المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌السيد موسى بن جعفر الحداد - الروض النضر في ترجمة أدباء العصر - جـ ٢

[عصام الدين العمري]

الفصل: ‌السيد موسى بن جعفر الحداد

‌السيد موسى بن جعفر الحداد

(1)

هو ممن خاض اللجج، واشترى الكمال المبهج. وهمت عليه سحائب الفضائل وسمت، وهطلت غيوث الفواضل على اطلاق

(1) ترجم له محمد امين العمري في منهل الاولياء (1: 269) فقال «الشيخ الفاضل موسى الحدادي ابن السيد جعفر، صاحب الفضائل البديعة، والمناقب المحمودة، والعبارات البليغة، والاشارات السنية، شيخنا الذي اغترفنا من بحره، واقتطفنا من زهره.

قرأ على شيوخ الموصل مثل ملا حسن بن غيدا، وحيدر بن قرة بيك، وملا اسماعيل بن ابى جحش والشيخ عبد الله المدرس والعلامة صبغة الله، وملا سليم الواعظ، وتخرج بهم. فمهر في العلوم العربية والفنون الادبية. وبهر العقول بمهارته في المسائل الحكمية. وتفرد في وقته باستنباط المسائل عن ادلتها الاجمالية والتفصيلية.

قرأت عليه آداب البحث والمناظرة، وشرح الشمسية، والمطول، ومختصر ابن الحاجب، والتوضيح وشرح الهداية الفقهية، ومير حسين، وحاشية الدري، وشرح النسفية للعلامة التفتازاني والخيالي، ورسالة الحساب للبهائي. وكتت قد قرأتها على الشيخ عيسى بن صبغة الله في بغداد. وقرأت ديباجة ملا جلال الدواني على والده، ولم يتوفق لي المكث في بغداد، ولم تطل مدة اقامتي عنده، فرجعت الى الموصل فقرأت على شيخنا المذكور الحساب، واشكال التأسيس، وشرح الدواني وشرح الملخص وشرح الفرائض وغيرها، وانتفعت به، وكذلك انتفع به خلق كثير وتخرج به رجال تصدروا للتدريس. وأجازني سنة ست وثمانين ومائة والف قبل وفاته بأشهر قليلة وكان في اول امره فقيرا، مشغولا بالكسب، فاستدعاه علي العمري المفتي وامره بمقابلة القسطلاني، ورتب له كل يوم نصف درهم، مع القيام بلوازمه، ومن ثم ترك الكسب واشتغل اشتغالا كليا.

ثم استدعاه يحيى بن مصطفى بن ابراهيم بن عبد الجليل فجعل يقرأ عليه، فانتفع كل بصاحبه، شيخنا بذهبه، ويحيى بأدبه. وصار له اتصال بخدمة المرحوم محمد أمين باشا فولاه مدرسة جامعه الجديد. فكان يسأله الاسئلة الغامضة وهو يحسن في الجواب، ويقرب من فهمه الخطاب عليها.

فالتزم علمي الفروع والاصول، واكب عليهما حتى مهر فيهما.

وله حواشي وتعليقات، وبديعيات لطيفة. واشعاره كلها حسنة. وله قصيدة سلك فيها منهاج عنوان الشرف، وله نوادر كثيرة. وكان يعتكف في رمضان كله. وبالجملة فلم يكن له في عصره من يماثله من ابناء عصره» ثم اورد له قطعة من الشعر جيمية وقال بعدها:«مات في الطاعون شهيدا حميدا سنة ست وثمانين (بعد المائة والالف)» .

ص: 408

كمالاته وصحت. فغدا ضياء صباح منجاب، وسناء نجاح منساب. واشتملت عليه الفصاحة، وكسته أثواب النجاح والسماحة، فقطع أسمى المراتب من الكمال، ونال أسنى المطالب والمعال. وكيف لا وهو من آل الرسول وشمس النسب التي لم يعترها أفول. ذو الظل الوارف، والكمالات والمعارف. ونتيجة الأوائل والأواخر، الذين عقدت على كمالاتهم الخناصر.

- وترجم له صاحب الدر المكنون فقال: الشيخ موسى الحدادي تولى التدريس في المدرسة الامينية في جامع الباشا سنة سبعين ومائة والف بعد وفاة الملا احمد الجميلي. واخذ عنه كثير من علماء زمانه. وكان تقيا عفيفا، له منزلة رفيعة في ام الربيعين.

وترجم له محمد الغلامي في شمامة العنبر (224 - 232) فقال: «السيد موسى بن جعفر الحداد. عالم نثر في المدارس من دراري ابحاثه اسنى فرائد، وفاضل من باراه من اقرانه فقد دق الحديد البارد. لا زال تقريره يجلو صدأ الاشكال ببرده عن كل قلب بليد، وينفى خبث الغموض عن خبايا الابحاث كما تنفي الاكوار خبث الحديد. شاعر شعره يرضاه طبع الخليع الفاتك ولو كان منسوجا على منوال شعر العلماء. ويقع موقعا حسنا عند العالم الفاضل لانه منطوق بمطابقة الكلام لمقتضى الحال. كما هو شأن البلغاء. نظم بديعيتين كان يسرد علي كل يوم منهما جملة أبيات.

ونصرف معه باستماعهما والاستطلاع على معانيهما بعض اوقات، فرأيت معانيهما من شهد الملح حالية، نحور أبياتهما بعقود انواعهما حالية. والحق احق بان يقول الانسان ان هذا الفاضل من اهل طبقتنا في العلم ولكنه فاق بوقاد ذهنه الاقران. ساعدته كثرة استعماله كتب المادة وللاستعمال دخل في الاذهان.

هو الآن في بلدتنا حائز قصب السبق في ميادين المدارس، فارس هيجاء التدريس وليس كل من لعب في الميدان هو في الحرب فارس. عالم طلبة الحدباء الآن يكتالون باقداح سلافة علومه المسطرة، بل يقدحون بزناد ذكائه بالفولادة المجوهرة، رأيته يوما وقد نظم خمسة عشر بيتا بستين تاريخ (كذا) كل شطر تاريخين كاملين للهجرة، بلفظ حر ومعنى رقيق، مع مراعاة محسنات هي على ثوبي ذلك المعنى واللفظ طرازي نضار ولجين. تواريخ تحققت أن لا ينظم مثلها الا من كان له قدرة قوية في التصرف بالكلام وجودة الحساب نادري الوجود، بهم انفتح من الغرابة باب لأولي الألباب» ثم ذكر له عددا من القصائد.

ترجم له صاحب العلم السامي: ش 278

كما ترجم له صاحب تاريخ الموصل (2: 174 - 179) وذكر شيئا من شعره ايضا.

ص: 409

قوم إذا ومضت بروقهم همى

صوب الحيا وأنارت الآفاق

واذا استقل بنانهم بيراعها

لبست وشيع برودها الأوراق

فهم إذا ألقوا حبال بنانها

غلبوا جهابذة الكلام وفاقوا

فهو موسى البلاغة الذي ناجى الأدب على طور البيان. فاستتم ميقات الفصاحة حتى أذعنت له أرباب الكمالات كمال الإذعان ألقى عصا التفنن لما تخيل أن حبال الأدب حية تسعى فالتقط ما كانوا يصنعون. فألقى سحرة البيان ساجدين إلى يده البيضاء لما شاهدوا معجز بيانها وهم يهرعون. فضرب حجر الفصاحة فانبجست منها اثنتا عشرة عينا. فعلم كل أناس مشربهم من عيون فضائله وفضائل عيونه من غير ريبة ولا مينا. فركب سفينة الأدب في مجمع البحرين الفضائل والإعجاز. وتميز على أهل الكمالات وأربى، فلم يبق جدار من الكمال يريد أن ينقض إلا وشيده بمعارفه فملك بذلك كل سفينة لأهل القريض غصبا.

فتظن أن أدبه في مواشي القريض عجل له خوار. وهو على الحقيقة في علم العربية بحر ليس له قرار.

له من النظم ما هو السحر الحلال، ومن النثر ما هو العذب الزلال. فقصائده مقاصد الأدب، وأبياته مطاف العجم والعرب.

هي السحر أسرى في النفوس من الهوى

وكيف يكون السحر في لفظ منطق

وقد أثبت من زلال رحيقه، ما يرشدك إلى كمال تدقيقه.

ص: 410

ويدلك إلى تقدمه. ورسوخ رجله في الأدب وقدمه. فمن ذلك يمدح بعضهم (1).

رنا فأصمى فصاد القلب بالغنج

ظبي يصول بطرف فاتك دعج

وذو محيا إذا لاحت محاسنه

أغنى بطلعته الساري عن السرج

وحمرة الخد مذ قامت بوجنته

هام الكليم بها خلف الغرام شجى

سرى فظل بلبل الشعر معتسفا

لكن ثناياه أهدته إلى النهج

معقرب الصدغ معسول اللمى غنج

مسكي ثغر بصرف الراح ممتزج

وراح يسقي سلاف الكأس مبتهجا

وقد جنت خمره من خده الضرج

راحا إذا زوجوها بابن غادية

راحت برائحة من أطيب الأرج

أخذ هذا المعنى من أبيات المتقدمين، فانهم قد تصرفوا بتزويج الراح أحسن تصرفا من تزويج الملاح فممن قال فيه كاتب سيف الدولة (2):

قم فاسقني بين خفق الناي والعود

ولا تبع طيب موجود بمفقود

كأسا إذا أبصرت في القوم محتشما

قال السرور له: قم غير مطرود

نحن الشهود وخفق العود خاطبنا

نزوج ابن سماء بنت عنقود (3)

(1) قالها في مدح يحيى آغا الجليلي.

(2)

هو ابو محمد عبد الله بن عمرو بن محمد الفياض كاتب سيف الدولة الحمداني ونديمه. ترجم له الثعالبي في اليتيمة فقال: «معروف ببعد المدى في مضمار الادب، وحلبة الكتابة. أخذ بطرفي النظم والنثر، وكان سيف الدولة لا يؤثر عليه في السفارة الى الحضرة احدا، لحسن عبارته وقوة بيانه، ونفاذه في استغراق الاغراض، وتحصيل المراد. وقد ذكر ابو اسحاق الصابي في كتاب «التاجي» ومدحه السري بقصائد». يتيمة الدهر 1: 101 وتلخيص مجمع الآداب في معجم الالقاب 4 القسم الثالث 528. ولم يذكر فيها تاريخ وفاته.

(3)

في اليتيمة: ابن سحاب بنت عنقود.

ص: 411

وتبعه الصفي (1) فقال:

شهدنا زواج الماء بالراح فالندى

عليها نثار والرياض لها فرش

شربنا وقد حاكى الربيع مطارفا

حسانا لدمع الطل من فوقها رش

وقال أيضا:

بدت لنا الراح في تاج من الحبب

فخرقت حلة الظلماء باللهب

بكر إذا زوجت بالماء أولدها

أطفال در على مهد من الذهب

وقال آخر في هذا المعنى:

زوج الماء بابنة العنقود

فانجلت في قلائد وعقود

قتلت بالمزاج ظلما فقالت

«كم قتيل كما قتلت شهيد»

طاف يسعى بها اغن حكى ما

في يديه وثغره والخدود

وغدا التائبون منها ندامى

والندامى في ظل عيش رغيد

فصلينا بها لظى وأزلفت ال

جنة للمتقين غير بعيد

وللقطب ابن الشاغوري فيه:

عزمنا على تزويج بكر مدامة

بماء قراح والليالي تساعد

وأمهرتها در الحباب لأنها

إذا جلبت يوما عليها قلائد

وجاءت رياحين البساتين عرفت

بتزويج بنت الكرم واللوز عاقد

وكان قدوم النبق فالا مبشرا

لنا فبباقي العيش والود شاهد

وقد أجاد ابن النبيه (2) بقوله:

بكر إذا ابن سماء مسها لبست

ثوب الحياء حياء منه واتشحت

تشعشعت ببد الساقي وقد مزجت

كأنها بنصال الماء قد ذبحت

(1) هو صفي الدين الحلي، عبد العزيز بن سرايا وقد مرت ترجمته في ص 148 ج 1.

(2)

كمال الدين على ابن النبيه مرت ترجمته في ص 41 ج 1

ص: 412

وفي هذا المعنى لبعضهم مع زيادة نكتة:

جلوها على الندمان فاحمر لونها

لخجلتها عند البروز من الخدر

وصبوا عليها الماء فاصفر لونها

ويحسن عند الملتقى خجل البكر

وفيه ليحيى الخباز مع أتم مراعاة:

عاطنيها من عهد كسرى سلافا

تتقد في الكؤوس كالنيران

وابن ماء السماء زوجه راحا

أذكرتنا شقائق النعمان

وزاد ابن النبيه بالمعنى فقال:

وتريك خيط الصبح مفتولا إذا

مرقت من الراووق في الطاسات

عذراء واقعها المزاج أما ترى

منديل عذرتها بكف سقاه

عود على القصيدة المترجمة:

ألقت أشعتها ليلا فقابلها

بدر الدجى فاكتسى من نورها البهج

وأغيد قام يسقيها مشعشعة

مورد الخد لم يبق على المهج

إن شئت خذها من الأقداح صافية

أو شئت خذها من الاحداق وابتهج

أقداح تبر على هام الربيع زهت

ما بين روض بترديد الهوى لهج

فللكئوس ابتسام عند قهقهة

وللنفوس اغتنام صفو مبتهج

في روضة كلما مر النسيم بها

طابت بيحيى المعالي طيب الأرج

ثبت الجنان إذا الأبطال زاحفة

تحت القتام ونار الحرب في وهج

والباسم الثغر والأبطال عابسة

في موقف بين سلب الروح والمهج

ص: 413

المصرع الأول من هذا البيت للصفي الحلي:

لوت إلي عنان الدل قائلة

علام تعجل بالأسفار والنقل

لمن تؤمل في البأساء قلت لها

على ابن ارتق بعد الله متكلي

الباسم الثغر والأبطال عابسة

والمخصب الربع والأرضون في محل

لمن أضاءت بنور الله دولته

كأنها غرة في جبهة الدول

وقوله من أخرى:

ما أن أخاف من الأيام قادحة

إذا بدا الدهر في أنيابه قدحت

وكيف يغدر حال الدهر حال فتى

أموره بالمليك الصالح انصلحت

الباسم الثغر والأيام عابسة

والأبلج الوجه والأبطال قد كلحت

والشائع الذكر بالمعروف في زمن

لو كابدته رياح المسك ما نفحت

وقريب منه قول ابن النبيه (1):

السيف مثلك طلق الوجه مبتسم

إذا اكفهرت وجوه الخيل والبهم

ما بين جو من الحرمان مضطرم

ولج بحر من الماذي ملتطم

هنالك البيض تفري الهام من شره

ونكرع السمر في الأكباد من قرم

ومن تتمة القصيدة المترجمة:

فان أقام أقام السعد في خدم

أو سار فالنصر يتلو آية الفرج

من معشر جبلت أخلاقهم كرما

لو هم بالمنع فاض الكف كاللجج

فتح وحتف يمين الفضل قد جمعت

ذا للمحب وذا للكاشح السمج

(1) مرت ترجمته في ص 41 ج 1:

ص: 414

يا ذا المكارم قدما والعلى شهدت

يوم الفخار وأبدت واضح الحجج

سعى المعالي إلى علياك باسمة

تبسم الروض في أزهار منتسج

ما في نظامي غلو في المديح لكم

أنت الفريد وبعض الناس كالهمج

خذها أبا يوسف عذراء ناهدة

إليك عاجت ونحو الغير لم تعج

لا زلتما في منار السعد ما بزغت

شمس النهار ودار البدر في البرج

وله أيضا مديحا وتهنئة بالقدوم من السفر (1):

بشرى فقد أنجز الإقبال ما سطرا

وكوكب المجد في أفق العلى ظهرا

هذا المطلع من هذه القصيدة مأخوذ بجملته من قصيدة أبي محمد الخازن (2) المذكور في ترجمة ياسين المفتي فارجع إليها:

والوقت طاب من الأكدار مبتسما

أهدى السرور وأوفى وعد ما ذكرا

والروض من طرب أضحت مباسمه

تهب نشر الهنا طيب الشذا عطرا

والزهر يضحك زهوا في محاسنه

وينثر الطل من أكمامه دررا

والراح ترقص في بيض الزجاج ضحى

فاعجب إلى ذهب فوق اللجين جرى

وصادح الطير غنت فوق دوحتها

تصبو مقابل عشاق النوى سحرا

(1) قالها في مدح يحيى آغا الجليلي.

(2)

مرت ترجمته في ص 378 ج 1.

ص: 415

والغيد ماست بقضبان على كثب

إذا رنت فتكت كم غادرت أسرا

والروض باكره مزن الربيع وكم

زهر الروابي أيادي السحب قد شكرا

وزين الأرض حسنا من ملابسه

والدهر أبسم ثغرا بعد ما بسرا

فقلت وا عجبا والدمع يسبقني

من السرور الذي قد أذهل الفكرا

هل وراء الخير للحدباء ابهجها

أم هل بشير التهاني بالسرور سرى

فقيل لي أن يحيى الفضل ركن بني

عبد الجليل من الشهباء قد صدرا

فخر الأماجد سامي الفضل مرتبة

عز الأماثل قدرا خير من سفرا

أغنى بطلعته عن حسن سيرته

حتى حسبناه بحرا والسوى نهرا

سمت على فلك الأفلاك رتبته

لذاك أمست ليالينا به غررا

قد أودع الله في أخلاقه حكما

كذاك كانت معاليه له قدرا

يهنيك قطع الفيافي مدلجا سحرا

على السوابح ليلا ترتمى ففرا

تتلو التهاني أمام الخيل مستبقا

أنا فتحنا لك الفتح العلى سورا

سموت بالمجد يا ابن الاكرمين فكم

رأيت من يدعى علياك محتقرا

لا زلت في ذروة الإسعاد منتصرا

ما دامت المزن تكسي روضها حبرا

وطب بعود الهنا فالسعد أرخه

قدمت يحيى بلطف قابل قدرا

وقد ذكرنا شيئا من التهاني، ولكن للاستغناء من السرور فيعجبني في هذا الباب قول البهاء زهير (1) من قصيدة. وهي:

قدمت ووافتك البلاد كأنما

يناجيك منها بالسرور ضميرها

(1) مرت ترجمته في ص 212 ج 1.

ص: 416

تلقتك لما جئت تسحب روضها

مطارفة وافتر منها غديرها

تبسم منها حين أقبلت نورها

وأشرق منها حيث وافيت نورها

وحتى مواليك السحائب أقبلت

فوافاك منها بالهناء مطيرها

ورب دعا قد بات يطوي لك الفلا

إذا خالط الظلماء ليلا ينيرها

بك اهتز لي ليل الأماني مثمرا

ورقت لي الدنيا وراق نضيرها

وما نالني من انعم الله نعمة

وأن عظمت إلا وأنت سفيرها

ومن اللطائف التي تلقتها أرباب المعارف قول الارجاني (1) فيه

لا تضطرب عند الخطوب فإنما

يصفو إذا ما أمهل المتكدر

وإذا تولى معشر كرموا فلا

تهلك أسى حتى يوافي معشر

فصحيفة الدنيا الطويلة لم تزل

يطوي لها طرف وآخر ينشر

ما زالت الأيام حتى أعقبت

يوما ذنوب الدهر فيه تغفر

يوم أغر مشهر في صدره

أحيا الورى مولى أغر مشهر

مشت الملوك الصيد حول ركابه

رجلا وكان لهم بذاك المفخر

وتبسمت خلع عليه كأنها

روض تقمطها غمام ممطر

ومرصعات يأتلفن وراءه

تشكو السواعد حملها والأظهر

وأمامه جرد يقدن جنائبا

مرمى تخف بها الخطا فتوفر

يظللن في بحر النضار سوابحا

فالجو من عكس الأشعة أحمر

وبدا الجواد على الجواد كأنه

طود أطل عليه نجم أزهر

وأتى به واليمن منه أيمن

متكنفا واليسر منه أيسر

(1) هو ابو بكر احمد بن محمد القاضي الأرجاني وقد مرت ترجمته في ص 376 ج 1.

ص: 417

حتى انثنى عنه لينزل عطفه

في موقف فيه الجباه تعفر

فالجو طول اليوم تبر ماطر

والترب طول العام مسك أذفر

ولقلت الأرواح لو نثروا له

لو كانت الأرواح طا تنثر

وإذا نظرت إلى بدائع ابن نباتة (1) في هذا الباب لشاهدت منها اعجب العجاب. فلنحل فمك من بعض نباتاته. منها:

قدمت كالسيف إلى غمده

واليمن موقوف على خده

قد أثرت فيك ليالي السرى

ما أثر السن بافرنده

وعدت مشكور الثنا والسنا

كذاك عود البدر في سعده

لله ما أسعدها طلعة

يحيى بها الوابل من مهده

نعم وما أعينها عزمة

سلمها الرأي إلى رشده

عزم فتى سورة إخلاصه

في البر قد أفضت إلى حمده

ما ضر ركبا كان بدرا له

أن لا يراعي الشهب في قصده

كأنني أبصر بين الفلا

حماه يستدعي إلى رفده

مخيما تنثر الطافه

نثر سقيط الوبل من عقده

يستمسك العاني بأطنابه

فليس يحتاج إلى رده

هذا وفي جلق وجد عشت

طوارق الحزن إلى وقده

صان حماها منذ فارقته

ما أوهن الغاب بلا أسده

ومزق الروض بها كلما

حاكت خيوط الودق من برده

شوقا إلى مرتحل أقسمت

لا تبسم الأزهار من بعده

(1) مرت ترجمته في ص 114 ج 1.

ص: 418

فالعام مثل اليوم في قربه

واليوم مثل العام في بعده

حتى اذا عاد الى صرحها

قام له الغصن على قده

وأقبلت تلثم آثاره

تلك الشفاه الحمر من ورده

***

ص: 419