الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جرجيس الاربلي
(1)
شيخنا جرجيس، الأديب الفاضل الأنيس صاحب يد في الكمال وزند، وحلاوة شهد في القريض وقند. فهو درة الأجياد والنحور التي منها تكتسب الرونق فرائد البحور. أفصح من استعمل
(1) ترجم له صاحب منهلى الاولياء (1: 286) فقال: الشيخ جرجيس الاربلي له المعرفة التامة الكلية بالفنون العقلية والنقلية. والقدم الراسخة، والهمة الشامخة. بافكار غامضة على جواهر الانظار في بحار الأفكار.
قرأ على الشيخ عبد الله الأصم في اربيل، ثم رحل الى ماوران فقرأ على الشيخ اسماعيل، والشيخ فتح الله، والشيخ صبغة الله، اولاد ابراهيم الحيدري وانتفع بهم.
وظهر فضله، وتكمل علمه، وارتفع شأنه. وانتفع به الجم الغفير. ثم تزهد في الدنيا وساح. ومكث على السياحة مدة مديدة ثم رجع الى اربيل.
درس وأقرأ، وقصده الطلاب من النواحي. ثم قدم الموصل، ودرس فيها مدة، ثم عاد الى وطنه. ثم رجع الى الموصل. فقرأت عليه اثبات الواجب وشرحه.
ثم رجع الى مسقط رأسه. ومحل أنسه. ثم لما مات شيخنا موسى (الحدادي) استدعاه الوزير المفخم سليمان باشا. وكان اذ ذاك في العقر (عقرة) ففوض اليه مدرسة الشيخ موسى. فقرأت عليه نبذة من شرح المخلص.
وحج وطاف البلاد الشاسعة. ودرس في اكثرها. وله الجاه العريض عند ملوكنا.
اذا جاء موسى وألقى العصا
…
فقد بطل السحر والساحر
وأخذ الطريق عن الشيخ الشريف اسماعيل البرزنجي، والشيخ أحمد البغدادي وسألته ان يكتب لي شيئا عن احواله. وطرفا من بيان طريقته ومشايخه. فبعد وصولي الى هذا المحل ورد مكتوبه وفيه ما ملخصه: أن أول شيوخه في العلم عبد الله الأصم المكنى بأبي محمد، الملقب بالإسكندري.
وكان قد فتح الله عليه في العلوم العقلية والنقلية ولم يكن قد قرأ منها الا اليسير من المتون. وكان ماهرا في علم الوحدة والتجريد وله شعر لطيف.
ثم بعد ذلك قرأ على الفاضل العلامة فتح الله الحيدري. ثم على أخيه اسماعيل أفندي، ثم على أخيه صبغة الله العلوم العقلية والنقلية. وجانبا من تفسير القاضي، وبعض حواشيه. واجازه اجازة عامة لجميع مروياته ومسموعاته. وان له اجازة بالكتب الستة، ولم يذكر عمن هي.
المحابر والأقلام، وأنجح من توغل في تصفية الأذهان والافهام ناصر رايات الكمالات والحكم، وهاصر عناقيد البلاغة للأمم سراج زوايا المساجد الورع المتهجر، ونفائس خبايا المعابد الخشع المتنجد.
حاز قصب السبق نظما ونثرا، وأوسع أهل خطته لكمالاته جبرا وقسرا. اقتفى أثر ابن نباتة في خطبه، وتم له ما عطف عنانه اليه على وفق مطلبه:
- وان شيخه في الطريقة القادرية السيد اسماعيل بن السيد البرزنجي المشهور عندهم. وفي الطريقة القادرية ايضا والنقشبندية صحبة وتربية الشيخ احمد البغدادي الآخذ عن الشيخ قاسم الخاني. صاحب سير السلوك الشهير في حلب بسقاط الاقفال، لان الاقفال كانت تسقط عن ابواب البلد اذا اراد الخروج منها. انتهى ما كتبه.
وعمره الآن قد قارب السبعين وله شعر لطيف ثم ذكر له اربعة أبيات.
وترجم له صاحب غاية المرام فقال: علامة العلوم، بالمنطوق والمفهوم. قرأ على ملا عبد الله الأصم الاربلي. وفتح الله الحيدري، واخيه اسماعيلى ذى العلم الجزيل. ثم على العلم صبغة الله افندى الحيدري في بغداد. واخذ الطريقة القادرية على السيد اسماعيل البرزنجي. ثم اخذ الطريقة النقشبندية عن السيد أحمد البغدادي. ثم قدم الى الموصل ودرس بها. ثم عاد الى اربيل ثم توجه الى العقر ودرس بها. فاستدعاه الى الموصل سليمان باشا الجليلي فقدم. ودرس بمدرسة والده وجده- مدرسة جامع الباشا- ثم تولى الخطابة في جامع الوزراء المذكورين. ثم ولي مدرسة محمد باشا الجليلي اضافة الى ما في يده.
وتوفي فجأة في دار الوزير المذكور سنة ست ومائتين والف. وقد اجاز المترجم جماعة من علماء الموصل المشهورين.
وترجم له المرادي صاحب سلك الدرر (2: 9) فقال: «جرجيس الاربلي امام اربل ومقتداها المبرز ادبا وفضلا وعملا، والحائز قصب السبق ذوقا وفهما. نشأ في اربل ثم رحل الى ما ماوران فأخذ على أهلها نبذة من العلم. ثم قرأ على صبغة الله العلامة ومكث في بغداد مدة. وله الى الموصل سفرات عدة. ثم في سنة ثمان وسبعين دخلها ايضا. وكان له اليد الطولى في العلوم الغريبة وانقطاع للعبادة.
واخذ اجازة في الطريقة القادرية. ومكث كذلك مدة. ودرس في الموصل في مدرسة قريبا من الحضرة الجرجيسية مدة من الزمان. ثم استوطن اربلا وهو الآن فيها. وسنه يقارب الاربعين. وله حواش وتعليقات ومنظومات رشيقة». وذكر له الابيات التي ذكرت في المنهل.
أديب تسلق هام السماك
…
فحاز الفخار بنيل العلى
وأجرى العنان بذاك الفضاء
…
فكان هلالا لكل الملا
وها هو للناس ذاك الهلال
…
لكل الكمالات قد حصلا
نكتة الزمان وسره، ونسيجة الإذعان بأسره. بضعة جسد المعارف وفلذة كبد اللطائف. واحد الأزمنة والاعصار، وهلال المدائن والأمصار. فشرفه لا يدانيه شرف، ولا يتصور في كمال توصيفه سرف. فهو من عطية الزمن وحسناته، ومن موانح الدهر وعطياته يسحر ببيانه الألباب والعقول، ويبهر في كل ما ينشي ويقول.
فهو في العلوم علامة الدهر. والوحيد الذي لم يكن له ثاني في ذلك العصر.
مقتدى السادة الصوفية، وامام تلك الزمرة الصفية. له نثر كالمرجان، وشعر بكل لسان. وهو الآن مدرس بلدنا القاعد على بساط الإفادة، وأديب ديارنا الصاعد إلى أسنمة الفضل والسيادة.
وقد اثبت قطعة من نظمه تغني عن العود والمزامير عند إنشادها ونبذة من نفثاته تستهزئ بالغمائم عند إبراقها وإرعادها، وهي كالنسيم في جنة النعيم.
فمن ذلك قول مصدرا ومعجزا لهذين البيتين، وقد جرى ذكرهما وصعوبة تفكيكهما:
ورب حمامة في الدرج باتت
…
بأشجان وحزن مستكن
على أيام وصل حيث فاتت
…
تعيد النوح فنا بعد فن
أقاسمها الهموم إذا اجتمعنا
…
وتروي قصة الأشواق عني
فأشكوها وتشكو لي زمانا
…
فمنها النوح والعبرات مني
وقلت أنا كذلك:
ورب حمامة بالدوح باتت
…
بهم زائد ومزيد حزن
على بعد الديار وفقد ألف
…
تعيد النوح فنا بعد فن
أقاسمها الهموم إذا اجتمعنا
…
فتأخذ أكثر الأشواق عني
فأشكوها وتشكو لي زمانا
…
فمنها النوح والعبرات مني (1)
***
(1) وفي حاشية الاصل جاء: وانا كنت شطرتها أوان الطفولية بقولي:
ورب حمامة بالروح باتت
…
تساجلني باشجاني وحزني
أراها كلما سمعت بكائي
…
تعيد النوح فنا بعد فن
أقاسمها الهموم اذا اجتمعنا
…
فترضى بالذي أبديه عني
وهذا دأبنا مهما التقينا
…
فمنها النوح والعبرات مني
محرره الفقير السيد علي آلوسي زاده عفي عنه.
(صحح تجارب الطبع الخطاط وليد الأعظمي الموظف في المجمع العلمي العراقي)
رقم الايداع في المكتبة الوطنية ببغداد 698 لسنة 1975