المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله - الدعوة الإصلاحية في بلاد نجد على يد الإمام محمد بن عبد الوهاب وأعلامها من بعده

[عبد الله المطوع]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌تمهيد

- ‌الفصل التمهيدي

- ‌المقصود بالدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية

- ‌ أهداف الحديث عن الدعوة الإصلاحية ودراستها:

- ‌تعريف الدعوة إلى الله تعالى:

- ‌ أهمية الدعوة إلى الله وفضلها

- ‌ منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله

- ‌الفصل الأول: أحوال العالم الإسلامي قبل الدعوة الإصلاحية

- ‌أولا: حال العالم الإسلامي في القرن الثاني عشر الهجري

- ‌ثانيا: أحوال الجزيرة العربية في القرن الثاني عشر قبل الدعوة

- ‌الفصل الثاني: التعريف بالشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌ نسبه وأسرته:

- ‌مولد الشيخ ونشأته:

- ‌ صفاته:

- ‌ رحلاته العلمية وشيوخه:

- ‌العوامل الرئيسية التي ساهمة في بناء شخصية الشيخ العلمية والدعوية

- ‌ تلاميذ الشيخ:

- ‌ مؤلفات الشيخ:

- ‌وفات الشيخ

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌الفصل الثالث عقيدة الشيخ ومنهجه في الدعوة

- ‌تمهيد:

- ‌ منهج الشيخ في التوحيد

- ‌ أصول منهجه في الاستدلال

- ‌موقفه من الصحابة الكرام ومن أهل البيت رضي الله عنهم أجمعين

- ‌ موقف الشيخ من كرامات الأولياء

- ‌موقف الضيخ من السمع والطاعة لولي الأمر

- ‌ منهجه في قضية التكفير والقتال

- ‌ موقفه من التقليد والاجتهاد

- ‌ رفض الشيخ لمناهج الجاهلية وفضحه لمسائلها

- ‌ منهجه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌ أهداف دعوة الشيخ وأبرز إصلاحاتها

- ‌ مراحل دعوة الشيخ

- ‌الفصل الرابع: مناصروا الدعوة الإصلاحية

- ‌التمهيد

- ‌مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الأولى)

- ‌مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثانية)

- ‌مناصروا الدعوة والاصلاح من الحكام والولاة (حكام الدولة السعودية الثالثة)

- ‌مناصروا الدعوة الإصلاحية من العلماء والدعاة

- ‌الفصل الخامس: خصائص وآثار الدعوة

- ‌خصائص الدعوة الإصلاحية

- ‌ آثار الدعوة الإصلاحية في الجزيرة العربية

- ‌ آثار الدعوة الإصلاحية خارج الجزيرة العربية

- ‌الفصل السادس:‌‌ الخاتمة

- ‌ الخاتمة

- ‌مصادر ومراجع

الفصل: ‌ منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله

5ـ‌

‌ منهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله

المنهج: هو الطريق الواضح البين1، وهو الطريق المستقيم الواضح الذي لا يتغير2.

فمنهج السلف الصالح في الدعوة واضح وثابت لا يتغير لكونه مستمد من الشريعة الإسلامية، وإن تبدلت أساليبه ووسائله من زمان لآخر، ومن أشخاص لآخرين، حسب حال المدعو وظروف الدعوة وموضوعها.

والسلف الصالح: هم أتباع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين أهل القرون المفضلة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" الحديث3.

وهكذا من جاء بعدهم من أتباعهم أئمة الدين وأعلام الملة الذين ساروا على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ولم يخالفوه في الاعتقاد والقول والعمل، ولم يبتدعوا ولم يبدلوا، ولم يحدثوا في دين الله ما ليس منه4، وهؤلاء هم أهل السنة والجماعة والطائفة المنصورة والفرقة

1 مختار الصحاح، الرازي، مادة نهج، ص284.

2 المعجم الوسيط، مادة نهج، ص284.

3 رواه البخاري في كتاب الشهادات، باب لا يشهد على شهادة جور إذا أُشهد، رقم: 2652، ورواه مسلم في كتاب فضائل الصحابة، باب فضل الصحابة ثم الذين يلونهم، رقم 6417.

4 انظر: شرح العقيدة الطحاوية، الحنفي ص330، مفهوم السنة والجماعة، د. العقل، ص79.

ص: 28

الناجية الذين جاء ذكرهم في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم أمر الله وهم ظاهرون"1.

وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة"2.

كما ذكرهم عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه عوف بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، فواحدة في الجنة وسبعون في النار، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، واحدة في الجنة، وثنتان وسبعون في النار، قيل يا رسول الله: من هم؟ قال: الجماعة"3.

وقد قال أيضا عليه الصلاة والسلام: "وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليه بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ

" الحديث4.

1 رواه البخاري في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي.." رقم: 6767.

2 رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تزال طائفة من أمتي.."، رقم:393.

3 رواه ابن ماجة، في كتاب الفتن، باب افتراق الأمم، رقم: 4063، وصححه الألباني، انظر: صحيح سنن ابن ماجة، 3/307.

4 رواه الترمذي في كتاب العلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم:2676، وقال الترمذي:"حديث حسن صحيح"، ورواه ابن ماجة في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، رقم:43.

ص: 29

وسمى السلف سلفا: لسبقهم في الوقت وقربهم من الرسالة مقارنة بمن بعدهم، ولتقدمهم في الفضل والمكانة والخير والهدى، ويسمون أهل السنة: لانتسابهم إلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم وتمسكهم بها وعدم عدولهم عنها.

وسموا بالجماعة: لاجتماعهم على الحق والهدى، ولأن السلف الصالح أهل اتباع لا ابتداع واجتماع لا اختلاف؛ لأنهم يتلقون عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم فطريقتهم ومنهجهم في العلم والاعتقاد والقول والعمل أسلم وأعلم وأحكم1.

ومن خلال تتبع النصوص الشرعية وفهم السلف وتطبيقهم لها يمكن القول بأن منهج السلف في الدعوة يقوم على ركائز جليلة، من أهمها:

1ـ العلم:

وهو أول أمر يقوم عليه منهج السلف في الدعوة إلى الله تعالى، فالدعوة بلا علم دعوة فاسدة باطلة لا قيمة لها ولا اعتبار، فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فتشبع الداعي بالعلم بالدعوة والمعرفة بأصولها وفروعها وأسباب نجاحها وفشلها من العوامل الرئيسة التي لا يستغني عنها الداعية بأي حال من الأحوال2.

ولا يتصور وفق منهج السلف قيام دعوة صحيحة من دون علم

1 انظر: شرح العقيدة الواسطية، الشيخ د. صالح الفوزان، ص211ـ214، مفهوم السنة والجماعة، د. العقل، ص79.

2 انظر: أسس الدعوة، الشيخ الجزائري، ص62.

ص: 30

بدين الله، والعلم المقصود هنا هو: العلم بنصوص الكتاب والسنة، وهو كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الإسلام بالأدلة1.

وهو مرتبط بجميع مراحل الدعوة ولذلك قال الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:108]، والبصيرة: هي العلم والفهم كما قال بذلك جماعة من المفسرين2.

والعلم لا أن يسبق القول والعمل، وممن أوضح ذلك الإمام البخاري في كتابه الصحيح حين وضع بابا في كتاب العلم وسمه بقوله:"باب العلم قبل القول والعمل لقول الله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] فبدأ بالعلم"3.

وبفقد العلم في الدعوة يتحكم الهوى وتقع بسبب ذلك المصائب والضلالات والجهالات، كما قال جل وعلا:{وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119] .

والدعوة بلا علم قول على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم بغير علم

1 انظر: مقدمة كتاب الأصول الثلاثة.

2 انظر مثلا: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير3/80، وتيسير الكريم الرحمن لابن سعدي، ص 361.

3 انظر: الصحيح المطبوع مع فتح الباري، 1/159.

ص: 31

وكذب وافتراء عليهما وذلك من أقبح الذنوب وأعظم السيئات، كما قال عز وجل:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 144]، وقال سبحانه:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33]، وقال عز وجل:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء:36] .

وقال عليه الصلاة والسلام: " من كذب عليّ فليتبوأ مقعده من النار"1. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: " من يقل علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار" 2.

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله ناصحا كل داعية مخلص: " إياك أن تدعوا على جهالة، وإياك أن تتكلم فيما لا تعلم، فالجاهل يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، فاتق الله يا عبد الله إياك أن تقول على الله بغير علم، لا تدعو إلى شيء إلا بعد العلم به والبصيرة بما قاله الله ورسوله

"3.

وكل هذا يؤكد وبجلاء على أهمية قيام الدعوة إلى الله تعالى على

1 رواه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم:107.

2 رواه البخاري في كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم، رقم:109.

3 الدعوة إلى الله سبحانه وأخلاق الدعاة، ص35.

ص: 32

أسس وقواعد متينة مرتكزة على العلم بكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم حتى تؤتي الدعوة ثمارها المرجوة منها بإذن الله تعالى.

2ـ العمل:

المقصود بالعمل: تطبيق ما تعلمه الإنسان على نفسه أولا، والاجتهاد في ذلك، ليكون الداعية قدوة حسنة للمدعوين في كونه عاملا بما يأمرهم به، مجتنبا ما ينهاهم عنه.

ولأهمية العمل والاستقامة على طاعة الله لا سيما في حق الداعية فقد أمر الله بها رسله عليهم الصلاة والسلام، كما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112]، وقوله عز وجل لموسى وهارون {فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [يونس: 89] .

وقال تعالى عن شعيب عليه السلام وهو يدعو قومه: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب} [هود: 88] .

وقد أدرك صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمية اقتران العمل بالعلم فقرنوا بينهما في تعلم كتاب الله تعالى والعمل به، فقد روى الإمام أحمد قال: حدثنا محمد بن فضيل عن عطاء عن أبي عبد الرحمن زيد بن خالد الجهني: قال: حدثنا من كان يقرئنا القرآن من أصحاب رسول الله

ص: 33

ذلك هو منهج السلف الصالح رحمهم الله وبه يتواصون يقول الفضيل رحمه الله: " على الناس أن يتعلموا فإذا علموا فعليهم العمل"1، ويقول ابن عيينة:"العلم إن لم ينفعك ضرك"، وقال الشيخ الألباني رحمه الله معلقا على هذا القول:"يعني إن لم ينفعه بأن يعمل به ضره بكونه حجة عليه"2.

والذي لا يعمل بما علم يقع تحت طائلة الوعيد الذي أخبر الله تعالى عنه في قوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُون} [الصف: 2، 3]، وقد ذم الله اليهود ووبخهم بقوله:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُون} [البقرة: 44]، قال ابن عباس رضي الله عنهما: " كان يهود المدينة يقول الرجل منهم لصهره ولذي قرابته، ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين: اثبت على الذي أنت عليه، وما يأمرك به هذا الرجل ـ يريدون محمدا صلى الله عليه وسلم فإن أمره حق، فكانوا

1 اقتضاء العلم العمل، للخطيب البغدادي، بتحقيق الشيخ الألباني، ص 37.

2 المرجع السابق، ص 56.

ص: 34

يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه"1.

وفي الحديث الذي رواه أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون له: يا فلان، ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فيقول: بلى كنت أمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه" 23، فيتضح من هذا الحديث الشريف التحذير لمن خالف قوله عمله، نسأل الله العافية والسلامة، ثم ليعلم الداعية أن

1 القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، 1/343.

2 رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، رقم:3267.

3 قد يوجد تساؤل أو شبهة عند البعض لكونه لا يقوم بالدعوة والاحتساب خشية أن يقع تحت طائلة هذا الوعيد الوارد في هذه النصوص، ويقول: أنا لا أقول بذلك لأني لدي ذنوب ومعاصي، فلذلك لا أقوم بالاحتساب، فيجاب عن هذا التساؤل بقول الإمام سعيد بن المسيب رحمه الله:" لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء، ما أمر بمعروف، ولا نهي عن منكر"، ولأنه لا يتصور عدم الوقوع بالذنوب والمعاصي من بني آدم لقوله صلى الله عليه وسلم:"كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" رواه ابن ماجة، أبواب الزهد، باب ذكر التوبة، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة، 2/418، فعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة مع حرصه على فعل الطاعة واجتناب المعصية حتى لا يقع في ذلك الوعيد الوارد في النصوص السابقة، لأن الذم الوارد فيها بسبب مخالفتهم لواقعهم وليس بسبب أمرهم أو نهيهم، وللاستزادة حول هذه الشبهة، انظر: شبهات حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، د. فضل إلهي، ص22.

ص: 35

العمل بطاعة الله تعالى وأوامره زاد عظيم يقويه ويعينه على المضي في طريق دعوته، وليكون قدوة حسنة للمدعوين.

3ـ مراعاة الأوليات في الدعوة:

فبما أن موضوعات الدعوة تتفاوت في الأهمية كما تتفاوت الأساليب والوسائل والمدعوين، فإن منهج السلف الصالح يقوم على وجوب مراعاة الأوليات في هذه الأمور، فتقدم الأصول على الفروع، والأهم على ما دونه في الأهمية، والفاضل على المفضول.

فأمور العقيدة مثلا في مضمون الدعوة هي أهم ما يجب التركيز عليه، وهي المقدمة على ما سواها وبخاصة إذا كان هناك خلل في هذا الجانب عند المدعوين، ويدل على ذلك عناية الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام بالتوحيد أولا، واهتمامهم به فكل رسول يدعو قومه إليه أولا، كما قال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 68] وكل نبي يقول لقومه: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [هود: 84] .

ويدل على هذا الأمر أيضا وصيته عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: " إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم

ص: 36

أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" 1.

فانظر كيف رتب عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله عنه فهذه الأمور بحسب أهميتها.

يقول الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله: " وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام وأول ما يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ـ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك معاذا.."2.

على أن ترتيب الأولويات لا يعني ترك الدعوة إلى ما دون الفاضل لأجل المفضول، فمثلا: نبدأ بالدعوة إلى مسائل العقيدة والتوحيد، وهذا لا يعني أن نغفل جوانب شرعية ودينية أخرى من العبادات والأحكام والمعاملات، وقد تجلى هذا الأمر في دعوات كثير من الأنبياء عليهم السلام، فشعيب عليه السلام دعا إلى التوحيد، ولكنه لم يغفل إنكار ما عليه أكثر قومه من تطفيف المكيال والميزان،

1 رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء

، رقم: 1496، ورواه مسلم في كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم:121.

2 الدعوة إلى الله، ص18ـ 19.

ص: 37

قال تعالى: {إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ} [هود: 84] ، ولوط عليه السلام دعا إلى التوحيد ولكنه لم يغفل إنكار الجريمة الشنعاء التي وقع فيها قومه، قال تعالى:{كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ (160) إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِي (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِي إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ (166) } [الشعراء: 160، 166] .

4ـ استخدام الوسائل والأساليب الدعوية المشروعة:

إن منهج السلف الصالح في الدعوة يقوم على أن الأساليب والوسائل لها حكم الغايات، فغاية الدعوة وهدفها شريف ومشروع، فكذلك يجب أن تكون أساليبها ووسائلها، ولذلك فمبدأ الغاية تبرر الوسيلة مبدأ مرفوض في منهج الدعوة الصحيح، واستخدام الوسائل والأساليب مرتبط بالحكمة التي تضع كل أسلوب وكل وسيلة في موضعها الصحيح، ولقد أوضح الله تعالى في كتابه عددا من أساليب الدعوة ووسائلها، فقال تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا

ص: 38

مِنْهُمْ} [العنكبوت: 46]، وقال جل وعلا لموسى وهارون:{اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44) } [طه: 43ـ 44]، وقال سبحانه:{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159]، وقال جل وعلا:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التحريم: 9] .

هذه بعض النصوص التي تحدثت عن الأساليب الدعوية ووسائلها، والمقصود أنه لا يستخدم في أساليب الدعوة ووسائلها إلا ما أباحه الشرع وأجازه، لا ما حرمه ونهى عنه، ولا بد أيضا أن يوضع هذا الأسلوب أو الوسيلة في موضعه الصحيح، حتى تؤتي الدعوة بإذن الله ثمارها المرجوة.

5ـ الصبر على تبعات الدعوة:

الصبر من أهم الخصال التي أمر الله بها عباده المؤمنين كما قال جل وعلا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 153]، وقال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 200] .

وهو في حق الداعية أوجب وألزم، فالداعية يحتاج الصبر بأنواعه الثلاثة التي هي الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله والصبر

ص: 39

على أقدار الله1، وذلك لطبيعة العمل الذي يقوم به ويؤديه، فهو يحتاج إلى الصبر قبل قيامه بالدعوة بطلب العلم والجمع بينه وبين العمل، ويحتاجه معها في قيامه بتبليغ الدعوة وحرصه عليها، ويحتاجه بعدها لما قد يترتب عليها من إعراض المدعو أو ما قد يلحقه بسببها من الأذى.

والصبر لازم للداعية لكونه يسلك سبيل الأنبياء والرسل عليهم السلام، وقد تسلحوا بالصبر في دعواتهم، قال تعالى:{وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام: 34] .

ولذلك قرن الله التواصي بالصبر مع التواصي بالحق في سورة العصر بقوله تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .

وجاء الصبر مقرونا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وصية لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه كما أخبر الله تعالى عنه: {يَابُنَيَّ أَقِمْ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17] .

يقول الحافظ ابن كثير: "علم ـ لقمان ـ أن الآمر بالمعروف والناهي

1 تحدث عن هذه الصفة وأنواعها الإمام ابن القيم في مدارج السالكين 2/152.

ص: 40

عن المنكر لا بد أن يناله من الناس أذى فأمره بالصبر"1.

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فلا بد من هذه الثلاثة: العلم، والرفق، والصبر، العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده"2.

وبعد ذكر أبرز ما يقوم عليه منهج السلف الصالح رحمهم الله في الدعوة نجد أن إمام الدعوة في وقته الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ذكر معظمها حيث قال: "اعلم أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل، الأولى: العلم وهو معرفة الله ومعرفة نبيه ومعرفة دين الإسلام بالأدلة، الثانية: العمل به، الثالثة: الدعوة إلى الله، الرابعة: الصبر على الأذى فيه"3.

وهذا مما يؤكد اتباع الشيخ رحمه الله لمنهج أئمة السلف وأعلامهم في دعوته الإصلاحية والتزامه فيها بالضوابط التي ذكروها في الدعوة إلى الله?.

1 تفسير القرآن العظيم، 3/447.

2 الحسبة في الإسلام، ص84.

3 انظر: كتاب أصول الدين الإسلامي مع قواعده الأربع، ص2.

? تحدث عن منهج السلف في الدعوة: د. عبد الله المجلي، في مذكرة الدعوة الإصلاحية لطلاب كلية الدعوة والإعلام وكلية العلوم الاجتماعية.

ص: 41