المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لئلا يتمكن أحد من ذلك، وكانت عائشة ساكنة فيها، فلم - الصارم المنكي في الرد على السبكي

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة المحقق

- ‌ترجمة مختصرة للحافظ ابن عبد الهادي

- ‌اسمه:

- ‌ميلاده:

- ‌مشايخه:

- ‌ثناء أهل العلم عليه:

- ‌ الحافظ المزي:

- ‌ الحافظ ابن كثير:

- ‌ الحافظ ابن رجب:

- ‌ الحافظ أبو المحاسن:

- ‌ الإمام الذهبي:

- ‌ الحافظ ابن حجر:

- ‌ الإمام السيوطي:

- ‌ الصفدي:

- ‌مصنفاته:

- ‌وفاته:

- ‌مقدمه المؤلف

- ‌الباب الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة نصاً

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض خالد بن يزيد إن كان هو العمري، فقد قال ابن حبان: أنه منكر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثاني: فيما ورد من الأخبار والأحاديث دالاً على فضل الزيارة، وإن لم يكن فيه لفظ الزيارة

- ‌قال المعترض

- ‌فصل: في علم النبي صلى الله عليه وسلم بمن يسلم عليه

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌الباب الثالث: فيما ورد في السفر إلى زيارته صلى الله عليه وسلم صريحاً وبيان أن ذلك لم يزل قديماً وحديثاً

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: قلت: الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزيارة انتهى كلامه

- ‌الباب الرابع: في نصوص العلماء على استحباب زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيان أن ذلك مجمع عليه بين المسلمين

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: هذا كلام القاضي وما اختاره يشكل عليه قوله: ((من زار قبري)) فقد أضاف الزيارة إلى القبر إلا أن يكون هذا الحديث لم يبلغ مالكاً فحينئذ يحسن ما قاله القاضي في الاعتذار عنه، لا في إثبات هذا الحكم في نفس الأمر، ولعله يقول: إن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا محذور فيه، والمحذور إنما هو ف يقول غيره

- ‌قال المعترض: وهذا الجواب بينه وبين جواب القاضي بون في شيئين: أحدهما أنه يقتضي تأكيد نسبة معنى الزيارة إلى القبر، وأنه يجتنب لفظها، وجواب القاضي يقتضي عدم نسبتها إلى القبر

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تجعلوا قبري عيداً)) فرواه أبو داود السجستاني، وفي سنده عبد الله بن نافع الصائغ، روى له أربعة ومسلم قال البخاري: تعرف حفظ وتنكر، وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث كان ضيفاً (3) فيه، ولم يكن في الحديث بذلك، وقال أبو حاتم الرازي: ليس بالحافظ هو لين تعرف حفظه وتنكر، ووثقه يحيى بن معين، وقال أبو زرعة: لا بأس به، وقال ابن عدي: روى عن مالك غرائب، وهو في رواياته مستقيم الحديث، فإن لم يثبت هذا الحديث فلا كلام، وإن ثبت وهو الأقرب، فقال الشيخ زكي الدين المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين

- ‌الباب الخامس: في تقرير كون الزيارة قربة وذلك بالكتاب والسنة والإجماع والقياس

- ‌قال المعترض

- ‌فصل

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض

- ‌قال المعترض: بعد حكايته هذا الكلام عن الشيخ: وبقي قسم لم يذكره وهو أن تكون للتبرك به من غير إشراك به فهذه ثلاثة أقسام

- ‌قال المعترض

الفصل: لئلا يتمكن أحد من ذلك، وكانت عائشة ساكنة فيها، فلم

لئلا يتمكن أحد من ذلك، وكانت عائشة ساكنة فيها، فلم يكن في حياتها يدخل أحد لذلك، إنما يدخلون إليها هي، ولما توفيت لم يبق بها أحد، ثم لم أدخلت في المسجد سدت وبنى الجدار البراني عليها، فما بقي أحد يتمكن من زيارة قبره، كالزيارة المعروفة عند قبر غيره، سواء كان سنية أو بدعية، بل إنما يصل الناس إلى مسجده.

ولم يكن السلف يطلقون على هذا زيارة لقبره، ولا يعرف عن أحد من الصحابة لفظ زيارة قبر البتة ولم يتكلموا بذلك، وكذلك عامة التابعين لا يعرف هذا في كلامهم فإن هذا المعنى ممتنع عندهم فلا يعبر عن وجوده، وهو قد نهى عن اتخاذ بيته وقبره عيداً، وسأل الله أن لا يجعله وثناً، ونهى عن اتخاذ القبور مساجد بيته وقبره عيداً، وسأل الله أن لا يجعله وثناً، ونهى عن اتخاذ القبور مساجد، فقال:((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) (1)، ولهذا كره مالك وغيره أن يقال: زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان السلف ينطقون بهذا لم يكرهه مالك، وقد باشر التابعين بالمدينة،وهم أعلم الناس بمثل ذلك.

ولو كان في هذا حديث معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم لعرفه هؤلاء، ولم يكره مالك وأمثاله من علماء المدينة الأخبار بلفظ تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان رضي الله عنه يتحرى ألفاظ الرسول في الحديث فيكف يكره النطق بلفظه؟ ولكن طائفة من العلماء سموا هذا زيارة لقبره، وهم لا يخالفون مالكاً ومن معه في المعنى، بل الذي يستحبه أولئك من الصلاة والسلام وطلب الوسيلة ونحو ذلك في مسجده يستحبه هؤلاء، لكن هؤلاء سموا هذه زيارة لقبره وأولئك كرهوا أن يسموا هذه زيارة، وقد ذكرنا كلام الشيخ هذا وأمثاله في هذا المعنى فيما تقدم، والله أعلم.

‌قال المعترض

وقد قال أبو الوليد محمد بن رشد في البيان والتحصيل قال مالك: أكره أن يقال الزيارة لزيارة البيت الحرام، وأكره ما يقول الناس: زرت التي وأعظم ذلك أن يكون صلى الله عليه وسلم يزار، قال محمد بن رشد، ما كره مالك هذا والله أعلم إلا من جهة أن كلمة أعلى من كلمة، فلما كانت الزيارة تستعمل في الموتى، وقد وقع فيها من الكراهة ما وقع كره أن يذكر مثل هذه العبارة في النبي صلى الله عليه وسلم كما كره أن يقال أيام التشريق، واستحب أن يقال

(1) تقدم تخريجه.

ص: 277

الأيام المعدودات كما قال الله تعالى، وكما كره أن يقال:العتمة ويقال: العشاء الآخرة ونحو هذا،وكذلك طواف الزيارة كأنه استحب أن يسمي بالإفاضة، كما قال الله تعالى في كتابه:{فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ} (البقرة 198) فاستحب أن يشتق له الاسم من هذا.

وقيل إنه كره لفظ الزيارة في الطواف بالبيت والمضي إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم،لأن المضي إلى قبره عليه السلام ليس ليصله بذلك، ولا لينفعه، وكذلك الطواف بالبيت، وإنما يفعل تأدية لما يلزمه من فعله ورغبة في الثواب على ذلك من عند الله عز وجل،وبالله التوفيق، انتهى كلامه ابن رشد.

وقد وقع منه كراهة مالك قول الناس: زرت النبي صلى الله عليه وسلم،وهو يرد ما قاله القاضي عياض، فأما كراهة إسناده الزيارة إلى القبر، فيحتمل أن يكون العلة فيه ما قاله القاضي عياض، ويحتمل أن يكون العلة ما قاله أبو عمران وابن رشد، وأما إضافة الزيارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم إن ثبت ذلك عن مالك فيتعين أن يكون العلة فيه ما قاله أبو عمران وابن رشد والمختار في تأويل كلام مالك رحمه الله ما قاله ابن رشد دون ما قاله القاضي عياض، لأن ابن المواز حكى في كتابه الحج في باب ما جاء في الوداع.

قال أشهب: قيل لمالك فيمن قدم معتمراً، ثم أراد أن يخرج إلى رباط أعليه أن يودع؟ قال: هو من ذلك في سعة، ثم قال: إنه لا يعجبني أن يقول أحد الوداع، وليس هو من الصواب، إنما هو الطواف.

قال تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} الحج 029) قال: وأكره ما يقال الزيارة، وأكره ما يقول الناس: زرت النبي صلى الله عليه وسلم وأعظم ذلك أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم يزار وقال مالك في وداع البيت، ما يعرف في كتاب الله ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم الوداع، إنما هو الطواف بالبيت، قلت لمالك، افترى هذا الطواف بالبيت، قيل لمالك: الذي يلتزم أترى له أن يتعلق بأستار الكعبة عند الوداع؟ قال: لا ولكن يقف ويدعو، قيل له: وكذلك عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. انتهى ما أردت نقله من المؤازنة، وهي من أجل كتب المالكية القديمة المعتمد عليها.

وسياقه حكاية أشهب عن مالكم ترشد إلى المراد، وأن مالكاً رحمه الله إنما كره اللفظ كما كره في طواف الوداع، أفترى يتوهم مسلم،أو عاقل أن مالكاً كره طواف الوداع.

ص: 278

وانظر في آخر كلام مالك كيف اقتضى أنه يقف ويدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما يقف ويدعو عند الكعبة في طواف الوداع، فأي دليل أبين من هذا في أن إتيان قبر النبي صلى الله عليه وسلم والوقوف والدعاء عنده من الأمور المعلومة التي نزل قبل مالك وبعده، لو عرف مالك رحمه الله أن أحداً يتوهم عليه ذلك من هذا اللفظ لما نطق به، ولا لوم على مالك،فإن لفظه لا إيهام فيه وإنما يلتبس على جاهل أو متجاهل.

والمختار عندنا أنه لا يكره إطلاق هذا اللفظ أيضاً، لقوله: من زار قبري وقد تقدم الاعتذار عن مالك فيه، ولا يرد عليه قوله، زوروا القبور، لأن زيارة قبور غير الأنبياء لينفعهم ويصلهم بها وبالدعاء والاستغفار، ولهذا قال: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن عمر المالكي المعروف بالشارمساحي في كتاب تلخيص محصول المدونة من الأحكام الملقب بنظم الدر في كتاب الجامع في الباب الحادي عشر في السفر: إن قصد الانتفاع بالميت بدعة إلا في زيارة قبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وقبور المرسلين صلوات الله عليهم أجمعين.

وهذا الذي ذكره في الانتفاع بقبور المرسلين صحيح،وكذلك سائر الأنبياء وأما ما ذكره في غير الأنبياء فستكلم عليه إن شاء الله تعالى في زيارة قبور غير الأنبياء.

وأما زيارة أهل الجنة لله تعالى، فإن صح الحديث فيها فلا يرد على شيء من المعاني التي قالها عبد الحق، وابن رشد، لأنها ليست واجبة، فإن الآخرة ليست دار تكليف، وقد انقطع الالحاق بزيارة الموتى في توهم الكراهة.

فقد بان لك بهذا وجه كلام مالك رحمه الله وإنه على جواب القاضي عياض، إنما كره زيارة القبر لا زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وعلى جواب غيره، إنما كره اللفظ فيها دون المعنى، وكذلك أكثر ما حكيناه من كلام أصحابه أتوا فيه بمعنى الزيارة دون لفظها، فمن نقل عن مالك أن الحضور عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم لزيارة المصطفى والسلام عليه والدعاء عنده ليس بقربة، فقد كذب عليه ومن فهم عنه ذلك فقد أخطأ في فهمه وضل، وحاشى مالكاً وسائر علماء الإسلام، بل وعوامهم ممن وقر الإيمان في قلبه.

انتهى ما ذكره المعترض من النقل والتصرف فيه، ولا يخفى ما في كلامه وتصرفه في كلام غيره من الخطأ والتلبيس، والقصور في الفهم، والتقصير في النظر كفهمه من كلام العلماء ما لم يريدوه، ومخالفته لهم فيما قصدوه، وإلزامه لهم لم يعتقدوه،وحكمه عليهم بالظن الكاذب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إياكم والظن فإن الظن أكذب

ص: 279

الحديث)) (1) ، بل دأب هذا المعترض التمسك بالأمور المتشابهة الخفية والإعراض عن الأشياء المحكمة الواضحة، كما عادته الاعتماد على حديث ضعيف أو مكذوب، وأو خبر متشابه لا يدل على المطلوب، وليس هذا طريق العلماء القاصدين لإيضاع الدين وإرشاد المسلمين: نعوذ بالله من أتباع الهوى.

ولا ريب أن زيارة القبور منقسمة، فمنها شرعي ومنها بدعي، ولم ينقل أحد من العلماء لا شيخ الإسلام ولا غيره عن مالك أنه كره معنى الزيارة الشرعية لا لقبر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا غيره من القبور، وإنما الذي نقل عنه أشياء منها كراهية قول القائل: زرنا قبر النبي صلى الله عليه وسلم وإنما كره ذلك لشدة تمسكه بالأحاديث والآثار، فإنه لم يكن عنده في إطلاق حديث صحيح، ولا أثر ثابت، ولا له فيه سلف، ولا غير ذلك من المعاني التي سبق ذكرها.

وأما قول المعترض: ((والمختار عندنا أنه لا يكره إطلاق هذا اللفظ لقوله من زار قبري، وقد تقدم الاعتذار عن مالك فيه)) فجواب قوله عندنا معروف، وأما دليله الذي ذكره وهو غاية عمدته فقد بين ضعفه ووهاءه، وعدم صحته فيما تقدم بالأدلة الواضحة والحجيج البينة.

وأما اعتذاره عن مالك فتركه أولى من ذكره، ومن الأمور المنقولة عن مالك ما تقدم ذكره غير مرة، وهو ما ذكره القاضي عياض في الشفاء قال:

وقال مالك في المبسوط: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضي،فلأي معنى أعرض المعترض عن هذا النقل الصحيح الواضع عن إمام دار الهجرة، وتعلق بلفظ متشابه مذكور في الموازنة قائلاً بعد حكايته، وانظر في آخر كلام مالك كيف يقتضي أنه يقف ويدعو عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم كما يقف ويدعو عند الكعبة في طواف الوداع، فأي دليل أبين من هذا في أن إتيان قبر النبي صلى الله عليه وسلم، والوقوف والدعاء عنده من الأمور المعلومة التي لم تزل قبل مالك وبعده.

فالنظر أيها المنصف في قول هذا المعترض ودعواه ما لم يكن وإلزامه قول مالك ما لم يلزمه وإضافته إليه ما لم يقله بل كرهه ونهى عنه، وليس ذلك ببدع من صنعه، فإني سمعته يقول بحضرة بعض ولاة الأمر في شيء ثبت وصح عن مالك: هذا كذب على مالك،وسنذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى ونبين خطأه في قوله:((إنه كذب)) هذا مع

(1) أخرجه مسلم 4/1985.

ص: 280

تصحيحه الحكاية المتقدمة عن مالك وهي باطلة عنه كما بينا ذلك، وهذا دأبه يصحح الضعيف، ويضعف الصحيح بلا حجة (1)، ومن الأشياء المأثورة عن مالك ما تقدم ذكره مراراً وذكره القاضي عياض أيضاً فقال: وقال مالك في المبسوط: وليس يلزم من دخل المسجد وخرج منه من أهل المدينة الوقوف بالقبر وإنما ذلك للغرباء

وقال فيه أيضاً: لا بأس لمن قدم من سفر أو خرج إلى سفر أن يقف على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي عليه ويدعو له ولأبي بكر وعمر، فقيل له: إن ناساً من أهل المدينة لا يقدمون من سفر ولا يريدونه يفعلون ذلك في اليوم مرة أو أكثر وربما وقفوا في الجمعة، وفي الأيام المرة والمرتين، أو أكثر عنده فيسلمون ويدعون ساعة، فقال: لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا وتركه واسع، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، ولم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده.

فانظر إلى قول مالك رحمه الله لم يبلغني هذا عن أحد من أهل الفقه ببلدنا ومخالفته لقول المعترض،فأي دليل أبين من هذا في إتيان قبر النبي صلى الله عليه وسلم والوقوف والدعاء عنده من الأمور المعلومة التي لم تزل قبل مالك وبعده.

فهذا المعترض يزعم أن قول مالك يقتضي أن هذا الأمر من الأمور المعلومة التي لم تنزل قبل مالك وبعده، ومالك يقول لم يبلغني عن أول هذه الأمة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك.

فأي حجة أوضح من هذه؟ وأي دليل أبين من هذا في إبطال قول المعترض ودعواه والتزامه أقوال الأئمة نقيض مرادهم، وما أحسن قول مالك رضي الله عنه:((ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها)) ، وأما قوله:ويكره إلا لمن جاء من سفر، أو أراده، فهذا إنما ذهب إليه اتباعاً لابن عمر، فإنه قد صح عنه إنه كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليك يا رسول، السلام يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه، ثم ينصرف.

(1) بل هو اتباع الهوى كما يفعل بعضهم اليوم يضعف الحديث ولو كان في الصحيح أو يطرحونه ولا يعملون به نظراً لأنه خالف المذهب كما يقولون.

وهذا كقوله أصحاب حلقة البخاري التي تقام سنوياً في الحديدة.

وممن يعمل هذا العمل: الصابوني (محمد بن علي) ومحمد علوي مالكي.

ص: 281

وقد قال عبيد الله بن عمر العمري: ما نعلم أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك إلا ابن عمر، فهذا قاله عبيد الله فيما كان ابن عمر يفعله من السلام إذا قدم من سفر، وأما هذا الذي زعم المعترض أنه من الأمور المعلومة التي لم نزل قبل مالك وبعده فإنه لم ينقل عن أحد من السلف لا من الصحابة رضي الله عنهم، ولا من التابعين لهم بإحسان، بل نحن نطالب هذا المعترض بالنقل، فنقول له: من روى هذا من الأئمة، وأين إسناده وفي أي كتاب هو، وعمن تأثره من الصحابة والتابعين، وهل وقفت عليه في ديوان، أو أنت تقوله برأيك وتلزمه بكلام من لم يلزمه.

وما أحسن قول سفيان الثوري: الإسناد سلاح المؤمن، فإذا لم يكن له سلاح فبأي شيء يقاتل وقول عبد الله بن المبارك، الإسناد من الدين، ولولا الإسناد لقال: من شاء ما شاء، ولكن إذا قيل من حدثك نفي ،

وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم في أثناء كلامه، وأما ما ذكر في المناسك أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره، وذلك بعد تحيته والصلاة والسلام، وثم يدعو لنفسه.

وذكروا أنه إذا حياه وصلى عليه يستقبله بوجهه بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، فإذا أراد الدعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا، وهذا مراعاة منهم، لذلك فإن الدعاء عند القبر لا يكره مطلقاً بل، يؤمر به للميت،كما جاءت به السنة فيما تقدم ضمناً وتبعاً، وإنما المكروه أن يتحرى المجيء للقبر للدعاء عنده.

وكذلك ذكر أصحاب مالك قالوا: يدنوا من القبر فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو مستقبل القبلة يوليه ظهره وقيل / لا يوليه ظهره، فإنما اختلفوا لما فيه من استدباره، فأما إذا جعل الحجرة عن يساره فقد زال المحذور بلا خوف، وصار في الروضة، أو أمامها.

ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم (1) ، فلما نهى أن يتخذ القبر مسجداً أو قبلة أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه، كما لا يصلي إليه، ولهذا والله أعلم حرفت الحجرة وثلثت لما بنيت فلم يجعل حائكها الشمالي على سمت القبلة، ولا جعل مسطحا، وكذلك قصدوا قبل أن تدخل الحجرة في المسجد، فروى ابن بطة بإسناده معروف عن هشام بن عروة، حدثني

(1) يعني قوله عليه الصلاة والسلام ((لا تصل إلى قبر)) وقد تقدم تخريجه وسيأتي أيضاً.

ص: 282

أبي قال: كان الناس يصلون إلى القبر، فأمر عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلى إليه الناس، فلما هدم بدت قدم بساق وربكة قال: ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز فأتاه عروة فقال: هذه ساق عمر بن الخطاب رضي الله عه وركبته، فسرى عن عمر بن عبد العزيز وهذا أصل مستمر فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه.

ألا ترى أن الرجل (1) لما نهى عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه واستقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح سواء كانت المشرق أو غيره، وهذا ضلال بين وشرك واضح، وكما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها الصالحون وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله وقبر رسوله، وكل هذه الأشياء من البدع التي تضارع دين النصارى.

ومما يبين لك ذلك أن نفي السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قد راعوا فيه السنة حتى لا يخرج إلى الوجه المكروه الذي قد يجر إلى إطراء النصارى عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تتخذوا قبري عيداً)) (2) وبقوله: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم)) فإنما أنا عبد،فقولوا عبد الله ورسوله)) (3) وكان بعضهم يسأل عن السلام على القبر خشية أن يكون من هذا الباب حتى قيل له: إن ابن عمر كان يفعل ذلك ولهذا كره مالك رضي الله عنه وغيره من أهل العلم لأهل المدينة كلما دخل أحدهم المسجد أن يجيء فيسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه.

قال: وإنما يكون ذلك لأحدهم إذا قدم من سفر، أو أراد سفر، أو نحو ذلك، ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها،وأما قصده دائماً للصلاة والسلام فما علمت أحداً رخص فيه، لأن ذلك نوع من اتخاذه عيداً، مع أنا قد شرع لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته (4) ، كما نقول ذلك في آخر صلاتنا، بل قد استحب ذلك لكل من دخل مكاناً ليس فيه أحد أن يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيسلم، لما تقدم من أن السلام عليه يبلغه في كل موضع،فخاف مالك وغيره أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة نوعاً من اتخاذ القبر عيداً.

(1) في اقتضاء الصراط المستقيم: (المسلم) بدل قوله: الرجل.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

تقدم تخريجه

(4)

انظر رسالتنا: إتحاف الراكع الساجد بأذكار الدخول والخروج من المساجد.

ص: 283

وأيضاً فإن ذلك بدعة فقد كان المهاجرون والأنصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد كل يوم خميس مرات يصلون، ولم يكونوا يأتون مع ذلك إلى القبر يسلمون عليه لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه من ذلك وما نهاهم عنه وأنهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه، وفي التشهد كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته، والمأثور عن ابن عمر يدل على ذلك.

وقال سعيد في سننه: حدثنا عبد الرحمن بن زيد (1) ، حدثني أبي عن ابن عمر أنه كان إذا قدم من سفر أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، وصلى عليه، وقال: السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبتاه، وعبد الرحمن بن زيد وإن كان يضعف، لكن الحديث المتقدم عن نافع الصحيح يدل على أن ابن عمر ما كان يفعل ذلك دائماً ولا غالباً، وما أحسن ما قال مالك: لن يصلح هذه الأمة إلا ما أصلح أولها ولكن كلما ضعف تمسك الأمم بعهود أنبيائهم ونقص إيمانهم عوضوا عن ذلك بما أحدثوا من البدع والشرك وغيره انتهى ما ذكره شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

ومن الأشياء المنقولة عن مالك ما ذكره إسماعيل بن إسحاق القاضي، وهو من أجل علماء المسلمين في كتابه المبسوط لما ذكر قول محمد بن مسلمة، أن من نذر أن يأتي مسجد قباء، فعليه أن يأتيه، قال: إنما هذا فيمن كان من أهل المدينة وقربها ممن لا يعمل المطي إلى مسجد قباء، لأن أعمال المطي اسم للسفر، ولا يسافر إلا إلى المساجد الثلاثة على ما جاء عن النبي في نذر ولا غيره، قال وقد روي عن مالك أنه سئل عمن نذر أن يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كان أراد المسجد فليأته، وليصل فيه، وإن كان إنما أراد القبر، فلا يفعل للحديث الذي جاء:((ولا تعمل المطي إلا إلى ثلاث مساجد)) الحديث (2) .

وهذا الذي نقله في المبسوط عن مالك لا يعرف عن أحد من الأئمة الثلاثة خلافة ولم يذكر المعترض في موضع من كتابه، فإما أنه لم يقف عليه، وإما أنه وقف عليه وتركه عمداً (3) .

(1) عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جداً.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

وهذا يشبه عمل محمد بن علي الصابوني ومحمد بن علوي مالكي فإنهما يحرفان الكلم عن مواضعه ويقطعون كلام أهل العلم بما يتمشى مع أهوائهما.

ص: 284

وقد سمعت أخا شيخ الإسلام يذكر هذا النقص الذي حكاه القاضي إسماعيل في المبسوط عن مالك لهذا المعترض يحضره بعض ولاة الأمر، فغضب المعترض غضباً شديداً، ولم يجبه بأكثر من قوله: هذا كذب على مالك، فانظر إلى جراءة هذا المعترض وإقدامه على تكذيب ما لم يحط بعلمه بغير برهان ولا حجة، بمجرد الهوى والتخرص، وليس هذا ببدع منه، فإنه قد عرف منه مثل ذلك في غير موضع، وهو من أشد الناس مخالفة لمالك في هذا المواضع التي لا يعرف لأحد من كبار الأئمة أنه خالف مالكاً فيها، بل قد حمله فرط غلوه ومتابعته هواه على نسبة أمور عظيمة لا أحب ذكرها إلى من قال يقول مالك في هذه المواضع التي لا يعرف عن إمام متبوع مخالفته فيها نعوذ بالله من الخذلان.

ومن العجب أن هذا المعترض صحح الحكاية المنقولة عن مالك مع أبي جعفر المنصور، لأن فيها ما يتابع هواه مع أنها غير صحيحة، بل هي باطلة موضوعة، وكذب هذا النقل الثابت الذي ذكره القاضي إسماعيل في المبسوط لشدة مخالفته لهواه، وما ذهب إليه، وأعرض عما ذكره أيضاً في المبسوط من قول مالك: لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو، ولكن يسلم ويمضي، لأنه مخالف لهواه، وتمسك بما تقدم ذكره في الموازنة لمتابعته هواء في ظنه، وهكذا عادته ودأبه يكذب النصوص الثابتة أو يعرض عنها، ويقبل الأشياء الواهية التي لم تثبت والأمور المجملة الخفية ويتمسك بها بكلتا يديه، وليس هذا شأن من يقصد الحق وإيضاح الدين للخلق نسأل الله التوفيق.

وأما ما ذكره عن أبي محمد الشارمساحي المالكي من قوله.. إن قصد الانتفاع بالميت بدعة إلا في زيارة قبر المصطفى وقبور المرسلين، فهذا القول يحتاج إلى نظر كما سنذكر، وقد وافق المعترض الشارمساحي المالكي في الجملة الثانية، وأما في الأولى فقال: وهذا الذي ذكره في الانتفاع بقبور المرسلين صحيح، وكذلك سائر الأنبياء، وأما ما ذكره في غير الأنبياء، فسأتكلم عليه إن شاء الله تعالى في زيارة قبور غير الأنبياء.

ثم قال في موضع آخر: وهذا الذي استثناه من قبور الأنبياء والمرسلين صحيح، وأما حكمه في غيرهم بالبدعة ففيه نظر، ولا ضرورة بنا هنا في تحقيق الكلام فيه، هذا هو الذي وعد بذكره، ولم يأت بشيء غير قوله: وأما حكمه في غيرهم بالبدعة ففيه نظر، وكأنه يميل إلى أن قصد الانتفاع بالميت ليس ببدعة مطلقاً، ولكنه لم يجسر على التفوه بذلك، مع أنه قد جسر على ما هو أشد من ذلك.

وأعلم أن قول الشارمساحي إن قصد الانتفاع بالميت بدعة صحيح، وهو سر الفرق

ص: 285

بين الزيارة المشروعة وغيرها، فإن الزيارة التي شرعها الله ورسوله مقصودها نفع الميت والإحسان إليه، وأن يفعل عند قبره من جنس ما يفعل على نعشه من الدعاء والاستغفار له والترحم عليه، فإن عمله قد انقطع وصار محتاجاً إلى ما يصل إليه من نفع الأحياء له، ولهذا يقال عند زيارته: ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أن يقولوه إذا زاروا القبور ولو كان أهلها سادات أولياء الله وخيار عباده: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المتقدمين منا ومنكم والمتسأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم وأغفر لنا ولهم)) (1) .

فهذا من جنس الدعاء له عند الصلاة عليه، وهذا غير الدعاء به والدعاء عنده، فالمراتب ثلاثة، فالذي شرعه الله عزوجل ورسوله للأمة الدعاء للميت عند الصلاة عليه، وعند زيارة قبره، دون الدعاء به والدعاء عنده،وهذه سنته بحمد الله إليها التحاكم والتخاصم، ولا التفات إلى تحكيم غيرها البتة كائناً ما كان، وأما انتفاع الزائر فليس بالميت، بل بعمله هو وزيارته ودعائه له والترحم عليه، والإحسان إليه كما ينتفع المحسن بإحسانه (2) ، يوضحه أن الميت قد انقطع عمله الذي ينتفع به نفسه، ولم يبق عليه منه إلا ما تسبب في حياته في شيء يبقى نفعه كالصدقة وتعليم العلم النافع، ودعاء الولد الصالح، فكيف يبقى نفعه للحي وهو عمل يعمله له، وهل هذا إلا باطل شرعاً وقدراً، ومن جعل زيارة الميت من جنس زيارة الفقير للغني لينال من بره وإحسانه فقد أتى بما هو أعظم الباطل المتضمن لقب الحقيقة والشريعة، ولو كان ذلك مقصود الزيارة لشرع من دعاء الميت والتضرع إليه وسؤال ما يناسب هذا المطلوب،ولكن هذا يناقض ما دعا)) إليه الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد وتجريده مناقضة ظاهرة، ولا ينبغي الاقتصار على ذلك بأنه بدعة، بل فتح لباب الشرك وتوسل إليه بأقرب وسيلة وهل أصل عبادة الأصنام إلا ذلك كما قال ابن عباس (3) في قوله تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح 023) قال: هؤلاء كانواً قوماً صالحين في قومهم، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم، ثم صوروا تماثيلهم، فلما طال عليهم الأمد عبدوهم فهؤلاء لما قصدوا الانتفاع بالموتى قادهم ذلك إلى عبادة الأصنام.

يوضحه أن الذين تكلموا في زيارة الموتى من أهل الشرك صرحوا بأن القصد هو

(1) تقدم الكلام على بعض أحاديث الزيارة صفحة 31 حاشية (1)

(2)

قلت:وهذا هو الصحيح.

(3)

انظر فتح الباري 8/667 والأثر متكلم فيه انظر مقدمة الفتح.

ص: 286

انتفاع الزائر بالمزور، وقالوا من تمام الزيارة أن يعلق همته وروحه بالميت وقبره، فإذا فاض على روح الميت من العلويات الأنوار فاض منها على روح الزائر بواسطة ذلك التعليق والتوجه إلى الميت، كما ينعكس النور على الجسم المقابل للجسم الشفاف بواسطة مقابلته، وهذا المعنى يعنيه ذكره عباد الأصنام في زيارة القبور وتلقاه عنهم من تلقه ممن لم يحط علماً بالشرك وأسبابه ووسائله.

ومن ههنا يظهر سر مقصود النبي صلى الله عليه وسلم بنهيه عن تعظيم القبور واتخاذ المساجد عليها والسرج، ولعنه فاعل ذلك وأخباره بشدة غضب الله عليه ونهيه عن الصلاة إليها ونهيه عن اتخاذ قبره عيداً، وسؤاله ربه تعالى أن لا يجعل قبره وثناً يعبد،فهذا نهيه عن تعظيم القبور، وذلك تعليمه وإرشاده للزائر أن يقصد نفع الميت والدعاء له والإحسان إليه، ولا الدعاء به، ولا الدعاء عنده.

وأما استثناؤه قبور المرسلين من ذلك فيقال أولاً: قد ذكرنا الدليل على مقصود الشارع من زيارة القبور، وأنها تتضمن نفع المزور وانتفاع الزائر بعمله لا غير، فما الدليل على تخصيص زيارة قبور الأنبياء والمرسلين بأنها شرعت لانتفاع الزائر بهم وتوسله بزيارتهم إلى جلب المنافع له ودفع المضار عنه وجعلهم وسائط بين الزائر وبين الله في النفع والضر، وهل دل على ذلك دليل شرعي، وأو قاله أحد من سلف الأمة وخيار القرون.

ويقال ثانياً: بل الأدلة الشرعية مصرحة بخلاف ذلك، وإن نفع الأنبياء والرسل لأممهم هو بالهداية والإرشاد والتعليم، وما يعين على ذلك، وأما النفع والضر بغير ذلك فقد قال تعالى:{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} (الجن 021) فإذا كان هذا قوله لهم في حياته فكيف بعد وفاته؟

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} (الشعراء 214)((يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً يا بني عبد المطلب لا أغني عنكم من الله شيئاً يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً (1) ، يا فاطمة بنت رسول الله ساليني ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً)) (2) .

(1) هنا سقط وهو قبل قوله يا فاطمة. ونصه ((يا صفية عمة رسول الله لا أغني عنك من الله شيئاً)) .

(2)

الحديث أخرجه مسلم في كتاب الإيمان 350 والترمذي في الزهد 7 من تفسيره سوره 26 وابن ماجه في الجهاد 16.

ص: 287

فدعوى المدعي أن الأنبياء والرسل يملكون لمن زارهم ودعا بهم أو دعاهم وأشرك بهم من الضر والنفع ما لم يملكوه في حياتهم من أبين الباطل المتضمن للكذب على الشرع والقدر.

ويقال ثالثاً: دعوى ذلك مناقضة صريحة لما قصده الرسول، فإن ذها يوجب من تعظيم قبورهم وقصد انتيابها في الحاجات والرغبات، وجعلها من أجل الأعياد واتخاذ المساجد والسرج عليها ما يكون أدعى إلى هذا المطلوب، وهذا ضد مقصود الرسول من كل وجه ودعاء إلى ما حذر منه،وترغيب تام فيما نهى عنه فليتدبر اللبيب هذا الموضع، فإنه سر الفرق بين التوحيد ووسائله، والشرك ووسائله، ومن ظن أن ذلك تعظيم لهم فهو غالط جاهل، فإن تعظيمهم إنما هو بطاعتهم واتباع أمرهم ومحبتهم وإحلالهم، فمن عظمهم بما هو عاص لهم به لم يكن ذلك تعظيماً، بل هو ضد التعظيم فإنه متضمن مخالفتهم ومعصيتهم، فلو سجد العبد لهم أو دعاهم من دون الله، أو سبحهم، أوطاف بقبورهم واتخذ عليها المساجد والسرج، أو أثبت لهم خصائص الربوبية ونزهمم عن لوازم العبودية، وادعى أن ذلك تعظيم لهم، كان من أجهل الناس وأضلهم، وهو من جنس تعظيم النصارى للمسيح حتى أخرجوه عن العبودية.

وكل من عظم مخلوقاً بما يكرهه ذلك المعظم ويبغضه ويمقت فاعله، فلم يعظمه في الحقيقة، بل عامله بضد تعظيمه، فتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم أن تطاع أوامره وتصدق أخباره، ولا يقدم على ما جاء به غيره.

فالتعظيم نوعان: أحدهما: ما يحبه المعظم ويرضاه ويأمره ويثني على فاعله، فهذا هو التعظيم في الحقيقة.

والثاني: ما يكره ويبغضه ويذم فاعله، فهذا ليس بتعظيم، بل هو غلو مناف للتعظيم، ولهذا لم يكن الرافضة معظمين لعلي بدعواهم فيه الإلهية والنبوة، أو العصمة ونحو ذلك، ولم يكن النصارى معظمين للمسيح بدعواهم فيه ما ادعوا، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على من عظمه بما لم يشرعه، فأنكر على معاذ سجوده له (1) ، وهو محض التعظيم.

وفي المسند بإسناد صحيح على شرط مسلم عن أنس بن مالك أن رجلاً قال: يا محمد، يا سيدنا، وابن سيدنا وخيرنا، وابن خيرنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((عليكم بقولكم ولا يستهوينكم الشيطان أنا محمد بن عبد الله، عبد الله ورسوله، مأ (4) أن ترفعوني

(1) تقدم تخريجه.

ص: 288

فوق منزلتي التي أنزلني الله عز وجل) (1)، وقال صلى الله عليه وسلم:((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله)) (2) وكان يكره من أصحابه أن يقوموا له إذا رأوه، ونهاهم أن يصلوا خلفه قياماً، وقال:((إن كنتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم)) (3) وكل هذا من التعظيم الذي يبغضه ويكرهه.

ولقد غلا بعض الناس في تعظيم القبور حتى قال: إن البلاء يندفع عن أهل البلد أو الإقليم بمن هو مدفون عندهم من الأنبياء والصالحين، قال شيخ الإسلام في أثناء كلامه في الجواب الباهر: وأما ما يظنه بعض الناس (4)، أنه يدفع البلاء عن أهل بغداد بقبور ثلاثة: أحمد بن حنبل وبشر الحافي ومنصور بن عمار، ويظن بعضهم أنه يندفع البلاء عن أهل الشام بمن عندهم من قبور الأنبياء الخليل، وغيره عليهم السلام، وبعضهم يظن أن يندفع البلاء عن أهل مصر بنفسية، أو غيرها، أو يندفع البلاء عن أهل الحجاز بقبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل البقيع أو غيرهم، فكل هذا غلط مخالف لدين المسلمين مخالف للكتاب والسنة والإجماع، فالبيت المقدس كان عنده من قبور الأنبياء والصالحين ما شاء الله، فلما عصوا الأنبياء وخالفوا ما أمر الله به ورسله سلط عليهم منن انتقم منهم، والرسل الموتى ما عليهم إلا البلاغ المبين وقد بلغوهم رسالة ربهم.

وكذلك نبينا قال الله تعالى في حقه: أن عليك إلا البلاغ، وقال:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (النور 054) وقد ضمن الله لكل من أطاع الرسول أن يهديه وينصره، فمن خالف أمر الرسول استحق العذاب ولم يغن عنه أحد من الله شيئاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:((يا عباس عمر رسول اله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً)) (5) وقال لمن والاه من أصحابه

(1) رواه أبو داود 5/154 - 155 رقم 4806 وأحمد 3/153، 241، 4/25، 40.

(2)

تقدم تخريجه

(3)

رواه مسلم 1/309 وأبو داود 1/405 رقم 606.

بعد قوله: بعض الناس وقع سقط واستدركناه من الجواب الباهر ص83:

(4)

وأما ما يظنه بعض الناس: من أن البلاء يندفع عن أهل بلدة أو إقليم بمن هو مدفهون عندهم من الأنبياء والصالحين كما يظن بعض الناس أنه يندفع.

(5)

وقع سقط قبل قوله يا فاطمة وهو قوله: يا صفية عمة رسول لا أغني عنك من الله شيئاً، وهو هكذا بالزيادة في الجواب الباهر،والحديث تقدم تخريجه صفحة 282 حاشية (1)

ص: 289

((لألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد بلغتك)) (1) .

وكان أهل المدينة في خلافة أبي بكر وعمر وصدر من خلافة عثمان على أفضل أمور الدنيا والآخرة لتمسكهم بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تغيروا بعض التغير، فقتل عثمان وخرجت الخلافة خلافة النبوة من عندهم وصاروا رعية لغيرهم، ثم تغيروا بعض التغير فجرى علهم عام الحرة من النهب، والقتل وغير ذلك من المصائب ما لم يجر عليهم قبل ذلك، والذي فعل بهم ذلك، وإن كان ظالماً متعدياً فليس هو أظلم ممن فعل بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهما فعل وقد قال الله تعالى:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران 165)

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والسابقون الأولون مدفونين بالمدينة وكذلك الشام كان أهله في أول الإسلام في سعادة الدنيا والدين، ثم جرت فتن وخرج الملك من أيديهم، ثم سلط عليهم المنافقون الملاحدة والنصارى بذنوبهم، واستولوا على بيت المقدس وقبر الخليل وفتحو البناء الذي كان عليه وجعلوه كنيسة، ثم صلح دينهم فأعزلهم الله ونصرهم على عدوهم لما أطاعوا الله ورسوله، واتبعوا ما أنزل إليهم من ربهم، فطاعة الله ورسوله هي قطب السعادة وعليها تدور:((ومن يطلع الله ورسوله فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين)) .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: ((من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصيهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً)) (2) ، ومكة نفسها لا تدفع البلاء عن أهلها ويجلب لهم الرزق إلا بطاعتهم لله ورسوله، كما قال الخليل عليه السلام:{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (إبراهيم 037) وكانوا في الجاهلية يعظمون حرمة الحرم ويحجون ويطوفون بالبيت، وكانوا خير من غيرهم من المشركين والله لا يظلم مثقال ذرة، فكانوا يكرهون ما لا يكرم غيرهم ويؤتون ما يؤتاه غيرهم (3)

(1) أخرجه أبو داود 5/12 رقم 4605 والترمذي رقمه 2665 وابن ماجه في المقدمة رقم13

(2)

أخرجه أبو داود 2/592 رقم 2119 من حديث ابن مسعود وفي إسناده عمران بن داود إلى الضعف أقرب.

(3)

يشير إلى قوله تعالى: {أولم نمكن لهم حرماً آمناً تجبى إليه ثمرات كل شيء، رزقاً من لدنا ولكن أكثرهم لا يعلمون} .

ص: 290

لكونهم كانوا متمسكين من دين إبراهيم بأعظم مما تمسك به غيرهم وهم في الإسلام إن كانوا أفضل من غيرهم كان جزاؤهم بحسب فضلهم، وإن كانوا أسوأ عملاً من غيرهم كان جزاؤهم بحسب سيآتهم.

فالمساجد والمشاعر إنما نفع فضيلتها، لمن عمل فيها بطاعة الله وإلا فمجرد البقاع لا يحصل بها ثواب ولا عقاب، وإنما الثواب والعقاب على الأعمال المأمور بها والمنهي عنها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، وكان أبو الدرداء بدمشق وسلمان بالعراق، فكتب أبو الدرداء إلى سلمان هلموا إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان أن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الرجل عمله والمقام بالثغور للجهاد أفضل من سكنى الحرمين باتفاق العلماء.

ولهذا كان سكنى الصحابة بالمدينة أفضل للهجرة والجهاد، والله هو الذي خلق الخلق وهو الذي يهديهم ويرزقهم وينصرهم، وكل من سواه لا يملك شيئاً من ذلك كما قال تعالى:{قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ () وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} (سبأ 022-023) وقد فسروها بأن يؤذن للشافع والمشفوع له جميعاً، فإن سيد الشفعاء يوم القيامة محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا أراد الشفاعة قال: فإذا رأيت ربي خررت له ساجداً فأحمده بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآذن فيقال لي: ((ارفع رأسك وقل يسمع، وسل تعطه واشفع تشفع)) ، قال فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة (1)، وكذلك ذكره في المرة الثانية والثالثة ولهذا قال:{وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ} (الزخرف 086) فأخبر أنه لا يملكها أحد دون الله، وقوله:((إلا من شهد بالحق)) وهم يعلمون استثناء منقطع، أي من شهد بالحق وهم يعلمون هم أصحاب الشفاعة منهم الشافع ومنهم المشفوع له.

وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة أنه قال: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول لله؟ فقال: ((لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أولى منك لما رأيت من حرصك على الحديث)) ((أسعد الناس بشافعي من قال لا إله إلا اله خالصاً من قبل نفسه)) رواه البخاري (2) ، فجعل أسعد الناس بشفاعته أكملهم إخلاصاً، وقال في الحديث: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإن من صلى علي مرة

(1) تقدم حديث أنس في الشفاعة وأن أحاديث الشفاعة متواترة.

(2)

أخرجه البخاري في كتاب العلم في صحيحه.

ص: 291

صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون ذلك العبد فمن سأل الله الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة)) (1) فالجزاء من جنس العمل.

فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أنه من صلى عليه مرة صلى الله عليه بها عشراً (2)، قال: ومن سأل لي الوسيلة حلت عليه شفاعتي يوم القيامة، ولم يقل كان أسعد الناس بشفاعتي، بل قال: أسعد الناس بشفاعتي من قال: ((لا إله إلا الله خالصاً من قبل نفسه)) .

فعلم أن ما يحصل للعبد بالتوحيد والإخلاص من شفاعة الرسول وغيرها لا يحصل بغيره من الأعمال، وإن كان صالحاً كسؤال الوسيلة للرسول، فكيف بما لم يأمر به من الأعمال، بل نهى عنه، فذلك لا ينال به خيراً لا في الدنيا، ولا في الآخرة مثل غلو النصارى في المسيح، فإنه ينصرهم ولا ينفعهم.

ونظير هذا في الصحيح عنه أنه قال: ((إن لكل نبي دعوة مجابة، وإن أختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي قائلة إن شاء الله من مات لا يشرك بالله شيئاً)) (3) . وكذلك في أحاديث الشفاعة كلها إنما يشفع في أهل التوحيد، فيحسب توحيد العبد لربه وإخلاصه دينه لله يستحق كرامة الله بالشفاعة وغيرها وهو سبحانه علق الوعد والوعيد والثواب والعقاب والحمد والذم بالإيمان وتوحيده وطاعته فمن كان أكمل في ذلك كان أحق بتولي الله له بخير الدنيا والآخرة.

ثم جمع عبادة مسلمهم وكافرهم هو الذي رزقهم، وهو الذي يدفع عنهم المكاره وهو الذي يقصدونه في الثواب قال تعالى:{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (النحل 053) وقال تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} (الأنبياء 042) أي بدلاً عن الرحمن، هذا أصح القولين كقوله تعالى:{وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} (الزخرف 060) أي لجعلنا بدلاً منكم كما قال عامة المفسرين ومنه قول الشاعر

فليت لنا من ماء زمزم شربة مبردة باتت على طهيان

أي بدلاً من ماء زمزم: فلا يكلأ الخلق بالليل والنهار فيحفظهم ويدفع عنهم

(1) تقدم تخريجه.

(2)

تقدم تخريجه.

(3)

تقدم.

ص: 292