المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيدا)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفا (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين - الصارم المنكي في الرد على السبكي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة مختصرة للحافظ ابن عبد الهادي

- ‌اسمه:

- ‌ميلاده:

- ‌مشايخه:

- ‌ثناء أهل العلم عليه:

- ‌ الحافظ المزي:

- ‌ الحافظ ابن كثير:

- ‌ الحافظ ابن رجب:

- ‌ الحافظ أبو المحاسن:

- ‌ الإمام الذهبي:

- ‌ الحافظ ابن حجر:

- ‌ الإمام السيوطي:

- ‌ الصفدي:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مقدمه المؤلف

- ‌الباب الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة نصاً

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض خالد بن يزيد إن كان هو العمري، فقد قال ابن حبان: أنه منكر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثاني: فيما ورد من الأخبار والأحاديث دالاً على فضل الزيارة، وإن لم يكن فيه لفظ الزيارة

- ‌قال المعترض

- ‌فصل: في علم النبي صلى الله عليه وسلم بمن يسلم عليه

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثالث: فيما ورد في السفر إلى زيارته صلى الله عليه وسلم صريحاً وبيان أن ذلك لم يزل قديماً وحديثاً

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزيارة انتهى كلامه

- ‌الباب الرابع: في نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أن ذلك مجمع عليه بين المسلمين

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: هذا كلام القاضي وما اختاره يشكل عليه قوله: ((من زار قبري)) فقد أضاف الزيارة إلى القبر إلا أن يكون هذا الحديث لم يبلغ مالكاً فحينئذ يحسن ما قاله القاضي في الاعتذار عنه، لا في إثبات هذا الحكم في نفس الأمر، ولعله يقول: إن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا محذور فيه، والمحذور إنما هو ف يقول غيره

- ‌قال المعترض: وهذا الجواب بينه وبين جواب القاضي بون في شيئين: أحدهما أنه يقتضي تأكيد نسبة معنى الزيارة إلى القبر، وأنه يجتنب لفظها، وجواب القاضي يقتضي عدم نسبتها إلى القبر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفاً (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين

- ‌الباب الخامس: في تقرير كون الزيارة قربة وذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: بعد حكايته هذا الكلام عن الشيخ: وبقي قسم لم يذكره وهو أن تكون للتبرك به من غير إشراك به فهذه ثلاثة أقسام

- ‌قال المعترض

الفصل: ‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيدا)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفا (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين

وفي صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها)) (1) وفي المسند وصحيح أبي حاتم أنه قال: أن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذي يتخذون القبور مساجد)) (2) وقد تقدم نهيه أن يتخذ قبري عيداً.

فلما علم الصحابة أنه قد نهاهم عن أن يتخذوه مصلى لقبر التي يتقرب بها إلى الله لئلا يتشبهوا بالمشركين الذين يتخذونها ويصلون بها وينذرون لها كان نهيهم عن دعائها أعظم وأعظم، كما أنه لما نهاهم عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها لئلا يتشبهوا بمن يسجد للشمس كان نهيهم ع السجود للشمس أولى وأحرى فكان الصحابة يقصدون الصلاة والدعاء والذكر في المساجد التي بنيت لله دون قبور الأنبياء والصالحين التي نهوا أن يتخذوها مساجد، وإنما هي بيوت المخلوقين وكانوا يفعلون بعد موته ما كانوا يفعلون في حياته صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً.

‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفاً (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين

.

وقال: ويؤيد هذا التأويل ما جاء في الحديث نفسه لا تجعلوا بيوتكم قبوراً أي لا تتركوا الصلاة في بيوتكم حتى تجعلوا كالقبور التي لا يصلي فيها.

قلت: ويحتمل أن يكون المراد لا تتخذوا له وقتاً مخصوصاً لا تكون الزيارة إلا فيه.

(1) أخرجه مسلم 2 /668.

(2)

أخرجه أحمد 1/405 وابن حبان 8/299، وابن خزييمة 2/6 رقم 789 والطبراني في الكبير 10/232 رقم 10413.

(3)

في كتاب السبكي: ضعيفاً بدلاً من قوله ضيفاً، وفي التهذيب: ضعيفاً كذلك وهو الصواب.

ص: 307

كما ترى كثيراً من المشاهدة لزيارتها يوم معين كالعيد وزيارة قبره صلى الله عليه وسلم ليس لها يوم بعينه بل أي يوم كان، ويحتمل أيضاً أن يراد أن يجعل كالعبد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع وغير ذلك مما يجعل في الأعياد، بل لا يؤتى إلا للزيارة والسلام والدعاء، ثم ينصرف عنه، والله أعلم بمراد نبيه، انتهى ما ذكره.

والجواب أن يقال: هذا الحديث الذي رواه أبو داود هو حديث حسن جيد الإسناد وله شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة، وقد ذكرناه مع شواهد فيما تقدم، والمعترض قد اعترف بأن الأقرب ثبوته لكنه لم يقل بموجبه ومقتضاه، بل سلط عليه التحريف والتأويل المستنكر المردود، فأما ما حكاه عن عبد العظيم المنذري في تأويله فهو من أظهر الأشياء بطلاناً، بل هو مناقض لمقصود الحديث ومخالف له، وآخر الحديث يبطله وهو قوله صلوا علي حيثما كنتم، والتأويل الثاني باطل أيضاً، والثالث: متضمن للحق وغيره.

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم (1)، بعد أن ذكر هذا الحديث وقواه وذكر شواهده قال: ووجه الدلالة أن قبر رسول اله صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الأرض، وقد نهى عن اتخاذه عيداً فقبر غيره أولى بالنهي كائناً من كان ثم أنه قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:((لا تتخذوا بيوتكم قبوراً)) (2) ، أي لا تعطلوها من الصلاة فيها والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور، فأمر يتحرى العبادة في البيوت، ونهى عن تحريها عند القبور عكس ما يفعله المشركون من النصارى، ومن تشبه بهم.

ثم أنه صلى الله عليه وسلم أعقب النهي عن اتخاذها عيداً بقوله: وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم، وفي الحديث فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيداً.

ثم إن أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهما نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم، واستدل بالحديث، وهو راوي الحديث الذي سمعه من أبيه الحسين عن جده علي، وأعلم بمعناه من غيره، فبين أن قصده للدعاء

(1) ص323.

(2)

أخرجه أبو داود رقم 2042 وأحمد 2/367 وقد تقدم مراراً.

ص: 308

ونحوه اتخاذ له عيداً، وكذلكم ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته كره أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند غير دخول المسجد، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيداً.

فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت رضي الله عنهم، الذي لهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار، لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم، فكانوا أضبط، والعيد إذا جعل أسماً للمكان، فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وانتيابه للعبادة عنده، أو لغير العبادة، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة جعلها الله عيداً مثابة للناس يحجون فيها، وينتابونها للدعاء والذكر والنسك، وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها، فلما جاء الإسلام محا الله ذلك كله، وهذا النوع من الأمكنة يدخل فيه قبور الأنبياء والصالحين والقبور التي يجوز أن تكون قبوراً لهم بتقدير كونها قبوراً لهم، بل وسائر القبور أيضاً داخلة في هذا.

انتهى ما أردت نقله من كلام الشيخ رحمه الله تعالى.

وقال غيره في الكلام على قوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) (1) ، خرج هذا الحديث منه صلى الله عليه وسلم مخرج نهيه عن اتخاذ القبور مساجد، عن الصلاة إليها وإيقاد السرج ومخرج دعائه ربه تبارك وتعالى أن لا يجعل قبره وثناً ومخرج أمره بتسوية القبور المشرفة ونحو ذلك.

كل هذا لئلا يحصل الافتتان بها ويتخذ العكوف عليها وإيقاد السرج والصلاة فيها وإليها وجعلها عيداً ذريعة إلى الشرك لا سيما أصل الشرك وعبادة الأصنام في الأمم السابقة، إنما هو من الأفتتان بالقبور وتعظيمها، فاتخاذه القبر عيداً هو مثل اتخاذه مسجداً والصلاة وإليه، بل أبلغ وأحق بالنهي، فإن اتخاذه مسجداً يصلى فيه لله ليس فيه من المفسدة ما في اتخاذ نفسه عيداً بحيث يعتاد انتيابه والاختلاف إليه والازدحام عنده، كما يحصل في أمكنة الأعياد وأزمنتها، فإن العيد يقال في لسان الشارع على الزمان والمكان كما في حديث الذي نذر أن ينحر ببوانه وقول النبي صلى الله عليه وسلم:((هل كان فيها وثن، هل كان فيها عيد؟)) قالوا: لا قال: ((أوف بنذرك)) وهو حديث حسن صحيح، رواه أبو داود في سننه، فقال: حدثنا داود بن رشيد، حدثنا شعيب بن إسحاق عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو قلابة، قال: حدثني ثابت بن الضحاك قال: نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم: إني نذرت أن أنحر إبلاً

(1) هو من تمام الحديث الذي قبله.

ص: 309

ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية بعيد؟)) قالوا: لا. قال: ((هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أوف بنذرك، فإن لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم)) (1) .

وفي هذا الحديث دلالة على أن تعظيم المكان المتخذ عيداً بالذبح عنده لا يجوز كما ذبح عند الوثن، كل هذا سد للذريعة المفضية إلى الشرك وحماية وصيانة لجانب التوحيد، فإذا كان صلى الله عليه وسلم قد منع الذبح عند المكان المتخذ عيداً سواء كان قبراً أو غيره فنهيه عن اتخاذ القبر عيداً أولى وأحرى: إذا المفسدة في اتخاذ القبر عيداً أعظم بكثير من مفسدة الذبح عند المكان الذي اتخذه عيداً.

وهذه الأحاديث تدل كلها على تحريم تخصيص القبور بما يوجب انتيابها وكثرة الاختلاف إليها من الصلاة عندها واتخاذها مساجد، واتخاذها عيداً، وإيقاد السرج عليه والصلاة إليها والذبح عندها، ولا يخفى مقاصد هذه الأحاديث وما اشتركت فيه على من شم رائحة التوحيد المحض.

وبهذا يعلم بطلان تأويل من تأول قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) أي لا تجعلوه في قلة الاختلاف إليه وانتيابه ومتابعة قصده بمنزلة العيد الذي إنما يكون في السنة مرتين، بل اقصدوه في كل وقت واحتشدوا للمجيء إليه وواظبوا على إتيانه من القرب والبعد، واجعلوا ذلك دأبكم وعادتكم، ومعلوم أن هذا مناقض لما علم من سننه في قبره الكريم، وغيره أشد مناقضة وترغيب للنفوس في الوقوع فيما حذر منه أمته، وخاف عليهم منه ومعاكسة له في قصده، ومن المعلوم أن من أراد هذا المعنى الذي ذكره المتأول بقوله:((لا تتخذوا قبري عيداً)) فهو إلى الألغاز ضد البيان أقرب منه إلى الإرشاد والبيان كيف والسنة المعلومة تناقضه أبين مناقضة، بل نفس هذا الحديث يرد هذا التأويل ويبطله، وهو قوله:((وصلوا علي حيثما كنتم)) .

ثم لو كان هذا مراده وحاشاه من ذلك لأني بلفظ صريح أو ظاهر في الترغيب في قصده ن وكثرة الاختلاف إليه كما جاء عنه الترغيب في كثرة الاختلاف إلى المساجد كقوله في الحديث المتفق على صحته: ((من عذر إلى المسجد، أو راح أعد الله له نزلاً

(1) أخرجه أبو داود 3/607 رقم 3313.

ص: 310

في الجنة كلما غدا أو راح)) (1) وقوله في الحديث الصحيح: ((من تطهر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطواته إحداهما تحط خطيئة والأخرى ترفع درجة)) (2) وقوله في الحديث المخرج في السنن: ((بشر المشائين في الظلم إلى المسجد بالنور التام يوم القيامة)) (3) ، وقوله في الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة، وأبن حبان في صحيحيهما، ((إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)) (4) قال تعالى:{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} (التوبة 018)

إلى غير ذلك من الأحاديث الدالة على الترغيب في انتياب أمكنة المساجد والحث عليها، فمن تأملها وتأمل الأحاديث الواردة في القبر تبين له الفرق المبين بين الهدى والضلال والغي والرشاد والشك واليقين.

ومما يبين بطلان هذا التأويل الذي لم يعرف عن أحد من السلف والخلف قبل هذا المتأول، إنه لو كان هو المراد لكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعيون لهم بإحسان أحق الناس بالعكوف على قبره، وكثر انتيابه والازدحام عنده وتقبيله والتمسح به، وكانوا أشد الناس ترغيباً للأمة في ذلك، بل المحفوظ عنهم الزجر عن مثل ذلك والنهي عنه.

وقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن ابن عجلان عن رجل يقال له سهيل، عن الحسن بن الحسن بن علي أنه رأى قوماً عند القبر فنهاهم وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً ولا تتخذواً بيوتكم قبوراً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني)) (5) .

وروى سعيد بن منصور في سننه عن عبد العزيز بن محمد فقال: أخبرني سهيل بن

(1) أخرجه البخاري 2/148 رقم 662 ومسلم 1/463.

(2)

رواه مسلم 1/462 وابن حبان 3/245. رواه مسلم 1/462 وابن حبان 3/245، وأخرج ابن ماجه نجوه 1/781 من حديث أنس.

(3)

أخرجه أبو داود 1/379 رقم 561 وأخرج الترمذي رقم 223، وأخرج ابن ماجه نجوه 1/781 من حديث أنس.

(4)

أخرجه الترمذي 5/12 رقم 2617 وابن ماجه 1/802 وأحمد 3/68 و 75-76 وابن حبان 3/110 جميعاً من طريق دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري والحديث ضعيف من أجل دراج

(5)

تقدم.

ص: 311

أبي سهيل قال: رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة بتعشى، فقال: هلم إلى العشاء فقال: فقلت: لا أريده، فقال: مالي رأيتك عند القبر، فقلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إذا دخلت المسجد فسلم، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتخذوا بيتي عيداً ولا تتخذوا بيوتكم مقابر، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني، حيثما كنتم، ما أنتم من بالأندلس إلا سواء)) (1) .

وروى أبو يعلي الموصلي في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن زيد بن الحباب، عن جعفر بن إبراهيم من ولد ذي الجناحين عن علي بن عمر، عن أبيه، عن علي بن الحسين أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعوا فنهاه فقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((لا تتخذوا قبري عيداً، ولا بيوتكم قبوراً فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم)) (2) .

وروى نوح بن يزيد المؤدب عن أبي إسحاق يعني إبراهيم بن سعد قال: ما رأيت أبي قط يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكره إتيانه، وابو إبراهيم سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري التابعي أحد الأئمة الأعلام، وكان قاضي المدينة في زمان التابعين.

قال الإمام أحمد بن حنبل (3) : ولي قضاء المدينة وكان فاضلاً، وقال يعقوب بن إبراهيم بن سعد (4) : سرد سعد الصوم قبل أن يموت بأربعين سنة وقال حجاج بن محمد: كان شعبة إذا ذكر سعد بن إبراهيم، قال: حدثني حبيبي سعد بن إبراهيم يصوم الدهر ويختم القرآن في كل يوم وليلة (5) .

فهذا سعد بن إبراهيم من سادات أهل المدينة وعلمائهم وقضائهم، وكان لا يأتي

(1) تقدم.

(2)

تقدم.

(3)

انظر كلامه في سير الأعلام 5/419.

(4)

انظر السير 5/419.

(5)

انظر السير 5/419 وانظر ترجمته في التاريخ الكبير 4/51 والصغير 1/324 وتاريخ الفسوي 1/411 وتاريخ الطبري 7/227 والجرح والتعديل 4/79 وتهذيب التهذيب 3/463 وشذرات الذهب 1/173.

ص: 312

القبر ويكره إتيانه، وقد قال مالك في المبسوط، لا بأس لمن قدم من سفر، أو أخرج إلى سفر أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر، فقيل له: فإن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة، أو أكثر، وربما وقفوا في الجمعة، أو في الأيام المرة أو المرتين، أو أكثر عند القبر فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسح، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده والله أعلم.

ص: 313