الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الثالث: فيما ورد في السفر إلى زيارته صلى الله عليه وسلم صريحاً وبيان أن ذلك لم يزل قديماً وحديثاً
قال المعترض
وممن روي ذلك عنه من الصحابة، بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم سافر من الشام إلى المدينة لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم روينا ذلك بإسناد جيد إليه وهو نص في الباب، وممن ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر بالإسناد الذي سنذكره، وذكر الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي في الكمال في ترجمة بلال فقال: ولم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي إلا مرة واحدة في قدمة قدمها المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم طلب إليه الصحابة ذلك فأذن ولم يتم الأذان، وقيل: أنه أذن لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في خلافته، وممن ذكر ذلك أيضاً الحافظ أبو الحجاج المزي، وها أنا أذكر إسناد ابن عساكر في ذلك: أنبأنا عبد المؤمن بن خلف وعلي بن محمد بن هارون وغيرهما قال: أنبأنا القاضي أبو نصر محمد بن هبة الله بن محمد بن مميل الشيرازي إذناً، أنبأنا الحافظ أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي قراءة عليه، وأنا أسمع قال: أنبأنا أبو القاسم زهران بن طاهر، أنبأنا أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو أحمد محمد بمن محمد أنبأنا أبو الحسن محمد بن الفيض الغسائي بدمشق، حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء، حدثني أبي محمد بن سليمان عن ابيه سليمان بن بلال، عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، قال: لما دخل (1) عمر بن الخطاب رضي الله عنه فتح بيت المقدس وصار إلى الجابية سأله بلال أن يقره بالشام ففعل ذلك، فقال: وأخي أبو رويحه الذي آخى بيني وبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم،فنزل (دارياً) في خولان فأقبل هو وأخوه إلى قوم من خولان فقال لهم: قد أتيناكم خاطبين، وقد كنا كافرين
(1) الظاهر أنها (رحل) وهو يقتضيه السياق ووقع نفس الخطأ في كتاب شفاء السقام للسبكي.
فهدانا الله، ومملوكين فأعتقنا الله، وفقيرين فأغننا الله، فإن تزوجونا فالحمد لله وإن ت ردونا فلا حول ولا قوة إلا بالله فزوجهما.
ثم إن بلالاً رأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: ما هذه الجفوة يا بلال أما آن لك أن تزورني يا بلال، فأنتبه حزناً وجلاً خائفاً فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويمزغ وجه عليه، فأقبل الحسن والحسن فجعل يضمهما ويقبلهما، فقالا له: يا بلال نشتهي نسمع أذانك الذي كنت تؤذن به لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد، ففعل، فعلا سطح المسجد فوقف موقفه الذي كان يقف فيه، فلما أن قال: الله أكبر الله أكبر ارتجت المدينة، فلما أن قال: أشهد أن لا إله إلا الله ازداد رجتها، فلما أن قال: أشهد أن محمداً رسول الله خرجن العوائق من خدورهن، وقالوا: بعث رسول الله، فلما رؤي يوماً أكثر باكياً ولا باكية بالمدينة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك اليوم، كذا ذكره ابن عساكر في ترجمة بلال.
وذكره أيضاً في ترجمة إبراهيم بسند آخر إلى محمد بن الفيض، أنبأنا جماعة عن جماعة، عن ابن عساكر قال:: أنبأنا أبو محمد بن الأكفاني، حدثنا عبد العزيز بن أحمد حدثنا تمام بن محمد، حدثنا محمد بن سليمان، حدثنا محمد بن الفيض فذكره سواء إلا أنه أسقط منه من فتح بيت المقدس، وقال: آخي بيني وبينه ولم يقل خاطبين، أبو رويحة أسمه عبد الله بن عبد الرحمن الخثعمي، وفي الطبقات (1) أن مؤاخاته لبلال لم يثبتها محمد بن عمرو أثبتها ابن إسحاق وغيره واختار أنس أن يجعل ديوانه معه فضمه عمر إليه وضم ديوان الحبشة إلى خثعم لمكان بلال منهم، وسليمان بن بلال بن أبي الدرداء، روى عن جدته وأبيه بلال روى عنه ابنه محمد، وأيوب بن مدرك الحنفي، وذكر له ابن عساكر حديثاً، ولم يذكر فيه تخريجاً وابنه محمد بن سليمان بن بلال، ذكره مسلم في الكنى وأبو بشر الدولابي، والحاكم أبو أحمد، وابن عساكر كنيته أبو سليمان.
قال ابن أبي حاتم سألت أبي عنه فقال: ما يحديثه بأس، وأبنه إبراهيم بن محمد بن سليمان أبو إسحاق ذكره الحاكم أبو أحمد، وقال: كنا لنا محمد بن الفيض.
وذكر ابن عساكر وذكر حديثه، ثم قال: ابن الفيض: توفي سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ومحمد بن الفيض بن محمد بن الفيض: أبو الحسن الغساني الدمشقي روى عن خلائق، وروى عنه جماعة منهم أبو أحمد بن عدي وأبو أحمد الحاكم، وابو بكر بن
(1) انظر الطبقات 3/223.
المقري في معجمه وذكره ابن زبر، وابن عساكر في التاريخ توفي سنة خمس عشرة وثلاثمائة ومولده سنة تسع عشر ومائتين،ومدار هذا الإسناد عليه، فلا حاجة إلى النظر في الإسنادين اللذين رواهما ابن عساكر بهما، وإن كان رجالهما معروفين مشهورين وليس اعتمادنا في الاستدلال بهذا الحديث على رؤيا المنام فقط، بل على فعل بلال وهو صحابي لا سيما في خلافة عمر رضي الله عنه والصحابة متوافرون.
ولا يخفى عنهم هذه القصة، ومنام بلال ورؤياه للنبي الذي لا يتمثل به الشيطان، وليس فيه ما يخالف ما ثبت في اليقظة فيتأكد به فعل الصحابي، انتهى ما ذكره المعترض.
والجواب أن يقال: هذا الأثر المذكور عن بلال ليس بصحيح عنه ولو كان صحيحاً عنه لم يكن فيه دليل على محل النزاع، وقول (المعترض) أن إسناده جيد خطأ منه، وكذلك قوله: إنه نص في الباب، وقد ذكر هذا الأثر الحاكم أبو أحمد محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الحافظ في الجزء الخامس من فوائده، ومن طريقة ذكره ابن عساكر في ترجمة بلال، وهو أثر غريب منكر وإسناده مجهول وفيه انقطاع، وقد انفرد به محمد بن الفيض الغساني (1) ، عن إبراهيم بنمحمد بن سليمان بن بلال (2) عن أبيه (3) ، عن جده وإبراهيم بن محمد هذا شيخ لم يعرف بثقة وأمانة ولا ضبط وعدالة، بل هو مجهول غير معروف بالنقل ولا مشهور بالرواية، ولم يرو عنه غير محمد بن الفيض روى عنه هذا الأثر المنكر، ولما ذكره الحاكم أبو أحمد في الكنى قال: كناه لنا أبو الحسن محمد بن الفيض الغسائي الدمشقي، وأخبرنا عنه بحديث ولم يذكره، وأشار إلى هذا الخبر الذي رواه (بكماله) من طريقة في غير الكنى، وروى بعضه في الكنى في ترجمة أبي رويحة، وقد (رحل) أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان ومحمد بن مسلم بن وارة ويعقوب بن سفيان الفسوي
(1) هو محمد بن الفيض بن محمد بن الفياض المحدث المعمر المسند أبو الحسن الغسائي الدمشقي، قال فيه الذهبي في السير 14/427 وهو صدوق إن شاء الله ما علمت فيه جرحاً وانظر شذرات الذهب 2/271.
(2)
انظر ترجمته في الميزان قال الذهبي: فيه جهالة حدث عنه محمد بن الفيض الغسائي، وذكره الحافظ ابن حجر في اللسان وذكر هذه القصة التي أخرجها ابن عساكر عنه في تاريخه وقال ابن حجر فيها: وهي قصة بينه الوضع. أهـ.
(3)
ترجمته في الجرح والتعديل 7/267 قال فيه أبو حاتم،منكر الحديث، وانظر التاريخ الكبير1/98.
وغيرهم من الحفاظ إلى دمشق، وكان هذا الشيخ موجوداً في ذلك الوقت ولم يرو عنه أحد منهم،وهو من ولد أبي الدرداء.
فلو كان من أهل الحديث أو كان عنده علم، أو له رواية لرووا عنه وسمعوا منه، وقد كان أبو حاتم الرازي من أحرص الناس على لقاء الشيوخ، كما ذكر قد ذلك عن نفسه، وقد كتب بعضهم عن إبراهيم بن هشام بن يحيى (بن يحيى) الغساني الدمشقي، كما روى عنه يعقوب الفسوي، والحسن بن سفيان، وجماعة من أهل الحديث وإبراهيم بن هشام في طبقة إبراهيم بن محمد بن سليمان كانا جميعاً في وقت واحد ووفاتهما متقاربة، وقد علم أن إبراهيم بن هشام شيخ متهم بالكذب لا يعرف الحديث ولا يدريه ولا يحتج بروايته (1) ، وقد روى عنه غير واحد من أهل الحديث من الرحالة وغيرهم ولم يرو أحد منهم عن إبراهيم بن محمد.
فلو كان من أهل النقل والرواية، أو عنده علم أو حديث لأخذوا عنه وسمعوا منه كما أخذوا عن إبراهيم بن هشام، فلما لم يرووا عنه بل تركوه وأعرضوا عنه مع حرصهم على لقاء الشيوخ وشدة اعتنائهم بالرواية، دل على أنه عندهم أسوأ حالاً من إبراهيم بن هشام.
وقد ذكر أبو حاتم الرازي وغيره عن إبراهيم بن هشام ما يدل على أنه لا يعي الحديث،وقال ابن أبي حاتم في كتاب الجرح والتعديل (2) : سمعت أبي يقول: قلت لأبي زرعة: لم لا تحدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى (بن يحيى) قال:ذهبت إلي قريته، وأخرج إلي كتاباً زعم أنه سمعه من سعيد بن عبد العزيز، فنظرت فيه، فإذا فيه أحاديث ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة، وعن ابن شوذب، وعن يحيى بن أبي عمرو الشيباني، فنظر إلى حديث فاستحسنته من حديث ليس بن سعيد عن عقيل فقلت له اذكر هذا فقال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن ليس بن سعد عن قيل بالكسر.
ورأيت في كتابه أحاديث، عن سويد بن عبد العزيز، عن مغيرة وحصين، وقد قلبها على سعيد بن عبد العزيز، وأظنه لم يطلب العلم وهو كذاب.
قال: فقلت هذه أحاديث سويد بن عبد العزيز، قال: فقال: صدقت نعم، حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن سويد قال ابن أبي حاتم: ذكرت لعلي بن الحسين بن الجنيد
(1) انظر الجرح والتعديل 2/142-143.
(2)
انظر الجرح والتعديل 2/143.
بعض هذا الكلام عن أبي، فقال: صدق أبو حاتم ينبغي أن لا يحدث عنه.
قلت وإبراهيم بن هشام هذا هو صاحب حديث أبي ذر (1) الطويل تفرد به
(1) حديث أبي ذر طويل الذي أشار إليه الإمام ابن عبد الهادي هنا ساقه الحافظ ابن كثير في تفسيره في الكلام على قوله تعالى: {ورسلاً لم نقصصهم عليك من قبل} . قال: قال محمد بن الحسين الأجري حدثنا أبو بكر جعفر بن محمد بن الغفرياني إملاء في شهر رجب سنة سبع وتسعين ومائتين حدثنا إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني حدثنا أبي عن جده عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر قال دخلت المسجد فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وجده فجلس إليه فقلت يا رسول الله إنك أمرتني بالصلاة قال: " الصلاة خير موضوع فاستكثر أو استقل " قال: قلت يا رسول الله فأي الأعمال أفضل قال: " إيمان بالله وجهاد في سبيله " قلت يا رسول فأي المؤمنين أفضل؟ قال: " أحسنهم خلقاً " قلت يا رسول الله فأي المسلمين أسلم قال: " من سلم الناس من لسانه ويده " قل يا رسول الله فأي الهجرة أفضل؟ قال: " من هجر السيئات " قلت يا رسول الله أي الصلاة أفضل؟ قال " طول القنوت " فقلت يا رسول الله فأي الصيام أفضل؟ قال: " فرض مجزي وعند الله أضعاف كثيرة " قلت يا رسول الله فأي الجهاد أفضل؟ قال: " من عقر جواده وأهريق دمه " قلت يا رسول الله فأي الرقاب أفضل؟ قال " أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها " قلت يا رسول الله فأي الصدقة أفضل؟ قال: " جهد من مقل وسر إلى فقير " قلت يا رسول الله فأي آية ما أنزل عليك أعظم؟ قال: " آية الكرسي كفضل الفلاة على الحقلة " قال قلت يا رسول الله كم الأنبياء؟ قال: " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا " قال: قلت يا رسول الله كم الرسل من ذلك؟ قال: " ثلاثمائة وثلاثة عشر جمع غفير كير طيب " قلت فمن كان أولهم؟. قال "آدم " قلت: أنبي مرسل؟ قال: " نعم خلقه الله بيده ونفه فيه منروحه وسواه قبيلاً " ثم قال: يا أبا ذر " أربعة سريانيون آدم وشيث وخنوخ وهو إدريس وهو أول من خط بقلم ونوح، وأربعة من العرب هود وشعيب وصالح ونبيك يا ابا ذر وأول أنبياء بني إسرائيل موسى، وآخرهم عيسى وأول الرسل آدم وآخرهم محمد " قال: قلت: يا رسول الله كم كتاب أنزله الله؟ قال: " مائة كتاب وأربعة كتاب = =أنزل الله على ثيث خمسين صحيفة وعلى خنوخ ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى من قبل التوراة عشر صحائف وأنزل التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، قال: قلت: يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم؟ قال: " كانت كلها يا أيها الملك المسلط المبتلى المغرور إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم فإني لا أردها ولو كانت من كافر، وكان فيها أمثال وعلى العاقل أن يكون له ساعات: ساعة يناجي فيها ربه،وساعة يحاسب فيها نفسه،وساعة يفكر في صنع الله، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب " وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلا لثلاث تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة في غير محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه،حافظاً للسانة، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه " قال قلت: يا رسول الله فما كانت صحف موسى؟ قال: " كانت عبراً كلها عجت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح،وعجبت لمن أيقن بالحساب غداص ثم هو لا يعمل " قال قلت يا رسول الله فهل في يدينا شيء مما كان في أيدي إبراهيم وموسى وما أنزل الله عليك؟ قال: " نعم إقرأ يا أيا ذر "{قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى، إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى} قال قلت: يا رسول الله فأوصني قال: " أوصيك بتقوى الله فإنه رأس أمرك، قال قلت يا رسول الله زدني؟ قال: عليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإن ذكر لك في السماء نور لك في الأرض، قال قلت يارسول الله زدني: قال: " عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي " قلت زدني قال: " عليك بالصمت إلا من خير فإنه مطردة للشيطان وعون لك على أمر دينك " قلت زدني قال: " انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإن أجدر لك أن لا تزدري نعمة الله عليك " قلت: زدني قال: أحبب المساكين فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك قلت زدني قال: " صل قرابتك وإن قطعوك " قلت: زدني قال: " قل الحق وإن كان مراً " زدي قال لا تخف في الله لومة لائم " قلت: زدني قال: بردك عن الناس ما تعرف من نفسك ولا تجد عليهم فيما تحب وكفى بك عيباً أن تعرف من الناس ما تجهل من نفسك أو تجد عليهم فيما تحب " ثم ضرب بيده صدري فقال: " يا أبا ذر لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف ولا حسب كحسن الخلق هكذا ساقه ابن كثير في تفسيره عن طريق الأجري وكان قد ذكره قطعة منه قبل ذلك من طريق ابن مردويه ثم قال: وقد روى هذا الحديث بطوله الحافظ أبو حاتم بن حبان البستي في كتابه " الأنواع والتقاسيم " وقد سمه بالصحة وخالفه أبو الفرج بن الجوزي فذكر هذا الحديث في كتابه الموضوعات واتهم به إبراهيم بن هشام هذا ولا شك أنه قد تكلم فيه غير واحد من أئمة الجرح والتعديل من أجل هذا الحديث. أهـ=
=كلام الحافظ ابن كثير في تفسريه وقال شيخه الحافظ الذهبي في ترجمة إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني " هو صاحب حديث أبي ذر الطويل انفرد به عن أبيه عن جده قال الطبراني لم يرو هذا عن يحي إلا ولده وهم ثقات، وذكره ابن حبان في الثقات وأخرج حديث في الأنواع، وأما ابن أبي حاتم فقال: قلت لأبي لم لا تحدث عن إبراهيم بن هشام الغساني فقال:ذهبت إلى قريته " فساق الذهبي القصة التي بين إبراهيم بن هشام وبين أبي حاتم كما ساقها الحافظ بن عبد الهادي مؤلف الصارم المنكي وذكر الذهبي في ترجمة يحيى بن سعيد القرشي العبشمي السعدي وقيل السعدي أحد الضعفاء أنه روى عن ابن جريح عن عطاء عن عبيد بن عمر عن أبي ذر حديث الطويل وأن ابن حبان ذكر طرفاً من روايته لهذا الحديث ثم قال: " وأشبه ما روى فيه حديث عبد الرحمن بن هشام بن يحيى الغساني عن أبيه عن جده عن أبي إدريس عن أبي ذر ثم قال الذهبي: " وكذا قال - أي ابن حبان - والصواب إبراهيم بن هشام أحد المتروكين الذين مشاهم ابن حبان فلم يصب " أهـ.
عن أبيه عن جده، وقد رواه أبو القاسم الطبراني، وابو حاتم بن حبان البستي في كتاب الأنواع والتقاسيم من حديث مجموع من أحاديث كثيرة بعضها في الصحاح وبعضها في المساند والسنن، وبعضها لا أصل له.
وقد ذكر ابن أبي حاتم إبراهيم بن هشام في كتاب الجرح والتعديل (1) ، وذكر عنه ما
(1) 2/143\
حكيناه، ولم يذكر إبراهيم بن محمد بن سليمان فيه ولم يرو عنه أحد ممن رحل من الحفاظ وأهل الحديث، ولم يأخذ عنه من أهل بلده غير محمد بن الفيض، وروى عنه هذا الخبر الذي لم يتابع عليه، فعلم أنه ليس بمحل للرواية عنه.
ونحن نطالب هذا المعترض الذي يتكلم بلا علم، فنقول له: لم قلت أن هذا الأثر الذي تفرد به إبراهيم بن محمد إسناده جيد، ومن قال هذا قبلك، ومن وثق إبراهيم بن محمد هذا، أو احتج بروايته، أو أنثى عليه من أهل العلم والحديث؟ والمجتمع بالحديث عليه أن يبين صحة إسناده ودلالته على مطلوبة، وأنت لم تذكر في إبراهيم المتفرد بهذا الخبر شيئاً يقتضي الاحتجاج بروايته والرجوع إلى قبول خبره، فقولك فيما تفرد به ولم يتابع عليه " إن إسناده جيد " دعوى مجردة مقابلة بالمنع والرد وعدمن القبول والله أعلم. .
وأما محمد بن سليمان بن بلال والد إبراهيم، فإنه شيخ قليل الحديث لم يشتهر من حاله ما يوجب قبول أخباره، وقد ذكره البخاري في تاريخه (1) ، وذكر له حديثاً يرويه عن أمه، عن جدتها، رواه عن هشام بن عمار، وهو الذي أشار إليه أبو حاتم، وأما أبو سليمان بن بلال فإنه رجل غير معروف، بل هو مجهول الحال قليل الرواية، لم يشتهر بحمل العلم ونقله، ولم يوثقه أحد من الأئمة فيما علمناه ولم يذكر له البخاري ترجمة في كتابه، وكذلك ابن أبي حاتم، ولا يعرف له سماع من أم الدرداء.
ونحن نطالب المستدل برواية والمحتج بخبره فنقول له: من وثقه من الأئمة واحتج بحديثه من الحفاظ،أو أثنى عليه من العلماء حتى يصار إلى روايته ويحتج بخبره ويعتمد على نقله؟
والحاصل أن مثل هذا الإسناد لا يصلح الاعتماد عليه ولا يرجع عند التنازع إليه عند أحد من أئمة هذا الشأن، مع أن المعترض لم يذكر شيئاً في محل النزاع أمثل منه ولا أعتمد على شيء في المسألة أقرب منه، ولهذا زعم أنه نص في الباب، وهو مع هذا ليس بثابت ولا صحيح، ولو كان ثابتاً لم يكن فيه حجة على محل النزاع فإن الذي فيه أن يلالا ركب راحلته وقصد المدينة، وقاصد المدينة قد يقصد المسجد وحده وقد يقصد القبر وحده، وقد يقصدهما جميعاً، وليس في الخبر أنه قصد مجرد القبر.
وشيخ الإسلام إنما ذكر الخلاف بين العلماء في جواب السؤال الذي سئل عنه فيمن
(1) 1/98
قصد مجرد القبر، ولهذا قال في رده على بعض من اعترض عليه من المالكية فيقال لفظ الجواب: أما من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين، فهل يجوز له قصر الصلاة على قولين، معروفين، وقوله: من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء احتراز عن السفر المشروع كالسفر إلى زيارة قر النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر السفر المشروع، فسافر إلى مسجده، وصلى فيه، وصلى عليه وسلم (عليه) ودعا وأثنى كما يحبه الله ورسوله، فهذا سفر مشروع مستحب باتفاق المسلمين وليس فيه نزاع فإن هذا لم يسافر لمجرد زيارة القبور.
وقال أيضاً: الناس أقسام منهم من يقصد السفر الشرعي إلى مسجده ثم قال إذا صار في مسجده فعل في مسجده المجاور لبيته الذي فيه قبره ما هو مشروع، فهذا سفر مجمع على استحبابه وقصر الصلاة فيه ومنهم من لا يقصد إلا مجرد القبر ولا يقصد الصلاة في المسجد، ولا يصلي فيه ن فهذا لا ريب أنه ليس بمشروع، ومنهم من يقصد هذا وهذا فهذا لم يذكر في الجواب إنما ذكر في الجواب من لم يسافر إلا لمجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين.
ومن الناس من لا يقصد إلا القبر لكن إذا أتى المسجد صلى فيه، فهذا أيضاً يثاب على (ما) فعله من المشروع كالصلاة في المسجد والصلاة على النبي والسلام عليه ونحو ذلك من الدعاء والثناء عليه ومحبته وموالاته والشهادة له بالرسالة والبلاغ وسؤال الله الوسيلة له ونحو ذلك مما هو من حقوقه المشروعة في مسجده بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
ومن الناس من لا يتصور ما هو الممكن المشروع من الزيارة حتى يرى المسجد والحجرة بل يسمع لفظ زيارة قبره فيظن ذلك كما هو المعروف المعهود من زيارة القبور إنه يصل إلى القبر ويجلس عنده ويفعل ما يفعل من زيارة شرعية، أو بدعية، فإذا رأى المسجد والحجرة تبين له إن لا سبيل لأحد أن يزور قبره كالزيارة المعهودة عند قبر غيره، وإنما يمكن الوصول إلى مسجده والصلاة فيه، وفعل ما يشرع للزائر في المسجد،لا في الحجرة عند القبر بخلاف قبر غيره، انتهى كلامه.
فقد تبين أن شيخ الإسلام إنما ذكر الخلاف في الجواب فيمن قصد مجرد القبر، فأما من قصد الزيارة وغيرها كالصلاة في المسجد، فلم يذكر فيه نزاعاً، فليس فيما روى عن بلال حجة عليه، فإنه يحتمل أن يكون قصد الصلاة في المسجد وزيارة القبر معاً ولا يعلم أنه قصد مجرد القبر، ولم يقصد المسجد إلا بإخباره عن نفسه بذلك، فإن القصد، محله القلب، ولا سبيل لنا (إلى) الإطلاع عليه إلا بخبر من قام به، وبلال لم يخبر عن نفسه بأنه قصد مجرد زيارة القبر.
وإنما في الأثر المروي عنه أنه ركب راحلته وقصد المدينة، وليس في ذلك دليل على أنه جرد النية للقبر (فقط) ولو فرض أنه لم يقصد إلا القبر فقط، ولم يقصد الصلاة والسلام في المسجد كان ذلك على سبيل الاجتهاد منه، وكان ممن يحتج لفعله، وقد علم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) ولم ينقل عن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا من الخلفاء الراشدين ولا من غيرهم، مثل هذا الذي روي عن بلال، وقد قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء 059)
والذي يظهر أن ما نقل عن بلال في هذا ليس بصحيح عنه، بل بعض ألفاظه الخبر يشهد ببطلانه عنه، وقد ثبت عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إنه كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:((السلام عليك يا رسول الله السلام عليكم يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه)) وهذا صحيح ثابت عن ابن عمر، بل هو مجمع على حصته عنه، وليس فيه شد رحل ولا إعمال مطي،ومع هذا فقد قال ابن ابن أخيه الإمام الحافظ الفقيه أحد الأعلام أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني: ما نعلم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (فعل) ذلك إلا ابن عمر، هكذا ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن عبيد الله بن عمر.
وقد كان عبيد الله من سادات أهل المدينة وأشراف قريش فضلاً وعلماً وعبادة وحفظاً وإتقاناً، بل هو أحفظ آل عمر في زمانه وأثبتهم وأعلمهم، وقد قال ما قال فيما كان ابن عمر يفعله، مع أن مالكاً وغيره من العلماء صاروا إلى ما روي عن ابن عمر في ذلك.
فإذا كان هذا قول عبيد الله بن عمر فيما روي عن ابن عمر في ذلك، مع أنه أقرب بكثير مما روي عن بلال، فإن الذي فيه مجرد السلام عند القدوم من السفر، وليس فيه شد رحل، ولا إعمال مطي، ولا غير ذلك مما روي عن بلال، فكيف يقال فيما روي عن بلال من فعله المتضمن شد الرحال، وإعمال المطي، وغير ذلك مما ينقل عن غيره عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم بإحسان والله أعلم.