الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الإجارة
قال الله تعالى في قصة موسى وشعيب عليهما السلام: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} وقال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} في هذه الآية مشروعية الإجارة مطلقا ومشروعية الإجارة بتسليم نفسه للخدمة وعليه أهل العلم وتدل أيضا على أنه إن أطاق الخدمة فهي محمولة على المتعارف ولا يضرها الجهالة في الجملة لأن الإرضاع والرعي لا يضبطان حق الضبط "تجوز على كل عمل لم يمنع منه مانع شرعي"لإطلاق الأدلة الواردة في ذلك كحديث أبي سعيد قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره "أخرجه أحمد ورجال إسناده رجال الصحيح وأخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة غير مرفوع ولفظ بعضهم من استأجر أجيرا فليسم له أجرته ولا طلاق حديث أبي هريرة عند البخاري وأحمد قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله عز وجل: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره" وقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم دليلا عند هجرته إلى المدينة كما في البخاري وغيره وثبت من حديث أبي هريرة عند البخاري قال: "قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه: وأنت قال: نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة" وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي من حديث سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرمة العبدي بزا من هجر فأتينا به مكة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له: زن وأرجح "وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لم يذكر قدر أجرته بل أعطاه ما يعتاده في مثل ذلك وقد كان الصحابة
1وغذا أراد أن يبيع باع بالبخس لخوف المشتري الجديد أن يخرج من ملكه بالشفعة. والحق أن تقدير أن هذا الحق للشريك لأنه مما لا فص فيه فإذا حد لخ اجلا وجب الوقوف عنده.
رضي الله تعالى عنهم يؤجرون أنفسهم في عصره صلى الله عليه وسلم ويعملون الأعمال المختلفة حتى إن عليا آجر نفسه من امرأة على أن ينزع لها كل ذنوب بتمرة فنزع ستة عشر ذنوبا حتى مجلت1 يداه فعدت له ست عشرة تمرة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فأكل معه منها أخرجه أحمد من حديث علي بإسناد جيد وأخرجه أيضا ابن ماجه وصححه ابن السكن وأخرجه البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عباس "أن عليا آجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة "وأما المانع الشرعي فهو مثل الصور التي سيأتي ذكرها
"وتكون الأجرة معلومة عند الاستئجار"لحديث أبي سعيد المتقدم "فإن لم تكن"أجرته "كذلك"أي معلومة "استحق الأجير مقدار عمله عند أهل ذلك العمل"لحديث سويد بن قيس السابق ولكون ذلك هو الأقرب إلى العدل وأما أجرة القسام فأقول: القسام أجير كسائر الأجراء يستحق أجرته ممن عمل له فإن كانت مسماة لم يستحق سواها وإن كانت غير مسماة كانت له مثله على حسب العمل ولكنه لا يُجعل له من الأجرة ما يُجعل لمن يزاول الأعمال الوضيعة لأن مرجع صناعة القسمة إلى العلم وهو أشرف صناعة دينا ودنيا ولا يجعل له ما يجعل للقسامين في هذا العصر من الأجرة التي تكاد تبلغ إلى مقدار نصيب بعض المقتسمين فإن ذلك من الظلم البحت بل يسلك به مسكا وسطا وتكون الأجرة على مقدار الأنصباء فيكون على كل واحد من الشركاء بمقدار نصيبه وأما ما يروى عن بعض أهل العلم أن أجرة القسام تكون نصف عشر التركة أو ربع عشرها فمجازفة لا ترجع إلى دليل بل إعانة لظلمة القسامين على أكل أموال الناس بالباطل ولقد تفاحش كثير من الحكام ونوابهم في هذا الأمر وصنعوا صنيع من لا يخشى تبعة في الدنيا والآخرة نسأل الله السلامة مع أن من كان منهم يأخذ مقررا من بيت المال لا يستحق على القسمة شيئا من الأجرة لأنه قد صار مستغرق المنافع فكما أنه لا يأخذ أجرة على قضائه كذلك لا يأخذ أجرة على القسمة لأن الكل من مصالح المسلمين التي أخذ نصيبا من بيت المال في مقابلة القيام بها بحسب طاقته
1مجلت يده إذا تخن جلدها وظهر فيها ما يشبه البئر من العمل في الأشياء الصلبة الخشنة قاله ابن الأثير.
"وقد ورد النهي عن كسب الحجام ومهر البغي وحلوان الكاهن"لحديث أبي هريرة "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كسب الحجام ومهر البغي وثمن الكلب "أخرجه أحمد برجال الصحيح وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط ومثله من حديث رافع بن خديج عند أحمد وأبي داود والنسائي والترمذي وصححه وهو أيضا في صحيح مسلم وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي مسعود البدري قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن ""وعسب الفحل"وقد تقدم الكلام على ثمن الكلب وعلى عسب الفحل في البيع والمراد بمهر البغي ما تأخذه الزانية على الزنا والمراد بحلوان الكاهن عطية الكاهن لأجل كهانته والحلوان بضم الحاء المهملة مصدر حلوته إذا أعطيته وقد استدل بما تقدم بعض أهل الحديث فقال: إنه يحرم كسب الحجام وقد ورد في معنى ما تقدم أحاديث وفي بعضها التصريح بأنه خبيث وأنه سحت وذهب الجمهور إلى أنه حلال لحديث أنس في الصحيحين وغيرهما "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فخففوا عنه "وفيهما أيضا من حديث ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولو كان سحتا لم يعطه "والأولى الجمع بين الأحاديث بأن كسب الحجام مكروه غير حرام إرشادا منه صلى الله عليه وسلم إلى معالي الأمور ويؤيد ذلك حديث محيصة ابن مسعود عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات "أنه كان له غلام حجام فزجره النبي صلى الله عليه وسلم عن كسبه فقال له: ألا أطعمه أيتاما لي؟ قال: لا قال: أفلا أتصدق به قال: لا فرخص له أن يعلفه ناضحه "فلو كان حراما بحتا لم يرخص له أن يعلفه ناضحه ويستفاد منه أن إعطاءه صلى الله عليه وسلم الحجام لا يستلزم أن يأكله أهله حتى تتعارض الأحاديث فقد يكون مكروها لهم ويكون وصفه بالسحت والخبث مبالغة في التنفير وقد يمكن الجمع بأن المنع عن مثل ما منع منه محيصة والإذن بمثل ما أذن له ورخص له فيه "وأجر المؤذن"لحديث عبادة بن الصامت "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعثمان ابن أبي العاص: "واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا" وفي لفظ "لا تتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا " والحديث في الصحيح1 "وقفير الطحان"لحديث
1ولكن هل هذا يدل على كراهة أخذ المؤذن الأجر لا أظن ذلك بل يدل عل يأن علي الإمام أن =
أبي سعيد قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان "أخرجه الدارقطني والبيهقي وفي إسناده هشام أبو كليب قيل: لا يعرف وقد أورده ابن حبان الثقات ووثقه مغلطاي وقفيز الطحان هو أن يطحن الطعام بجزء منه وقيل: المنهي عنه طحن الصبرة1 لا يعلم قدرها بجزء منها "ويجوز الاستئجار على تلاوة القرآن"لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره "أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال: هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشاء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا: أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يارسول الله: أخذ على كتاب الله أجرا! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" "وفي لفظ من حديث أبي سعيد "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهما" وضحك النبي صلى الله عليه وسلم "والحديث في الصحيحين بألفاظ وفي حديث خارجة بن الصلت عن عمه في رقية المجنون بقاتحة الكتاب "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي "لا على تعليمه" لحديث أبي بن كعب قال: "علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إن أخذتها أخذت قوسا من نار" فرددتها "أخرجه ابن ماجه والبيهقي وقد أعل بالانقطاع وتعقب وأعل أيضا بجهالة بعض رواته وتعقب وله شاهد عند الطبراني من حديث الطفيل بن عمر والدوسي قال: "أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوسا فغدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد تقلدها فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "تقلدها من جهنم " وعلى هذا يحمل حديث عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرؤا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به " أخرجه أحمد برجال الصحيح وأخرجه أيضا البزار وله شواهد وحديث عمران بن حصين "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اقرؤا القرآن واسألوا الله به فإن من بعدكم "
= يبحث عمن لا يأخذ الجر ليكون اكثر ثوابا وأما المؤذن الأجر فلم يرد فيه نهي ويكون بمفهوم هذا الحديث خلاف الأولى. والأصل في الأشياء الإباحة وما سكت الله عنه فهو عفو كم في الحديث الصحيح.
1 هي الطعام المجتمع كالكومة.
قوما يقرؤون القرآن يسألون الناس به "أخرجه أحمد والترمذي وحسنه وفي الباب أحاديث ووجه المنع من أخذ الأجرة على تعليمه أن ذلك من تبليغ الأحكام الشرعية وهو واجب وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة وبه قال عطاء والضحاك والزهري وإسحق وعبد الله بن شقيق هذا وقد مال الماتن في حاشية الشفاء: إلى أن الجمع متقدم على الترجيح قال لأن حديث "أحق ما أخذتم عليه أجرا القرآن" عام يصدق على التعليم وأخذ الأجرة على التلاوة لمن طلب من القارىء ذلك وأخذ الأجرة على الرقية وأخذ ما يدفع إلى القارىء من العطاء لأجل كونه قارئا ونحو ذلك فيخص من هذا العموم تعليم المكلف ويبقى ما عداه داخلا تحت العموم وبعض أفراد العام فيه أدلة خاصة تدل على جوازه كما دل العام على ذلك فمن تلك الأفراد أخذ الأجرة على الرقية وتعليم المرأة في مقابلة مهرها فهكذا ينبغي تحرير الكلام في المقام والمصير إلى الترجيح من ضيق العطن ولا سيما لما لا مدخل له فيما نحن بصدده كما زعمه المصنف والمقبلي وبهذا تعلم أن ما ساقه في أدلة القائلين بجواز أخذ الأجرة على التعليم من حديث الرقية لا دلالة فيه على المطلوب "ويجوز أن يكري العين مدة معلومة بأجرة معلومة"لما ورد من إكراء الأراضي في عصره صلى الله تعالى عليه وسلم كحديث رافع بن خديج في الصحيحين قال: "كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما بالورق فلم ينهنا "وفي لفظ لمسلم وغيره "فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به "وسائر الأعيان لها حكم الأرض وفي شرح السنة: ذهب عامة أهل العلم إلى جواز كراء الأرض بالدراهم والدنانير وغيرها من صنوف الأموال سواء كان مما تنبت الأرض أولا تنبت إذا كان معلوما بالعيان أو بالوصف كما يجوز إجارة غير الأراضي من العبيد والدواب وغيرها وجملته أن ما جاز بيعه جاز أن يجعل أجرة قال محمد: لا بأس بكراء الأرض بالذهب والورق وبالحنطة كيلا معلوما وضربا معلوما ما لم يشترط ذلك مما يخرج منها فإن اشترط مما يخرج منها كيلا معلوما فلا خير فيه وهو قول أبي حنيفة والعامة من فقهائنا "ومن ذلك الأرض لا بشطر ما يخرج منها"لأن أحاديث "أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عامل أهل
خيبر بشطر ما يخرج من تمر أو زرع "وإن كانت ثابتة في الصحيحين وغيرهما فهي منسوخة بمثل حديث رافع المتقدم وما ورد في معناه وفي المسألة مذاهب متنوعة وأدلة مختلفة واجتهادات مضطربة قد أوضحها الماتن في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة وذكرتها في مسك الختام ومن أصرح أحاديث النهي حديث جابر عند مسلم وغيره قال: "كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من القصري1 ومن كذا ومن كذا فقال النبي صلى الله عليه وسلم " من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه وإلا فليدعها " وفي حديث سعد بن أبي وقاص "أنه نهاهم أن يكروا بذلك وقال: " أكروا بالذهب والفضة" أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ورجاله ثقات وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة نحو حديث جابر وفي الحجة البالغة: اختلف الرواة في حديث رافع اختلافا فاحشا وكان وجوه التابعين يتعاملون بالمزارعة ويدل على الجواز حديث معاملة أهل خيبر وأحاديث النهي عنها محمولة على الإجارة بما على الماذيانات أو قطعة معينة وهو قول رافع أو على التنزيه والإرشاد وهو قول ابن عباس أو على مصلحة خاصة بذلك الوقت من جهة كثرة مناقشتهم في هذه المعاملة حينئذ وهو قول زيد رضي الله تعالى عنه والله تعالى أعلم والمزارعة أن يكون الأرض والبذر لواحد والعمل والبقر من الآخر والمخابرة أن يكون الأرض لواحد والبذر والبقر والعمل من الآخر ونوع آخر يكون العمل من أحدهما والباقي من الآخر انتهى "ومن أفسد ما استؤجر عليه أو أتلف ما استأجره ضمن"لمثل حديث "على اليد ما أخذت حتى تؤديه" أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي والحاكم وصححه وهو من حديث الحسن عن سمرة وفي سماعه منه كلام مشهور والمراد أن على اليد ضمان ما أخذت حتى تؤديه وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه والبزار من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن" وقد أخرجه النسائي مسندا منقطعا ويؤيده حديث عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز
1قوله القصري قال النووي في شرح مسلم هو بقاف مكسورة ثم صاد مهملة ساكنة ثم راء مكسورة ثم ياء مشددة على وزن القبطي هكذا ضبطناه وكذا ضبطه الجمهور وهو المشهور قال القاضي هكذا رويناه عن أكثرهم وعن الطبري بفتح القاف والراء مقصور وعن ابن الخزاعي ضم القاف مقصور وقال الصواب الأول وهو ما بقي من الحب في السنبل بعد الدباس اهـ.