المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

المكاره إلا الله قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ - الصارم المنكي في الرد على السبكي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة مختصرة للحافظ ابن عبد الهادي

- ‌اسمه:

- ‌ميلاده:

- ‌مشايخه:

- ‌ثناء أهل العلم عليه:

- ‌ الحافظ المزي:

- ‌ الحافظ ابن كثير:

- ‌ الحافظ ابن رجب:

- ‌ الحافظ أبو المحاسن:

- ‌ الإمام الذهبي:

- ‌ الحافظ ابن حجر:

- ‌ الإمام السيوطي:

- ‌ الصفدي:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مقدمه المؤلف

- ‌الباب الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة نصاً

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض خالد بن يزيد إن كان هو العمري، فقد قال ابن حبان: أنه منكر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثاني: فيما ورد من الأخبار والأحاديث دالاً على فضل الزيارة، وإن لم يكن فيه لفظ الزيارة

- ‌قال المعترض

- ‌فصل: في علم النبي صلى الله عليه وسلم بمن يسلم عليه

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثالث: فيما ورد في السفر إلى زيارته صلى الله عليه وسلم صريحاً وبيان أن ذلك لم يزل قديماً وحديثاً

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزيارة انتهى كلامه

- ‌الباب الرابع: في نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أن ذلك مجمع عليه بين المسلمين

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: هذا كلام القاضي وما اختاره يشكل عليه قوله: ((من زار قبري)) فقد أضاف الزيارة إلى القبر إلا أن يكون هذا الحديث لم يبلغ مالكاً فحينئذ يحسن ما قاله القاضي في الاعتذار عنه، لا في إثبات هذا الحكم في نفس الأمر، ولعله يقول: إن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا محذور فيه، والمحذور إنما هو ف يقول غيره

- ‌قال المعترض: وهذا الجواب بينه وبين جواب القاضي بون في شيئين: أحدهما أنه يقتضي تأكيد نسبة معنى الزيارة إلى القبر، وأنه يجتنب لفظها، وجواب القاضي يقتضي عدم نسبتها إلى القبر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفاً (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين

- ‌الباب الخامس: في تقرير كون الزيارة قربة وذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: بعد حكايته هذا الكلام عن الشيخ: وبقي قسم لم يذكره وهو أن تكون للتبرك به من غير إشراك به فهذه ثلاثة أقسام

- ‌قال المعترض

الفصل: المكاره إلا الله قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ

المكاره إلا الله قال تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ () أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} (الملك 020-021) ومن ظن أرضاً معينة تدفع عن أهلها البلاء مطلقاً بخصوصها، أو لكونها فيها قبور الأبياء والصالحين فهو غالك، فأفضل البقاع مكة،وقد عذب الله أهلها عذاباً شديداً عظيماً فقال:{وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ () وَلَقَدْ جَاءهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} (النحل 112-113)

‌قال المعترض

فإن قلت: فقد روى عبد الرزاق في مصنفه بسنده إلى الحسن بن الحسن بن علي أنه رأى قوماً عند القبر، فنهاهم، وقال:إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً ولا تتخذوا بيوتكم قبوراً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) .

قلت: قد روى القاضي إسماعيل في كتاب فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، بسنده إلى علي بن الحسين بن علي، وهو زين العابدين أن رجلاً كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه، ويضع من ذلك ما انتهره عليه علي بن الحسين، فقال له علي بن الحسين: ما يحملك على هذا قال: أحب التسليم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له علي بن الحسين: هل لك أن أحدثك حديثاً عن أبي؟ قال: نعم. فقال له علي بن الحسين أخبرني أبي عن جدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا قبري عيداً ولا تجعلوا بيوتكم قبوراً وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم)) وهذا الأثر يبين لنا أن ذلك الرجل زاد في الحد، وخرج عن الأمر المسنون، فيكون كلام علي بن الحسين موافقاً لما تقدم عن مالك، وليس إنكاراً لأصل الزيارة، أو يكون أراد تعليمه أن السلام يبلغ من الغيبة لما رآه يتكلف الإكثار من الحضور، وعلى ذلك يحمل ما ورد عن حسن بن حسن وغيره من ذلك ولم يذكر هذا الأثر ليحتج به، بل للتأنيس به بأمر محتمل في ذلك الأثر المطلق وإبداء وجهه من وجوه التأويل، وكيف يتخيل في أحد من السلف منهم من زيارة المصطفى، وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى، وسنذكر ذلك وما ورد من الأحاديث والآثار في زيارتهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء الذين ورد فيهم أنهم أحياء كيف يقال فيهم هذه المقالة، انتهى كلام المعترض.

(1) ص 33-34 ووقع فيه: ما اشتهره عليه والصواب ما ها هنا.

ص: 293

والجواب من وجوه:أحدهما: أن يقال:

هذا الحديث الذي ذكره القاضي إسماعيل قد رواه أبويعلي الموصلي والحافظ أبو عبد الله المقدسي في الأحاديث المختارة وهو حديث محفوظ عن علي بن الحسين زين العابدين، وله شواهد كثيرة، وتقدم ذكرها، وهو وأمثاله من الأحاديث مناف لما ذهب إليه المعترض، وأشباهه من الغلو في هذا الباب منافاة ظاهرة،وقول المعترض: أن ذلك الرجل زاد في الحد وخرج عن الأمر المسنون، فيقال له: قد زدت أن في الحد أكثر من زيادة ذلك الرجل، وخرجت عن الأمر المسنون أبلغ من خروجه، وقلت باستحباب قصد القبور للدعاء عندها وشد الرحال، وإعمال المطي لمجرد زيارتها، وغير ذلك من الأمور التي لم يقلها ذلك الرجل، فزيادتك في الحد وخروجك عن الأمر المشروع في هذا الباب أبلغ بكثير من زيادة ذلك الرجل وخروجه.

الوجه الثاني: أن قوله فيكون كلام علي بن الحسين موافقاً لما تقدم عن مالك وليس إنكاراً لأصل الزيارة - كلام فيه تلبيس -، فإن أصل الزيارة لم ينكرها شيخ الإسلام، وإنما أنكر الزيارة المبتدعة المتضمنة لترك مأمور وفعل محظور، وأما الزيارة الشرعية فلم ينكرها، بل ندب إليها وحض عليها، كما تقدم ذكره غير مرة.

لوجه الثالث: قوله ولم يذكر هذا الأثر ليحتج به، بل للتأنيس بأمر محتمل في ذلك الأثر المطلق وإبداء وجه من وجوه التأويل، فيقال له لم لم تحتج بهذا الأثر، وأي شيء منعك من الاستدلال به، مع أنه خبر محفوظ مشهور وشواهده كثيرة، وهو أقوى بكثير مما احتجت به من الأحاديث المتقدمة ومعناه موافق لما ورد في الأحاديث الصحيحة والأخبار الثابتة التي سبق ذكرها غير مرة والله الموفق.

الوجه الرابع: أن قوله: وكيف يتخيل في أحد من السلف منعهم من زيارة المصطفى (1) أو نقله عن أحد منهم أو اعتقده في طائفة منهم، ومن المعلوم أن شيخ الإسلام وغيره من العلماء الأعلام لم يمنعوا من زيارة المصطفى صلوات الله عليه، وإنما قالوا: الزيارة منها ما هو شرعي، ومنها ما هو غير شرعي، فالشرعي مندوب إليه، والبدعي

(1) وقع سقط بعد قوله (من زيارة المصطفى) وهو قوله: وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى كلام في إيهام عظيم وتلبيس شديد ومن اذلي تخيل في أحد من السلف منعهم من زيارة المصطفى أو نقله.

ص: 294

ممنوع منه، وتكلموا في شد الرحال لمجرد زيارة القبور، فمن مانع لذلك كمالك والجمهور، ومن مبيح له كطائفة من المتأخرين، وهذا المعترض يخالف القولين، فيقول إن طاعة وقربة مع العلم بأن ما ذهب إليه ليس من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين ولا فرق عنده بين من قصد الحج فزار في طريقة، وبين من سافر لمجرد الزيارة، بل كلاهما عنده مستحب وطاعة وقربة، وغير من العلماء فرقوا بين الأمرين فقالوا:إن من قصد الحج فزار في طريقه الزيارة الشرعية، فهو مثاب مأجور، واختلفوا فيمن سافر لمجرد زيارة القبر فمنهم من قال: سفره مباح وهم الأقلون، ومنهم من قال: سفره منهي عنه وهم الأكثرون.

والحجة معهم ولم يقل أحد من مجتهديهم ان سفره طاعة وقربة، وإنما ذهب إلى ذلك المعترض وأمثاله ممن ليس لهم سلف في ذلك ولا دليل عليه وكفى هذا المعترض مخالفة لأهل العلم حتى نسب من قال منهم بالقول الذي عليه الجمهور إلى أنه منع من الزيارة ونهي عنها، وهذه النسبة غنما صدرت منه عن الفهم الفاسد والهوى المتبع (1) والله الموفق.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في أثناء كلامه في الجواب الباهر (2) : وأما السفر إلى قبور الأنبياء والصالحين فهذا لم يكن موجوداً في الإسلام في زمن مالك،وإنما حدث هذا بعد القرون الثلاثة قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم، فأما هذه القرون التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن هذا ظاهر فيها، ولكن بعدها ظهر الإفك والشرك، ولهذا لما سأل سائل لمالك عن رجل نذر أن يأتي قبر النبي، فقال: إن كان أراد المسجد فليأته، وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء:((لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد)) (3) ، وكذلك من يزور قبور الأنبياء والصالحين ليدعوهم، أو يطلب منهم الدعاء، أو يقصد الدعاء عندهم لكونه أقرب إجابة في ظنه، فهذا لم يكن يعرف على عهد مالك لا عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره، وإذا كان مالك يكره أن يطيل الوقوف عنده للدعاء، فكيف بمن لا يقصد لا السلام عليه، والدعاء له، وإنما يقصد دعاءه وطلب حوائجه منه، ويرفع صوته عنده فيؤذي الرسول ويشرك بالله ويظلم نفسه.

(1) قلت: نعم إنه الهوى المتبع فمثله ليس بجاهل.

(2)

ص 50-62.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 295

ولم يعتمد الأئمة الأربعة ولا غير الأربعة على شيء من الأحاديث التي يرويها بعض الناس في ذلك مثل ما يروون أنه قال: ((من زارني في مماتي فكأنما زارني في حياتي)) (1)، ومن قوله:((من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة)) (2) ،ونحو ذلك، فإن هذا لم يروه أحد من أئمة المسلمين ولم يعتمدوا عليها ولم يروها لا أهل الصحاح، ولا أهل السنن التي يعتمد عليها كأبي داود والنسائي، لأنها ضعيفة، بل موضوعة، كما قد بين العلماء الكلام عليها، ومن زاره في حياته كان من المهاجرين إليه، والواحد بعدهم لو أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه، وهو إذا أتى بالفرائض لا يكون مثل الصحابة، فكيف يكون مثلهم في النوافل، أو بما ليس قربة (3) ، أو بما هو منهي عنه.

وكره مالك رحمه الله تعالى أن يقول القائل: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم كره هذا اللفظ، لأن السنة لم تأت به في قبره، وقد ذكروا في تعليل ذلك وجوهاً ورخص غيره في هذا اللفظ للأحاديث العامة في زيارة القبور، ومالك يتحسب ما يستحبه سائر العلماء من السفر إلى المدينة والصلاة في مسجده، وكذلك السلام عليه،وعلى صاحبيه عند قبورهم اتباعاً لابن عمر، ومالك رضي الله عنه من أعلم الناس بهذا، لأنه قد رأى التابعين الذين رأوا الصحابة بالمدينة، ولهذا كان يستحب اتباع السلف في ذلك ويكره أن يبتدع أحد هناك بدعة، فكره أن يطيل الرجل القيام والدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الصحابة لم يكونوا يفعلون ذلك وكره لأهل المدينة كما دخل إنسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم، لأن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك.

قال مالك: ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، بل كانوا يأتون إلى مسجده فيصلون خلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، فإن هؤلاء الأربعة صلوا أئمة في مسجده والمسلمون يصلون خلفهم، كما كانوا يصلون خلفه وهم يقولون في الصلاة: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، كما كانوا يقولون ذلك في حياته، ثم إذا قضوا الصلاة قعدوا، أو خرجوا ولم يكونوا يأتون القبر للسلام لعلمهم بأن الصلاة والسلام عليه في الصلاة أكمل وأفضل وهي المشروعة.

(1) تقدم تخريجه والكلام عليه.

(2)

تقدم تخريجه والكلام عليه.

(3)

في الجواب الباهر (بفريضة) بدلاً من قوله: قربة.

ص: 296

وأما دخولهم عند قبره للصلاة والسلام عليه هناك، أو الصلاة والدعاء فإنه لم يشرعه لهم، بل نهاهم، وقال:((لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) فبين أن الصلاة تصل إليه من البعيد،وكذلك السلام، ومن صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشراً،ومن سلم عليه سلم الله عليه عشراً، وتخصيص الحجرة بالصلاة والسلام جعل لها عيداً، وهو قد نهاهم عن ذلك ونهاهم أن يتخذوا قبره، وأو قبر غيره، مسجداً، ولعن من فعل ذلك ليتخذوا أن يصيبهم مثل ما أصاب غيرهم من اللعنة.

وكان أصحابه خير القرون وهم أعلم الناس بسنته وأطوع الأمة لأمره، وكانوا إذا دخلوا إلى المسجد لا يذهب أحد منهم إلى قبره، لا من داخل الحجرة ولا من خارجها، وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب إذا كانت عائشة فيها وبعد ذلك إلى أن بني الحائط الأخر، وهم مع ذلك التمكن من الوصول إلى قبره لا يدخلون إليه لسلام، ولا لصلاة عليه، ولا لدعاء لأنفسهم، ولا لسؤال عن حديث أو علم،ولا كان الشيطان يمطع فيهم حتى يسمعهم كلاماً أو سلاماً فيظنون أنه هو كلمهم، واقناعهم وبين لهم الأحاديث أو أنه قد رد عليهم السلام بصوت يسمع من خارج، كما طمع الشيطان في غيرهم فأضلهم عند قبره وقبر غيره، حتى ظنوا أن صاحب القبر يحدثهم ويفتيهم،ويأمرهم وينهاهم في الظاهر.

وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجاً من القبر ويظنون أن نفس أبدان الموتى خرجت من القبر تكلمهم، أو أن روح الميت تجسدت لهم فرأوها كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج يقظة لا مناماً.

فإن الصحابة رضوان الله عليهم خير قرون هذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس،وهم تلقوا الدين عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا واسطة، ففهموا من مقاصده وعاينوا من أفعاله، وسمعوا منه شفاهاً مل ملم يحصل لمن بعدهم، ولذلك كان يستفيد بعضهم من بعض ما لم يحصل لمن بعدهم، وهم قد فارقوا جميع أهل الأرض وعادوهم وهاجروا جميع الطوائف وأديانهم وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:((لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه)) (1) .

وهذا قاله لخالد بن الوليد لما تشاجر هو وعبد الرحمن بن عوف، لأنه عبد الرحمن بن

(1) تقدم تخريجه.

ص: 297

عوف كان من السابقين الأولين، وهم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا وهو فتح الحديبية، وخالد هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة أسلموا في مدة الهدنة بعد الحديبية وقبل فتح مكة، فكانوا من المهاجرين التابعين لا من المهاجرين الأولين.

وأما الذين أسلموا عام فتح مكة فليسوا بمهاجرين،لأنه لا هجرة بعد الفتح، بل كان الذين أسلموا من أهل مكة لهم الطلقاء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلقهم بعد الاستيلاء عليهم عنوة، كما يطلق الأسير، والذين بايعوه تحت الشجرة، ومن كان من مهاجرة الحبشة هم السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار.

وفي الصحيح عن جابر قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: ((أنتم خير أهل الأرض)) (1) .وكنا ألفاً وأربعمائة ولهذا لم يطمع الشيطان أن ينال منهم من الإضلال والإغواء ما نال ممن بعدهم، فلم يكن فيهم أحد من أهل البدع المشهورة كالخوارج والروافض والقدرية والمرجئة والجهمية، بل كل هؤلاء إنما حدثوا فيمن بعدهم، ولم يكن فيهم من طمع الشيطان أن يتراءى له في صورة بشر، ويقول: أنا الخضر، أو أنا إبراهيم، أو موسى، أو عيسى، أو المسيح، أو أن يكلمه عند قبره، حتى يظن أن صاحبه كلمه، بل هذا إنما ناله فيمن بعدهم، وناله أيضاً من النصارى حيث أتاهم من الصلب وقال: أنا هو المسيح، وهذه مواضع المسامير، ولا يقول أنا شيطان، فإن الشيطان لا يكون جسداً، أو كما قال: وهذا هو الذي أعتمد عليه النصارى في أنه صلب لا في مشاهدته، فإن أحداً منهم لم يشاهد الصلب، وإنما حضره بعض اليهود وعلقوا المصلوب، وهم يعتقدون أنه المسيح، ولهذا جعل الله هذا من ذنوبهم وإن لم يكونوا صلبوه، ولكنهم قصدوا هذه الفعل وفرحوا به، قال تعالى:{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا () وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَاّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا () بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ} (النساء 156-158) وسبط هذا له موضع آخر.

والمقصود أن الصحابة رضي الله عنهم لم يطمع الشيطان أن يضلهم كما أضل به غيرهم من أهل البدع الذين تأولوا القرآن على غير تأويله وجهلوا السنة إذا رأوا أو

(1) رواه البخاري 7/443 رقم 4154.

ص: 298

سمعوا أموراً من الخوارق فظنوها من جنس آيات الأنبياء والصالحين، وكانت من أفعال الشياطين كما أضل النصارى، وأهل البدع بمثل ذلك، فهم يتبعون المتشابه من الكتاب ويدعون المحكم، ولذلك يتمسكون بالمتشابه من الحجج العقلية والحسية كما يسمع ويرى أموراً فيظن أنه رحماني، وإنما هو شيطاني، ويدعون البين الحق الذي لا إجمال فيه، وكذلك لم يطمع الشيطان، أن يتمثل في صورته ويغيث من استغاث به، أو أن يحمل إليهم صوتاً يشبه صوته، لأن الذين رأوه قد علموا أن هذا شرك لا يحل، ولهذا أيضاً لم يطمع فيهم أن يقول أحد منهم لأصحابه، إذا كان لكن حاجة فتعالوا إلى قبري ولا استغيثوا بي لا في محياه، ولا في مماته، كما جرى مثل هذا لكثير من المتأخرين، ولا طمع الشيطان أن يأتي أحدهم، ويقول: أنا من رجال الغيب، أو الأوتاد الأربعة، أو من السبعة أو الأربعين، أو يقول له: أنت منهم إذا كان هذا عندهم من الباطل الذي لا حقيقة له، ولا طمع الشيطان أن يأتي أحدهم فيقول:أنا رسول الله ويخاطبه عند القبر، كما وقع ذلك لكثير ممن بعدهم عند قبر وقبر غيره وعند غير القبور، كما يقع كثير من ذلك للمشركين، وأهل الكتاب يرون بعد الموت من يعظمونه، فأهل الهند يرون من يعظمونه من شيوخهم الكفار وغيرهم، والنصارى يرون من يعظمونه من الأنبياء والحواريين وغيرهم، والضلال من أهل القبلة يرون من يعظمونه إما النبي صلى الله عليه وسلم، وإما غيره من الأنبياء يقظة ويخاطبهم ويخاطبونه، وقد يستفتونه ويسألونه عن أحاديث فيجيبهم، ومنهم ن يخيل له أن الحجرة قد انشقت وخرج منها النبي صلى الله عليه وسلم وعانقه هو وصاحباه،ومنهم من يخيل إليه أنه رفع صوته بالسلام حتى وصل مسيرة أيام إلى مكان بعيد.

وهذا وأمثاله أعرف ممن وقع له هذا وأشباهه عدداً كثيراً، وقد حدثني بما وقع له في ذلك، وبما أخبر به غيره من الصادقين من يطول هذا الموضع بذكرهم.

وهذا موجود عند خلق كثير، كما هو موجود عند النصارى والمشركين، لكن كثير من الناس يكذب بهذا، وكثير منهم إذا صدق به يعتقد أنه من الآيات الإلهية، وأن اذلي رأى ذلك رآه لصالحه ودينه ولم يعلم أنه من الشيطان، وأنه أضل من فعل به ذلك وأنه بحسب قلة علم الرجل يضله الشيطان ومن كان أقل علماً قال له: ما يعلم أنه مخالف للشريعة خلافاً ظاهراً، ومن عنده علم بها لا يقول له ما يعلم أنه مخالف للشريعة ولا مفيد فائدة في دينه، بل يضله عن بعض ما كان يعرفه، فإن هذا فعل الشياطين، وهو وإن ظن أنه قد استفاد شيئاً فالذي خسره من دينه أكثر، ولهذا لم يقل قط أحد من الصحابة أن الخضر أتاه ولا موسى ولا عيسى، ولا أنه سمع رد النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 299

وابن عمر كان يسلم إذا قدم من سفر لم يقل قط أنه سمع الرد، وكذلك التابعون وتابعوهم، وإنما حدث هذا في بعض المتأخرين، وكذلك لم يكن أحد من الصحابة يأتيه فيسأله عند القبر عن بعض ما تنازعوا فيه وأشكل عليهم من العلم لا خلفاؤه الأربعة ولا غيرهم، مع أنهم أخص الناس به، حتى ابنته فاطمة لم يطمع الشيطان أن يقول لها اذهبي إلى قبره، فسليه هل يورث أم لا يورث كما أنهم أيضاً لم يطمع الشيطان فيهم فيقول لهم: اطلبوا منه أن يدعو لكم بالمطر لما أجدبوا، ولا قال: أطلبوا منه أن يستنصر لكم، ولا أن يستغفر لكم كما كانوا في حياته يطلبونه منه أن يستسقي لهم، وأن يستغفر لهم، فلم يطمع الشيطان فيهم بعد موته أن يطلبوا منه ذلك، ولا طمع بذلك في القرون الثلاثة، وإنما ظهرت هذه الضلالات ممن قل علمه بالتوحيد والسنة فأضله الشيطان، كما أضل النصارى في أمور لقلة علمهم بما جاء به المسيح ومن قبله من الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه.

وكذلك لم يطمع الشيطان أن يطير بأحدهم في الهواء، ولا أن يقطع به الأرض في مدة قريبة كما يقع مثل هذا الكثير من المتأخرين، لأن الأسفار التي كانوا يسافرونها كانت طاعات؛ كسفر الحج والعمرة والجهاد وهم يثابون على كل خطوة يخطونها فيه، وكلما بعدت المسافة كان الأجر أعظم، كالذي يخرج من بيته إلى المسجد فخطواته إحداهما ترفع درجة، والأخرى تحط خطيئة، فلم يمكن الشيكان أن يفوتهم ذلك الأجر بأن يحملهم في الهواء أو يؤزهم في الأرض أزاً حتى يقطعوا المسافة البعيدة بسرعة، وقد علموا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أسري به الله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليريه من آياته وأنه أراه من آياته الكبرى وكان هذا من خصائصه، فليس لمن بعده مثل هذا المعراج، ولكن الشياطين تخيل إليه معارج شيطانية، كما خيلتها لجماعة من المتأخرين.

وأما قطع النهر الكبير بالسير على الماء، فهذا قد يحتاج إليه المؤمنون أحياناً مثل أن لا يمكنهم العبور إلى العدو وتكميل الجهاد إلا بذلك، فلهذا كان الله يكرم من يحتاج إلى ذلك من الصحابة والتابعين بمثل ذلك أكرم به الملاء بنت الحضرمي وأصحابه وأبا مسلم الخولاني وأصحابه، وبسط هذا له موضع آخر غير هذا الكتاب.

لكن المقصود أن يعرف أن الصحابة خير القرون وأفضل الخلق بعد الأنبياء فما ظهر فيهم بعدهم مما يظن أنها فضيلة للمتأخرين، ولم تكن فيهم فإنها من الشيطان وهي نقيصة لا فضيلة سواء كانت من جنس العلوم، أو من جنس العبادات، أو من جنس الخوارق والآيات، أو من جنس السياسة والملك، بل خير الناس بعدهم أتباعهم لهم.

ص: 300

قال ابن مسعود رضي الله عنه: من كان منكم مسنناً فليستن بمن قد مات، فإين الحين لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه ولإقامة دينه، فأعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وبسط هذا له موضع آخر.

والمقصود هنا أن الصحابة تركوا البدع المتعلقة بالقبور بقبره وقبر غيره لنهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولئلا يتشبهوا بأهل الكتاب الذين اتخذوا قبور الأنبياء أوثاناً، وإنما كان بعضهم يأتي من خارج فيسلم عليه إذا قدم من سفر كما كان بن عمر يفعل، بل كانوا في حياته يسلمون عليه، ثم يخرجون من المسجد لا يأتون إليه عند كل صلاة، وإذا جاء أحد سلم عليه رد عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك من سلم عليه عند قبره رد عليه، وكانوا يدخلون على عائشة فكانون يسلمون عليه كما كانوا يسلمون في حياته، ويقول أحدهم السلام عليك يا أيها النبي ورحمة الله وبركاته، وقد جاء هذا عاماً في جميع قبور المؤمنين ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه لروحه حتى يرد عليه السلام (1) ، فإذا كان رد السلام موجوداً في عموم المؤمنين، فهو في أفضل الخلق أولى، وإذا سلم المسلم عليه في صلاته، فإنه وإن لم يرد عليه لكن الله يسلم عليه عشراً، كما في الحديث:((من سلم علي مرة سلم الله عليه عشراً)) (2) ، فالله يجزيه على هذا السلام أفضل مما يحصل بالرد، كما أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه عشراً، وكان ابن عمر يسلم عليه، ثم ينصرف، ولا يقف لدعاء له، أو لنفسه، ولهذا كره مالك ما زاد على فعل ابن عمر من وقوف ودعاء له أو لنفسه لأن ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة فكان بدعة محضة.

قال مالك: لن يصلح آخر الأمة إلا ما أصلح أولها، مع أن فعل ابن عمر إذا لم يفعل مثله سائر الصحابة إنما يصلح للتسويغ كأمثال ذلك فيما يفعله بعض الصحابة وأما القول بأن هذا الفعل مستحب، أو منهي عنه، أو مباح فلا يثبت إلا بدليل شرعي، فالجواب والندب والإباحة والاستحباب والكراهة والتحريم لا يثبت شيء منها إلا بالأدلة الشرعية، والأدلة الشرعية كلها مرجعها إليه صلوات الله وسلامه عليه فالقرآن هو الذي بلغه والسنة هو الذي عملها، والإجماع بقوله عرف أنه معصوم، والقياس إنما يكون حجة

(1) تقدم.

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 301

إذا علما أن الفرع مثل الأصل، أو أن علة الأصل في الفرع، وقد علما أنه صلى الله عليه وسلم لا يتناقض فلا يحكم في المتماثلين بحكمين متناقضين، ولا يحكم بالحكم لعلة تارة ويمنعه أخرى مع وجود العلة إلا لاختصاص إحدى الصورتين بما يوجب التخصيص، فشرعه هو ما شرعه، وسنته هي ما سنها لا يضاف إليه قول غيره وفعله، وإن كان من أفضل الناس إذا وردت سنته، بل ولا يضاف إليه إلا بدليل يدل على الإضافة.

ولهذا كان الصحابة كأبي بكر وعمر وابن مسعود يقولون باجتهادهم، ويكونون مصيبين موافقين لسنته، لكن يقول أحدهم: اقول في هذا برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن كان خطأ فمني، ومن الشيطان والله ورسوله بريئان منه.

فإن كل ما خالف سنته فهو شرع منسوخ أن مبدل لكن المجتهدين وإن قالوا برأيهم وأخطأوا فلهم أجر وخطأهم مغفور لهم، وكان الصحابة إذا أراد أحدهم أن يدعو لنفسه استقبل القبلة، ودعا لنسفه كما كانوا يفعلون في حياته،لا يقصدون الدعاء عند الحجرة ولا يدخل أحدهم إلى القبر.

والسلام عليه قد شرع للمسلمين في كل صلاة وشرح للمسلمين، إذا دخل أحدهم المسجد أي مسجد كان، فالنوع الأول كل صلاة يقول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ثم يقول:السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، قال النبي صلى الله عليه وسلم:((فإذا قلتم ذلك أصابت كل عبد صالح لله في السموات والأرض)) (1) فقد شرع للمسلمين في كل صلاة أن يسلموا على النبي صلى الله عليه وسلم خصوصاً وعلى عباد الله الصالحين من الملائكة والإنس والجن عموماً.

وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كما نقول خلف النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: السلام على فلان وفلان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إن الله هو السلام فإذا فقد أحدكم في الصلاة فليقل التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)) (2) وقد روى عنه التشهد بألفاظ أخرى، كما رواه مسلم من حديث ابن عباس، وكما كان عمر يعلم الناس التشهد، ورواه مسلم من حديث أبي موسى، لكن

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه بقية أحاديث التشهد.

ص: 302

مثل تشهد ابن مسعود، ولكن لم يخرج البخاري إلا تشهد ابن مسعود، وكل ذلك جائز فإن القرآن أنزل على سبعة أحرف فالتشهد أولى.

والمقصود أنه صلى الله عليه وسلم ذكر أن المصلي إذا قال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أصابت كل عبد صالح لله في السموات والأرض، وهذا يتناول الملائكة وصالحي الإنس والجن،كما قال تعالى عنهم:{وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} (الجن 011)

والنوع الثاني: السلام عليه عند دخول المسجد، كما في المسند والسنن عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إذا دخل أحدكم المسجد فليقل بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك وإذا خرج قال بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك)) (1) .

وروى مسلم في صحيحه الدعاء عند دخول المسجد بأن يفتح له أبواب رحمته وعند خروجه بسؤال الله من فضله، وهذا الدعاء مؤكد في دخول مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا ذكره العلماء فيما صنفوه من المناسك لمن أتى إلى مسجده، أن يقول ذلك، فإن السلام عليه مشروع عند دخول المسجد، والخروج، وفي نفس كل صلاة، وهذا أفضل وأنفع من السلام عند قبره وأدوم، وهذا مصلحة محضة، لا مفسدة فيها، يرضي الله ويوصل نفع ذلك إلى رسول الله وإلى المؤمنين.

وهذا مشروع في كل صلاة وعند دخول المسجد، والخروج منه بخلاف السلام عند القبر مع أن قبره من حين دفن لم يمكن أحد من الدخول إليه لا لزيارة، ولا لصلاة ولا لدعاء ولا غير ذلك، ولكن كانت عائشة فيه، لأنه بيتها، وكانت ناحية من القبور، لأن القبور في مقدم الحجرة، وكانت هي في مؤخرة الحجرة، ولم يكن الصحابة يدخلون إلى هناك، وكانت الحجرة على عهد الصحابة خارجة عن المسجد متصلة به، وإنما دخلت فيه في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد موت العبادلة ابن عمر وابن عباس وابن الزبير، وابن عمرو، بل بعد موت جميع الصحابة الذين كانوا بالمدينة (2) ، ولم يكن

(1) قد حقننا أحاديث أذكار الدخول والخروج من المسجد في رسالتنا (إتحاف الراكع الساجد بأذكار الدخول والخروج من المساجد) فراجعها هناك.

(2)

في الجواب الباهر بعد قوله (.. الذين كانوا بالمدينة فإن آخر من مات بها جابر بن عبد الله في بضع وسبعين سنة ووسع المسجد في بضع وثمانين سنة ولم يكن الصحابة

)

ص: 303

الصحابة يدخلون إلى عند القبرولا يقفون عنده خارجاً مع أنهم يدخلون إلى مسجده ليلاً ونهاراً.

وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام)) (1) . وقال: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام ومسجدي هذا ومسجد بيت المقدس)) (2) وكانوا يقدمون من الأسفار للاجتماع بالخلفاء الراشدين وغير ذلك فيصلون في مسجده ويسلمون عليه في الصلاة، وعند دخول المسجد والخروج منه،ولا يأتون القبر إذا كان عندهم مما لم يأمرهم به ولم يسنه لهم، وإنما أمرهم وسن لهم الصلاة والسلام عليه في الصلاة، وعند دخولهم المساجد وغير ذلك ولكن ابن عمر كان يأتيه فيسلم عليه وعلى صاحبه عند قدومه من السفر، وقد يكون فعله غير ابن عمر أيضاً.

فهكذا رأى من رأى من العلماء هذا جائز، اقتداء بالصحابة رضي الله عنهم وابن عمر كان يسلم، ثم ينصرف ولا يقف يقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا ابت ثم ينصرف ولم يكن جمهور الصحابة يفعلون كما فعل ابن عمر بل كان الخلفاء وغيرهم يسافرون للحج وغيره ويرجعون ولا يفعلون ذلك إذا لم يكن هذا سنة سنها لهم، وكذلك أزواجه كن على عهد الخلفاء وبعهدهم يسافرون للحج، ثم ترجع كل واحدة إلى بيتها كما وصاهن بذلك وكانت امداد اليمن الذين قال اله فليهم:{فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (المائدة 054)

على عهد أبي بكر وعمر يأتون أفواجاً من اليمن للجهاد في سبيل الله، ويصلون خلف أبي بكر وعمر في مسجده، ولا يدخل أحد منهم إلى داخل الحجرة ولا يقف في المسجد خارجاً منها لا لدعاء ولا صلاة ولا سلام، ولا غير ذلك، وكانوا عالمين بسنته كما علمهم الصحابة والتابعون وأن حقوقه ملازمة لحقوق الله، وإن جميع ما أمر الله به وأحبه من حقوقه وحقوق رسوله فإن صاحبها يؤمر بها في جميع المواضع والبقاع، فليس الصلاة والسلام عليه عند قبره، بأوكد من ذلك في غير ذلك المكان، بل صاحبها مأمور بها حيث كان إما مطلقاً وإما عند الأسباب المؤكدة لها كالصلاة والدعاء والأذان، ولم يكن شيء من حقوقه ولا شيء من العبادات هو عند قبر أفضل منه في غير تلك البقعة، بل نفس مسجده له فضيلة لكونه مسجده)) .

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

ص: 304

ومن اعتقد أنه قبل القبر لم يكن له فضيلة إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيه والمهاجرين والأنصار، وإنما حدثت له الفضيلة في خلافة الوليد بن عبد الملك لما أدخل الحجرة في مسجده، فهذا لا يقوله إلا جاهل مفرط في الجهل، أو كافر فهو مكذوب لما جاء به مستحق للقتل، وكان الصحابة يدعون في مسجده كما كانوا يدعونه في حياته لم يتجدد لهم شريعة غير الشريعة التي علمهم إياها في حياته، وهو لم يأمرهم إذا كان لأحدهم حاجة أن يذهب إلى قبر نبي، أو صالح فيصلي عنده،ويدعوه، أو يدعو بلا صلاة، أو يسأله حوائجه، أو يسأله أن يسأل ربه.

فقد علم الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمرهم بشيء من ذلك ولا أمرهم أن يخصوا قبره أو حجرته إلى جوانب حجرته لا بصلاة ولا دعاء لا له ولا لأنفسهم، بل قد نهاهم أن يتخذوا بيته عيداً، فلم يقل لهم كما يقول بعض الشيوخ الجهال لأصحابه، إذا كان لكن حاجة فتعالوا إلى قبري، بل نهاهم عما هو أبلغ من ذلك أن يتخذوا قبره، أو قبر غيره مسجداً يصلون فيه لله لسيد ذريعة الشرك.

فصلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً، وجزاه عنا أفضل ما جزى نبياً عن أمته قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، فكان إنعام الله به أفضل نعمة أنعم بها على أهل الأرض، وقد دلهم صلى الله عليه وسلم على أفضل العبادات،وأفضل البقاع كما في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: أي العمل أفضل قال: ((الصلاة على مواقيتها)) قلت: ثم أي: قال: ((ثم بر الوالدين)) ، قلت ثم أي:((الجهاد في سبيل الله)) سألته عنهن، ولو استزدته لزادني (1) .

وفي المسند وسنن ابن ماجة عن ثوبان، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: استقيموا ولن تحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن (2) ، والصلاة قد سن للأمة أن تتخذ لها مساجد وهي أحب البقاع إلى الله، كما ثبت عنه في صحيح مسلم وغيره أنه قال: أحب البقاع إلى الله المساجد، وأبغض البقاع إلى الله الأسواق (3) ، ومع

(1) تقدم تخريجه.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده 5/276 وابن ماجدة في سننه رقم 277.

كلاهما من طريق سالم بن أبي الجعد عن ثوبان به قال أحمد بن حنبل سالم بن أبي الجعد لم يلق ثوبان بينما معدان ، نفى البخاري سماع سالم من ثوبان. انظر جامع التحصيل.

(3)

أخرجه مسلم 1/464.

ص: 305

هذا فقد لعن من يتخذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد، وهو في مرض الموت نصيحة للأمة وحرصاً منه على هذا، كما نعت الله بقوله:{لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة 128)

وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه،:((لعن الله اليود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد قال عائشة: ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً، وفي رواية خشي أن يتخذ مسجداً)) (1) .

وعان عائشة وابن عباس قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصه له على وجه، فإذا اغتم كشفها عن وجهة، فقال: وهو كذلك لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا (2) ، ومن حكمة اله تعالى أن عائشة أم المؤمنين صاحبه الحجرة التي دفن فيها تروي هذه الأحاديث، وقد سمعتها منه، وأن كان غيرها من الصحابة سمعها أيضاً كابن عباس وأبي هريرة وجندب بن عبد الله وابن مسعود رضي الله عنهم.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي اله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (3) وفي الصحيحين عن عائشة أن لم حبيبة، ولم سلمه ذكرنا كنيسة رأيتها بأرض الحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا علي قبره مسجداً وصروراً فيه فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة)) (4) .

وفي صحيح مسلم عن جندب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: ((إن أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد أتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً ولو كنت متخذاً من أهل الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإن أنهاكم عن ذلك)) (5) .

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

تقدم تخريجه.

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

أخرجه مسلم 1/377.

ص: 306