الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحد فقد تبين أن ما روي عن علي في هذا الباب مرفوعاً وموقوفاً ليس له أصل، بل هو من الكذب المفترى عليه والله أعلم.
قال المعترض
الحديث الخامس عشر: من أتى المدينة زائراً، قال يحيى الحسيني في أخبار المدينة في باب ما جاء في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وفي السلام عليه حدثنا محمد بن يعقوب، حدثنا عبد الله بن وهب عن رجل عن بكير بن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((من أتى المدينة زائراً لي وجبت له شفاعتي يوم القيامة ومن مات في أحد الحرمين بعث آمناً)) .
قال وقد وردت أحاديث أخرى في ذلك منها من لم يمكنه زيارتي فليزر قبر إبراهيم الخليل عليه السلام، وسأذكر ذلك إن شاء الله تعالى في الكلام على زيارة سائر الأنبياء والصالحين، انتهى ما ذكره المعترض.
وهذا آخر الأحاديث التي ذكرها في الباب الأول وهو حديث باطل لا اصل له وخبر معضل لا يعتمد على مثله، وهو من أضعف المراسيل وأوهى المنقطعات، ولو فرض أنه من الأحاديث الثابتة لم يكن فيه دليل على محل النزاع.
أما ما ذكره من قوله: ((من لم يمكنه زيارتي فليزر قبر إبراهيم الخليل)) فإنه من الأحاديث المكذوبة والأخبار الموضوعة وأدنى من يعد من طلبة العلم بعلم أنه حديث موضوع وخبر مفتعل مصنوع، وأن ذكر مثل هذا الحديث المكذوب من غير تبيين لحالة القبيع بمن ينتسب إلى العلم.
فقد تبين أن جميع الأحاديث التي ذكرها المعترض في هذا الباب ليس فيها حديث صحيح، بل كلها ضعيفة أو موضوعة لا أصل لها، وكم من حديث له طرق أضعاف هذه الطرق التي ذكرها المعترض، وهو موضوع عند أهل هذا الشأن فلا يعتبر بكثرة الطرق وتعددها، وإنما الاعتماد على ثوبتها وصحتها.
والحاصل: أن ما سلكه المعترض من جميع الطرق في هذا الباب وتصحيح بعضها واعتماده عليه، وجعل بعضها شاهداً لبعض ومتابعاً له، هو مما تبين خطوة فيه، وظهر تعصبه وتحامله في فعله، وأن ما ذهب إليه شيخ الإسلام من تضعيفها وردها وعدم قبولها هو الصواب، وقد قال في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم)) (1) .
(1) انظر 2/764 بتحقيق الدكتور ناصر عبد الكريم العقل.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث واحد في زيارة قبر مخصوص، ولا روي في ذلك شيئاً لا أهل الصحاح، ولا السنن ولا الأئمة المصنفون في المسند كالإمام أحمد وغيره (1) .
وإنما روى ذلك من جمع الموضوع وغيره، وأجل حديث روي في ذلك رواه الدارقطني وهو ضعيف باتفاق أهل العلم، بل الأحاديث المروية في زيارة قبره كقوله ((من زارني وزار أبي إبراهيم الخليل في عام واحد ضمنت له على الله الجنة)) (2) ومن زارني بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي ومن حج ولم يزرني فقد جفاني)) ونحو هذه الأحاديث كلها مكذوبة موضوعة.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور مطلقاً بعد أن كان قد نهى عنها كما ثبت عنه في الصحيح أنه قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها)) (3) وفي الصحيح إنه قال: استأذنت ربي في أن استغفر لأمتي فلم يأذن لي واستأذنته في أ، أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة (4) ، فهذه زيارة لأجل تذكر الآخرة، ولهذا يجوز زيارة قبر الكافر لأجل ذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج إلى البقيع ويسلم على موتى المسلمين ويدعو لهم (5) ، فهذه زيارة مختصة بالمسلمين كما أن الصلاة على الجنازة تختص بالمؤمنين،وقد استفاض عنه في الصحيح أنه قال: لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما فعلوا قالت عائشة، ولولا ذلك لأبرز قبره، ولكن كره أن يتخذ مسجداً (6) .
(1) قال الإمام النووي رحمه الله تعالى في كتابه المجموع شرح المهذب 8/481 في هذا الحديث: وهذا باكل ليس هو مروياً عن النبي عليه الصلاة والسلام ولا يعرف في كتاب صحيح ولا ضعيف بل وضعه بعض الفجرة.
(2)
تقدم الكلام على هذين الحديثين وهما يحدثنان موضوعان النظر الفوائد المجموعة للشوكاني ص117 - 118 وكشف الخفا 2/346، 347، 348 والمقاصد الحسنة ص427-428.
(3)
رواه مسلم 2/672 عن بريده وفي رواية لأحمد 5/361 والنسائي 4/89 فمن أراد أن يزور فليزر ولا تقولوا هدراً، وانظر أيضاً الموطأ 2/458 والأم للشافعي 1/278 ورواه أحمد أيضاً 1/145 من حديث علي رضي الله عنه.
(4)
رواه مسلم من حديث أبي هريرة 2/671 ورواه أبو داود 3234 والنسائي 4/90 وابن ماجه رقم 1572.
(5)
تقدم الكلام على بعض أحاديث الزيارة صفحة 30 حاشية (1) .
(6)
رواه البخاري 1/532 فتح ومسلم 1/377 (ولولا ذلك لابرز قبره ولكن كره أن يتخذ مسجداً) هذه الزيادة رواها البخاري 3/200 ومسلم 1/376.
وفي الصحيح أنه ذكرت له أم سلمة كنيسة بأرض الحبشة وذكرت من حسنها وتصاوير فيها فقال: أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد بنوا على قبرة مسجداً وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة (1) .
وفي صحيح مسلم عن جندب بن عبد الله قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلاً، كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، إلا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (2) .
وفي السنن عنه قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً وصلوا علي حيثما كنتم فإن صلاتكم تبلغني (3)، وفي الموطأ وغيره عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد (4)، وفي المسجد وصحيح أبي حاتم عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم قال: أن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبر مساجد (5) .
ومعنى هذه الأحاديث متواتر عنه صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي،ـ وكذلك عن أصحابه، فهذا الذي نهى عنه من اتخاذ القبور مساجد مفارق، لما أمر به وشرعه من السلام على الموتى والدعاء لهم، فالزيارة المشروعة من جنس الثاني، والزيارة المبتدعة من جنس الأول، فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها، وعن قصد الصلاة عندها، وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء فإنهم قد نهوا عن بناء المساجد على القبور، بل صرحوا بتحريم ذلك كما دل عليه النص، واتفقوا أيضاً على أنه لا يشرح قصد الصلاة والدعاء عند القبور، ولم يقل أحد من أئمة المسلمين أن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل
(1) أخرجه البخاري 1/523 ورقم 434، 1341، 3878 ومسلم 1/375 من حديث أم سلمة وأم حبيبة.
(2)
انظر 1/377، 378.
(3)
تقدم الكلام عليه والزيادة فيه (ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء) من كلام الحسن لا من كلام النبي عليه الصلاة والسلام وانظر كشف الأستار رقم 707.
(4)
رواه أحمد في مسنده 2/246 ورواه مالك مرسلاً 1/172.
(5)
رواه أحمد في مسند 1/435 ورواه عبد الرزاق في مصنفه 1/405رقم 1586 قال: وأحسب أن معمراً رفعه.
منه في المساجد الخالية عن القبور، بل اتفق علماء المسلمين على أن الصلاة والدعاء في المساجد التي لم تبنى عند القبور أفضل من الصلاة والدعاء في المساجد التي بنيت على القبور، بل الصلاة والدعاء في هذه منهي عنه مكروه باتفاق، وقد صرح كثير منهم تحريم ذلك بل وبإبطال الصلاة فيها، وإن كان في هذا نزاع، ثم بسط الشيخ القول في ذلك بسطاً شافياً والله سبحانه الموفق للصواب.