المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب من يستحق القتل حدا - الروضة الندية شرح الدرر البهية ط المعرفة - جـ ٢

[صديق حسن خان]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌كتاب النكاح

-

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب الخلع

- ‌باب الإيلاء

- ‌باب الظِّهار

- ‌باب اللعان

- ‌باب العدة

- ‌باب النفقة

- ‌باب الرّضاع

- ‌باب الحضانة

-

- ‌كتاب البيع

- ‌باب الربا

- ‌باب الخيارات

- ‌باب السلم

- ‌باب القرض

- ‌كتاب الشفعة

-

- ‌كتاب الإجارة

- ‌باب الإحياء والإقطاع

- ‌كتابة الشَّركة

- ‌كتاب الرهن

- ‌كتاب الوديعة والعارية

- ‌كتاب الغصب

- ‌كتاب العتق

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهدايا

- ‌كتاب الهبات

- ‌كتاب الأيمان

- ‌كتاب النذر

-

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الصيد

- ‌باب الذبح

- ‌باب الضيافة

- ‌باب آداب الأكل

- ‌كتاب الأشربة

- ‌كتاب اللباس

- ‌كتاب الأضحية

- ‌مشروعيتها

- ‌باب الوليمة

- ‌كتاب الطب

- ‌حقيقة الطب

- ‌كتاب الوكالة

- ‌حكم الوكالة

- ‌كتاب الضمانة

- ‌كتاب الصلح

- ‌حكم الصلح

- ‌كتاب الحوالة

- ‌حكم الحوالة

- ‌كتاب المفلس

- ‌كتاب اللُّقطة

- ‌كتاب القضاء

- ‌من يصح منه القضاء

- ‌كتاب الخصومة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا

- ‌باب السرقة

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد الشرب

- ‌باب حد المحارب

- ‌باب من يستحق القتل حدا

- ‌كتاب القصاص

- ‌وجوب القصاص

- ‌كتاب الديات

- ‌الأصل في الدية

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الوصية

- ‌على من تجب الوصية

- ‌كتاب المواريث

- ‌كتاب الجهاد والسير

- ‌فضل الجهاد

الفصل: ‌باب من يستحق القتل حدا

وليس فيها القطع بحصول المغفرة والرحمة لمن تاب ولو سلم القطع فذلك في الذنوب التي أمرها إلى الله فيسقط بالتوبة الخطاب الأخروي والحد الذي شرعه الله وأما الحقوق التي للآدميين من دم أو مال أو عرض فليس في الآية ما يدل على سقوطها ومن زعم أن ثم دليلا يدل على السقوط فما الدليل على هذا الزعم.

ص: 289

"‌

‌باب من يستحق القتل حدا

"

"هو الحربي" ولا خلاف في ذلك لأوامر الله عز وجل بقتل المشركين في مواضع من كتابه العزيز ولما ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ثبوتا متواترا من قتالهم وأنه كان يدعوهم إلى ثلاث ويأمر بذلك من يبعثه للقتال والمرتد لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" وهو للبخاري وغيره من حديث ابن عباس وحديث "لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث كفر بعد إيمان" الحديث وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن مسعود وحديث أبي موسى في الصحيحين أيضا "أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال له: "اذهب إلى اليمن" ثم أتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال: انزل وإذا جاء رجل عنده موثق قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديا فأسلم ثم تهود قال: لا أجلس حتى يقتل قضاء لله ورسوله "قال في المسوى: من ارتد عن الإسلام إن كان في منعة من قومه جمع الإمام المسلمين وقاتلهم قال تعالى: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} وفي هذا الآية إخبار عما علم الله تعالى وقوعه وقد ارتد أكثر العرب في زمن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه فبعث إليهم المسلمين وقاتلهم حتى رجعوا وعلى هذا أهل العلم ومن ارتد عن الإسلام وليس له منعة قتل وعليه أهل العلم وإذا كان المرتد رجلا واختلفوا في المرتدة قال الشافعي: تقتل وقال أبو حنيفة: لا تقتل ولكن تحبس حتى تسلم

أقول: الأدلة الدالة على قتل المرتد عامة ولم يرد ما يقتضي تخصيصها وأما حديث النهي عن قتل النساء فذلك إنما هو في حال الحرب فإن

ص: 289

النساء المشركات لا يقتلن وليس ذلك محل النزاع ثم قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قتل عدة نساء كاللاتي أمر بقتلهن يوم الفتح لما كان يقع منهن السب له وكذلك قتل امرأتين من بني قريظة وغير ذلك ثم ليس النهي عن قتل النساء مستلزما لتركهن على الكفر إذا امتنعن من الإسلام والجزية فإنه لا يجوز التقرير على الكفر فإذا قالت امرأة لا أسلم أبدا ولا أعطي الجزية وصممت على ذلك كان تركها حينئذ كافرة غير جائز لأحد من المسلمين ومن ههنا يلوح لك أن النهي عن قتل النساء إنما هو لأجل كونهن مستضعفات يحصل منهن الانقياد للإسلام بدون ذلك وليس عندهن غناء في القتال ولهذا كان سبب النهي عن قتلهن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة فقال: "ما كانت هذه لتقاتل ثم نهى عن قتلهن" فانظر كيف جعل النهي عن قتلهن معللا بعدم المقاتلة وأما قول بعض أهل العلم إن المتأول كالمرتد فههنا تسكب العبرات ويناح على الإسلام وأهله بما جناه التعصب في الدين على غالب المسلمين من الترامي بالكفر لا بسنة ولا قرآن ولا لبيان من الله ولا لبرهان بل لما غلت مراجل العصبية في الدين وتمكن الشيطان الرجيم من تفريق كلمة المسلمين لقنهم الزمان بعضهم لبعض بما هو شبيه الهباء في الهواء والسراب في البقعية1 فيالله وللمسلمين من هذه الفاقرة2 التي هي أعظم فواقر الدين والرزية التي ما رزيء بمثلها سبيل المؤمنين وأنت إن بقي فيك نصيب من عقل وبقية من مراقبة الله عز وجل وحصة من الغيرة الإسلامية علمت وعلم كل من له علم بهذا الدين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الإسلام قال في بيان حقيقته وإيضاح مفهومه إنه: "إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله" والأحاديث بهذا المعنى متواترة فمن جاء جاء بهذه الأركان الخمسة وقام بها حق القيام فهو المسلم على رغم أنف من أبى ذلك كائنا من كان فمن جاءك بما يخالف هذا من ساقط القول وزائف العلم بالجهل فاضرب به في وجهه وقل له قد تقدم هذيانك هذا

1 كذا في الصل وصوابه القيعة "جمع قاع كاجيرة جمع جار والقاع ما انبسط من الأرض واتسع وفيه يكون السراب"

2 الفاقرة الداهية التي تكسر الظهر.

ص: 290

برهان محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه

دعوا كل قول عند قول محمد

فما آمن في دينه كمخاطر

وكما أنه تقدم الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن قام بهذه الأركان الخمسة بالإسلام فقد حكم لمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والقدر خيره وشره بالإيمان وهذا منقول عنه نقلا متواترا فمن كان هكذا فهو المؤمن حقا وقد ورد من الأدلة المشتملة على الترهيب العظيم من تكفير المسلمين والأدلة الدالة على وجوب صيانة عرض المسلم واحترامه ما يدل بفحوى الخطاب على تجنب القدح في دينه بأي قادح فكيف بإخراجه عن الملة الإسلامية إلى الملة الكفرية فإن هذه جناية لا تعد لها جناية وجرأة لا تماثلها جرأة وأين هذا المجترىء على تكفير أخيه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في الصحيح أيضا "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه" ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه في الصحيح أيضا "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" ومن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام" وهو أيضا في الصحيح وكم يعد العاد من الأحاديث الصحيحة والآيات القرآنية والهداية بيد الله عز وجل {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} هذا ما أفاده الماتن العلامة في السيل وقال أيضا: اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة المروية من طريق جماعة من الصحابة أن "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما" هكذا في الصحيح وفي لفظ آخر في الصحيحين وغيرهما "من دعا رجلا بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه"أي رجع وفي لفظ في الصحيح "فقد كفر أحدهما" ففي هذه الأحاديث وما ورد مرودها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن السراع في التكفير وقد قال عز وجل: {وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً} فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشرك لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر ولا اعتبار بلفظ يلفظ به المسلم يدل على الكفر

ص: 291

وهو لا يعتقد معناه فإن قلت قد ورد في السنة ما يدل على كفر من حلف بغير ملة الإسلام وورد في السنة المطهرة ما يدل على كفر من كفر مسلما كما تقدم وورد في السنة المطهرة إطلاق الكفر على من فعل فعلا يخالف الشرع كما في حديث "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" ونحوه مما ورد مورده وكل ذلك يفيد أن صدور شئ من هذه الأمور يوجب الكفر وإن لم يرد قائله أو فاعله به الخروج من الإسلام إلى ملة الكفر قلت: إذا ضاقت عليك سبل التأويل ولم تجد طريقا تسلكها في مثل هذه الأحاديث فعليك أن تقرها كما وردت وتقول من أطلق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم اسم الكفر فهو كما قال ولا يجوز إطلاقه على غير من سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسلمين كافرا إلا من شرح بالكفر صدرا فحينئذ تنجو من معرة الخطر وتسلم من الوقوع في المحنة فإن الإقدام على ما فيه بعض البأس لا يفعله من يشح على دينه ولا يسمح به فيما لا فائدة فيه ولاعائدة فكيف إذا كان على نفسه إذا أخطأ أن يكون في عداد من سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا أفهذا يقود إليه العقل فضلا عن الشرع ومع هذا فالجمع بين أدلة الكتاب والسنة واجب وقد أمكن هنا بما ذكرناه فتعين المصير إليه فحتم على كل مسلم أن لا يطلق كلمة الكفر إلا على من شرح به صدرا ويقصر ماورد مما تقدم مورده

وهذا الحق ليس به خفاء

فدعني عن بنيات1 الطريق

ويأبى2 الفتى إلا اتباع الهوى

ومنهج الحق له واضح

وكيف يحكم بالكفر على من حكى قولا كفريا صدر من كافر فإن القرآن الكريم قد اشتمل على ما يأبى عنه الحصر من حكاية ما هو كفر بواح من أقوال الكفار وهكذا لا يحكم بكفر من كفر مكرها فقد استثناه القرآن الكريم بقوله: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} وكفى به اهـ. "والساحر" لكون عمل السحر نوعا من الكفر ففاعله مرتد يستحق ما يستحقه المرتد وقد روى الترمذي والدارقطني والبيهقي والحاكم من حديث جندب قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "حد الساحر

1 بنيات الطريق – بالتصغير – هي الطرق الصغار التي تتشعب من الجادة.

2 ويأبي الواو للعطف وووليست من البيت اهـ.

ص: 292

ضربة بالسيف" قال الترمذي: والصحيح عن جندب موقوفا قال: والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وغيرهم وهو قول مالك بن أنس وقال الشافعي: إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ به الكفر فإذا عمل عملا دون الكفر لم نر عليه قتلا اهـ. وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وأخرج أحمد وعبد الرزاق والبيهقي "أن عمر بن الخطاب كتب قبل موته بشهر أن اقتلوا كل ساحر وساحرة"والأرجح ما قاله الشافعي لأن الساحر إنما يقتل لكفره فلا بد أن يكون ما عمله من السحر موجبا للكفر قال في المسوى: السحر كبيرة قال تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} واختلف في ذلك أهل العلم فقال مالك وأحمد: يقتل الساحر وقال الشافعي: ما تقدم ولو قتل الساحر رجلا بسحره وأقر إني سحرته وسحري يقتل غالبا يجب عليه القود عند الشافعي ولا يجب عند أبي حنيفة ولو قال سحري قد يقتل وقد لا يقتل فهو شبه عمد ولو قال أخطأت إليه من غيره فهو خطأ تجب فيه الدية المخففة وتكون في ماله لأنه ثبت باعترافه إلا أن تصدقه العاقلة فتكون عليهم أقول: لا شك أن من تعلم السحر بعد إسلامه كان بفعل السحر كافرا مرتدا وحدّه حد المرتد وقد تقدم وقد ورد في الساحر بخصوصه أن حده القتل ولا يعارض ذلك ترك النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لقتل لبيد بن الأعصم الذي سحره فقد يكون ذلك قبل أن يثبت أن حد الساحر القتل وقد يكون ذلك لأجل خشية معرة اليهود وقد كانوا أهل شوكة حتى أبادهم الله وفل شوكتهم وأقلهم وأذلهم وقد عمل الخلفاء الراشدون على قتل السحرة وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد "والكاهن" لكون الكهانة نوعا من الكفر فلا بد أن يعمل من كهانته ما يوجب الكفر وقد ورد أن تصديق الكاهن كفر فبالأولى الكاهن إذا كان معتقدا بصحة الكهانة ومن ذلك حديث أبي هريرة عند مسلم وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهنا أوعرافا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم" وفي الباب أحاديث "والساب لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب أو للسنة والطاعن في الدين" وكل هذه الأفعال موجبة للكفر الصريح ففاعلها مرتد حده حده وقد

ص: 293

أخرج أبو داود من حديث علي "أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم دمها" ولكنه من رواية الشعبي عن علي وقد قيل إنه ما سمع منه وأخرج أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس "أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم فقتلها فأهدر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم دمها" ورجال إسناده ثقات وأخرج أبو داود والنسائي عن أبي برزة قال: "كنت عند أبي بكر فتغيظ علي رجل فاشتد غضبه فقلت: أتأذن لي يا خليفة رسول الله أن أضرب عنقه قال: فأذهبت كلمتي غضبه فقام فدخل فأرسل إلي فقال: ما الذي قلت آنفا قلت: ائذن لي أضرب عنقه قال: أكنت فاعلا لو أمرتك قلت نعم قال: لا والله ما كان لبشر بعد محمد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم" وقد نقل ابن المنذر الإجماع على أن من سب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وجب قتله ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء فلو تاب لم يسقط عنه القتل لأن حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة وخالفه القفال فقال: كفر بالسب فيسقط القتل بالإسلام قال الخطابي: لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما اهـ وإذا ثبت ما ذكرنا في سب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فبالأولى من سب الله تبارك وتعالى أو سب كتابه أو الإسلام أو طعن في دينه وكفر من فعل هذا لا يحتاج إلى برهان أقول: وقريب من هذا من جعل سب الصحابة شعاره ودثاره فإنه لا مقتضى لسبهم قط ولا حامل عليه أصلا إلا غش الدين في قلب فاعله وكراهة الإسلام وأهله فإن هؤلاء هم أهله على الحقيقة أقاموه بسيوفهم وحفظوا هذه الشريعة المطهرة ونقلوها إلينا كما هي فرضي الله عنهم وأرضاهم وأقمأ1 المشتغلين بثلبهم وتمزيق أعراضهم المصونة وقد رأينا في التواريخ ما صار يفعله أهل الشام والمغرب من قتل من كان كذلك بعد مرافعته إلى حكام الشريعة وحكمهم بسفك دمائهم وهذا وإن كان عندنا غير جائز لما عرفناك من عصمة دم المسلم حتى يقوم الدليل الدال على جواز سفكه ولكن فيه القيام التام بحقوق أساطين الإسلام "والزنديق" وهو الذي يظهر

1 القماءة الذلة والصغار. وأقمأه صغره وذلله.

ص: 294

الإسلام ويبطن الكفر ويعتقد بطلان الشرائع فهذا كافر بالله وبدينه مرتد عن الإسلام أقبح ردة إذا ظهر منه ذلك بقول أو فعل وقد اختلف أهل العلم هل تقبل توبته أم لا والحق قبول التوبة قال في المسوى: في باب حكم الخوارج والقدرية وأشباههم قال الشافعي: ولو أن قوما أظهروا رأي الخوارج وتجنبوا الجماعات وأكفروهم لم يحل بذلك قتالهم بلغنا أن عليا رضي الله تعالى عنه سمع رجلا يقول لا حكم إلا لله في ناحية المسجد فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا ولا نبدؤكم بقتال وقال أهل الحديث من الحنابلة يجوز قتلهم أقول: الظاهر عندي دراية ورواية قول أهل الحديث أما رواية فلقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "فأين لقيتموهم فاقتلوهم" وأما قول علي فمعناه أن الإنكار على الإمام والطعن فيه لا يوجب قتلا حتى ينزع يده من الطاعة فيكون. باغيا أو قاطع طريق وإذا أنكر ضروريا من ضروريات الدين يقتل لذلك لا للإنكار على الإمام بيان ذلك أن المفتي إذا سئل عن بعض أفعال زيد حكم بالجواز وإذا سئل عن بعضها الآخر حكم بالفسق ثم إذا سئل عن بعضها الآخر حكم بالكفر فههنا لم يظهر هذا الرجل عنده إلا الإنكار في مسألة التحكيم فحكم حسبما أظهر ولو أنه أظهر إنكار الشفاعة يوم القيامة أو إنكار مسألة التحريم فحكم حسبما أظهر ولو أنه أظهر إنكار الشفاعة يوم القيامة أو إنكار الحوض الكوثر وما يجري مجرى ذلك من الثابت في الدين بالضرورة لحكم بالكفر وأما حديث "أولئك الذين نهاني الله عنهم" ففي المنافقين دون الزنادقة بيان ذلك أن المخالف للدين الحق إن لم يعترف به ولم يذعن له لا ظاهرا ولا باطنا فهو الكافر وإن اعترف بلسانه وقلبه على الكفر فهو المنافق وإن اعترف به ظاهرا وباطنا لكنه يفسر بعض ما ثبت من الدين ضرورة بخلاف ما فسره الصحابة والتابعون وأجمعت عليه الأمة فهو الزنديق كما إذا اعترف بأن القرآن حق وما فيه من ذكر الجنة والنار حق لكن المراد بالجنة الابتهاج الذي يحصل بسبب الملكات المحمودة والمراد بالنار هي الندامة التي تحصل بسبب الملكات المذمومة وليس في الخارج جنة ولا نار فهو الزنديق قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "أولئك الذين نهاني الله عنهم" في المنافقين دون الزنادقة وأما دراية فلأن الشرع كما نصب القتل جزاء للارتداد ليكون مزجرة

ص: 295

للمرتدين وذبا عن الملة التي ارتضاها فكذلك نصب القتل في هذا الحديث وأمثاله جزاء للزندقة ليكون مزجرة للزنادقة وذبا عن تأويل فاسد في الدين لا يصح القول به ثم التأويل تأويلان: تأويل لا يخالف قاطعا من الكتاب والسنة واتفاق الأمة وتأويل يصادم ما يثبت بقاطع فذلك الزندقة فكل من أنكر الشفاعة أو أنكر رؤية الله يوم القيامة أو أنكر عذاب القبر وسؤال منكر ونكير أو أنكر الصراط والحساب سواء قال لا أثق بهؤلاء الرواة أو قال أثق بهم لكن الحديث مؤول ثم ذكر تأويلا فاسدا لم يسمع ممن قبله فهو الزنديق وكذلك من قال في الشيخين أبي بكر وعمر مثلا: ليسا من أهل الجنة مع تواتر الحديث في بشارتهما أو قال إن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبوة ولكن معنى هذا الكلام أنه لا يجوز أن يسمى بعده أحد بالنبي وأما معنى النبوة وهو كون الإنسان مبعوثا من الله تعالى إلى الخلق مفترض الطاعة معصوما من الذنوب ومن البقاء على الخطإ فيما يرى فهو موجود في الأئمة بعده فذلك هو الزنديق وقد اتفق جماهير المتأخرين من الحنفية والشافعية على قتل من يجري هذا المجرى والله تعالى أعلم اهـ. "بعد استتابتهم" لحديث جابر عند الدارقطني والبيهقي "أن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه تعالى عليه وآله وسلم أن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت"وله طريقان ضعفهما ابن حجر وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة "أن امرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت" وأخرج أبو الشيخ في كتاب الحدود عن جابر "أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم استتاب رجلا أربع مرات" وفي إسناده العلاء بن هلال وهو متروك وأخرجه البيهقي من وجه آخر وأخرج الدارقطني والبيهقي "أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد إسلامها فلم تتب فقتلها"قال ابن حجر: وفي السير أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قتل أم قرفة1 يوم قريظة وهي غير تلك وأخرج مالك في الموطأ والشافعي "أن رجلا قدم على عمر بن الخطاب من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره فقال: هل من

1أم فرقة في الزورقائي على المواهب بكسر القاف وسكون الراء وتأتي تأنيث.

ص: 296

مغربة خبر1 قال نعم: رجل كفر بعد إسلامه قال: فما فعلتم به قال: قربناه فضربنا عنقه فقال عمر: هلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله إني لم أحضر ولم أرض إذا بلغني" وقد اختلف أهل العلم في وجوب الاستتابة ثم كيفيتها والظاهر أنه يجب تقديم الدعاء إلى الإسلام قبل السيف كما كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يدعو أهل الشرك ويأمر بدعائهم إلى إحدى ثلاث خصال ولا يقاتلهم حتى يدعوهم فهذا ثبت في كل كافر فيقال للمرتد إن رجعت إلى الإسلام وإلا قتلناك وللساحر والكاهن والساب لله أو لرسوله أو للإسلام أو للكتاب أو للسنة أو للطاعن في الدين أو الزنديق قد كفرت بعد إسلامك فإن رجعت إلى الإسلام وإلا قتلناك فهذه هي الاستتابة وهي واجبة كما وجب دعاء الحربي إلى الإسلام وأما كونه يقال للمرتد بأي نوع من تلك الأنواع مرتين أو ثلاثة أو في ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر فلم يأت ما تقوم به الحجة في ذلك بل يقال لكل واحد من هؤلاء ارجع إلى الإسلام فإن أبى قتل مكانه قال في المسوى: اختلفت الروايات عن أبي حنيفة والشافعي في ذلك وفي المنهاج ويجب استتابة المرتد والمرتدة وفي قول يستحب وهي في الحال وفي قول ثلاثة أيام فإن أصرّا قتلا وفي الهداية إذا ارتد المسلم عن الإسلام عرض عليه الإسلام فإن كانت له شبهة كشفت عنه ويحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وإلا قتل وفي الجامع الصغير يعرض عليه الإسلام فإن أبى قتل قيل تأويل الأول أنه إن استمهل يمهل ثلاثة أيام وعن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يستحب أن يؤجله طلب ذلك أو لم يطلب اهـ. أقول: الأدلة الصحيحة المصرحة بقتل المرتد لم يثبت في شئ منها الاستتابة بل فيها الأمر القتل للفور وما ورد عن بعض الصحابة من إنكار قتل المرتدين قبل الاستتابة فليس بحجة ولا يصلح لتقييد ما ثبت عن الشارع ودعوى أن ذلك إجماع بواسطة عدم الإنكار دعوى باطلة فالحق أن المرتد يقال له ارجع إلى الإسلام فإن أجاب وجب حقن دمه وإن لم يجب تعين قتله

1مغربة بضم الميم وفتح الغين وتشديد الراء المكسورة. أي من خبر جديد جاء من بلد بعيد قاله في اللسان.

ص: 297