولما رأى الشيخ رحمه الله ما عليه الناس من البعد عن دين الله تعالى، والانحراف في الأخلاق، وشيوع المنكرات، وتفشي الخرافات في المجتمع إذ ذاك، قام بالجهر بدعوته الإصلاحية المباركة، فرفض أمور الجاهلية كلها وفضح مسائلها وكشف أباطيلها، وذلك من خلال دعوة الناس للرجوع إلى ما كان عليه الصدر الأول من هذه الأمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام والتابعين لهم بإحسان، فسعى لتخليص التوحيد وتجريده من شوائب الشرك، وقام بإنكار التوسل الممنوع شرعا بالأولياء والصالحين، والتبرك بالأشجار والأحجار وغير ذلك، وجهر أيضا بمحاربة البدع وسائر الخرافات مدعما ما يقول بآيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال
وسيرة السلف الصالح، مظهرا كيف كانوا عليه من التمسك بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم.
ومن مسائل الجاهلية التي ذكرها الشيخ في كتابه:
أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله تعالى وعبادته، وأنهم يعرفون بالفرقة، ويخالفون ولي الأمر، وأن مبنى عبادتهم على تقليد من سبقوهم دون النظر في صحة ذلك من عدمها، ويقتدون بفسقة أهل العلم وجهالهم، وأنهم يحتجون على الحق بقلة أهله، وغرابته، وأنهم يغترون بقوتهم وقدرتهم، وثرواتهم، وأنهم يغلون في الصالحين من العلماء والأولياء، ويحرفون النصوص عن مواضعها، ويجاهرون بكشف العورات، ويتعبدون بتحريم الحلال، ويلحدون في أسماء الله وصفاته، وينسبون النقائص إلى الله تعالى، إلى غير ذلك من المسائل التي ذكرها الشيخ رحمه الله في كتابه:"مسائل الجاهلية"، واستند في ذلك كله على نصوص الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح.
9ـ
منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
من الشعائر الهامة في دين الإسلام؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لآثاره الجليلة والعظيمة في الحفاظ على المجتمع وصيانته بإقامة شرع الله فيه وتطبيق أحكامه، وما يحصل من خلاله من حرص أفراده بعضهم على بعض بالابتعاد عن المعاصي والمنكرات، والحث على فعل الطاعات والمأمورات.
وقد عده الله عز وجل من الأمور التي تميزت به هذه الأمة الخيرة عن الأمم السابقة بقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110] .
وبين أهميته أيضا النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل المدهن1في حدود، والواقع فيها مثل قوم استهموا في سفينة فصار بعضهم في أسفلها، وصار بعضهم في أعلاها، فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين في أعلاها، فتأذوا به، فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفية، فأتوه، فقالوا: مالك؟ قال: تأذيتم بي ولا بد لي من الماء، فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم، وإن تركوه أهلكوه
1 المدهن: من الإدهان: وهو المحابة في غير حق، وهو الذي يرائي ويضيع الحقوق ولا يغير المنكر.
انظر: عمدة القارئ إلى صحيح البخاري، محمود العيني، 11/180.
وأهلكوا أنفسهم" 1.
فشبه الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الاحتساب بأنه هو الذي يمنع من غرق السفينة والتي هي هنا المجتمع، وبهذا يكون الاحتساب ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ هو سفينة النجاة للمجتمع، والذي يحميه بإذن الله تعالى من الشرور والآثام والظلم.
يقول الإمام الغزالي رحمه الله موضحا أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:"هو القطب الأعظم في الدين وهو المهم الذي ابتعث الله له النبيين أجمعين2، ولو طوي بساطه، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت النبوة، واضمحلت الديانة، وعمت الفترة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق، وخربت البلاد، وهلك العباد"، فبين الإمام الغزالي رحمه الله الأهمية الكبرى والمصالح العظمى التي توجد وتتحقق بوجود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع المسلم.
ولقد سار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الاهتمام بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووجوبه وفق نصوص
1 رواه البخاري، في كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، رقم:2686.
2 لأن بعثة الأنبياء والرسل عليهم السلام مهمتها الأمر بالمعروف وعلى رأسه التوحيد والنهي عن المنكر وعلى رأسه الشرك بالله تعالى، يقول عز وجل:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
3 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص 5.
الكتاب والسنة ومنهج الأئمة الأعلام من السلف، فقال في رسالته لأهل القصيم:"وأرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية"1، وفي هذا التزام منه رحمه الله بنصوص الكتاب والسنة والتي توجب القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنها: قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران104]، وقوله:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [التوبة: 71]، وقوله صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"2.
ويرى الشيخ رحمه الله بأن هناك عدة شروط ينبغي الاهتمام بها عند القيام بالاحتساب على من ترك معروفا أو فعل منكرا، ومن هذه الشروط:
1ـ العلم والمعرفة قبل الاحتساب، يقول رحمه الله:"الإنسان لا يجوز له الإنكار إلا بعد المعرفة، فأول درجات الإنكار معرفتك أن هذا مخالف لأمر الله"3.
1 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص11.
2 رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، رقم:70.
3 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص284.
2ـ الرفق وعدم العجلة.
3ـ الصبر على تبعات الاحتساب، يقول رحمه الله:" أهل العلم يقولون: الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يحتاج إلى ثلاث: أن يعرف ما يأمر به وينهى عنه، ويكون رفيقا فيما يأمر به وينهى عنه، صابرا على ما جاءه من الأذى"1.
4ـ أن يكون المنكر ظاهرا بدون تجسس، مع الحرص على التثبت قبل الإنكار.
يقول الشيخ في إحدى رسائله ناصحا بعض أتباعه: " وعلى كل حال أنبهكم على مسألتين:
الأولى: عدم العجلة، ولا تتكلمون إلا مع التحقق فإن التزوير كثير.
الثانية: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف المنافقين بأعيانهم ويقبل علانيتهم، ويكل سرائرهم إلى الله، فإذا ظهر منهم ما يوجب جهادهم جاهدهم"2.
يقول ابن رجب الحنبلي رحمه الله: " قوله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا"،يدل على أن الإنكار متعلق بالرؤية، فلو كان مستورا فلم يره، ولكن علم به، فالمنصوص عن أحمد في أكثر الروايات أنه لا يتعرض
1 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص296.
2 المرجع السابق، ص285، "بتصرف يسير".
له، ولا يفتش ما استراب به"1.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: " ومتى لم تتبين لكم المسألة لم يحل لكم الإنكار على ما أفتي أو عمل حتى يتبين لكم خطؤه، بل الواجب السكوت والتوقف، فإذا تحققتم الخطأ بينتموه"2.
5ـ أن لا يؤدي إنكار المنكر إلى منكر أكبر منه:
يقول الشيخ رحمه الله: " يذكر العلماء أن إنكار المنكر إذا صار يحصل بسببه افتراق لم يجز إنكاره، فالله الله في العمل بما ذكرت لكم، والتفقه فيه فإنكم إن لم تفعلوا صار في إنكاركم مضرة على الدين"3.
ويقول أيضا: " إن بعض أهل الدين ينكر منكرا وهو مصيب، لكن يخطئ في تغليظ الأمر إلى شيء يوجب الفرقة بين الإخوان"4.
وفي هذا التزام منه رحمه الله بالقاعدة الأصولية: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"؛ لأن النهي عن المنكر يكون محرما إذا ترتب عليه منكر أكبر منه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
1 جامع العلوم والحكم، ص323، ومعنى كلمة" استراب" مأخوذ من الريبة، وهي: التهمة والشك، انظر: مختار الصحاح، للرازي، ص111، "مادة: ريب".
2 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص240.
3 المرجع السابق، ص 296.
4 المرجع السابق، ص 296.
فإن الأمر والنهي، وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة، ودفع مفسدة، فينظر في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأمورا به، بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته"1.
فتبين مما سبق قيام منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق النصوص الشرعية وأقوال السلف الصالح رحمهم الله تعالى2.
والناظر في سيرة الشيخ رحمه الله وحياته العلمية يجدها مليئة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والاحتساب على ترك المعروف بجميع أنواعه بدءا بأعظمها وهو توحيد الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له والإيمان بربوبيته وأسمائه وصفاته العلا، والاحتساب أيضا على فعل المنكرات بجميع أنواعها بدءا بأعظمها وهو الشرك بالله تعالى وجميع مظاهره ووسائله وجميع المعاصي والمنكرات الأخرى.
وبهذا نكون قد أنهينا الحديث عن عدد من المسائل العقدية المهمة التي تناولنا فيها موقف الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فيها لنؤكد ما سبق أن بدأنا به على سلفية دعوته الإصلاحية المباركة، واعتمادها على كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وفق منهج السلف الصالح.
1 مجموع الفتاوى، 28/129.
2 للاستزادة حول منهج الشيخ رحمه الله في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انظر: احتساب الشيخ محمد بن عبد الوهاب، مرفت أسرة، ص 182-189، الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العثيمين، ص 254.
10ـ
أهداف دعوة الشيخ وأبرز إصلاحاتها
قامت دعوة الشيخ رحمه الله على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وآثار السلف الصالح رضوان الله عليهم، وقد سعت هذه الدعوة المباركة إلى تحقيق عدد من الأهداف المباركة، أصلحت من خلالها أوضاع الناس الدينية والاجتماعية، وكان من هذه الأهداف والإصلاحات1:
1ـ إيضاح عبودية المخلوق للخالق وتحقيقها، وذلك بعد أن جهل الناس حقيقتها وقصروا في الالتزام بها، بل جاؤوا بما يخالفها قولا وعملا واعتقادا، كما عرفنا ذلك عند الحديث عن حال الجزيرة العربية والعالم الإسلامي قبل قيام الشيخ بالدعو، وعمل رحمه الله على تحقيق ذلك من خلال:
أـ الدعوة إلى إخلاص العبادة لله تعالى وتخليص التوحيد مما شابه من الشرك2.
ب ـ العمل على إبطال التوسل بالأولياء والصالحين ودعائهم من دون الله، والاستغاثة والاستعانة بهم3، وإزالة مظاهر ذلك
1 من وجه نظر شخصية: أجزم بأنه لا يمكن فصل الإصلاحات عن الأهداف، وخصوصا في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، حيث إنه ما قام بها إلا رغبة منه رحمه الله في تحقيق هذه الأهداف المذكورة ليصلح وضع الناس ويجدد لهم دينهم.
2 الناظر في مؤلفات الشيخ رحمه الله ورسائله: يجد أن هذا الأمر"التوحيد" الأصل والأساس فيها، وفيه برزت أغلب إصلاحاته، وحوله كانت جل مؤلفاته.
3 انظر: منهج الشيخ في التوسل المشروع والممنوع، في كتاب: الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد المفترى عليه، أحمد آل بوطامي، ص49-60.
بهدم القباب التي على القبور والمباني المشيدة عليها وتسويتها، وكذلك إزالة جميع مظاهر الشرك الأخرى من عبادة الأحجار والأشجار والتبرك بها1.
جـ ـ الدعوة إلى الكفر بالطواغيت والإعراض عن عبادتهم، وأن كل ما عبد من دون الله وهو راض بذلك فهو طاغوت، وقد بين الشيخ أن الطواغيت كثيرون، وأن رؤوسهم خمسة، وهي:
الأول: الشيطان الداعي إلى عبادة غير الله، والدليل قوله تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس:60] .
الثاني: الحاكم الجائر المغير لأحكام الله تعالى والدليل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60] .
1 يدل على ذلك أمثلة كثيرة، منها: قيامه بهدم القبة التي على قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه، وقطعه لبعض الأشجار التي كان الناس يأتونها ويتقربون إليها، كشجرة قريوة وشجرة الذيب وغيرها، انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد، لابن بشر، 1/9-10.
وفي هذا يوصي النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقوله:" أن لا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته" رواه مسلم، كتاب الجنائز، باب الأمر بتسوية القبر، رقم: 1609، وقد كان ذلك هو منهج السلف رحمهم الله فقد سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما: آتي الطور؟ فقال" دع الطور ولا تأتها، وقال: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، صححه الألباني، تحذير الساجد، ص94، والشواهد على عدم جواز التبرك بالأشجار والأحجار والقبور ونحوها في دين الإسلام كثيرة، كحديث ذات أنواط في الترمذي، كتاب الفتن، باب لتركبن سنن من كان قبلكم، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحجر الأسود: " إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا=
الثالث: الذي يحكم بغير ما أنزل الله، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] .
الرابع: الذي يدعي علم الغيب من دون الله، والدليل قوله تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} [الجن: 26ـ27] .
الخامس: الذي يعبد من دون الله وهو راض بالعبادة، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 29]1.
دـ نبذ البدع والخرافات وذلك لكونها إحداثا في دين الله تعالى مما لم يشرعه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد جاء التحذير من البدع والتنفير منها في نصوص متعددة من الكتاب والسنة2.
يقول الشيخ رحمه الله: " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البدع في دين الله ولو صحت نية فاعلها.."3.
= أنى رأيت النبي صلى الله يقبلك ما قبلتك" رواه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود، ورواه مسلم في كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود، فالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حينا قام بهدم مظاهر الشرك في وقته ومحاربتها فهو يتبع منهج أهل السنة والجماعة في ذلك، ليتوجه المسلمون بعباداتهم إلى الله وحده لا شريك له.
1 مجموعة التوحيد، ص260.
2 انظر: ص59 من هذا الكتاب.
3 مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص84.
2ـ الاهتمام بالمجتمع المسلم من الناحيتين التعليمية والتنظيمية وغيرهما، وقد سلك الشيخ رحمه الله لتحقيق ذلك من خلال:
أـ العناية بتعليم العامة من حاضرة وبادية، رجالا ونساء، أصول دينهم ودعوتهم إلى ذلك بالحسنى من خلال دروسه وخطبه ورسائله، والاهتمام بالمتعلمين والعناية بهم وتأصيل منهج التعليم عندهم لترسيخ العلم في نفوسهم وزيادة الوعي في أهمية التعليم والدعوة، يقول الشيخ رحمه الله:" فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال.."1.
ويقول رحمه الله مبينا الواجبات التي ينبغي الالتزام بها: " وجوب اتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك البدع، وإن اشتهرت بين أكثر العوام، وليُعلم أن العوام محتاجون إلى كلام أهل العلم من تحقيق هذه المسائل ونقل كلام العلماء، فرحم الله من نصر الله ورسوله ودينه، ولم تأخذه في الله لومة لائم"2.
ب ـ العمل على جمع شمل المسلمين بعد التفرق، وإطفاء نيران الظلم والفتن بينهم، وإزالة الأحقاد والضغائن المترسبة في
1 انظر: المرجع السابق، ص127.
2 المرجع السابق، ص180.
نفوسهم، وتم ذلك بفضل الله ثم بالاتفاق المبارك مع الإمام محمد بن سعود رحمه الله الذي جمع الله شمل المسلمين في الجزيرة العربية تحت زعامته، ومن ثم ذريته من بعده.
3ـ إقامة دين الله تعالى بين عباده بالطرق الموصلة إلى ذلك، وقد سعى الشيخ لتحقيق هذا الهدف من خلال:
أـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث تولى الشيخ بنفسه القيام بالاحتساب في جميع مراحل دعوته وفي ذلك يقول رحمه الله: " وأنا صاحب منصب في قريتي، مسموع الكلمة
…
وألزمت من تحت يدي بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وغير ذلك من فرائض الله ونهيهم عن الربا، وشرب المسكرات
…
"1، وحينما استتب الأمر في الدرعية نظم الاحتساب فأصبح له رجاله المعينون له، بالإضافة إلى المحتسبين المتطوعين من أفراد المجتمع.
ب ـ الحكم بما أنزل الله تعالى وتطبيق الحدود الشرعية، فقد بذل الشيخ جهده في إقامة حكم إسلامي يلتزم بالشرع المطهر في كل مجالات الحياة، سواء حينما كان الشيخ في العيينة قبل خذلان ابن معمر له، أو بعد استقراره في الدرعية التي أصبحت عاصمة الدولة الإسلامية فيما بعد.
1 الدرر السنية، 1/65.
وقد برز تطبيق الحدود الشرعية في العيينة حينما نفذ حد الرجم على المرأة المحصنة المقرة به1، ثم في الدرعية بصورة دائمة وجميع بلاد الدولة السعودية بعد ذلك.
جـ ـ رفع راية الجهاد في سبيل نشر دين الله وإزالة الشرك والبدع أولا باللسان والحجة والبرهان، ثم بمقاتلة الخصوم المعتدين الذين سيروا جيوشهم لمحاربة الدعوة في الدرعية بعد ذلك، والوقوف ضد الدعوة وإقامة العقبات في طريقها2.
*****
1 انظر: عنوان المجد، لابن بشر، 1/10.
2 انظر: الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التاريخ، الرويشد، ص79ـ81، أهداف دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. إبراهيم الفارس، ص 11ـ24.
11ـ
مراحل دعوة الشيخ
?
يستطيع المتأمل في حياة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أن يحدد المراحل التي مرت بها دعوته إلى توحيد الله تعالى وإظهار دينه على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: الدعوة أثناء طلبه للعلم.
المرحلة الثانية: الدعوة في حريملاء.
المرحلة الثالثة: الدعوة في الدرعية.
المرحلة الرابعة: الدعوة في الدرعية.
وهذه المراحل تستوعب حياة الشيخ كلها الحافلة بالعطاء والخير.
ولكل واحدة منها مظاهر وأساليب دعوية بارزة عبر كتب المؤرخين والباحثين في دعوة الشيخ، وفيما يلي نتحدث عن كل مرحلة على حدة:
المرحلة الأولى: مرحلة قيامه بالدعوة أثناء طلبه للعلم:
لقد استشعر الشيخ رحمه الله تعالى أهمية الدعوة وضرورتها في حياة الناس، ولاسيما في وقته الذي انتشرت فيها كثير من المخالفات
? تحدث عن هذه المراحل: الشيخ د. صالح الفوزان، في كتاب من أعلام المجددين، ص62، ود. عبد الله المجلي في مذكرة محاضرات في الدعوة الإصلاحية، ود. محمد ضاهر، الدعوة الوهابية وأثرها، ص 47.
في جميع المجالات، فعمل الشيخ منذ وقت مبكر وهو يطلب العلم على تنبيه الناس وتحذيرهم من الممارسات الخاطئة في مجالات الاعتقاد والعبادة والسلوك والأخلاق.
ونستطيع تحديد هذه الفترة ابتداء من سفره لطلب العلم في مكة والمدينة مرورا بالعيينة والبصرة والأحساء وانتهاء بوصوله إلى حريملاء.
وهذه المرحلة مرتبطة برحلاته العلمية وأبرز مظاهرها ما يلي:
1ـ إدراك الشيخ لحال الأمة السيئ ولاسيما في بلده وانزعاجه من هذا الواقع وتذمره منه وانشغال فكره بمحاولة إصلاحه.
2ـ التحاور مع مشايخه، وبخاصة في المدينة حول الشركيات والبدع القائمة وطرق إصلاحها.
3ـ تنبيهه لبعض المسلمين تجاه ما يحصل منهم من أمور مخالفة للدين.
4ـ إنكاره للأمور الشائعة المخالفة للدين وبخاصة ما له صلة بالعقيدة، ولا سيما ما هو قائم عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم.
5ـ إنكاره على الرافضة وغيرهم من الفرق بما كانوا يعملونه من ضلالات في البصرة.
6ـ رده على الشبهات التي كان يثيرها خصومه وبخاصة الرافضة في البصرة.
وكان الأسلوب الذي سلكه الشيخ في هذه المرحلة هو أسلوب
وقبل الحديث عن جهود هذين الصنفين ودورهما في نصرة الدعوة الإصلاحية ونشرها، نبين هذين الصنفين عموما.
فلا شك أن لهذين الصنفين أثرا عظيما في ترسيخ مفهوم الأفكار والدعوات والعقائد في نفوس الناس أيا كان نوع هذه الأفكار ولدعوات.
ونضرب لذلك مثلا في فتنة خلق القرآن، التي قال بها المعتزلة والجهمية، فهذه الدعوة الباطلة انتشرت في ذلك الزمان؛ لأنها وجدت مناصرة وتأييدا من بعض الحكام وممن ينتسب لأهل العلم، فقد ناصرها في البداية الخليفة العباسي المأمون في آخر سنة من حياته، ثم استمرت الفتنة في عهد الخليفة المعتصم، وهكذا في عهد الخليفة الواثق، ووفق الله تعالى أهل السنة والجماعة بوقفة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ضد القائلين بها رغم ما تعرض له من الأذى والضرب والسجن، كل ذلك في سبيل نصرة وتأييد العقيدة الصحيحة1.
وهذا كله مما يؤكد على أهمية هذه المكانة التي يضطلع بها هذان الصنفان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه؛ وهم الذين يأمرون الناس وينهون، وذلك
1 انظر: ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي، تحقيق أحمد شاكر، ص 42ـ58.
وقد حظي الشيخ بتأييد بعض المحبين ومناصرتهم، ولكن المعارضين كانوا أقوى شوكة، فطلبوا من والد الشيخ أن يأمر ابنه بالكف عن دعوته فانصرف الشيخ بسبب ذلك إلى أعمال دعوية أخرى مثل:
4ـ تدريس بعض العلوم الشرعية والجلوس للطلبة في حلقات منتظمة.
5ـ تأليف كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد1.
وبعد وفاة والد الشيخ أصبح ابنه محمد أكبر شخصية علمية في حريملاء، واتجهت الأنظار إليه لما كان يتمتع به من علم وورع ودعو؛ ولذلك عاد مرة أخرى للقيام بالدعوة بعد وفاة والده عام1153هـ، فكثر أنصاره ومؤيدوه واشتهر أمره وذاع صيته خارج بلدة حريملاء، وبدأ بعض الأفراد يفدون إليه من البلاد المجاورة ليستمعوا ما يقوله، ولقيت دعوته قبولا لدى بعض أمراء البلدان الأخرى، ومنهم أمير العيينة عثمان بن معمر.
إلا أن البيئة ـ في حريملاء ـ لم تكن تتناسب لانطلاقة الدعوة على الوجه الذي كان الشيخ يتوخاه، وذلك بسبب رفض بعض الناس
1 انظر: المرجع السابق، ص45، وانظر: صفحة92 من هذا الكتاب.
الاستجابة للدعوة، ومحاولتهم إيقاع الأذى بالشيخ، دون أن يكون هناك سلطة سياسية قوية تساند الشيخ، إضافة إلى أن هناك بيئة جديدة مهيأة بصورة أفضل لقبول الدعوة ألا وهي بيئة العيينة، التي تأثر أميرها بالدعوة، وهي كذلك مسقط رأس الشيخ ومكان نشأته الأولى، فقرر الشيخ الانتقال إليها منهيا المرحلة الثانية من مراحل دعوته1.
المرحلة الثالثة: مرحلة قيامه بالدعوة في العيينة.
وصل الشيخ إلى العيينة سنة1154هـ تقريبا2، ومنذ وصوله رحب به أميرها عثمان بن معمر، الذي تأثر بالدعوة كما أشرنا، وأكرمه ووعده بالنصر، وأمر أتباعه بالتعاون مع الشيخ وتنفيذ ما يأمر به بعد أن عرف الأمير حقيقة الدعوة وما يترتب عليها من مصالح خيرة في الدين والدنيا، ثم تزوج الشيخ عمة الأمير عثمان وهي الجوهرة بنت عبد الله بن معمر التي كانت لها مكانة رفيعة في المجتمع وازدادت أواصر التقارب بين الشيخ والأمير فأصبحت فرص النجاح كبيرة لدعوة الشيخ، وأهم مظاهر هذه المرحلة ما يلي:
1ـ ازدياد عدد المنظمين إلى الدعوة من أهل العيينة وما حولها.
2ـ إقامة الدروس العلمية التي يحضرها عدد كبير من الطلبة.
1 انظر: المرجع السابق، ص45ـ46.
2 انظر: المرجع السابق، ص47.
3ـ قطع الأشجار التي كان يتوسل بها الجهال، ومن أشهرها شجرة الذيب.
4ـ هدم القباب التي أقيمت على القبور، وبخاصة ما أقيم على قبر زيد بن الخطاب رضي الله عنه.
5ـ القيام بالاحتساب ومعاقبة المقصرين في أداء الواجبات، ولا سيما عدم أداء الصلاة جماعة في المساجد.
6ـ تطبيق بعض الحدود الشرعية، وأعظم حدث في ذلك هو رجم المرأة التي اعترفت بالزنا وتوفرت فيها شروط الرجم.
7ـ إرسال الدعاة إلى البلدان النجدية القريبة من العيينة لنشر الدعوة وبيان حقيقتها.
8ـ مراسلة العلماء والزعماء خارج العيينة لإقناعهم بالدعوة وإزالة الشبه والضلالات عنها.
9ـ تأثر بالدعوة خلال هذه المرحلة عدد من وجهاء البلاد المجاورة ومن أبرزهم: مشاري وثنيان ابنا سعود أخوي الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية، وكذلك الأمير الشاب عبد العزيز بن الأمير محمد بن سعود الذي أصبح فيما بعد أحد علماء الدعوة والحاكم الثاني في الدولة السعودية الأولى.
واشتهر أمر الدعوة في هذه المرحلة اشتهار كبيرا، فلم يرق ذلك
الأمر لأعداء الدعوة من المنتسبين إلى العلم وغيرهم، فبدأوا يروجون الأباطيل ويخترعون الأكاذيب ضد الدعوة وصاحبها، وانطلقوا يؤلبون العامة والخاصة عليها ويضغطون على حاكم العيينة للتخلي عن مناصرة الشيخ وتأييده.
وقد أقنع أعداء الدعوة حاكم الأحساء سليمان آل محمد زعيم بني خالد الذي كان له نفوذ قوي على ابن معمر بأن يضغط عليه ليتخلص من الشيخ ويكف عن مناصرته.
فقبل زعيم الأحساء ذلك وطلب من عثمان بن معمر التخلي عن مناصرة الشيخ وتأييده، وهدده أنه إذا لم يفعل فإنه سيقطع عنه جميع ما يرد إليه من الأحساء سنويا من الأرزاق وغيرها.
وبالفعل تخاذل ابن معمر عن مناصرته للشيخ وتأييده وطلب منه أن يبحث له عن مكان آخر، ويرحل عن بلده1.
ولقد حاول الشيخ إقناع ابن معمر للعدول عن هذه الفكرة التي طرأت عليه قائلا:" إن الأمر الذي قمت به ودعوت إليه ما هو إلا الدعوة إلى كلمة التوحيد لا إله إلا الله وإلى أركان الإسلام وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أنت تمسكت به ونصرته نصرك الله على أعدائك، ولا يزعجك سليمان ولا تهتم لتهديداته، وإنني أرجو
1 تاريخ نجد، لابن غنام، 1/80.
الله أن يمنحك من التمكين والقوة ما ستملك بها بلاده وما وراءها وما دونها"1، ولكن ابن معمر كان قد اقتنع بفكرته فلم تؤثر فيه هذه النصائح والإرشادات، واختار العاجل على الآجل لحكمة من الله أن يجعل نصرة الدين والتمكين في أرض الجزيرة العربية لغيره، وهم آل سعود، ولما أصر ابن معمر على رأيه انتقل الشيخ إلى الدرعية.
المرحلة الرابعة: قيامه بالدعوة في الدرعية:
وبدأت هذه المرحلة منذ وصول الشيخ إلى الدرعية بعد خروجه من العيينة ولقائه بالأمير محمد بن سعود، وهذه هي المرحلة الحاسمة في حياة الشيخ وهي الأبرز والأهم بين المراحل الأخرى، ففيها توسعت الدعوة وانتشرت وقامت لها دولة هي الدولة السعودية الأولى.
وقد استخدم الشيخ في هذه المرحلة بمناصرة وتأييد الإمام محمد بن سعود وأبنائه من بعده رحمهم الله جيمع الأساليب والوسائل الدعوية المتاحة بدءا من أسلوب الموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وانتهاء برفع راية الجهاد وصد مكائد خصوم الدعوة بالسيف وإزالة العقبات من طريق الدعوة وجمع المسلمين على إمام واحد في الجزيرة العربية.
1 عنوان المجد، لابن بشر، 1/10.
الفصل الرابع: مناصروا الدعوة الإصلاحية
التمهيد
…
الفصل الرابع: مناصرو الدعوة الإصلاحية
أولا: التمهيد:
1ـ أهمية دور الحكام والعلماء في نصرة الدعوات وتأييدها:
يتناول هذا الفصل جانبا مهما من جوانب التعريف بالدعوة الإصلاحية، وذلك يتمثل في معرفة جهود عدد من الأعلام الذين أيدوا وناصروا دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بكل ما يملكون وكل حسب تخصصه وقدرته، وكان لتأييدهم هذا أثر عظيم بإذن الله تعالى في قيامها ومن ثم المحافظة على استمرارها وتواصلها.
وهؤلاء المناصرون الذين سنأتي للتعريف بجهودهم في نصرة الدعوة صنفان:
الصنف الأول: الحكام من آل السعود، الذين ساهموا في نصرتها ونشرها عن طريق قوتهم وحكمهم.
الصنف الثاني: عدد من علماء هذه الدعوة المباركة، الذين ساهموا في نشرها وتثبيتها في نفوس الناس عن طريق دروسهم ومؤلفاتهم.
وقبل الحديث عن جهود هذين الصنفين ودورهما في نصرة الدعوة الإصلاحية ونشرها، نبين هذين الصنفين عموما.
فلا شك أن لهذين الصنفين أثرا عظيما في ترسيخ مفهوم الأفكار والدعوات والعقائد في نفوس الناس أيا كان نوع هذه الأفكار ولدعوات.
ونضرب لذلك مثلا في فتنة خلق القرآن، التي قال بها المعتزلة والجهمية، فهذه الدعوة الباطلة انتشرت في ذلك الزمان؛ لأنها وجدت مناصرة وتأييدا من بعض الحكام وممن ينتسب لأهل العلم، فقد ناصرها في البداية الخليفة العباسي المأمون في آخر سنة من حياته، ثم استمرت الفتنة في عهد الخليفة المعتصم، وهكذا في عهد الخليفة الواثق، ووفق الله تعالى أهل السنة والجماعة بوقفة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله ضد القائلين بها رغم ما تعرض له من الأذى والضرب والسجن، كل ذلك في سبيل نصرة وتأييد العقيدة الصحيحة1.
وهذا كله مما يؤكد على أهمية هذه المكانة التي يضطلع بها هذان الصنفان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأولو الأمر أصحاب الأمر وذووه؛ وهم الذين يأمرون الناس وينهون، وذلك
1 انظر: ترجمة الإمام أحمد من تاريخ الإسلام للذهبي، تحقيق أحمد شاكر، ص 42ـ58.
يشترك فيه أهل اليد والقدرة، وأهل العلم والكلام، فلهذا كان أولو الأمر صنفين: العلماء والأمراء، فإذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس، كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما سئل: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح؟ قال: ما استقامت لكم أئمتكم"1.
فإذا استقام الأئمة، وهم: العلماء والأمراء والحكام، دل ذلك ولا شك على صلاح الأمة وتمسكها بأمور دينها، وعند ذلك تتحقق لها العزة والفلاح.
وقال رحمه الله أيضا: "الدين الحق لابد فيه من الكتاب الهادي والسيف الناصر، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ} [الحديد: 25] ، فالكتاب يبين ما أمر الله به وما نهى عنه، والسيف ينصر ذلك ويؤيده"2.
يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله: " معلوم أن الداعي إلى الله عز وجل إذا لم يكن لديه قوة تنصر الحق وتنفذه، فسرعان ما تخبو دعوته وتنطفي شهرته، ثم يقل أنصاره، ومعلوم ما للسلاح والقوة من
1 شيخ الإسلام ابن تيمية، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ص98.
2 منهاج السنة النبوية، ابن تيمية،1/531.
الأثر العظيم في نشر الدعوة، وقمع المعارضين ونصر الحق.."1.
ويقول أيضا: " أن بعض الدعاة لم يقدّر لدعواتهم النجاح لأسباب كثيرة، منها: عدم تيسر الناصر المساعد لهم"2.
ولقد كانت دولة آل سعود في أدوارها الثلاثة3هي الناصر
1 الإمام محمد بن عبد الوهاب دعوته وسيرته، للشيخ بن باز، ص42.
2 المرجع السابق، ص38.
3 ينتسب آل سعود إلى جدهم سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، وينتهي نسبهم إلى بكر بن وائل من بني أسد بن ربيعة، وتمتد جذورهم إلى زمن بعيد، فقد انتقل مانع المريدي من المنطقة الشرقية عام850هـ إلى حجر اليمامة بناء على دعوة ابن عمه ابن درع صاحب حجر والجزعة، وقد سموا موضعهم الجديد الدرعية نسبة له.
والأدوار أو الدول السعودية الثلاث هي:
الدولة السعودية الأولى: تبدأ من الاتفاقية المشهورة بين الإمام محمد بن سعود وبين الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام1157هـ، وحتى نهاية هذا الدور عام1233هـ.
الدولة السعودية الثانية: تبدأ من 1235 وحتى نهاية هذا الدور عام1309هـ.
الدولة السعودية الثالثة: تبدأ منذ فتح الملك عبد العزيز للرياض عام 1319هـ.
انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص149، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. عبد الله عثيمين، 1/80، الموسوعة العربية العالمية، 16/14ـ18.
وقد تميز حكم آل سعود في أدواره الثلاثة ـ ولله الحمد ـ بالتمسك بالشريعة الإسلامية وتحكيمها، مطبقين في ذلك قوله تعالى:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41] ، والمباحث التالية في هذا الفصل تبين هذه الأمور، نسأل الله تعالى للأموات منهم الرحمة والمغفرة، وللأحياء التوفيق والصلاح.
والمؤيد الأول ـ بعد تأييد الله تعالى وتوفيقه ونصره ـ لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، فالدولة السعودية الأولى هي التي أعانتها على القيام والمناصرة، ثم واصلت الدولتان السعوديتان الثانية والثالثة تلك الرعاية والإعانة والتأييد والنصرة لهذه الدعوة المباركة.
وأيضا كان من مناصري الدعوة الإصلاحية ومؤيديها عدد كبير من العلماء والدعاة، الذين ساهموا في نصرتها عن طريق مؤلفاتهم ورسائلهم ودروسهم، وجهادهم الطويل في الدفاع والذب عنها بكل الوسائل والأساليب المشروعة، لإيمانهم بأنها دعوة سلفية تقوم على الكتاب والسنة وفق مذهب أهل السنة والجماعة ولا تحيد عنه.
حرص الشيخ على وجود المناصر له للقيام بالدعوة:
كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله حريصا كل الحرص على وجود من يساند دعوته من الحكام؛ لكونه يستشعر أهمية دور الحاكم في حماية الدعوة وخصوصا في بداياتها من الأعداء والخصوم، وليساهم أيضا في تطبيق ما تدعو إليه وتأمر به، ويلزم من تحت حكمه بعدم المخالفة.
وقد استند الشيخ في حرصه هذا على سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
حينما كان يعرض نفسه في مكة على القبائل1قائلا: " ألا من رجل يحملني إلى قومه؟ فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي" 2، وأيضا اشتراطه صلى الله عليه وسلم للنصرة والمنعة على الأنصار حين اتفق معهم صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة بقوله صلى الله عليه وسلم:" وعلى أن تنصروني، فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة"3.
فيستفاد من موقفه هذا عليه الصلاة والسلام أهمية وجود الحماية والنصرة للداعية ليقوم بالبلاغ وهو مطمئن على نفسه وأتباعه من أعداء الحق4.
ولهذا كله حرص الشيخ رحمه الله على الاتصال بالحاكم المناصر والمؤيد للدعوة فبدأ ذلك باتصاله بابن معمر أمير العيينة، ولكن هذا الأمير لم يستطع إكمال تلك المناصرة نتيجة لخوفه من سليمان آل محمد حاكم الأحساء فقام بإخراج الشيخ، الذي اتجه بعد ذلك إلى الدرعية، كما سبق أن عرفنا في مراحل دعوة الشيخ.
1 انظر: ابن كثير، السيرة النبوية، 1/437.
2 رواه الترمذي في كتاب فضائل القرآن عن رسول الله، باب ما جاء كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الترمذي:" هذا حديث حسن صحيح"، رقم:2925.
3 رواه الإمام أحمد في المسند من حديث جابر، رقم:14456، وصححه الشيخ الأرناؤوط،22/348.
4 ويدل على أهمية ذلك أيضا قوله تعالى على لسان نبيه لوط عليه السلام: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] .
2ـ اللقاء التاريخي والبيعة المباركة:
بعد قدوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إلى الدرعية قادما من العيينة نزل ضيفا عند آل سويلم من أهالي الدرعية، ثم أتى إليه أمير الدرعية محمد بن سعود برفقته أخوه مشاري وثنيان، ورحب به الأمير غاية الترحيب والتبجيل.
فأخبره الشيخ بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وما دعا إليه وما كان عليه صحابته رضي الله عنهم، وما أعزهم الله به من الجهاد في سبيل الله وأغناهم به وجعلهم إخوانا، ثم أخبره بما عليه أهل نجد في زمنه من مخالفتهم لشرع الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالشرك بالله تعالى والبدع والاختلاف والظلم.
فلما تحقق الأمير من معرفة حقيقة دعوة الشيخ وهدفه وما في ذلك من المصالح الدينية والدنيوية، قال له: يا شيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه، فأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به، والجهاد لمن خالف التوحيد.
ثم اشترط الإمام محمد بن سعود على الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله مقابل تأييده والقوف مع دعوته شرطين:
1ـ أن لا يغادر الدرعية مستقبلا، وقال له: نحن إذا قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف أن ترتحل عنا وتستبدل بنا غيرنا.
2ـ وأن لا يعارضه فيما يأخذه من ضرائب سنوية على سكان
الدرعية في وقت الثمار، وقال له: إن لي على أهل الدرعية قانونا آخذه منهم وقت الثمار، وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئا.
وبعد ذلك قال الشيخ: أما الأولى فأبسط يدك الدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثانية فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات فيعوضك من الغنائم ما هو خير منها، وأرجو أن تكون إماما يجتمع عليه المسلمون وذريتك من بعدك"1.2.
وبهذا فقد اتفق الإمامان ـ رحمهما الله ـ على القيام بالدعوة ونشرها بكل ما يستطيعان من الوسائل، وكان ذلك الاتفاق سنة 1157هـ (1744م) ، وعلى هذا الأساس قامت نواة دولة جديدة في المنطقة هي الدولة السعودية الأولى.
1 انظر: حسين بن غنام، تاريخ نجد، 1/81، وعثمان بن بشر، عنوان المجد، 1/12، الشيخ ابن باز، الإمام محمد بن عبد الوهاب، ص34، د. عبد الله بن عثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ص 79.
2 يقول الشيخ د. التركي: فهذا الموقف من الإمام المناصر والشيخ المصلح، يذكرنا ببيعة العقبة الثانية، التي حدثت في موسم الحج في السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية، فقد قال أبو الهيثم بن النبهان رضي الله عنه: يا رسول الله إنا بيننا وبين الرجال حبالا، وإنا قاطعوها ـ يعني اليهود ـ فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟
فتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم ثم قال: " بل الدم بالدم، والهدم بالهدم، أنا منكم، وأنتم مني، أحارب من حاربتم، وأسالم من سالمتم".
انظر: الدولة والدعوة، ص27-28، السيرة النبوية لابن هشام، 2/442، والحديث رواه الإمام أحمد في المسند، في حديث كعب بن مالك الأنصاري، رقم: 15798، وحسنه الأرناؤوط، وقال" حديث قوي"، والمراد: بالهدم الهدم، أي أقبر حيث تقبرون، وقيل نحو: المحيا محياكم والممات مماتكم، أي: لا أفارقكم، انظر: مسند الإمام أحمد، تحقيق الأرناؤوط وآخرون، 25/89ـ95.
يقول الشيخ د. عبد الله التركي: " إن أصدق ما يقال في ظهور الدعوة وفي نشأة الدولة: أنهما وجهان لعملة واحدة، يستوي النظر إلى أي من الوجهين أولا؛ لأن تاريخ الدولة أو منهج الدعوة، لا يكتمل إلا بالنظر إلى الوجهين معا"1.
فوائد هذه الاتفاقية المباركة:
استطاعت هذه الاتفاقية المباركة بفضل الله تعالى من تحقيق عدد من الفوائد، من أبرزها:
1ـ دورها الكبير في نشر الدين الإسلامي الصحيح الخالي من الشوائب والبدع والخرافات في العقائد والعبادات والآداب والأحكام.
2ـ إحياء منهج أهل السنة والجماعة، والاقتداء بالسلف الصالح رحمهم الله تعالى.
3ـ ظهور نواة دولة سياسية مستقلة في نجد وبعد بذلك في الجزيرة العربية قائمة على أساس ديني.
4ـ تطبيق أحكام دين الإسلام وحدوده وشرائعه وشعائره، من أداء للصلوات في المساجد والالتزام بها والأمر بالمعروف والنهي عن
1 الدولة والدعوة، ص7.
المنكر، وإحياء روح الجهاد في سبيل الله تعالى لنشر الدعوة وتصحيح العقيدة ومحاربة البدع والخرافات، وإزالة العوائق التي تحول دون نشر دعوة الإسلام الصحيحة، ونحو ذلك.
5ـ ظهور حركة علمية قوية في نجد نتيجة لدروس الشيخ وقدوم طلاب العلم من البلدان المجاورة.
6ـ الاستقرار الأمني والسياسي نتيجة لوحدة المسلمين في الجزيرة العربية خلف إمام واحد يطبق الشريعة وأحكامها على الجميع.
7ـ دعوة جميع المسلمين في البلدان والقرى القريبة والبعيدة إلى قبول هذه الدعوة الإصلاحية المباركة، وإعطاء البيعة والسمع والطاعة للإمام ابن سعود رحمه الله.
هذه أبرز الفوائد الجليلة والعظيمة التي اتضحت وتجلت بفضل الله تعالى، ثم بفضل هذه الاتفاقية المباركة.
******
مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الأولى)
…
أولا: حكام الدولة السعودية الأولى ودورهم في نصرة الدعوة الإصلاحية
أـ جهود الإمام محمد بن سعود في الدعوة إلى الله:
التعريف به بإيجاز:
هو الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن آل سعود، ولد عام1109هـ وتوفي عام1179هـ، وقد تولى حكم الدرعية عام1139هـ، وعرف رحمه الله برجاحة العقل وحب الخير والإحسان إلى الرعية والشجاعة والإقدام1.
وقد قام الإمام محمد بن سعود بعد لقائه بالشيخ محمد بن عبد الوهاب واتفاقه معه بأهم حدث في منطقة نجد أزمنة عديدة2، وهذا الحدث كان له أثر عظيم في تاريخ المنطقة، ونقطة تحول مميزة في تاريخها3، لانطلاق الدعوة منها إلى بلدان المسلمين المختلفة، ولتأثيره الكبير على واقع الجزيرة العربية السياسي بقيام الدولة السعودية الأولى فيما بعد.
ويكفي الإمام محمد بن سعود رحمه الله عند بيان جهود في
1 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العيمين، 1/80ـ84.
2 انظر: تاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 1/34.
3 انظر: نشأة الدولة السعودية التطور التاريخي، د. الثقفي، ص6.
الدعوة إلى الله تلك الاتفاقية العظيمة التي مهدت ـ بفضل الله وتوفيقه ـ لنشر الدعوة الإصلاحية في أرجاء الجزيرة وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.
ولقد كانت حماية الإمام محمد بن سعود خير معين ـ بعد توفيق الله تعالى ـ لانتشار الدعوة وسعة نطاقها، فقد وفد إلى الشيخ عدد كبير ممن سمع بالدعوة وعلم بأمرها، حتى زاد عدد أهالي الدرعية بسبب ذلك.
وفي تلك الأثناء كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب وبدعم من الإمام محمد بن سعود رحمهم الله يراسل العلماء ورؤساء البلدان والقبائل في نجد ويرسل إليهم الوفود والعلماء لينضموا إلى الدولة الجديدة ولالتزام بالدعوة وتطبيقها، وقد استجاب لذلك عدد من أمراء تلك البلدان والقبائل طائعين ومختارين، ومن هؤلاء أمير العيينة، وحريملاء، ومنفوحة.
وبعد ذلك كان لزاما على الدولة أن تقوم بالجهاد في سبيل الله بعد الإعلام والإنذار والمكاتبات لإخضاع المعاندين لدعوة التوحيد وإجبارهم على قبولها وفقا لأحكام الشرع، وكان للإمام محمد بن سعود اليد الطولى في تجهيز الجيوش والنصرة، واستمرت الفتوحات حتى بلغت عددا من البلدان في نجد ـ ذلك الوقت ـ ومنها: الجبيلة، وحريملاء ـ بعد نكوص أميرها ـ، والزلفي، والخرج وغيرها.
وتتلخص جهود الإمام محمد بن سعود رحمه الله في الدعوة إلى الله من خلال النقاط الآتية:
1ـ نصرته وإعانته للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وحمايته له، مما كان له أثر عظيم ليقوم الشيخ بالدعوة بثقة واطمئنان، وساعد ذلك أيضا في كثرة أنصارها.
2ـ القيام بالدعوة إلى الله بالنفس والمال من خلال الجهاد في سبيل الله تعالى.
3ـ إقامة الدولة الفتية على أساس شرعي عقدي بعيدا عن العصبية والأفكار الحزبية والقبلية.
4ـ إلغاء الحكم العشائري الذي كان سائدا قبل قيام الدولة، واستبداله بتحكيم الشريعة.
5ـ الحرص على القيام بكل أحكام الشرع الإسلامي المبارك من إلزام الناس بأداء الفرائض وعدم التهاون بأمور الدين، وحضور الصلوات الخمس جماعة في المساجد، وإقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغيرها من شعائر الإسلام وشرائعه.
6ـ المساهمة في نشر العلم وتيسيره، في الحث عليه من خلال الحلق التي يعقدها الشيخ محمد بن عبد الوهاب، أو إرسال الدعاة من قبله.
7ـ تنظيم بيت المال تنظيما إسلاميا خالصا على أساس شرعي، فموارد بيت المال من الزكاة أو من خمس الغنائم، ويصرف هذا المال على الناس المستحقين للصدقة والزكاة، أو في مشاريع خيرية أو تعليمية أو رواتب العاملين في الدولة، ونحو ذلك مما شرعه الإسلام1.
هذه النقاط تعد من أبرز جهود الإمام محمد بن سعود رحمه الله في الدعوة إلى الله تعالى وما بذله في سبيل ذلك من تضحيات كان لها دور كبير ـ بتوفيق الله ـ في إبراز الدعوة وخروجها للعالم الإسلامي كله ـ ولله الحمد والمنة.
1 انظر: حسين بن غنام، تاريخ نجد، 1/81، وعثمان بن بشر، عنوان المجد، 1/12، الشيخ ابن باز، الإمام محمد بن عبد الوهاب، ص34، د. عبد الله عثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، 1/79، تاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 1/243.
ب ـ جهود الإمام عبد العزيز بن محمد في الدعوة إلى الله
التعريف بإيجاز:
ولد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود عام1133هـ في الدرعية، وكان أحد أبرز تلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله، وزوجا لإحدى بناته فيما بعد، وله علاقة بالشيخ قبل انتقاله إلى الدرعية، فقد أرسل إليه يطلب منه أن يفسر له سورة الفاتحة عند كان الشيخ في العيينة1.
عرف الإمام عبد العزيز رحمه الله بتمسكه بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان رحمه الله شجاعا حازما عادلا بين أهله ورعيته لا تأخذه في الله لومة لائم، وقد نعم عهده بالأمن والاستقرار.
تولى الحكم بعد وفاة والده عام1179هـ، وكان قبل ذلك وليا للعهد، وقد توسعت الفتوحات في عهده حتى شملت أجزاء من العراق شمالا ومعظم مناطق الجزيرة العربية والخليج، وتميز عهده
1 انظر: مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب، القسم الرابع"التفسير ومختصر زاد المعاد" تفسير آيات من القرآن الكريم، ص7.
أيضا بالقضاء على عدد من أبرز أعداء الدعوة الإصلاحية كابن دواس في الرياض عام1187هـ وغيره.
قتل الإمام عبد العزيز رحمه الله وهو يصلي العصر في الدرعية في شهر رجب من عام1218هـ، وقتله أحد الرافضة انتقاما لهدم جيش ابن سعود القبة التي كانت على قبر الحسين رضي الله عنه في كربلاء1.
أبرز جهود الإمام عبد العزيز بن محمد في الدعوة إلى الله:
1ـ محافظة الإمام عبد العزيز على الطريق الذي اختطه والده رحمهم الله في العمل على تمسك الدولة بالشريعة، ونصرة الشيخ وإعانته على القيام بالدعوة الإصلاحية، والمحافظة على استمرارها ونشرها في كل المناطق التابعة لحكمه، والمناطق الأخرى.
2ـ تخصيصه رواتب شهرية لكل الأهالي سواء في المدن أو القرى والبادية عند التفرغ للعلم، وملازمة حلقات المشايخ، مما ساهم في وجود حركة علمية قوية، في عدد من العلوم وفي مقدمتها العلوم الشرعية والعربية.
1 انظر: عنوان المجد، لابن بشر، 1/126، تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص154، وتاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين1/100ـ 104، وتاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 2/31، الموسوعة العربية العالمية، 16/97ـ98.
3ـ استمراره في إقامة علم الجهاد في سبيل الله، وتوسيع نطاق الدعوة، وإبعاد كل ولي أو أمير يقف في وجهها، ولذلك نجد أنه استطاع ـ بعون الله ـ فتح الرياض، القصيم، الأحساء، نجران، مكة المكرمة، وغيرها وقد توسع نطاق الدولة حتى وصلت إلى مدينة كربلاء في العراق.
4ـ قيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمناصحة وإرسال الرسائل العلمية إلى بلدان المسلمين، ومن ذلك رسالته التي يقول فيها: " من عبد العزيز بن محمد بن سعود إلى من يراه من العلماء والقضاة في الحرمين والشام ومصر والعراق وسائر علماء الشرق والمغرب
…
"1.
وقد أوضح في رسالته هذه عقيدة الدولة السلفية، وأزال الشبه المثارة ضدها، وهي رسالة علمية طويلة يتضح فيها سعة علمه، وفيها محاجة ومجادلة وردود على أباطيل الأعداء والخصوم، مع استناده في هذا كله للكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح.
5ـ كان الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يثق بالإمام عبد العزيز ويتوسم فيه الكفاية والدراية حتى إنه بعد فتح الرياض سنة1187هـ أوكل إليه بعض مهامه، كإدارة الشؤون المالية التي كانت من
1 انظر: الرسالة كاملة في كتاب: تاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 2/232.
أعمال الشيخ فيما سبق ذلك من الأيام.
6ـ سيادة الأمن في المناطق التابعة لحكمه بشكل لم يسبق له مثيل، وقضاؤه على الاعتداء بين أفراد القبائل، ومنعه من حماية مرتكبي الجرائم بين القبائل، والذي كان شائعا في ذلك الزمان1.
هذه أبرز جهود الإمام العادل المجاهد عبد العزيز بن محمد ـ رحمه الله تعالى ـ في الدعوة إلى الله تعالى، والتي كان لها أثر عظيم في سبيل نشرها وتوعية الناس بها.
********
1 انظر: حسين بن غنام، تاريخ نجد، 1/125ن عثمان بن بشر، عنوان المجد، 1/128ـ130، د. عبد الله بن عثيمين، تاريخ المملكة العربية السعودية، ص79.
جـ ـ جهود الإمام سعود بن عبد العزيز في الدعوة إلى الله
التعريف به بإيجاز:
ولد الإمام سعود عام 1161هـ في الدرعية، وعينه والده بإشارة من الشيخ محمد وليا للعهد عام 1202هـ وهو حفيد للشيخ من جهة أمه، وأحد أبرز تلاميذه الشباب، وطلب العلم أيضا على عدد من علماء الدعوة الآخرين، وكان محبا للعلم وأهله واستوعب كثيرا من العلوم، واتصف رحمه الله بالعدل والحكمة والفصاحة ورجاحة العقل والدهاء وقوة الشخصية والحنكة السياسية والعسكرية والشجاعة، مما أهله للقيام بقيادة الجيوش في عهد والده، وقد امتدت الدولة في عهده شمالا حتى بادية الشام وحتى حدود اليمن في الجنوب ومن الخليج في الشرق إلى البحر الأحمر في الغرب، وفي عهده بلغ التوتر أقصاه بين الدولة السعودية والدولة العثمانية التي كلفت محمد علي باشا للعمل على إسقاط الدولة.
وتميز عهده باستتباب الأمن في كل مناطق الدولة، وذلك لانتهاجه طريقة أمنية فريدة، وذلك أنه جعل كل أمير منطقة أو ناحية أو شيخ قبيلة مسؤولا في المقام الأول أمامه عن الأمن، وعن كل
حادثة تقع في منطقته، وأن على كل من هؤلاء أن يتعاون مع المسؤولين الآخرين المجاورين له في كل ما يعين على القضاء على الجرائم والمخالفات، توفي الإمام سعود بن عبد العزيز رحمهم الله في شهر جمادى الأولى من عام1229هـ وخلفه في الحكم ابنه الإمام عبد الله1.
أبرز جهوده في الدعوة إلى الله تعالى:
1ـ استمرار الإمام سعود بن عبد العزيز بالسير على طريق والده وجده رحمهم الله في مناصرة الدعوة وتأييدها ونشرها والجهاد في سبيل الله تعالى والتوسع في فتوحات الدولة.
2ـ كان رحمه الله تعالى يكثر من استشارة العلماء والمشايخ ورؤساء البلدان والقبائل.
3ـ المساهمة الفعالة في نشر العلم بالشرع وأحكامه في مختلف البلدان حتى إنه جعل مع كل جيش عالما ينفع الناس في كل وقت، ورتب أجورا شهرية للمعلمين مما ساهم في ازدهار الحركة العلمية في عهده.
1 انظر: عنوان المجد، لابن بشر، 1/125، تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص157، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/149، تاريخ البلاد العربية السعودية، د. العجلاني، 3/154، الموسوعة العربية العالمية، 12/261ـ262.
4ـ كانت له رحمه الله تعالى مكتبة ضخمة في الدرعية، ضمت كثيرا من الكتب في الموضوعات المختلفة، مما جعلها تساهم في إفادة الناس وتسهل لهم الاطلاع عليها والاستفادة منها، وخصوصا في تلك الأزمنة، التي يجد طلبة العلم صعوبة في تيسير الحصول على كتب أهل العلم والاستفادة منها.
5ـ الاستقرار الأمني الفريد من نوعه مما يميز به عهده رحمه الله وذلك يرجع لأمور عدة أهمها: عدله، وتحكيمه للشريعة، وقوة شخصيته، وانتشار الوعي والعلم بين الناس1.
هذه أبرز جهود الإمام سعود بن عبد العزيز في الدعوة إلى الله، والتي تعد امتدادا لجهود والده وجده في متابعة تعاهدهم على نصرة دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا.
******
1 انظر: الدرر السنية، 14/19-30، تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص158، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/180، عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 2/214ـ216.
مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثانية)
…
ثانيا: حكام الدولة السعودية الثانية ودورهم في نصرة الدعوة الإصلاحية
أـ جهود الإمام تركي بن عبد الله في الدعوة إلى الله:
التعريف به بإيجاز:
هو الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود ولد رحمه الله سنة 1183هـ، وهو أول مؤسس حقيقي للدولة السعودية الثانية وكان ذلك عام1235هـ، وقد واجه في سبيل ذلك صعوبات بالغة سواء من الداخل نتيجة لبعض الفتن، أو من الخارج وبالأخص من الدولة العثمانية وقادتها، ولكن يسر الله تعالى له إقامة الدولة بدعم كبير من بعض البلدان المحلية الراغبة في إعادة دولة التوحيد؛ فتحقق ذلك بحمد الله بزمن ليس بالطويل.
عرف رحمه الله بالتحلي بالأخلاق الفاضلة والتمسك بالدين وتعاليمه وقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعدل بين الرعية، والشجاعة وحب الفروسية، والإدارة الجيدة والقيادة الحكيمة، قتل رحمه الله غيلة في شهر ذي الحجة عام1249هـ1.
1 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص 164، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/219وما بعدها، الإمام تركي بن عبد الله، د. العجلاني، ص21ـ52، الموسوعة العربية العالمية، 10/471ـ472.
أبرز جهوده في الدعوة إلى الله:
1ـ إعادة تأسيس الدولة وقيامها على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتوحيد المسلمين في الجزيرة العربية على إمام واحد واجتماع كلمتهم على ذلك.
2ـ كان رحمه الله جادا في تطبيق مبادئ الدعوة الإصلاحية، وكان له دور فعال في المساهمة في نشر الدعوة وتثبيتها في نفوس الناس عن طريق أبناء وتلاميذ الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وإعانته للعلماء في سبيل ذلك، وكان رحمه الله يحضر دروس الشيخ عبد الرحمن بن حسن يومي الخميس والإثنين.
3ـ ظل الانسجام الذي كان بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأبنائه وبين قادة الدولة السعودية الأولى قويا كذلك بين الإمام تركي وبين أحفاد الشيخ في الدولة السعودية الثانية، ويتمثل ذلك في أنه لما عاد الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله من مصر سنة1241هـ ولاه الإمام تركي بن عبد الله الشؤون الدينية في الدولة، وجعل له المكانة العلمية التي كان يتولاها جده الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله جميعا.
4ـ حرصه رحمه الله على الالتزام بشعائر الإسلام وتعاليمه، والناظر في رسائله المختلفة إلى الولاة يجدها تؤكد غالبا على إلزام
الناس بالصلاة في المساجد مع الجماعة، مراقبة تأدية الزكاة، منع الربا الصريح أو الحيلة، منع الغش في المكاييل، استقلال القضاء، ويحذرهم من الظلم1.
تعد هذه الأمور من أبرز جهود الإمام تركي بن عبد الله رحمه الله في الدعوة إلى الله تعالى، وخصوصا إذا علمنا أن عهده شهد عددا من الاضطرابات والفتن2.
1 انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 2/257 وما بعدها، الإمام تركي بن عبد الله، د. العجلاني، ص123ـ138.
2 للدلالة على ذلك فقد كان حكمه على فترتين: دامت الأولى من عام 1235هـ ـ 1236هـ، والأخرى من 1238هـ ـ 1249هـ.
انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص165.
ب ـ جهود الإمام فيصل بن تركي بن عبد الله في الدعوة إلى الله
التعريف به بإيجاز:
ولد الإمام فيصل عام1203هـ في الدرعية، وهو جد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن رحمهم الله جميعا، وكان الإمام فيصل من بين الأسرى السعوديين الذين رحلهم إبراهيم باشا إلى القاهرة بعد سقوط الدرعية عام1233هـ، ولكنه استطاع العودة بعد بداية والده في إعادة تأسيس الدولة، وأصبح ساعده الأيمن في ذلك خصوصا في مسألة تولي الشئون العسكرية والقيام بالجهاد، وقد تولى الحكم بعد مقتل والده في بداية عام1250هـ، وعرف رحمه الله بشدة تمسكه بالدين، وقيامه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان متوقد الذكاء، كثير التواضع، والشجاعة والإقدام.
وفي عام 1254هـ، جاءت جيوش القيادة المصرية تحاول القضاء على حكمه، ونتيجة لبعض الظروف التي لم تكن في صالحه اضطر للاستسلام لخورشيد باشا، وتم ترحيله مرة أخرى إلى القاهرة وبقي فيها إلى أن خرج من السجن خفية عام1256هـ، ثم عاد إلى نجد، وبعد مراسلات مع بعض أتباعه لقي منهم كل الترحيب في مناصرته وإعانته حبا منهم له ولأسرته المباركة التي عرفت بالعدل والحنكة والمقدرة على القيادة، فتم له ذلك بتوفيق الله تعالى عام 1259هـ،
وهذه الفترة تعتبر الفترة الذهبية في حكم الدولة السعودية الثانية، واستمر في الحكم حتى وفاته رحمه الله عام1282هـ1.
وكان من أبرز جهوده في الدعوة:
1ـ استمراره في المحافظة على تحكيم الكتاب والسنة في شؤون الدولة، وتأييد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية، ومناصرة العلماء في سبيل ذلك كله.
2ـ اهتمامه بتطبيق شعائر الإسلام وحدوده، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وبسط الأمن والاستقرار والقضاء على الفتن والنزاعات.
3ـ اهتمامه وتنظيمه لأمر الشورى بإنشائه مجلسا لها في بداية حكمه، وجعل في عضويته عددا من كبار الناس من الأعوان والفقهاء وشيوخ القبائل، وكان الغرض منه مناقشة شؤون الأقاليم وأحوال السكان واحتياجاتهم2.
ولعل هذه تعد من أبرز جهود الإمام فيصل بن تركي رحمه الله في الدعوة إلى الله تعالى، مع التوكيد على صلاح هذا الإمام، ومحبته للدين وأهله، وتقريبه للعلماء ومجالستهم، مما يؤكد على تمسكه بإحكام الدين الإسلامي.
1 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص166، تاريخ المملكة العربية السعودية، د. العثيمين، 1/237 وما بعدها، الموسوعة العربية العالمية، 10/473ـ476، نشأة الدولة السعودية، د. الثقفي، ص 29.
2 انظر: رسالة له في كتاب عنوان المجد لابن بشر، 2/57ـ60، 103ـ105، تاريخ الدولة السعودية الثانية، د. عبد الفتاح أبو عيطة، ص 115.
3ـ حكام الدولة السعودية الثالثة ودورهم في نصرة الدعوة الإصلاحية:
أـ جهود الملك عبد العزيز في الدعوة إلى الله:
التعريف به بإيجاز:
نسبه: هو الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن بن فيصل بن تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، وينتهي نسبه إلى بكر بن وائل من بني أسد بن ربيعة.
ولد رحمه الله عام1293هـ في الرياض، ونشأ تحت رعاية والده، ثم طلب العلم على يد عدد من العلماء، منهم: الشيخ عبد الله الخرجي، الشيخ محمد بن مصيبيح، الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ، فقرأ عليهم القرآن الكريم، والتوحيد والفقه.
عرف الملك عبد العزيز رحمه الله منذ صغره بحب الخيل وركوبه، وعرف أيضا بالحزم والشجاعة والذكاء والحنكة والحكمة، وحسن الخلق، والتمسك بالدين وأحكامه.
وبعد سقوط الدولة السعودية الثانية اضطر والد الملك عبد العزيز الإمام عبد الرحمن للخروج بأسرته من نجد واتجه بها إلى قطر ثم إلى
الكويت، وكان الملك عبد العزيز دائم التفكير في إعادة ملك آبائه وأجداده، فكان أن خرج من الكويت عام 1319هـ في محاولة لفتح الرياض، فاستطاع بفضل من الله تعالى تحقيق ذلك في الخامس من شهر شوال من ذلك العام، وكان ذلك الحدث نواة لتأسيس الدولة السعودية الثالثة، ثم واصل الملك عبد العزيز رحمه الله جهوده المباركة في بسط نفوذه حتى أتم توحيد أركان هذه البلاد بحمد الله تعالى عام 1351هـ، بعد مشوار طويل في سبيل الجهاد لتوحيد الأمة على كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.
ومن ثم استمر الملك عبد العزيز رحمه الله في حكمه وقيادته للبلاد وفق الشريعة الإسلامية وتحكيمها حتى توفاه الله في الطائف عام1373هـ، ودفن في الرياض في مقبرة العود1.
وكان من أبرز جهود الملك عبد العزيز في الدعوة إلى الله:
1ـ قيام الدولة على الكتاب والسنة، وتحكيم الشريعة في كل شؤونها:
وفي ذلك يقول رحمه الله " إن اعتصامي بالله وسيري على الطريقة المحمدية واقتدائي بعلماء المسلمين يدعوني ـ إن شاء الله ـ لعدم الجموح بالنفس، وقد عاهدت الله على ثلاث:
أـ الدعوة لكلمة التوحيد، وتحكيم الشريعة في الدقيق والجليل.
ب ـ الأخذ على يد السفيه، وتحكيم السيف فيه.
1 انظر: الموسوعة العربية العالمية، 16/94-97.
جـ ـ الإحسان للمحسن، والعفو عن المسيء"1.
فكان ـ رحمه الله تعالى ـ حريصا كل الحرص على القيام بتحكيم الشريعة ونشرها في مختلف البلدان، ولذلك نجده يضع هذا الهدف الأسمى ضمن أوليات حكمه بل هو أولها على الإطلاق كما في كلمته السابقة، ويدل على ذلك أيضا وصيته لولي عهد الملك سعود بقوله:" واعلم أننا نحن آل سعود ما أخذنا هذا الأمر بحولنا وقوتنا، وإنما منّ الله به علينا بسبب كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله.."2.
ويقول الملك عبد العزيز رحمه الله " إن كتاب الله ديننا ومرجعنا وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دليلنا، وفيها كل ما نحتاجه من خير ورشاد، ونحن من جانبنا سنحرص إن شاء الله كل الحرص على إقامته واتباعه وتحكيمه في كل أمر من الأمور"3.
ويحدث رحمه الله المستشرق" دو جوري" بقوله: " ليكن أكيدا لديك أني منطقي وعقلاني في كل الأشياء؛ لكل حالة حكمها وأسلوب التعاطي معها، باستثناء الحالة التي يمس بها ديني، والله إنه هنا في صدري، وبدونه أموت، لا شيء يأخذه مني، ورب السموات، وأقسم على ذلك"4.
1 الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. الشثري، 1/203.
2 المرجع السابق، 1/137.
3 المرجع السابق، 1/197.
4 نظرة المستشرقين للملك عبد العزيز، د. علي النملة، ص24.
مما يعكس شدة تمسكه رحمه الله تعالى بتحكيم الدين وتنفيذ حدوده وأوامره وتطبيق شعائره.
وقد وضع رحمه الله الأسس التي تقوم عليها هذه الدولة وأصدرها في 16/2/1345هـ، وأهم هذه الأسس:
1ـ المملكة مرتبطة بعضها ببعض ارتباطا لا يقبل التجزئة ولا الانفصال بوجه من الوجوه.
2ـ الدولة: دولة ملكية شورية إسلامية مستقلة في داخليتها وخارجيتها.
3ـ إدارة المملكة بيد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن وهو مقيد بأحكام الشرع.
4ـ جميع أحكام المملكة تكون مطبقة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح1.
وهو بهذا وضع الأسس العظيمة التي تقوم عليها دولته المباركة والتي اتخذت من كلمة التوحيد شعارا لها يميزها بين دول العالم كله، لأن هذه الدولة المباركة هي الدولة الوحيدة في العالم التي ينص دستورها على أنها دولة دعوة ودولة أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وتحكيم للشريعة الإسلامية، والتي تعد مصدرا وحيدا للتشريع فيها وما ذلك إلا لامتثال قادتها منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله
1 انظر: الأعلام، الزركلي، 1/230ـ231.
وبهدي الشريعة وأوامرها، ومن تلك الأوامر التي امتثل بها قادة هذه البلاد قول الله عز وجل في سورة الحج:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41] ، فهذه الشروط الأربعة التي اشترطها الله تعالى على من آتاه الملك وغيرها مما جاءت به الشريعة هي عماد يعتمد ويرتكز عليها دستور هذه البلاد المباركة ـ ولله الحمد ـ حرصا من قادتها وولاة الأمور فيها على ذلك، وعونا ونصحا من العلماء والدعاة المخلصين للسير إلى ما فيه الخير والصلاح للمجتمع.
ومن أعظم إنجازات الدولة السعودية المباركة إقامة الحدود الشرعية؛ لأنه لا معنى لتحكيم الشرع دون تنفيذ أحكامه وأوامره، ولذلك نجد أن قيامه بهذا الأمر ساعد كثيرا على نشر الأمن واستتبابه في أرجاء البلاد التي كانت مسرحا للفتن والاضطرابات قبل عهده رحمه الله.
2ـ الاهتمام والحرص على التمسك بدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله والعمل على نشرها وإزالة الشبه عنها:
عند ما قام الملك عبد العزيز رحمه الله بالتمسك بدعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله وأظهر الحرص على نشرها ونصرتها لم يكن ذلك بسبب رغبته في تحقيق مكاسب دنيوية أو تعصبية، وإنما سبب ذلك: اعتقاده الجازم بأن دعوة الشيخ لم تكن دعوة مبتدعة وإنما هي دعوة متبعة لمنهج السلف الصالح ووفق
نصوص الكتاب والسنة.
يقول رحمه الله في كلمة له في مكة المكرمة مبينا تأييده لدعوة الشيخ ومدافعا عنها في قوله: " يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا بالوهابي، باعتبار أنه مذهب خامس، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض، نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبد الوهاب رحمه الله بجديد، فعقيدته عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه السلف الصالح
…
"1.
3ـ الاهتمام بشؤون الحج والعناية بالحرمين الشريفين:
فقد اهتم الملك عبد العزيز رحمه الله بالعمل على تيسير وصول الحجاج إلى الأماكن المقدسة، بالقضاء على عصابات قطع الطريق، التي كانت منتشرة قبل عهده، والعمل على راحة الحجيج وتيسير نسكهم ورعايتهم على قدر الإمكانات المتاحة، وقام رحمه الله كذلك بإلغاء الرسم والضريبة التي كانت تؤخذ من كل حاج وذلك عام 1371هـ، رغم الصعوبات الاقتصادية في ذلك الوقت، إلا أنه آثر خدمة الحجاج على نفسه ودولته2.
وقد بادر رحمه الله بعد فتحه لمكة المكرمة ودخولها تحت حكمه، إلى العناية بعمارة الحرمين الشريفين والاهتمام بهما، ففي عام
1 جهود المملكة في خدمة الدعوة، د. هنادي، ص 42.
2 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 216ـ217.
1344هـ أمر رحمه الله بإجراء الترميمات اللازمة للحرم المكي، وفي عام1344هـ أمر رحمه الله ابنه الأمير فيصل رحمه الله بإصلاح شامل للمسجد الحرام، وفي شعبان عام1368هـ أصدر رحمه الله بيانا يبشر فيه المسلمين باهتمامه بتوسعة الحرمين والعمل الجاد لتنفيذ ذلك، ووضعت التصاميم اللازمة، ولكن وافته المنية قبل إنجاز المشروع، الذي تم في عام 1375هـ في عهد الملك سعود رحمه الله.
ومن أعماله في هذا المجال أيضا:
أـ جمع المصلين في المسجد الحرام خلف إمام واحد سنة 1345هـ، حيث كان الناس يصلون في مقامات أربعة، كل خلف الإمام الذي يوافق مذهبه، فكانت تقام في كل صلاة أربع جماعات تبعا لهذه المقامات، فجمع رحمه الله المصلين خلف إمام واحد توحيدا لكملة المسلمين وجمعا لقلوبهم، واقتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
ب ـ أمره رحمه الله بصنع باب جديد للكعبة المشرفة عام1366هـ1.
4ـ إنشاء أول نواة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
وذلك عند ما قام رحمه الله بتعيين الشيخ عبد العزيز بن
1 انظر: رعاية الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين الشريفين، الشيخ السبيل، ص13ـ16، تأصيل الجانب الإسلامي والسياسي لرعاية الحجاج في المملكة، د. الوزان، ص 17-18.
عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله محتسبا في الرياضن وكان ذلك بعد فتح الملك عبد العزيز للرياض، وقام أيضا بإعانته ببعض طلبة العلم آنذاك وبعض مواليه، ومما ساعدهم في أداء مهامهم تأييد الملك عبد العزيز رحمه الله لما يقومون به من أعمال، التي لم يقتصر على الإحتساب في المنكرات، بل ومع ذلك يقومون بإقامة الحدود في بعض المنكرات ويجلدون عليها بتفويض من ولي الأمر لثقته فيهم1.
وبعد فتح مكة عام 1343هـ، قام الملك عبد العزيز بتعيين محتسبين فيها يقومون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأوكل لهم بعض المهام التي يقومون بها، ومن أبرزها:
أـ إلزام الناس بالمحافظة على الصلوات مع الجماعة ومحاربة المنكر وأهله.
ب ـ جباية الزكاة وصرفها في مصارفها الشرعية.
جـ ـ منع أي مظهر يتنافى مع طبيعة الصيام وذلك في شهر رمضان.
د ـ تأديب من وجد منه غش أو خيانة في المكاييل والموازين.
هـ ـ النظر في الأوقات وإيصالها إلى مستحقيها وفق نص الواقف، إذا لم يتعارض مع الضوابط الشرعية2.
1 انظر: نظام الحسبة، ابن مرشد، ص 194ـ195.
2 انظر: الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. الشثري، 1/199ـ200.
فكان ـ رحمه الله تعالى ـ ببيانه اختصاصات الهيئة هذه هو أول ولاة الأمر السعوديين في أدوارها الثلاثة من حيث تنظيم ولاية الحسبة بشكل رسمي، مما يعكس الاهتمام الكبير في كل ما يتعلق بالدين وأوامره وشعائره.
5 ـ اهتمامه الكبير بجانب القضاء، والأنظمة القضائية والمحاكم:
فقد حرص رحمه الله على استناد القضاء على الكتاب والسنة، وحرص أيضا على إخضاع جميع القوانين التي كانت تسن في الدولة للشرع وأحكامه، لإيمانه العميق بأن الإسلام نظام صالح لكل زمان ومكان، وفيه العدالة والنزاهة والإنصاف، ونتيجة لذلك الاهتمام بالمحاكم فقد بلغت في وقته رحمه الله أكثر من مائة وعشرين محكمة في مختلف مدن البلاد وقراها1.
6ـ حرصه واهتمامه على اجتماع كلمة المسلمين:
ويدل على ذلك دعوته رحمه الله لعقد أول مؤتمر إسلامي، وتم ذلك في شهر ذي القعدة 1334هـ، في الحجاز، وترأس رحمه الله جلسته الأولى، وحث المشاركين على التعاون والتكاتف والاعتصام بحبل الله المتين2.
1 انظر: الدولة السعودية والدعوة الإصلاحية، د. العجلان، ص82ـ 83، الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. الشثري، 1/201ـ204.
2 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 214.
7ـ تقريبه وتقديره للعلماء ومشاركته لحلقات العلم وجلوسه بين أهله واهتمامه بنشره بين جميع أفراد الرعية:
وكذلك مشاورته الدائمة للعلماء، وحثهم على بذل الجهود في سبيل إيصال العلم للناس، ولذلك نجده دائما ما يرسل العلماء إلى كافة المناطق والقبائل ليقوموا بأحكام القضاء بينهم وأيضا تعلميمهم وتفقيههم أمور دينهم.
وقد حرص الملك عبد العزيز رحمه الله على نشر العلم، والحث على اكتسابه، وتسهيل ذلك للرعية.
حيث كان التعليم قبل عهده وفي بدايته معدوما أو نادرا في البلاد، فقد كانت هناك اجتهادات فردية من بعض من بعض العلماء والمتعلمين وتقتصر على تعليم القرآن الكريم في الكتاتيب ومبادئ الدين والكتابة والحساب، ولم يكن يتوجه لطلب العلم ـ قبل عهد الملك عبد العزيز ـ إلا قلة قليلة من التلاميذ نظرا للصعوبات المعيشية، حيث كانت الأسر تأمل من أبنائها أن يساعدوها في مواجهة ذلك، دون حثهم على العلم والتعلم.
ولكن بعد إرساء الملك عبد العزيز لقواعد حكمه، كان من أوائل اهتماماته نشر العلم، باعتباره ضرورة من ضرورات الحياة، وليتمكن الناس من عبادة الله تعالى على الوجه الصحيح، فكان رحمه الله حريصا على توحيد المملكة وبنائها على الشرع الحكيم والعلم به،
وكان يرى بأن العلم هو السبيل الشعوب وتحضيرهم، ولذلك اجتهد كثيرا في الحث على العلم وتيسيره للرعية.
ومما يدل على حرصه واهتمامه رحمه الله بالعلم والتعليم ما قاله أحد المعاصرين له من شيوخ القبائل: "ركبنا إلى عبد العزيز، وكل من ركب أعطاه مطوعا، وقال له: اجمع جماعتك، وعلمهم أمور دينهم، ودرسهم، وصل بهم، وأرسل عبد العزيز عالما لكل ديرة"1.
ومما يدل على هذا الاهتمام الكبير في الحرص على العلم ونشره:
أـ في بداية حكمه رحمه الله تركز اهتمامه بتعليم البادية أمور دينهم بإنشاء الهجر وبناء المساجد، وإرسال الوعاظ والمرشدين من طلبة العلم إلى مختلف المناطق والقرى والهجر.
ب ـ بعد فتح مكة المكرمة قام رحمه الله بإنشاء مديرية المعارف، وكان ذلك سنة1344هـ، ليكون الاهتمام بالعلم عن طريق جهة مسؤولة تتولى تنظيمه والتوسع فيه.
جـ ـ وفي عام 1346هـ، تشكل أول مجلس للمعارف، وجاء في قرار إنشائه أن عليه: وضع نظام تعليمي للحجاز، يلزم بمراعاة توحيد التعليم، والسعي لجعل التعليم الابتدائي إجباريا ومجانيا، يقول د. محمد الرشيد: " يتضمن هذا القرار ثلاث وقفات تستحق القدير، وتدل دلالة واضحة على الاهتمام بالتعليم:
1ـ توحيد التعليم في البلاد.
1 رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة، د. محمد الرشيد، ص23.
2ـ السعي إلى جعل التعليم الابتدائي إجباريا، وهذا مفهوم متقدم جدا، ليس فقط في الحجاز وشبه الجزيرة العربية بكاملها، بل والدول المجاورة في ذلك الوقت.
3ـ السعي إلى جعل التعليم الابتدائي مجانيا، مع ضعف الإمكانات المادية والبشرية في ذلك الوقت، مما يدل على الرؤية الواضحة لأهمية العلم والتعليم لدى قيادات هذه الدولة المباركة حتى في أوقات الشدة"1.
وبعد فترة تحولت المديرية مع اتساع التعليم إلى وزارة المعارف في ربيع الثاني سنة1373هـ، أي بعد وفاة الملك عبد العزيز رحمه الله شهر تقريبا، وكان الملك فهد أول وزير لها، وكل هذا يعكس الاهتمام الكبير بالعلم وبالتعليم في عهد الملك عبد العزيز رحمه الله وأبنائه من بعده.
وكان في زمانه عدد من الصروح التعليمية، منها:
1ـ المعهد العلمي السعودي بمكة المكرمة 1344هـ.
2ـ مدرسة تحضير البعثات بالعاصمة سنة1355هـ.
3ـ دار التوحيد بالطائف سنة1364هـ.
4ـ كلية الشريعة بمكة سنة1369هـ، وكانت هذه الكلية أول نواة للدراسة الجامعية العليا بالمملكة.
1 رؤية مستقبلية للتربية والتعليم في المملكة، د. محمد الرشيد، ص27ـ28.
5ـ معهد الرياض العلمي سنة 1370هـ، والذي كان نواة مباركة لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فيما بعد، والتي كانت تسمى الرئاسة العامة للكليات والمعاهد.
6ـ كلية الشريعة بالرياض سنة 1373هـ.
ولم يقتصر حث الملك عبد العزيز رحمه الله على التعليم في الجانب المعنوي والأدبي فحسب، بل واهتم كذلك بصرف مكافآت تشجيعية للطلاب، مما كان له أبلغ الأثر في منافسة كثيرة منهم للحرص والاجتهاد على طلب العلم، واكتسابه، ودفع ذلك أيضا الأسر في حث أبنائها على التوجه للعلم والتفرغ له1.
8ـ محافظته رحمه الله على الجمع بين تحكيم الشريعة والعمل على تحقيق التقدم في مجالات الحياة:
ويؤثر عنه رحمه الله قولته القوية: " لنا ديننا ولكم آلياتكم"، وذلك عند ما ناقشه السفير الأمريكي في المملكة" وليم إدي" حول عدم إمكان التقدم التقني مع التشدد الديني، فرد عليه الملك عبد العزيز رحمه الله بأن التقدم الآلي والتقني لا ينافي التمسك بالدين، ويمكن الجمع بينهما، على خلاف ما هو متبع في الثقافة الغربية القائلة بضرورة اتخاذ منهج العلمانية مبدأ الحكم عندهم، ويرون بأن الدين
1 انظر: الدعوة في عهد الملك عبد العزيز، د. الشثري، 1/225ـ240.
والعلم لا يجتمعان1.
هذه بعض الجهود الجليلة التي قام بها الملك عبد العزيز رحمه الله خدمة للدين وللدعوة، ولعلنا لا ننسى ـ بإذن الله ـ تأكيده وحرصه على بناء الدولة على الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا والله هو الهدف الأجل والأعظم الذي قام به؛ لأن ما بعده من أمور إنما هي فروع تندرج تحت هذا الأصل العظيم، فغفر الله للملك عبد العزيز ورحمه، وبارك في الباقي من أبنائه وذريته ليسيروا وفق قواعد والدهم.
1 انظر: نظرة المستشرقين للملك عبد العزيز وجهوده، د. علي النملة، ص11.
ب ـ جهود الملك سعود في الدعوة إلى الله
التعريف به بإيجاز:
ولد الملك سعود بن عبد العزيز عام1319هـ في الكويت، وبعد فتح الملك عبد العزيز للرياض عادت أسرته إليها من الكويت ومن ضمنهم الملك سعود.
تلقى رحمه الله مبادئ القراءة والكتابة والعلوم والعلوم الدينية على يد عدد من علماء نجد، واستفاد كثيرا من مدرسة والده الملك عبد العزيز رحمه الله ومن نصائحه وتوجيهاته، وتولى بعض ممارسات في الحكم منذ صغره فقاد الحملة على حائل عام1339هـ وشارك في إدارة شؤون المنطقة الوسطى، وصار وليا للعهد في 16/1/1352هـ، وبعد وفاة والده الملك عبد العزيز تولى الحكم في شهر ربيع الأول1373هـ، ونتيجة للتقدم الحضاري فقد أنشئت في عهده بعض الوزارات، مثل وزارة المعارف، الزراعة، التجارة، المواصلات، واستمر رحمه الله في الحكم حتى 27/6/1384هـ عند ما بويع الملك فيصل رحمه الله في الحكم1.
1 انظر: الموسوعة العربية العالمية، 12/260ـ261.
أبرز جهود الملك سعود في الدعوة إلى الله:
1ـ كان عهد الملك سعود امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، وقد التزم رحمه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية.
2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمه الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية والإسلامية.
3ـ تكريم أهل العلم وإجلالهم، والاهتمام بنشر العلم في الدين ونتيجة لذلك فقد افتتح رحمه الله في عهد أول جامعة في المملكة وهي جامعة الملك سعود، وتوسع في افتتاح المعاهد العلمية الدينية، وافتتح أيضا الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة عام1381هـ، وأمر رحمه الله بصرف مكافآت تشجيعية لطلاب العلم1.
4ـ أمره رحمه الله بإنشاء دار الإفتاء والإشراف على الشؤون الدينية والمعاهد في رمضان عام1374هـ برئاسة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله2.
5ـ اهتمامه بالشؤون الإسلامية وتوعية المسلمين بدينهم، فقد أمر بطبع الكتب الدينية لإرشاد الناس وتوجيههم، كما اهتم رحمه الله بتوسعة المسجد الحرام، وبشؤون الحجاج، وأمره رحمه الله بترميم الكعبة المشرفة وإصلاحها عام1377هـ3.
1 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص111.
2 انظر: المرجع السابق، ص202.
3 انظر: رعاية الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين، الشيخ السبيل، ص17ـ18.
3ـ جهود الملك فيصل في الدعوة إلى الله تعالى
التعريف به بإيجاز:
ولد الملك فيصل في شهر صفر من عام1324هـ في الرياض، وقد توفيت والدته بعد مولده بخمسة أشهر، فتربى في بيت جده لأمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ رحمه الله تربية دينية صالحة، وتلقى العلم في أصول الدين على يديه، ولما شب وكبر أخذ يتدرب على فنون الفروسية والإدارة السياسية، وكان يحضر مجالس أبيه دوما ويستفيد من آرائه وآراء جلسائه، وكان والده يرى فيه صفات النجابة والذكاء والنبوغ؛ ولذلك انتدبه إلى بريطانيا وفرنسا نيابة عنه بعد الحرب العالمية الأولى عام1914م، وأرسله لزيارة عدد من دول أوربا عام 1926م، ورأس وفد المملكة عند إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام1945م، ولم يقتصر نبوغ الملك فيصل رحمه الله على الجانب السياسي بل شارك أيضا وباقتدار في قيادة الجيوش العسكرية؛ فقاد فتوحات الجيش السعودي في عسير عام1340هـ، والحرب ضد اليمن عام1352هـ، وقد تولى أيضا عددا من المناصب القيادية في الدولة، فكان نائبا للملك عبد العزيز على الحجاز عام1344هـ، ثم عين كأول وزير للخارجية عام1349هـ، وبعد وفاة والده الملك
عبد العزيز رحمه الله وتولية الملك سعود للحكم أصبح الملك فيصل وليا للعهد، وفي عام 1384هـ تولى الحكم، وقام بقيادة بلاده وبلاد العالم الإسلامي لتحقيق خطوات قيادية عظيمة إلى أن قتل رحمه الله في يوم الثلاثا13/3/1395هـ في مدينة الرياض1.
أبرز جهوده في الدعوة إلى الله:
حفل عهد الملك فيصل رحمه الله بجهود جليلة لخدمة دين الله تعالى والدعوة إليه، وكان من أبرز تلك الجهود:
1ـ كان عهد الملك فيصل امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، والتزم رحمه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية.
2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمه الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية الإسلامية، والمحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصلية.
3ـ إعطاؤه للمملكة دورها القيادي بين دول العالم في الدفاع عن المسلمين ونصرتهم، لشعوره بالواجب الإسلامي الملقى على عاتق هذا البلد المقدس، والقيام بكل ما يتطلبه ذلك من الوقوف مع الدول
1 انظر: ملك وتاريخ، محمود حجازي، 2/18ـ30.
عبد العزيز رحمه الله وتولية الملك سعود للحكم أصبح الملك فيصل وليا للعهد، وفي عام 1384هـ تولى الحكم، وقام بقيادة بلاده وبلاد العالم الإسلامي لتحقيق خطوات قيادية عظيمة إلى أن قتل رحمه الله في يوم الثلاثا13/3/1395هـ في مدينة الرياض1.
أبرز جهوده في الدعوة إلى الله:
حفل عهد الملك فيصل رحمه الله بجهود جليلة لخدمة دين الله تعالى والدعوة إليه، وكان من أبرز تلك الجهود:
1ـ كان عهد الملك فيصل امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، والتزم رحمه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية.
2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمه الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية الإسلامية، والمحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصلية.
3ـ إعطاؤه للمملكة دورها القيادي بين دول العالم في الدفاع عن المسلمين ونصرتهم، لشعوره بالواجب الإسلامي الملقى على عاتق هذا البلد المقدس، والقيام بكل ما يتطلبه ذلك من الوقوف مع الدول
1 انظر: ملك وتاريخ، محمود حجازي، 2/18ـ30.
الإسلامية في حاجاتهم الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية.
فقد اهتم رحمه الله بشؤون المسلمين في كافة البلدان، ويدل على ذلك دعوته المباركة إلى التضامن الإسلامي بين أبناء هذا الدين، مما ساهم في جمع كلمة المسلمين وتعاونهم لدرء الأخطار عنهم، وقام بالترتيب لجمع كلمة المسلمين عن طريق عقد أول مؤتمر قمة لدول العالم الإسلامي وتحقق ذلك في 17/12/1384هـ، وقام أيضا بزيارة كافة بلدان العالم الإسلامي، وقام كذلك بالعمل على إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي والتي أنشئت في شهر محرم من عام 1390هـ، ويبلغ عدد أعضاء هذه المنظمة أكثر من 45 دولة مسلمة، كما ساهم رحمه الله في إنشاء البنك الإسلامي للتنمية عام1974م1، والندوة العالمية للشباب الإسلامي عام1392هـ2.
4ـ الاهتمام بشؤون الحرمين الشريفين، وإتمام توسعتهما بشكل لم يسبق له مثيل، والاهتمام بالمشاعر المرتبطة بالحج والعناية بها، وقد أنشأ رحمه الله إدارة الإشراف الديني بالمسجد الحرام عام1384هـ، والتي تعنى بأمور الدعوة والإرشاد بالحرمين، وتعيين الأئمة والمؤذنين، ونحو ذلك3.
1 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 223ـ228.
2 انظر: جهود المملكة في خدمة الدعوة، د. هنادي، ص 108ـ109.
3 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 159.
ـ إصدار نظام أساسي للحكم مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وما كان عليه الصحابة والسلف الصالح.
6ـ وضعه لنظام قضائي يعين على استقلال القضاء، ويمسك بزمامه مجلس أعلى للقضاء، وقام كذلك بإنشاء وزارة للعدل1.
7ـ تكريم العلماء وتقديرهم، وقام بتأسيس مجلس إفتاء" هيئة كبار العلماء" يضم عشرين عضوا من خيرة العلماء للنظر في قضايا وأحوال المسلمين وفتاويهم2.
8ـ اتخاذ جميع الوسائل الممكنة لنشر دعوة الإسلام، ومن ذلك العمل على إنشاء العديد من المساجد والمراكز التعليمية في العديد من بلدان العالم، ومن ذلك: مسجد الملك فيصل في إسلام آباد، مسجد الملك فيصل في نجامينا بتشاد، مسجد التضامن الإسلامي في مقديشو، المركز الإسلامي الأفريقي في الخرطوم بالسودان، معهد الملك فيصل في دكا ببنغلاديش، وغيرها.
9ـ تجديد وضع هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإصلاح أوضاعها ودعمها.
10ـ الاستمرار في الاجتهاد للنهوض بالمستوى التعليمي للرعية، عن طريق التوسع في مجالات العلم، وابتعاث أبناء البلاد لطلب العلم، وتقديم المنح المالكية والمكافآت التشجيعية.
1 انظر: تاريخ المملكة العربية السعودية، سيد إبراهيم، ص 221.
2 انظر: المصدر السابق، بنفس الموضع
11ـ المساهمة في تعليم الفتاة وفق الشرع المطهر وتيسير حقها في التعليم بدءا من العام 1380هـ، لأن الشرع أوجب على أتباعه ذكورا وإناثا تعلم أحكامه، وظل تعليم الفتاة في بلادنا ولله الحمد ملتزما بالضوابط الشرعية، مما يعكس التميز الذي تمتاز به هذه البلاد عن غيرها بتحكيم الشريعة الإسلامية.
هذه أبرز جهود الملك فيصل رحمه الله في الدعوة إلى الله تعالى وما بذله في سبيل ذلك من الجهود الواضحة والبينة لكل مطلع على سيرته رحمه الله تعالى1.
1 انظر: عقيدة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، د. العبود، 2/350، وسيد إبراهيم، تاريخ المملكة العربية السعودية، ص213 وما بعدها، المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص223، ملك وتاريخ، محمود حجازي، 2/278، جهود المملكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي، ص 39، 42، 72، 73.
دـ جهود الملك خالد في الدعوة إلى الله تعالى
ولد الملك خالد رحمه في ربيع الأول عام1331هـ، ونشأ في رعاية والده، وحفظ القرآن الكريم في طفولته، ودرس العلوم الشرعية على يد نخبة من العلماء، وكان لهذه التنشئة الدينية أثرها الكبير عليه في كل شؤونه، وكان رحمه رجلا فضلا متواضعا ذا سجايا حسنة وأخلاق فاضلة، وكان كثيرا ما يحضر دروس الشيخ محمد بن إبراهيم رحمهم الله جميعاـ.
من أهم أعماله: عينه والده مستشارا لأخيه الملك فيصل عندما كان نائبا على الحجاز، وعين وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء بعد تولي الملك فيصل للحكم عام1384هـ، وتولى الحكم بعد مقتل الملك فيصل في ربيع الأول 1395هـ، وظل في الحكم حتى وفاته رحمه الله في شهر شعبان1402هـ1.
1 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 230، الموسوعة العربية العالمية، 1/10ـ11.
أبرز جهوده في الدعوة إلى الله:
حفل عهد الملك خالد رحمه الله بجهود جليلة لخدمة دين الله تعالى والدعوة إليه، وكان من أبرز تلك الجهود:
1ـ كان عهده امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، وقد التزم رحمه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية.
2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمهم الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية والإسلامية، والمحافظة على عاداتها وتقاليدها الأصيلة.
3ـ تكريم العلماء وتوقيرهم والوقوف معهم في كل حاجاتهم، والتوسع الكبير في الاهتمام بالعلم في كافة مراحله، فمثلا: أنشئت في عهده جامعة الملك فيصل وجامعة أم القرى، وغيرها من الصروح العلمية، في مختلف مراحل التعليم1.
4ـ إنشاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمظهرها الحالي برئاسة عامة للهيئات يكون على رأسها رئيس عام يعين بمرتبة وزير، يكون مرجعه رئيس الوزراء مباشرة، وهذا بلا شك يعطيها الدعم والمساندة والاستقلالية، ويدل وبشكل كبير على اهتمام ولاة الأمور بهذه الشعيرة المباركة2.
1 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 97.
2 انظر: لمحة عن رئاسة الهيئة، ص 13.
5ـ اتخاذ جميع الوسائل الممكنة لنشر الدعوة الإسلامية، ويدل على ذلك المساهمة في إنشاء العديد من المساجد والمراكز الإسلامية التعليمية في العديد من بلدان العالم، ومن ذلك: مسجد خور فكان في دبي، مسجد جامع أم الحصم في البحرين، مسجد ومركز الملك فيصل في كوناكري بغينيا، مسجد مدينة قروي بالكاميرون، مسجد باماكو في عاصمة مالي ياوني، المركز الإسلامي في جنيف، المركز الإسلامي الثقافي في عاصمة بلجيكا بروكسل، المركز الإسلامي الثقافي في لندن، المركز الإسلامي في لشبونة بالبرتغال، المركز الإسلامي في فيينا، وغيرها كثير من المراكز الإسلامية في مختلف البلدان، كل ذلك لشعورقادة هذه البلاد المقدسة بواجبهم تجاه دينهم الحنيف، وما من دولة مسلمة في أفريقيا إلا وتشهد للمملكة بما قامت به من مشروعات خيرية في مختلف المجالات، وعند قيام الجهاد الإسلامي في أفغانستان كانت المملكة هي أول دولة ساعدت وبذلت الكثير لنصرة إخوانها المستحقين للدعم والمساندة1.
6ـ اهتمامه رحمه الله بشؤون الحرمين الشريفين:
فقد أمر رحمه الله بإتمام ما تبقى من عمارة المسجد الحرام وتوسعته عام1396هـ، وتوسيع المطاف بشكله الحالي عام1398هـ، وشملت هذه التوسعة: توسيع قبو ماء زمزم وجعله قسمان: قسم للرجال، وآخر للنساء، وتبليط أرض المطاف كاملة برخام باردة مقاوم للحرارة،
1 انظر: جهود المملكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي، ص 40ـ47.
شهر شعبان عام1402هـ1، ولا زال حفظه الله يقوم بأعباء هذا المنصب بكل حنكة واقتدار، ويساعده في ذلك إخوانه الكرام وفي مقدمتهم ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز، والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز حفظهم الله تعالى ووفقهم لكل خير وصلاح وبركة.
أبرز جهود الملك فهد في الدعوة إلى الله:
حفل عهد خادم الحرمين الشريفين بجهود عظيمة وجليلة خدمة للدين ونشره، وهذه الجهود كثيرة وعظيمة، وسنحرص على ذكر بعض منها:
1ـ كان عهده امتدادا للعطاءات المباركة والخيرة والتي عرفت منذ عهد والده، وقد التزم حفظه الله بالسير وفق منهج والده في تحكيم الشريعة الإسلامية.
2ـ الالتزام بالمنهج السياسي الذي سار عليه والده الملك عبد العزيز رحمه الله في حماية البلاد وصيانة استقلالها، والمحافظة على هويتها العربية والإسلامية، والمحافظة على تقاليدها وعاداتها الأصيلة.
1 انظر: فهد بن عبد العزيز ومسيرة دولة، كمال الكيلاني، ص 49ـ65.
3ـ تقدير العلماء ورعايتهم ومجالستهم واستشارتهم وتسهيل أمورهم ومطالبهم وتحديد موعد ثابت لمقابلتهم مرة واحدة في الأسبوع على الأقل، لتأكيد مكانة العلماء لدى ولاة الأمور، يقول الملك فهد ـ أيده الله ـ " إن العلماء وطلبة العلم هم أبناء وإخوان مخلصون يحظون بكل الاهتمام"1.
4ـ جهوده الجليلة والمقدرة في خدمة المسلمين في مختلف بلدان العالم، والحرص على جمع كلمتهم، والحرص على إزالة العقبات والخلافات التي قد توجد بين بعض الدول الإسلامية، مثل أفغانستان، والصومال، ولبنان، وغير ذلك من الأعمال الجليلة، والتي حرص من خلالها حفظه الله على جمع كلمة المسلمين وتحقيق التضامن الإسلامي فيما بينهم.
5ـ مواصلة الدعم لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من ثمار ذلك الدعم المالي الكبير لها، وإصدار اللائحة التنفيذية والتفصيلية في أعمالها وتخصصاتها في 24/12/1407هـ، والتوسع في افتتاح فروعها واستقطاب العديد من الكفاءات البشرية المتعلمة ضمن أعضائها2.
1 الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 83.
2 انظر: لمحة عن رئاسة الهيئة، ص 14ـ15، وص 43ـ44.
6ـ إصدار النظام الأساسي للحكم: في شهر شعبان 1412هـ، والذي ذكرت المادة الأولى منه: اعتماد الأنظمة والقوانين في هذه البلاد على الكتاب والسنة، وذكر هذا النظام كذلك أن الدولة السعودية دولة تقوم بالدعوة إلى دين الإسلام، ونص هذا النظام كذلك على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى الالتزام التام بالشريعة الإسلامية في كل شؤونها، وإقامة أحكامها وحدودها.
7ـ إنشاء مجلس الشورى، عملا بمبادئ الشورى الإسلامي، وهذه ميزة تتميز بها هذه البلاد، بعيدا عن التقاليد الانتخابات الغربية، والتي تحكم فيها الغلبة، لأن هذه البلاد هي بلاد لها خصوصيتها وميزاتها ومبادئها الإسلامية السامية، وتقاليدها العريقة الفاضلة.
8ـ إنشاء مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة عام1405هـ، وقد ساعد هذا المجمع على نشر كتاب الله تعالى، ويسر الحصول عليه في جميع أنحاء العالم وبمختلف اللغات، وبالإضافة لطباعة المصحف تم إنتاج أعداد فاقت الملايين من المصحف المقروء بأصوات عدد من القراء، بالإضافة لطباعة كتب التفسير، وعلوم القرآن، ويصدر المجمع سنويا ما يقارب الثمانية ملايين مصحف من مختلف المقاسات أغلبها يوزع إهداء من حكومة
المملكة داخل لمملكة وخارجها1.
9ـ التوسعة العظيمة للحرمين الشريفين وعمارتها خدمة للزوار والمعتمرين والحجاج، فقد بلغت الطاقة الاستيعابية للحرم المكي في عهد حفظه الله أكثر من مليون ونصف مصل، والحرم المدني أكثر من مليون ومائتي ألف مصل، وقد ساعدت هذه الخدمات في راحة ضيوف الرحمن، وهيأت لهم أداء مناسكهم براحة واطمئنان2.
10ـ إنشاء وزارة مستقلة تعنى بخدمة شؤون الدين الإسلامي والدعوة إليه، وذلك بإنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد في 20/1/1414هـ وكان من مهام هذه الوزارة وأهدافها: حماية العقيدة الإسلامية، والدعوة إلى الله في الداخل والخارج، والاهتمام بالأوقاف وصرفها في وجوهها المستحقة، والإشراف على المساجد3.
11ـ التوسع في خدمة الأمة الإسلامية وقضاياها المختلفة والمتنوعة، بدءا من قضية المسلمين الكبرى القدس، ومرورا بقضايا المسلمين في مختلف البلدان من الفلبين وكشمير والصين وأفغانستان وأفريقيا وأخيرا وليس آخرا الوقوف بقوة مع المسلمين في البوسنة والهرسك والصومال والشيشان وكوسوفا وغيرها من البلدان
1 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 254ـ 260.
2 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 244ـ248، وتحدث عن هذه التوسعات والرعاية للحرمين الشريفين والاهتمام بالحج وشؤونه الشيخ محمد السبيل في كتابه: رعاية الحرمين الشريفين في عهد خادم الحرمين الشريفين، ص 41 وما بعدها ففيها بيان مفيد لجهود خادم الحرمين الشريفين في هذه الأماكن المقدسة ورعايته لها.
3 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص134.
المسلمة، وتقديم الدعم بكافة أنواعه سواء الدعم السياسي أو الدعم المالي، ولا يوجد بلد في العالم كله إلا ولحكومة خادم الحرمين الشريفين حفظه الله آثار جليلة في خدمة الدين ونشره والدعوة إليه والوقوف مع أهله1.
12ـ اتخاذ جميع الوسائل الممكنة لنشر دعوة الإسلام، ومن ذلك العمل على إنشاء العديد من المساجد والمراكز الإسلامية التعليمية في العديد من بلدان العالم، والتي عهد الملك فهد في الإشراف عليها والاهتمام بها إلى نجله: صاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن فهد بن عبد العزيز وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء، الذي كان له دور كبير وجليل في المساهمة الفعالة في هذه الأعمال الخيرة الجليلة.
ومن تلك المراكز والمعاهد: المركز الإسلامي في برازيليا بالبرازيل، المركز الإسلامي في الأرجنتين، المركز الإسلامي في جبل طارق، المركز الإسلامي في مدريد بإسبانيا، المركز الإسلامي في أدنبرة بأسكتلندا، وعدد كبير من المراكز في مدن الولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من المراكز الإسلامية في مختلف بلدان العالم، كما تم افتتاح العديد من المدارس والمعاهد التعليمية والدعوية في مختلف البلدان في أنحاء العالم، مثل: المعهد العربي الإسلامي
1 انظر: جهود المملكة في خدمة الدعوة، د. هنادي، ص 113، وما بعدها، المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 251.
في طوكيو، معهد رأس الخيمة، معهد العلوم العربية والإسلامية في واشنطن، ومعهد جيبوتي، ومعهد موريتانيا، ومعهد جاكرتا بأندونيسا، وأكاديمية الملك فهد في لندن، وفي ألمانيا، وفي أمريكا، والجامعة الإسلامية في النيجر، والمعهد الإسلامي في مدينة لوغا بالسنغال، وغيرها العديد من منارات الخير والهدى في مختلف بلدان العالم، والتي تدعو إلى الله تعالى بالبصيرة والحكمة والموعظة الحسنة1.
13ـ إنشاء المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، برئاسة النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء الأمير سلطان بن عبد العزيز وعضوية عدد من الوزراء وذلك في 30/4/1415هـ، ومن مهام هذا المجلس: الاهتمام بالشؤون الإسلامية والأقليات والجمعيات والمراكز الإسلامية، ونحو ذلك، مما يعكس الاهتمام بأمور الدين وشؤونه في مختلف بلدان العالم على أعلى المستويات في هذا البلد المقدس2.
14ـ التوسع الكبير في إرسال الدعاة والمعلمين وإقامة العديد من الدورات الشرعية في مختلف البلدان في جميع المناطق المحتاجة، في
1 نظر: جهود المملكة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في العالم الإسلامي، ص 48ـ58.
2 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 155.
مختلف الأوقات وخصوصا في فترة الصيف وشهر رمضان المبارك.
15ـ التوسع الكبير في إنشاء الجميعات الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم، مما ساعد على إقبال النشء من الجنسين على حفظ وتلاوة كتاب الله العزيز1.
16ـ التوسع الكبير في إنشاء الجمعيات والمبرات الخيرية في مناطق المملكة، وما يحدث فيها من تكافل وتعاون بين أبناء البلد الواحد، وتساهم خزينة الدولة في أغلب ميزانياتها الخيرية2.
وغيرها كثير جدا من الجهود الطيبة والمباركة التي يقوم بها خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ خدمة للدين وحرصا منه على نشره بين الناس، مع الاهتمام الكبير بالعمل بأحكامه وتطبيقها، ونتيجة لتلك الجهود العظيمة فقد نال وفقه الله جائزة الملك فيصل لخدمة الإسلام لعام1404هـ، فجزاه الله تعالى كل خير على ما بذله وما سيبذله خدمة للدين وأهله، ووفقه جل شأنه لكل ما فيه خير البلاد والعباد.
1 انظر: المرجع، ص 246.
2 انظر: المرجع السابق، ص 347.
مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثالثة)
…
وأمر رحمه الله بصنع باب للكعبة المشرفة عام1399هـ من الذهب الخالص1.
7ـ إنشاء هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية عام1398هـ2.
8ـ الاهتمام الكبير بتعليم كتاب الله تعالى ونشره بين الناس، ولذلك فقد أمر رحمه الله بإنشاء مطبعة لطباعة المصحف الشريف، وترجمة معانيه إلى اللغتين الإنجليزية والفليبينية، وغيرها من اللغات، وحرصا منه كذلك على تشجيع النشء على العناية بكتاب الله الكريم فقد انطلقت في عهده رحمه الله المسابقة الدولة لحفظ القرآن الكريم بين أبناء المسلمين من مختلف دول العالم وذلك عام1397هـ، وتعقد سنويا في مكة المكرمة.
9ـ حرصه رحمه الله تعالى على تقوية الأواصر والروابط بين الدول الإسلامية وإزالة الخلافات والعقبات التي قد توجد بينها، ونتيجة لذلك فقد حرص على عقد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام1401هـ في مكة المكرمة لعزز ويقوي مسيرة التضامن الإسلامي3.
وغير هذه الجهود الجليلة والعظيمة كثير من الأعمال المباركة التي قام بها المغفور له الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله خدمة للدين والدعوة إليه، ونتيجة لتلك الجهود العظيمة فقد نال رحمه الله جائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام 1401هـ، فجزاه الله تعالى كل خير على ما بذله في سبيل ذلك.
1 انظر: رعاية الحرمين في عهد خادم الحرمين، الشيخ السبيل، ص 23.
2 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 283.
3 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 230ـ233، الأنشطة الدعوية للمملكة، د. السدلان، ص 251.
هـ ـ جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في الدعوة إلى الله تعالى
التعريف به بإيجاز:
ولد الملك فهد حفظه الله عام1342هـ في مدينة الرياض، وتلقى تعليمه في مدرسة الأمراء التي أنشأها الملك عبد العزيز رحمه الله داخل قصره لتعليم أبنائه في المرحلة الأولى، ثم درس في المعهد العلمي في مكة المكرمة، وكان يحفظه الله يكثر من الجلوس مع والده وملازمته مما ساهم في صقل مواهبه وفكره.
أهم أعماله: كان أول وزير للمعارف عند إنشائها عام1373هـ، ثم وزيرا للداخلية عام1382هـ، ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء عام1387هـ بالإضافة إلى توليه لوزارة الداخلية، وبعد تولي الملك خالد للحكم عام1395هـ أصبح وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، وقد تولى حفظه الله العديد من الأعمال السياسية والقيادية في سن مبكرة وكان منها: وجوده ضمن الوفد السعودي للتوقيع على إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام1945م، ترؤسه وفد المملكة في العديد من المؤتمرات والاجتماعات، وغيرها الكثير والكثير من الأعمال الجليلة والعظيمة، وبعد وفاة الملك خالد رحمه الله تولى الملك فهد الحكم في