الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
ايقاظ
فِي بَيَان معنى الارجاء السّني والارجاء البدعي
قد يظنّ من لَا علم لَهُ حِين يرى فِي ميزَان الِاعْتِدَال وتهذيب الْكَمَال وتهذيب التَّهْذِيب وتقريب التَّهْذِيب وَغَيرهَا من كتب الْفَنّ فِي حق كثير من الروَاة الطعْن بالارجاء عَن ائمة النَّقْد الاثبات حَيْثُ حَيْثُ يَقُولُونَ رمي بالارجاء اَوْ كَانَ مرجئا اَوْ نَحْو ذَلِك من عباراتهم كَونهم خَارِجين من اهل السّنة وَالْجَمَاعَة داخلين فِي فرق الضَّلَالَة مجروحين بالبدعة الاعتقادية معدودين من الْفرق المرجئة الضَّالة وَمن هَاهُنَا طعن كثيرا مِنْهُم على الامام ابي حنيفَة وصاحبيه وشيوخه لوُجُود اطلاق الارجاء عَلَيْهِم فِي كتب من يعْتَمد على نقلهم ومنشأ ظنهم غفلتهم عَن اُحْدُ قسمي الارجاء وَسُرْعَة انْتِقَال ذهنهم الى ارجاء الَّذِي هُوَ ضلال عِنْد الْعلمَاء
- فقد قَالَ مُحَمَّد بن عبد الْكَرِيم الشهرستاني فِي كتاب الْملَل والنحل عِنْد ذكر فرق الضَّلَالَة وَمن ذَلِك المرجئة والارجاء على مَعْنيين
احدهما التَّأْخِير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {قَالُوا أرجه وأخاه} أَي امهله
وَالثَّانِي اعطاء الرَّجَاء
اما اطلاق اسْم المرجئة على الْجَمَاعَة بِالْمَعْنَى الاول فَصَحِيح لانهم كَانُوا يؤخرون الْعَمَل عَن النيو والاعتقاد
واما بِالْمَعْنَى الثَّانِي فَظَاهر فانهم كَانُوا يَقُولُونَ لَا يضر مَعَ الايمان مَعْصِيّة كَمَا لَا ينفع مَعَ الْكفْر طَاعَة
- وَقيل الارجاء تَأْخِير حكم صَاحب الْكَبِيرَة الى يَوْم الْقِيَامَة فَلَا يقْضى عَلَيْهِ بِحكم مَا فِي الدُّنْيَا من كَونه من اهل الْجنَّة اَوْ النَّار فعلى هَذَا المرجئة والوعيدية فرقتان متقابلتان
وَقيل الارجاء تَأْخِير عَليّ رضي الله عنه عَن الدرجَة الاولى الى الرَّابِعَة فعلى هَذَا المرجئة والشيعة متقابلتين
والمرجئة اصنلف اربعة مرجئة الْخَوَارِج ومرجئة الْقَدَرِيَّة ومرجئة الجبرية والمرجئة الْخَالِصَة انْتهى
ثمَّ ذكر الشهرستاني فرق المرجئة الْخَالِصَة مَعَ ذكر معتقداتهم ومزخرفاتهم
كالثوابية اصحاب ابي ثَوْبَان المرجئ الَّذِي زَعَمُوا ان الايمان هُوَ الْمعرفَة والاقرار بِاللَّه تَعَالَى وبرسله وَبِكُل مَا يجوز فِي الْعقل ان يَفْعَله
والتومنية اصحاب ابي معَاذ التومني الَّذِي يزْعم ان الايمان هُوَ مَا عصم من الْكفْر وَهُوَ اسْم لخصال اذ تَركهَا التارك كفر وَهِي
- الْمعرفَة والتصديق والمحبة والاخلاص والاقرار بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول والصالحية اصاب صَالح بن عَمْرو الْقَائِلين بَان الايمان هُوَ الْمعرفَة بِاللَّه على الاطلاق وَالْقَوْل بثالث ثَلَاثَة لَيْسَ بِكفْر مَعَ جحد الرَّسُول وَالصَّلَاة وَغَيرهَا لَيست بِعبَادة انما الْعِبَادَة معرفَة الله
واليونسية الْقَائِلين بَان الايمان هُوَ معرفَة الله وَترك الاستكبار عَلَيْهِ والخضوع لَهُ والمحبة بِالْقَلْبِ وَلَا يضر ترك مَا سوى الْمعرفَة من الطَّاعَات الايمان وَلَا يعذب على ذَلِك وَقَالَ رئيسهم يُونُس النميري ان ابليس لعنة الله كَانَ عَارِفًا بِاللَّه وَحده غير انه ابى واستكبر فَكفر باستكباره
والعبيدية اصحاب عبيد الْمكتب الْقَائِل بَان مَا دون الشّرك مغْفُور لَا محَالة
والغسانية اصحاب غَسَّان بن ابان الْكُوفِي الزاعم ان الايمان هُوَ
- الْمعرفَة بِاللَّه وَرَسُوله والاقرار بِمَا انْزِلْ الله وَبِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول وانه لَو قَالَ قَائِل اعْلَم ان الله فرض الْحَج الى الْكَعْبَة غير اني لَا ادري ايْنَ الْكَعْبَة ولعلها فِي الْهِنْد كَانَ مُؤمنا
فَهَذِهِ فرق المرجئة وضلالتهم وليطلب تَفْصِيل ذَلِك من كتب علم الْكَلَام الْمُشْتَملَة على ذكر مقالاتهم
وَجُمْلَة التَّفْرِقَة بَين اعْتِقَاد اهل السّنة وَبَين اعْتِقَاد المرجئة
ان المرجئة يكتفون فِي الايمان بِمَعْرِِفَة الله وَنَحْوه ويجعلون مَا سوى الايمان من الطَّاعَات وَمَا سوى الْكفْر من الْمعاصِي غير مضرَّة وَلَا نافعة ويتشبثون بِظَاهِر حَدِيث من قَالَ لَا اله الا الله دخل الْجنَّة
واهل السّنة يَقُولُونَ لَا تَكْفِي فِي الايمان الْمعرفَة بل لَا بُد من التَّصْدِيق الِاخْتِيَارِيّ مَعَ الاقرار اللساني وان الطَّاعَات مفيدة والمعاصي مضرَّة مَعَ الايمان توصل صَاحبهَا الى دَار الخسران
وَالَّذِي يجب علمه على الْعَالم المشتغل بكتب التواريخ واسماء الرِّجَال ان الارجاء يُطلق على قسمَيْنِ
احدهما الارجاء الَّذِي هُوَ ضلال وَهُوَ الَّذِي مر ذكره انفا
وَثَانِيهمَا الارجاء الَّذِي لَيْسَ بضلال وَلَا يكون صَاحبه عَن اهل
- السّنة وَالْجَمَاعَة خَارِجا وَلِهَذَا ذكرُوا ان المرجئة فرقتان مرجئة الضَّلَالَة ومرجئة اهل السّنة وَأَبُو حنيفَة وتلامذاته وشيوخه وَغَيرهم من الرواه الاثبات انما عدوا من مرجئه اهل السّنة لَا من مرجئه الضَّلَالَة
قَالَ الشهرستاني عِنْد ذكر الغساسنية وَمن الْعجب ان غَسَّان كَانَ يَحْكِي عَن ابي حنيفَة مثل مذْهبه ويعده من المرجئة وَلَعَلَّه كذب عَلَيْهِ ولعمري كَانَ يُقَال لابي حنيفَة واصحابه مرجئة السّنة وَلَعَلَّ السَّبَب فِيهِ انه لماكان يَقُول الايمان هُوَ الدصديق بِالْقَلْبِ وَهُوَ لَا يزِيد وَلَا ينقص نسب اليه انه يُؤَخر الْعَمَل عَن الايمان وَالرجل مَعَ تبحره بِالْعلمِ كَيفَ يُفْتِي بترك الْعَمَل
وَله سَبَب اخر وَهُوَ انه كَانَ يُخَالف القدريه والمعتزلة الَّذين ظَهَرُوا فِي الصَّدْر الاول والمعتزلة كَانُوا يلقبون كل من خالفهم فِي الْقدر
- مرجئا وَكَذَلِكَ الوعيدية من الْخَوَارِج فَلَا يبعد ان اللقب انما لزمَه من فريقي الْمُعْتَزلَة والخوارج انْتهى
وَفِي الطَّرِيقَة المحمدية اما المرجئة فان ضربا مِنْهُم يَقُولُونَ نرجيء امْر الْمُؤمنِينَ والكافرين الى الله فَيَقُولُونَ الامر فيهم موكول الى الله يغْفر لمن يَشَاء من الْمُؤمنِينَ والكافرين ويعذب من يَشَاء فَهَؤُلَاءِ ضرب من المرجئة وهم كفار
وَكَذَلِكَ الضَّرْب الاخر مِنْهُم الَّذين يَقُولُونَ حَسَنَاتنَا متقبلة قطعا وسئتنا مغفورة والاعمال لَيست بفرائض وَلَا يقرونَ بفرائض الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَسَائِر الْفَرَائِض وَيَقُولُونَ هَذِه كلهَا
- فَضَائِل فَهَؤُلَاءِ ايضا كفار
واماالمرجئة الَّذين يَقُولُونَ لَا نتولى الْمُؤمنِينَ المذنبين ولانتبرا مِنْهُم فَهَؤُلَاءِ المبتدعة ولاتخرجهم بدعتهم من الايمان الى الْكفْر
واما المرجئة الَّذين يَقُولُونَ نرجيء امْر الْمُؤمنِينَ وَلَو فساقا الى الله فَلَا ننزلهم جنَّة وَلَا نَار وَلَا نتبرأ مِنْهُم ونتولاهم فِي الدّين فهم على السّنة فَالْزَمْ قَوْلهم وَخذ بِهِ انْتهى
وَفِي شرح الْمَقَاصِد للتفتازاني اشْتهر من مَذْهَب الْمُعْتَزلَة
- ان صَاحب الْكَبِيرَة بِدُونِ التَّوْبَة مخلد فِي النَّار وان عَاشَ على الايمان وَالطَّاعَة مئة سنة وَلم يفرقُوا بَين ان تكون الْكَبِيرَة وَاحِدَة اَوْ كَثِيرَة وَاقعَة قبل الطَّاعَات اَوْ بعْدهَا اَوْ بَينهَا وَجعلُوا عدم الْقطع بالعقاب وتفويض الامر الى يغْفر ان شَاءَ ويعذب ان شَاءَ على مَا هُوَ مَذْهَب اهل الْحق ارجاء بِمَعْنى انه تَأْخِير للامر وَعدم جزم بالعقاب وَالثَّوَاب وَبِهَذَا الِاعْتِبَار جعل أَبُو حنيفَة وَغَيره من المرجئة انْتهى
وَفِي شرح الْفِقْه الاكبر الْمُسَمّى بالمنهج الاظهر لعَلي الْقَارئ الْمَكِّيّ ثمَّ اعْلَم ان القونوي ذكر ان ابا حنيفَة كَانَ يُسمى مرجئا لتأخير امْر صَاحب الْكَبِيرَة الى مَشِيئَة الله والارجاء التَّأْخِير انْتهى
وَفِي التَّمْهِيد لأبي شكور السالمي ثمَّ المرجئة على نَوْعَيْنِ مرجئة مَرْحُومَة وهم اصحاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم
ومرجئة ملعونة وهم الَّذين يَقُولُونَ بِأَن الْمعْصِيَة لَا تضر والعاصي لَا يُعَاقب
- وَرُوِيَ عَن عُثْمَان البتي انه كتب الى ابي حنيفَة وَقَالَ انتم مرجئة فَأَجَابَهُ بِأَن المرجئة على ضَرْبَيْنِ
مرجئة ملعونة وانا برِئ مِنْهُم ومرجئة مَرْحُومَة وانا مِنْهُم وَكتب فيهم ان الانبياء كَانُوا كَذَلِك الا ترى الى قَول عِيسَى قَالَ
- {إِن تُعَذبهُمْ فَإِنَّهُم عِبَادك وَإِن تغْفر لَهُم فَإنَّك أَنْت الْعَزِيز الْحَكِيم} انْتهى
وَقَالَ ابْن حجر الْمَكِّيّ فِي الْفَصْل السَّابِع وَالثَّلَاثِينَ من كِتَابه الْخيرَات الحسان فِي مَنَاقِب النُّعْمَان قد عد جمَاعَة الامام ابا حنيفَة من المرجئة وَلَيْسَ هَذَا الْكَلَام على حَقِيقَته
اما أَولا فَقَالَ شَارِح المواقف كَانَ غَسَّان المرجيء ينْقل الارجاء عَن ابي حنيفَة وَبعده من المرجئة وَهُوَ افتراء عَلَيْهِ قصد بِهِ غَسَّان ترويج مذْهبه بنسبته الى هَذَا الامام الْجَلِيل
واما ثَانِيًا فقد قَالَ الْآمِدِيّ ان الْمُعْتَزلَة كَانُوا فِي الصَّدْر الاول يلقبون من خالفهم فِي الْقدر مرجئا اَوْ لِأَنَّهُ لما قَالَ الايمان لَا يزِيد اَوْ ينقص ظن بِهِ الارجاء بِتَأْخِير الْعَمَل عَن الايمان انْتهى
وخلاصة المرام فِي هَذَا الْمقَام ان الارجاء
قد يُطلق على اهل السّنة وَالْجَمَاعَة من مخالفيهم الْمُعْتَزلَة
- الزاعمين بالخلود الناري لصَاحب الْكَبِيرَة
وَقد يُطلق على الائمة الْقَائِلين بَان الاعمال لَيست بداخلة فِي الايمان وبعدم الزِّيَادَة فِيهِ وَالنُّقْصَان وَهُوَ مَذْهَب ابي حنيفَة وزاتباعه من جَانب الْمُحدثين الْقَائِلين بِالزِّيَادَةِ والتقصان وبدخول الاعمال فِي الايمان
وَهَذَا النزاع وان كَانَ لفظيا كَمَا حَقَّقَهُ الْمُحَقِّقُونَ من الاولين والآخرين لكنه لما طَال وَآل الامر الى بسط كَلَام الْفَرِيقَيْنِ من
- الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين ادى ذَلِك الى ان اطلقوا الارجاء على مخالفيهم وشنعوا بذلك عَلَيْهِم وَهُوَ لَيْسَ بطعن فِي الْحَقِيقَة على مَا لَا يخفى على مهرَة الشَّرِيعَة
واذا انتقش هَذَا كُله على صحيفَة خاطرك فاعرف انه لَا تنبغي الْمُبَادرَة نظرا الى قَول اُحْدُ من ائمة النَّقْد وان كَانَ من اجله الْمُحدثين فِي حق اُحْدُ الراوين انه من المرجئين باطلاق القَوْل بِكَوْنِهِ من فرق الضَّلَالَة وجرحه بالبدعة الاعتقادية بل الْوَاجِب التَّنْقِيح وَالْحكم بِالْوَجْهِ الرجيح
نعم ان دلّت قرينَة حَالية اَوْ مقالية ان مُرَاد الْجَارِح بالارجاء مَا هُوَ
- ضَلَالَة فَلَا بَأْس بالحكم بِكَوْنِهِ ذَا ضَلَالَة والا فَيحْتَمل ان يكون اطلاق ذَلِك الرَّاوِي من معتزلي وَمِنْه اخذ ذَلِك الْجَارِح وَاعْتمد على اشتهاره من دون وقُوف على الْوَاضِع وَيحْتَمل ان يكون الرَّاوِي مِمَّا لَا يَقُول بِزِيَادَة الايمان ونقصانه وَلَا بِدُخُول الْعَمَل فِي حقيقتة فَأطلق عَلَيْهِ الْجَارِح الْمُحدث الارجاء تبعا لاهل طَرِيقَته
وَيشْهد لما ذكرنَا مَا فِي لِسَان الْمِيزَان لِابْنِ حجر الْعَسْقَلَانِي فِي تَرْجَمَة ابْن الْحسن تلميذ ابي حنيفَة نقل ابْن عدي عَن اسحاق بن رَاهَوَيْه سَمِعت يحيى بن ادم يَقُول كَانَ شريك لَا يُجِيز شَهَادَة المرجئة فَشهد عِنْده مُحَمَّد بن الْحسن فَرد شَهَادَته فَقيل لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ انا لَا اجيز شَهَادَة من يَقُول الصَّلَاة لَيست من الايمان انْتهى
فان هَذَا صَرِيح فِي انه انما اطلق على مُحَمَّد الارجاء لكَونه لَا يرى الصَّلَاة جُزْءا من حَقِيقَة الايمان وَمن الْمَعْلُوم ان هَذَا لَيْسَ بضلال وطغيان
وَكَذَا قَول الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه فِي تَرْجَمَة مسعر بن كدام بعد ذكر وثاقته وَلَا عِبْرَة بقول السُّلَيْمَانِي كَانَ من المرجئة مسعر
- وَحَمَّاد بن ابي سُلَيْمَان والنعمان وَعَمْرو بن مرّة وعبد العزيز بن ابي رواد وَأَبُو مُعَاوِيَة وَعمر بن ذَر وسرد جمَاعَة
قلت الارجاء مَذْهَب لعدة من اجلة الْعلمَاء وَلَا يَنْبَغِي التحامل على قَائِله