الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
والمعترض قرر هذا التأويل على تقدير حياة النبي صلى الله عليه وسلم وموته، وقد تبين بطلانه ولو قدر أنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره مع أن هذا التأويل الباطل إنما يتم به وقوله:((إن من شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته أنه لا يترك الاستغفار لمن جاء من أمته)) ، فهذا من أبين الأدلة على بطلان هذا التأويل، فإن هذا لو كان مشروعاً بعد موته لأمر به أمته وحضهم عليه ورغبهم فيه، ولكان الصحابة وتابعوهم بإحسان أرغب شيء فيه وأسبق إليه، ولم ينقل عن أجد منهم قط وهم القدوة بنوع من أنواع الأسانيد أنه جاء إلى قبره ليستغفر له، ولا شكى إليه ولا سأله والذي صح عنه من الصحابة مجيء القبر هو ابن عمر وحده، إنما كان يجيء للتسليم عليه صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه عند قدومه من سفر، ولم يكن يزيد عل التسليم شيئاً البتة، ومع هذا فقد قال عبيد الله بن عمر العمري الذي هو أجل أصحاب نافع مولى ابن عمر، أو من أجلهم، لا نعلم أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر.
ومعلوم أنه لا هدي أكمل من هدي الصحابة، ولا تعظيم للرسول فوق تعظيمهم ولا معرفة لقدره فوق معرفتهم، فمن خالفهم إما أن يكون أهدى منهم، أو مرتكباً لنوع بدعة، كما قال عبد الله بن مسعود لقوم قد رآهم اجتمعو على ذكر يقولنه بينهم: لأنتم أهدى من أصحاب محمد، أو أنتم على شعبه ضلالة (1) .
فتبين أنه لو كان استغفاره لمن جاءه مستغفراً بعد موته ممكناً، أو مشروعاً لكان كما شفقته ورحمته، بل رافقه مرسله ورحمته بالأمة يقتضي ترغيبهم في ذلك وحضهم عليه ومبادرة خير القرون إليه.
وأما قول المعترض: وأما الآية (2) وإن وردت في أقوام معينين في حال الحياة فإنها تعم بعموم العلة فحق فإنها تعم ما وردت فيه، وكان مثله عامة في حق كل من ظلم نفسه وجاءه كذلك، وأما دلالتها على المجيء إليه في قبره بعد موته فقد عرف بطلانه، وقوله: وكذلك فهم العلماء من الآية العموم في الحالتين، فيقال له: من فهم هذا من سلف الأمة وأئمة الإسلام، فاذكر لنا عن رجل واحد من الصحابة أو التابعين، أو تابعي
(1) انظر البدع لابن وضاح ص11 فما بعدها.
(2)
في كتاب السبكي (والآية) بدلاً من قوله (وأما الآية) .
التابعين أو الأئمة الأربعة، أو غيرهم من الأئمة وأهل الحديث والتفسير أنه فهم العوم بالمعنى الذي ذكرته، أو عمل به أو أرشد إليه، فدعواك على العلماء بطريق العموم هذا الفهم دعوي باطله ظاهره البطلان.
وأما حكاية العتبي الذي أشر إليها فإنها حكاية ذكرها بعض الفقهاء والمحدثين وليست بصحيحة ولا ثابتة إلى العتبي، وقد رويت عن غيره بإسناد مظلم كم بينا ذلك فيما تقدم، وهي في الجملة حكاية لا يثبت بها حكم شرعي لا سيما في مثل هذا الأمر الذي لو كان مشروعاً مندوباً، لكان الصحابة والتابعون أعلم به وأعمل به من غيرهم وبالله التوفيق.
فإن قيل: فقد روى أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله بن عبد الرحمن الكرخي عن علي بن محمد بن علي، حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم الطائي، قال: حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قدم علينا أعرابي بعدما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وحثى على رأسه من ترابه، وقال: يا رسول الله قلت فسمعنا قولك، وعينا عن الله عز وجل فما وعينا عنك، وكان فيما انزل الله عز وجل عليك: وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القرب أنه قد غفر لك.
والجواب أن هذا خبر منكر موضوع وأثر مختلق مصنوع لا يصح الاعتماد عليه، ولا يحسن المصير إليه، وإسناده ظلمات بعضها فوق بعض، والهيثم جد أحمد بن الهيثم أظنه ابن عدي الطائي، فإن يكن هو، فهو متروك كذاب، وإلا فهو مجهول،وقد ولد الهيثم بن عدي بالكوفة، ونشأ وأدرك زمان سلمة بن كهيل فيما قيل، ثم أنتقل إلى بغداد فسكنها.
قال عباس الدوري (1) : سمعت يحيى بن معين يقول: الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة كان يكذب، وقال المجلي وأبو داود (2) كذاب، وقال أبو حاتم الرازي (3) والنسائي (4) والدولابي (5) والأزدي (6) : متروك الحديث، وقال البخاري (7) : سكنوا عنه أي تركوه، وقال ابن
(1) ص 245.
(2)
انظر كتاب التاريخ لابن معين رقم 1767.
(3)
انظر الميزان 4/324.
(4)
الجرح والتعديل 9/85.
(5)
انظر الضعفاء والمتروكين ص241 رقم 637.
(6)
انظر الكامل لابن عدي 7/2563.
(7)
انظر التاريخ الكبير 8/218 والصغير 117.