المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحاج محمد عونه - الروض النضر في ترجمة أدباء العصر - جـ ٢

[عصام الدين العمري]

الفصل: ‌الحاج محمد عونه

‌الحاج محمد عونه

(1)

أحد الزهاد والدراويش الحاج محمد عونه

قطر الغمام، ومليك قطر النظام، الداخل إلى مقاصير البلاغة من باب السلام، الذي وافى غيثه معالم الأدب مبادر الانسجام.

فحلته الفصاحة فؤادها، ورقته الكمالات أعوادها. فلبس من المجد جلبابا، ومن الأدب أثوابا. وصعد إلى المجرة، وأسبل ذيل المعارف وجره. فاتخذ الصلاح عاده، والزهد والكمال زاده والانقطاع مواسمه وأعياده. فنفثت السنة أقلامه الحداد، وألبسته

(1) ترجم له صاحب حلية الاولياء (1: 305) فقال «الحاج محمد بن عون الدين، الشيخ الزاهد.

كانت له طريقة محمودة، وللناس فيه اعتقاد كنير. يكون دائما طاهر الثياب، نقي المجلس، مشتغلا بالذكر والعبادة والوعظ، وتلاوة الحديث والقرآن.

وله اجازة في الطريق القادري، وتلمذ على جمع كثير. وكان له خبرة باكثر الفنون، ودراية تامة بالعلوم الشرعية وعلم الكلام.

كانت ثيابه وملابسه مثل ثياب الاكابر، ونفقته تكاد أن تجاوز الحد، وليس له كسب، دائما كان يشتغل بتسليك الناس. وكان حقه ان نذكره في الأولياء الآتي ذكرهم ولكنه معدود في العلماء والشعراء فذكرناه معهم.

وساح طويلا، وظهرت منه كرامات مشهورة والله اعلم (ثم ذكر من شعره التخميس الذي اورد صاحب الروض) وقال بعد ذلك:

«مات سنة احدى وسبعين ومائة والف» وترجم له مرة اخرى (2: 139) فقال: «كان يكاشف مريديه ببعض اسرارهم. ويخبرهم بما اضمروه، وكان ملازما للسنن. محافظا على الشرع. وقبره خارج السور، يزوره المحموم فيقال انه يعافى، قد جرب ذلك مرارا. وكان جميل الوجه والثياب والعشرة، ينفق من الغيب وحج وساح وطاف النواحي» .

وترجم له صاحب العلم السامي 100، 289 وصاحب غاية المرام ترجمة لا تخرج عما ذكر صاحب منهل الأولياء.

ص: 49

من المعارف ألبسة أثواب جداد ..

ورقى إلى هام الكمال فسره

وتنقل الجوزاء في أبانه

وغدت نجوم الليل ترقب ضوءه

فكأن بدر التم من إخوانه

له في كل كمال أثر، وأرى أن للدهر في هذا الأديب نظر.

له كوامن أدب بين الضلوع يعبق منها أنواع الكمال ويضوع. قد أثبت من شعره ما ينعش الخاطر، ويفصص تيجان المصحف والدفاتر.

فمن شعره قوله مصدرا ومعجزا:

أتراني عن حبكم أتسلى

وسنا برقكم علي تجلى

كذبت عذلي بنقل سلوي

لا قضى ذاك قط حاشا وكلا

كيف صبري عنكم وقد اصبح

القلب رهينا لديكم مستقلا

وفؤادي منذ بنتم عنه أمسى

لكم منزلا وأضحى محلا

إن وصلتم فمعدن الجود أنتم

ولكم منهل من الشهد أحلى

أو صفحتم فأنتم أهل بدر

أو أخذتم بحقكم كان عدلا

نظرت عيني الهلال فقالت

يا جبالي دكي فبدري تجلى

ثم مالت نحو الفؤاد وقالت

مدنف أنت أم تعللت جهلا

قلت مهلا فلي حديث عجيب

صرت عبدا من بعد ما كنت مولى

وغرامي بحب أحور طرف

صار جدا من بعد ما كان هزلا

كان لي سيدا يقود زمامي

وبه عند وحشتي أتسلى

جاد لي باللقا فلما سباني

أخذ القلب والفؤاد وولى

ص: 50

قلت للروح ودعيني وروحي

ثم نوحي عليهم نوح ثكلى

ولجفني دع المدامع تجري

ثم للجسم خلني فتخلى

وله مخمسا:

يا مليحا بطور قلبي تجلى

وعلى مهجتي وسري تولى

لا تخلني سلوت حاشا وكلا

كل يوم أريد أن أتملى

بك والدهر بيننا يتعذر

شهد الله أنني كل أن

أتمنى اللقا وأرجو تدان

غير أني أسير أيدي امتحان

والليالي تقول لي بلسان

لا تلمني فالاجتماع مقدر

ولحسن بن عبد الباقي فيها مخمسا وأجاد:

كيف قلبي عن اللقا يتسلى

وبنار من الجوى يتسلى

كان قولي بكل عام وإلا

كل يوم أريد أن أتملى

بك والدهر بيننا يتعذر

قدر الله بعد حسن اقتران

فرط هجر وفرقة وامتحان

أن أيام وصلنا كل آن

والليالي تقول لي بلسان

لا تلمني فالاجتماع مقدر

ولصاحب الترجمة مخمسا:

أحبتي كم صدكم والقلى

وناركم في مهجتي أشعلا

يا من غدا القلب لهم منزلا

لا تنسبوني يا ثقاتي إلى

الغدر فليس الغدر من شيمتي

أراكم تسعون في حربنا

والقلب عن حبكم ما انثنى

أنا المسيكين كثير العنا

أقسم بالسالف من عيشنا

ص: 51

وبالمسرات التي ولت

أشتاقكم صبحا وعند المسا

وحبكم في مهجتي قد رسا

فلا تخالوا أن قلبي قسا

أني لعهدي لم أزل حارسا

وعقدة الميثاق ما حلت

لما قطعتم حبل وصلي لما

وقد سفكتم دمع عيني دما

فيا لذي الظبي له كلما

صلوا المعنى وارحموا المغرما

فالهجر ناري واللقا جنتي

أني توسلت بياسنكم

وبالحواميم وطاسينكم

أن تبذلوا الوصل لمسكينكم

لا تحرموني نشر نسرينكم

فعندكم يرجى شفا علتي

فواصلوا حبلي ولا تقطعوا

وقول عذالي فلا تسمعوا

يا من لقتلي في الهوى أسرعوا

سلوا قضاة العشق كي يشرعوا

بأي ذنب حللت قتلتي

وكنت يوما في مجلس الأديب أسعد اغا وله للأدب (1) رغبة، وفي المكارم رتبة. فجرى ذكر هذا التخميس، الذي هو كالدر النفيس، فطلب أن أخمسه فخمسته وأضفت إليه في مدحه أبيات، تهزأ بالضرب والنبات (2) وهي:

أحبابنا كم ذا الجفا والجدل

وحبكم حتما بقلبي نزل

وحقكم ودي لكم في الازل

لا تنسبوني يا ثقاتي الى ال

(1) كذا للادب وصوابه في الادب رغبة.

(2)

الضرب العسل الابيض. والنبات: سكر القصب.

ص: 52

غدر فليس الغدر من شيمتي

فيكم لقد نلت لكل المنى

وهجركم أورث قلبي الضنى

إن بكم حملت قلبي العنا

أقسم بالسالف من عيشنا

وبالمسرات التي ولت

من شوقكم صبح المعنى مسا

والقلب مع ذا للولا ما نسى

رفقا فماذا الهجر بل والأسى

أني لعهدي لم أزل حارسا

وعقدة الميثاق ما حلت

انتم مناي يا عذاب اللمى

وهجركم أورث عيني العمى

بالله يا من قد سقوني الدما

صلوا المعنى وارعوا المغرما

فالهجر ناري واللقا جنتي

ما قد عراني هو تجنينكم

فواصلوا حبلي بتأمينكم

وحقكم أني لمسكينكم

لا تحرموني نشر نسرينكم

فعندكم يرجى شفا علتي

فقل لمن لاموا ولم يسمعوا

وللعنا والهجر قد اجمعوا

في قتلتي بالله لا تطمعوا

سلوا قضاة العشق كي يشرعوا

بأي ذنب حللت قتلتي

صلوا كئيبا حار بين الملا

ولا سلا عنكم ولا قد قلى

أو أرفع الحال لسامي الولا

الأسعد الحاوي لكل العلى

حياة روحي وضيا مقلتي

هلال جود للورى قد بدا

وغاية المجد وكل الندى

سحائب الجود وراوي الصدا

مكمل الذات كثير الجدا

مرجع كل الناس في الجلة

ص: 53

إمام بذل حائز للرتب

فريد ذات في العلى والأدب

معظم القدر رفيع الحسب

مبجل في كل ما قد وهب

مشار أهل العصر في الرتبة

ولصاحب الترجمة مخمسا:

جاهد تشاهد خذ بحسن عبارة

دع ما يريبك واكتف بإشارة

واحذر فديتك من هوى إمارة

أن رمت في الدارين خير تجارة

وتلوح فيك دلائل الخيرات

اسلك طريق من أطاعته الظبا

طه النبي الهاشمي المجتبى

وإذا أردت بحزبه أن تكتبا

كن للصلاة وللسلام مواظبا

ومكررا لدلائل الخيرات

وله معجزا ومصدرا:

بذكر الله أنسى كل شيء

كأني حين اذكره أراه

يمر الدهر حينا بعد حين

ولم يخطر على قلبي سواه

وأن فمي ليذكره وقلبي

يلاحظه وفي سري هواه

بروحي افدي محبوبا فؤادي

يشاهده وعيني لا تراه

أوري عنه في سعدي وسلمي

إذا ما لاح برق من سناه

وما قصدي سعاد وليس لبنى

وقصدي من تعالى في علاه

وأهواه وإن أفنى وجودي

وأحرقني بنار من لظاه

فما أحلى تلافي في ائتلافي

وما أهنا فنائي في بقاه

وذلي لذ إذ حبي عزيز

وفقري طاب إذ فيه غناه

وموتي في هوى حبي حياة

ومر العيش يحلو في رضاه

وأني عبده في كل حال

وقلبي قط يوما ما سلاه

ص: 54

كفاني حبه ذخرا وفخرا

وفخر العبد بالمولى كفاه

وأمري كله لله حقا

ولي أيد تمد إلى عطاه

قضى ما كان في الأكوان طرا

فيجري حكمه فيما قضاه

واقضي العمر في فكر وذكر

ولم يفتر لساني عن ثناه

ولي قلب يحن إلى حبيبي

وبي نار تشب إلى لقاه

ألا يا قلب فاطلبه تجده

إذا ما رمت وصلا قال ها هو

ولا تطلب سواه فهو رب

يحيي بالرضا عبدا أتاه

***

ص: 55