المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إنه يستحب زيارة قبره، كما يستحب زيارة سائر القبور، وأطلق - الصارم المنكي في الرد على السبكي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة مختصرة للحافظ ابن عبد الهادي

- ‌اسمه:

- ‌ميلاده:

- ‌مشايخه:

- ‌ثناء أهل العلم عليه:

- ‌ الحافظ المزي:

- ‌ الحافظ ابن كثير:

- ‌ الحافظ ابن رجب:

- ‌ الحافظ أبو المحاسن:

- ‌ الإمام الذهبي:

- ‌ الحافظ ابن حجر:

- ‌ الإمام السيوطي:

- ‌ الصفدي:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مقدمه المؤلف

- ‌الباب الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة نصاً

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض خالد بن يزيد إن كان هو العمري، فقد قال ابن حبان: أنه منكر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثاني: فيما ورد من الأخبار والأحاديث دالاً على فضل الزيارة، وإن لم يكن فيه لفظ الزيارة

- ‌قال المعترض

- ‌فصل: في علم النبي صلى الله عليه وسلم بمن يسلم عليه

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثالث: فيما ورد في السفر إلى زيارته صلى الله عليه وسلم صريحاً وبيان أن ذلك لم يزل قديماً وحديثاً

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزيارة انتهى كلامه

- ‌الباب الرابع: في نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أن ذلك مجمع عليه بين المسلمين

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: هذا كلام القاضي وما اختاره يشكل عليه قوله: ((من زار قبري)) فقد أضاف الزيارة إلى القبر إلا أن يكون هذا الحديث لم يبلغ مالكاً فحينئذ يحسن ما قاله القاضي في الاعتذار عنه، لا في إثبات هذا الحكم في نفس الأمر، ولعله يقول: إن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا محذور فيه، والمحذور إنما هو ف يقول غيره

- ‌قال المعترض: وهذا الجواب بينه وبين جواب القاضي بون في شيئين: أحدهما أنه يقتضي تأكيد نسبة معنى الزيارة إلى القبر، وأنه يجتنب لفظها، وجواب القاضي يقتضي عدم نسبتها إلى القبر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفاً (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين

- ‌الباب الخامس: في تقرير كون الزيارة قربة وذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: بعد حكايته هذا الكلام عن الشيخ: وبقي قسم لم يذكره وهو أن تكون للتبرك به من غير إشراك به فهذه ثلاثة أقسام

- ‌قال المعترض

الفصل: إنه يستحب زيارة قبره، كما يستحب زيارة سائر القبور، وأطلق

إنه يستحب زيارة قبره، كما يستحب زيارة سائر القبور، وأطلق هذا كان ذلك متضمناً لاستحباب السفر لمجرد القبر، فإن الحجاج وغيرهم لا يمكنهم زيارة قبره إلا بالسفر إليه لمن قد علم أن الزيارة المعهودة من القبور ممتنعة في قبره، فليست من العمل المقدور ولا المأمور، فامتنع أن يكون أحد من العلماء يقصد بزيارة قبره هذه الزيارة، وإنما أرادوا السفر إلى مسجده والصلاة والسلام عليه والثناء عليه هناك، لكن سموا هذا زيارة لقبره كما اعتادوه.

ولو سلكوا مسلك التحقيق الذي سلكه الصحابة ومن اتبعهم لم يسموا هذا زيارة لقبره، وإنما هو زيارة لمسجده وصلاة وسلام عليه ودعاء له، وثناء عليه في مسجده، سواء كان القبر هنالك أولم يكن.

ثم كثير من المتأخرين لما رويت أحاديث في زيارة قبره ظن أنها أو بعضها صحيح فتركب من إجمال اللفظ ورواية هذه الأحاديث الموضوعة غلط من غلط في استحباب السفر لمجرد زيارة القبر، وإلا فليس هذا قولاً منقولاً عن إمام من أئمة المسلمين، وإن قدر أنه قاله بعض العلماء كان هذا قولاً ثالثاً في المسألة.

فإن الناس في السفر لمجرد زيارة القبور لهم قولان: النهي والإباحة، فإذا كان قولاً من عالم مجتهد ممن يعتد به في الإجماع أن ذلك مستحب صارت الأقوال ثلاثة ثم ترجع إلى الكتاب والسنة كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء59)

‌قال المعترض

الحديث الرابع: ((من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي)) رواه الدارقطني في سننه وغيرها ورواه غيره أيضاً، ثم ذكره من حديث أبي الربيع الزهراني عن حفص بن أبي داود، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي)) وفي لفظ ((من حج فزارني بعد وفاتي كان كمن زارني وصحبتي)) هكذا في هذه الرواية بزيادة صحبتي.

وأعلم أنه هذا الحديث لا يجوز الاحتجاج به، ولا يصلح الاعتماد على مثله، فإنه حديث منكر المتن، ساقط الإسناد، لم يصححه أحد من الحفاظ ولا احتج به أحد من

ص: 62

الأئمة، بل وضعفوه وطعنوا فيه، وذكر بعضهم أنه من الأحاديث الموضوعة والأخبار المكذوبة، ولا ريب في كذب هذه الزيادة فيه.

وأما الحديث بدونها فهو منكر جداً ورواية حفص بن أبي داود وهو حفص ابن سليمان أبو عمر الأسدي الكوفي البزارز القارئ الغاضري؛ وهو صاحب عاصم بن أبي النجود في القراءة وابن امرأته، وكان مشهوراً بمعرفة القراءة ونقلها، وأما الحديث فإنه لم يكن من أهله، ولا ممن يعتمد عليه في نقله، ولهذا جرحه الأئمة وضعفوه وتركوه واتهمه بعضهم.

قال عثمان بن سعيد الدارمي وغيره عن يحي بن معين: ليس بثقة، وذكر العقيلي عن يحي أنه سئل عنه فقال ليس بشيء، وقال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: حفص بن سليمان أبو عمر القارئ متروك الحديث.

وقال البخاري (1) : (تركوه) وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزياني (2) : قد فرغ منه من دهر، وقال مسلم بن الحجاج: متروك، وقال علي بن المديني: ضعيف الحديث، وتركته على عمد، وقال النسائي (3) :((ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال مرة: متروك الحديث)) وقال صالح بن محمد البغدادي: لا يكتب حديثه وأحاديثه كلها مناكير، وقال زكريا الساجي: يحدث عن سماك وعلقمة بن مرثد وقيس بن مسلم وعاصم أحاديث بواطيل، وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث، وقال ابن أبي حاتم (4) : ((سألت أبي عنه فقال: لا يكتب حديث هو ضعيف الحديث لا يصدق متروك الحديث، قلت: ما حاله في الحروف؟ قال أبو بكر بن عياش: أثبت منه وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: كذاب متروك، بضع الحديث.

وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وقال الدارقطني (5) : ضعيف، وقال أبو حاتم بن حيان (6) : كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع، وقال ابن عدي (7) : أخبرنا الساجي حدثنا أحمد بن محمد

(1) انظر الضعفاء الصغير للبخاري، ص357، الطبعة الهندية والتاريخ الكبير له 3/313.

(2)

انظر أحوال الرجال له رقم 174.

(3)

انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي ص82.

(4)

انظر الجرح والتعديل 3/173-174

(5)

انظر الضعفاء والمتروكين للدارقطني، بتحقيق موفق بن عبد الله بن عبد القادر ص185

(6)

انظر المجروحين لابن حبان 1/250.

(7)

انظر الكامل لابن عدي 2/788-791.

ص: 63

البغدادي، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: كان حفص بن سليمان وأبو بكر بن عياش من أعلم الناس بقراءة عاصم، وكان حفص أقرأ من أبي بكر، وكان أبو بكر صدوقاً، وكان حفص كذاباً، وروى ابن عدي لحفص أحاديث منكرة غير محفوظة منها هذا الحديث الذي رواه في الزيارة ثم قال: وهذه الأحاديث يرويها حفص بن سليمان، ولحفص غير ما ذكرت من الحديث وعامة حديثه عمن روى عنهم غير محفوظ.

وقال العقيلي (1) : حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني ابي،قال: حدثنا يحيى القطان قال: ذكر شعبة حفص بن سليمان فقال: كان يأخذ كتب الناس وينسخها، وقال شعبة: أخذ مني حفص بن سليمان كتاباً فلم يرده، وقال العقيلي:أيضاً حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا شبابة قال: قلت لأبي بكر بن عياش: أبو عمر رأيته عند عاصم، قال: قد سألتني عن هذا غير واحد ولم يقرأ على عاصم أحد إلا وأنا أعرفه ولم أر هذا عند عاصم قط؛ وقال أبو بشر الدولابي في كتاب الضعفاء والمتروكين حفص بن سليمان متروك الحديث.

وقد روى البيهقي (2) في كتاب السنن الكبير حديث حفص الذي رواه في الزيارة وقال تفرد به حفص وهو ضعيف، وقال في كتاب (شعب الإيمان) وروى حفص بن أبي داود وهو ضعيف عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر مرفوعاً ((من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن في حياتي)) أخبرناه أبو سعد الماليني أنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا عبد الله بن أحمد البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بهذا الحديث.

وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان،أنبأنا أحمد بن عبيد حدثني محمد بن إسحاق الصفار، حدثنا ابن بكار، حدثنا حفص بن سليمان فذكره وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال البيهقي: تفرد به حفص وهو ضعيف في رواية الحديث.

هكذا ضعف البيهقي حفصاً في كتاب السنن الكبير، وفي كتاب (شعب الإيمان) وذكر أنه تفرد برواية هذا الحديث، فإذا كانت هذه حال حفص عند أئمة هذا الشأن فيكف يحتج بحديث رواه، أو يعتمد على خبر نقله، مع أنه قد اختلف عليه في رواية هذا

(1) انظر الضعفاء للمقبلي 1/270 وميزان الاعتدال للذهبي 1/558.

(2)

انظر السنن الكبرى للبيهقي 5/246.

ص: 64

الحديث، فقيل عنه عن ليث بن أبي سليم، كما تقدم، مع أن ليثاً مضطرب عندهم، وقيل عنه عن كثير من شظير عن ليس.

قال أبو يعلي: أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، حدثنا يحي بن أيوب المقابري، حدثنا حسان بن إبراهيم، حدثنا حفص بن سليمان عن كثير بن شنظير عن ليس بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج فزارني بعد وفاتي عند قبري فكأنما زارني في حياتي)) .

واعلم أن هذا المعترض على شيخ الإسلام قد ارتكب من الكلام على هذا الحديث الذي رواه حفص أمراً يدل على جهله، أو على أنه رجل متبع لهواه، وهو أنه توقف في كون حفص بن أبي داود راوي هذا الحديث هو حفص بن سليمان القاري، بل يحتمل أن يكون حفصاً آخر عنده ويكون قد تابع حفصاً على رواية هذا الحديث، ويكون الحفصان قد اتفقا في اسم الأب وكنيته وجعل ذلك من مواضيع النظر، فقال: قد ذكر ابن حبان في كتاب الثقات ما يقتضي التوقف في ذلك فإنه قال: حفص بن سليمان البصري المنقري يروي عن الحسن مات سنة ثلاثين ومائة، وليس هذا بحفص بن سليمان البزاز أبي عمر القاري ذاك ضعيف وهذا ثبت (1) .

ثم قال في الطبقة التي بعدها هذه: حفص بن أبي داود يروي عن الهيثم بن حبيب عن عون بن أبي جحيفة، روى عنه أبو الربيع الزهراني.

هذا كلام ابن حبان ومقتضاه أن حفص بن أبي داود المذكور في الطبقة الأخيرة ثقة وأنه غير القاري الضعيف المذكور في الطبقة التي قبله على سبلي التمييز بينه وبين المتقري البصري، ولعل أبا الربيع الزهراني روى عنهما جميعاً، أعني حفص بن سليمان المقري، وحفص بن أبي داود، وإن اختلفت طبقتهما: وقد ذكر ابن حبان (2) حفص بن سليمان المقري في كتاب المجروحين وذكر ضعفه، وقال: إنه ابن أبي داود، ويبعد القول بأن اشتبه عليه ويجعلهما اثنين أحدهما ثقة والآخر ضعيف.

على أن هذا الاستبعاد مقابل بأن ابن عدي (3) ذكر في ترجمة حفص القاري حديثاً

(1) انظر كتاب الثقات لابن حبان 6/195.

(2)

تقدم صفحة 63 حاشية (6)

(3)

تقدم صفحة 63 حاشية (7) .

ص: 65

من رواية أبي الربيع الزهراني، عن حفص بن أبي داود، عن الهيثم بن حبيب، عن عون بن أبي حجيفة عن أبيه قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم برجل يصلي قد سدل ثوبه فعطفه عليه.

ويبعد أيضاً أن يكونا اثنين ويشتبه على ابن عدي فيجعلهما واحداص، والموضع موضع نظر، فإن صح مقتضى كلام ابن حبان زال الضعف فيه، ولا ينافي هذا كونه جاء مسمى في رواية هذا الحديث لجواز أن يكون قد وافق حفصاً القاري في اسم أبيه وكنيته وإن كان هو القارئ كما حكم به ابن عدي وغيره وهو ابن امرأة عاصم فقد أكثر الناس الكلام فيه وبالغوا في تضعيفه حتى قيل عن عبد الرحمن بن يوسف بن خراش: أنه كذاب متروك يضح الحديث.

وعندي أن هذا القول سرف، فإن هذا الرجل إمام قراءة، وكيف يعتقد أنه يقدم على وضع الحديث والكذب، ويتفق الناس على الأخذ بقراءته، وإنما غايته أنه ليس من أهل الحديث (1) ، فذلك وقعت المنكرات والغلط الكثير في روايته.

هذا كله كلام المعترض وهذا الذي ذكره هو خلاصة نظره ونهاية تحقيقه وغاية بحثه وتدقيقه، وهو كما ترى مشتمل على الوهم والإبهام والخبط والتخطيط والتلبيس، لإن راوي هذا الحديث هو حفص بن سليمان القاري الضعيف وهو حفص بن أبي داود بلا شك ولا ريب (2) ، وإن أدنى من يعد من طلبة علم الحديث بعرف ذلك ولا بجهله ولا يشك فيه، ومن ادعى أن هذا الحديث رواه رجلان كل منهما يقال له حفص بن أبي داود وحفص بن سليمان وأحدهما ثقة والآخر ضعيف، فهو جاهل مخطئ بالإجماع أو معاند صاحب هوى متبع لهواه مقصود الترويج والتلبيس، وخلط الحق بالباطل {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (النور 040)

ومن نظر من آحاد الناس في كتب الحديث واطلع على كلام أئمة الجرح والتعديل، وعنى بذلك بعض العناية تبين له أن راوي هذا الحديث هو حفص بن سليمان القارئ وأنه حفص بن أبي داود وأنه لم يتابعه على روايته حفص آخر غيره قد وافقه في اسمه

(1) قلت: هذا هو العدل والإنصاف.

(2)

ذكر الخطيب البغدادي في (موضع أوهام الجمع والتفريق) أن حفص بن سليمان البزار أبا عمر الفاري وحفص بن داود وحفص الغافري هو واحد 2/47-48.

ص: 66

واسم أبيه وكنيته، وهو مع هذا من جملة الثقات، وها أنا أسوق هذا الحديث من كتب بعض من ذكره من الأئمة وأشير إلى ما يتبين به من كلامهم من رواية حفص بن سليمان القاري الذي يقول فيه بعض الرواة: حفص بن أبي داود.

قال البيهقي: في كتاب السنن الكبير حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف أملاء، أنبأنا أبو الحسن محمد بن نافع بن إسحاق الخزاعي بمكة، حدثنا المفضل بن محمد الجندي حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا حفص بن سليمان أبو عمر عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد عن عبد الله بن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج فزار قبري بعد موتي كأن كمن زارني في حياتي)) .

قال البيهقي: وأخبرنا أبو سعد الماليني، أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ، حدثنا الحسن بن سفيان، حدثنا علي بن حجر، حدثنا حفص بن سليمان، وأنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود فذكره، قال البيهقي: تفرد به حفص وهو ضعيف (1) .

فهذا البيهقي قد نص على أن حفصاً تفرد به وحكم عليه بالضعف، وسماه في رواية حفص بن سليمان، وفي أخرى حفص بن أبي داود، فدل على أن راوي هذا الحديث المسمى بحفص عنده رجل واحد وهو ضعيف.

وقال الحافظ أبو أحمد بن عدي في كتاب الكامل (2) الذي روى البيهقي هذا الحديث منه ولم يسبق متنه أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا علي بن حجر، وحدثنا عبد الله بن محمد البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، قال علي: حدثنا حفص بن سليمان، وقال أبو الربيع: حدثنا حفص بن أبي داود وقالا: عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج فزار قبري بعد موتي كأن كمن زارني في حياتي وصحبتي)) . والفظ لابن سفيان قال ابن عدي: وهذا الحديث عن ليس لا يرويه عنه غير حفص، قال وحفص بن سليمان، هو حفص بن أبي داود، وقال: كذا يسميه أبو الربيع الزهراني لضعفه.

(1) انظر السنن الكبرى للبيهقي 5/246.

(2)

انظر الكامل لابن عدي 2/790.

ص: 67

وما نقله هذا المعترض عن كتاب الثقات لابن حبان وأنه ذكر فيه حفص بن أبي داود، يروي عن الهيثم بن حبيب، ويروي عنه أبو الربيع الزهراني لم أره في النسخة التي عندي (1) بكتاب الثقات لابن حبان، ولعل المعترض رآه حاشية في كتاب فظن أنها من الأصل، فإن صح أن ابن حبان ذكر حفص بن أبي داود في كتاب الثقات، وزعم أنه غير القاري الضعيف، بل هو من جملة الثقات فقد أخطأ في ظنه ووهم في زعمه، فإن حفص بن أبي داود الذي يروي عن الهيثم، ويروي عنه أبو الربيع هو حفص بن سليمان القاري بلا شك، ولكن كان أبو الربيع يسميه حفص بن أبي داود لما اشتهر من ضعفه وعرف من جرحه.

وقد قال ابن عدي في كتاب الكامل (2) ، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا سليمان بن نافع، حدثنا أبو معشر الدارمي البصري أنا سألته، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود الأسدي، حدثنا الهيثم بن حبيب الصراف، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن أهل الجنة ليتراؤن أهل عليين كما ترون الكوكب الدري في السماء، وإنا أبا بكر وعمر منهم وأنعما)) .

قال ابن عدي عقب روايته هذا الحديث، وهذا الحديث عن الهيثم الصراف لا يرويه غير حفص بن سليمان بن أبي داود الأسدي، كذا يسميه أبو الربيع الزهراني لضعفه وهو حفص بن سليمان.

وقال ابن عدي أيضاً (3) حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود عن الهيثم بن حبيب، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه قال: مر النبي برجل يصلي قد سدل ثوبه فعطفه عليه، قال ابن عدي، وهذا الحديث أيضاً لا يريوه عن الهيثم بن حبيب غير حفص هذا.

فهذا ابن عدي قد نص على أن حفص بن أبي داود الذي زعم المعترض أن ابن حبان ذكره في الثقات هو حفص بن سليمان القاري وهذا لا شك فيه.

(1) وهو كما قال: حديث لم أره أنا كذلك في النسخة التي بين يدي.

(2)

صوابه كما في الكامل 2/789، ثنا الحسن بن سليمان بن نافع أبو معشر الدارمي البصري أنا سألته.. إلخ فزيادة (عرفة حدثنا) خطأ.

(3)

سقط في الأصل الذي بين أيدينا شيخ ابن عدي وشيخ شيخه وهما (عبد الله بن محمد وأبو الربيع الزهراني) .

ص: 68

وقد قال ابن حبان في كتاب (المجروحين)(1) حفص بن سليمان الأسدي القاري أبو عمر البزاز، وهو الذي يقال له حفص بن أبي داود الكوفي، وكان من أهل الكوفة، سكن بغداد يروي عن علقمة بن مرثد وكثير بن شظير، روى عنه هشام بن عمار ومحمد بن بكار كان يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل، وكان يأخذ كتب الناس فينسخها ويرويها من غير سماع.

سمعت محمد بن محمود يقول: سمعت الدارمي يقول: سألت يحيى بن معين عن حفص بن سليمان الأسدي فقال: ليس بثقة، هكذا ذكر.

وذكر ابن حبان: (حفص بن سليمان في كتاب الضعفاء وقال: إنه هو الذي يقال له حفص بن أبي داود) وهذا الذي قاله صحيح لا شك فيه، وهو الذي قاله غيره من الأئمة الحفاظ، فإن صح عنه مع هذا أنه ذكر حفص بن أبي داود في كتاب الثقات، فقد تناقض تناقضاً بيناً وأخطأ خطاً ظاهراً؛ ووهم وهماً فاحشاً، وقد وقع له مثل هذا التناقض والوهم في مواضع كثيرة.

وقد ذكر الشيخ أبو عمر بن الصلاح أنه غلط الغلط الفاحش في تصرفه، ولو أخذنا في ذكر ما أخطأ فيه وتناقض من ذكره الرجل الواحد في طبقتين متوهماً كونه رجلين، وجمعه بين ذكر الرجل في الكتابين، كتاب الثقات وكتاب المجروحين ونحو ذلك من الوهم والإيهام لطال الخطاب.

وليس ببدع من هذا الرجل المعترض على شيخ الإسلام المتبع لهواه أن يأخذ يقول أخطأ فيه قائله، ولم يوافق عليه، ويدع قولاً أصاب قائله وتويع عليه والله الموفق.

وقال أبو القاسم الطبراني (2) : حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود، عن ليس، عن مجاهد، عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من حج فزار قبري بعد وفاتي كمن زارني في حياتي)) .

وقال أبو الحسن الدارقطني (3) : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا أبو الربيع، حدثنا حفص بن أبي داود، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: قال رسول الله: ((من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي)) رواه أبو يعلي الموصلي عن أبي الربيع.

(1) تقدم ص 63 حاشية (6) .

(2)

انظر المعجم الكبير للطبراني 12/406 حديث رقم 13497.

(3)

انظر سنن الدارقطني 2/278 حديث رقم 192.

ص: 69

وقال بعض الحفاظ في زمن أبي عبد الله بن منده،حدثنا أبو الحسن حامد بن حماد بن المبارك السر من رائي بنصبيين، حدثنا أبو يعقوب إسحاق بن سيار بن محمد النصيبي، حدثنا عامر بن سيار بمصر، حدثنا حفص بن سليمان عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج فزارني في مسجدي بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي)) .

هكذا رواه بهذا اللفظ وقال: وقد روى هذا الخبر عن حفص بن سليمان محمد بن بكار وسعيد بن منصور، وقد ذكرناه بأسانيده في الكتاب الكبير، وقد رواه أيضاً حفص بن سليمان عن كثير من شظير عن ليس، ثم ذكره كما تقدم من رواية أبي يعلي الموصلي.

وقال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي: أخبرنا أبو الفضل الحافظ عن أبي علي الفقه قال: أنبأنا أبو القاسم الأزهري أنبأنا القاسم بن الحسن، حدثنا الحسن بن الطيب حدثنا علي بن حجر، حدثنا حفص بن سليمان، عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي وصبحتي)) . هكذا رواه بهذه الزيادة وقد تقدمت من وجه آخر.

والحديث من أصله ليس بصحيح، وهذه الزيادة فيه منكرة جداً وقال البخاري في (كتاب الضعفاء) (1) له: حفص بنت سليمان الأسدي أبو عمر القاري عن علقمة بن مرشد وعاصم تركوه وهو ابن أبي داود الكوفي، ثم قال ابن أبي القاضي حدثنا سعيد بن منصور،حدثنا حفص بن سليمان، عن ليث،عن مجاهد، عن ابن عمر قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج وزارني بعد موتي كان كمن زارني في حياتي)) هكذا ذكره البخاري تعليقاً في مناكير حفص.

وقال في كتاب التاريخ (2) : حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر القارئ تركوه وهو حفص بن أبي داود، وقال ابن أبي حاتم في كتاب (الجرح والتعديل)(3) حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر المقري، وهو البزاز، وهو ابن أبي داود صاحب عاصم في القراءات سمعت أبي يقول ذلك؛ ثم قال: سئل أبو زرعة عن حفص بن أبي داود فقال: هو حفص بن سليمان وهو ضعيف الحديث، وقال الحاكم أبو أحمد في كتاب (الكنى) : أبو

(1) تقدمت الترجمة ص 63 حاشية (1)

(2)

انظر التاريخ الكبير للبخاري 2/363.

(3)

تقدم برقم صفحة 63 حاشية (4) .

ص: 70

عمر حفص بن سليمان الأسدي المقري الكوفي، وسليمان الأسدي المقري الكوفي، وسليمان يكنى أبا دود، ذاهب الحديث.

فقد تبين بما ذكرناه من هذه الروايات وكلام أئمة الجرح والتعديل أن حفص بن سليمان راوي هذا الحديث هو حفص بن أبي داود وهو حفص القاري صاحب عاصم، وأنه لا يصلح الاحتجاج به ولا الاعتماد على روايته، وإن من توهم أن هذا الحديث رواه رجلان مشتركان في الاسم، واسم الأب وكنيته أحدهما ثقة والآخر ضعيف، فقد أخطأ بيناً، وارتكب أمراً منكراً لم يتابعه أحد عليه ولم يسبقه أحد إلى توهمه.

وإني لأتعجب من هذا الرجل المعترض كيف يرتكب مثل هذا التخليط في الكلام والتلبيس في القول بعد التعب العظيم والكدح الكثير، ثم يزعم مع هذا أن كلام شيخ الإسلام مشتمل على التخليط وعدم البيان وتبعيد المعنى عن الأفهام، فإنه قال في أثناء كلامه في كتابه الذي ألفه في الرد على الشيخ، وقد وقفت له على كلام طويل في ذلك يعني في التوسل والاستغاثة رأيت في الرأي القويم، أن أميل عنه إلى الصراط المستقيم ولا أتبعه بالنقض والإبطال، فإن دأب العلماء القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين، تقريب المعنى إلى أفهامهم، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه، ورأيت كلام هذا الشخص بالضد من ذلك فالوجه الإضرار عنه.

هذا كله قول المعترض على شيخ الإسلام في كلامه المتضمن لتجريد التوحيد وسد ذرائع الشرك دقيقة وجليلة وقد علم الخاص والعام أن كلام شيخ الإسلام في سائر أنواع علوم الإسلام فيه من التحرير والتحقيق وغاية البيان والإيضاح وتقريب المعاني إلى الأفهام وحسن التعليم والإرشاد إلى الطريق القويم ما يضيق هذا الموضع من ذكره.

ويمكن الإنسان أن يقابل هذا المعترض على ما في كلامه من الكذب وسوء الأدب بأضعاف ما قاله ويكون صادقاً في قوله مصيباً في عمله، وليس المقصود هنا مقابلته على ما في كلامه هذا من الجور والعدوان والظلم، وإنما المراد تبين خطئه في الكلام على حديث حفص بن سليمان المذكور، وما وقع منه من التخليط والتلبيس وقد حصل ذلك ولله الحمد.

فإن قيل: قد روي هذا الحديث من وجه آخر عن ليث بن أبي سليم.

قال أبو بكر محمد بن خلف بن زنبور الكاعدي: أخبرنا أبو بكر محمد بن السري بن

ص: 71

عثمان التمار، حدثنا نصر بن شعيب مولى العبدين، حدثنا أبي، حدثنا جعفر بن سليمان الضيعي، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: قال رسول الله: ((من حج بعد وفاتي وزار قبري كان كمن زارني في حياتي)) والجواب أن يقال هكذا وقع في هذه الرواية جعفر بن سليمان الضبعي، وذلك خطأ قبيح ووهم فاحش، والصواب حفص بن سليمان، وهو حفص بن أبي داود القاري، والحديث حديثه وبه يعرف ومن أجله يضعف ولم يتابعه عليه ثقة ويحتج به، وهذا التصحيف الذي وقع في هذا الإسناد هو من بعض هؤلاء الشيوخ الذين لا يعتمد على نقلهم ولا يحتج بروايتهم.

وابن زنبور هو محمد بن عمر بن علي بن خلف بن محمد بن زنبور أبو بكر الوراق وهو شيخ تكلم فيه الحافظ أبو بكر الخطيب، وقال: كان ضعيفاً جداً (1) . وقال العتيقي كان فيه تساهل، وشيخ ابن زنبور هو أبو بكر محمد بن السري التمار صاحب الجزء وهو معروف برواية المناكير والموضوعات، ونصر بن شعيب وأبوه ليسا ممن يحتج بخبرهما ولا يعتمد علي حديثهما، ولا يحتج بمثل هذا الإسناد من عقل شيئاً من علم الحديث والله أعلم.

فإذا قيل: قد روي هذا الحديث من غير رواية حفص بن سليمان عن ليس بن أبي سليم قال المعترض: ولو ثبت ضعفه يعني حفص بن سليمان، فإنه لم ينفرد بهذا الحديث، وقول البيهقي: أنه تفرد به بحسب ما أطلع عليه، وقد جاء في معجم الطبراني الكبير والأوسط متابعته، ثم ذكر عن طريق الطبراني (2) قال: حدثنا أحمد بن رشدين، حدثنا علي بن الحسن بن هارون الأنصاري، حدثنا الليث ابن بنت الليث بن أبي سليم قال: حدثتني جدتي عائشة بنت يونس امرأة الليث، عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر قال: قال رسول الله: ((من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي)) .

فالجواب أن يقال ليس هذا الإسناد بشيء يعتمد عليه، ولا هو مما يرجع إليه، بل هو إسناد مظلم ضعيف جداً، لأنه مشتمل على ضعيف لا يجوز الاحتجاج به، ومجهول

(1) قلت:هو محمد بن عمر بن علي بن خلف بن محمد بن زنيور بن عمرو بن تميم أبو بكر الوراق انظر تاريخ بغداد للخطيب 3/35 والميزان للذهبي 3/671.

(2)

انظر معجم الطبراني الكبير 12/406 حديث رقم 13496، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/2 بعد ذكره الحديث وفيها عائشة بنت يونس ولم أجده من ترجمها.

ص: 72

لم يعرف من حاله ما يوجب قبول خبرة، وابن رشدين (1) ، شيخ الطبراني قد تكلموا فيه، وعلي بن الحسن الأنصاري (2) ليس هو ممن يحتج بحديثه والليث ابن بنت الليث بن أبي سليم (3) ، وجدته عائشة (4) مجهولان لم يشتهر من حالهما عند أهل العلم ما يوجب قبول روايتهما، ولا يعرف لهما ذكر في غير هذا الحديث، وليث بن أبي سليم (5) مضطرب الحديث، قاله الإمام أحمد بن حنبل.

قال ابو معمر القطيعي: كان ابن عيينة يضعف ليث بن أبي سليم، وقال يحي بن معين والنسائي (6) : ضعيف، وقال السعدي: يضعف حديث وقال إبراهيم بن سعيد الجوهري: حدثنا يحي بن معين عن يحي بن سعيد القطان أنه كان لا يحدث عن ليس بن أبي سليم.

وقال أحمد بن سليمان الرهاوي، عن مؤمل بن الفضل، قلنا لعيسى بن يونس ألم تسمع من ليث بن أبي سليم؟ قال: قد رايته، وكان قد اختلط وكان يصعد المنارة بارتفاع النهار فيؤذن، وقال ابن أبي حاتم (7) سمعت أبي، وأبا زرعة يقولان: ليث لا يشتغل به هو مطرب الحديث، وقال أيضاً: سمعت أبا زرعة يقول: ليث بن أبي سليم لين الحديث لا تقوم به الحجة عند أهل العلم بالحديث.

والحاصل أن هذا المتابع الذي ذكره المعترض من رواية الطبراني لا يرتفع به الحديث عن درجة الضعف والسقوط، ولا ينهض إلى رتبة تقتضي الاعتبار والاستشهاد لظلمة اسناده وجهالة رواته، وضعف بعضهم واختلاطه، واضطراب حديثه، ولو كان الإسناد صحيحاً إلى ليث بن أبي سليم لكان فيه ما فيه، فكيف والطريق إليه ظلمات بعضها فوق بعض والله أعلم؟

(1) هو أحمد بنرشدين قال فيه الهيثمي في المجمع 10/26 ضعيف.

(2)

لم أعثر على ترجمته فيما لدي من كتب الرجال.

(3)

لم أعثر على ترجمته فيما لدي من المراجع.

(4)

قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/2 بعد ذكره حديث ابن عمر التي هي في مسنده، ولم أجد من ترجمها.

(5)

انظر الميزان للذهبي 3/420 والمجروحين لابن حبان 2/230 والكبير للبخاري.

(6)

انظر الضعفاء للنسائي ص209 رقم 536.

(7)

انظر الجرح والتعديل 7/177.

ص: 73

فإذا قيل قد روي هذا الخبر من وجه آخر غير طريق ليث بن أبي سليم قال بعض الحفاظ المتأخرين، حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن بكار بن كرمون بإنطاكية حدثناأبو عمر وعثمان بن عبد الله بن خرزاذ البغدادي، حدثنا النعمان بن شبل، حدثنا محمد بن الفضل، عن جابر، عن محمد بن علي، عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ومن حج ولم يزر قبري فقط جفاني))

فالجواب أن يقال: هذا خبر منكر جداً، ليس له أصل، بل هو حديث مفتعل موضوع وخبر مختلق مصنوع لا يجوز الاحتجاج به، ولا يحسن الاعتماد عليه لوجوه:

إحداهما: أنه من رواية النعمان بن شبل وقد اتهمه موسى بن هارون الحمال وقال أبو حاتم بن حبان البستي (1) : يأتي عن الثقات بالطامات، وعن الأثبات بالمقلوبات.

والثاني: أن في إسناده محمد بن الفضل بن عطية (2) ، وكان كذاباً قاله يحي بن معين، وقال الإمام أحمد بن حنبل: ليس بشيء، حديثه حديث أهل الكذب، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (3)، كان كذاباً سألت ابن حنبل عنه فقال: ذاك عجب يجيئك بالطامات وقال الفلاس: متروك الحديث كذاب، وقال أبو حاتم (4) الرازي: ذاهب الحديث ترك حديثه.

وقال مسلم بن الحجاج وابن خراش والنسائي (5) : متروك الحديث، وقال النسائي في موضع آخر: كذاب، وقال ابن عدي (6) : عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه، وقال صالح بن محمد الحافظ، كان يضع الحديث، وقال ابن حبان (7) : كان ممن يروي

(1) انظر المجروحين 3/73.

(2)

انظر المجروحين لابن حبان 2/278.

(3)

أحوال الرجال للجوزجاني ص202، رقم الترجمة 372، وراجع الأباطيل للجوزجاني 1/94 والتقريب للحافظ ابن حجر والضعفاء للذهبي وسلسلة الأحاديث الضعيفة للألباني 2/423 ،

(4)

انظر الجرح والتعديل 8/56.

(5)

انظر الضعفاء للنسائي ص220 رقم 569 ز

(6)

انظر الكامل لابن عدي 6/2170.

(7)

انظر المجروحين لابن حبان تقدم برقم 133 وانظر التاريخ الصغير للبخاري ص226 من الطبعة الهندية والتاريخ الكبير للبخاري أيضاً 1/208 والضعفاء للعقيلي 4/120 والكاشف للذهبي 3/89 والميزان للذهبي 4/6 وراجع تهذيب التهذيب.

ص: 74

الموضوعات عن الإثبات، لا يحل كتب حديثه إلا على سبيل الاعتبار، كان أبو بكر بن أبي شيبة شديد الحمل عليه.

الثالث: أن في طريقة جابر وهو الجعفي لم يكن بثقة، قال أبو حاتم الرازي (1) عن أحمد بن حنبل: تركه يحيى وعبد الرحمن، وقال أبو حنيفة (2) : ما رأيت أحداً أكذب من جابر الجعفي.

وقال يحيى بن معين: كان جابر الجعفي كذاباً لا يكتب حديثه ولا كرامة ليس بشيء، وقال السعدي: كذاب، سألت عنه أحمد بن حنبل: فقال: تركه ابن مهدي فاستراح،وقال النسائي (3) : متروك الحديث، وقال في موضع آخر ليس بثقة، ولا يكتب حديث، وقال الحاكم أبو أحمد: ذاهب الحديث، وقال ابن حبان (4) : كان سبئياً من أصحاب عبد الله بن سبأ، وكان يقول أن علياً يرجع إلى الدنيا، ثم روى عن سفيان بن عيينة أنه قال: كان جابر الجعفي يؤمن بالرجعية، وقال زائدة: أما جابر الجعفي، فكان والله كذاباً يؤمن بالرجعة.

الرابع: أن محمد بن علي (5) الذي روى عنه جابر هو أبو جعفر الباقر، ولم يدرك جد أبيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

وفي الجملة ليس هذا الخبر مما يصلح الاستشهاد به ولا الاعتبار ولا يحتج به إلا من هو أجهل الناس بالعلم.

وقد قال شيخ الإسلام في أثناء كلامه على حديث حفص بن سليمان بعد أن ذكر ضعف حفص وكلام أئمة الجرح والتعديل فيه قال: ونفس المتن باطل فإن الأعمال التي فرضها الله تعالى ورسوله لا يكون الرجل بها مثل الواحد من الصحابة، بل في الصحيحين

(1) انظر الجرح والتعديل 2/497.

(2)

انظر الضعفاء للعقيلي 1/196.

(3)

انظر الضعفاء والمتروكين للنسائي ص71 رقم 100.

(4)

انظر المجروحين لابن حبان 1/202، قلت وانظر كذلك التاريخ الكبير للبخاري 2/210 نقل عن الشعبي أنه قال: يا جابر لا تموت حتى تكذب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال إسماعيل بن أبي خالد ما مضى من الأيام والليالي حتى اتهم بالكذب والصغير ص255 ضمن الطبعة الهندية والميزان 1/379 والتكاشف 1/177 والمغني 1/126 وراجع تهذيب التهذيب.

(5)

انظر تهذيب التهذيب 9/350.

ص: 75

عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لو اتفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) (1) فالجهاد والحج ونحوهما أفضل من زيارة قبره باتفاق المسلمين ولا يكون الرجل بهما كمن سافر إليه في حياته ورآه.

وكان الشيخ قد بحث قبل هذا مع بعض من اعترض عليه من المالكية، واحتج في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحي بعد أن ذكر الشيخ ما استدل به فقال: قال المعترض المناقض: وروى مسلم في صحيحه في الذي سافر لزيارة أخ له في الله، ولفظ الحديث: أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى فأرصد الله على مدرجته ملكاً، فلما أتى عليه، قال: أين تريد؟ قال: أريد أخاً لي في تلك القرية، قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ قال: لا إلا أني أحببته في الله، فقال: إن رسول الله إليك بأن الله أحبك كما أحببته فيه (2)، وفي موطأ مالك عن معاذ بن جبل في حديث ذكر فيه سمعت رسول الل صلى الله عليه وسلم هـ يقول: أي عن الله ((ووجبت محبتي للمتحابين في، والمتجلسين في والمتزاورين في والمتباذلين في)) (3) .

قال: فقد علمت أيها الأخ بهذا فضيلة زيارة الإخوان وما أعد الله بها للزائرين من الفضل والإحسان، فكيف بزيارة منهو حي الدارين وإمام الثقلين الذي جعل الله حرمته في حال مماته كحرمته في حال حياته، ومن شرفه الحق بما أعطاه من جميع صفاته ومن هدانا ببركته إلى الصراط المستقيم وعصمنا به من الشيطان الرجيم، ومن هو آخذ بحجرنا أن تقتحم في نار الجحيم ومن هو بالمؤمنين رؤوف رحيم؟

قال الشيخ: والجواب أما زيارة الأخ الحي في الله كما في الحديث فهذا نظير زيارته في حياته يكون الإنسان بذلك من أصحابه وهم خير القرون، وأما جعل زيارة القبل كزيارته حياً كما قاسه هذا المعترض، فهذا قياس ما علمت أحداً من علماء المسلمين قاسه، ولا علمت أحداً منهم احتج في زيارة قبره بالقياس على زيارة الحي المحبوب

(1) رواه البخاري 7/21 من حديث أبي سعيد الخدري ومسلم 4/1967-1968 منحديث أبي سعيد وأبي هريرة وأبي داود 5/45 حديث رقم 4658 والترمذي 5/695 حديث رقم 3861 من حديث أبي سعيد أيضاً، وابن ماجة في المقدمة 1/57 حديث رقم 161 من حديث أبي هريرة.

فائدة: هذا الحديث الصواب فيه أنه من حديث أبي سعيد راجع الكلام على هذا الحديث في تحفة الأشراف 3/343 وفتح الباري 7/34-36.

(2)

رواه مسلم 4/1988 وأحمد 2/292 و 408 و 462 و 482 و 508.

(3)

أخرجه مالك (الجزء الثاني ص127 مع شرح السيوطي) ما جاء في المتحابين في الله وأحمد 5/223 و 247 وسنده صحيح. انظر صحيح الجامع 1911.

ص: 76

في الله، وهذا من أفسد القياس، فإنه من المعلوم أن من زار الحي حصل له بمشاهدته وسماع كلامه ومخاطبته وسؤاله وجوابه وغير ذلك مما لا يحصل لمن لم يشاهده ولم يسمع كلامه.

وليس رؤية قبره أوريؤة الجدار الذي بنى على بيته بمنزلة رؤيته ومشاهدته ومجالسته وسماع كلامه، ولو كان هذا مثل هذا لكان كل من زار قبره مثل واحد من أصحابه ومعلوم أن هذا من أباطل الباطل.

وأيضاً فالسفر إليه في حياته إما أن يكون لما كانت الهجرة إليه واجبة كالسفر قبل الفتح فيكون المسافر إليه مسافراً للمقام عنده بالمدينة مهاجراً من المهاجرين إليه، وهذا السفر انقطع بفتح مكة، فقال:((لا هجرة بعد الفتح ولمن جهاد ونية)) (1) ولهذا لما جاء صفوان بن أمية مهاجراً امره أن يرجع إلى مكة، وكذلك سائر الطلقاء كانوا بمكة لم يهاجروا.

وإما أن يكون المسافر إليه وافداً إليه ليسلم ويتعلم منه ما يبلغه قومه كالوفود الذين كانوا يفيدون عليه، لا سيما سنة تسع وعشر سنة الوفود، وقد أوصى في مرضه بثلاث فقال:((أخرجوا النصارى من جزيرة العرب وأجيزوا الوفود بنحو ما كنت أجيزهم)) (2) ومن الوفود وفقد عبد القيس لما قدموا عليه ورجعوا إلى قومهم بالبحرين (3)، لكن هؤلاء أسلموا قديماً قبل فتح مكة وقالوا: لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام لأن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وهم أهل نجد كأسد وغطفان وتميم وغيرهم فإنهم لم يكونوا قد أسلموا بعد.

وكان السفر إليه في حياته لتعلم الإسلام والدين ولمشاهدته، وسماع كلامه، وكان خير محضاً، ولم يكن أحد من الأنبياء والصالحين عبد في حياته بحضرته، فإنه كان ينهى

(1) أخرجه البخاري 6/37 ومسلم 3/1487 وأبو داود 3/8 حديث رقم 2480 والترمذي 4/148 حديث رقم 1590 والنسائي في الكبرى 84/1 قاله المزي 5/26 تحفة والدارمي 2/239 وأحمد 1/226، 26، 355 و 5/187 كلهم من حديث ابن عباس.

(2)

أخرجه البخاري 6/170، 270 وكذلك في المغازي باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم ووفاته، ومسلم 3/1388 - 1258، وأبو داود 3/423 -424 وأحمد 1/222 جميعاً عن ابن عباس، وانظر السلسلة الصحيحة 1132 ومسلم عن جابر 3/1388 والترمذي 4/156 وأبو داود 3/424.

(3)

يشير إلى ما رواه الشيخان من حديث ابن عباس، رواه البخاري 1/129 و 2/7 و 6/208 ومسلم 1/46 ورواه مسلم أيضاً من حديث أبي سعيد.

ص: 77

من يفعل ما هو دون ذلك من المعاصي، فكيف بالشرك، كما نهى الذين سجدوا (1) له، ونهى الذين صلوا خلفه قياماً، وقال:((إن كدتم تفعلون فعل فارس والروم فلا تفعلوا)) (2) رواه مسلم.

وفي المسند بإسناد صحيح عن أنس قال: ((لم يكن شخص أحب إليهم من (3) رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لما يعلمون من كراهته لذلك)) وفي الصحيح أن جارية قالت عنده ((وفينا نبي يعلم ما في غده)) فقال صلى الله عليه وسلم: ((هذا وقولي الذي كنت تقولين)) (4) ، ومثل هذا كثير من نهيه عن المنكر بحضرته، فكل من رآه في حياته لم يتمكن أن يفعل بحضرته منكراً يقر عليه.

إلى أن قال: ومعلوم أنه لو كان حياً في المسجد من أفضل العبادات وقصد القبر الذي اتخذ مسجداً مما نهى عنه، ولعن أهل الكتاب على فعله (5) : وأيضاً فليس عند قبره مصلحة من مصالح الدين، وقربة إلى رب العالمين إلا وهي مشروعة في جميع البقاع (6) ، فلا ينبغي أن يكون صاحبها غير معظم للرسول صلى الله عليه وسلم التعظيم التام والمحبة والتامة إلا عند قبره، بل هو مأمور بهذا في كل مكان.

وزيارته في حياته مصلحة راجحة لا مفسدة فيها، والسفر إلى القبر بمجردة بالعكس مفسدة راجحة، وهناك بفعل من حقوقه ما يشرع في سائر المساجد، وهذا مما يتبين به كذب الحديث الذي يقال فيه:((من زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي)) وهذا الحديث هو معروف من رواية حفص بن سليمان الغاضري صاحب عاصم، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن

(1) كأنه يشير إلى حديث معاذ بن جبل عندما قدم من الشام وسجد له فنهاه، عن ذلك والحديث أخرجه ابن ماجة وغيره وهو ضعيف إلا أنه بمجموع طرقه صالح للحجة انظر كلام شيخنا مقبل بن هادي الوادعي حفظه الله.

(2)

رواه مسلم 1/309 وأبو داود في الصلاة 1/403 حديث 602 وابن ماجة 1/393 حديث رقم 1240 جميعاً عن جابر ورواه غيرهم.

(3)

رواه أحمد في مسنده 3/143 وسنده صحيح.

(4)

رواه البخاري 9/202 وأحمد - 360 والبيهقي 7/288-289 من حديث الربيع بنت معوذ بنغفران.

(5)

تقدم صفحة 47 حديث (3)

(6)

يريد الصلاة والسلام عليه وقد مر الحديث صفحة 47 حاشية (1)

ص: 78

ابن عمر قال: قال رسول الله: ((من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي)) (1) وقد رواه عنه غير واحد وعندهم معروف من طريقة وهو عندهم ضعيف في الحديث إلى الغاية، حجة في القرآن قال يحيى بن معين: حفص ليس بثقة، وقال البخاري: تركوه.

ثم سرد الشيخ كلام الأئمة فيه، وقال (2) : وقد رواه الطبراني في المعجم من حديث الليث بن بنت ليث بن أبي سليم عن زوجة جده عائشة عن ليس، وهذا الليث وزوجه جده مجهولان، ونفس المتن باطل، فإن الأعمال التي فرضها الله ورسوله لا يكون الرجل بها مثل الواحد من الصحابة، بل في الصحيحين (3) عنه أنه قال:((لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) فالجهاد والحج ونحوهما أفضل من زيارة قبره باتفاق المسلمين، ولا يكون الرجل بهما كمن سافر إليه في حياته ورآه، كيف وذاك إما أن يكون مهاجراً إليه كما كانت الهجرة قبل الفتح، أو من الوفود الذين كانوا يفدون إليه يتعلمون الإسلام ويبلغونه عنهم إلى قومهم، وهذا عمل لا يمكن أحداً بعدهم أن يفعل مثله.

ومن شبه من زار قبر شخص بمن كان يزوره في حياته فهو مصاب في عقله ودينه، والزيارة الشرعية لقبر الميت مقصودها الدعاء له والاستغفار كالصلاة على جنازته والدعاء المشروع المأمور به في حق نبينا كالصلاة عليه والسلام عليه، وطلب الوسيلة له مشروع في جميع الأمكنة لا يختص بقبره عمل صالح تمتاز به تلك البقعة، بل كل عمل صالح يمكن فعله هناك يمكن فعله في سائر البقاع.

لكن مسجده أفضل من غيره فالعبادة فيه فضيلة يكونها في مسجده كما قال: صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) (4) والعبادات المشروعة فيه بعد دفنه، مشروعة فيه قبل أن يدفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته، وقبل أن تدخل حجرته في المسجد، ولم يتحدد بعد ذلك فيه عبادة غير العبادات التي كانت على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وغير ما شرعه هو لأمته، ورغبهم فيه ودعاهم إليه، وما يشرع للزائر من صلاة وسلام ودعاء له وثناء عليه، كل ذلك مشروع في مسجده في حياته، وهي مشروعة في

(1) تقدم الكلام عليه.

(2)

الرد على الأخنائي ص144.

(3)

تقدم صفحة 76 حاشية (1)

(4)

تقدم في صفحة 59 حاشية (1)

ص: 79

سائر المسجد بل وفي سائر البقاع التي تجوز فيها الصلاة،وهو صلى الله عليه وسلم قد جعلت له ولأمته الأرض مسجداً وطهوراً، فحيث ما أدركت أحداً الصلاة فليصل فإنه مسجد،كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم (1) .

وفي ظن أن زيارة القبر تختص بجنس من العبادة لم تكن مشروعة في المسجد وإنما شرعت لأجل القبر فقد أخطأ، لم يقل هذا أحد من الصحابة والتابعين، وإنما غلط في هذا بعض المتأخرين، وغاية ما نقل عن بعض الصحابة كابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر يقف عن القبر ويسلم (2) ،وجنس السلام عليه مشروع في المسجد وغير المسجد قبل السفر وبعده.

وأما كونه عند القبر فهذا كان يفعله ابن عمر إذا قدم من سفر، وكذلك الذين استحبوه من العلماء استحبوه للصادر والوارد من المدينة وإليها من أهلها، وللوارد والصادر من المسجد من الغرباء،مع أن أكثر الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك ولا فرق أكثر السلف بني الصادر والوارد، بل كلهم ينهون عما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد قال أوب الوليد الباجي: إنما فرق بين أهل المدينة وغيرها، لأن الغرباء قصدوا لذلك، وأهل المدينة مقيمون بها، ولم يقصدوها من أجل القبر والتسليم، قال: وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) وقال: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) (3) .

وهذا الذي ذكره من أدلة سوى في النهي، فإنه قوله لا تجعلوا ولا تتخذوا بيتي عيداً، نهي لكل أمة أهل المدينة والقادمين إليها، وكذلك نهيه عن اتخاذ القبور مساجد وخبرة بأن غضب الله اشتد على من فعل ذلك، هو متناول للجميع وكذلك دعاؤه بأن لا يتخذ قبره وثناً، عام.

وما ذكره من أن الغرباء قصدوا لذلك تعليق على العلة ضد مقتضاها فإن القصد

(1) رواه البخاري 1/435-533 ومسلم 1/370 من حديث جابر بن عبد الله ولمسلم عن أبي هريرة وحذيفة، والترمذي 4/133 حديث رقم 1553 وابن ماجه 1/187 حديث رقم 567 من حديث أبي هريرة إلا أنه عند ابن ماجة مختصراً.

(2)

تقدم.

(3)

تقدم صفحة 47 حاشية (1) .

ص: 80

لذلك منهي عنه، كما صرح به مالك وجمهور أصحابه، وكما نهى عنه، وإذا كان منهياً عنه أو ليس بقربه لم يشرع الإعانة عليه، وابن عمر رضي الله عنهما لم يكن يسافر إلى المدينة لأجل القبر، بل المدينة وطنه، فكان يخرج منها لبعض الأمور، ثم يرجع إلى وطنه فيأتي المسجد، فيصلي فيه ويسلم،ـ فأما السفر لأجل القبور فلا يعرف عن أحد من الصحابة، بل ابن عمر كان يقدم إلى بيت المقدس ولا يزور قبل الخليل صلى الله عليه وسلم: وكذلك أبوه عمر رضي الله عنه ومن معه من المهاجرين والأنصار قدموا إلى بيت المقدس، ولم يذهبوا إلى قبر الخليل عليه السلام، وكذلك سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وسائر أهل الشام لم يعرف عن أحد منهم أنه سفر إلى قبر الخليل عليه السلام ولا غيره كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وما كان قربه للغرباء فهو قربة لأهل المدينة كإتيان قبور الشهداء وأهل البقيع، وما لم يكن قربة لأهل المدينة لم يكن قربة لغيرهم كاتخاذ بيته عيداً واتخاذ قبره وقبر غيره مسجداً، وكالصلاة إلى الحجرة والتمسح بها وإلصاق البطن بها والطواف بها وغير ذلك مما يفعله جهال القادمين، فإن هذا بإجماع المسلمين ينهي عنه الغرباء، كما ينهىلا عنه أهل المدينة ينهون عنه صادرين وواردين باتفاق المسلمين.

وبالجملة: فجنس الصلاة والسلام عليه والثناء عليه صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك مما استحبه بعض العلماء عند القبر للواردين والصادرين هو مشروع في مسجده وسائر المساجد، وأما ما كان سؤالاً له فهذا لم يستحبه أحد من السلف لا الأئمة الأربعة ولا غيرهم، ثم بعض من يستحب هذا من المتأخرين يدعونه مع البعد فلا يختص هذا عندهم بالقبر، وأما نفس داخل بيته عند قبره فلا يمكن أحد الوصول إلى هناك ولم يشرع هناك عمل يكون هناك أفضل منه في غيره، ولو شرع لفتح باب الحجرة للأمة، بل قد قال:((لا تتخذوا بيتي عيداً، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم)) (1) صلوات الله وسلامه عليه.

وقد تقدم ما رواه سعيد بن منصور في سننه عن عبد العزيز الداروردي، عن سهيل بن أبي سهيل، قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فناداني فقال: ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا دخلت المسجد فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، قم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتخذوا بيتي عيداً وصلوا علي

(1) الحديث تقدم تخريجه ص47 والشيخ رحمه الله غالباً ما يروي الأحاديث بالمعنى لأنه أكثر ما ألف كتبه في السجن فالحديث لفظه ((لا تتخذوا قبري عيداً)) .

ص: 81

حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) (1) ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء، وكذلك سائر الصحابة الذين كانوا ببيت المقدس وغيرها من الشام مثل معاذ بن جبل، وأبي عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء وغيرهم لم يعرف عن أحد منهم أنه سافر لقبر من القبور التي بالشام لا قبر الخليل، ولا غيره، كما لم يكونوا يسافرون إلى المدينة لأجل القبر، وكذلك الصحابة الذين كانوا بالحجاز والعراق وسائر البلاد، كما قد بسطنا هذا في غير هذا الموضع.

فإن قيل: الزائر في الحياة إنما أحبه لله لكونه يحبه في الله، والمؤمنون يحبون الرسول أعظم، وكذلك يحبون سائر الأنبياء والصالحين، فإذا زارهم أثيبوا على هذه المحبة، قيل حب الرسول من أعظم واجبات الدين وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((ثلاثة من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار)) (2) وفي الحديث الصحيح عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)) (3) رواه البخاري عن أبي هريرة قال: والذي نفسي بيده.

وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن هشام قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخر بيد عمر فقال: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك)) فقال عمر، فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي قال الآن يا عمر (4)، وتصديق ذلك في القرآن قوله:{قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة 024)

وقال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ} (المجادلة 022)

(1) تقدم.

(2)

الحديث رواه البخاري 1/60، 72، 10/463 و 12/315 ومسلم 1/66 جميعاً عن أنس

(3)

أخرجه البخاري 1/58 عن أبي هريرة وانس ومسلم 1/67 عن أنس.

(4)

رواه البخاري 11/523 و 7/43 و 11/54 و 523.

ص: 82

وفي صحيح البخاري وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مؤمن إلا وأنا أولى به في الدنيا والآخرة)) اقرأوا إن شئتم {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ} (1)(الأحزاب 006)

وذكر الحديث، وفي حديث آخر:((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)) (2) لكن حبه وطاعته وتعزيزه وتوقيره، وسائر ما أمر الله به من حقوقه مأمور به في كل مكان لا يختص بمكان دون مكان، وليس من مكان في المسجد عند القبر بأولى بهذه الحقوق ووجوبها عليه ممن كان في موضع آخر.

ومعلوم أن مجرد زيارة قبره كالزيارة المعروفة للقبور غير مشروعة ولا ممكنة ولو كان في زيارة قبره عبادة زائدة للأمة لفتح باب الحجرة ومكنوا من فعل تلك العبادة عند قبره، وهم لم يمكنوا إلا من الدخول إلى مسجده والذي يشرع في مسجده يشرع في سائر المساجد، لكن مسجده أفضل من سائرها إلا المسجد الحرام على نزاع في ذلك وما يجده مسلم في قلبه من محبته والشوق إليه والأنس بذكره وذكر أحواله فهو مشروع له في كل مكان، ،ليس في مجرد زيارة ظاهرة الحجرة ما يوجب عبادة لا تفعل بدون ذلك، بل نهى عن أن يتخذ ذلك المكان عيداً وأمر أن يصلي عليه حيث كان العبد ويسلم عليه، فلا يخص بيته وقبره لا بصلاة عليه ولا تسليم عليه، فكيف بما ليس كذلك (3) .

وإذا خص قبره بذلك صار ذلك في سائر الأمكنة دون ما هو عند قبره بنقص حبه

(1) رواه البخاري 5/61.

(2)

هذا الحديث ضعيف، فيه نعيم بن حماد، وقد قال الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص365، وقد اختلف على نعيم في إسناده فروى عنه عن الثقفي عن هشام وروى عنه عن الثقفي حدثنا بعض مشيختنا حدثنا هشام أو غيره وعلى هذه الرواية يكون شيخ الثقفي غير معروف عنه وروى عن الثقفي حدثنا بعض مشيختنا حدثنا هشام أو غيره فعلى هذه الرواية فالثقفي رواه عن شيخ مجهول وشيخه رواه عن غير معنى فتزداد الجهالة في إسناده، ومنها أن في إسناده عقبة بن أوس الدوس البصري، ويقال فيه يعقوب بن أوس أيضاً، وقد خرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة حديثاً عن عبد الله بن عمر ويقال عبد الله بن عمر، وقد اضطرب في إسناده وقد وثقه العجلي وابن سعد وابن حبان، وقال ابن خزيمة، روى عنه ابن سيرين مع جلالته وقال ابن عبد البر، هو مجهول وقال الغلابي في تاريخه: يزعمون أنه لم يسمع من عبد الله بن عمرو وإنما يقول: قال عبد الله بن عمر فعلى هذا تكون رواياته عن عبد الله بن عمرو منقطعة والله أعلم. أهـ.

(3)

يشير إلى الأحاديث المتقدمة.

ص: 83

وتعظيمه وتعزيزه ومولاته والثناء عليه عند غيره قبره عما يفعل عند قبره ما يجده الناس في قلوبهم إذا رأوا من يحبونه ويعظمونه يجدون في قلوبهم عند قبره مودة له ورحمة ومحبة أعظم مما يكون بخلاف ذلك، والرسول صلى الله عليه وسلم هو الواسطة بينهم وبين الله في كل مكان وزمان فلا يؤمرون بما يوجب نقص محبتهم وإيمانهم في عامة البقاع والأزمنة، مع أن ذلك لو شرع لهم لأشتغلوا بحقوقهم عن حقه واشتغلوا بطلب الحوائج منه كما هو الواقع فيدخلون في الشرك بالخالق،وفي ترك حق المخلوق فينقص تحقيق الشهادتين شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله.

وأما ما شرعه لهم من الصلاة والسلام عليه في كل مكان وأن لا يتخذوا بيته عيداً ولا مسجداً، ومنعهم من أن يدخلوا إليه ويزوروه، كما تزار القبور، فهذا يوجب كمال توحيدهم للرب تبارك وتعالى وكمال إيمانهم بالرسول صلى الله عليه وسلم ومحبته وتعظيمه حيث كانوا واهتمامهم بما أمروا به من طاعته، فإن طاعته هي مدار السعادة، وهي الفارقة بين أولياء الله وأعدائه، وأهل الجنة وأهل النار فأهل طاعته هم أولياء الله المتقون وجنده المفلحون وحزبه الغالبون، وأهل مخالفته ومعصيته بخلاف ذلك.

والذين يقصدون الحج إلى قبره وغبر غيره ويدعونهم ويتخذونهم أنداداً من أهل معصيته ومخالفته لا من أهل طاعته وموافقته، فهم في هذا الفعل من جنس أعدائه لا من جنس أوليائه، وإن ظنوا أن هذا من مولاته ومحبته، كما يظن النصارى أن ما هم إلا من الغلو في المسيح والتربك به من جنس محبته ومولاته، وكذلك دعائهم للأنبياء الموتى كإبراهيم وموسى وغيرهم عليهم السلام، ويظنون أن هذا من محبتهم ومولاتهم، وإنما هو من جنس معاداتهم، ولهذا يتبرؤن منهم يوم القيامة.

وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يتبرأ ممن عصاه، وإن كان قصده تعظيمه والغلو فيه، قال تعالى:{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} (الشعراء 215-216)

فقد أمر الله المؤمنين أن يتبرؤا من كل معبود غير الله ومن كل من عبده قال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (الممتحنة 004)

وكذلك سائر الموتى ليس في مجرد رؤية قبروهم ما يوجب لهم زيادة المحبة إلا لمن عرف أحوالهم بدون ذلك فيتذكر أحوالهم، والرسول صلى الله عليه وسلم يذكر المسلمون أحواله ومحاسنه

ص: 84

وفضائله،وما من الله به عليه، وما من على أمته، فبذلك يزداد حبهم له وتعظيمهم له، لا بنفس رؤية القبر.

ولهذا تجد العاكفين على قبور الأنبياء والصالحين من أبعد الناس عن سيرتهم ومتابعتهم، وإنما قصد جمهورهم التأكل والترأس بهم، فيذكرون فضائلهم ليحصل لهم بذلك رئاسة أو مأكلة، لا ليزدادوا هم حباً وخيراً.

وفي مسند الإمام أحمد وصحيح أبي حاتم عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((وإن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد)) (1) .

وما ذكره هذا من فضائله فبعض ما يستحقه صلى الله عليه وسلم، والأمر فوق ما ذكره أضعافاً مضاعفة، لكن هذا يوجب إيماننا به وطاعتنا له، واتباع سنته والتأسي به، والاقتداء به ومحبتنا له وتعظيمنا له، موالاة أوليائه، ومعاداة أعدائه، فإن هذا هو طريق النجاة والسعادة، وهو سبيل الحق ووسيلتهم إلى الله تعالى، ليس في هذا ما يوجب معصيته ومخالفة أمره، والشرك بالله واتباع غير سبيل المؤمنين السابقين الأولين والتابعين لهمبإحسان، وهو صلى الله عليه وسلم قد قال:((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) (2)، وقال:((لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (3) يحذر ما فعلوا، وقال: لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم، فإن صلاتكم تبلغني (4)، وقال: خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة)) (5) رواه مسلم، وقال ((إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كبيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة

(1) رواه أحمد 1/405 و 435 و 454 والطبراني في الكبير 10/232 حديث رقم 10413، فالحديث بطرقه صحيح، قال الهيثمي في مجتمع الزوائد 2/27 رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن، رواه ابن حبان انظر الموارد ص104 وأبو نعيم من أخبار أصبهان 1/142 بإسناد حسن، وأصل الحديث في البخاري 13/14 حديث رقم 7067 وانظر تحذير الساجد ص19.

(2)

تقدم صفحة 19 حاشية (1)

(3)

تقدم صفحة 47 حاشية (3)

(4)

تقدم صفحة 47 حاشية (1) .

(5)

قطعة من خطبة الحاجة التي كان يفتتح النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها خطبة ومواعظه وللألباني حفظه الله تعالى بحيث قيم فيها وقد نشرت هذه الرسالة فالتراجع وسماها (خطبة الحاجة التي كان يعلمها الرسول للصحابة)) .

ص: 85