المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ابراهيم سراج ولي - الروض النضر في ترجمة أدباء العصر - جـ ٢

[عصام الدين العمري]

الفصل: ‌ابراهيم سراج ولي

‌ابراهيم سراج ولي

(1)

ابراهيم سراج ولي زاده، الذي لبس شعار الأدب واعتاده.

هذا الكامل أرخص الادب في سوقه، وأظهر آثار الصلاح في غرره وفروقه.

حتى قال فم القلم، ولقد آتينا إبراهيم رشده (2)، ولم نجعل لأحد من أرباب الكمال قسمة بعده، حلى بكمال الجيد جيد الزمن الآخر، وحلى بشهد تقريره شفاه المكارم والمآثر. دخل نار الأدب وهي تشتعل ضراما، فنادى لسان البيان يا نار كوني بردا وسلاما. (3) جعل تماثيل الآداب السالفة جذاذا، وأظهر الغريب

(1) ترجم له صاحب منهل الاولياء (1: 291) فقال: الشيخ ابراهيم بن سراج ولى- صاحب فضائل جمة، واخلاق حميدة. له في العلوم معرفة تامة، ومشاركة لاصحابها. جمالي المشرب، لكن لا يرى رأي أهل الموصل. صوفي المذهب آخذ بقول الفاضل ابن الفارض:

تراه ان غاب عني كل جارحة

في كل معنى لطيف رائق بهج

ومما يحكى عنه انه عزم على الحج في بعض السنين، فاستفتح بالقرآن العظيم متفائلا، فخرجت له هذه الآية الشريفة قوله تعالى «يا إبراهيم أعرض عن هذا» . فكف. وبعد أيام عرض له بخار سوداوي فكان غاية امده من الدنيا وانقطعت حياته رحمه الله تعالى. وله شعر متوسط. ووفاته بعد الستين. ثم ذكر له اربعة ابيات مختارة من الهمزية التي اوردها له صاحب الروض.

وترجم له صاحب الشمامة (289 - 293) وسماه ابراهيم بن ولي السراج. وذكر له من الشعر تخميسا انشده لصاحب الشمامة. كما ذكر له الأبيات التالية في دخان الغليون

أيها السائلي عن التتن اني

لا أرى شربه ولا اشتهيه

لو رأى حلوة اللسان لوافى

مادحا حين ذمه شاربيه

ان رآه قد وافق الناس طرا

ان توافق كن أنت من مادحيه

وترجم له صاحب العلم السامي «15» فقال: كان له معرفة تامة بالعلوم وكان صوفي المشرب. درس زمانا بالرها ثم قدم الموصل.

وتوفي سنة ستين ومائة والف. كما ذكره في ص 284 ايضا.

(2)

سورة الانبياء، آية:51.

(3)

سورة الانبياء، آية 69.

ص: 58

من مخترعاته حتى غدا لذوي الألباب ذخرا ولأرباب الآداب ملاذا. فعطر الآفاق بضوع نشره، ونور الأحداق بضوء بشره.

فكان جنابه بالذات ألم نشرح (1)، في كل ما كان يجمل من صحف البيان ويشرح

رفع تيجان البلاغة بسعيه المشكور على هامه، وفسر مشروح البيان بفعله المبرور وبمعجز ابهامه. سير قوا في النظم إلى أرباب الكمال وجهز، وأسهب في معالم النظم لذوي المعالي وأوجز.

فهو من الذين يسمع الدهر إذ يقول، ويشار إليه بالأصابع بين الفضلاء والفحول. وهو الذي ترجع إليه بنو الآداب بأنسابها، وتنسق على عقود فضله وأدبه عقد عدها وحسابها. فكم أثر خلد وكم ذكر أبد (2)، ومعاهد جدد، ومباني وحد، وفرائد افرد، فكان كالقمر إذا بدر، والفجر إذا انتشر، والقطر إذا قطر، والبحر إذا زخر. والسحاب إذا انساب، والهلال إذا آب، وكم مكارم أزهر، ومواسم أبهر، وفرائد نور أو محامد أثمر. ورياض عمر، وحياض غمر (3). وكم قضى بالأدب عمرا بعد عمر، وقضى بالفضائل دهرا بعد دهر، فانمحت آحاده في تلك العشرة فكل منهل من الآداب ورده، وكل حديث في الكمال سلسله واسنده.

فتى كالثريا في المعالي وفي النهى

هو الشمس في وقت الضحى إذ تجلت

ولما سد ثغور الأدب، وانتهت اليه الرئاسة في العرب، أحلق

(1) سورة الانشراح، آية: 1 ألم نشرح لك صدرك.

(2)

في الاصول: فكم اثرا خلدوكم ذكرا أبد.

(3)

في الاصل: ورياضا، وحياضا.

ص: 59

الجديد أن ثوبه القشيب، وذوي عمره الزاهر الرطيب. عامله الله بما يرضيه، ومنحه من فضله بكل ما يقتضيه.

كان رحمه الله ينسر بالكمال وذويه، ويميل إلى الجمال ومن يحويه. ملازما لهذا الحال. ممتثلا لقوله أن الله جميل يحب الجمال.

وحشي لم يألف لأحد، ولم يذق طعم الغبطة والحسد. وهو بالتقى معروف، وبالزهد والصلاح موصوف. أمة بكتب القوم، لم يصغ في ذلك إلى العتب واللوم. وللقرابة بيننا كان يأتينا، ولمعالم ادبه يهدينا. وكان ينسر بحديثي وكلامي. وأنا إذ ذاك شاب لم ابلغ من الأدب إلى مرامي.

وكان كثيرا ما يتعاطى علم الغزل والمعمى وهو فيهم الواحد الذي عن غيره أصم أو أعمى.

وله في الأدب فصول، تعيي الفحول، وتذهل العقول، وقد أثبت منه ما هو الشهد. والسكر المكرر والقند. فمن قريضه، وطويل نظمه وعريضه، قوله:

يا قلب كرر مدح ذي النعماء

بحر النوال ومفخر الكرماء

فحل الرجال ومعدن الافضال وال

مأمول للآمال والآلاء

لو كان حيا حاتم لسعى إلى

هذا الجناب كأفقر الفقراء

سعد السعود الباذل الموجود وال

مقصود في السراء والضراء

أسد الأسود موصل المكمود لل

مقصود والمعدود في الفضلاء

ذو الجاه سعد الله مولانا ومن

هو من عطاء الله للضعفاء

ما خاب قط مؤمل جدواه من

أحد من القرباء والغرباء

لا يستطيع الحصر مداح له

مهما أرادوا المدح باستقصاء

ص: 60

يا رب طول عمره في صحة

وسعادة وكرامة وعلاء

يا ربنا أسعده في الدنيا وفي ال

عقبى ويوم الحشر والبأساء

بمحمد المختار طه الهاشمي

فخر الوجود وأسعد السعداء

صل وسلم ربنا أبدا على

هذا النبي وأشرف الشرفاء

وله من أخرى:

وحبذا ذلك القمري حين صبا

قلبي إليه وقد غنى مقام صبا (1)

طاب المقام وقد هاج الغرام إلى

القوم الكرام وكم نلنا به رتبا

وفيهم قمر لو شام طلعته ال

غراء يوسف حسن عقله سلبا

أن بان للبأس فالآساد في هرب

وأن بدا لعطاء أخجل السحبا

ولست مقتدرا حصرا له أبدا

أنى وقد أعجز المداح والأدبا

***

(1) المقام وهو الذي كان يطلق عليه قديما اسم «صوت» والصبا نوع من النغم وهو من المقامات.

ص: 61