المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌علي الوهبي الشهير بالجفعتري - الروض النضر في ترجمة أدباء العصر - جـ ٢

[عصام الدين العمري]

الفصل: ‌علي الوهبي الشهير بالجفعتري

‌علي الوهبي الشهير بالجفعتري

(1)

مالك أزمة البيان، وناظم عقود الجمان، الحائك لبرود الأدب والموشي على صحف البلاغة أطرزة الذهب. العارف بترصيعها

(1) ترجم له محمد أمين العمري في منهل الاولياء (1: 274) فقال: «الشيخ علي الوهبي الجفعتري، عالم شاعر وخطيب ماهر وناظم ناثر. اخذ عامة معلوماته عن الشيخ أحمد الجميلي، وقرأ على غيره. وله علم تام بالتصوف واصطلاحات القوم. وباعه في الادب ونثر الخطب ونظم الشعر طويل. ودرس وأقرأ وانتفع به الجم الغفير. وسنه الآن فوق الثمانين سنة والله اعلم. وبعد زمن تحرير الكتاب بنحو سنة مرض مدة نحو شهر. وتوفي في يوم الاثنين الحادي والعشرين من شهر جمادي الثانية سنة اثنتين ومائتين والف.

وشيعه جمع غفير من الناس، وأسف عليه خلق كثير. فرحمه الله وحياه واسكنه غرف جناته.» ثم ذكر له ثلاثة ابيات حائية.

وترجم له صاحب قرة العين فقال: «ملا علي الجفعتري الموصلي الحنفي. خطيب جامع العبد الية- جامع الحاج عبد ال- بالموصل المحمية. كان عالما فاضلا شاعرا بليغا فصيحا ناظما ناثرا.

اخذ عامة علومه ومعلوماته عن الشيخ ملا أحمد الجميلي الموصلي. وله معرفة تامة بعلم التصوف عالما بلسان القوم واحوالهم. له اليد الطولى بالعزائم واخراج الجنة من المصروعين. توفي سنة اثنتين ومائتين والف ثم ذكر شيئا من شعره.

وترجم له الغلامي في شمامة العنبر (310 - 323) فقال: «علي الوهبي الشهير الجفعتري. شاعر الموصل وأديبها المذكور، واجل هذا المتأدب عن لفظة المشهور، فلا أقول شاعرها المشهور بل أقول على سيف سجعه مشهور

صحبته زمانا طويلا، أياما كانت على هامة سلطنة أنسى تاجا واكليلا. ارتنى صحبته غالب ما قاله من النظم والنثر، وعاطاني سلافة أدبه لما أجرى بين يدي نهر مباحثه الغر، حتى خيل لي (اني) اشرب الراح فويق النهر.

أتحف اهل الادب بانواع الملحقات بلزوم ما لا يلزم بأشرف تحف، حتى حسبوها جواهر مرصعة في تاج عنوان الشرف. الا انه كان في مبتدأ أمره يسلك مسلك لامية العرب، بلفظ هو لأهل الزمان غير مأنوس، لا يفهمه الا من كان معلقا صحاح الجوهري بخريطة في عاتقه متأبطا بالقاموس. ولا عتب عليه فان الوزير الصاحب ابن عباد كان مع جلالة قدره وطول باعه بالانشاء، يفتقر في الكلام ويروى وحشي اللغة في تحايا مراسلاته

ثم هذبت الليالي هذا المذكور المترجم. وأخذ يبين اللفظ ويرقق الشعر. ورأى أن حباله الصيد أحكمها ما كان مفتولا من الشعر، وانشد بعد ان شد شوارد الرقة بعرى الانسجام، وقرب بمأنوس الفاظه ما بعد عن الأفهام. وعاطى باقداح الفاظه معاني ولا كالمدام.» ثم أورد له.

ص: 388

وتنميقها. والماهر في كيفية تضويعها وتحقيقها. الممد سدى البلاغة على قصب البنان. والجامع على نول الفصاحة بدفة الأدب أمتعة البديع والبيان.

طود من الأدب المريع تخاله

طودا ولكن غيث علم يقطر

وله من النظم ما هو أرق من النسيم العليل. وأنق من الروض البليل. يكاد يمتزج بالنفوس، امتزاج الضياء بالشموس. له من الغزل أرقه ومن النسيب أروقه. وقد أثبت منه ما يروق، الذي هو في النظم كبيض الأنوق.

فمن أنفاسه العطرة، ونباتاته المكررة، قوله في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:

هزني الشوق للربى والبطاح

واعتراني الجوى وزاد افتضاحي

حل في القلب حب نجد وسلع

وزرود وحزن تلك النواحي

وجرى الدمع مذ ذكرت حماهم

عند ما واستطال مني نواحي

والفت السهاد من بعد نوم

وهجرت الرقاد كالنصاح

وأبيت السلو عنهم ولو مت

قتيلا بمرهف ورماح

وترقبت طيفهم إذ تناءوا

وأبت مهجتي ملامة لاحي

كيف والقلب في هواهم معنى

قد رأى الحب رأس كل نجاح

ص: 389

ليس لي أن تزايد الشوق ذنب

ما على مغرم الهوى من جناح

خل لومي يا ذا المداجي ودعني

إن هذا الملام غير مباح

إن تكن شدة الصبابة ذنبا

دع ذنوبي تكون عد الاقاح

أو يكن ذكر من بسفح أقاموا

فيه قتل فقد رضيت اطراحي

أنا مالي وللملام وأهليه

وأهل الصبوح والأقداح

فهم قد عموا عن النور والقصد

المرجى وعن ضياء الصباح

ما انتعاشي إلا بتلعات نجد

وصباها وفي هبوب الرياح

وإذا ما تهب تحمل نشرا

عن شذا صاحب الجدا والسماح

أحمد المصطفى كريم السجايا

قامع الشرك للضلالة ما حي

ساد كل الورى بأرفع مجد

وسناء عن الملا وضاح

دمر الشرك والضلال وأفنى

من ذوي الشرك صحة الأشباح

ص: 390

ظللته غمامة من هجير

لم ير ظله بكل النواحي

هذا البيت ينظر معناه إلى قول صاحب الهمزية:

شمس فضل تحقق الظن فيه

أنه الشمس رفعة والضياء

فإذا ما ضحى محا نوره الظل

وقد أثبت الظلال الضحاء

فكأن الغمامة استودعته

مذ أظلت من ظله الرقعاء

الرقعاء: مد الأرض وظلها. والمعنى أن الغمام إنما أظله لأنه لا يمس ظله الأرض، فلذا أخذه وديعة عنده، ليصونه عن سر التراب. وهو معنى بديع.

وقوله: مذ أظلت الخ فيه معنيان: أحدهما مذ مس ظله التراب والآخر مذ صارت الأرض كلها في حمايته لأنه ظل الله.

وفي معناه قول الشهاب الخفاجي (1):

ماجر كظل أحمد أذيال

في الأرض كرامة له قد قالوا

هذا عجب وما به من عجب

والناس بظله جميعا قالوا

وفي الثانية المنسوبة للسبكي (2) في نظم معجزاته صلى الله عليه وسلم.

لقد نزه الرحمن ظلك أن يسرى

على الأرض ملقى فانطوى لمزية

وأثر في الأحجار مشيك ثم لم

يؤثر في رمل ببطحاء، مكة

(1) هو شهاب الدين الخفاجي القاضي المتوفي سنة 1069 وقد مرت ترجمته في ص 125

(2)

هو الشيخ علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام السبكي الانصاري الخزرجي، ابو الحسن، تقي الدين شيخ الاسلام في عصره واحد الحفاظ المناظرين. وهو والد تاج الدين السبكي عبد الوهاب ابن علي صاحب الطبقات. ولد في مسبك من اعمال المنوفية بمصر سنة ثلاث وثمانين وستمائة وانتقل الى القاهرة ثم الى الشام. وولي قضاء الشام. واعتل فعاد الى القاهرة فتوفي فيها سنة ست وخمسين وسبعمائة. وله كتب كثيرة بعضها مطبوع.

طبقات الشافعية 6: 146 وخطط مبارك 12: 7 والدرر الكامنة 3: 63 وحسن المحاضرة 1: 177 وغاية النهاية 1: 551 وبروكلمان 2: 106 وتكملته 2: 102 والاعلام 5: 116 وفيه مصادر أخرى، ومعجم المطبوعات العربية 1004.

ص: 391

قال شارحها: قيل انه عليه أفضل الصلاة والسلام كان لا يقع ظله على الأرض لأنه نور روحاني، كما قيل:

ما لطاها رأى البرية ظلا

هو روح وليس للروح ظل

والنور لا ظل له، وكذا الروحانيات من الملائكة، لأنها أنوار مجردة.

وقيل لم ير نوره لأن الغمام كان يظلله. وقيل أنه تكريم له لئلا يقع ظله على الأرض فيوطأ محله. ونقل أن بعض اليهود كان كان يطأ ظل المسلمين إهانة لهم فصين لئلا يمتهن. وقيل غير ذلك

ولصاحب الريحانة:

هو نور فما له قط ظل

لاح لولا بروده والرداء

أن نقى ظلمة عباء جمال

فبظل له يعز البقاء

صين عن أن يجر في الترب ذيل

من ظلال له كما الأفياء

فرش الناس ظلهم واحتذوه

عند ما قام للنهار استواء

كيف يبدو شمس لظل تعالت

واستوى الاستواء والاتقاء

أتراه يصان عن حر جو

اذ أظلته سحبه والعماء

أم عليه تغار من عين شمس

مدمن دونها عليه الغطاء

لم تر العين مثله فلهذا

ينمحي ظله اذا الناس فاءوا

ليس للظل من نواه مدار

فظلال الورى له سوداء

عود إلى القصيدة المترجمة:

جاء والكون في ظلام وجهل

فهداهم إلى طريق الفلاح

ص: 392

وأزال الظلام عنهم بدين

لم يزل بالضياء كالمصباح

ليس في الرسل مثل أحمد حام

ينقذ المستجير يوم الكفاح

لا ولم يخف نوره عن بصير

كيف يخفى عنا ضياء الصباح

فجرى الماء صاح من اصبعيه

فارتوى كل ذي ظما ملتاح

نافح الكرب والبلية عنا

فوقانا الرديء بذاك النفاح

يا ملاذ الأنام أني ضعيف

مثقل الوزر زائد الافتضاح

ليس لي في المعاد ذخر شفيع

غير علياك إذ يزاد نواحي

زاد ذنبي وقد تثاقل وزري

ولقد جئت نائبا بامتداحي

فأقلني من الجرائم يا من

فيه عزي ونصرتي وصلاحي

وله أيضا في مدحه صلى الله عليه وسلم، وقد التزم فيها الجناس المذيل:

فؤادي هام في تذكار حاجر

وحبي لي عن التقبيل حاجر

له خد بنور الحسن باه

لذاك غدوت بالأشواق باهر

ولحظ عن غرام في عام

وقلبي في هواه صار عامر

وسيف جفونه للقتل ناض

ولين قوامه كالغصن ناضر

وأني من لهيب الشوق ظام

ولكنى لما احويه ضامر (1)

وحالي كلما أخفيه باد

ووجه معذبي كالبدر بادر

وصبري عن لقاء الحب غاد

ومن يلحو محبا فهو غادر

وقلبي كلما ارويه صاد

لذلك منه نار الشوق صادر

فيا ملكا غدا للصد هاج

لماذا أنت دون الخلق هاجر (2)

(1) في الاصول: لما احويه ناظر، والتصويب من شمامة العنبر.

(2)

في الشمامة: أممدوحا غدا بالصد هاج.

ص: 393

فلي قلب لغيرك غير صاب

وما هو عنك إذ ما غبت صابر (1)

واصبح في الهوى والوجد ساه

وطرفي في ظلام الليل ساهر

ومالي بالتواجد من مسام

ومالي في نبا البلوى مسامر

تزيد صبابتي ويزيد دائي

ولم ابرح على المطلوب دائر (2)

ولم أك للسوى من ذاك شاك

ولكني لما ألقاه شاكر

ولم ألق لطرق الحق هاد

سوى من في الوغى كالليث هادر (3)

نبي سيفه في الحرب دام

وبالآيات للإشراك دامر

وللأصنام ثوب الذل كاس

وللأعداد بالوثبات كاسر

نجيب عزمه بالحلم واف

وجود يمينه جار ووافر (4)

ففهم الخلق عن معناه قاص

وباعهم عن الإدراك قاصر

له فضل يحير كل ذاك

وأوصاف تحير كل ذاكر

فمن ذا للرمال يكون حاص

ومن ذا للنجوم يكون حاصر

أتانا للصراط الحق داح

فأصبح شرعه للزيغ داحر

يبين كلما في الكون خاف

وللعاصين يوم البؤس خافر

وكم قد كلمته كل شاة

وجفن لحاظ أهل الكفر شاتر (5)

حبيب ريقه للداء آس

ويوم الطعن للأبطال آسر

فإني يا رسول الله خاط

ولي لم يصف مذ أسيت خاطر (6)

(1) في الشمامة: وما هو عنك لما غبت صابر.

(2)

في شمامة العنبر: على المحبوب دائر.

(3)

في شمامة العنبر: ولم أر لي لطرق الحق.

(4)

في الاصول: تجيد عرفه بالحلم واف. وما اثبتناه من شمامة العنبر.

(5)

في شمامة العنبر:

واخبر بالضوار ذراع شاة

وجفن لحاظ أهل الكفر شائر.

(6)

في شمامة العنبر: مذ أخطأت خاطر.

ص: 394

تشفع لي وكن للجرم ناف

فلي عزم من الأهوال نافر

مقامي بالخطا كالليل ساج

ولي ندم لنار القلب ساجر

متى أحدو النياق اليك ساع

ليطفى كل مابي كان ساعر

وله من قصيدة:

أيا له من غزال طاب مرتعه

فلم يكن في بهاه من يشاكله

جبينه قمر والقوس حاجبه

كأن هاروت في سحر يراسله

فصاد مقلته صاد الأنام به

فأي صب نجت منه مفاصله

والنمل دب لقصد الشهد من فمه

فأصبحت نار خديه تزاوله

في هذا البيت رائحة من قول بعضهم:

ريقك شهد والدليل على

ذلك نمل في الخد قد صعدا

عيناك ترمى قلبي بأسهمها

ما بال خدك يحمل الزردا

وفي هذا المعنى أيضا للقاضي الفاضل (1):

قلت وقد أبصرته مقبلا

وقد بدا الشعر على الخد

صعود ذا النمل على خده

يشهد أن الريق من شهد

وفيه أيضا وقد مر كثيرا فيما دار بالعذار ولكن غير ما سنذكره:

وكأن عارضه تسلسل دوره

وحلت مراشف ثغره من شهده

نمل سعى يبغي ضريب رضابه

لكن توقف من تضرم خده

وفيه للقاضي زين الدين (2)

وقف العذار بخده فكأنه

عن دبه في وجنتيه يمنع

نمل يحاول نقل حبة خاله

فتمسه نار الخدود فيرجع

(1) مرت ترجمته في ص 111 ج 1.

(2)

هو زين الدين عمر بن الوردي وقد مرت ترجمته في ص 137 ج 1.

ص: 395

وفيه لبعضهم:

أنظر إلى السحر يجري من لواحظه

وانظر إلى دعج في طرفه الساجي

وانظر إلى شعرات فوق عارضه

كأنهن نمال دب في عاج

وفي هذا المعنى مع زيادة نكتة:

كأن عذاريه اللذين تعطفا

هلالان من مسك وبينهما بدر

ينمنم خديه للعذار كأنما

مشت فيهما نمل بأرجلها حبر

وفيه لناصر الدين ابن النقيب (1) مع نكتة بديعة:

وخد كمتن السيف يلمع صقله

بصفحته ماء الحياة مروق

توحل فيه نمل مسك عذاره

وكان عليه النمل من قبل يزلق

ولبعضهم فيه مع نكتة غريبة:

منحت قلوب العاشقين بخده

نملا ونم بها النجيع الأحمر

فاعجب لهم شهداء مسكنهم لظى

ولباسهم فيها حرير أخضر

ولابن عربي (2) فيه مع زيادة التورية:

أفدي قمرا لعاشقيه قمرا

أن واصلني فطالما قد هجرا

النمل على وجنته قد رقمت

لا غرو اذا ما واصلتها الشعرا

(1) هو ابو محمد ناصر الدين ابن النقيب النفيس المصري. واسمه الحسن بن شاور بن طرخان الكناني شاعر جيد الشعر عذبه ومقاطيعه جيدة. توفى سنة سبع وثمانين وستمائة وله تسع وسبعون سنة. له كتاب منازل الاحباب ومنازه الالباب. وديوان شعر في مجلدين.

فوات الوفيات 1: 232 وشذرات الذهب 5: 400 والنجوم الزاهرة 7: 376 وهدية العارفين 1: 282 وكشف الظنون 769 و 1827 والاعلام 2: 207.

(2)

هو الشيخ محي الدين ابن عربي وقد مرت ترجمته في ص 25.

ص: 396

ومثل هذا قول بعضهم:

عشقت من نكرمه كلنا

كأنه ما بيننا مصحف

عذاره النمل وفي ريقه ال

نحل وفي وجنته الزخرف

وفيه لابن الظهير (1) مع زيادة نكتة بديعة:

لما اعتنى الباري بخط عذاره

ولى القلوب جماله متصوفا

أذكى لهيب الخد ماء حياته

فعجبت للضدين كيف تألفا

ومن العجائب أن معجز حسنه

ثبتت له صفة الكمال محرفا

فبنون حاجبيه ونور جبينه

وبنمل عارضه رأيت الزخرفا

ولشيخ شيوخ حماة (2) فيه:

سبحان مورثه من حسن يوسف ما

لم يبق في الحجر لي والصبر من قصص

أقام للشعراء العذر عارضه

فكم لهم في دبيب النمل من قصص

وللدماميني (3) فيه:

أفديه بدرا يحاكي الشمس إذ سفرت

وشعره الليل لكن طرفه سحرا

نمل العوارض منه زان وجنته

بزخرف قد سبا عشاقه زمرا

(1) هو محمد بن احمد المتوفى سنة سبع وسبعين وستمائة وقد مرت ترجمته في ص 112 ج 1.

(2)

هو شرف الدين عبد العزيز الانصاري. وقد مرت ترجمته في ص 155 ج 1.

(3)

هو بدر الدين محمد بن ابي بكر المخزومي القرشي المتوفى سنة ثمان وعشرين وثمانمائة، وقد مرت ترجمته في ص 460 ج 1.

ص: 397

وفيه للنواجي (1):

واغن معسول المراشف أشنب

غنج كحيل الطرف أحوى أحورا

قمر سبا الشعراء نمل عذاره

وبنحل ريقته رشفنا الكوثرا

وللقاضي الفاضل فيه:

قالوا التحى فاصب إلى غيره

قلت لهم لست اذا اسلو

لو لم يكن من عسل ريقه

مادب في عارضه النمل

ومثله لبعضهم:

قالوا التحى سؤلك يا منيتي

فقلت قولا في الهوى يحلو

في فمه الشهد فلا تعجبوا

أن دب في عارضه النمل

وفيه لبعضهم:

وشادن لما بدا مقبلا

سبحت رب العرش باريه

ومذ رأيت النمل في خده

أيقنت أن الشهد في فيه

رجع إلى تتمة القصيدة المترجمة:

كأن عين حياة وسط مبسمه

من ذاقها لم يكن يأتيه آجله

أيا سوالفه أين السوالف من

أفعاله هل بنت بعدى شمائله

أم هل رأى ضعف حالي فانثنى مللا

ولم ير أنني كفؤ أماثله

ألم يكن عالما أني انتسبت إلى

فخر الوزارة من ما رد سائله

أبو الأمين رشيد في عواقبه

والفضل قد حفه منه فضائله

(1) هو محمد بن حسن النواجي. وقد مرت ترجمته في ص 151 ج 1.

ص: 398

وهذا الباب من التورية والإيهام لطيف. فمن ذلك قول المارديني (1)

كم طب في الملك من داء بحكمته

فكيف لا وله فيه الحميات

من آل أيوب لكن في العداة له

إذا سطا عزمات هاشميات

رشيد رأي ومأمون العواقب كم

بعدله جمعت للفضل أشتات

وكل من كان مسرورا بخدمته

فاضت عليه أياد جعفريات

ومثله لابن حجر (2):

جمع الصفات الصالحات مليكنا

فغدا بنصر الحق منه مؤيدا

كأبي الأمين برأيه وبجده

أني توجه وابن يحيى في الندى

ولابن نباتة (3):

فيا ليت البرامك عاينوه

وأنعمه تعم الخلق سقيا

فينصب جعفر ويعود فضل

ويسأل خالد ويموت يحيى

ولصاحب الترجمة وقد جعلها صدر كتاب:

ما غير البعد قلبا قد سكنت به

ولو تقاضاه نار في تقلبه

ولا انثنى عن وداد أنت تعلمه

ولو كراه النوى في بعد مطلبه

وسل فؤادك عنه فالدليل به

ينيبك عن صدق دعواه وموجبه

قد أخذ معنى البيت من قول القائل:

سلوا عن مودات الرجال قلوبكم

فتلك شهود لم تكن تقبل الرشا

ولا تسألوا عنها العيون فربما

أشارت بشيء لم يكن داخل الحشا

(وتتمة) الأبيات المترجمة:

هذا وأن كان بعد الدار غيرنا

فالشخص وسط فؤادي غير مشتبه

(1) هو محمد بن عبد السلام المارديني. وقد مرت ترجمته في ص 111.

(2)

هو احمد بن علي العسقلاني. وقد مرت ترجمته في ص 152 ج 1.

(3)

هو محمد بن محمد ابن نباته المصري وقد مرت ترجمته في ص 114 ج 1.

ص: 399

فاقبل هدية مشتاق على بعد

يقص شرح غرام في عجائبه

يخفيك أعظم ما فيه ويكتمه

خوف الرقيب وحفظا من ترقبه

عليك مني سلام دائم حسن

يهدى إلى حسن مع حسن مأربه

ولا يزال رداء الفضل يستره

عن المداجي ويبديه لمعجبه

وله أيضا:

وظبي لم يزل فينا يطاع

وفي ذكراه كم طاب السماع

من الأتراك قد تركت فؤادي

لواحظه أسيرا يستضاع

وكم عذرت عذارى في عذار

كلام أحسن الخط اليراع

وكم بتنا ولم نلق رقيبا

سوى ألحاظه فيها اتساع

وأسقمني النوى لما نواه

وقبل الموت قد يقع النزاع

فذكر يا رسول حديث حالي

وقل هل مغرم مثلي يضاع

وكرر عن لسان الحال بيتا

«أضاعوني وأي فتى أضاعوا»

وقد ضمن الحريري (1) هذا البيت أيضا، وذكر ذلك في المقامات. وهي:

لحاك الله هل مثلي يباع

لكيما تشبع الكرش الجياع

وهل في شرعة الإنصاف أني

أكلف خطة لا تستطاع

فإن أبلى بروع بعد روع

فمثلي حين يبلى لا يراع

أما جربتني فخبرت مني

نصاحا لا يمازجها خداع

وكم أرصدتني شركا لصيد

فعدت وفي حبائلي السباع

ونطت بي المصاعب فاستنارت

مطاوعة وكان بها امتناع

(1) هو ابو محمد القاسم بن علي صاحب المقامات. وقد مرت ترجمته في ص 88 ج 1.

ص: 400

وأي كريهة لم ابل فيها

وغنم لم يكن لي فيه باع

فما أنا دون ذاك الطرف لكن

طباعك فوقها تلك الطباع

على أني سأنشد عند بيعي

«أضاعوني وأي فتى أضاعوا»

ولهذا الشطر تتمة وهو من أبيات للعرجي (1) وهي:

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر

وصبر عند معترك المنايا

وقد شرعت أسنتها بنحري

وقد ضمن القيراطي (2) المصرع الثاني فقال:

دعاني منيتي لكريه راح

ورشف الثغر منه بعد سكري

فقلت له دعوت فتى يرجى

«ليوم كريهة وسداد ثغر»

وضمنه الآخر فقال:

له شفة أضاع النشر فيها

بلثم حين سدت ثغر بدري

فما أشفى لقلبي ما أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر

ولصاحب الترجمة:

قالوا نطقت ولم تصمت فقلت لهم

إن الكلام مع التحقيق إصلاح

ان المعاني كأشباح مصورة

في القلب واللفظ للأشباح أرواح

كذا السيوف لدى الهيجاء ناطقة

في الحرب وهي لمتن البغي شراح

وهذا عكس كلام أين عطاء الله (3) في قوله:

قالوا سكت إذا خوصمت قلت لهم

أن الكلام لباب الشر مفتاح

(1) هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان المتوفى في نحو سنة عشرين ومائة.

شاعر مشهور وله ديوان شعر طبع ببغداد 1955 م

(2)

هو ابراهيم بن عبد الله المتوفى سنة احدى وثمانين وسبعمائة. وقد مرت ترجمته في ص. 144 ج 1

(3)

هو الشيخ تاج الدين ابو العباس وابو الفضل احمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الاسكندري الشاذلي. كان جامعا لانواع العلوم من حديث وتفسير ونحو واصول وفقه وتصوف. وكان اعجوبة-

ص: 401

من عادة الأسد تمشي وهي ساكتة

وعادة الكلب يمشي وهو نباح

فالصمت عن جاهل أو أحمق كرم

كلا وفيه لصون العرض اصلاح

***

- زمانه واخذ عنه التقي السبكي. استوطن القاهرة يعظ الناس ويرشدهم. وكان من اشد خصوم شيخ الاسلام ابن تيمية. وتوفي سنة تسع وسبعمائة. وله تصانيف منها مطبوع ومنها المخطوط.

الدرر الكامنة 1: 273 كشف الظنون 675 وخطط مبارك 7: 69 ودائرة المعارف الاسلامية 1: 240 ومعجم المطبوعات العربية 184 والاعلام 1: 213 وفيه مصادر اخرى.

ص: 402