الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غيره،فإنه سفر لمجرد القبر، وقد يستنونه من العموم كما استثناه من استثناه منهم في الحلف، ثم ظن بعضهم أن العلة هي النبوة فطرد ذلك في الأنبياء.
والصواب أن السفر إلى قبره إنما يستثنى لأنه سفر إلى مسجده ثم إن الناس أقسام منهم من يقصد السفر الشرعي إلى مسجده، ثم إذا صار إلى مسجده المجاور لبيته الذي فيه قبره فعلى ما هو مشروع، فهذا سفر مجمع على استجابة وقصر الصلاة فيه، ومنهم من لا يقصد إلا مجرد القبر ولا يقصد الصلاة في المسجد أولا يصلي فيه، فهذا لا ريب أنه ليس بمشروع ومنهم من يقصد هذا وهذا، فهذا لم يذكر في الجواب، إنما ذكر في الجواب من لم يسافر إلا لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، ومن الناس من لا يقصد إلا القبر، لكن إذا أتى المسجد صلى فيه، فهذا أيضاً يثاب على ما فعله من المشروع كالصلاة في المسجد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والسلام عليه ونحو ذلك من الدعاء والثناء عليه ومحبته وموالاته والشهادة له بالرسالة والبلاغ وسؤال الله الوسيلة له ونحو ذلك مما هو من حقوقه المشروعة في مسجده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
ومن الناس من لا يتصور ما هو الممكن المشروع من الزيارة حتى يرى المسجد والحجرة فلا يسمع لفظ زيارة قبره فيظن ذلك كما هو المعروف المعهود من زيارة القبور أنه يصل إلى القبر ويجلس عنده، ويفعل ما يفعله من زيارة شرعية أو بدعية فإذا رأى المسجد والحجرة تبني له أنه لا سبيل لأحد أن يزور قبره كالزيارة المعهودة عند قبر غيره وإنما يمكن الوصول إلى مسجده والصلاة فيه وفعل ما يشرع للزائر في المسجد لا في الحجرة عند القبر بخلاف قبر غيره والله أعلم.
قال المعترض
وحديث آخر من رواية ابن عمر ذكره الدارقطني في العلل في مسند ابن عمر في حديث: ((من استطاع أن يموت بالمدينة فليفعل)) قال: حدثنا جعفر بن محمد الواسطي حدثنا موسى بن هارون، حدثنا محمد بن الحسن الختلي، حدثنا عبد الرحمن بن المبارك، حدثنا عون بن موسى، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من زارني إلى المدينة كنت له شفيعاً وشهيداً)) قيل للختلي إنما هو سفيان بن موسى، قال: اجعلوه عن ابن موسى، قال موسى بن هارون: ورواه إبراهيم بن الحجاج عن وهيب، عن أيوب، عن نافع مرسلاً عن النبي فلا أدري سمعه من إبراهيم بن الحجاج أم لا
وإنما لم أفرد الحديث بترجمة، لأن نسخة العلل للدارقطني التي نقلت منها سقيمة انتهى ما ذكره المعترض على هذا الحديث.
والجواب أن يقال: هذا اللفظ المذكور غلط في هذا الحديث، حديث نافع عن ابن عمر ولفظ الزيارة فيه غير محفوظة (1) ، ولو كان محفوظاً لم يكن فيه حجة على محل النزاع، والمحفوظ في هذا عن أيوب السختياني ما رواه هشام الدستوائي وسفيان بن موسى عنه، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم أن يموت بالمدينة فليمت فإنه من مات بها كنت له شفيعاً أو شهيداً)) هذا هو حديث أيوب عن نافع ليس فيه ذكر الزيارة أصلاً، وكذلك رواه الحسن بن أبي جعفر الجعفري، وهو ضعيف عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر ورواه وهيب عن أيوب، عن نافع مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه إسماعيل بن علية عن أيوب قال: نبئت عن نافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال موسى بن هارون، ووهيب وابن علية أثبت من الدستوائي، ومن الجعفري، ومن سفيان بن موسى، وقد ذكرنا ألفاظ هذا الحديث فيما تقدم، وذكرنا من رواه عن نافع من أصحابه، وحكينا ما ذكره الدارقطني وغيره في ذلك.
وقد وقف على هذا المعترض على ما ذكره الدارقطني في كتاب العلل من الاختلاف في إسناد الحديث ومتنه، ولم ينقل منه إلا طريقاً واحدة أخطأ فيه الراوي ولفظاً واحداص وهم فيه الناقل وأعرض عن ذكر الطرق الواضحة والألفاظ الصحيحة، وهل هذا إلا عين الخذلان أن ينظر الرجل في ألفاظ الحديث، وطرقه في موضع واحد، فينقل منها الضعيف السقيم، ويدع القوي الصحيح من غير بيان لذلك، ثم يعتل بأن النسخة التي نقل منها سقيمة، وهذا الحديث الذي نقله المعترض من كتاب العلل للدارقطني أخطأ رواية في إسناده ووهم في متنه.
أما خطؤه في إسناده فقوله عن عون بن موسى: وإنما هو سفيان بن موسى وهو شيخ من أهل البصرة، روى له مسلم في صحيح حديثاً واحداً متابعة يرويه عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقيمت الصلاة ووضع العشاء فابدوا بالعشاء، وقد
(1) انظر ترجمة عون بن موسى في لسان الميزان لابن حجر لزاماً.