الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره" أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن أبي شيبة والدارمي والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وابن حبان وصححه والبزار وحسنه وهو كما يتناول الحامل المشتراة ونحوها كذلك يتناول من يجوز حملها من الغير كائنا من كان لأن العلة كونه يسقي بمائه ولد غيره وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم وقال: لا تسق ماءك زرع غيرك" وأصله في النسائي وأخرج البخاري عن ابن عمر إذا وهبت الوليدة التي توطأ أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة ولا تستبرأ العذراء ويدل على استيراء المشتراة التي هي حامل أو مجوز حملها الأدلة الواردة في المسبية لأن العلة واحدة وأما العذراء والصغيرة فليستا ممن تصدق عليه تلك العلة وإن كان حمل العذراء البالغة ممكنا مع بقاء البكارة ولكنه في غاية الندرة فلا اعتبار به وأما ما أخرجه البخاري وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عليا إلى اليمن ليقبض الخمس فاصطفى علي منه سبية فأصبح وقد اغتسل ثم بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره"بل قال في بعض الروايات "لنصيب علي أفضل من وصيفة" فيحمل على أنها كانت صغيرة أو بكرا جمعا بين الأدلة أو أنه قد كان مضى لها من وقت الصبا ما تبين به أنها غير حامل
ومنقطعة الحيض تستبرأ حتى يتبين عدم حملها لأنه لا يمكن العلم بعدم الحمل إلا بذلك إذا لا حيض بل المفروض أنه منقطع لعارض أو أنها ضهيأ1 وأما من قد بلغت سن الإياس من الحيض فقد صار حملها مأيوسا كحيضها ولا اعتبار بالنادر "ولا تستبرأ بكر ولا صغيرة ولا يلزم"الاستبراء "على البائع ونحوه"لعدم الدليل على ذلك لا بنص ولا بقياس صحيح بل هو محض رأي
1 في القاموس والضهيأ كعسجد المرأة لا تحيض والتي لا لبن لها ولا ثدي كالضهيأ اهـ بتصرف.
"
باب النفقة
"
"تجب على الزوج للزوجة"لا أعرف في ذلك خلافا وقد أوجبها القرآن الكريم قال الله تعالى: {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ} وقد قرر دلالة هذه الآية على المطلوب
الموزعي في تفسيره والحديث إذنه صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان ما يكفيها وولدها بالمعروف وهو في الصحيحين وغيرهما ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن حق الزوجة على الزوج "أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت" وهو عند أهل السنن وغيرهم قال في المسوى: تجب نفقة الزوجة على الزوج موسرا كان أو معسرا قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} وقال تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وقال تعالى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} قلت: قال الشافعي: أي لا يكثر من تعولون وفيه دليل على أن على الرجل نفقة امرأته وقد أنكر على الشافعي بعض أهل العربية هذا التفسير فأجاب البغوي بأن الكسائي قال: يقال عال الرجل يعول إذا كثر عياله واللغة الجيدة أعال وأجاب الزمخشري بأنه بيان حاصل المعنى وجهه أن يجعل من قولك عال الرجل عياله يعولهم كقولهم مانهم يمونهم إذا أنفق عليهم ومن كثر عياله لزمه أن يعولهم وهذا مما اتفق عليه أهل العلم وقال ابن القيم: في حديث هند المتقدم تضمنت هذه الفتوى أمورا أحدها أن نفقة الزوجة غير مقدرة بل المعروف لنفي تقديرها وإن لم يكن تقديرها معروفا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة ولا التابعين ولا تابعيهم الثاني أن نفقة الزوجة من جنس نفقة الوالد كلاهما بالمعروف الثالث انفراد الأب بنفقة أولاده الرابع أن الزوج والأب إذا لم يبذل النفقة الواجبة عليه فللزوجة والأولاد أن يأخذوا قدر كفايتهم بالمعروف الخامس أن المرأة إذا قدرت على أخذ كفايتها من مال زوجها لم يكن لها إلى الفسخ سبيل السادس أن ما لم يقدره الله تعالى ورسوله من الحقوق الواجبة فالمرجع فيه إلى العرف السابع أن من منع الواجب عليه وكان سبب ثبوته ظاهرا فلمستحقه أن يأخذ بيده إذا قدر عليه كما أفتى به النبي صلى الله عليه وسلم هذا انتهى حاصله. أقول: هذا يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص فنفقة زمن الخصب المعروف فيها غير المعروف في زمن الجدب ونفقة أهل البوادي المعروف فيها ما هو الغالب عندهم وهو غير المعروف من نفقة أهل المدن وكذلك المعروف من نفقة الأغنياء على اختلاف طبقاتهم غير المعروف من نفقة الفقراء والمعروف من نفقة أهل الرياسات والشرف غير المعروف من نفقة أهل الوضاعات فليس المعروف
المشار إليه في الحديث هو شئ متحد بل مختلف باختلاف الاعتبار وقد أوضحت المقام في كتابي دليل الطالب فليراجع. وقال الماتن رحمه الله في الفتح الرباني في جواب سؤال في الفرض للزوجة ونحوها ما لفظه قد اختلفت المذاهب في تقديره النفقة بمقدار معين وعدم التقدير فذهب جماعة من أهل العلم وهم الجمهور إلى أنه لا تقدير للنفقة إلا بالكفاية وقد اختلفت الرواية عن الفقهاء فقال: الشافعي على المسكين والمتكسب مد وعلى الموسر مدان وعلى المتوسط مد ونصف وقال أبو حنيفة: على الموسر سبعة دراهم إلى ثمانية في الشهر وعلى المعسر أربعة دراهم إلى خمسة قال بعض أصحابه هذا التقدير في وقت رخص الطعام وأما في غيره فيعتبر بالكفاية انتهى. والحق ما ذهب إليه القائلون بعدم التقدير لاختلاف الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص فإنه لا ريب أن بعض الأزمنة قد يكون أدعى للطعام من بعض وكذلك الأمكنة فإن بعضها قد يعتاد أهله أن يأكلوا في اليوم مرتين وفي بعضها ثلاثا وفي بعضها أربعا وكذلك الأحوال فإنه حالة الجدب تكون مستدعية لمقدار من الطعام أكثر من المقدار الذي تستدعيه حالة الخصب وكذلك الأشخاص فإن بعضهم قد يأكل الصاع فما فوقه وبعضهم قد يأكل نصف صاع ويعضهم دون ذلك وهذا الاختلاف معلوم بالاستقراء التام ومع العلم بالاختلاف يكون التقدير على طريقة واحدة ظلما وحيفا ثم إنه لم يثبت في هذه الشريعة المطهرة التقدير بمقدار معين قط بل كان صلى الله تعالى عليه وسلم يحيل على الكفاية مقيدا لذلك بالمعروف كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وأحمد بن حنبل وغيرهم "أن هندا قالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" فهذا الحديث الصحيح فيه الإحالة على الكفاية مع التقييد بالمعروف والمراد به الشئ الذي يعرف وهو خلاف الشئ الذي ينكر وليس هذا المعروف الذي أرشد إليه الحديث شيئا معينا ولا المتعارف بين أهل جهة معينة بل هو في كل جهة باعتبار ما هو الغالب على أهلها المتعارف بينهم مثلا أهل صنعاء المتعارف بينهم الآن أنهم ينفقون على أنفسهم وأقاربهم الحنطة والشعير والذرة ويعتادون الإدام سمنا ولحما فلا يحل أن يجعل طعام
من تجب نفقته من طعام غير الثلاثة الأجناس المتقدمة كالعدس والفول ولا من الشعير والذرة فقط ولا بدون إدام ولا بإدام غير المعتاد كالزيت والتلبينة ونحو ذلك فإن ذلك جميعه وإن كان يصدق عليه لفظ الكفاية لكنه لا يصدق عليه معنى المعروف والعمل بالمطلق وإهمال قيده لا يحل وأما أهل البوادي المتصلة بصنعاء والقريبة منها بمقدار بريد ودونه وفوقه فالمعروف عندهم هو الكفاية من أي طعام كان من غير سمن ولا لحم إلا في أندر الأحوال بل يكتفون تارة بالتلبينة وتارة بما يقوم مقامها فالمتوجه شرعا على من وجبت عليه النفقة أن يدفع إلى من كان في مثل صنعاء ما هو المعروف لديهم مما قدمنا وإلى من كان في البوادي ما قدمنا مما هو المعروف لديهم ويعتبر في كل محل بعرف أهله ولا يحل العدول عنه إلا مع التراضي وكذلك الحاكم يجب عليه مراعاة المعروف بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والأشخاص مع ملاحظة حال الزوج في اليسار والإعسار لأن الله تعالى يقول: {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وإذا تقرر لك أن الحق عدم جواز تقدير الطعام بمقدار معين فكذلك لا يجوز تقدير الإدام بمقدار معين بل المعتبر الكفاية بالمعروف وقد حكى صاحب البحر أنه قد قدر في اليوم أوقيتان دهنا من الموسر ومن المعسر أوقية ومن المتوسط أوقية ونصف وفي شرح الإرشاد أنه يعتبر في الإدام تقدير القاضي باجتهاده عند التنازع فيقدر في المد من الإدام ما يكفيه ويقدر على الموسر ضعف ذلك وعلى المتوسط بينهما ويعتبر في اللحم عادة البلد للموسرين والمتوسطين كغيرهم قال الرافعي: وقد تغلب الفاكهة في أوقاتها فتجب ثم قال: وإنما يجب ما ذكر لزوجته إن لم تواكله حال كونها رشيدة فإن واكلته وهي رشيدة سقطت نفقتها ثم ذكر كلاما طويلا وأقول: المرجع ما هو معروف عند أهل البلد في الإدام جنسا ونوعا وقدرا وكذلك في الفاكهة لا يحل الإخلال بشئ مما يتعارفون به إن قدر من تجب عليه النفقة على ذلك وكذلك ما يعتاد من التوسعة في الأعياد ونحوها ويدخل في ذلك مثل القهوة والسليط. وبالجملة فقد أرشد الشارع إلى ماهو معروف من الكفاية وليس بعد هذا الكلام الجامع المفيد شئ من البيان وأما ما أجاب به عن الحديث بعض من لم يتمرن بعلم الأدلة ولم يتدرب بمسالك
الاجتهاد من أنه لم يكن منه صلى الله عليه وسلم على طريقة الحكم بل على طريقة الإفتاء فهذه غفلة كبيرة وبعد عن الحقيقة لأنه صلى الله عليه وسلم لا يفتي إلا بما هو حق وشرع وقد تقرر أن السنة أقواله وأفعاله وتقريراته لا مجرد أحكامه فقط التي تكون بعد الخصومة وحضور المتخاصمين ولو كانت السنة ليست إلا الأحكام الكائنة على تلك الصفة لم يبق منها حجة على العباد إلا أقل من عشر معشارها لأن صدور الحكم منه صلى الله عليه وسلم على تلك الصفة إنما وقع في قضايا محصورة كقضية الحضرمي والزبير وعبد بن زمعة والمتلاعنين فإن قلت: ما وجه ما يفعله كثير من القضاة في هذه الأزمنة من تقدير النفقة بقدح من الطعام متنوعا قلت: هو من تقدير الكفاية بالمعروف لأن القدح يكفي غالب الأشخاص شهرا لا سيما في مثل صنعاء فيكون للشخص في كل يوم نصف صاع يأتي المجموع في ثلاثين يوما خمسة عشر صاعا وهي قدح ينقص صاعا فهذا فيه ملاحظة للمعروف باعتبار الغالب ولكن إذا انكشف أنه لا يكفي بأن يكون الشخص أكولا فلا يحل العمل بذلك الغالب لأنه فيه إهمالا لما أرشد إليه صلى الله عليه وسلم وهذا ليس فيه كفاية فالحاصل أنه لا بد من ملاحظة أمرين أحدهما الكفاية والثاني كونها بالمعروف فإذا عُلم مقدار الكفاية كان المرجع في صفاتها إلى المعروف وهو الغالب في البلد وإذا لم يُعلم حال الشخص في مقدار ما يكفيه أو وقع الاختلاف بينه وبين من يجب عليه إنفاقه كان القول قول من يدعي ما هو المتعارف به مثلا: إذا قال من له النفقة لا يكفيه إلى قدحان وقال من عليه النفقة قد كان القول قول من عليه النفقة بكونه مدعيا لما هو الغالب في العادة وإذا تبين حال من له النفقة وجب الرجوع إلى ذلك لما عرفناك من أنه لا يحل الوقوف على مقدار معين على طريق القطع والبت ثم الظاهر من قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف" أن ذلك غير متخص بمجرد الطعام والشراب بل يعم جميع ما يُحتاج إليه فيدخل تحته الفضلات التي قد صارت بالاستمرار عليها مألوفة بحيث يحصل التضرر بمفارقتها أو التضجر أو التكدر ويختلف ذلك بالأشخاص والأزمنة والأمكنة والأحوال ويدخل فيه الأدوية ونحوها وإليه يشير قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فإن هذا نص في نوع من أنواع النفقات أن الواجب على من عليه النفقة رزق من
عليه إنفاقه والرزق يشمل ما ذكرناه قال في الانتصار ومذهب الشافعي: لا تجب أجرة الحمام وثمن الأودية وأجرة الطبيب لأن ذلك يراد لحفظ البدن كما لا يجب على المستأجرة أجرة إصلاح ما انهدم من الدار وقال في الغيث: الحجة أن الدواء لحفظ الروح فأشبه النفقة انتهى قلت: هو الحق لدخوله تحت عموم قوله "ما يكفيك" وتحت قوله رزقهن فإن الصيغة الأولى عامة باعتبار لفظ ما والثانية عامة لأنها مصدر مضاف وهي من صيغ العموم واختصاصه ببعض المستحقين للنفقة لا يمنع من الإلحاق وبمجموع ما ذكرناه يتقرر لك أن الواجب على من عليه النفقة لمن له النفقة هو ما يكفيه بالمعروف وليس المراد تفويض أمر ذلك إلى من له النفقة وأنه يأخذ ذلك بنفسه حتى يرد ما أورده السائل من خشية السرف في بعض الأحوال بل المراد تسليم ما يكفي على وجه لا سرف فيه بعد تبين مقدار ما يكفي بإخبار المخبرين أو تجريب كما سبق وهو معنى قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "بالمعروف" أي لا بغير المعروف وهو السرف والتقتير نعم إذا كان الرجل لا يسلم ما يجب عليه من النفقة جاز لنا الإذن لمن له النفقة بأن يأخذ ما يكفيه إذا كان من أهل الرشد لا إذا كان من أهل السرف والتبذير فإنه لا يجوز لنا تمكينه من مال من عليه النفقة لأن الله تعالى يقول: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} بل ورد ما يدل على عدم جواز دفع أموال من لا رشد لهم إليهم كما في قوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فجعل الرشد شرطا لدفع أموالهم فكيف يجوز دفع أموال غيرهم إليهم مع عدم الرشد ولكن يجب علينا إذا كان من عليه النفقة متمردا ومن له النفقة ليس بذي رشد أن نجعل الأخذ إلى ولي من لا رشد له أو إلى رجل عدل وأما ما ورد في بعض التفاسير من أن المراد بالسفهاء في قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} تمكين المرأة من مال الرجل كما ذكره السائل فذلك إنما هو باعتبار أن غالب نوع النساء خال عن الرشد وإلا فلا شك أن عدم الرشد يوجد في غيرهن كالصبيان والمجانين ومن يلتحق بهم من البله والمعتوهين وكثير ممن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ولا نشك أيضا أن في النساء من لها من الرشد والكمال ما لا يوجد إلا في أفراد الرجال ومنهن هند بنت عتبة المذكورة في الحديث فإنها كانت من سروات نساء قريش
المشهورات بحسن العقل وكمال الفطنة كما يعرف ذلك من عرف أخبارها ومحاورتها رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عند مبايعته لها فالحاصل أنه لا ملازمة بين القول بوجوب الكفاية في النفقة وبين حضور السرف بل الأمر كما قدمنا والله أعلم "والمطلقة رجعيا"لحديث فاطمة بنت قيس أنه قال لها صلى الله عليه وسلم "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة" أخرجه أحمد والنسائي وفي لفظ لأحمد "فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى" وفي إسناده مجالد بن سعيد وقد توبع وأعل بالوقف ولكن الرفع زيادة مقبولة إذا صح مخرجها أو حسن وقد أثبت لها القرآن الكريم السكنى قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} ويستفاد من النهي عن الإخراج وجوب النفقة مع السكنى ويؤيده قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} ويدل على وجوب النفقة قوله تعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} وقوله تعالى في آخر الآية الأولى: {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} وهو الرجعة فكان ذلك في الرجعية لابائنا فالبائنة لا نفقة لها ولا سكنى لحديث فاطمة بنت قيس عند مسلم وغيره عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في المطلقة ثلاثا "لا نفقة ولا سكنى"وفي الصحيحين وغيرهما عنها "أنها قالت طلقني زوجي ثلاثا فلم يجعل لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا نفقة ولا سكنى"وقد صح حديثها فلا نزاع وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أنه قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا" وقد أنكر عليها عمر وعائشة هذا الحديث وقال عمر: لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت وقد قالت فاطمة: حين بلغها ذلك بيني وبينكم كتاب الله قال الله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} حتى قال: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} فأي أمر يحدث بعد الثلاث وقد ذهب إلى عدم وجوب النفقة والسكنى للبائنة أحمد واسحق وأبو ثور وداود وأتباعهم وحكاه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والإمامية وذهب الجمهور إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} وقد تقدم ما يدل
على أنها في الرجعية وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة إلى وجوب النفقة والسكني "ولا في عدة الوفاة فلا نفقة ولا سكنى إلا أن تكونا حاملتين"لعدم وجود دليل يدل على ذلك في غير الحامل ولا سيما بعد قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكنى" ويؤيده أيضا تعليل الآية المتقدمة بقوله تعالى: {لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً} وهو الرجعة ولم يبق في عدة الوفاة ذلك الأمر ويفيده أيضا مفهوم الشرط في قوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} وهي أيضا تدل على وجوب النفقة للحامل سواء كانت في عدة الرجعي أو البائن أو الوفاة وكذلك يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس: "لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا" وقد روى البيهقي عن جابر يرفعه"في الحامل المتوفى عنها قال لا نفقة لها" قال ابن حجر ورجاله ثقات لكنه قال المحفوظ وقفه فلو صح رفعه لكان نصا في محل النزاع وينبغي أن يقيد عدم وجوب السكنى لمن في عدة الوفاة بما تقدم في وجوب اعتدادها في البيت الذي بلغها موت زوجها وهي فيه فإن ذلك يفيد أنها إذا كانت في بيت الزوج بقيت فيه حتى تنقضي العدة ويكون ذلك جمعا بين الأدلة من باب تقييد المطلق أو تخصيص العام فلا إشكال قال في المسوى: اختلف أهل العلم في السكنى للمعتدة عن الوفاة فقال أبو حنيفة لا سكنى لها بل تعتد حيث شاءت وقال مالك لها السكنى وللشافعي قولان كالمذهبين ومنشأ ذلك تردده في تأويل حديث فريعة فرأى مرة أن إذنه لها في الخروج حكم وقوله "امكثي في بيتك" أقول: يحتمل أن يكون إذنه لها من حيث إنها ذكرت أن زوجها لم يتركها في مسكن يملكه انتهى. أقول: الحق أن المتوفى عنها زوجها لا تستحق في عدة الوفاة لا نفقة ولا سكنى سواء كانت حاملا أو حائلا لزوال سبب النفقة بالموت واختصاص آية السكنى بالمطلقة رجعيا واختصاص آية إنفاق الحامل بالمطلقة كما تقدم فإذا مات وهي في بيته اعتدت فيه لا لأن لها السكنى بل لوجوب الاعتداد عليها
في البيت الذي مات وهي فيه مع أن في حديث الفريعة أنها قالت للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إن زوجها لم يتركها في منزل يملكه فأمرها أن تعتمد في ذلك المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه وهو غير مملوك له وبهذا يتضح أن ذلك لا يستلزم وجوب السكنى من تركة الميت بل هو أمر تعبد الله به المرأة فإن كان المنزل ملكها فذاك وإن كان ملك غيرها وجب عليها تسليم الأجرة مع الطلب سواء كان ملكا لورثة الزوج أو لغيرهم وعلى هذا يحمل قوله تعالى: {غَيْرَ إِخْرَاجٍ} وقوله {وَلا يَخْرُجْنَ} وقوله {لا تُخْرِجُوهُنَّ} فتقرر بمجموع ما ذكر أن المتوفى عنها مطلقا كالمطلقة بائنا إذا لم تكن المطلقة بائنا حاملا في عدم وجوب النفقة والسكنى فإن كانت المطلقة بائنا حاملا فلها النفقة ولا سكنى لها وأما المطلقة الرجعية فلها النفقة والسكنى سواء كانت حاملا أو حائلا وأما المطلقة قبل الدخول فلا عدة عليها فالنفقة ساطقة بلا ريب وكذلك السكنى والمتعة المذكورة لها في القرآن هي عوض عن المهر والملاعنة لا نفقة لها ولا سكنى لأنها إن كانت المطلقة بائنا كانت مثلها في ذلك وإن كانت المتوفى عنها زوجها فكذلك ولا ريب أن فرقتها أشد من فرقة المطلقة بائنا لأن هذه يجوز نكاحها في حال من الأحوال بخلاف تلك "وتجب على الوالد الموسر لولده المعسر والعكس"لحديث هند بنت عتبة المتقدم ويؤيده ما تقدم في الفطرة من وجوبها على الرجل ومن يمون وأما العكس فلأن النفقة هي أقل ما يفيده قوله تعالى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} وقوله: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} وقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم "أنت ومالك لأبيك" أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وابن الجارود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه فكلوا من أموالهم" أخرجه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم ويؤيد ذلك حديث "من أبر يارسول الله قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أباك "وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة قال في المسوى: تجب على الابن نفقة الأبوين إذا كان موسرا وهما معسران قال تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} وقال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} ومن المعلوم أنه ليس من الإحسان ولا من المصاحبة بالمعروف أن يموتا جوعا والولد في أرغد عيش قلت: على هذا أهل العلم
إلا أن الشافعي قال: إن كان واحد منهما قويا سويا يمكنه تحصيل قوته لا تجب نفقته وإن كان معسرا وأوجب سائر الفقهاء نفقتهم عند الإعسار ولم يشترطوا الزمانة وفي إعلام الموقعين وسأله صلى الله عليه وسلم من أحق الناس بحسن صحابتي قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال ثم أبوك متفق عليه قال الإمام أحمد الطاعة للأب وللأم ثلاثة أرباع البر "وعلى السيد لمن يملكه لحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق" وحديث "فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس" وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي ذر قلت: وذلك أنه مشغول بخدمته عن الاكتساب فوجب أن يكون كفاية عليه وعليه أهل العلم "ولا تجب على القريب لقريبه إلا من باب صلة الرحم"لعدم ورود دليل بخص ذلك بل جاءت أحاديث صلة الرحم وهي عامة والرحم المحتاج إلى نفقة أحق الأرحام بالصلة وقد قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} وعند أبي داود "أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم من أبر؟ قال: أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذلك حق واجب ورحم موصولة "أقول: ومن جملة ما يدل على نفقة الأقارب قوله تعالي: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى} وقوله تعالي: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} فقد أمر الله سبحانه بالإحسان إلى القرابة وإيتائه حقه ولا ريب أن من كان يتقلب في النعم وقريبه قد أضر به الجوع أو العرى فهو غير محسن إليه ولا قائم بحقه ومن جملة الأدلة القرآنية قوله تعالي: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فإن جمهور السلف فسروها بأن على الرجل الذي يرث أن ينفق على الموروث مثل ما ينفق المولود له على والدة الولد كما في أول الآية ومن الأدلة على ذلك ما تقدم في رواية أبي داود وهو في الصحيحين أيضا وأخرجه النسائي بنحوه وزاد "ثم أدناك أدناك" وفيه "وابدأ بمن تعول" وفي الصحيحين أيضا بلفظ "من أحق الناس بحسن صحابتي يارسول الله قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك ثم أدناك أدناك" وأخرجه الترمذي وقال "ثم الأقرب فالأقرب" وفي المسألة مذاهب مختلفة قد بسطها صاحب الهدي وغيره. وأما ماقيل