الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أرى على من أخذها ليصرفها في مصالح المؤمنين أو يدفع بها مفاسدهم بأسا ولم يرد ما يدل على المنع انتهى وقد أوضح الماتن الكلام فيها في شرح المنتقى فليراجع "والوقف على القبول لرفع سُمكها أو تزيينها أو فعل ما يجلب على زائرها فتنة باطل" لأن رفعها قد ورد النهي عنه كما في حديث علي "أنه أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ولا تمثالا إلا طمسه "وهو في مسلم وغيره وكذلك تزيينها وأشد من ذلك ما يجلب الفتنة على زائرها كوضع الستور الفائقة والأحجار النفيسة ونحو ذلك فإن هذا مما يوجب أن يعظم صاحب ذلك القبر في صدر زائره من العوام فيعتقد فيه مالا يجوز وهكذا إذا وقف للنحر عند القبور ونحوه مما فيه مخالفة لما جاء عن الشارع أما إذا وقف على إطعام من يفد إلى ذلك القبر أو نحو ذلك فهذا هو وقف على الوافد لا على القبر وما صنع الواقف بوقفه على القبر إلا ما يعرضه للإثم فقد يكون ذلك سببا للاعتقادات الفاسدة. وبالجملة: فالوقف على القبور مفسدة عظيمة ومنكر كبير إلا أن يقف على القبر مثلا لإصلاح ما انهدم من عمارته التي لا إشراف فيها ولا رفع ولا تزيين فقد يكون لهذا وجه صحة وإن كان غير القبر أحوج إلى ذلك كما قال الصديق رضي الله تعالى عنه الحي أولى بالجديد من الأكفان أو كما قال*
كتاب الهدايا
جمع هدية قال في الحجة البالغة: إنما يبتغى بها إقامة الألفة فيما بين الناس ولا يتم هذا المقصود إلا بأن يرد إليه مثله فإن الهدية تحبب المهدي إلى المهدى له من غير عكس وأيضا فإن اليد العليا خير من اليد السفلى ولمن أعطى الطول على من أخذ فإن عجز فليشكره وليظهر نعمته فإن الثناء أول اعتداد بنعمته وإضمار لمحبته وأنه يفعل في إيراث الحب ما تفعل الهدية ومن كتم فقد خالف عليه ما أراده وناقض مصلحة الائتلاف وغمط حقه ومن أظهر ما ليس في الحقيقة فذلك كذب انتهى. يشرع قبولها ومكافأة فاعلها"لحديث أبي هريرة عند البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "لو دعيت إلى كراع أو ذراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت" وأخرج أحمد والترمذي وصححه نحوه من حديث أنس وأخرج الطبراني من حديث أم حكيم الخزاعية قالت: "قلت يارسول الله: تكره رد اللطف قال: ما أقبحه لو أهدي إلي كراع لقبلته" وأخرج أحمد برجال الصحيح من حديث خالد بن عدي "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه" وأخرج البخاري وغيره من حديث عائشة قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها "والأحاديث في قبول الهدية والمكافأة عليها وذلك معلوم منه صلى الله عليه وسلم "ويجوز بين المسلم والكافر" لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل هدايا الكفار ويهدي لهم كما أخرجه أحمد والترمذي والبزار من حديث علي قال: "أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل منه وأهدت له الملوك فقبل منها "وأخرج أبو داود من حديث بلال "أنه أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم عظيم فدك "وفي الصحيحين من حديث أنس "أن أكيدر دومة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة سندس "وأخرج أبو داود من حديثه "أن ملك الروم أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستقة1 سندس فلبسها "وفيهما أيضا من حديث علي "أن أكيدر دومة الجندل2 أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال: شققه خمرا بين الفواطم " وأخرج البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر قالت: "أتتني أمي راغبة في عهد قريش وهي مشركة فسألت النبي صلى الله عليه وسلم أصلها قال نعم " قال ابن عبينة: فأنزل الله فيها: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} وقد أخرج أحمد والطبراني من حديث أم سلمة "أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال لها: إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وأواقي من مسك ولا أرى النجاشي إلا قد
1 بضم الميم وإسكان السين المهملة وفتح التاء ويجوز أيضا فتح الميم هي فراء طوال الأكمام ومساتق وأصل الكلمة فارسي ووقع في الأصل بالشين المعحمة وهو خطأ.
2 دومة الجندل – بفتح الدال وضمها – حصن وقرى بين الشام والمدينة قرب جبلي طئ. وأكيدر بالتصغير اسم ملكها وكان نصرانيا فأسلم وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ما في يده ثم نقض الصلح فأجلاه عمر وقيل إنه قتل في عهد أبي بكر قتله خالد بن الوليد وهو التصحيح
مات ولا أرى هديتي إلا مردودة فإن ردت إلي فهي لك " وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وثقه يحيى بن معين وغيره وضعفه جماعة والأحاديث في قبوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لهدايا الكفار كثيرة جدا وأما ما أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن خزيمة وصححاه من حديث عياض بن حمار "أنه أهدى للنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم هدية أو ناقة فقال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: أسلمت قال: لا قال: إني قد نهيت عن زبد المشركين" وأخرج موسى بن عقبة في المغازي عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك "أن عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الأسنة قدم على النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وأهدى له فقال: "إني لا أقبل هدية مشرك" قال في الفتح: رجاله ثقات إلا أنه مرسل: قال الخطابي: يشبه أن يكون هذا الحديث منسوخا وقيل: إنما رد ذلك إليهم لقصد الإغاظة أو لئلا يميل إليهم ولا يجوز الميل إلى المشركين وأما قبوله لهدية من تقدم ذكره فهو لكونهم قد صاروا من أهل الكتاب وقيل: إن الرد في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى بذلك تأنيسه وتأليفه ويمكن أن يكون النهي لمجرد الكراهة التي لا تنافي الجواز جمعا بين الأدلة وزبد المشركين هو بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها دال مهملة قال في الفتح: هو الرفد انتهى. ويحرم الرجوع فيها لكون الهدية هي هبة لغة وشرعا وقد ورد في ذلك حديث ابن عباس عند البخاري وغيره "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه" وهو في مسلم أيضا وفي لفظ للبخاري "ليس لنا مثل السوء" وأخرج أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من حديث ابن عمر وابن عباس رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الرجل يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم رجع في قيئه "وقد دل قوله "لا يحل " على تحريم الرجوع من غير نظر إلى التمثيل الذي وقع الخلاف فيه هل يدل على الكراهة أو التحريم وقد ذهب إلى التحريم جمهور العلماء إلا هبة الوالد لولده كذا قال في الفتح "وتجب التسوية بين الأولاد"لحديث جابر عند مسلم وغيره قال: "قالت امرأة بشير انحل ابني غلاما وأشهد لي
رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلامي فقال: له إخوة؟ قال: نعم قال: فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته؟ قال: لا قال: فليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق " وفي لفظ لأحمد من حديث النعمان بن بشير "لا تشهدني على جور إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم " وفي الصحيحين من حديثه "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: أكل ولدك نحلته مثل هذا؟ فقال: لا فقال فأرجعه " وفي لفظ لمسلم من حديثه "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم" فرجع أبي في تلك الصدقة "وكذا في البخاري ولكنه بلفظ العطية وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي من حديثه قال: "قال صلى الله عليه وسلم: " اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم" وأخرج الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور من حديث ابن عباس بلفظ "سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء " وفي إسناده سعيد بن يوسف وفيه ضعف وقد حسن في الفتح إسناده وهذه الأحاديث تدل على وجوب التسوية وأن التفضيل باطل جور يجب على فاعله استرجاعه وبه قال طاوس والثوري وأحمد وإسحق وبعض المالكية وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فقط وأجابوا عن الأحاديث بما لا ينبغي الالتفات إليه. والحاصل: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بالتسوية بين الأولاد وقد تولى الله سبحانه كيفية ذلك في محكم كتابه وسمى التفضيل جورا فمن زعم أنه يجوز التفضيل لسبب من الأسباب كالبر ونحوه فعليه الدليل ولا ينفعه المجيء بما هو أعم من هذا الحديث المقتضي للأمر بالتسوية والمقام محتمل للتطويل والبسط وقد جمع الماتن رحمه الله فيه رسالة مستقلة وذكر في شرح المنتقى ما أجاب به القائلون بعد وجوب التسوية وهي وجوه عشرة وأجاب عن كل واحد منها وأوضحت المقام أيضا في كتابي دليل الطالب على أرجح المطالب فليراجع قال ابن القيم في حديث نعمان بن بشير المتقدم: هذا الحديث هو من تفاصيل العدل الذي أمر الله به في كتابه وقامت به السموات والأرض وأثبتت عليه الشريعة فهو أشد موافقة للقرآن من كل قياس على وجه الأرض وهو محكم الدلالة غاية الإحكام فرد بالمتشابه من قوله "كل أحد أحق بماله من ولده ووالده والناس أجمعين "فكونه أحق به يقتضي جواز تصرفه فيه كما يشاء وبقياس متشابه على إعطاء الأجانب ومن المعلوم