الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأديب خليل بن خداده الكاتب
(1)
هذا الأديب الكاتب جبل كمال احتلته أرباب المعارف، فسلكهم في سمط الكواكب والنجوم، ورسخ في وهاد الفضائل والعوارف، إلى أن استوعب حلل الكمالات في تلك الأطلال
(1) ترجم له محمد امين العمري، في منهل الأولياء (1: 301) فقال الشيخ خليل خدادة الكاتب ياقوت زمانه وابن مقلة أوانه. آتاه الله من حسن الخط. وجودة الكتابة، وتصوير الحروف ما لم يدرك، ولا يلحق ولا يأتي الزمان بمثله. فكأن خطه حروف عذار خد أسيل. او وشام معصم غادة عديمة المثيل.
أو لآلي منظومة نظم الثنايا اللعس. مع أدب فائق وظرف رائق، ونظر حاذق، وفكر صادق، وانشاءات غريبة، اساليبها عجيبة.
ولم أقف على تاريخ مولده ووفاته الا اني اظنه توفي بعد نيف وخمسين من المائة الثانية بعد الالف ثم ذكر له بيتين من الشعر كتبها الى السيد خليل البصير وقال كان بينهما صحبة واتحاد.
وترجم له محمد خليل المرادي في سلك الدرر (2: 194) فقال: «خليل خدادة الموصلي الكاتب الماهر، الخطاط الشاعر، اليه تنتهي الكتابة والخط في زمانه، وصار يضرب به المثل في الجودة والحسن والنفاسة: كأنه حواشي عذار على متون خدود، أو نقوش فضة أو لؤلؤ على وجنات أبكار. وكان أديبا ماهرا، نبيلا حاذقا. وله النصاحة والنجابة.
رحل الى الهند في سنة احدى وستين ومائة والف، وتوفي بها سنة ثلاث وستين ومائة والف.» وذكر له من شعره سبعة آيات من قصيدة قالها في حصار الموصل يمدح فيها حسين باشا.
وترجم له محمد الغلامي في شمامة العنبر (272 - 277) فقال: «اديب اشتهر جوهر خطه في الاقاليم بين اهل الاقلام اشتهار ياقوت، وناداه عنبر المداد أنت مبارك على بنان اهل المشق ياقوت. فاستنشق المتعلمون ريحاني خطه لما أوصى لهم بالثلث، والثلث كثير، ورضوا من نسج خطه بالغليظ لما رأوا غليظه بلا قافية الطف من الحرير
…
ما كان هذا الأديب ينظم من مطولاته درا ولا يقطع من مقاطعه شذرا الا ويوردها علي بقلب محب صادق، ايراد النقود على الصيرفي الحاذق. يستطلع منى مواضع فائقة وركائكه.
معتقدا ان البزاز أدرى بالثوب من حائكه
…
أشرقت طلعة هذا الأديب في بلاد الشرق حتى تغمده الله في قراب الهند وسلمه كنز القرب لما اخذه اهله على بعد.»
ثم ذكر له قصيدة نونية في المدح، ومراسلات شعرية بينه وبين خليل البصير وكانت بينهما صداقة ومودة.
ومقطع تشبيب من قصيدة مدح فائية.
كما ترجم له صاحب العلم السامي ص 282.
والرسوم فحل من الجوزاء مكانة ومن الثريا مقاما، وركب من ظهر الأدب ظهرا ومن القريض سناما.
لو أبصره المتنبي لاتخذ من كماله طريقا ومن أدبه سبيلا. أو أدركه أبو فراس لجعله لفراسته عونا ولكمالاته خليلا.
كاتب إذا صعدت أنامله منبر اليراع خلتها تنقط نورا، وتفتق عبيرا، وشاعر إذا غردت بلابل طبيعته على أغصان حسبتها ترصف زهرا وتنمق غديرا. فلكل ثلمة من ثغور الأدب سداد، ولكل معضلة من النشيد مرجع ومعاد.
أبصرت هذا ناسخا فرأيته
…
أعيى وأعمى أن يحد ويوصفا
فكأنما منح السماء صحيفة
…
والليل حبرا والكواكب أحرفا
وصل من النظم إلى منتهاه، وتصرف في القريض بين سماكه وسهاه، حين شحن في كمالاته الأذهان والالباب، وولج مدائن المعارف وأبيات اللطائف من كل باب.
فهو أول من دخل إلى معالم حسن الخط وظهر، وأول من حاك برود الأدب على نول البلاغة والفصاحة فاشتهر. فقدح زندا، وأورى خزامى وندا، فصدح قلمه ونطق، وغرد على هذا المنوال والنسق، فأنشأ وانشد، وطلب من المعالي المكان الأبعد، فقال:
ما زلت اطلب في المعال طريقة
…
غيري إليها من الورى لم يسلك
أعاب عطارد باملائه، والقاضي الفاضل بصكوكه وانشائه، وهو بلا ارتياب واحد الوجود في هذا الباب.
وقد أوردت من نوادره وإبداعه، ما يرشدك إلى كمال وسعه في الأدب واتساعه. فمن ذلك قوله من قصيدة في معركة نادر شاه، فمن مديحها:
وذاك من يمن الوزير الذي
…
خصصه الله بلطف اعم
حسين اسم حسن فعله
…
مستحسن الرأي بأمر أهم
قام لنا في حسن تدبيره
…
فأرهب الخصم بأعلى الهمم
وجال في عسكره جولة
…
فميل الركن له فانهدم
ورام منه الصلح عن أنفه
…
رغما ولم يدر الصواب الأتم
فقام عنا وهو من غيظه
…
يعض حرصا لكفوف الندم
حيث رآه جبلا شامخا
…
ومرتقاه أبدا لم يرم
أبو مراد لم يزل دافعا
…
عنا إذا الخطب علينا هجم
فيا له من أسد قد حمى
…
غابته من كل خصم صدم
صان لنا الأعراض والمال وال
…
أنفس والأهل وهتك الحرم
وكم حمانا من بلاء وكم
…
كف أكف السوء عنا وكم
وانه مظهر حسن الثنا
…
ومظهر الإحسان بعد العدم
والبطل الخواض نقع الوغى
…
والباذل الفياض يوم الكرم
والباسل الضحاك في حربه
…
والخائف البكاء جوف الظلم
والمسعف المضطر في دهره
…
والمنصف المظلوم ممن ظلم
والرافع الخير إلى أهله
…
والدافع الشر بأيدي الحكم
والكاسب المجد بإقدامه
…
والساكب الجو كسكب الديم
والصانع المعروف مع أهله
…
والمانع المعروف في كل ذم
بر يريك البحر في بره
…
وشائع برا برعي الذمم
مطهر الجيب بدا محتدى
…
مبرئ العيب جميل الشيم
مؤيد بالغيب من ربه
…
موقر الشيب جليل الحشم
ولم يزل في حكمه ناصبا
…
ألوية الشرع وعرف الحكم
ومن يقل أني وزير سوى
…
جنابه السامي علي يتهم
للدولة العلياء قد صانها
…
من شر من ينكر يوم الندم
وكفه عنا يكف القوى
…
وعزمه المشهور بين الأمم
أعز دين الله عزا وقد
…
أذل دين الرفض ذل الخدم
جزاه في الدارين خير الجزا
…
وحفه باللطف رب القدم
وصير الاجلال جلبابه
…
والسعد واف بحقوق الخذم
يا أيها الشهم الوزير الذي
…
حف بإقبال ونصر أتم
هنيت بالسعد السعيد الذي
…
حزت به فخر علو الهمم
وكل يوم صار من فضلكم
…
على الورى عبد جديد النعم
فقر عينا ببلوغ المنى
…
ودم بمجد مستمد الحكم
وألطف ببكر الفكر اذ أقبلت
…
ترجو قبولا ومزيد الكرم
والحظ بعين اللطف تاريخها
…
حسين قد زلزلت شاه العجم
هذه القصيدة في وقعة لم ير الزمان مثلها، ولا اتفق لأحد من الخوارج ما اتفق لهذا من الشوكة والقدرة والبأس. وفي هذه الواقعة ينبغي أن يؤتى بالغريب من الوصف أيضا كما هي غريبة.
وقد ذكرنا كثيرا من القصائد الشاملة لهذه القضية والكل قد قصروا بوصفها.
وإذا نظرت إلى بدائع المتقدمين من المديح، ووصف البأس والجيش، والسلاح، والحرب، وما في معنى ذلك، لرأيت العجب العجاب. وقل من يشق هذا الغبار. وسنورد من نوادرهم حتى يرشدك الى المراد المذكور، وتتطلع على تفاوت الصدور في الصدور فمن ذلك قول السري الموصلي (1) من قصيدة:
ناديك من مطر الإحسان ممطور
…
ومرتجيك بغمر الجود مغمور
والبيض ظل عليك الدهر منتشر
…
والنقع جيب عليك الدهر مزرور
والشرك قد هتكت أستار بيضته
…
بحد سيفك والإسلام مستور
كم وقعة لك شبت في الظلام بها
…
نار فاشرق منها في الهدى نور
ونهضة خر فسطاط الكفور لها
…
خوفا وأذعن بالفسطاط كافور (2)
فانظر إلى هذه الصناعة. وقوله من أخرى:
لله سيف تمنى السيف شيمته
…
ودولة حسدتها فخرها الدول
وعاشق خيلاء الخيل مبتذل
…
نفسا تصان المعالي حين تبتذل (3)
(1) هو السري الرفاء الموصلي وقد مرت ترجمته في ص. 485 ج 1
(2)
في الاصل: ونهضته خرقا اصطاد الكنور بها. بالقسطاط كافور.
(3)
في الاصل: حين يبتذل.
أشم تبدي الحصون الشم طاعته
…
خوفا ويسلم من فيها ويرتحل
نشوقه ورماح الخط مشرعة
…
نجل الجراح بها لا الأعين النجل (1)
كأنه وهجير الروع يلفحه
…
نشوان مد عليه ظله الأسل (2)
فالصافنات حشاياه وأن قلقت
…
والسابغات وأن أوهت له حلل
لما تمزقت الأغماد عن شغل
…
تمزقت عن سنا أقمارها الكلل
حيث الدجى النقع والفجر الصوارم و
…
الأسد الفوارس والخطية الأجل
وله وقد أتى بالعجيب. والنادر الغريب:
قاد الجياد إلى الجياد عوابسا
…
شعثا ولولا بأسه لم تنقد
في جحفل كالسيل أو كالبل أو
…
كالقطر طافح موج بحر مزيد
متوقد الجنبات تعتنق القنا
…
فيه اعتناق تواصل وتودد
متعجر بظبا الصوارم مبرق
…
تحت الغبار وبالصواهل مرعد
(1) في الاصل: ورماح الخط مسرعة.
(2)
في الاصل: وهجير الروع يلحقه.
رد الظلام على الضحى واسترجع ال
…
إظلام من ليل العجاج المزبد
وكأنما نقشت حوافر خيله
…
للناظرين أهلة في الجلمد
وكأن طرف الشمس مطروف وقد
…
جعل الغبار له مقام الإثمد
ولأبي العباس أحمد بن محمد النامي (1):
لا يكتم النصر يوما أنت شاهده
…
واليوم من نقعة قد كاد ينكتم
النصر الجمها والعزم اسرجها
…
والحزم أمسك بالإسراج لا الحزم (2)
قال النهار له والشمس مغمدة
…
وللمنايا شموس غمدها القمم
هذا العجاج فأين الأفق وهو قنا
…
وتلك خيل فأين الارض وهي دم (3)
بحد سيفك سيف الدولة انحطمت
…
قواعد الشرك والأرماح تنحطم
(1) هو أحمد بن محمد الدارمي المصيصي، ابو العباس المعروف بالنامي. شاعر رقيق الشعر من اهل المصيصة قريبا من طرسوس ولد سنة ثمان وثلاثمائة. واتصل بسيف الدولة ابن حمدان، فكان عنده تلو المتنبي في المنزلة والرتبة. وكان واسع الاطلاع في اللغة والادب. وله «أمال» و «ديوان شعر» وكانت له مع المتنبي معارضات اقتضاها اجتماعهما في حلب وقربهما من سيف الدولة. مات في حلب سنة تسع وتسعين وثلاثمائة.
ترجمته في وفيات الاعيان 1: 38 ويتيمة الدهر 1: 241.
(2)
في الاصل: والعزم امسك.
(3)
في الاصل: وهو دم.
قد أرضعتك ثدي الحرب درتها
…
ورمحك ابن رضاع ليس ينفطم
الست من معشر قامت مدائحهم
…
على القنا وهي بالأرواح تنتظم
فانظر الى هذه المعاني المبتكرة والأساليب الغريبة:
ولابن النبيه (1):
ملك إذا اعتكر العجاج رأيته
…
طلق المحيا واضح القسمات
جرار أذيال الجيوش تحفها
…
طير السما أو كاسر الفلوات
ضمنت له عادات نصر الله أن
…
يجري جرايتها على العادات
أسد براثنها النصال تقحمت
…
أجم الوشيج فغبن في الغابات
طلعت من الخوذ الحديد وجوههم
…
فكأنها الأقمار في الهالات
واستلأمت حلق الدروع جسومهم
…
فكأنها لجج على هضبات
يرمي بها سبل المهالك ماجد
…
كم خاض دون الدين من غمرات
كم ركعة لقناه في ثغر العدى
…
ولسيفه في الهام من سجدات
(1) هو علي بن محمد، كمال الدين ابن النبيه المتوفى سنة 629 وقد تقدمت ترجمته 41 ج 1
سمر ذوابل لا يبل غليلها
…
إلا إذا سقيت دم المهجات
ظل البنود مقيله ومهاده
…
جرد تطير به إلى الغارات
دهم تحيزها الصباح على الدجى
…
فغدا ومطلعه على الجبهات
حمر تربت بين مشتجر القنا
…
لا بد دون الورد من شوكات
شهب بها قذفت شياطين العدى
…
فجرت كجري الشهب مشتعلات
وله من أخرى في مدح الملك الأشرف الموسى (1)، وقد أبدع غاية الإبداع:
للذة العيش والأفراح أوقات
…
فانشر لواء له بالنصر عادات
يؤم جيشك أنى سرت أربعة
…
فضل ونصر وآراء ورايات
وتحت غيل القنا آساد معركة
…
لها ثبات وفي الهيجاء وثبات
أهلة في سماء من مغافرها
…
لها الترائك أفلاك وهالات
(1) هو موسى (الملك الاشرف) بن محمد العادل بن ابي بكر محمد بن ايوب، مظفر الدين ابو الفتح، من ملوك الدولة الايوبية بمصر والشام. ولد سنة ثمان وسبعين وخمسمائة. وكان اول ما ملكه مدينة الرها.
واتسع ملكه. وكان شجاعا حازما كريما. وتوفي بدمشق سنة خمس وثلاثين وستمائة وفيات الاعيان 2: 138 والسلوك للمقريزي 1: 256 والاعلام 8: 280 وفيه مصادر أخرى.
تهتز اعطافهم يوم الجلاد إذا
…
غنت لهم من بنات التبر قينات
صفائح هي قد ذاب الفرند بها
…
صحائف كتبت فيها المنيات
أن مس شمس الضحى من نقعها رمد
…
كحلتها بالعجاج الاعوجيات
جرد كرائم يلقى من فرائسها
…
شبا الأسنة أعناق وهامات
ابن المعز لذب الروم من اسد
…
ضار له من رماح الخط غابات
دمياط طور ونار الحرب موقدة
…
وأنت موسى وهذا اليوم ميقات
ألق العصا تتلقف كل ما صنعوا
…
ولا تخف ما حبال القوم حيات
ولابن حجة (1) على هذا الأسلوب:
إن أبرقت في سما الهيجا صوارمه
…
رأيت غيث دم الأبطال قد مطرا
فمن رأى منهم برقا يلوح له
…
يظنه سيفه الماضي قد اشتهرا
له مطالعة في الحرب حين يرى
…
دم العدى فوق صحن الخد قد سطرا
إن راسل القوم انشأ في رسائله
…
سجعات ضرب بها الهامات قد نثرا
(1) مرت ترجمته في ص 41 ج 1
كتابه السيف والخطي له قلم
…
والرسل اسهم حتف توضح الخبرا
إن كان قد أضمر الأعدا مكيدتهم
…
نقل لهم أنه من قلبهم شعرا
لأنه من بديع السيف لف لنا
…
شملا ولكن لأرقاب العدى نشرا
وخط من فوق ألواح الصدور لهم
…
بابا من الخوف في أحشائهم وقرا
وصار يكتب بالخطي ويعجم بال
…
هندي فعل شجاع قد قرا ودرى
تراه بالرمح بدرا حاملا غصنا
…
وبالعريكة غصنا حاملا قمرا
إن جس عودا لضرب مال سامعه
…
والخيل يرقصها ان حرك الوترا
كأنما الهام أحداق أضربها
…
سهد وأسيافه في الحرب طيب كرى
وعند ما اعتقل الخطار قيل لهم
…
ولوا فإنا نرى خطاره خطرا
يا أيها الملك الممدوح والبطل ال
…
محمود في الحرب يا جبرا لمن كسرا
أذكرتنا لعلي في وقائعه
…
وفي الفتوحات قد أذكرتنا عمرا
فكنت مثل سليمان وقد نفروا
…
النمل من خوفهم يا آية الشعرا
جاءا بعين ليقفوا منكم أثرا
…
فما تركت لهم عينا ولا أثرا
وعند ما أعربوا عن رفع مبتدأ
…
في الحرب صيرتهم بين الورى خبرا
صدمتهم بجنان لو صدمت به
…
صدر الصباح عقيب الفجر ما سفرا
وحين أركبت بالشهباء حمحمت ال
…
شقراء شوقا عساها بالشآم ترى
وقد دخلت حما فهي التي حميت
…
يا برد قلبي بعزم قط ما فترا
أطاع راحتك العاصي بلا تعب
…
ومذ رأى نيلها نيلا إليه جرى
ومذ صعدت بحمص يوم وقفتنا
…
حجبت أعداك حتى ركبهم نفرا
تركتهم لسيوف الهند أضحية
…
لما غدوا لك يا ليث الورى بقرا
وفي طواف وداع الروح يوم وغى
…
صيرت كل شجاع يلثم الحجرا
غزوتهم في ربيع قد تلونت ال
…
كثبان فيه ولكن ربعهم صفرا
ولابن نباتة (1) من هذا القبيل:
جلت بمساويك الرماح جيوشه
…
خلوف العدى من كل ثغر ممهد
وصلت بأوطان الشهادة بيضهم
…
تماما كأن البيض زوار مشهد
تقوم بأيديهم وتركع بالطلا
…
وتسجد في بطن الجواد المزرد
فكم طعنة نجلاء تدمى جفونها
…
فتكحل من نقع الجياد بأثمد
وكم ضربة فوهاء في هام مارق
…
تأيب حول السيف عن فم أدرد
لك الخير ملكا يملأ الغزو خيله
…
سهاما فما الطرف العتيق بأجود
وإن طلب الأعداء عادى جيادهم
…
فذو السيف في تحميله كالمقيد
وخلفهم تبكي على الجسد الطلا
…
بكاء لبيد يوم فرقة أربد
وله من أخرى:
وجيش كأن الجو أمطر أنجما
…
عليه ووجه الأرض أنبت ذبلا
كأن عتاق الطير بين رماحه
…
بنود تهاوى للطعان وتعتلى
(1) مرت ترجمته في ص. 336 ج 1
إذا انبضت يوما بواد قسيه
…
تلبس ثوب النقع بالنبل محملا
رماه بعزم فانجلى نقعه ولو
…
ترامى به الصبح المضيئ لما انجلى
وله أيضا من قصيدة:
وبأس كأن النصل ذاب لخوفه
…
لدى الروع حتى كل غمد بلا نصل
ومصقولة دون النبال قواضب
…
كما لاح ومض البرق من خلل الوبل
وسمر تعاني نزع غل عداته
…
فتقصد من أعدائه موضع الغل
وخيل لو أن القيد يمنع ركضها
…
مشت للعدى يوم الوغى مشية الصل
تعود منها أن تعاجل قرنه
…
عن النبل أن تجرى بأجرى من النبل
سلوا المغل أن تفرى الوحوش لحومهم
…
إذا أضحت الهيجا مراجلها تغلي
وإذ تتعادى والرءوس كأنها
…
معاثر صخر والغدائر كالشكل
وللقاضي الارجاني (1):
فإن تك خلخال اللجين حرمته
…
فقد عوضت طوق النضار طلاكا
(1) مرت ترجمته في ص 376 ج 1
فلما بدت تلك المواكب طلعا
…
وفيه الندى والبأس يكتنفاكا
وفي غيم نقع أنت كالشمس حشره
…
ينير نثير الدر قطر حياكا
بروق من الأعلام تتبع خفقها
…
رعود من الكاسات سايرتاكا
رأى الفلك الدوار أنك فقته
…
وخاف عليه أن تصب سطاكا
فرصع في ترس هلالا وأنجما
…
وأغمد شمسا في دجى ورشاكا
فلله سيف قال يا رأي صاحبي
…
أعني فأمضى من ظباي ظباكا
وأن كان منه في القراب مهند
…
إذا قد طودا لم يخله أحاكا
وقوله من أخرى تخلص فيها مخلصا لطيفا إلى الغزل:
كأنه صنم أهدى الحياة له
…
رب العباد وأبقى قلبه حجرا
ليلي وعيني لا ادري لفرقته
…
أجنحه طال لي أم جفنها قصرا
كأن جفني طول الليل من أرق
…
على حجاجي بالأهداب قد سمرا
أو الإمام غداة العرض حين غزا
…
تقاسمت صبح ليلي خيله غررا
لما تجلت من الزوراء طالعة
…
تحت الفوارس مرحى تنفض الغدرا
سود بنودا وبيض اوجها طلبت
…
عدى لتخضب حمرا منهم السمرا
ملك يقود جنودا من ملائكه
…
في طاعة الله لا يعصون ما أمرا
قوم إذا غرسوا بين الضلوع قنا
…
عادت حوامل من هام العدى ثمرا
لما أطال الطلا قوم إلى فتن
…
لم يمهل السيف حتى قصر القصرا
ضربا إلى الأرض للتقبيل راغمة
…
تلقى الثغور وطعنا ينظم الثغرا
ورشقة تخطف الأرواح صائبة
…
بما تطايره نار الوغى شررا
قد أضحت الأرض تحكي تحتهم وضما
…
بما قتلت فلم تعدل بهم ضررا
فلو غسلت الثرى من وطء أرجلهم
…
بغير ماء الطلا منهم لما طهرا
وللقاضي ابن النبيه (1) فيه:
يا يوم دمياط ما أبقيت من شرف
…
لمن تقدم إلا أنت هادمه
(1) تقدمت ترجمته في ص 41 ج 1
رأت بنو الأصفر الأعلام طالعة
…
والنقع يرمد عين الشمس فاحمه
والجيش يلتف قطرات على ملك
…
كالليث تزأر حوليه ضراغمه
والجو يبكي سهاما كلما ضحكت
…
عن كل برق يماني غمائمه
وكل طرف إذا طال الطراد به
…
يطير من جلده لولا شكائمه
ودون دمياط بحر حال دونهم
…
من الظبا ليس ينجو منه عائمه
صاحوا الأمان فلا سيف نضته يد
…
منهم ولا حملت طرفا قوائمه
ذلوا لملك اعز الله صاحبه
…
موسى سليمانه والسيف خاتمه
وسلموها وردوا أهلها ومضوا
…
والثغر من فرح يفتر باسمه
كأنهم أبصروا ما قد مضى زمنا
…
كما يرى مزعج الأحلام نائمه
طهرت محرابها العالي ومنبرها
…
من رجسهم بعد ما ارتجت قوائمه
وقمت تكسر تمثال المسيح به
…
برغم من هو للاهوت لاثمه
وهذه كلها غرر، وفي نظمها درر، تستفيد منها النواظر بهجة، والخواطر لهجة، وهنا أيضا أبيات الشيخ أبي محمد الخازن (1) في فخر الدولة:
وما ملك في الأرض إلا بزنده
…
يري واليه في الملمات يلتجي
تحمل منه الطرف طودا وكوكبا
…
وليثا متى يحم الحقيقة يلتجي
بجيش كموج البحر تعلو لأسده
…
زماجر في آذيه المتموج
على حين غنى المرهف العضب في الكلا
…
ورقص يافوخ الكمى المدجج
هو المشرفي العضب ان هز يلتهم
…
عداه وأن يستخرج الروح يخرج
وفي صفحتيه رونق ساح ماؤه
…
عيونا ولكن في حريق مؤجج
يصيح عداه بين أطلس عاسل
…
وأقعس رواع وارسح اعرج
حنانيك فالشق العراقي تائق
…
اليك ومنك الغوث والغيث نرتجي
(1) في الاصول: الشيخ محمد الخازن وصوابه ابي محمد الخازن وهو ابو محمد عبد الله بن احمد الخازن وقد مرت ترجمته في ص 378 ج 1
ولأبي سعيد الرستمي (1) في ذلك، وهي من غرر القصائد، التي كلها عقود وفرائد. قد أخذت من البلاغة أعلى قسم وأوفر حظ. وهي:
ملوك حووا شرق البلاد وغربها
…
بأيد بأيدي البأس معتضدات
وبيض اذا جردن اغمدن في الطلا
…
وعوضن أجفانا من الفقرات
إذا ارتعدت في حومة الحرب أقبلت
…
قلوب العدى للخوف مرتعدات
يناجيك أن قابلتها من نصالها
…
منايا العدى يلمحن في الصفحات
وملحومة يغشى العيون شعاعها
…
فتغشى وتجلوهن بالنفرات
إذا سرن في حزن حطمن جبالها
…
وسوين بين السهل والاكمات
وان خضن في الآجام منها تبدلت
…
وشيج القنا بالشوك والشجرات
فناب شبا أسيافهم عن شبا العفا
…
وسمر القنا نابت عن السمرات
وفرسان هيجاء كأن كماتها
…
أسود من المران في خمرات
(1) مرت ترجمته في ص 235 ج 1
إذا ركبوا يوم الهياج حسبتهم
…
ليوث الشرى أقبلن مفترسات
الفن متون الصافنات كأنما
…
ولدن على الأكتاف والصهوات
وله من أخرى بديعة رائقة، وعلى أترابها فائقة:
شموس لهم تحت البواتر دائما
…
مغيب ومن فوق المنابر مطلع
من البيض أفعالا كراما وأوجها
…
حسانا وإحسانا على النجم ترفع
إذا ما استووا فوق الأسرة أقبلت
…
لها حسدا صم الجنادل تصدع
وان ذكروا فوق المنابر أقبلت
…
لا سمائهم عيدانها تتضوع
بأسيافهم تزهي الحروب وتنجلي ال
…
خطوب وتنجاب الجدوب وتقلع
وبيض تعودن الضراب فما تني
…
وإن أغمدت تردي النفوس وتصرع
الفن الطلا والهام حتى تخيلت
…
إليهن إن الغمد ليث وأخدع
فلو أرسلت يوما إلى الحرب وحدها
…
مضت حيث لا يمضي الكمي المشيع
إذا فارقت إغمادهن وجردت
…
سواء عليها حاسر ومقنع
والخاتمة في هذا الباب قول أبي الفرج الساوي (1) أحد كتاب ابن عباد (2):
وشهباء يثني الشهب كمتا نجيعها
…
إذا قارعت والكمت شهبا لديدها
تهدت لنا في روضة تنبت القنا
…
بماء الطلا أغوارها ونجودها
أدارت سقاة البيض والسمر بينها
…
كئوس المنايا حين غنى حديدها
شفيت غليل الطير منها موسعا
…
قراها وهامات الكماة شهودها
غمائض إيماض السيوف بروقها
…
لديها وأرزام الخيول رعودها
ولا غيث إلا أن يصيب على العدى
…
بنوء الظبا حمر المنايا وسودها
***
(1) ترجم له الثعالبي في اليتيمة (3: 396) فقال عنه اشهر كتاب الصاحب بحسن الخط، مع أخذه من البلاغة بأوفر الخط. وكان الصاحب يقول خط ابي الفرج يبهر الطرف، ويفوت الوصف، ويجمع صحة الأقسام، ويزيد في نخوة الأقلام واما شعره فمن امثلة شعر الكناب». والساوي نسبة الى ساوة مدينة في ايران بين الري وهمدان. ولم اعثر له على ترجمة في المصادر المتوفرة لدي.
(2)
يريد الصاحب اسماعيل بن عباد وقد مرت ترجمته في ص 156 ج 1