المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

ضلالة (1) إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين أن - الصارم المنكي في الرد على السبكي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة مختصرة للحافظ ابن عبد الهادي

- ‌اسمه:

- ‌ميلاده:

- ‌مشايخه:

- ‌ثناء أهل العلم عليه:

- ‌ الحافظ المزي:

- ‌ الحافظ ابن كثير:

- ‌ الحافظ ابن رجب:

- ‌ الحافظ أبو المحاسن:

- ‌ الإمام الذهبي:

- ‌ الحافظ ابن حجر:

- ‌ الإمام السيوطي:

- ‌ الصفدي:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مقدمه المؤلف

- ‌الباب الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة نصاً

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض خالد بن يزيد إن كان هو العمري، فقد قال ابن حبان: أنه منكر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثاني: فيما ورد من الأخبار والأحاديث دالاً على فضل الزيارة، وإن لم يكن فيه لفظ الزيارة

- ‌قال المعترض

- ‌فصل: في علم النبي صلى الله عليه وسلم بمن يسلم عليه

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثالث: فيما ورد في السفر إلى زيارته صلى الله عليه وسلم صريحاً وبيان أن ذلك لم يزل قديماً وحديثاً

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزيارة انتهى كلامه

- ‌الباب الرابع: في نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أن ذلك مجمع عليه بين المسلمين

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: هذا كلام القاضي وما اختاره يشكل عليه قوله: ((من زار قبري)) فقد أضاف الزيارة إلى القبر إلا أن يكون هذا الحديث لم يبلغ مالكاً فحينئذ يحسن ما قاله القاضي في الاعتذار عنه، لا في إثبات هذا الحكم في نفس الأمر، ولعله يقول: إن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا محذور فيه، والمحذور إنما هو ف يقول غيره

- ‌قال المعترض: وهذا الجواب بينه وبين جواب القاضي بون في شيئين: أحدهما أنه يقتضي تأكيد نسبة معنى الزيارة إلى القبر، وأنه يجتنب لفظها، وجواب القاضي يقتضي عدم نسبتها إلى القبر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفاً (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين

- ‌الباب الخامس: في تقرير كون الزيارة قربة وذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: بعد حكايته هذا الكلام عن الشيخ: وبقي قسم لم يذكره وهو أن تكون للتبرك به من غير إشراك به فهذه ثلاثة أقسام

- ‌قال المعترض

الفصل: ضلالة (1) إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين أن

ضلالة (1) إلى غير ذلك من الأدلة التي تبين أن الحجاج إلى القبور هم من المخالفين للرسول صلى الله عليه وسلم الخارجين عن شريعته وسنته، لا من الموافقين له المطيعين له، كما قد بسط في غير هذا الموضع.

‌قال المعترض

الحديث الخامس: ((من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)) رواه عدي في الكامل وغيره، قم قال: أخبرناه أدنا ومشافهة عبد المؤمن وآخرون عن ابي الحسن بن المقير البغدادي، عن أبي الكرم بن الشهرزوري، أنبأنا إسماعيل بن مسعدة الاسماعيلي، أنبأنا حمزة بن يوسف السهمي، أنبأنا أبو أحمد بن عدي، حدثنا علي بن إسحاق، حدثنا محمد بن محمد بن النعمان، حدثني جدي، قال: حدثي مالك عن نافع عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)) (2) .

وذكر ابن عدي أحاديث للنعمان ثم قال: هذه الأحاديث عن نافع عن ابن عمر يحدث بها النعمان بن شبل عن مالك، ولا أعلم رواه عن مالك غير النعمان بن شبل؟ ولم أر في أحاديثه حديثاً غريباً، قد جاوز الحد فأذكره، وروى في صدر ترجمته عن عمران بن موسى الزجاجي أنه ثقة، وعن موسى بن هارون أنه منهم، وهذه التهمة غير مفسرة فالحكم بالتوثيق مقدم عليها، وذكر أبو الحسن الدارقطني هذا الحديث في أحاديث مالك بن أنس الغرائب التي ليست في الموطأ، وهو كتاب ضخم، قال: حدثنا أبو عبد الله الأأبلي وعبد الباقي، قال: حدثنا محمد بن محمد بن النعمان بن شبل، حدثنا جدي حدثنا مالك عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)) قال الدارقطني: نفرد به هذا الشيخ وهو منكر، هذه عبارة الدارقطني، والظاهر أن هذا الإنكار منه بحسب تفرد به هذا الشيخ وهو منكر، هذه عبارة الدارقطني، والظاهر أن هذه الإنكار منه بحسب تفرده وعدم احتماله له بالنسبة إلى الإسناد المذكور؛ ولا يلزم من ذلك أن يكون المتن في نفسه منكراً، ولا موضوعاً، وقد ذكر ابن الجوزي في الموضوعات (3) ، وهو سرف منه، ويكفي في الرد عليه ما قاله ابن عدي، وقال ابن الجوزي عن الدارقطني، أن الحمل فيه على محمد بن محمد بن النعمان لا على جدة، وكلام

(1) رواه أبو داود 5/13 حديث رقم 4608 والترمذي 5/44 حديث رقم 2676 وابن ماجة في المقدمة 1/15 حديث رقم 42.

(2)

انظر الكامل 7/2480.

(3)

2/217.

ص: 86

الدارقطني الذي ذكرناه محتمل لذلك، ولأن يكون المراد تفرد النعمان كما قاله ابن عدي.

وأما قول ابن حبان أن النعمان يأتي عن الثقات بالطامات، فهو مثل كلام الدارقطني إلا أنه بالغ في الإنكار،وقد روى ابن حبان في كتاب (المجروحين) عن أحمد بن عبيد عن محمد بن محمد، وقول ابن الجوزي في كتاب (الضعفاء) أن الدارقطني طعن في محمد بن محمد بن النعمان، فالذي حكيناه من كلام الدارقطني هو الإنكار لا التضعيف، فيحصل من هذا إبطال الحكم عليه بالوضع، لكن غريب كما قال الدارقطني، وهو لأجل كلام ابن عدي صالح لأن يعتضد به غيره.

وهذا الحديث كان ينبغي تقديمه على الأول لكونه من طريق نافع، ولكن أخرناه لأجل ما وقع من الكلام.

ومما يجب أن ينتبه له أن حكم المحدثين بالإنكار والاستغراب قد يكون بحسب تلك الظروف فلا يلزم من ذلك رد متن الحديث بخلاف إطلاق الفقيه أن الحديث موضوع، فإن حكم على المتن من حديث الجملة، فلا جزم قبلنا كلام الدارقطني، ورددنا كلام ابن الجوزي والله أعلم.

انتهى كلام المعترض على هذا الحديث وهو كما ترى ملفق مزوق غير محقق ولا مصدق، بل فيه من الوهم والإبهام والتلبيس والخبط والتخليط ودفع الحق وقبول الباطل ما سننبه على بعضه إن شاء الله تعالى.

واعلم أن هذا الحديث المذكور منكر جداً لا أصل له، بل هو من المكذوبات والموضوعات، وهو كذب موضوع على مالك مختلق عليه، لم يحدث به قط ولم يروه إلا من جمع الغرائب والمناكير والموضوعات،ولقد أصاب الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في ذكره في الموضوعات (1) ، وأخطأ هذا المعترض في رده وكلامه، والحمل في هذا الحديث على محمد بن محمد بن النعمان لا على جده، كما ذكره الدارقطني في الحواشي على كتاب (المجروحين) لأبي حاتم بن حبان البستي.

هذا المعترض لم يقف على كلام الدارقطني الذي نحكيه عنه، قال ابن حبان في كتاب الضعفاء: النعمان بن شبل أبو شبل من أهل البصرة يروي عن أبي عوانة ومالك

(1) انظر الموضوعات لابن الجوزي 2/217.

ص: 87

والبصريين والحجازيين، روى عنه ابن أبنه محمد بن محمد بن النعمان بن شبل، حدثنا مالك عن نافع، عن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني)) حدثنا أحمد بن عبيد (1) بهمذان، حدثنا محمد بن محمد (2) بن النعمان بن شبل أبو شبل حدثنا جدي حدثنا مالك (3) .

هذا جميع ما ذكره ابن حبان في ترجمة النعمان بن شبل، وقال الحافظ أبو الحسن الدارقطني في الحواشي، على كتابه: هذا حديث غير محفوظ عن النعمان بن شبل إلا من رواية ابن ابنه، عن ابنه، والطعن فيه عليه لا على النعمان، ولقد صدق الحافظ أبو الحسن في هذا القول، فإن النعمان بن شبل إنما يعرف برواية هذا الحديث عن محمد بن الفضل بن عطية المشهور بالكذب، ووضع الحديث عن جابر الجعفي عن محمد بن علي عن علي بن أبي طالب، هكذا رواه الحافظ أبو عمر وعثمان بن خزاذ عن النعمان بن شبل كما تقدم ذكره.

هذا الحديث الموضوع لا يليق أن يكون إسناده إلا مثل هذا الإسناد الساقط ولم يروه عن النعمان بن شبل عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر إلا ابن ابنه محمد بن محمد بن النعمان، وقد هتك محمد في رواية هذا الحديث ستره وأبدى عن عورته وافتضح بروايته حيث جعله عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر (4) ، ومن المعلوم أن أدنى من له علم ومعرفة بالحديث أن تفرد مثل محمد بن محمد بن النعمان بن شبل المتهم بالكذب والوضع عن جده النعمان بن شبل الذي لم يعرف بعدالة ولا ضبط ولم يوثقه إمام يعتمد عليه، بل اتهمه موسى بن هارون الحمال أحد الأئمة الحفاظ المرجوع إلى كلامهم في الجرح والتعديل الذي قال فيه عبد الغني بن سعيد المصري الحافظ هو أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وقته عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر بمثل هذا الخبر المنكر الموضوع من أبين الأدلة وأوضح البراهين على فضيحته وكشف عورته وضعف ما

(1) الصواب (بهمذان) بالتحريك وبالذال كما في معجم البلدان وهي بلد وأما (همدان) فقبيلة

(2)

في كتاب المجروحين لابن حبان (محمد بن محمود) والظاهر أن الصواب كما هنا.

(3)

انظر المجروحين 3/73.

(4)

جزى الله ابن عبد الهادي خيراص. حقيقة تبين تلفيقه وكذبه حيث لم يوافقه الله تعالى لأنه نسب حديثه هذا إلى سلسلة من أصح الأسانيد لأن مالك عن نافع عن ابن عمر أصح الأسانيد عند البخاري رحمه الله تعالى.

ص: 88

تفرد به وكذبه ورده وعدم قبوله، ونسخه مالك عن نافع عن ابن عمر محفوظة معروفة مضبوطة رواها عن أصحابه رواة الموطأ وغير رواة الموطأ، وليس هذا الحديث منها، بل لم يروه مالك قط ولا طرق سمعه.

ولو كان من حديثه لبادر إلى روايته عنه بعض أصحابه الثقات المشهورين، بل لو تفرد بروايته عنه ثقة معروف من بينسائر أصحابه لأنكره الحفاظ عليه، ولعدوه من الأحاديث المنكرة الشاذة، فكيف وهو حديث لم يروه عنه ثقة قط، ولم يخبر عنه عدل.

وما ذكره المعترض عن عمران بن موسى أنه وثق النعمان بن شبل ليس بصحيح عنه، وعمران ليس م أئمة الجرح والتعديل المرجوع إلى أقوالهم، فلو ثبت عنه ما حكاه المعترض لم يرجع إلى قوله فكيف وهو لم يثبت عنه، فإنه ابن عدي قال في كتاب الكامل (1) حدثنا صالح بن أحمد بن أبي مقاتل، حدثنا عمران بن موسى، حدثنا النعمان بن شبل وكان ثقة، هذا هو الذي حكاه ابن عدي من توثيق النعمان، ومنه نقل المعترض كما ذكره، وصالح بن أحمد بن أبي مقاتل شيخ ابن عدي يعرف بالقيراطي، وهو متهم بالكذب والوضع وسرقة الأحاديث فإن كان هو الموثق للنعمان بن شبل لم يقبل توثيقه، لأنه ضعيف في نفسه، فكيف يقبل توثيقه لغيره؟

وإن كان الموثق هو عمران بن موسى كما ذكره المعترض لم تقبل رواية صالح بن أحمد بن أبي مقاتل عنه ذلك، لأنه غير ثقة.

وقال الدارقطني (2) هو متروك كذاب دجال أدركناه ولم نكتب عنه يحدث بما لم يسمع، وقال ابن عدي (3) يسرق الأحاديث ويرفع الموقوف ويصل المرسل وهو بين الأمر جداً وقال ابن حبان (4) كتبنا عنه ببغداد يسرق الحديث ويقلبه،ولعله قد قلب أكثر من

(1) انظر الكامل لابن عدي 4/2480.

(2)

قال الدارقطني رحمه الله تعالى في الضعفاء والمتروكين حدثونا عنه 249 رقم الترجمة 293، وقال رحمه الله تعالى في سؤالات الحاكم له، متروك ص140 رقم الترجمة 113.

وقال المعلق على كتاب الضعفاء والمتركوين للدارقطني وهو:موفق بن عبد الله بن عبد القادر حفظه الله تعالى في الحاشية نقلاً عن سؤالات السلمي للدارقطني، وسألته عن صالح القيراطي، فقال: كذاب دجال يحدث بما لم يسمع.

(3)

انظر ترجمته في الكامل لابن عدي 4/1390.

(4)

انظر المجروحين لابن حبان 1/368.

ص: 89

عشرة آلاف حديث لا يجوز الاحتجاج به بحال، وقال البرقاني (1) : هو ذاهب الحديث وقال الخطيب (2) ، كان يذكر بالحفظ غير أن حديثه كثير المناكير.

فإذا كانت هذه حال صالح بن أحمد بن أبي مقاتل عن أئمة الجرح والتعديل فكيف يقبل توثيقه لرجل غير ثقة أو بصار إلى روايته التوثيق لغير عدل عمن لا يرجع إلى قوله ولا يلتفت إلى كلامه؟ فكيف يقدم مثل هذا التوثيق للنعمان بن شبل على قوم موسى بن هارون الحمال؟ إنه منهم وقد عرف أنه أراد تهمة الكذب، مع العلم بأن موسى بن هارون من كبار أئمة الصنعة وعلماء هذا الشأن العارفين بعلل الأحاديث المرجوع إلى قولهم وجرحهم وتعديلهم ولم يخالفه أحد في قوله هذا، بل وافقه عليه أبو حاتم بن حبان وغيره كما تقدم.

ولو ثبت أن النعمان بن شبل وثقة من يعتمد على توثيقه ويرجع إلى تعديله لميكن في ذلك ما يتقضي قبول ما روى عنه في الزيادة، ولا قوته، فإن الحمل فيه على غيره والطعن فيه على ابن ابنه محمد بن محمد بن النعمان، كما ذكر ذلك شيخ الصنعة إمام عصره وفريد دهره ونسيج وحده الحافظ الكبير أبو الحسن الدارقطني، ولم يخالفه أحد يعتمد على قوله (3) .

ومن العجب قول هذا المعترض في آخر كلامه على الحديث: فلا جرم قبلنا كلام الدرقطني ورددنا كلام ابن الجوزي مع أن كلام الدارقطني، وكلام ابن الجوزي متفق غير مختلف. فإن الدارقطني ذكر أن الحديث منكر، وأن الطعن والعمل فيه على محمد بن محمد بن النعمان وابن الجوزي ذكره في الموضوعات، وحكى قول الدارقطني محتجاً به، ومعتمداً عليه فقبول المعترض قول أحدهما ورده قول الآخر مع اتفاقهما في المعنى من باب الخبط والتخبيط وليس ذلك ببدع في كلامه وتصرفاته.

والحاصل أن هذا الحديث الذي تفرد به محمد بن محمد بن النعمان عن جده عن مالك لا يحتج به ويعتمد عليه إلا من أعمى الله قبله، وكان من أجهل الناس بعلم المنقولات، ولو فرض أنه خبر صحيح وحديث مقبول لم يكن فيه حجة إلا على الزيارة

(1) انظر ترجمته في الميزان للذهبي 2/278 قال الذهبي رحمه الله تعالى في كتابه المغني في ترجمته دجال كذبة الدارقطني 1/302.

(2)

انظر التاريخ للخطيب 9/329.

(3)

انظر الميزان للذهبي 4/26.

ص: 90

الشرعية وقد ذكرنا غير مرة أن شيخ الإسلام لا ينكر الزيارة الشرعية وإنما ذكر في جواب السؤال المشهور في السفر مجرد زيارة قبور الأنبياء والصالحين قولين لأهل العلم (1) ، وذكر أن قوله من سافر لمجرد زيارة قبور الأنبياء فيه احتراز عن السفر المشروع كالسفر إلى زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، إذا سافر السفر المشروع فساف إلى مسجده، فصلى فيه وصلى عليه وسلم عليه ودعا، وأثنى كما يحبه الله ورسوله، فهذا سفر مشروع مستحب باتفاق المسلمين، وليس فيه نزاع فإن هذا لم يسافر لمجرد زيارة القبور،بل للصلاة في المسجد،فإن المسلمين متفقون على أن السفر الذي يسمى زيارة لابد فيه من أن يقصد المسجد ويصلي فيه لقوله صلى الله عليه وسلم:((لقوله صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام)) (2) ولقوله: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا)) (3) .

والسؤال والجواب لم يكن المقصود فيه خصوص السفر إلى زيارة قبر النبي، فإن هذا السفر على هذا الوجه مشروع مستحب باتفاق المسلمين ولم يقل أحد من المسلمين أن السفر إلى زيارة قبر محرم مطلقاً، بل من سافر إلى مسجده وصلى فيه وفعل ما يؤمر به من حقوق الرسول كان هذا مستحباً مشروعاً باتفاق المسلمين، لم يكن هذا مكروهاً عند أحد منهم، لكن السلف لم يكونوا يسمون هذا زيارة لقبره، وقد كره من كره من أئمة العلماء أن يقال: زرت قبر النبي صلى الله عليه وسلم، وآخرون يسمون هذا زيارة لقبره لكن هم يعلمون ويقولون: إنه إنما يصلي إلى مسجده، وعلى اصطلاح هؤلاء من سافر إلى

(1) في الرد على الأخنائي ص161 -165.

(2)

تقدم في ص 59 حاشية (1) .

(3)

تقدم في ص19 حاشية (1) .

فائدة: قال الشيخ ناصر الدين الألباني في السلسة الضعيفة 1/61 حديث رقم 45 في الكلام على حديث (من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني) ومما يدل على وضعه أن جفاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم من الذنوب والكبائر إن لم يكن كفراً، وعليه فمن ترك زيارته صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يكون مرتكباً لذنب كبير وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج وهذا مما لا يقوله مسلم، ذلك لأن زيارته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن كانت من القربات فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات فكيف يكون تاركها مجافياً للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومعرضاً عنه؟ أ. هـ فجزاء الله خيراً.

قلت: وهذا المعترض يدافع عن الحديث ويحاول التلبيس على الناس ولكن كما قال الشاعر:

أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا يا سعد تورد الإبل

ص: 91

مسجده وصلى فيه وزار قبره الزيارة الشرعية لم يكن هذا محرماً عند أئمة المسلمين بخلاف السفر إلى زيارة قبر غيره من الأنبياء والصالحين، فإنه ليس عنده مسجد يسافر إليه.

فالسؤال والجواب كان من جنس السفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين كما يفعل أهل البدع ويجعلون ذلك حجاً أو أفضل من الحج أو قريباً من الحج، حتى روى بعضهم حديثاً ذكره بعض المصنفين في زماننا في فضل من زار الخليل قال فيه: وقال وهب بن منبه إذا كان آخر الزمان حيل بين الناس وبين الحج فمن لم يحج ولحق ذلك ولحق بقبر إبراهيم، فإن زيارته تعدل حجة، وهذا كذب على وهب بن منبه كما أن قوله من زارني وزار أبي في عام واحد ضمنت له على الله الجنة، كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) .

وقد ذكر بعض أهل العلم أن هذا الحديث إنما افتراه الكذابون لما فتح بيت المقدس واستنفذ من أيدي النصارى على يد صلاح الدين سنة بضع وثمانين وخمسمائة فإن النصارى نقبوا قبل الخليل، وصار الناس يتمكنون من الدخول إلى الحضرة، وأما على عهد الصحابة والتابعين وهب بن منبه وغيره فلم يكن هذا ممكناً، ولا عرف عن أحد من الصحابة والتابعين أنه سفر إلى قبل الخليل عليه السلام، ولا إلى قبر غيره من الأنبياء، ولا من أهل البيت، ولا من المشايخ ولا غيرهم، ووهب بن منبه كان باليمن لم يكن بالشام ولكن كان من المحدثين عن بني إسرائيل والأنبياء المتقدمين مثل كعب الأحبار ومحمد بن إسحاق ونحوهما.

وقد ذكر العلماء ما ذكره وهب في قصة الخليل وليس فيه شيء من هذا ولكن أهل الضلال افتروا آثاراً مكذوبة على الرسول وعلى الصحابة والتابعين توافق بدعهم، وقد رووا عن أهل البيت وغيرهم من الأكاذيب ما لا يتسع هذا الموضع لذكره، وغرض أولئك الحج إلى قبر علي، أو الحسين أو إلى قبور الأئمة كموسى والجواد وغيرهما من الأئمة الأحد عشر، فإن الثاني عشر دخل السرداب وهو عندهم حي إلى الآن ينتظر، ليس لهم غرض في الحج إلى قبر الخليل وهؤلاء من جنس المشركين الذين فرقوا دينهم، وكانوا شيعاً، فالكل قوم هدى يخالف هدي الآخرين قال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا

(1) الحديث أيضاً من الموضوعات راجع الكلام عليه في السلسلة الضعيفة للشيخ ناصر1/61.

ص: 92

فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ () مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ () مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} (الروم 030)

وهؤلاء تارة يجعلون الحج إلى قبورهم أفضل من الحج وتارة نظير الحج، وتارة بدلاً عن الحج.

فالجواب كان عن مثل هؤلاء، ولكن كان ذكر قبر نبينا لشمول الأدلة الشرعية، فإنه إذا احتج بقوله: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، كان مقتضى هذا أنه لا يسافر إلا إلى المسجد لا إلى مجرد القبر، كما قال مالك للسائل الذي سأله من نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال إن كان أراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فليأته وليصل فيه، وإن كان أراد القبر فلا يفعل للحديث الذي جاء ((لا تعمل المطي، إلا إلى ثلاثة مساجد)) وهذا كما لو نهى الناس أن يحلفوا بالمخلوقات، وذكر لهم قول النبي:((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) (1) وقوله: لا تحلفوا بالله ونحوه، وقيل: إنه لا يجوز الحلف بالملائكة ولا الكعبة ولا الأنبياء ولا غيرهم، فإذا قيل: ولا بالنبي لزم طرد الدليل، فقيل: ولا يحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم، كما قاله جمهور العلماء، وهو مذهب مالك والشافعي، وأبي حنيفة، وأحمد في إحدى الروايتين، ومن الناس من يستثني نبينا كما استثناه طائفة من الخلف فجوز الحلف به وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها طائفة من أصحابه كالقاضي أبي يعلي وأتباعه وخصوه بذلك، وبعضهم طرد ذلك من الأنبياء، وهو قول ابن عقيل في كتابه المفردات، لكن قول الجمهور أصح لأن النهي هو عن الحلف بالمخلوقات كائناً من كان كما وقع الني عن عبادة المخلوق، وعن تقواه وخشيته والتوكل عليه وجعله نداً لله، وهذا متناول لكل مخلوق، نبينا وسائر الأنبياء والملائكة وغيرهم، فكذلك الحلف بهم والنذر لهم أعظم من الحلف بهم، والحج إلى قبورهم أعظم من الحلف بهم والنذر لهم وكذلك السفر إلى زيارة القبور وقصر الصلاة فيه.،

ولأصحاب أحمد فيه أربعة أقوال قيل تقصر الصلاة مطلقاً في كل سفر لزيارة القبور، وقيل:لا تقصر في شيء من ذلك: وقيل: تقصر في السفر لزيارة قبر نبينا خاصة وقيل: بل لزيارة قبره وسائر قبور الأنبياء، فالذين استثنوا نبينا قد يعللون ذلك بأن السفر هو إلى مسجده، وذلك مشروع مستحب بالاتفاق، فتقصر فيه الصلاة بخلاف السفر إلى قبر

(1) رواه البخاري 10/516 ومسلم 3/1267.

ص: 93