الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4ـ
أهمية الدعوة إلى الله وفضلها
الدعوة إلى الله تعالى من أهم الطاعات وأجل القربات التي أمر بها الله تعالى في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومما يبين شرفها ومنزلتها وأهميتها النقاط الخمسة الآتية:
1-
أن الدعوة إلى الله تعالى تولاها الله سبحانه بنفسه فهو الذي يدعو عباده إلى طاعته وتقواه التي هي طريق الجنة، وينهاهم عن معصيته ومخالفة أمره التي هي طريق النار والعذاب، كما قال سبحانه وتعالى:{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25] .
ولذلك أرسل سبحانه وتعالى الرسل وأنزل الكتب التي فيها الأوامر الصريحة بتوحيده وتقواه وطاعته، كما أنه سبحانه وتعالى نصب الأدلة والبراهين من مخلوقاته وآياته على أنه الرب الخالق المدبر المتصرف في هذا الكون، والإله الحق الذي يجب أن تصرف جميع أنواع العبادة له سبحانه دون ما سواه.
2-
أن الدعوة إلى الله وظيفة الأنبياء والمرسلين الذي هم خيار الخلق وأشرف العباد، فإن الله تعالى اصطفى من عباده خيارهم ليكلفهم بالدعوة إليه سبحانه وتبليغ دينه كما قال عز وجل: {وَلَقَدْ
بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ { [النحل: 36] ، وقال جل وعلا: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِي} [الأنبياء:25]، وقوله سبحانه:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِأَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء: 165]، وقوله سبحانه:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام: 124] .
فهي وظيفة هؤلاء الأخيار الأطهار المصطفين من عباد الله، ويأتي في مقدمتهم فضلا ومكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه ربه تبارك وتعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} [الأحزاب: 45ـ46] ، فأي وظيفة أكرم وأشرف من وظيفة يتولاها خيار الناس ويقومون بها.
3ـ أن الله تعالى جعل أحسن الأقوال وأشرفها الدعوة إليه سبحانه كما قال جل وعلا: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:33] .
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله حول هذه الآية:
"هذا استفهام بمعنى النفي المتقرر أي: لا أحد أحسن قولا، أي كلاما وطريقة وحالة ممن دعا إلى الله بتعليم الجاهلين ووعظ الغافلين والمعرضين ومجادلة المبطلين بالأمر بعبادة الله بجميع أنواعها، والحث عليها وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه وتقبيحه بكل
طريق يوجب تركه، خصوصا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومن الدعوة إلى الله: تحبيبه إلى عباده بذكر تفاصيل نعمه وسعة جوده وكمال رحمته وذكر أوصاف كماله ونعوت جلاله.
ومن الدعوة إلى الله: الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم والحث على ذلك بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك: الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.
ومن ذلك: الوعظ لعموم الناس في الأوقات والمواسم والعوارض والمصائب بما يناسب ذلك الحال، إلى غير ذلك مما لا ينحصر إفراده بما تشمله الدعوة إلى الخير كله والترهيب من جميع الشر"1.
4ـ أن من أسباب تفضيل هذه الأمة على غيرها وتميزها بين سائر الأمم وخيريتها عليهم كونها تدعو إلى الله تعالى بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، قال سبحانه وتعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: " يخبر تعالى
1 تيسير الكريم الرحمن بتفسير كلام المنان، ص695.
عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم فقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، قال البخاري: حدثنا محمد بن يوسف عن سفيان بن ميسرة عن أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: خير الناس للناس تأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام
…
والمعنى أنهم خير الأمم وأنفع الناس للناس"1.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه موضحا معنى هذه الآية: "من فعل فعلهم كان مثلهم"2،أي من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وآمن بالله تعالى وأتى بهذه الصفات الثلاثة فهو من أهل هذه الأمة الخيرة.
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في الآية: "هذا تفضيل من الله لهذه الأمة بهذه الأسباب التي تميزوا بها وفاقوا بها سائر الأمم وأنهم خير الناس للناس نصحا ومحبة للخير ودعوة وتعليما وإرشادا وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر وجمعا بين تكميل الخلق والسعي في منافعهم بحسب الإمكان وبين تكميل النفس بالإيمان بالله والقيام بحقوق الإيمان"3.
1 تفسير القرآن العظيم، 1/420، وأثر أبي هريرة رضي الله عنه رواه البخاري، في الصحيح في كتاب التفسير، سورة آل عمران، باب {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} ، رقم:4557.
2 تفسير القرطبي، 4/170.
3 تيسير الكريم الرحمن، ص113.
5ـ استمرار الثواب والأجر وتتابعه للداعي إلى الله تعالى إذا اهتدى على يديه أحد؛ مما يدل على أهمية الدعوة وفضلها وعلو شأنها.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا"1.
فأبان هذا الحديث عظم الجزاء للداعية المترتب على تأثر الناس بدعوته " فإنه من دعا إلى هدى كان له مثل أجور تابعيه، أو إلى ضلالة كان عليه مثل آثام تابعيه، سواء كان ذلك الهدى والضلالة هو الذي ابتدأه أم كان مسبوقا إليه، وسواء كان ذلك تعليم علم أو عبادة أو أدب أو غير ذلك"2.
وجاء في حديث آخر عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من دل على خير فله مثل أجر فاعله"3.
وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا مات ابن
1 رواه مسلم في كتاب العلم، باب من سن سنة حسنة أو سيئة، ومن دعا إلى هدى أو ضلالة، رقم:6745.
2 شرح النووي على صحيح مسلم،15/346.
3 رواه مسلم في كتاب الجهاد، باب فضل إعانة الغازي في سبيل الله، رقم:4876.
آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" 1، والعلم الذي ينتفع به يدخل في عموم الدعوة إلى الله تعالى.
ولو أردنا استقصاء ما يدل على أهمية الدعوة وبيان منزلتها العظيمة لطال بنا المقام ولما استطعنا ذلك لكثرته في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولكننا نستطيع القول بأن كل ما يدل على مشروعية الدعوة يدل بالضرورة على شرفها وفضلها ومنزلتها؛ لأنها طاعة وقربة لله تعالى.
*****
1 رواه مسلم في كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، رقم:4199.