الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذلك، فلم يذكر في زيارة قبره غير هذا الحديث، وترجم عليه (باب زيارة القبر) مع أن دلالة الحديث على المقصود فيها نزاع وتفصيل، فإنه لا يدل على كل ما يسميه الناس زيارة باتفاق المسلمين.
ويبقى الكلام المذكور فيه، هل هو السلام عند القبر، كما كان من دخل عليه عائشة يسلم عليه، أو يتبادل هذا والسلام عليه من خارج الجرة، فاذلين استدلوا به جعلوه متناولاً لهذا، وهذا هوغاية ما كان عندهم في هذا الباب عنه صلى الله عليه وسلم وهو صلى الله عليه وسلم يسمع السلام من القرب، وتبلغه الملائكة عن أمتي السلام)) (1)، وفي السنن عن أوس بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((وأكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة وليلة الجمعة، فإن صلاتكم معروضة علي، قالوا كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت فقال: ((إن الله حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء)) صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً (2) .
وذكر مالك في موطئه أن عبد الله بن عمر كان يأتي فيقول: السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت (3) ، ثم ينصرف، وفي رواية كان إذا قدم من سفر، وعلى هذا اعتمد مالك رحمه الله فيما يفعل عند الحجرة إذ لم يكن عنده إلا أثر ابن عمر، وأما ما زاد على ذلك مثل الوقوف للدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم، ومع كثرة الصلاة والسلام عليه، فقد كره مالك،وذكر أنه بدعة لم يفعلها السلف ولا يصلح آخر هذه الأمة، إلا ما أصلح أولها والله تعالى أعلم.
قال المعترض
وأما الإجماع فقد حكاه القاضي عياض على ما سبق في الباب الرابع، وأعلم أن العلماء مجمعون على أن يستحب للرجال زيارة القبور، بل قال بعض الظاهرية بوجوبها للحديث المذكور، ومن حكى إجمال المسلمين على الاستحباب أبو زكريا النووي وقد رأيت في مصنف ابن أبي شيبة عن الشعبي، قال: لولا رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور لزرت قبر ابنتي، وهذا إن صح يحمل مع أن الشعبي لم يبلغ الناسخ من أن
(1) تقدم تخريجه.
(2)
تقدم تخريجه
(3)
تقدم تخريجه وهو صحيح.
الشعبي لم يصرح بقول له ومثل هذا لا يقدح، وكذلك رأيت فيه عن إبراهيم قال: كانون يكرهون زيارة القبور، وهذا لم يثبت عندنا ولم يبين إبراهيم الكراهة عمن ولا كيف هي.
فقد تكون محمولة على نوع من الزيارة مكروة، ولم أجد شيئاً يمكن أن يتعلق به الخصم غير هذين الأثرين ومثلهما لا يعارض الأحاديث الصريحة والسنن المستفيضة والمعلومة من سير الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بل لو صح عن الشعبي والنخي التصريح بالكراهة، لكان ذلك من الأقوال الشاذة التي لا يجوز اتباعها والتعويل عليها. انتهى كلامه.
والجواب: من وجوه؛ أحدها: أن يقال شيخ الإسلام لم يذهب إلى ما نقل عن الشعبي والنخعي في هذا الباب ولم يقل أن زيارة القبور محرمة، ولا مكروهة،بل ذكر أنها على أنواع كما تقدم ذكره قريباً، وقال: إن زيارة قبور المؤمنين مستحبة للدعاء للموتى مع السلام عليهم، فقول المعترض: ولم أجد شيئاً يمكن أن يتعلق به الخصم غير هذين الأثرين، كلام في نهاية السقوط.
الوجه الثاني: وهذا لم يثبت عندنا فيما رواه ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي كلام ساقط أيضاً، وذلك أن هذا الأثر المذكور عن إبراهيم، رواه عن منصور بن المعتمر وهو من أثبت الناس في إبراهيم أو أثبتهم ورواه عن منصور سفيان الثوري وهو أثبت الناس فيه بلا خلاف، ورواه عن الثوري عبد الرزاق وغيره، فقول المعترض:((هذا لم يثبت عندنا)) بعد إطلاعه على إسناده ووقوفه عليه يقيناً يدل على أنه في غاية الجهالة، وفي نهاية العناد واتباع الهوى، وقد علم المبتدئون في هذا العلم القاصرون فيه أن ما رواه سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي من أثبت الروايات وأصح الأسانيد، بل أصح أسانيد أهل الكوفة على الإطلاق الثوري عن منصور عن إبراهيم، فإذا قال القائل فيما نقل بهذا الإسناد، وهذا لم يثبت عندنا دل على فرط جهله، وعمى بصيرته أو على شدة معاندته ومتابعته هواه نسأل الله التوفيق.
الوجه الثالث: أنه ليس في المسألة إجماع لتحقيق ثبوت الخلاف فيها عن بعض المجتهدين، وإن كان قوله ضعيفاً من حيث الدليل، قال شيخ الإسلام في أثناء كلامه (1)، مع أن نفس زيارة القبور مختلف في جوازها قال ابن بطال في شرح البخاري: كره قوم زيارة القبور، لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث في النهي عنها وقال الشعبي: لولا أن
(1) انظر الرد على الأخنائي ص77.
رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور لزرت قبر ابنتي، وقال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون زيارة القبور، وعن أبن سيرين مثله، قال: وفي مجموعة قال علي بن زياد: سئل مالك عن زيارة القبور، فقال: كان قد نهى عنه عليه الصلاة والسلام ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسان،ولم يقل إلا خيراً لم أر بذلك بأساً وليس من عمل الناس، وروي عنه أنه كان يضعف زيارتها.
فهذا قول طائفة من السلف، ومالك في القول الذي رخص فيها يقول: ليس من عمل الناس، وفي الآخر ضعفها، فلم يستحبها إلا في هذا، ولا في هذا انتهى ما حكاه الشيخ.
وما رواه ابن |أبي شيبة في مصنفه (1) عن الشعبي قد رواه عبد الرزاق في مصنفه أيضاً عنه، فروى الثوري، عن مجالد بن سعيد (2)، قال: سمعت الشعبي يقول: لولا أن
(1) انظر المصنف 3/569 باب زيارة القبور.
(2)
قال فيه البخاري: كان يحيى بن سعيد يضعفه وكان ابن مهدي لا يروي عنه وكان أحمد بن حنبل لا يراه شيئاً، وقال ابن المديني قلت ليحيى بن سعيد مجالد قال في نفسي منه شيء وقال أحمد بن سنان القطان سمعت ابن مهدي يقول: حديث مجالد عند الأحداث أبي أسامة وغيره: ليس بشيء..يعني أنه تغير حفظه في آخر عمره.
وقال أبو طالب عن أحمد:ليس بشيء يرفع حديثاً كثيراً لا يرفعه الناس وقد احتمله الناس وقال الدوري عن ابن معين: لا يحتج بحديثه وقال ابن أبي خثيمة عن ابن معين: ضعيف واهي الحديث.
كان يحيى بن سعيد يقول لو أردت أن يرفع لي مجالد حديثه كله رفعه، قلت ولو يرفعه قال للضعف وقال ابن أبي حاتم سئل أبي يحتج بمجالد قال: لا وهو أحب إلي من بشر بن حرب وأبي هارون العبدي وشهر بن حوشب وعيسى الخياط ودجاود الأودي وليس مجالد بقوي في الحديث.
وقال النسائي: ليس بالقوي ووثقه مرة وقال ابن عدي له عن الشعبي عن جابر أحاديث صالحة وعن غير جابر وعامة ما يروه غير محفوظ، وقال عمرو بن علي وغيره مات سنة أربع وأربعين ومائة في ذي الحجة حديثه عند مسلم مقرون قلت: وقال يعقوب بن سفيان تكلم الناس فيه وهو صدوق وقال الدارقطني يزيد بن أبي زياد أرجح منه ومجالد لا يعتبر به وقال الساحي قال محمد بن المثنى يحتمل حديثه أصدقه، وقال ابن سعد كان ضعيفاً في الحديث وقال العجيلي جائز الحديث إلا أن ابن المهدي كان يقول أشعث بن سوار كان أقرأ منه قال المجلي بن مجالد أرفع من أشعث وكان يحيى بن سعيد يقول: كان مجالد يلقن في الحديث إذا لقن وقال البخاري صدوق وقال ابن حبان لا يجوز الاحتجاج به وقال الذهبي أورد البخاري في كتاب الضعفاء في ترجمة مجالد حديثاً من طريق عن الشعبي عن ابن عباس في فضل فاطمة،وهو موضوع صريح ما كان ينبغي أن يذكر في ترجمة مجالد فإن المتهم به رواة واه عن عبد الله بن نمير والآفة من الراوي المذكور فيه أهـ. من تهذيب التهذيب 10/39-41
انظر التاريخ الكبير للبخاري 8/9 والصغير ص112 والميزان 3/438 والمغني 2/542 والكاشف 3/106 ولسان الميزان 7/349 والجرح والتعديل 8/360 وطبقات ابن سعد 6/349 والضعفاء للعقيلي 4/232 والكامل لابن عدي 6/2414 - 2417 والعبر وشذرات الذهب 1/216 وتاريخ خليفة 420 وطبقاته 16 والكامل في التاريخ 5/512.