المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُخدع في - الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة - جـ ٢

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِّهار

- ‌باب اللعان

- ‌باب العدة

- ‌باب النفقة

- ‌باب الرّضاع

- ‌باب الحضانة

-

- ‌كتاب البيع

- ‌باب الربا

- ‌باب الخيارات

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌كتاب الشفعة

-

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب الإحياء والإقطاع

- ‌كتابة الشَّركة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب الوديعة والعارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهدايا

- ‌كتاب الهبات

- ‌كتاب الأيمان

- ‌كتاب النذر

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الضيافة

- ‌باب آداب الأكل

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كتاب اللباس

- ‌كتاب الأضحية

- ‌مشروعيتها

- ‌باب الوليمة

- ‌كتاب الطب

- ‌حقيقة الطب

- ‌كتاب الوكالة

- ‌حكم الوكالة

- ‌كتاب الضمانة

- ‌كتاب الصلح

- ‌حكم الصلح

- ‌كتاب الحوالة

- ‌حكم الحوالة

- ‌كتاب المفلس

- ‌كتاب اللُّقطة

- ‌كتاب القضاء

- ‌من يصح منه القضاء

- ‌كتاب الخصومة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب السرقة

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد المحارب

- ‌باب من يستحق القتل حدا

- ‌كتاب القصاص

- ‌وجوب القصاص

- ‌كتاب الديات

- ‌الأصل في الدية

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصية

- ‌على من تجب الوصية

- ‌كتاب المواريث

- ‌كتاب الجهاد والسير

- ‌فضل الجهاد

الفصل: رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُخدع في

رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يُخدع في البيوع فقال: من بايعت فقل لا خلابة "وفي الباب أحاديث والخلابة الخديعة وظاهره أن من قال بذلك ثبت له الخيار سواء غبن أو لم يغبن "والخيار في المجلس ثابت ما لم يتفرقا"لحديث حكيم بن حزام في الصحيحين "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " وفيهما أيضا نحوه من حديث ابن عمر وأيضا في الموطإ من حديث ابن عمر بلفظ "أن رسول الله صلى الله عليه قال المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا إلا بيع الخيار" وفي الباب أحاديث وقد ذهب إلى إثبات خيار المجلس جماعة من الصحابة منهم علي وأبو برزة الأسلمي وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم ومن التابعين شريح الشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة نقل ذلك عنهم البخاري ونقل ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وبالغ ابن حزم فقال: لا يعرف لهم مخالف من التابعين إلا النخعي وحده وحكاه صاحب البحر أيضا عن الشافعي وأحمد وإسحق وأبي ثور وذهب الحنفية والمالكية وغيرهم إلى أنها إذا وجبت الصفقة فلا خيار والحق القول الأول

ص: 107

"‌

‌باب الربا

"

قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا} وقال: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه} واتفق أهل العلم أن الربا من الكبائر وأنه إذا وقع هذا العقد فهو باطل ولا يجب إلا رد رأس المال وإن كان ذو عسرة فحكمه الإنظار إلى الميسرة أقول: هذا الحكم يستفاد من كتاب الله تعالى قال عز وجل: {إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} ومفهوم الشرط يدل على جواز أخذ مال المربي مع عدم التوبة ويستدل بهذه الآية أيضا على جواز أخذ ما ربح المربي من الربا وهو ما زاد على رأس ماله سواء تاب أو لم يتب فالحاصل أنه يجوز أخذ جميع ماله الربح ورأس

ص: 107

المال مع عدم التوبة ويجوز أخذ رأس المال فقط معها "يحرم بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلا بمثل يدا بيد"فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد والستة الأجناس المذكورة هي المنصوص عليها في الأحاديث كحديث أبي سعيد بلفظ "الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو ازداد فقد أربى الآخذ والمعطي فيه سواء " وهو في الصحيح وسائر الأحاديث في الصحيحين وغيرهما هكذا ليس فيها إلا ذكر الستة الأجناس وفي الحجة البالغة وتفطن الفقهاء أن الربا المحرم يجري في غير الأعيان الستة المنصوص عليها وأن الحكم متعد منها إلى كل ملحق بشئ منها في شرح السنة اتفق العلماء على أن الربا يجري في هذه الأشياء الستة التي نص الحديث عليها وذهب عامتهم إلى أن حكم الربا غير مقصور عليها بأعيانها إنما ثبت لأوصاف فيها ويتعدى إلى كل ما يوجد فيه تلك الأوصاف وذهبوا إلى أن الربا ثبت في الدراهم والدنانير بوصف وفي الأشياء الأربعة بوصف آخر ثم اختلفوا في ذلك الوصف فقال الشافعي: ثبت في الدراهم والدنانير بوصف النقدية وقال أبو حنيفة: بعلة الوزن حتى إن الربا يجري في الحديد والنحاس والقطن وقال الشافعي: في القديم ثبت في الأشياء الأربعة بوصف الطعم مع الكيل والوزن كما قال سعيد بن المسيب وفي الجديد ثبت فيها بوصف الطعم فقط وأثبت في جميع الأشياء المطعومة مثل: الثمار والفواكه والبقول والأدوية فدل على أن مأخذ الاشتقاق علة وقال أبوحنيفة: ثبت في الأشياء الأربعة بوصف الكيل حتى إن الربا يجري في الجص والنورة وسيأتي ما يدفع ذلك كله "وفي إلحاق غيرها بها خلاف"هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة غيرها فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء مع الاتفاق في الجنس وتحريم النساء فقط مع الاختلاف في الجنس والاتفاق في العلة فقالت الظاهرية: إنه لا يلحق بها غيرها ورجحه في سبل السلام وقال قد أردنا الكلام على ذلك في رسالة مستقلة سميناها القول المجتبى انتهى وتفصيل ذلك في مسك

ص: 108

الختام وذهب من عداهم إلى أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة واختلفوا في العلة ما هي؟ فقيل الاتفاق في الجنس والطعم وقيل الجنس والتقدير بالكيل والوزن والاقتيات وقيل الجنس ووجوب الزكاة وقيل الجنس والتقدير بالكيل والوزن وقد يستدل لمن قال بالإلحاق بما أخرجه الدارقطني والبزار عن الحسن من حديث عبادة وأنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما وزن مثل بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به" وقد أشار إلى هذا الحديث صاحب التلخيص ولم يتكلم عليه وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره وضعفه جماعة قال أحمد: لا بأس به وقال يحيى بن معين: في رواية عنه ضعيف وفي أخرى ليس به بأس وربما دلس وقال ابن سعد والنسائي ضعيف وقال أبو زرعة شيخ صالح وقال أبو حاتم: رجل صالح انتهى ولا يلزم من وصفه بالصلاح أن يكون ثقة في الحديث وقال في التقريب: صدوق سيء الحفظ ولا يخفاك أن الحجة لا تقوم بمثل هذا الحديث لا سيما في مثل هذا الأمر العظيم فإنه حكم بالربا الذي هو من أعظم معاصي الله سبحانه وتعالى على غير الأجناس التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك يستلزم الحكم على فاعله بأنه مرتكب لهذه المعصية التي هي من الكبائر ومن القطعيات الشرعية ومع هذا فإن هذا الإلحاق قد ذهب إليه الجمع الجم والسواد الأعظم ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية فقط وهذا الحديث كما يدل على إلحاق غير الستة بها كذلك يدل على أن العلة الاتفاق في الكيل والوزن مع اتحاد الجنس ومما يدل على أن الربا يثبت في غير هذه الأجناس حديث ابن عمر في الصحيحين قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزابنة أن يبيع الرجل ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله "وفي لفظ لمسلم "وعن كل ثمر بخرصه "فإن هذا الحديث يدل على ثبوت الربا في الكرم والزبيب ورواية مسلم تدل على أهم من ذلك ومما يدل على الإلحاق ما أخرجه مالك في الموطإ عن سعيد بن المسيب "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان "وأخرجه أيضا الشافعي وأبو داود في المراسيل ووصله الدارقطني في الغريب عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد وحكم بضعفه وصوب الرواية المرسلة وتبعه ابن عبد البر

ص: 109

وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار وفي إسناده ثابت بن زهير وهو ضعيف وأخرجه أيضا من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضا وأبو أمية ضعيف وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة عند الحاكم والبيهقي وابن خزيمة ومما يؤيد ذلك حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة عند الترمذي في رخصة العرايا وفيه "وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه "ومما يدل على أن المعتبر الاتفاق في الوزن حديث أبي سعيد عند أحمد ومسلم بلفظ "لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء" وأخرج أحمد ومسلم والنسائي من حديث أبي هريرة "الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل" وعند مسلم والنسائي وأبي داود من حديث فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن" ومما ورد في اعتبار الكيل حديث ابن عمر المتقدم وفيه "وإن كان كرما أن تبيعه بزبيب كيلا" وما سيأتي قريبا من النهي عن بيع الصبرة لا يعلم كيلها. أقول: أما اختلاف مثبتي القياس في علة الربا فليس على شئ من هذه الأقوال حجة نيرة إنما هي مجرد تظننات وتخمينات انضمت إليها دعاوى طويلة بلا طائل هذا يقول العلة التي ذهب إليها ساقه إلى القول بها مسلك من مسالك العلة لتخريج المناط والآخر يقول ساقه إلى ما ذهب إليه مسلك آخر كالسبر والتقسيم ونحن لا نمنع كون هذه المسالك تثبت بمثلها الأحكام الشرعية بل نمنع اندراج ما زعموه علة في هذا المقام تحت شئ منها فما أحسن الاقتصار على نصوص الشريعة وعدم التكليف بمجاوزتها والتوسع في تكليفات العباد بما هو تكليف محض ولسنا ممن يقول بنفي القياس لكنا نقول بمنع التعبد به فيما عدا العلة المنصوصة وما كان طريق ثبوته فحوى الخطاب وليس ما ذكروه ههنا من هذا القبيل فليكن هذا المبحث على ذكر منك تنتفع به في مسائل كثيرة قال الماتن رحمه الله في كتابه السيل الجرار: ولا يخفاك أن ذكره صلى الله عليه وسلم للكيل والوزن في الأحاديث لبيان ما يتحصل به التساوي في الأجناس المنصوص عليها فكيف كان هذا الذكر سببا لإلحاق سائر الأجناس المتفقة في الكيل والوزن بهذه الأجناس الثابتة في الأحاديث وأي تعدية حصلت بمثل ذكر ذلك وأي مناط استفيد منها مع العلم أن الغرض بذكرها هو تحقيق التساوي كما قال: "مثلا بمثل سواء

ص: 110

بسواء" وأما الاتفاق في الجنس والطعم كما قال الشافعي واستدلوا على ذلك بما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث معمر بن عبد الله قال: كنت أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الطعام بالطعام مثلا بمثل وكان طعامنا يومئذ الشعير" فأقول: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الطعام فكان ماذا؟ وأي دليل على أنه أراد بهذا الذكر الإلحاق؟ وأي فهم يسبق إلى كون ذلك هو العلة المعدية حتى تركب عليها القناطر وتبنى عليها القصور ويقال هذا دليل على أن كل ماله طعم كان يبعه بماله متفاضلا ربا مع أن أول ما يدفع هذا الاستدلال الذهب والفضة اللذين هما أول منصوص عليه في الأحاديث المصرحة بذكر الأجناس التي تحرم فيها الربا ومما يدفع القولين جميعا أنه قد ثبت في الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العدد كما في حديث عثمان عند مسلم بلفظ "لا تبيعوا الدينار بالدينارين" وفي رواية من حديث أبي سعيد "ولا درهمين بدهم" ولا يعتبر العدد أحد من أهل هذين القولين ولا من غيرهم وقد وافقت المالكية الشافعي في الطعم وزادت عليه الادخار والاقتيات فوسعوا الدائرة بما ليس بشئ والحاصل أنه لم يرد دليل به الحجة على إلحاق ما عدا الأجناس المنصوص عليها بها "فإن اختلفت الأجناس جاز التفاضل إذا كان يدا بيد"لما ثبت في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الذهب الذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " وفي الباب أحاديث "ولا يجوز بيع الجنس بجنسه مع عدم العلم بالتساوي"لما وقع في الأحاديث الصحيحة من قوله صلى الله عليه وسلم "مثلا بمثل سواء بسواء وزنا بوزن" فإن هذا يدل على أنه لا يجوز بيع الشئ بجنسه إلا بعد العلم بالمماثلة والمساواة ومما يدل على ذلك حديث جابر عند مسلم وغيره قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها بالكليل المسمى من التمر "فإن هذا يدل على أنه لا يجوز البيع إلا بعد العلم "وإن صحبه غيره"أي لا تأثير لمصاحبة شئ آخر لأحد المثلين لحديث فضالة بن عبيد عند مسلم وغيره قال: "اشتريت قلادة يوم خيبر باثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتها فوجدت فيها أكثر من اثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا

ص: 111

تباع حتى تفصل" وقد ذهب إلى هذا جماعة من السلف منهم عمر بن الخطاب وقال به الشافعي وأحمد وإسحق وذهب جماعة منهم الحنفية إلى جواز التفاضل مع مصاحبة شئ آخر إذا كانت الزيادة مساوية لما قابلها "ولا بيع الرطب بما كان يابسا"لحديث ابن عمر المتقدم في النهي عن أن يبيع الرجل ثمر حائطه إن كان نخلا بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبيب كيلا وكذلك حديث رافع بن خديج وسهل بن أبي حثمة المتقدمات وفي الموطإ حديث سعد قال "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أينقص الرطب إذا يبس؟ فقالوا: نعم فنهى عن ذلك "قلت: وعليه الشافعي وهذا الحديث أصل في أنه لا يجوز بيع شئ من المطعوم بجنسه أحدهما رطب والآخر يابس مثل: بيع الرطب بالتمر وبيع العنب بالزبيب وبيع اللحم الرطب بالقديد وهذا قول أكثر أهل العلم وإليه ذهب مالك والشافعي وصاحبا أبي حنيفة وجوزه أبو حنيفة وحده ورده بالمتشابه من قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا} والمتشابه من قياس في غاية الفساد وهو قولهم: الرطب والتمر إما أن يكونا جنسين وإما أن يكون جنسا واحدا وعلى التقديرين فلا يمنع بيع أحدهما بالآخر قال ابن القيم: وإذا نظرت إلى هذا القياس رأيته مصادما للسنة أعظم مصادمة ومع أنه فاسد في نفسه بل هما جنس واحد أحدهما أزيد من الآخر قطعا بنية فهو أزيد أجزاء من الآخر بزيادة لا يمكن فصلها وتميزها ولا يمكن أن يجعل في مقابلة تلك الأجزاء من الرطب ما يتساويان به عند الكمال إذ هو ظن وحسبان فكان المنع من بيع أحدهما بالآخر محض القياس لو لم يأت به سنة وحتى لو لم يكن ربا ولا القياس يقتضيه لكان أصلا قائما بنفسه يجب التسليم والانقياد له كما يجب التسليم لسائر نصوصه المحكمة انتهى "إلا لأهل العرايا"لحديث زيد بن ثابت عند البخاري وغيره "أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها كيلا "وفي لفظ في الصحيحين "رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا "وأخرج أحمد والشافعي وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث جابر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حين أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بخرصها الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة "

ص: 112

وفي الباب أحاديث والمراد أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للفقراء الذين لا نخل لهم أن يشتروا من أهل النخل رطبا يأكلونه في شجرة بخرصه تمرا والعرايا جمع عرية وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة وقد ذهب إلى ذلك الجمهور ومن خالف فالأحاديث ترد عليه قلت: العرية فعيلة بمعنى مفعولة من عراه يعروه إذا قصده وهي عقد مقصود أو بمعنى فاعلة من عري يعرى إذا خلع ثوبه كأنها عريت وهي بيع الرطب على النخل بتمر في الأرض والعنب في الشجر بزبيب فيما دون خمسة أوسق وقال محمد: وبهذا نأخذ ولفظ البخاري في باب تفسير العرايا قال مالك: العرية أن يعري الرجل الرجل النخلة ثم يتأذى بدخوله عليه فرخص له أن يشتريها منه بتمر وقال ابن إدريس: العرية لا تكون إلا بالكيل من التمر يدا بيد ولا تكون بالجزاف ومما يقويه قول ابن أبي حثمة بالأوسق الموسقة وقال ابن إسحق: في حديثه عن نافع عن ابن عمر كانت العرايا أن يعري الرجل الرجل في ماله النخلة والنخلتين وقال يزيد: عن سفيان بن حسين العرايا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطيعون أن ينتظروا بها رخص لهم أن يبيعوها بما شاؤا من التمر انتهى.

أقول: العرايا أصلها أن العرب كانت تطوع على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة وهي عطية اللبن دون الرقبة قال الجوهري في الصحاح: العرية هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا بأن يجعل له ثمرها عاما من عراه إذا قصده انتهى فرخص صلى الله عليه وسلم لمن لا نخل لهم أن يشتري الرطب على النخل بخرصها تمرا كما وقع في الصحيحين وغيرهما من حديث زيد بن ثابت وفي لفظ في الصحيحين من حديثه "رخص في العرايا يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا "وفي لفظ لهما من حديثه "ولم يرخص في غير ذلك "فهذا جائز والذي أخبرنا بتحريم الربا ومنعنا من المزابنة هو الذي رخص لنا في العرايا والكل حق وشريعة واضحة وسنة قائمة ومن منع ذلك فقد تعرض لرد الخاص بالعام ولرد الرخصة بالعزيمة ولرد السنة بمجرد الرأي وهكذا من منع من البيع وجوز الهبة كما روي عن أبي حنيفة رحمه الله ولكن هذه الرخصة مقيدة بأن يكون الشراء بالوسق والوسقين والثلاثة والأربعة كما وقع في حديث جابر عند الشافعي وأحمد وصححه ابن خزيمة وابن حبان

ص: 113

والحاكم فلا يجوز الشراء بزيادة على ذلك ولا بيع اللحم بالحيوان لما تقدم قريبا من حديث سعيد بن المسيب عند مالك "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان باللحم "وقال سعيد: من ميسر أهل الجاهلية بيع اللحم بالشاة والشاتين وقال نهى عن بيع الحيوان باللحم وقال أبو الزناد: كل من أدركت من أهل العلم ينهون عن بيع الحيوان باللحم أي من جنسه وكذا بغير جنسه من مأكول وغيره وفي شرح السنة ذهب جماعة من الصحابة والتابعين إلى تحريمه وإليه ذهب الشافعي وحديث ابن المسيب وإن كان مرسلا لكنه يتقوى بعمل الصحابة واستحسن الشافعي مرسل ابن المسيب وذهب جماعة إلى إباحته واختارها المزني إذ لم يثبت الحديث وكان فيه قول متقدم ممن يكون بقول اختلاف ولأن الحيوان ليس بمال الربا بدليل أنه يجوز بيع حيوان بحيوانين فبيع اللحم بالحيوان بيع مال الربا بما لا ربا فيه فيجوز ذلك في القياس إلا أن يثبت الحديث فنأخذ به وندع القياس وقال محمد في الموطإ: وبهذا نأخذ من باع لحما من لحم الغنم بشاة حية لا يدري اللحم أكثر أو مافي الشاة أكثر فالبيع فاسد مكروه ولا ينبغي وهذا مثل المزابنة والمحاقلة وكذا بيع الزيتون بالزيت ودهن السمسم بالسمسم. أقول: والأحسن عندي أن معنى الحديث: أن يقول للقصاب كم يخرج من هذه الشاة فيقول القصاب: عشرون رطلا فيقول: خذ هذه الشاة بعشرين رطلا من اللحم إن خرج أكثر فلك أو أقل فعليك وهذا نوع من القمار ورجع الحديث إلى القياس

"ويجوز بيع الحيوان باثنين أو أكثر من جنسه"لحديث جابر عند أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبدا بعبدين "وأخرجه أيضا مسلم في صحيحه وأخرج أيضا مسلم وغيره من حديث أنس "أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي "وأخرج أحمد وأبو داود من حديث ابن عمرو "أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يبعث جيشاً على إبل كانت عنده قال: فحملت الناس عليها حتى نفذت الإبل وبقيت بقية من الناس قال: فقلت يارسول الله الإبل قد نفذت وبقيت بقية من الناس لا ظهر لهم فقال لي: ابتع علينا إبلا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى ينفذ هذا البعث قال: وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى

ص: 114

نفذت ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم "وفي إسناده محمد ابن اسحق وفيه مقال وقوى في الفتح إسناده وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن الجارود من حديث سمرة قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة "وهو من رواية الحسن عن سمرة ولم يسمع منه1 وقد جمع الشافعي بين الحديثين بأن المراد به النسيئة من الطرفين فيكون ذلك من بيع الكالىء بالكالىء لا من طرف واحد فيجوز وفي الموطإ أن علي بن أبي طالب باع جملا له يدعى عصيفر بعشرين بعيرا إلى أجل وأن عبد الله بن عمر اشترى راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه يوفيها صاحبها بالربذة وسئل ابن شهاب عن بيع الحيوان اثنين بواحد إلى أجل فقال: لا بأس بذلك قال الشافعي: يجوز سواء كان الجنس واحدا أو مختلفا مأكول اللحم أو غير مأكول اللحم سواء باع واحدا بواحد أو باثنين وقال أبو حنيفة: لا يجوز وفي بيع الحيوان بالحيوان نسيئة خلاف "ولا يجوز بيع العينة"لحديث ابن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم "أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وابن القطان وصححه وقال الحافظ: رجاله ثقات والمراد بالعينة بكسر العين المهملة بيع التاجر سلعته بثمن إلى أجل ثم يشتريها منه بأقل من ذلك الثمن ويدل على المنع من ذلك ما رواه أبو إسحق السبيعي عن امرأته "أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقع فقالت: يا أم المؤمنين إني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وإني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة: بئسما اشتريت وبئسما شريت إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بطل إلا أن يتوب "أخرجه الدارقطني وفي إسناده الغالية بنت أيفع وقد روي عن الشافعي أنه لا يصح وقرر كلامه ابن كثير في إرشاده وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد وجوز ذلك الشافعي وأصحابه وقد ورد النهي عن العينة من طرق عقد لهما البيهقي في سننه بابا. أقول: أما بيع أئمة الجور وشراؤهم

1 في سماعه منه خلاف طويل ورجح كثير من أئمة الحديث أنه سمع منه ورجح بعضهم أنه لم يسمع منه إلا حديثا وهو حديث العقيقة.

ص: 115

على وجه التجارة مع رعاياهم فهذه المسألة قد عمت وطمت وكادت تطبق الأرض وقد رأينا في كتب التواريخ حكايات عن ملوك مصر من الجراكسة وذلك من أشدها وأعظمها جرما أنهم إذا أرادوا بيع شئ لهم أكرهوا التجار على شرائه بأضعاف ثمنه وإذا أراد أحد منهم الامتناع ضربوه ضربا مبرحا وأخذوا ماله كرها ومن ذلك أنهم يمنعون الناس من الشراء من أحد من التجار حتى ينفق ما يريدون بيعه من أموالهم فيرتفع ثمنه لأجل ذلك وينفق سريعا قال الماتن في حاشية الشفاء: وفي الديار اليمنية من هذا القبيل أنواعها منها: أنهم يرسمون صرف القرش بمقدار محدود من الضربة التي يضربونها من الفضة المغشوشة بالنحاس المغلوبة بالغش على وجه لا تكون الفضة الخالصة إلا مقدار نصف الفضة التي في القرش ثم إن الرعايا لا تمتثل هذا الرسم بل يتعاملون في المصارفة بزيادة على ذلك إلى مقدار الثلث أو الربع من ذلك الرسم فإذا كان النقد خارجا من مال الدولة إلى غيرهم من الأجناد ونحوهم كان على ذلك الرسم الناقص وإذا كان النقد داخلا إلى أموال الدولة من الرعايا لم يقبلوا منهم إلا القروش الفرانسة أو الصرف الزائد الذي يتعامل به الرعية فيما بينهم فيأخذون ثلث أموال الرعية أو ربعها ظلما وإذا تزايد صرف القروش بين الرعايا أمر الأمراء بكسر السكة ويضربون ضربة أخرى مثل الكسورة في الخالص والغش أو أكثر منها غشا ثم يمنعون التعامل بتلك الضربة الأولى فيبيعونها الرعايا وزنا من الدولة فيأتي ثمن القفلة منها بنصف قفلة من الضربة الأخرى وقد يزيد قليلا أو ينقص قليلا ثم يأخذون تلك السكة الأولى ويضربونها على تلك الضربة الأخرى ويدفعونها إلى الرعايا بصرف قد رسموه فيأكلون بهذا الذريعة نصف أموال العباد أو قريبا من ذلك والرعايا لا يقدرون على الاستمرار على الرسم الذي يرسمونه لهم في صرف القروش من تلك الضربة لأنهم يحتاجون إلى القروش الفرانسة في كثير من الحالات لكونه لا يتفق لهم في المعاملة لتجار سائر الأرض إلا هي ومن الأنواع التي يأكلون بها أموال الرعايا أكلا ظاهرا ويتجرون فيها اتجارا بينا أنهم يجعلون ضرائب على الباعة في الأسواق يجبرونهم على تسليمها شاؤا أم أبوا ثم يأذنون لهم بالزيادة في الأسعار فيبيعون بما شاؤا

ص: 116

ويصنعون بالناس ما أرادوا وليس عليهم إلا الوفاء بالضرائب فإذا استغاث مستغيث بالناس من زيادة الأسعار أو أراد منكر أن ينكر على الباعة ما يفعلونه قالوا: هذه الزيادات للدولة فيلقمون المنكر والمستغيث حجرا وكم أعدد لك من هذه إلا حبولات الشيطانية التي هي السحت بلا شك ولا شبهة نسأل الله أن يصلح الجميع انتهى. ومن هذا القبيل أنواع المكوس على أهل الدور والتجارات والضرائب المتنوعة التي لا تكاد تنحصر على الرعايا في الأشياء المختلفة وكل ذلك من جهة الدول ولا شكوى في ذلك من الكفرة الفجرة الذي استولوا على أكثر البلاد الإسلامية بل من ملوك الإسلام وولاة المسلمين المدعين للتدين بالدين المحمدي والله سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وانظر في كتابنا إكليل الكرامة في تبيان مقاصد الإمامة يتضح عليك الحق في هذا الباب من الباطل والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم قال الماتن في حاشية الشفاء: اعلم أن باب المصارفة قد صار في هذه الأزمنة بحيث لا يتمكن من الخلوص عن الدخول به في الربا البحت أحد كما عرفناك فيما سبق ثم إن الناس يحتاجون إلى التعامل بهذه الضربة في تصرفاتهم ويضطرون إلى المصارفة بها إلى القرش الفرنجي بذلك المقدار المرسوم لهم فيبيعون الفضة بالفضة مع العلم بالتفاضل وهذا ربا بحت والعارف منهم يستروح إلى حيل قد رآها في كتب الفروع التي لا يرجع غالبها إلى دليل وهي لا تغني من الحق شيئا وها نحن نعرفك بغالب ما يظنونه من الحيل مخلصا له من ورطة الربا فمن ذلك أن بعض المتفقهة الذين لا يعرفون لعلوم الاجتهاد رسما قد أفتاهم بأنه لا ربا في المعاطاة وأن الصرف الذي يفعله الناس الآن هو معاطاة لعدم وقوع العقد وهذا المقصر لا يدري بأن أدلة الكتاب والسنة مصرحة بتحريم الربا من غير نظر إلى عقد بل لم يعتبر الله في البيع إلا مجرد الرضا ومن ذلك ما قاله أيضا بعض المصنفين في الفروع أن الغش في كل واحد من البدلين يكون مقابلا للفضة في الآخر وهذا لا يرضى به عاقل قط وكيف يرضى العاقل أن يبيع تسع أواقي فضة بأوقية نحاس فإن كان مراد هذا القائل أن ذلك مخلص عن الربا سواء رضي كل واحد من المتبايعين بالبدل أم لم يرض فهذا جهل لا علم ومن ذلك أن الغش في كل واحد من البدلين يكون جريرة مسوغة للصرف وهذا يرده حديث القلادة

ص: 117