المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الشيخ أبي عمران المالكي، أن زيارة قبر النبي صلى الله - الصارم المنكي في الرد على السبكي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة مختصرة للحافظ ابن عبد الهادي

- ‌اسمه:

- ‌ميلاده:

- ‌مشايخه:

- ‌ثناء أهل العلم عليه:

- ‌ الحافظ المزي:

- ‌ الحافظ ابن كثير:

- ‌ الحافظ ابن رجب:

- ‌ الحافظ أبو المحاسن:

- ‌ الإمام الذهبي:

- ‌ الحافظ ابن حجر:

- ‌ الإمام السيوطي:

- ‌ الصفدي:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مقدمه المؤلف

- ‌الباب الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة نصاً

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض خالد بن يزيد إن كان هو العمري، فقد قال ابن حبان: أنه منكر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثاني: فيما ورد من الأخبار والأحاديث دالاً على فضل الزيارة، وإن لم يكن فيه لفظ الزيارة

- ‌قال المعترض

- ‌فصل: في علم النبي صلى الله عليه وسلم بمن يسلم عليه

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثالث: فيما ورد في السفر إلى زيارته صلى الله عليه وسلم صريحاً وبيان أن ذلك لم يزل قديماً وحديثاً

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزيارة انتهى كلامه

- ‌الباب الرابع: في نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أن ذلك مجمع عليه بين المسلمين

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: هذا كلام القاضي وما اختاره يشكل عليه قوله: ((من زار قبري)) فقد أضاف الزيارة إلى القبر إلا أن يكون هذا الحديث لم يبلغ مالكاً فحينئذ يحسن ما قاله القاضي في الاعتذار عنه، لا في إثبات هذا الحكم في نفس الأمر، ولعله يقول: إن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا محذور فيه، والمحذور إنما هو ف يقول غيره

- ‌قال المعترض: وهذا الجواب بينه وبين جواب القاضي بون في شيئين: أحدهما أنه يقتضي تأكيد نسبة معنى الزيارة إلى القبر، وأنه يجتنب لفظها، وجواب القاضي يقتضي عدم نسبتها إلى القبر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفاً (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين

- ‌الباب الخامس: في تقرير كون الزيارة قربة وذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: بعد حكايته هذا الكلام عن الشيخ: وبقي قسم لم يذكره وهو أن تكون للتبرك به من غير إشراك به فهذه ثلاثة أقسام

- ‌قال المعترض

الفصل: الشيخ أبي عمران المالكي، أن زيارة قبر النبي صلى الله

الشيخ أبي عمران المالكي، أن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، قال عبد الحق: يعني من السنن الواجبة.

وهذا الذي نقله المعترض عن هؤلاء الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة بمعزل عما ذكر فيه الشيخ النزاع بين العلماء، فلا حاجة إلى التطويل باستقصاء ذكر كلامهم، وما نقله عبد الحق الصقلي عن الشيخ أبي عمران فيه نظر وإيهام، والوجوب لم يذهب إليه أحد من العلماء، ثم ذكر فرعاً فيمن استؤجر بمال وشرط عليه الزيارة،وحكى فيه بعض كلام المالكية والشافعية، ثم قال: وقد روى القاضي عياض في (الشفاء) .

قال حدثنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الأشعري، وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم وغير واحد فيما أجازونيه، قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دلهاث، حدثنا أبو الحسن علي بن فهر، حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن الفرج، حدثنا أبو الحسن عبد الله بن المنتاب، حدثنا يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا ابن حميد (1) قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين ملكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين، لا ترفع صوتك في هذا المسجد، فإن الله عز وجل أدب قومه فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ} (الحجرات 002) ومدح قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ} (الحجرات 003) وذم قوماً فقال: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ} (الحجرات 004) وأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فاستكان لها أبو جعفر، وقال يا ابا عبد الله: استقبل القبلة وأدعو أم استدبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ولم تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم عليه السلام (إلى الله يوم القيامة) بل استقبله واستشفع به يشفعه الله فيك قال الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} (النساء 064)

‌قال المعترض

فانظر هذا الكلام من مالك رحمه الله تعالى، وما اشتمل عليه من الزيارة والتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم وحسن الأدب معه.

قلت: المعروف عن مالك أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء، وهذه الحكاية التي

(1) هو محمد بن حميد الرازي ولم يشهد القصة ولو شهدها فلا يعتمد عليه فهو ضعيف وكذبه أبو زرعة وابن واره،انظر التوسل ص64 وسيأتي كلام المصنف ونقل أقوال أهل العلم فيه.

ص: 259

ذكرها القاضي عياض ورواها بإسناد عن مالك ليست بصحيحة عنه، وقد ذكر المعترض في موضع من كتابه أن إسنادها إسناد جيد، وهو مخطئ في هذا القول خطأ فاحشاً، بل إسنادها إسناد ليس بجيد، بل هو إسناد مظلم منقطع، وهو مشتمل على من يتهم بالكذب وعلى من يجهل حاله وابن حميد هو محمد بن حميد الرازي، وهو ضعيف كثير المناكير غير محتج بروايته، ولم يسمع من مالك شيئاً ولم يلقه،بل روايته عنه منطقة غير متصلة وقد ظن المعترض أنه أبو سفيان محمد بن حميد المعمري أحد الثقات المخرج لهم في صحيح مسلم قال:فإن الخطيب ذكره في الرواة عن مالك وقد أخطأ فيما ظنه خطأ فاحشاً ووهم وهماً قبيحاً.

فإن ومحمد بن حميد المعمري رجل متقدم لم يدركه يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل راوي الحكاية عن ابن حميد، بل بينهما مفازة بعيدة، وقد روى المعمري عن هشام بن حسان ومعمر الثوري، وتوفي سنة اثنتي وثمانين ومائة قبل أن يولد يعقوب بن إسحاق بن أبي إسرائيل، وأما محمد بن حميد الرازي فإنه في طبقة الرواة عن المعمري كان خيثمة وابن نمير وعمرو والناقد وغيرهم، وكانت وفاته سنة ثمان وأربعين ومائتين فرواية يعقوب بن إسحاق عنه ممكنة بخلاف روايته عن المعمري، فإنها غير ممكنة، وقد تكلم في محمد بن حميد الرازي، وهو الذي رويت عنه هذه الحكاية من غير واحد من الأئمة ونسبه بعضهم إلى الكذب.

قال يعقوب بن شيبة الدوسي (1) : محمد بن حميد الرازي كثير المناكير، وقال البخاري (2) ، حديثه فيه نظر، وقال النسائي (3) ليس بثقة، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (4) : رديء المذهب غير ثقة، وقال فضلك الرازي (5) عندي عن ابن حميد خمسون ألف حديث، لا أحدث عنه بحرف، وقال أبو العباس أحمد بن محمد الأزهري (6) : سمعت إسحاق بن منصور يقول: أشهد على محمد بن حميد وعبيد بن إسحاق العطار بين يدي الله أنهما كذابان، وقال صالح بن محمد الحافظ (7) : كان كل ما

(1) انظر كلامه في التهذيب 9/129.

(2)

انظر التاريخ الكبير 1/69 والضعفاء الصغير له ص205 رقم 315.

(3)

الضعفاء والمتروكين ص32.

(4)

انظر أحوال الرجال ص207 رقم 382.

(5)

انظر التهذيب 9/129

(6)

انظر التهذيب 9/129

(7)

انظر التهذيب 9/129.

ص: 260

بلغه من حديث سفيان يحيله على مهران وما بلغه من حديث منصور يحيله على عمرو بن (أبي) قيس، وما بلغه من حديث الأعمش يحيله على مثل هؤلاء وعلى عنبسة، ثم قال: كل شيء كان يحدثنا ابن حميد كنا نتهمه فيه.

وقال في موضع آخر: كانت أحاديثه تزيد وما رأيت أحد أجرأ على الله منه كان يأخذ أحاديث الناس فيقلب بعضها على بعض، وقال في موضع آخر: ما رأيت أحداً أحذق بالكذب من رجلين: سليمان الشاذكوني، ومحمد بن حميد الرازي كان يحفظ حديثه كله، وكان حديثه كل يوم يزيد، وقال أبو القاسم: عبد الله بن محمد بن عبد الكريم الرازي ابن أخي أبي زرعة: سألت أبا زرعة عن محمد بن حميد فأومأ بأصبعه إلى فمه فقلت له: كان يكذب؟ فقال: برأسه: نعم.

فقلت له (كان) قد شاخ لعله يعمل عليه ويدلس عليه؟ فقال: لا، بني كان يتعمد وقال أبو حاتم (1) الرازي: حضرت محمد بن حميد وحضره عون بن جرير، فجعل ابن حميد يحدث بحديث عن جرير فيه شعر فقال عون: ليس هذا الشعر في الحديث، إنما هو من كلام أبي فتغافل ابن حميد فمر فيه.

وقال أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي (2) : سمعت أبا حاتم محمد بن إدريس الرازي في منزله، وعنده عبد الرحمن بن يوسف بن خراش، وجماعة من مشايخ أهل الرأي وحفاظهم للحديث، فذكروا ابن حميد فأجمعوا على أنه ضعيف في الحديث جداً وأنه يحدث بما لم يسمعه، وأنه يأخذ أحاديث لأهل البصرة والكوفة فيحدث بها عن الرازيين. وقال ابن عباس بن سعيد: سمعت داود بن يحي يقول: حدثنا عنه يعني محمد بن حميد أبو حاتم قديماً، ثم تركه بآخره، قال: سمعت عبد الرحمن بن يوسف بن خراش، يقول حدثنا ابن حميد، وكان والله يكذب.

وقال أبو حاتم بن حبان البستي في كتاب الضعفاء (3) : محمد بن حميد الرازي كنيته أبو عبد الله: يروي عن ابن المبارك وجرير، حدثنا عنه شيوخنا مات سنة ثمان وأربعين ومائتين، كان ممن ينفرد عن الثقات بالأشياء المقلوبات، ولا سيما إذا حدث عن شيوخ

(1) انظر الجرح والتعديل 7/232 - 233.

(2)

انظر الكامل 6/2277.

(3)

2/303.

ص: 261

بلده، سمعت إبراهيم بن عبد الواحد البغدادي، يقول: قال صالح بن أحمد بن حنبل كنت يوماً عند أبي إذ دق عليه الباب، فخرجت فإذا أبو زرعة ومحمد بن مسلم بن واره يستأذنان على الشيخ فدخلت وأخبرته فأذن لهم فدخلوا وسلموا عليه فأما ابن واره فباس يده فلم ينكر عليه ذلك، وأما أبو زرعة، فصافحة فتحدثوا ساعة فقال ابن واره: يا أبا عبد الله إن رأيت تذكر حديث أبي القاسم بن أبي الزناد فقال: نعم حدثنا أبو القاسم ابن أبو الزناد عن إسحاق بن حازم، عن ابن مقسم يعني عبيد الله، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر؟ فقال:((الطهور ماؤه، الحلال ميتته)) وقام فقالوا: ما له قلنا شك في شيء ثم خرج والكتاب بيده فقال في كتابه ميته بتاء واحدة والناس يقولون ميتته، ثم تحدثوا ساة فقال له ابن واره: يا أبا عبد الله رأيت محمد بن حميد، قال نعم، قال: كيف رأيت حديثه؟ قال: إذا حدث عن العراقيين يأتي بأشياء مستقيمة، وإذا حدث عن أهل بلده مثل إبراهيم بن المختار وغيره أتى بأشياء لا تعرف لا يدري ما هي.

قال: فقال أبو زرعة وابن واره: صح عندنا أنه يكذب، قال: فرأيت أبي بعد ذلك إذا ذكر ابن حميد نفض يده.

وقال العقيلي في كتاب الضعفاء (1) : حدثني إبراهيم بن يوسف، قال: كتب أبو زرعة ومحمد بن مسلم، عن محمد بن حميد، حديثاً كثيراً، ثم تركا الرواية عنه، وقال الحاكم أبو أحمد في كتاب الكنى: أبو عبد الله محمد بن حميد الرازي ليس بالقوي عندهم تركه أبو عبد الله بن يحيى الذهلي، وأبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة.

فإذا كانت هذه حال محمد بن حميد الرازي عند أئمة هذا الشأن، فكيف يقال في حكاية رواها منقطعة: إسنادها جيد مع أن في طريقها إليه من ليس بمعروف.

وقد قال المعترض بعد أن ذكر هذه الحكاية، وتكلم على رواتها: فانظر هذه الحكاية وثقة رواتها وموافقتها، لما رواه ابن وهب عن مالك، هكذا قال، والذي حمله على ارتكاب هذه السقطة قلة علمه ومتابعته هواه، نسأل الله التوفيق.

والذي ينبغي أن يقال: فانظر هذه الحكاية وضعفها وانقطاعها وتكارتها وجهالة بعض رواتها ونسبة بعضهم إلى الكذب ومخالفتها لما ثبت عن مالك وغيره من العلماء.

وقد قال شيخ الإسلام في كتاب: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب

(1) 4/61.

ص: 262

الجحيم (1) ولم يكن أحد من السلف يأتي إلى قبر نبي أو غير نبي لأجل الدعاء عنده، ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند قبر غيره من الأنبياء، وإنما كانوا يصلون ويسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم،وعلى صاحبه واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم، لا يستقبل قبره وتنازعوا عند السلام عليه، فقال مالك وأحمد وغيرهما: يستقبل قبره ويسلم عليه وهو الذي ذكره أصحاب الشفاعي، وأظنه منصوباً عنه، وقال أبو حنيفة: بل يستقبل القبلة ويسلم عليه هكذا في كتب أصحابه.

وقال مالك فيما ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط، والقاضي عياض وغيرهما: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضي، وقال أيضاً في المبسوط: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو له ولأبي بكر وعمر (2)، فقيل له: فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة، أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة أو في الأيام المرة والمرتين، أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا، وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.

وقد تقدم في ذلك من الآثار عن السلف والأئمة ما يوافق هذا، ويؤيده من أنهم كانوا إنما يستحبون عند قبره ما هو من جنس الدعاء له والتحية كالصلاة والسلام ويكرهون قصده للدعاء والوقوف عنده للدعاء،ومن يرخص منهم في شيء من ذلك، فإنه إنما يرخص فيما إذا سلم عليه، ثم أراد الدعاء أن يدعو مستقبلاً القبلة، إما مستدبراً القبر، وإما منحرفاً عنه، وهو أن يستقبل القبلة ويدعوا ولا يدعو مستقبلاً القبر،وهكذا المنقول عن سائر الأئمة ليس في أئمة المسلمين من استحب للمرء أن يستقبل قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو عنده.

وهذا الذي ذكرناه عن مالك والسلف يبين حقيقة الحكاية المأثورة عنه، وهي الحكاية التي ذكرها القاضي عياض عن محمد بن حميد قال: ناظر أبو جعفر أمير المؤمنين مالكاً في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله أدب قوماً فقال {أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} (الحجرات 002)

(1) ص393-394.

(2)

في اقتضاء الصراط المستقيم ص394 ويصلي عليه ويدعو لأبي بكر وعمر.

ص: 263

الآية

وذكر باقي الحكاية، ثم قال: فهذه الحكاية على هذا الوجه، إما أن تكون ضعيفة، أو مغيرة، وإما أن تفسر بما يوافق مذهبه، إذا قد يفهم منها ما هو خلاف مذهبه المعروف بنقل الثقات من أصحابه، فإنه لا يختلف مذهبه أنه لا يستقبل القبر عند الدعاء وقد نص على أنه لا يقف عند الدعاء مطلقاً، وذكر طائفة من أصحابه أنه يدنوا من القبر ويسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو مستقبلاً القبلة،ويوليه ظهره وقيل: لا يوليه ظهره.

فاتفقوا في استقبال القبلة وتنازعوا في تولية القبر ظهره، وقت الدعاء ويشبه والله أعلم أن يكون مالك رحمه الله سئل عن استقبال القبر عند السلام عليه،وهو يسمى ذلك دعاء، فإنه قد كان من فقهاء العراق من يرى أنه عند السلام عليه يستقبل القبلة أيضاً، ومالك يرى استقبال القبر في هذه الحال كما تقدم، وكما قال في رواية ابن وهب عنه: إذا سلك على النبي صلى الله عليه وسلم يقف ووجهه إلى القبر لا إلى القبلة ويدنوا ويسلم ويدعو ولا يمس القبر بيده، وقد تقدم قوله أنه يصلي عليه ويدعو له.

ومعلوم أن الصلاة عليه والدعاء له يوجب شفاعته للعبد يوم القيامة، كما قال في الحديث الصحيح:(0 إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا ينبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة (1)، فقول مالك في هذه الحكاية: إن كان ثابتاً عنه معناه أنك إذا استقبلته وصليت عليه وسلمت عليه، وسألت الله له الوسيلة يشفع فيك يوم القيامة، فإن الأمم يوم القيامة يتوسلون بشفاعته واستشفاع العبد به في الدنيا هو فعلما يشفع به له يوم القيامة كسؤال الله تعالى له الوسيلة ونحو ذلك.

وكذلك ما نقل عنه من رواية ابن وهب، إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ودعا يقف ووجه إلى القبر لا إلى القبلة،ويدعوا ويسلم، يعني دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه، فهذا هو المشروع هناك كالدعاء عند زيارة قبور سائر المؤمنين وهو الدعاء لهم، فإنه أحق الناس أن يصلي عليه ويسلم عليه، ويدعي له بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم وبهذا تتفق أقوال مالك ويفرق بني الدعاء الذي أحبه، والدعاء الذي كرهه وذكر أنه بدعة، وأما الحكاية في تلاوة مالك هذه الآية:((ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم)) الآية فهو والله أعلم باطل، فإن هذا لم يذكره أحد من الأئمة فيما أعلم، ولم يذكر أحد منهم أنه يستحب أن يسأل بعد الموت لا استغفاراً ولا

(1) تقدم تخريجه.

ص: 264

غيره وكلامه المنصوص عنه وعن أمثاله يتنافى هذا، وإنما يعرف مثل هذا في حكاية ذكرها طائفة من متأخري الفقهاء عن أعرابي أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتلا هذه الآية وأنشد بيتين:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طبيهن القاع والأكم

نفس الغداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ولهذا استحب طائفة من متأخري الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد مثل ذلك واحتجوا بهذه الحكاية التي لا يثبت بها حكم شرعي لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً، لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم، بل قضاء الله حاجة مثل هذا الأعرابي وأمثاله ولها أسباب قد بسطت في غير هذا الموضع، وليس كل من قضيت حاجته بسبب يقتضي أن يكون السبب مشروعاً مأموراً به، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل في حياته المسألة فيعطيها لا يرد سائلاً، وتكون المسألة محرمة في حق السائل حتى قال:((إني لأعطي أحدهم العطية فيخرج بها يتأبطها ناراً)) قالوا: يا رسول الله فلم تعطيهم؟ قال: ((يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل)) (1) .

وقد يفعل الرجل العمل الذي يعتقده صالحاً ولا يكون عالماً أنه منهي عنه فيثاب على حسن قصده، ويعفى عنه لعدم علمه،وهذا باب واسع وعامة العبادات المبتدعة المنهي عنها قد يفعلها بعض الناس يحصل له بها نوع من الفائدة، وذلك لا يدل على أنها مشروعة، ولو لم تكن مفسدتها أغلب من مصلحتها لما نهى عنها، ثم الفاعل قد يكون متأولاً،أو مختطئاً، وقد بسط هذا في غير هذا الموضع.

والمقصود هنا أنه قد علم أن مالكاً من أعلم الناس بمثل هذه الأمور، فإنه مقيم بالمدينة يرى ما يفعله التابعون وتابعوهم ويسمع ما ينقلون عن الصحابة وأكابر التابعين، على عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فاستسقى بالعباس، ففي صحيح البخاري (2) عن أنس أن عمر استسقى بالعباس، وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيك فتسقينا، وإنا

(1) رواه أحمد في مسنده 4/3 من حديث أبي سعيد بسند صحيح.

(2)

أخرجه البخاري 2/494 رقم 1010 وأنظره أيضاً برقم 3710.

ص: 265

نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون فاستسقوا به، كما كانوا يستسقون بالنبي صلى الله عليه وسلم في حياته.

وهم إنما كانوا يتوسلون بدعائه وشفاعته لهم فيدعو لهم ويدون معه كالإمام والمأمومين من غير أن يكونوا يقسمون على الله بمخلوق، كما ليس لهم أن يقسم بعضهم على بعض بمخلوق ولما مات صلى الله عليه وسلم توسلوا بدعاء العباس واستسقوا به، ولهذا قال الفقهاء، يستحب الاستسقاء بأهل الخيل والدين والأفضل أن يكونوا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وقد استسقى معاوية بيزيد بن الأسود الجرشي، وقال اللهم إنا نستسقي إليك بيزيد بن الأسود، يا يزيد الرفع يديك فرفع يديه ودعا ودعا الناس حتى أمطروا، ولم يذهب أحد من الصحابة إلى قبر نبي ولا غيره يستسقي عنده، ولا به العلماء استحبوا السلام على النبي صلى الله عليه وسلم للحديث الذي في سنن أبي داود، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:((ما من رجل يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)(1) .

هذا مع ما في النسائي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الله وكل بقبري ملائكة يبلغوني عن أمتي السلام)) (2) وفي سنن أبي داود وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أكثروا علي من الصلاة وليلة الجمعة ويوم الجمعة فإن صلاتكم معروضة علي)) فقالوا يا رسول الله: كيف تعرض صلاتنا وقد أرمت أي بليت، فقال:((إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء)) (3) .

فالصلاة عليه بأبي وأمي والسلام عليه مما أمر الله به ورسوله: وقد ثبت في الصحيح أنه قال: ((من صلى علي مرة صلى الله عليه عشراً، والمشروع لنا عند زيارة الأنبياء والصالحين وسائر المؤمنين هو من جنس المشروع عند جنائزهم، فكما أن المقصود بالصلاة على الميت الدعاء له، فالمقصود بزيارة قبره الدعاء له كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح والسنن والمسند أنه كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول قائلهم: ((السلام عليكم أهل دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا

(1) تقدم تخريجه.

(2)

أخرجه النسائي في سننه كتاب السهو - باب السلام على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم 3/43 وأخرجه أيضاً الدارمي 1/317 وأحمد في مسنده 1/387، 441، 452 وإسماعيل القاضي في فضل الصلاة على النبي رقم 21 جميعاً في حديث ابن مسعود لكنه لفظه، ((وإن لله ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام)) وسنده صحيح.

(3)

تقدم تخريجه.

ص: 266