المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الحاج أحمد مسلم الشهير بأخي بابا - الروض النضر في ترجمة أدباء العصر - جـ ٢

[عصام الدين العمري]

الفصل: ‌الحاج أحمد مسلم الشهير بأخي بابا

‌الحاج أحمد مسلم الشهير بأخي بابا

(1)

مطلع شمس القريض ومشرق أقمار المعارف، ووحي رسل الأدب الذي هو بمعجزات النشيد هاتف. روض الكمال الزاهر النضر، الفائق بسنائه على جميع الأقمار.

(1) ترجم له محمد امين العمري في منهل الاولياء (1: 302) فقال: «الشيخ أحمد بن مسلم الشهير باخي بابا. كان رجلا فاضلا، له خبرة بلسان القوم وطريق الصوفية مع مشاركة في غير ذلك. وله نسبة الى عمر بن الخطاب، ولم أقف على صحتها أو فسادها. وكان فيه صلاح وتقوى. ومات بعد سنة سبعين بخمس سنين فيما اظن.

وله شعر رقيق من الطريق الغرامي، يتابع فيه الشيخ عمر بن الفارض ثم اورد له ثلاث مقطوعات. وترجم له محمد الغلامي في شمامة العنبر (233 - 241) فقال أحمد مسلم بن عبد الرحمن: «شيخ في جبهة الايام غرة. وفي قلوب الفتيان مسرة،

أديب مداح، وبلبل صداح، امتزج شعره في مدح الانبياء وأهل الصلاح

له من المسامرة ماتود أيها المسافر ان تزيد في طول ليلها سواد الخال من وجنة حبيبك الوضاح، بل تتمنى لبقائها ان يمحو الليل آية الصباح. ومعاشرته سلوة المحب عن الحبيب، والمزين عن الطبيب. وأما ملحه فمرقصة مطربة، ونوادره مشرقة مستغربة. وأما سياحته فهلال هل في آفاق البلاد لا تغيره اختلاف المطالع. ومنزله بين أهل المعارف فكالشمس في الحمل أشرف المواضع. له معنى من لطائف الصحبة ما يود عذار المليح ان يكون سطرا من كلامه مكتوبا، ولآلئ عرق المحبوب ان ينتظم في سلك درر أحاديثنا جامدا مثقوبا.

تبوأ له من قلبي أشرف دار. ولا بدع فان جار الدار أولى بهذا الجار، جاري الذي هو في الجسد كالروح جاري. زند أدبه الوارى، اقتبس فكري جذوة من عنصره الناري.

لعبت في هذا الأديب في مبتدأ ايامه نسائم صباه: فساح في الارض كدمع العاشق الأواه، فشرق وغرب كفكر يلوح في قلب مهجور يحتال للوصال

على أن عقله وادراكاته أرسى من الجبال. وها هو شيخ معمر وعقله عقله لم يأخذ منه الكبر، وأدبه أدبه روض معاهد تعاهدها المطر. وملحه ملحه كنز دقائق ودرر، ونشاطه نشاطه لم يعتر المحاق عند ما تم ذلك القمر.» ثم ذكر له قصيدة لامية طويلة يعارض فيها «بانت سعاد» وقصيدة نونية وثانية قافية وموشحة ثم قصيدة قافية في الجناس المذيل وتخميسين ولم يذكر صاحب الروض من كل ذلك الا التخميس الذي ذكره في آخر المختارات من شعره.

وترجم له صاحب هدية العارفين (1: 171) فقال: «الشيخ أحمد بن عبد الرحمن الموصلي القادرى الرفاعي الشهير بالمسلم صنف «تذكرة المتذكر وتبصرة المتبصر» و «سراج الكلام في شرح كف الظلام-

ص: 330

والقمر الكامل البدر، الرائق بأشعة أدبه المستهزئ بجميع الأقمار.

شيخ الأدب ومرجع أمة النشيد. ومقتدى أرباب الأدب. الذي ما عليه في الكمال مزيد. صاعدا سنحة القريض، الذي حطت بمعاهده الرحال، وبحر النظم والفضل المفيض، الذي رست في غيبته سفائن معارفه الثقال. تعمر حتى عمر في الفضائل منازل وشيد ربوعا، وروى الفصيح من أصناف الكمالات لأرباب المعارف مبتكرا ومسموعا.

مسلسل مسند يرويه عن أدب

وعن كمال وعن فيض وإلهام

معنون حسن حاد لكل على

مرفوع فضل وإحسان وإكرام

رتع في ميادين البلاغة حتى انتهى إلى أغوارها وانجادها، وهمع على رياض الفصاحة إلى أن أروى فصحاء العرب وأمجادها. فصار مرجع الأدباء وملهج لسانها وحل من عيون البلاغة المحدقة مكان إنسانها. ورقى إلى قمة هام النباهة، فكان كالقطب في ذلك الفلك. وصعد إلى أعلى أنجاد الفقاهة، فكان كالبحر للسمك.

اخترع في فنون البديع فحير العقول واغرب، وتفنن في أصناف البيان فاعجز في إيجازه فأطنب. تسلق إلى بيوت الشعر وصعد أعلاها، وحاز الغاية القصوى من النباهة فكان مناها.

- و «الدر النقي في فن الموسيقى» طبعت سنة 1364 و «وناشرة الفرح وطاوية الترح» منه نسخة في خزانة كتب جامع النبي شيت في الموصل (مخطوطات الموصل 212).

وترجم له صاحب العلم السامي ترجمة لا تزيد على ما ذكرنا شيئا ومما يلاحظ ان اسمه جاء في منهل الاولياء حمد بن مسلم وهو خطأ فهو ابن عبد الرحمن ومسلم لقب له وليس باسم ابيه.

ص: 331

عالي المقامة حيث حل مقامه

كالنجم حيث بدا رفيع سناء

ندب بدا كالشمس في أفق العلى

فتعرضت أهل العلى كهباء

فهو شيخ الأدب والشعر، الذي افتخر به هذا الدهر على كل دهر، وهو شامة أيامه، ومصباح ظلامه.

له من الشعر ما ينبه الوسنان، ويزين المقصورات الحسان.

وقد أثبت منه ما هو كالمسك المعطر الشائع بكل قطر.

فمن أشعاره الدالة على علو مقداره قوله:

القلب صار من الهوى أفلاذا

وبمن حببت قد استجار ولاذا

ولهيب وجدى قد شوى ما في الحشى

فلم التجافي والصدود لماذا

واذا أخذت القلب واستملكته

أفلا تكن لحشاشتي أخاذا

في الحب تعذيبي غدا عذبا وقد

ألفيت ذلي في هواك لذاذا

كلفت في البلوى فؤادي صبوة

إن ذاب منها لا يرى الانفاذا

وجعلت روحي قربة لدنوه

ومددت كفي سائلا شحاذا

وتركت ملة لائم في لومه

اهدى الهدى لكنه ملاذا (1)

(1) الملاذ: المتصنع الذي لا تصح مودته.

ص: 332

وقصدت باب أحبتي متذللا

ووضعت خدي بالعتاب عياذا

وصببت فيض مدامعي من مقلتي

خوف النوى وبهم غدوت معادا

والسقم أفرط بي وصبري مر من

هجر وطرفي تابع ممشاذا (1)

وبقيت في حكم القضاء مسلما

لو صيروني في الغرام جذاذا

وهذه القصيدة من عروض قصيدة العارف بالله الشيخ عمر بن الفارض. وقد أخذ الكثير منها ومطلعها:

صد حمى ظمئي لماك لماذا

وهواك قلبي صار منه جذاذا

وقصيدة الشيخ مشهورة. ومن شعر صاحب الترجمة:

كم ذا التباعد والهجران بالحجج

يا من تنسك فيه الصب بالحجج

وكم غرام بلا وعد ولا صلة

وكم هيام وكم وجد مع الوهج

أما كفى ما جرى في الحب من سقم

وما جرى من دموع العين كاللجج

أما الفؤاد فمن وجدي به لهب

والجسم مضني مع الأحشاء والمهج

عذبتني في الهوى بعد النوى أفلا

ترثي لحالي بما عودت من فرج

(1) كذا في الاصول ولا معنى لها ولعلها تصحيف ممذاذ وهو الظريف المختال.

ص: 333

مر اصطباري وشوقي زادني نصبا

ما ذقت طعم وصال طيب الأرج

والجفن ساه فلم يدر المنام ولا

يدري سوى ألم بالقلب ممتزج

ليل الصدود دجا ما بان آخره

عسى أرى صبح وصل منك منبلج

ألقيتني في مهاوي العشق يا أملى

من بعد أن كنت في قومي على درج

وصرت في ذلة بين الأنام إلى

إن عدت في معشري أدهى من الهمج

وبات ينكرني من كان يكرمني

وراح يعذلني في نصحه السمج

يا أيها العاذل المشغوف في عذلي

كن عاذري فبسمعي اللوم لم يلج

فاترك ملامي وإن كنت الصديق فقم

واسلك سبيل الهوى واثبت ولا تعج

فلي حبيب هواه مذهبي وارى

حبيبه بين الورى من أوضح النهج

من أجله لم أزل حيران في وله

شوقا إلى نظرة من حسنه البهج

وطالما قمت ليلي طالبا فرجا

أقول في شدتي يا أزمة انفرجي

ص: 334

وهذا البيت مضمن بعضه من قصيدة الشيخ ابن الفارض التي مطلعها:

ما بين معترك الاحداق والمهج

أنا القتيل بلا إثم ولا حرج

ودعت قبل الهوى روحي لما نظرت

عيناي من حسن ذاك المنظر البهج

لله أجفان عين فيك ساهرة

شوقا إليك وقلبا بالغرام شجي

والبيت المقصود منها:

أصبحت فيك كما أمسيت مكتئبا

ولم أقل جزعا يا أزمة انفرجي

أهفو إلى كل قلب بالغرام له

شغل وكل لسان بالهوى لهج

وقد ضمنه ابن سناء الملك فقال (1):

تاهت سفينة صبري في محيط هوى

بحر الحبيب ولم انج من اللجج

صبرت من شحن فيه على محن

ولم أقل جزعا يا أزمة انفرجي

ما كلما ولجت في قلبه حرق

وهاج من نوحه البلبال كل شج

إلا ينادي وقد ذابت حشاشته

«أنا القتيل بلا اثم ولا حرج»

(1) مرت ترجمته في ص. 212 ج 1

ص: 335

ومطلع هذه القصيدة:

من كحل المقلة السوداء بالدعج

وخضب الوجنة الحمراء بالضرج

من على ذلك الورد الجني جنى

ومن بأسنى التجني فاز بالمهج

يا مشتري الخد بالمحمر من ذهب

دارك فؤادي باغضا طرفك الغنج

وراقب الله في روح قد انتهكت

«ما بين معترك الاحداق والمهج»

وضمنه ابن المليك (1) أيضا بقوله من قصيدة:

راح العذول يطيل العذل قلت له

أقصر فسمعي فيه اللوم لم يلج

والروح قد تلفت لم تلق من فرح

«ما بين معترك الاحداق والمهج

وصحت مصطرخا والحب ير مقني

«أنا القتيل بلا إثم ولا حرج»

يا متلفي في الهوى لي مقلة نظرت

شوقا إليك وقلب بالغرام شج

(1) هو علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن مليك الحموي ثم الدمشقي الفقاعي الحنفي، علاء الدين شاعر ولد بحماة سنة اربعين وثمانمائة. واخذ الادب والنحو والعروض عن شيوخها، وانتقل الى دمشق فتفقه، واشتغل بالادب وبرع في الشعر. وتوفي بدمشق سنة سبع عشرة وتسعمائة له ديوان شعر جمعه بنفسه سماه «النفحات الادبية من الرياض الحموية» مطبوع وفي اوله ترجمته، شذرات الذهب 8: 80 والكواكب السائرة 1: 261 ومعجم المطبوعات العربية 253 وبروكلمان 2: 23 والاعلام 4: 164 وشعراء بغداد 2: 197.

ص: 336

أهيم فيك إلى أن لم أجد رمقا

ولم أقل جزعا يا ازمة انفرجي

ومن شعر صاحب الترجمة:

ما بين سفح الأخشبين فؤادي

خلفته فلذا عدمت رشادي

ولبعده عن ناظري تسابقت

حمر الدموع على الخدود غوادي

ولجيرة سكنوه قلبي في النوى

مقتول عشق ما له من فادي

يا أيها الغادي لذاك الحي قف

بين الربوع مسلما يا غادي

عرض بذكري عند من أحببته

باللطف حيث منازل الأوتاد

فعسى يقل كيف العبيد تركته

أم كيف حال المستهام الصادي

واشرح له فرط الغرام بحبه

وانقل حديث تفتت الأكباد

قل عبدك المضني له وله إلى

رؤيا جمال جل عن أنداد

ومن اللطائف في هذا الباب قول الواواء الدمشقي (1):

بالله ربكما عوجا على سكني

وعاتباه لعل العتب يعطفه

(1) مرت ترجمته في ص 415 ج 1

ص: 337

وعرضا بي وقولا في كلامكما

ما بال عبدك بالهجران تتلفه

فإن تبسم قولا عن ملاطفة

ما ضر لو بوصال منك تسعفه

وأن بدا لكما من سيدي غضب

فغالطاه وقولا ليس نعرفه

وللشريف الرضي في هذا الباب:

أيها الرائح المغذ تحمل

حاجة للمتيم المشتاق

اقر مني السلام أهل المصلى

فبلاغ السلام بعض التلاقي

وإذا ما مررت بالخيف فاشهد

أن قلبي إليه بالأشواق

واذا ما سئلت عني فقل نض

وهوى ما أظنه اليوم باقي

وابك عني فطالما كنت من قب

ل أعير الدموع للعشاق

ومنها يقول (1):

أمعيني على بلوغ الأماني

وشفائي من علتي واشتياقي

أينعت بيننا المحبة حتى

جللتنا والدهر بالأوراق

(1) هذه القطعة ليست مرتبطة بالاولى وانما هي اختيار من قصيدة اخرى للشريف مطلعها:

قمر غاض ضوءه في المحاق

يوم جد انطلاقه وانطلاقي

ص: 338

كم مقام خضنا حشاه الى الله

وجميعا والليل ملقى الرواق

ومزجنا خمر الرضا بين في الرش

ف برغم المدام تحت العناق

قم نبادر رمي الظلام ببين

فسهام الخطوب في الاتفاق (1)

نحن غصنان ضمنا عاطف الوج

د جميعا في الحب ضم النطاق

في جبين الزمان منك ومني

غرة كوكبية الائتلاق (2)

كلما كرت الليالي علينا

شق منا الوفاء جيب الشقاق

ومثله للصاحب بهاء الدين زهير (3):

وخذ جانب الوادي كذا عن يمينه

بحيث القنا يهتز منه طواله

هناك ترى بيتا لزينب مشرقا

إذا جئت لا يخفى عليك جلاله

فقل ناشد عان ومن ذا ومثله

لذي جيرة لم يدر كيف احتياله

فعرض بذكري حين تسمع زينب

وقل ليس يخلو ساعة منك باله

عساها إذا ما مر ذكري بسمعها

تقول فلان عبدنا كيف حاله

وبديع هنا قول البهاء زهير أيضا:

فيا نسيم الصبا أنت الرسول له

والله يعلم أني منك غيران

(1) في الديوان:

قم نبادر مرمى الزمان ببين

فسهام الخطوب في الأفواق

(2)

في الاصل: كوكبي الامتلاق.

(3)

مرت ترجمته في ص 212 ج 1.

ص: 339

بلغ سلامي إلى من لا أكلمه

أني على ذلك الغضبان غضبان

لا يا رسولي لا تذكر له غضبي

فذاك مني تمويه وبهتان

فكيف اغضب لا والله لا غضب

أني بما رام من قتلي لفرحان

يلذ لي كل شيء منه يؤلمني

أن الإساءة عندي منك إحسان

في كل يوم لنا رسل مرددة

وكل يوم لنا في العتب ألوان

استخدم الريح في حمل السلام لكم

كأنما أنا في عصري سليمان

ولصاحب الترجمة:

عقل المتيم فيك حائر

أو ما تراه اليك طائر

والصبر مر وقد حلا

عيشي بحبك في العشائر

إنكار غيرك في الهوى

فرضي وأني لست ناكر

أخفيت فيك تولعي

أبدته أدمعي المواطر

وكتمت فرط صبابتي

فتقرحت منه المحاجر

وملكت رقي ها أنا

عبد الجمال إليك سائر

ديني هواك ووجهتي

لجمال وجهك في السرائر

عذبتني ولي الهنا

يا من لعقل الصب باهر

أصبحت في وجدي كما

لي في الهوى أمسيت هاجر

ص: 340

وقطعت فيك مواصلي

وتركت درسي والدفاتر

ونسيت ألفي نافيا

عني البوادي والحواضر

لكن لأجل تستري

كررت أسماء المظاهر

وذكرت سلمى والرباب

وزينب بين العشائر

يا جنتي وجهنمي

في حالتي قرب ونافر

أنت المنية والمنى

وتنزهي دون الأزاهر

ولأنت شمسي والضحى

والنور لا تلك الزواهر

يا روع راحاتي ويا

إنسان عيني في النواظر

وهذه القصيدة عروض قصيدة بهاء الدين زهير. وقيل هي للشيخ عمر بن الفارض وهي على طريقة الغرامي:

غيري على السلوان قادر

وسواي في العشاق غادر

لي في الغرام سريرة

والله أعلم بالسرائر

وهي مشهورة. ولي أنا على هذا المنوال من الغرام على هذه القافية:

نسمة الروض ضوعتها الازاهر

وذكت أطيب العبير المجامر

مالت القضب والغصون وماست

فحمام النوى من القلب طائر

خفقت راية الغصون فدقت

زمر الريح في الفؤاد البشائر

وعلتها بلابل الأنس لما

شق جيب الشقيق صوت المزامر

ص: 341

ما ترى الروض قد تكلل حسنا

قم وقلنا من نار حر الهواجر

وتنبه لرقة العيش واغنم

فرصة الوقت فالزمان مسافر

بين روض ونرجس وأقاح

بدور وأنجم ودياجر

وارشف الشهد من مباسم غيد

واعتنق في الدجا المها والجاذر

واجن وردا من الخدود مريعا

بخفاء عن العيون النواظر

أخذت حسنها عن الشمس لما

هتكت في عيونها كل ساحر

وأعارت إلى السيوف مضاء

وسناء إلى الظبا والبواتر

خطرت وانثنت ومرت دلالا

فوددت المرور فوق المحاجر

ورنت في العيون واللحظ تسطو

وأنا في الهيام أضحيت حائر

طمع القلب في الوصال بليل

حيث قد قيل إنما الليل كافر

أسكرتني بلفظها حيث قالت

لوصال الملاح شقت مرائر

ص: 342

ما شكوت الصدود إلا ورقت

فتعجب لمن شكى وهو شاكر

حشدت من جمالها جيش حسن

وسطت في الورى بتلك العساكر

جردت أسهم اللحاظ وغارت

وأنا في غرامها لست غادر

أبعدتني عن الركائب تيها

فسرت والفؤاد بالركب سائر

يا لها من مليحة تاه فيها

ساهي قلب من الغرام وساهر

لا تلمني على محبة ظبي

سكن القلب والحشى والضمائر

لم أفه باسمه ولو مت هجرا

وهو أدرى بما تكن السرائر

فسقى الله معهدا لظباء

حادث الدهر عنه قد كان نافر

كم ليال مرت لنا في ذراه

وأنا في الوصال ناه وآمر

يا لها في الزمان أوقات وصل

ظل من طيبها نقوش الدفاتر

ومن شعر صاحب الترجمة:

أبعدت عن ناظري تلك الخيام

فعلى سكانها مني السلام

أيها الحادي إليها قف على

أيمن الوادي ونادي يا كرام

في نواحي موصل الحدبا لكم

عبد رق نوحه فاق الحمام

ص: 343

يشتكي فرط اشتياق مسه

طرفه بالبعد جافاه المنام

ولما له من حب المشايخ من الشغف فكثيرا ما يتتبع كلام الشيخ ابن الفارض. وهذا كقول الشيخ رضي الله تعالى عنه:

يا سائق الظعن يطوي البيد معتسفا

طي السجل بذات الشيح من أضم

عج بالحمى يا رعاك الله معتمدا

خميلة الضال ذات الرند والخزم

وقف بسلع وسل بالجزع هل مطرت

بالرقمتين اثيلات بمنسجم

ناشدتك الله أن جزت العقيق ضحى

فاقرئ السلام عليهم غير محتشم

وقل تركت صريعا في دياركم

حيا كميت يعير السقم للسقم

فمن فؤادي لهيب ناب عن قبس

ومن جفوني دمع فاض كالديم

وهذه سنة العشاق ما علقوا

بشادن فخلا عضو من الألم

وكقول الشيخ رحمه الله تعالى من أخرى:

يا راكب الوجناء وقيت الردى

أن جبت حزنا أو طويت بطاحا

وسلكت نعمان الأراك فعج إلى

واد هناك عهدته فياحا

ص: 344

وبأيمن العلمين من شرقيه

عرج وأم أديمه الفواحا

وإذا وصلت إلى ثنيات اللوى

فأنشد فؤادا بالأبيطح طاحا

واقر السلام عربية عني وقل

غادرته لجنابكم ملتاحا

ومنها يقول:

مذ غبتموا عن ناظري لي أنة

ملأت نواحي أرض مصر نواحا

وإذا ذكرتكموا أميل كأنني

من طيب ذكرا كم سقيت الراحا

تتمة القصيدة المترجمة

ألم أودى به يا ليته

ساعة يحظى بكم قبل الحمام

يا أصيحابي اشرحوا حالي لهم

وانقلوا عني أحاديث الغرام

آه مما ذقت من حر الجوى

والهوى أوهى بجسمي والعظام

وفؤادي كاد من نار القلى

يتسلى مذ تولاه السقام

ما لثكلى حزن مثلي على

فرقة الأحباب بعد الالتئام

يا زمان الوصل هل من عودة

فو حق الشوق أني مستهام

ما لقلبي سلوة عنهم كما

ما لهم لي وصلة بين الأنام

عذب التعذيب فيهم حيث لم

اسمع العذل وان طال الملام

جيرتي طال الجفا حتى نفى

عن جفوني الغمض والسلوى حرام

لست أخشى الموت في عشقي بل

أختشي اقضي وما اقضي مرام

يا مسلم دم على أعتابهم

خاضعا تنج غدا يوم الزحام

ص: 345

وله أيضا:

برق الغمام بأفق القلب قد لمعا

وجمر شوقي بكانون الهوى سطعا

وسحب دمعي لأرياض الخدود سقت

وغصن عشقي بأرض الوجد قد نبعا

يا ساكنا بديار القلب قد برحت

بك المنازل تحكي العيد والجمعا

أخذتني وملكت القلب فانعقلت

بك الحشاشة تحكي البعد والجزعا

وله أيضا:

أنت المنى ومنيتي تحلو إذا

ما رمت قتلي دع أموت قتيلا

لا أستطيع الصبر عن حبيك لو

أسقيت من سحب الملام سيولا

وله أيضا:

يا عاذلي في الهوى دعني أمت كمدا

فالموت قصدي بحد الوجد أن حصلا

من مات شوقا بمن يهواه عاش ولا

خوف عليه ولا حزن له وصلا

أخذه من قول الشيخ ابن الفارض رحمه الله تعالى:

من لي بإتلاف روحي في هوى رشأ

حلو الشمائل بالأرواح ممتزج

من مات فيه غراما عاش مرتقيا

ما بين أهل الهوى في أرفع الدرج

ص: 346

وقال أيضا رحمه الله تعالى:

يا قلب أنت ودعتني في حبهم

صبرا فحاذر أن تضيق وتضجرا

أن الغرام هو الحياة فمت به

صبا فحقك أن تموت وتقبرا

ولصاحب الترجمة:

لو في هواك القلب يسلى

ما كان يوما عنك يسلا

حتام ترمي مهجتي

من مقلة دعجاء نصلا

يا فاتني بجماله

هيمت لي قلبا وعقلا

كم ذا تعذب مالكي

عبدا بجمر الشوق يصلى

ما آن أن ترثي له

من قبل أن في الحب يبلى

تيمتني يا قاتل

مهلا حبيب القلب مهلا

كم ذا التجني والنوى

هل لا رحمت الصب هل لا

يا مفردا في حسنه

جد للمتيم منك وصلا

أمسى طريحا فصلت

أوصاله الأحزان فصلا

فأنينه لا يختفي

وحنينه للوصل أعلى

والدمع فاض كعندم

والقلب بالأشواق يقلى

يا من كساني حبه

من بعد ثوب العز ذلا

ما أنت إلا فتنة

للخلق تفصيلا وجملا

بالقد افتنت القنا

منك اكتست قدا وعدلا

وفضحت غزلان النقا

بالطرف عادت وهي خجلي

مولاي جد وارحم فتى

لم يستطع للصد حملا

للروح راح مسلما

لم يدر ترضى الروح أم لا

ص: 347

وله مخمسا لأبيات الشيخ الأكبر حضرة محي الدين ابن العربي قدس الله سره:

غمام غمي بكربي يمطر الأسفا

ومدمعي عندم قد قارب التلفا

فقلت مذ بان ذنبي مفرطا سرفا

أن كان يونس قد ناجاك معترفا

بذنبه عند ما أدخلته الظلما

لا علم أدريك فيه لا وليس عمل

دنياي قد صيرت جسمي بسوء خبل

حالي لقد حال من جهلي غدوت مثل

فالجهل كالليل والبحر المحيط هو ال

دنيا وجسمي هو الحوت التي التقما

يا منيتي لم تزل بي في الأمور حفي

لكن لحظي وبعدي قد بدا تلفى

فليس لي عمل يرضيك من سرف

فكل حين أنا العاصي المغاضب في

بحر الحظوظ غريق اشتكى الألما

الطاف جودك بالاحسان قدسني

وسود ذنبي برؤيا الغير دنسني

أن كان أيوب قال الضر يمسسني

فما أنا يونس واللطف يؤنسني

أدعوك مبتهلا فاسمح وجد كرما

ص: 348

وله مخمسا أيضا:

عذبت قلبي بالبعاد وخاطري

فلذا لروحي قلت وجدا خاطري

فإذا قصدت زيارتي يا هاجري

بالله ضع قدميك فوق محاجري

فلقد رضيت من الوصال بذاكا

طرفي لفرط الهجر ليس بهاجع

بعد السهاد سهى بطرف هامع

فارفع بفتح الوصل خفض مطامعي

وأطل محادثتي فإن مسامعي

تهوى حديثك مثل ما أهواكا

***

ص: 349