المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهجه في قضية التكفير والقتال - الدعوة الإصلاحية في بلاد نجد على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب وأعلامها من بعده

[عبد الله المطوع]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل التمهيدي

- ‌المقصود بالدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية

- ‌ أهداف الحديث عن الدعوة الإصلاحية ودراستها:

- ‌تعريف الدعوة إلى الله تعالى:

- ‌ أهمية الدعوة إلى الله وفضلها

- ‌ منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله

- ‌الفصل الأول: أحوال العالم الإسلامي قبل الدعوة الإصلاحية

- ‌أولا: حال العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري

- ‌ثانيا: أحوال الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبل الدعوة

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌ نسبه وأسرته:

- ‌مولد الشيخ ونشأته:

- ‌ صفاته:

- ‌ رحلاته العلمية وشيوخه:

- ‌العوامل الرئيسية التي ساهمة في بناء شخصية الشيخ العلمية والدعوية

- ‌ تلاميذ الشيخ:

- ‌ مؤلفات الشيخ:

- ‌وفات الشيخ

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌الفصل الثالث عقيدة الشيخ ومنهجه في الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌ منهج الشيخ في التوحيد

- ‌ أصول منهجه في الاستدلال

- ‌موقفه من الصحابة الكرام ومن أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين

- ‌ موقف الشيخ من كرامات الأولياء

- ‌موقف الضيخ من السمع والطاعة لولي الأمر

- ‌ منهجه في قضية التكفير والقتال

- ‌ موقفه من التقليد والاجتهاد

- ‌ رفض الشيخ لمناهج الجاهلية وفضحه لمسائلها

- ‌ منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ أهداف دعوة الشيخ وأبرز إصلاحاتها

- ‌ مراحل دعوة الشيخ

- ‌الفصل الرابع: مناصروا الدعوة الإصلاحية

- ‌التمهيد

- ‌مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الأولى)

- ‌مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثانية)

- ‌مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثالثة)

- ‌مناصروا الدعوة الإصلاحية من العلماء والدعاة

- ‌الفصل الخامس: خصائص وآثار الدعوة

- ‌خصائص الدعوة الإصلاحية

- ‌ آثار الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية

- ‌ آثار الدعوة الإصلاحية خارج الجزيرة العربية

- ‌الفصل السادس:‌‌ الخاتمة

- ‌ الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ منهجه في قضية التكفير والقتال

6ـ‌

‌ منهجه في قضية التكفير والقتال

تعد قضية التكفير من أخطر القضايا المرتبطة بالعقيدة والتي زلت فيها قدم كثير من الفرق المنتسبة للإسلام، يقول ابن أبي العز في شرحه لكلام الإمام الطحاوي: " اعلم ـ رحمك الله وإيانا ـ أن باب التكفير وعدم التكفير باب عظمت الفتنة والمحنة فيه، وكثر فيه الافتراق، وكثر فيه الأهواء والآراء

"1، وهي من أكثر التهم التي يطلقها أهل الأهواء على دعاة الإسلام الصادقين السائرين على منهج السلف الصالح.

ويولي أهل السنة والجماعة قضية التكفير أهمية بالغة، لما يترتب عليها من أحكام خطيرة تلحق بمختلف أطرافها2، ويضعون لها ضوابط وشروطا تحكمها، لذلك كان منهجهم في هذه القضية هو المنهج العدل، وطريقهم فيها هو طريق الصواب، لدقة فهمهم لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه القضية وفي غيرها3.

والتكفير مشتق من الكفر: وهو إخراج المسلم من دائرة الإسلام

1 شرح العقيدة الطحاوية، ص 432.

2 يقول النبي صلى الله عليه وسلم في تحذيره للأمة من هذه الفتنة: " أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" رواه البخاري، كتاب الأدب، باب من أكفر أخاه بغير تأويل، رقم:6103، ورواه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان حال إيمان من قال لأخيه المسلم: يا كافر، رقم:212.

3 انظر أقوال العلماء في المسألة في شرح النووي لصحيح مسلم، 2/237.

ص: 135

والإيمان إلى دائرة الكفر والشرك، ونسبته إلى ذلك1.

ولبيان منهج أهل السنة والجماعة في قضية التكفير ننقل كلام الأئمة المعتبرين عند أهل السنة في هذه القضية، من ذلك قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله " ومن أصول أهل السنة أن الدين والإيمان قول وعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي كما قال سبحانه في آية القصاص:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] وقال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات:178] ولا يسلبون الفاسق المليّ الإيمان بالكلية ولا يخلدونه في النار كما تقول المعتزلة بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًَا} [الأنفال: 2]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع

1 انظر: المعجم الوسيط، 3/792"مادة كفر".

ص: 136

الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن" 1، ونقول: هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم"2.

يقول الشيخ د. صالح الفوزان في شرحه لكلام الإمام ابن تيمية: "أهل السنة والجماعة لا يحكمون بالكفر على من يدعي الإسلام ويستقبل القبلة بمطلق ارتكابه المعاصي التي هي دون الشرك والكفر"3.

ويقول الإمام الطحاوي رحمه الله "..ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله"4.

يقول الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله تعليقا على كلام الإمام الطحاوي: " مراده رحمه الله أن " أهل السنة والجماعة" لا يكفرون المسلم الموحد المؤمن بالله واليوم الآخر بذنب يرتكبه كالزنا، وشرب الخمر، والربا، وعقوق الوالدين، وأمثال ذلك ما لم يستحل ذلك، فإن استحله كفر؛ لكونه بذلك مكذبا لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم، خارجا

1 رواه البخاري، في كتاب الأشربة، باب قول الله تعالى:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ} رقم:5150، ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي، رقم:86.

2 العقيدة الواسطية، لابن تيمية، ص22ـ23.

3 شرح العقيدة الواسطية، د. الفوزان، ص 180.

4 شرح العقيدة الطحاوية، ص 432.

ص: 137

عن دينه، أما إذا لم يستحل ذلك؛ فإنه لا يكفر عند " أهل السنة والجماعة" بل يكون ضعيف الإيمان، وله حكم ما تعاطاه من المعاصي في التفسيق وإقامة الحدود وغير ذلك، حسبما جاء في الشرع المطهر، وهذا هو قول" أهل السنة والجماعة" خلافا لـ" الخوارج" و" المعتزلة" ومن سلك مسلكهم الباطل، فإن"الخوارج" يكفرون بالذنوب، و" المعتزلة" يجعلونه في منزلة بين المنزلتين، يعني بين الإسلام والكفر في الدنيا، وأما في الآخرة فيتفقون مع" الخوارج" بأنه مخلد في النار، وقول الطائفتين باطل بالكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة، وقد التبس أمرهما على بعض الناس لقلة علمهم، ولكن أمرهما بحمد الله واضح عند أهل الحق"1.

ويقول الموفق ابن قدامة المقدسي الحنبلي رحمه الله في لمعة الاعتقاد:"ولا نكفر أحدا من أهل القبلة بذنب ولا نخرجه عن الإسلام بعمل"2.

يقول الشيخ عبد الله بن جبرين شارحا لكلام ابن قدامة: "وأما التكفير بالذنوب لأهل القبل ـ أي: أهل الإسلام، واستقبال القبلة في الصلاة والحج ونحوها ـ فلا يجوز تكفيرهم بمجرد عمل ذنب كبير ونحوه، وما ورد من نصوص الوعيد فإنا نجريها على ظاهرها، ليكون

1 العقيدة الطحاوية، تعليق الشيخ ابن باز، ص 19ـ20.

2 لمعة الاعتقاد، تعليق الشيخ ابن جبرين، ص170ـ172.

ص: 138

أبلغ في الزجر عن تلك المآثم، مع اعتقادنا أنه لا يخرج بها من الدين، ولا يخلدون في النار، ونقول في جنس أهل الكبائر إنهم مؤمنون ناقصو الإيمان، أو فاسقون بكبائرهم، وهم في الآخرة تحت مشيئة الله، إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم بقدر ذنوبهم، ثم مآلهم إلى دخول الجنة، خلافا للخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ويستحلون دماء أهل الكبائر وأموالهم، وللمعتزلة الذين يخرجون العاصي من الإسلام، ولا يدخلونه في الكفر، وهو في الآخرة عند الخوارج والمعتزلة مخلد في النار، أنكروا أحاديث الوعد والشفاعة ونحو ذلك"1.

ويوجز الشيخ أ. د. ناصر العقل عقيدة أهل السنة في التكفير بقوله: " من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فصلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأظهر شرائع الإسلام فهو مسلم له ما للمسلمين وعليه ما عليهم حرام الدم والمال والعرض وحسابه على الله، واختبار مجهول الحال وإساءة الظن به أو التوقف في إسلامه بدعة وتنطع في الدين، ولا يجوز تكفير أحد من أهل القبلة بذنب يرتكبه إلا من جاء تكفيره بالكتاب والسنة وقامت عليه الحجة وانتفت في حقه عوارض الإكراه أو الجهل أو التأويل كما لا يجوز الشك في كفر من حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بكفره من المشركين واليهود والنصارى وغيرهم، ولا نجزم لأحد بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومرتكب

1 المرجع السابق، ص 172.

ص: 139

الكبيرة في الدنيا فاسق وعاص، وفي الآخرة تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ولا يخلد في النار، ونرجو للمحسن ونخاف على المسيء"1.

وليس معنى ذلك أن أهل السنة والجماعة لا يرون أن المسلم لا يمكن أن يخرج من دائرة الإسلام، بل إنه ربما خرج المسلم من دين الإسلام بسبب ما يأتي به من النواقض التي تخرجه من دائرة الإسلام، ولذلك نص علماء الإسلام قديما وحديثا على باب مهم في كتب الفقه أسموه باب حكم المرتد، وبينوا فيه " أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله ويكون بها خارجا عن الإسلام"2.

قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 217]، " المرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه، فمن أشرك بالله تعالى أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته

أو سب الله سبحانه وتعالى أو رسوله كفر

"3.

وبعد هذا البيان الموجز لموقف أهل السنة والجماعة من قضية التكفير نقلا من كلام الأئمة المعتبرين نأتي إلى بيان موقف الشيخ

1 مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، د. العقل، ص 46.

2 العقيدة الصحيحة، وما يضادها، ابن باز، ص 14.

3 المغني والشرح الكبير 10/72ـ73.

ص: 140

محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من هذه القضية من خلال كلامه في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة التي يعتقدها، ومن خلال رده على خصومه الذين يتهمونه بأنه يتهاون في قضية التكفير ويكفر المسلمين بالعموم ويقاتلهم من أجل ذلك1، ويقولون كذلك بأنه يكفر بالظن ويكفر الجاهل.

فيرد الشيخ رحمه الله على ذلك كله بأقواله واضحة، لا غموض فيها، منها قوله:" ولا أكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا أخرجه من دائرة الإسلام"2.

ويقول أيضا: " وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم ثم بعد ما عرفه سبه ونهى الناس عنه وعادى من فعله، فهذا هو الذي أكفره، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك"3.

ويرد الشيخ في موضع آخر التهم كلها حول التكفير والهجرة إليه وغير ذلك فيقول: " وأما ما ذكره الأعداء عني أني أكفر بالظن والموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم يريدون به تنفير الناس عن دين الله ورسوله"4.

1 انظر: كشف الشبهات، ص37ـ38.

2 رسالته لأهل القصيم، مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص11.

3 الدرر السنية1/82-83.

4 مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص25.

ص: 141

ويقول: " وأما القول بأنا نكفر بالعموم فذلك من بهتان الأعداء الذين يصدون به عن هذا الدين ونقول سبحانك هذا بهتان عظيم"1.

ويقول في نفيه لما اتهم به من شبه وضلالات: " إني أقول من اتبع دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو ساكن في بلده لا يكفيه ذلك حتى يأتي عندي فهذا أيضا من البهتان إنما المراد اتباع دين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم في أي أرض كانت"2.

ومع نفي الشيخ لما نسب إليه من التكفير فإنه قد كتب رسالة مهمة أوضح فيها الأمور التي تخرج الإنسان من دائرة الإسلام سماها: نواقض الإسلام ومما ذكره في ذلك: " اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض:

الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48] .

وقال: {مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة: 72] ، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر.

الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة ويتوكل عليهم، كفر إجماعا.

1 المرجع السابق، ص 101.

2 المرجع السابق، ص58.

ص: 142

الثالث: من لم يكفر المشركين أو يشك في كفرهم أو صحح مذهبهم فقد كفر.

الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر.

الخامس: من أبغض شيئا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولو عمل به كفر.

السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65، 66] .

السابع: السحر، ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البقرة: 102] .

الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51] .

التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر.

ص: 143

العاشر: الإعراض عن دين الله تعالى لا يتعلمه ولا يعمل به، والدليل قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22] ، ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرا، وأكثر ما يكون وقوعا، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه، نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وآله وصحبه وسلم"1.

وبهذا اتضح لنا منهج الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في قضية التكفير وبيان موافقته لمنهج أهل السنة والجماعة فيها.

وبعد هذا نأتي لبيان موقفه رحمه الله في مسألة القتال والجهاد الذي قام به مع دولة التوحيد بقيادة الإمام محمد بن مسعود وأبنائه من بعده رحمهم الله أجمعين.

فما يقول الشيخ عن القتال؟

يقول رحمه الله: في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا} [النساء: 94] أي فتثبتوا، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت، فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله:{فَتَبَيَّنُوا} ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبت معنى"

1 مجموعة التوحيد، ص 271ـ272.

ص: 144

إلى أن يقول: " وإن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين منه ما يناقض ذلك"1.

فيتضح من كلامه رحمه الله أن منهجه في هذه المسألة يقوم على التثبت لعظم حرمة دم المسلم عند الله، ولا يقاتل أحدا إلا إذا أظهر ما يناقض دين الإسلام عن علم واستكبار.

ويقول أيضا: "وأما القتال فلم نقاتل أحدا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة، وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 50] ، وكذلك من جاهر بسب دين الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ما عرفه"2.

ويقول أيضا: " نقاتل عباد الأوثان كما قاتلهم صلى الله عليه وسلم ونقاتلهم على ترك الصلاة وعلى منع الزكاة كما قاتل مانعها صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق.."3، فهو لم يقم بالقتال لتحصيل مآرب دنيوية وإنما كان الغرض منه عدة أسباب:

1ـ إما دفاعا عن النفس والمحارم.

2ـ المقابلة والمجازاة، والعقاب بالمثل.

3ـ المجاهرون المعاندون لدين الحق بعد إعلامهم وتبليغهم

1 كشف الشبهات، المطبوع مع مجموعة التوحيد، ص 231.

2 مجموعة مؤلفات الشيخ، الرسائل الشخصية، ص 158.

3 المرجع السابق، ص98.

ص: 145

‌مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثالثة)

وأمر رحمه الله بصنع باب للكعبة المشرفة عام1399هـ من الذهب الخالص1.

7ـ إنشاء هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية عام1398هـ2.

8ـ الاهتمام الكبير بتعليم كتاب الله تعالى ونشره بين الناس، ولذلك فقد أمر رحمه الله بإنشاء مطبعة لطباعة المصحف الشريف، وترجمة معانيه إلى اللغتين الإنجليزية والفليبينية، وغيرها من اللغات، وحرصا منه كذلك على تشجيع النشء على العناية بكتاب الله الكريم فقد انطلقت في عهده رحمه الله المسابقة الدولة لحفظ القرآن الكريم بين أبناء المسلمين من مختلف دول العالم وذلك عام1397هـ، وتعقد سنويا في مكة المكرمة.

9ـ حرصه رحمه الله تعالى على تقوية الأواصر والروابط بين الدول الإسلامية وإزالة الخلافات والعقبات التي قد توجد بينها، ونتيجة لذلك فقد حرص على عقد مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عام1401هـ في مكة المكرمة لعزز ويقوي مسيرة التضامن الإسلامي3.

وغير هذه الجهود الجليلة والعظيمة كثير من الأعمال المباركة التي قام بها المغفور له الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله خدمة للدين والدعوة إليه، ونتيجة لتلك الجهود العظيمة فقد نال رحمه الله جائزة الملك فيصل في خدمة الإسلام 1401هـ، فجزاه الله تعالى كل خير على ما بذله في سبيل ذلك.

1 انظر: رعاية الحرمين في عهد خادم الحرمين، الشيخ السبيل، ص 23.

2 انظر: الأنشطة الدعوية في المملكة، د. السدلان، ص 283.

3 انظر: المملكة وهموم الأقليات، د. الداود، ص 230ـ233، الأنشطة الدعوية للمملكة، د. السدلان، ص 251.

ص: 140

هـ ـ جهود خادم الحرمين الشريفين الملك فهد في الدعوة إلى الله تعالى

التعريف به بإيجاز:

ولد الملك فهد حفظه الله عام1342هـ في مدينة الرياض، وتلقى تعليمه في مدرسة الأمراء التي أنشأها الملك عبد العزيز رحمه الله داخل قصره لتعليم أبنائه في المرحلة الأولى، ثم درس في المعهد العلمي في مكة المكرمة، وكان يحفظه الله يكثر من الجلوس مع والده وملازمته مما ساهم في صقل مواهبه وفكره.

أهم أعماله: كان أول وزير للمعارف عند إنشائها عام1373هـ، ثم وزيرا للداخلية عام1382هـ، ونائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء عام1387هـ بالإضافة إلى توليه لوزارة الداخلية، وبعد تولي الملك خالد للحكم عام1395هـ أصبح وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء، وقد تولى حفظه الله العديد من الأعمال السياسية والقيادية في سن مبكرة وكان منها: وجوده ضمن الوفد السعودي للتوقيع على إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام1945م، ترؤسه وفد المملكة في العديد من المؤتمرات والاجتماعات، وغيرها الكثير والكثير من الأعمال الجليلة والعظيمة، وبعد وفاة الملك خالد رحمه الله تولى الملك فهد الحكم في

ص: 141