الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صالح ابن المعمار الخطيب
(1)
هذا الرجل معمار دور البلاغة وأبيات البيان، ونقاش قصور الفصاحة المفتخر بزمانه على كل زمان. مصور قوالب الألفاظ لأرواح المعاني، فهو مشاطة الكمال الذي لم يكن له في عصرنا ثاني. راقي أعواد المنابر بفضل كالسيل، وصاعد سلالم الفصاحة صعود الأهلة في الليل.
(1) ترجم له محمد أمين العمري في منهل الاولياء (1: 306) فقال: «الشيخ صالح ابن المعمار، كان رجلا صالحا. معلما للصبيان من بني الاكابر والاعيان، في أدب ومعرفة. وكان خطيبا، واعظا، فصيحا شاعرا. وله معرفة بالفقهيات والأدبيات.
مات بعد الستين من المائة الثانية بعد الالف. «ثم اورد له مقطوعة حائية من قصيدة طويلة.
وترجم له محمد الغلامي في شمامة العنبر (281 - 286) فقال: «صالح ابن المعمار، لبيوت النظم عمار، ولنفسه بجوائزها غمار، فاذا اشتبه عليك عروض الشعر فاطلب تقويم البيوت من المعمار. هذا من شعراء الدولة الجليلية والمنقطعين الي مدحها بالكلية، قرع بعصا الفلم آذانها ولا أقول رءوسها، واخذ يفرغ اكياس أولئك الاكياس ليملأ من نعمته كئوسا.
اخبرني وقد رآه راء ينشد على روي الراء، قصيدة غراء بين يدي مولانا حسين باشا مطلعها:
الله اكبر فينا السعد قد خطرا
…
وجاء للسدة العلياء معتذرا
فقال امامكم هذا غلب على قلبه حب الاذان حتى ملأ به الآذان.
خطرت منارته على أفكاره
…
فاراد مدحا للوزير فكبرا
رايته قد خمس همزية البوصيري، فلم أمعن النظر فيها لاشتغال فكر وحال
…
فلم أدر أقمص تلك الدمية بحرير، أم تجرا على ستر تلك الحرمة بحصير. ولم يزل مدة عمره ملازم المجالس الجليلية، فطورا يشطر بمشحوذ قريحته أبيات المتقدمين وآنا يدرسها، ووقتا يثمن السبع المعلقات ووقتا يخمسها. وزمانا يشفع جوائز قصائد مدحه باجرة تقرية اولادهم. واياما ينظم لهم تاريخ الهجرة تهنئة في اعيادهم، الى أن حملته الى المقبرة أيدي شعوب. فرأيت اسمه بصفائح القبر في التاريخ. فانشدته بعد ان سألت الله ان يغفر عما اقترفه من الذنوب:
ما زلت تلهج بالتاريخ تكتبه
…
حتى رايتك بالتاريخ مكتوبا
ويخطب من فوق الثريا بفخره
…
فلا تعجبوا أن الخطيب خطير
مهذب غواشي المعارف بسواغ افكاره، ومذهب حواشي اللطائف بموانح أنضاره وكيف لا وهو واحد الأدب نظما ونثرا، وبدر معارف الكمالات قطراً قطرا. بحر علم التنزيل والفرقان، الذائع الفضل بكل مكانة ومكان.
تذيع به الأقطار شرقا ومغربا
…
ويجري به فضلا جنوب وشمال
صور كل غريب من الأدب وغريبه، ونقش على جدران الكمالات كل عجيب وعجيبه فكان رحمه الله طود علم وأدب.
ينسلون إليه من كل حدب.
له نظم سهل المأخذ والسبك، مهذب الألفاظ لم يحتج إلى كشط ولاحك. وقد أوردت منه حصة، تغنيك سماعها عن كل قصة. وهو أعبق من الطيب، وانضر من الغصن الرطيب. فمن ذلك قوله في المديح:
لما تطاول إجلالا وإعظاما
…
بدر الملاح كساه العز إفخاما
أغر في وجهه للناس لاح هدى
…
قد طاب منبته جودا وإنعاما
نمام طلعته مذ فاح نم به
…
كباء مسك ولكن ليس نماما
من خير قوم على المعروف قد طبعوا
…
بالخير قد عرفوا جودا وإكراما
فالمجد مندرج فيهم ومندمج
…
لكنه بأمين الخير قد قاما
من آل عبد الجليل الشامخين على
…
الباذلين الندى الماضين أحكاما
ما فيه منقصة غير العفاف وإن
…
أفاض سيل الندى لم تخش إعداما
أكرم به سيدا ترجى منائحه
…
يوما يرى البائس المضطر الماما
اذ ليس من عدد الأموال ذا كرم
…
وليس كل هزبر كر هجاما
طويل بأس شديد بأسه سمح
…
أن صال في جحفل تلقاه بساما
جرد الخيول ويوم النقع معتكر
…
تطير فيه اشتياقا حيث ما راما
كأنه وهو فرد في كتيبته
…
جيش اعد لا هل الغدر أسقاما
إن النعوت التي في المجد قلدها
…
بنت من الفخر بيتا زيد احكاما
لقد تقفى بها آثار والده ال
…
حسين نعم الفتى النفاع مقداما
طرس الفضائل لو خطت فضائله
…
عليه أفنت به الكتاب أقلاما
حمال أثقال أقوام به افتخروا
…
لا ينثني عن طريق العدل احجاما
ولا تروعه الأهوال أن وردت
…
ولو ألمت بحول الله إلماما
ينهى ويأمر في تبيان حجته
…
في كل حادثة نقضا وإبراما
نظمت في سلك مدحي كل مكرمة
…
فيه ولا زلت مداحا ونظاما
يا كعبة الفضل يا ابن الاكرمين ومن
…
حوى المكارم أفضالا وإكراما
ان البشارة بالبخل السعيد ومن
…
يفوق بالعز والإقبال بهراما
خذها تزف إلى علياك باسمة
…
بكرا تميس على الأعداء إرغاما
واسلم ودم واهن وارفل في ذيول على
…
وارق المعالي بدرج العز ما داما
وله في المديح أيضا:
طلعت طلائع موكب الأفراح
…
وانحاز ذلا عسكر الاتراح
وجررن أذيال المسرة والهنا
…
غر ميامين بغير صباح
يحملن ألوية السعود كأنها
…
قد طرزت بمنائح الفتاح
وكأنما زهر الرياض تبسمت
…
عن أبيض يقق وزهر أقاح
وتخضبت وجنات ورد هضابها
…
فتخالهن شقائق التفاح
وأتى البشير يوصل يعقوب الهوى
…
بعزيز مصر وهيكل الأشباح
وتفتقت ريح الصبا بمعنبر
…
ملأ البطاح بنشره الفياح
لقدوم مولانا الوزير المنتقى
…
والمفتدى بنفائس الأرواح
قمر متى ظل المشوق بفرعه
…
يهدى بعزة وجهه الوضاح
أضحت به الحدباء دلا تنجلي
…
بصباحة تغني عن المصباح
بلد متى محنت تدرع قومها
…
في انفس للحتف غير شماح
أمسى الحسين أبو الأمين خفيرها
…
حامي الثغور بحزبه النفاح
مفنى اللئام بحب دين محمد
…
ماضي حسام الدولة السفاح
أكرم به وأبيه بل وبجده
…
وبمجده وبجوده السباح
وهاب كل جليلة يوم الندى
…
فياض سيب مكارم وسماح
هتاك رايات البغاة بعزمه
…
بصفائح بيض وسمر رماح
يلقى الكتبية حاسرا مبتسما
…
فكأنه جيش بيوم كفاح
في كل فتاك هزبر ضيغم
…
ليث الهياج مجلجل جمجاح
مالت ثمالا في متون صوائن
…
فكأنها سقيت كئوس الراح
ويريك منه مقنعا وممنعا
…
يحمى الوطيس بزنده القداح
ويريك منه كل أروع عابس
…
من فوق اجرد سابح طماح
يروي الصدى بعذب منطق لفظه
…
فكأنما في الثغر ماء قراح
لا عيب فيه سوى ثلاث ترتجى
…
حلم وصفح وازدياد صلاح
يا فخر من حاز الكمال وفخر من
…
تهدى إليه فرائد المداح
قطعا لدابر من أسر لك الردى
…
ونعت عليه نوابح الاتراح
لم ينهه عنك الغرور ولا النهى
…
حتى رمي بشهابك اللماح
يا خير من حل الأمان بيمنه
…
فتواصلا في غدوة ورواح
جاءت تزف إلى علاك خريدة
…
لفت حباء وجهها بوشاح
فامهر قبولا بنت فكري واجتهد
…
طرق المعالي في سبيل نجاحي
واغنم ودم واهنأ وطاول وانشرح
…
واصدع بما تؤمر بغير جناح
***