الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاسم بن محمد حسن
(1)
فاق ذكاء وقلبا، وعمر بألبان الآداب قلبا. حصل من المعارف ما هو نور المقلة، ومن حسن الخط ما يفوق على ياقوت وابن مقلة، لبس ثوب الكمال واكتسى، ووقف زورق أدبه في بحر القريض ورسا. جرت فلك آدابه في أنهار الفصاحة
(1) ترجم له محمد امين العمري في منهل الاولياء (1: 308) فقال: «الأديب قاسم بن محمد حسن.
كان تاجرا بزازا، حسن الخط. جيد التصوير، كانما خطه حواشي عذار أغيد، أو قلادة در في نحر جيد. وله فصاحة ونظم لطيف رائق. وله في الجملة نوع اطلاع على فنون من العربية وقواعد بديعية.
وكنت أسمع فيه أنه شيعي الاعتقاد. يعتقد افضلية علي رضى الله عنه وحقيقة امامته ووصايته والله اعلم.» ثم اورد له قطعة من الشعر لامية. وقال بعد ذلك «مات سنة نيف وسبعين ومائة والف» وترجم له محمد الغلامي في شمامة العنبر (197 - 205) فقال: «قاسم بن محمد حسن، شاعر من ابناء التجار، ولكنه في البيان ساحر، اجتذب الأدب من بين أقرانه على عينك يا تاجر.
وكنز ملحه في ذلك الحظ المكنوز الفاخر، فاعطى بحسن ذلك الخط سندا على صحة قول من قال:
كم ترك الأول للآخر.
فلا كل من صاغ القريض بشاعر
…
ولا كل ما أجرى اليراع بكاتب
خط تمنت غصون السرور المعتدلة ان تكون له ألفات، وسواقي الحدائق المتشعبة ان تتلوى بين رياض طروسه كافات، وافواه الملاح أن تحكى حسن استدارة تلك الميمات، والعذار الجديد من الأمرد أن يجري على مشق تلك اللامات، حتى تظهر لفظة اكمل في آيات متشابهات.
صديقي الذي جراني على اظهار فن الأدب، وكنت أستره ستر وجه المليحة بنقاب الحياء الذي أوجبه وهمي بانه ربما تمجه أفواه الرواة، ولا تقبله طبائع الأدباء، فناداني خالص وداد هذا الأديب: يا ابن بجدة هذا الشان، تقدم الى حومة هذا الميدان، وعليك لا بأس وعلي الضمان.
فابتدرنا معه الى باكورة الادب من عمرنا نجني ثمره غصنا وريقا، وطفقت السن اقلامنا من صفحات القراطيس وافواه المحابر تقبل وتمتص خدودا وريقا. لها من الطروس والسطور مليح ابيضت خداه واسودت غدائره، مصطبحين من ملح ذلك المليح في غرة العمر وأهنأ العيش باكرة. ولم يزل ينشئ وينشر لي عجائب الملاحة في صفو الوقت من طي سرائره، ثم تعقبه كدورة الأيام فترة فيدع ملحه وسوره في خزانة ضمائره.
وسارت، وأضاءت معالم الكمال بقناديل مبتدعاته واستنارت.
فتوقدت دراري سوانحه في سماء النشيد توقد النجوم الثواقب، وهل هلال رجحانه من برج بديع البيان فحاز المكارم والمناقب.
فصل اجالات النظم بمحاسن أفكاره، وأخاط برود الفضائل ووشاها، ونشر ملفوف مطويات المعاني بمكامن أسراره، ونقش صحائف الفواضل وحشاها. فشد في عصابة الكمال أزر الساعد، ووصل صيت أدبه إلى المكان المتباعد.
كأنما هو فضل في فضائله
…
يراه كل مضل في الدجى سارا
غمامه قطرت في كل ناحية
…
علما وفضلا وآدابا وأسمارا
له من النظم ما يحكى العقود، ومن النثر ما يزين النهود، وقد فاق بنظمه ونثره، وقد اثبت منه ما لو أبصره الزمان لجعله عقدا لنحره.
فمن قوله في المديح (1):
خذ أخا الإنس فرصة الإقبال
…
واغتنم ساعة اللقا بالوصال
وتهيأ للشرب فالحب ساق
…
لاح كالبدر في برود الجمال
-
والخل كالماء يبدي لي سرائره
…
مع الصفاء ويخفيها مع الكدر
كنا مع هذا الأديب تجذبنا ايدي المسرة الى منتزهات مالت غصون حدائقها راكعة في الصلاة ذلك العيد، وكبر بها الطير على منابر الشجر لما لبست البقاع ثوب الربيع وهو مدبج جديد. ومزاج طباعنا أعدل من تلك الغصون النضرة، وارق من نسائمها العطرة. تترقرق انشاداتنا المنسجمة في تلك النزهة ترقرق غدرانها، وتختلس منا حمائمها فنون السجع على أفنانها، وتضحك لنوادرنا ازهارها في اكمامها
…
وها شعر الرجل يدل على اعتدال مزاج قريحته من الركاكة. وينبي ان ليس من صاغ القريض بشاعر وان الفروة ما هي حياكة.» ثم اورد له نماذج من شعره.
(1)
قالها يمدح محمد امين باشا الجليلي.
قام يسقي من فيه خمر رضاب
…
فلذا شربها أخي حلالي
فسقى من الماه شهدا وحيا
…
بحميا أشهى من السلسال
هو للروح راحة يا خليلي
…
وهو للصب غاية الآمال
ألفي القوام وهو قوام
…
مستقيم في الميل والاعتدال
يعتري البدر أن تبدي محاق
…
وكذا الشمس بادرت للزوال
في هواه وجدي وشوقي صحيح
…
سالم من شوائب الإعلال
مطلق الدمع مرسل من جفوني
…
فوق خدي مسلسل متوالي
وفؤادي يروي حديثا صحيحا
…
حسنا صح عن ثقات الرجال
إن نظم القريض كالشهد يحلو
…
في امتداح الأمين بحر الكمال
نخبة الاكرمين نجل همام
…
من كرام هم مصدر الأفعال
سامي الجد باذل النقد شهم
…
وأبو الجود عم بالافضال
فهو مأمون عصرنا وأمين
…
وبيمناه سح وبل النوال
ملأ الخافقين حسن ثناء
…
وعلا الفرقدين والقدر عالي
وإذا كانت الملوك عقودا
…
فهو العين بين تلك اللآلي
فمساعيه قبلة لذوي الحا
…
جات تسعى لها ذوو الآمال
ولقد رخص النضار ببذل
…
حيث غالى الفخار والمجد غالي
ملك خالد به الجود يحيى
…
وله الفضل دام بالإجلال
لا يجاريه في الشجاعة قرم
…
لا ولا عنتر بيوم النزال
فهو ليث الوغى وضيغم باس
…
ولدى النقع قامع الأبطال
نشر الجود كفه في البرايا
…
فانطوى ذكر حاتم والموالي
إنما رحب كفه بجرجود
…
أغمر الوافدين قبل السؤال
وبه أعتز من يكون مضافا
…
لحماه وساد بالافضال
ليس فيه عيب سوى فرط حلم
…
وسماح فيا لها من خصال
دم بعز وسؤدد وفخار
…
راقيا ذروة العلى بكمال
فإلى حيكم تحث المطايا
…
ولدى بابكم محط الرحال
ومن شعره في المديح (1):
مليك به الفوز الجليل لطائع
…
وفي عصره أهل الفساد لفي خسر
أمين ومأمون رشيد برأيه
…
مصيب وقد حفته ألوية النصر
ومن هذه القصيدة:
لأعتابه لما انتميت بفاقتي
…
وجدت أمانا فيه من ريب الدهر
وأني لمستعف لتأخير مدحكم
…
وذاك لقصر الباع في صنعة الشعر
ولكن مع التقصير جئت مضمنا
…
لنظم بتلميح يلوح به عذري
وقد تعذر هذا الشاعر عن تأخر المديح ولكن لم يف بالمقصود.
وقد جمع محاسن الاعتذار، واتى بما هو انضر من النضار، وأبدع كل الإبداع، وتوسع غاية الاتساع، حائز قصب السبق في هذا المضمار، الشاهيني (2) فإنه قال من قصيدة وقد مر منها شيء، والمقصود منها قوله.
(1) في مديح محمد امين باشا الجليلي والقصيدة كاملة في شمامة العنبر ص 201 - 202
(2)
هو احمد بن شاهين القبرصى، المعروف بالشاهيني اديب له شعر رقيق، اصل ابيه من جزيرة قبرص وولد أحمد في دمشق، فانتظم في سلك الجند. واسر في موقعة واطلق، فانصرف الى الأدب، وناب في القضاء في دمشق. وتولى قضاء الركب الشامي سنة 1030 هـ، ومدحه شعراء عصره، وزاحمه احد معاصريه فانتزع منه وظائفه. وامتحن باصطناع الكيميا فاضاع فيها امولا طائلة. وله كتاب في اللغة وديوان شعر وتوفي فقيرا بدمشق سنة ثلاث وخمسين والف.
خلاصة الاثر 1: 210 وولاة دمشق في العهد العثماني 35 ونفحة الريحانة 1: 96 وتراجم الاعيان 1: 139 وريحانة الالبا 1: 228 وسلافة العصر 375 وهدية العارفين 1: 159 والاعلام 1: 132
يا وحيدا وافيته بمديح
…
ذي خصوص وفي ثناه شمول
بطء مدحي ما كان إلا لأمر
…
جال فكري به فطال الذهول
وهو أني حاولت وصفا بديعا
…
فيك يرضي ففاتني التعجيل
ولأن الأيام قد وعدتني
…
بك والدهر بالوعود مطول
وإذا كان ما يراد نفيسا
…
فعجيب أن يسرع التحصيل
أنت أعلى من النجوم محلا
…
وعسير إلى النجوم الوصول
طال تفتيشي الزمان وقلبي
…
بك لا عنك بالسوى مشغول
حزت دون الأنام عرضا عريضا
…
أين لي مثله ثناء طويل
وإذا كان ما يحلل عذرا
…
واضح النهج يحسن التعليل
إنما كنت في طلابك ليلا
…
علقت بالصباح مني الذيول
كنت من صدمة الخطوب جوادا
…
أدهما ثم زانني التجحيل
فثنائي على علاك مبين
…
إنما للرياض تهدى الهديل
قد مدحت الأنام قبلك لكن
…
لا لأمر لي عنك منه بديل
كنت كالكاتب المجرب خطا
…
وهواه لخطه التكميل
ويسوغ هنا ذكر أبيات لابن النبيه وهي:
مولاي عندي سقم قد برى جسدي
…
وكيف ينهض من قصت قوائمه
قالوا تأخرت والتأخير ينقصني
…
من جود من عمت الدنيا مكارمه
لا فارقت ألسن المداح دولته
…
واحسن الروض ما غنت حمائمه
وتتمة الأبيات المترجمة:
وقوسك قوس الجود والوتر الندى
…
وسهمك سهم العز فاجبر به كسري
فلا زلت في أوج السعادة راقيا
…
مدى الدهر في الدنيا وفي موقف الحشر
***