المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل (1) فلمَّا كان المجلس الثاني، بعد صلاة الجمعة (2) ، ثاني عشر - العقود الدرية في مناقب ابن تيمية - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌ ابن الزَّمْلَكاني

- ‌ ابن سيِّد الناس اليَعْمَري

- ‌ شجاعته وجهاده وإقدامه

- ‌[مصنفات الشيخ

- ‌[مناظرة في الحمد والشكر مع ابن المرحِّل]

- ‌بحث جرى بين شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيميَّة رحمه الله وبين ابن المُرَحِّل

- ‌[عودة إلى ترجمة شيخ الإسلام]

- ‌[كتاب الشيخ في حادثة غزو التتار لبلاد الشام]

- ‌فصل

- ‌[مناظرة الشيخ مع الأحمدية]

- ‌[ملخص محنة الشيخ بسبب الحموية وما جرى له في مصر]

- ‌فصَّل محنة الشيخ بسبب «الحموية»]

- ‌[مجالس المناظرة في العقيدة]

- ‌فصل

- ‌[كتاب باستدعاء الشيخ إلى مصر]

- ‌[الأمير ابن مهنا وإخراج الشيخ من الجبّ]

- ‌[كتاب من الشيخ إلى والدته وغيرها]

- ‌[كتاب الشيخ إلى أخيه لأمه بدر الدين]

- ‌[كتاب آخر للشيخ بعثه من مصر إلى دمشق]

- ‌[سجن الشيخ بالإسكندرية]

- ‌[كتاب شرف الدين ابن تيميّة إلى أخيه لأمه بدر الدين]

- ‌[إحضار الشيخ إلى القاهرة ولقاؤه بالملك الناصر]

- ‌[عفو شيخ الإسلام عمن ظلمه]

- ‌[كتاب الشيخ إلى أصحابه وأقاربه بدمشق]

- ‌[قيام جماعة على أذية الشيخ وعفوه عنهم]

- ‌[أذيّة أخرى للشيخ]

- ‌[عودة الشيخ إلى الشام]

- ‌[مسألة الحَلِف بالطلاق، وما جرى للشيخ فيها من فصول]

- ‌[الكلام في مسألة شدّ الرّحال وما وقع للشيخ من فصول]

- ‌[عدّة أجوبة لعلماء بغداد انتصارًا للشيخ]

- ‌من الجنائز العظيمة في الإسلام:

- ‌ قصيدة لرجل جُنديّ من أهل مصر

- ‌مراثي ومدائح شيخ الإسلاممن نسخ الكتاب مما ليس في نسخة الأصل

الفصل: ‌ ‌فصل (1) فلمَّا كان المجلس الثاني، بعد صلاة الجمعة (2) ، ثاني عشر

‌فصل

(1)

فلمَّا كان المجلس الثاني، بعد صلاة الجمعة

(2)

، ثاني عشر رجب، وقد أحضروا أكبرَ

(3)

شيوخهم ــ ممن لم يكن حاضرًا ذلك المجلس

(4)

ــ وبحثوها فيما بينهم، واتفقوا وتواطأوا، وحضروا بقوَّة واستعداد غير ما كانوا عليه؛ لأنَّ المجلس الأول أتاهم بغتة، وإن كان أيضًا بغتةً للمخاطَب الذي هو المسؤول والمجيبُ والمناظرُ.

فلمَّا اجتمعنا ــ وقد أحضرتُ ما كتبته من الجواب على

(5)

أسولتهم المتقدِّمة التي طُلِبَ تأخيرها

(6)

إلى هذا اليوم ــ حمدتُ الله بخطبة الحاجة، خطبة ابن مسعود.

ثمَّ قلتُ: إنَّ الله أمرَنا بالجماعة والائتلاف، ونهانا عن الفُرقة والاختلاف، وقال لنا في القرآن:{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: 159]، وقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ

(1)

من (ف، ك).

(2)

في (ف، ك): «في المجلس الثاني يوم الجمعة بعد الصلاة» .

(3)

(طف): «أكثر» .

(4)

(ك): «اليوم» . وفي (طف) زيادة: «وأحضروا معهم زيادة صفي الدين الهندي، وقالوا: هذا أفضل الجماعة وشيخهم في علم الكلام، وبحثوا

».

(5)

(ف، ك): «عن» .

(6)

(ف، ك): «تأخيره» ، (طف):«طلبوا تأخيره» .

ص: 290

الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: 105]. وربُّنا واحد، وكتابنا واحد، ونبيّنا واحد، وأصولُ الدِّين لا تحتمل التفرُّقَ والاختلاف.

وأنا أقول ما يوجب الجماعةَ بين المسلمين، وهو متفقٌ عليه بين السلف، فإن وافق الجماعةُ فالحمد لله، وإلَاّ فمن خالفني بعد ذلك، كشفتُ له

(1)

الأسرار، وهتكت الأستار، وبيَّنتُ المذاهب الفاسدة، التي أفسدت الملل والدُّوَل.

وأنا أذهب إلى سلطان الوقت على البريد، وأُعرِّفه من الأمور ما لا أقوله في هذا المجلس، فإنَّ للسِّلم كلامًا، وللحرب كلامًا.

وقلتُ: لا شكَّ أنَّ الناس يتنازعون، فيقول هذا: أنا حنبليٌّ، ويقول هذا: أنا أشعريٌّ، ويجري بينهم تفرُّقٌ وفتنٌ

(2)

واختلاف على أمور لا يعرفون حقيقتها.

وأنا قد أحضرتُ ما يُبيِّن

(3)

اتفاقَ المذاهب فيما ذكرتُه، وأحضرتُ كتاب «تبيين

(4)

كَذِب المفتري فيما يُنسَب

(5)

إلى الشيخ أبي الحسن الأشعري»، تأليف الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.

(1)

«له» ليست في (ف، ك).

(2)

ليست في (ك).

(3)

(ف، ك): «ما بين» .

(4)

تحرف اسم الكتاب في (ب، ق): «بتبيين ــ يتبين» !

(5)

(ب): «نُسِبَ» .

ص: 291

وقلتُ: لم يُصَنَّف في أخبار الأشعريِّ المحمودة كتابٌ مثل هذا، وقد ذكرَ فيه لفظَه الذي ذكره في كتاب «الإبانة» .

فلمَّا انتهيتُ إلى ذكر المعتزلة، سأل الأميرُ عن معنى المعتزلة؟

فقلتُ: كان

(1)

الناسُ في قديم الزمان قد اختلفوا في الفاسق المِلِّيِّ ــ وهو أوَّل اختلاف

(2)

حدث في الملَّة ــ هل هو كافرٌ أو مؤمن؟ فقالت الخوارج: إنَّه كافر، وقالت الجماعةُ: إنَّه مؤمن.

فقالت طائفةٌ: نقول: هو فاسقٌ، لا كافر ولا مؤمن، نُنْزِله منزلةً بين المنزلتين، وخلَّدوه

(3)

في النار، واعتزلوا حَلْقة الحسن البصري وأصحابه، فسُمُّوا معتزلةً.

فقال الشيخ الكبير ــ بِجَبَهٍ

(4)

وردٍّ ــ: ليس كما قلت، ولكن أول مسألة اختلف فيها المسلمون: مسألة الكلام، وسُمِّي المتكلمون [ق 83] متكلِّمين لأجل تكلُّمهم في ذلك، وكان أوَّلُ من قالها: عَمْرو بن عُبَيد، ثم خلفه بعد موته عطاءُ بن واصل.

(1)

(ب، ق): «كانوا» .

(2)

(ب، ق): «خلاف» .

(3)

(ف، ط): «منزلتين» ، (ف، ك): «وخلوده» .

(4)

الأصل و (ف): «بحبه» بحاءٍ مهملة، و (طف):«بجبته وردائه» ! والمثبت من (ب، ق، ك) هو الصواب. قال في «تاج العروس» : (19/ 28): «جَبَهَه، كَمَنَعَه، ومن المجاز: جَبَهَ الرجلَ يَجْبَهُه جَبْهًا إذا ردَّه عن حاجته .. وفي المحكم: جَبَهتُه إذا استقبلته بكلامٍ فيه غلظة، وجبهتُه بالمكروه إذا استقبلته به» اهـ.

ص: 292

هكذا قال! وذكر نحوًا من هذا.

فغضبتُ

(1)

وقلتُ: أخطأتَ، وهذا كذبٌ مخالفٌ للإجماع. وقلتُ له: لا أدبَ ولا فضيلة، لا تأدَّبتَ معي في الخطاب، ولا أصبتَ في الجواب!

الناسُ

(2)

اختلفوا في مسألة الكلام في خلافة المأمون وبعدها في أواخر المئة الثانية، وأمَّا المعتزلة فقد كانوا قبل ذلك بكثير، زمن

(3)

عَمْرو بن عُبيد بعد موت الحسن البصريِّ، في أوائل المئة الثانية، ولم يكن أولئك قد تكلَّموا في مسألة الكلام، ولا تنازعوا فيها، وإنَّما أوَّل بدعتهم: تكلُّمُهم في مسائل الأسماء والأحكام

(4)

والوعيد.

فقال: هذا ذكره الشهرستاني في كتاب «الملل والنِّحل» .

فقلتُ: الشهرستانيُّ ذكر ذلك في اسم المتكلِّمين لِمَ سُمُّوا متكلِّمين

(5)

، والأميرُ إنِّما سألَ عن اسم المعتزلة.

وأنكر الحاضرون عليه. وقال: غلطتُ

(6)

.

وقلتُ في ضمن كلامي: أنا أعلمُ كلَّ بدعةٍ حدثت في الإسلام، وأوّل

(1)

زاد في (ف، ك، ط، طف): «عليه» .

(2)

(ف، ك): «قلت: الناس» ، و (ط، طف): «ثم قلت

».

(3)

(ق): «من» ، (ف، ك، ط، طف): «في» .

(4)

(ف، ك، ط): «الأحكام والأسماء» .

(5)

بعده في (ف، ك، ط، طف): «لم يذكره في اسم المعتزلة» .

(6)

(طف): «وقالوا: غلطت» .

ص: 293

من ابتدعها، وما كان سببُ ابتداعها

(1)

.

وأيضًا: فما ذكره الشهرستانيُّ ليس بصحيح في اسم المتكلِّمين، فإنَّ المتكلّمين كانوا يُسَمَّون بهذا الاسم قبل تنازعهم في مسألة الكلام، وكانوا يقولون عن واصل بن عطاء: إنَّه متكلِّم، ويصفونه بالكلام، ولم يكن الناس اختلفوا في مسألة الكلام.

وقلتُ أنا وغيري: إنَّما هو واصل بن عطاء

(2)

.

قلتُ: وواصل لم يكن بعد موتِ عَمْرو بن عُبيد، وإنِّما كان قرينَه

(3)

.

وقد رُويَ أنَّ واصلاً تكلَّم مرَّةً بكلام، فقال عَمْرو بن عُبيد: لو بُعِثَ نبيٌّ أكان

(4)

يتكلّم بأحسن من هذا، وفصاحتُه مشهورة، حتى قيل: إنَّه كان ألثغ، فكان يحترز عن الرَّاء، حتَّى قيل له: أمرَ الأميرُ أن تُحْفَر بيرٌ

(5)

. فقال: أوْعزَ القائدُ أن يُقْلَب قليبٌ

(6)

.

قال الشيخ المقدَّم فيهم

(7)

: لا ريب أنَّ الإمام أحمد إمامٌ عظيم القدر،

(1)

«وما كان سبب ابتداعها» سقطت من (ب).

(2)

(طف) زيادة: «أي: لا عطاء بن واصل كما ذكره المعترض» .

(3)

(ك): «قريبه» .

(4)

(ق، ف): «لكان» ، (ط، طف): «ما كان» ، (ف):«متكلم» .

(5)

زاد في (ك): «في قارعة الطريق» .

(6)

زاد في (ك، طف): «في الجادة» .

(7)

(ك): «المتقدم» ، و «فيهم» ليست في (ب، ق). وقبلها في (طف): «ولما انتهى الكلام إلى ما قاله الأشعري .. » .

ص: 294

ومن أكبر أئمة الإسلام، لكن قد انتسب إليه أناسٌ ابتدعوا أشياء.

فقلتُ: أمَّا هذا فحقٌّ، وليس هذا من خصائص أحمد، بل ما من إمامٍ إلَّا وقد انتسب

(1)

إليه أقوامٌ هو منهم بريءٌ، قد انتسبَ إلى مالك أقوامٌ هو منهم بريءٌ، وانتسب إلى الشافعيّ كذلك، وانتسب إلى أبي حنيفة كذلك. وقد انتسب إلى عيسى أُناسٌ هو منهم بريءٌ، وانتسب إلى موسى كذلك. وكذلك إلى علي بن أبي طالب

(2)

. ونبينا صلى الله عليه وسلم قد انتسب إليه من القرامطة والباطنية وغيرهم من أصناف المُلْحِدَة والمنافقين من هو بريءٌ منهم.

وذكر في كلامه أنَّه انتسبَ إلى أحمد أناسٌ من الحَشَوية والمشبِّهة. ونحو هذا الكلام.

فقلتُ: المشبِّهة والمجسِّمة في غير أصحاب الإمام

(3)

أحمد أكثر منهم فيهم، هؤلاء أصناف الأكراد كلهم شافعيَّة، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنفٍ آخر. وأهلُ جيلان، فيهم شافعيّة وحنبليَّة.

(4)

وأمَّا الحنبليةُ المَحْضةُ [ق 84] فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم.

ص: 295

وكان من تمام الجواب: أنَّ الكرَّاميَّة المجسِّمة كلَّهم حنفية. وتكلمتُ على لفظ الحشويَّة

(1)

فقلتُ: هذا الّلفظ أوّل من ابتدعه المعتزلة؛ فإنَّهم يسمُّون الجماعةَ والسواد الأعظم: الحَشْو، كما تسميهم الرافضةُ: الجمهور. وحَشْو الناسِ: هم

(2)

عموم الناس وجمهورُهم، وهم غير الأعيان المتميزين

(3)

.

وأوَّل من تكلَّم بهذا: عَمْرو بن عُبَيد، وقال: كان عبد الله بن عمر حَشْويًّا. فالمعتزلة سموا الجماعة حَشْوًا

(4)

.

وأوَّلُ من قال: إنّ الله جِسْم: هشامُ بن الحكم الرافضي.

وقلتُ لهذا الشيخ: مَنْ في أصحابنا

(5)

حَشْويٌّ بالمعنى الذي تريده؟ الأثرم، أبو داود، المرُّوذي، الخلاّل، أبو بكر عبد العزيز، أبو الحسن التميمي، ابن حامد، القاضي أبو يعلى، أبو الخطاب، ابن عقيل؟ ! ورفعتُ صوتي وقلتُ: سَمِّهم، قل لي مَنْ هم، مَن هم؟

أَبِكَذِبِ ابنِ الخطيب

(6)

وافترائه على الناس في مذاهبهم تبطلُ الشريعةُ،

(1)

(ف، ك، ط، طف) زيادة «ما أدري جوابًا [ف: أجوابًا] على سؤال الأمير أو غيره، أو من غير جواب» .

(2)

ليست في (ب، ق)، و (ف، ك): «هو» .

(3)

(ك، طف) زيادة: «يقولون: هذا من حشو الناس كما يقال: هذا من جمهورهم» .

(4)

«فالمعتزلة

حشوًا» سقط من (ب). وبعده في (ف، ك، ط، طف): «كما تسميهم الرافضة: الجمهور، وقلت ــ لا أدري في المجلس الأول أو الثاني ــ .. » .

(5)

العبارة في (ف، ك، ط، طف): «من في أصحاب أحمد الإمام [ك: من] الأعيان» .

(6)

يعني فخر الدين الرازي.

ص: 296

وتندرسُ معالم الدين؟ كما نقل هو وغيره عنهم أنَّهم يقولون: القرآنُ

(1)

القديمُ هو أصوات القارئين، ومدادُ الكاتبين، وأنَّ الصوتَ والمداد قديمٌ أزليٌّ؟ من قال هذا؟ أو في أيِّ كتابٍ وُجِدَ عنهم هذا

(2)

؟ قل لي.

وكما نقلَ عنهم: أنَّ الله لا يُرى في الآخرة، باللزوم الذي ادَّعاه، والمقدِّمة التي نقلها عنهم.

وأخذتُ أذكرُ ما يستحقّه هذا الشيخ؛ من أنَّه كبير الجماعة وشيخُهم، وأن فيه من العقل والدين، ما يستحقُّ أن يُعامل بموجبه

(3)

.

وأمرتُ بقراءة العقيدة جميعها عليه، فإنّه لم يكن حاضرًا في المجلس الأوّل، وإنّما أحضروه في الثاني انتصارًا به.

وحدثني الثقةُ عنه بعد خروجه من المجلس، أنَّه اجتمعَ به، وقال له: أخبرني عن هذا المجلس؟

فقال: ما لفلانٍ ذنبٌ، ولا لي، فإنَّ الأمير سأل عن شيءٍ فأجابه عنه. فظننتُه سألَ عن شيءٍ آخر.

وقال: قلتُ لهم: ما لكم على الرجل اعتراضٌ، فإنَّه نَصَرَ تَرْكَ التأويل، وأنتم تنصرون قولَ التأويل، وهما قولان للأشعريِّ.

وقال: أنا أختارُ قولَ تركِ التأويل، وأخرج وصيَّته التي أوصى بها. وفيها:

(1)

(ب، ف، ك، طف): «إنَّ القرآن» .

(2)

(ك، ط، طف): «وفي

هذا عنهم».

(3)

في الأصل «بمذهبه» تحريف.

ص: 297

قولُ تركِ التأويل.

قال الحاكي لي: فقلتُ له: فبلغني عنك أنَّك قلتَ في آخر المجلس

(1)

، لما أشهدوا

(2)

الجماعةُ على أنفسهم بالموافقة: لا تكتبوا عنِّي نفيًا ولا إثباتًا. فلِمَ ذاك؟

فقال: لوجهين:

أحدهما: أنِّي لم أحضر قراءةَ جميع العقيدة في المجلس الأول.

والثاني: لأنَّ أصحابي طلبوني لينتصروا بي، فما كان يليق أن أُظْهِرَ مخالفتهم، فسكتُّ عن الطائفتين.

وأمرتُ غيرَ مرَّة أن تُعاد قراءة العقيدة جميعها على هذا الشيخ، فرأى بعضُ الجماعة أنَّ ذلك يطولُ

(3)

، وأنَّه لا يُقرأ عليه إلا الموضع الذي

(4)

لهم عليه سؤال، وأعْظَمُه لفظ «الحقيقة» فقرؤوه عليه. وذكر هو بحثًا حسنًا يتعلَّق بدلالة اللفظ.

فحسَّنته ومَدَحْتُه عليه، وقلتُ: لا ريبَ أنَّ الله حيٌّ حقيقة، [عليمٌ حقيقةً]

(5)

، سميعٌ حقيقةً، بصيرٌ حقيقةً، وهذا متَّفقٌ عليه بين أهل [ق 85] السنَّة

(1)

(ب، ق): «المجالس» .

(2)

(ك، ط، طف): «بلغني

أشهد».

(3)

(طف): «تطويل» .

(4)

(ف): «وأنه يقرأ .. » ، (الأصل، ب، ق): «المواضع» ، (ب، ق): «التي» .

(5)

ما بينهما ليس في الأصل.

ص: 298

والصِّفاتية من جميع الطوائف، ولو نازَع بعضُ أهل البدع في بعض ذلك، فلا ريبَ أنَّ الله موجودٌ، والمخلوقُ موجودٌ. ولفظ «الوجود» سواء كان مقولاً عليهما بطريق الاشتراك اللفظيِّ فقط، أو بطريق التواطُؤ المتضمِّن للاشتراك لفظًا ومعنًى، أو بالتشكيك الذي هو نوعٌ من التواطؤ= فعلى كلِّ قول، فالله موجود حقيقةً، والمخلوقُ موجودٌ حقيقة، ولا يلزمُ من إطلاق الاسم على الخالق والمخلوق بطريق الحقيقة محذورٌ.

ولم أُرَجِّح في ذلك المقام قولاً من هذه الثلاثة على الآخر؛ لأنَّ غرضي يحصُل على كلِّ مقصود.

وكان مقصودي تقريرَ ما ذكرتُه على قولِ جميعِ الطوائف، وأن أُبَيِّن اتفاقَ السلفِ ومن تَبِعَهم على ما ذكرتُه، وأَنَّ أَعيانَ المذاهبِ الأربعة، والأشعريَّ، وأكابر أصحابه على ما ذكرتُه.

فإنَّه قبل المجلس الثاني، اجتمعَ بي من أكابر الشافعية، والمنتسبين إلى الأشعرية والحنفية، وغيرهم، ممن عَظُم خوفُهم من هذا المجلس، وخافوا انتصارَ الخصوم فيه، وخافوا على نفوسهم أيضًا من تفرُّق

(1)

الكلمة، فلو أظْهَرتُ

(2)

الحُجَّةَ التي ينتصرُ بها ما ذكرته، ولم

(3)

يكن من أئمة أصحابهم من يوافقها= لصارت فُرقةً، ولصعُب

(4)

عليهم أن يُظْهِروا في المجالس

(1)

(ق): «تفريق» .

(2)

(ب، ق): «وظهرت» .

(3)

(ط، طف): «أولم» .

(4)

(ب، ق): «ويصعب» .

ص: 299

العامة الخروج عن أقوال طوائفهم، لما في ذلك من تمكُّن أعدائهم من أغراضهم. فإذا كان من أئمة مذاهبهم من يقول ذلك، وقامت عليه الحجَّة، وبان أنَّه مذهب السلف= أمكنهم إظهارُ القول به، مع ما يعتقدونه [في الباطن]

(1)

أنه الحق.

حتَّى قال لي بعض الأكابر من الحنفية ــ وقد اجتمع بي ــ: لو قلتَ: هذا مذهب أحمد بن حنبل، وثَبَتَّ على ذلك؛ لانقطع النزاع.

ومقصودُه أنَّه يحصل دفع الخصوم عنه

(2)

بأنَّه مذهبُ متبوع، ويستريح المنتصر والمنازع من إظهار الموافقة.

فقلتُ: لا والله، ليس لأحمد بن حنبل بهذا اختصاصٌ، وإنَّما هذا اعتقادُ سلف الأمة، وأهل

(3)

الحديث.

وقلتُ أيضًا: هذا اعتقادُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلُّ لفظٍ ذكرتُه فأنا أذكُر به آيةً أو حديثًا، أو إجماعًا سلفيًّا، وأذكر

(4)

من ينقل الإجماعَ عن السلف من جميع طوائف المسلمين؛ الفقهاء

(5)

الأربعةِ، والمتكلِّمين، وأهلِ الحديث، والصوفية.

(1)

«في الباطن» ليست في الأصل.

(2)

كذا في الأصل، وفي بقية النسخ:«عنك» .

(3)

(ف، ك، طف): «وأئمة أهل

».

(4)

(ف): «أو ذكر» .

(5)

(ك): «أتباع الفقهاء» ، (طف):«والفقهاء» .

ص: 300

وقلتُ لمن خاطبني من أكابر الشافعية: لأُبيننَّ

(1)

أنَّ ما ذكرتُه هو قولُ السَّلف، وقولُ أئمة أصحاب الشافعيِّ، وأذكرُ قولَ الأشعريِّ وأئمة أصحابه التي ترُدُّ على هؤلاء الخصوم، ولينتصرنَّ كلُّ شافعيٍّ، وكلُّ من قال بقول الأشعريِّ الموافقِ لمذهب السَّلف، وأُبيِّنُ أنَّ القولَ المحكيَّ عنه في تأويل الصِّفات الخبريّة قولٌ لا أصلَ له في كلامه، وإنَّما هو قولُ طائفةٍ من أصحابه. فللأشعرية قولان، ليس للأشعريِّ قولان.

ولما ذكرتُ في المجلس أنَّ جميعَ أسماء الله التي يُسمَّى

(2)

بها المخلوق، كلفظ «الوجود» الذي هو مقولٌ بالحقيقة على الواجب والممكن

(3)

= تَنازَعَ كبيران

(4)

؛ هل هو مقولٌ بالاشتراك أو بالتواطؤ؟

فقال أحدهما: هو متواطئ، وقال الآخر: هو [ق 86] مشترك، لئلّا يلزم التركيب.

وقال هذا: قد ذكر فخر الدين أنَّ هذا النزاع

(5)

مبنيٌّ على أنَّ وجودَه هل هو عينُ ماهيَّته أم لا؟

فمن قال: إنَّ وجود كلِّ شيءٍ عينُ ماهيَّته، قال: إنَّه مَقُول بالاشتراك، ومن قال: إنَّ وجودَه قدرٌ زائد على ماهيَّته، قال: إنَّه مقولٌ بالتواطؤ.

(1)

(ب، ف، ق، ط، طف): «لأبيّن» .

(2)

(ف): «تسمى» ، (طف):«سمى» .

(3)

بعده في (ف، ك): «على الأقوال الثلاثة» .

(4)

(ف): «كثيران» .

(5)

(ف): «التزام» .

ص: 301

فأخَذ الأوَّلُ يُرجِّحُ قولَ من يقول: إنَّ الوجود زائدٌ على الماهيَّة، لينصر أنَّه مقولٌ بالتواطؤ

(1)

.

فقال الثاني: ليس

(2)

مذهبُ الأشعريِّ وأهل السنة أنَّ وجودَه عينُ ماهيَّته.

فأنكر الأول ذلك.

فقلتُ: أمَّا متكلِّمو

(3)

أهل السنة، فعندهم أنَّ وجود كلِّ شيءٍ عينُ ماهيَّته. وأمَّا القولُ الآخر فهو قول المعتزلة: إنَّ وجود كلِّ شيءٍ قدرٌ زائدٌ على ماهيَّته، وكلٌّ منهما أصاب من وجه. فإنَّ الصوابَ أنَّ هذه الأسماء مقولة بالتواطؤ، كما قد قرَّرْتُه في غير هذا الموضع. وأجبتُ عن شُبهة التركيب بالجوابين المعروفَين.

وأمَّا بناءُ ذلك على كون وجود الشيء عين ماهيَّته أو ليس [عينه]

(4)

فهو من الغلط المضاف إلى ابن الخطيب، فإنَّا وإن قلنا: إنَّ وجودَ الشيءِ عينُ ماهيَّته، لا يجبُ أن يكون الاسم مقولاً عليه وعلى نظيره بالاشتراك

(5)

اللفظيِّ فقط، كما في جميع أسماء الأجناس، فإنَّ اسم «السواد» مَقُولٌ على هذا السواد وهذا السواد بالتواطؤ، وليس عينُ هذا السواد هو عين هذا السواد؛

(1)

«فأخذ الأول

بالتواطئ» سقط من (ف).

(2)

سقط من (ب، ق).

(3)

(ب، ق): «متكلمة» .

(4)

من (طف)، و (ط):«عينها» .

(5)

الأصل: «الاشتراك» .

ص: 302

إذ

(1)

الاسم دالٌّ على القدر المشترك بينهما، وهو المطلق الكلّي، لكنَّه لا يوجد مطلقًا

(2)

بشرط الإطلاق إلا في الذِّهْن، ولا يلزم من ذلك نفي القَدْر المشترك بين الأعيان الموجودة في الخارج، فإنّه على ذلك تنتفي الأسماء المتواطئة، وهي جمهورُ

(3)

الأسماء الموجودة في اللُّغات

(4)

، وهي أسماء الأجناس اللغوية، وهو الاسم المطلق

(5)

على الشيء وعلى كلِّ ما أشبهه، سواء كان اسم عين أو اسم صفة، جامدًا أو مشتقًّا، وسواء كان جنسًا

(6)

منطقيًّا أو فقهيًّا أو لم يكن.

بل اسم الجنس في اللغة يدخل فيه

(7)

الأجناس والأصناف

(8)

والأنواع، ونحو ذلك، وكلُّها أسماء متواطئة، وأعيانُ مُسمياتها في الخارج متميزة.

وطلب بعضُهم إعادةَ قراءة الأحاديث المذكورة

(9)

في العقيدة، ليطعنَ

(1)

(ب، ق): «و» .

(2)

زاد في (ف، ك، ط): «كليًّا» .

(3)

(ق): «جميع» .

(4)

(طف): «في الغالب» .

(5)

الأصل، (ف):«المعلّق» .

(6)

الأصل: «اسمًا» .

(7)

هنا انتهى الموجود من نسخة القدس (ق)، وأكمل بعض المطالعين ورقةً أخرى بخط مغاير.

(8)

(ب): «والأوصاف» ، (ف، ك): «الأصناف والأجناس» .

(9)

ليست في (ف).

ص: 303

في بعضها

(1)

.

فقلتُ: كأنّك استعددت للطعن في حديث الأوعال

(2)

، وكانوا قد تَعَنَّوا

(3)

حتَّى ظفروا بما تكلَّم به زكيُّ الدين عبد العظيم

(4)

، من قول البخاريِّ في «تاريخه»

(5)

: عبد الله بن عُميرة، لا يُعرَف له سماع من الأحنف.

فقلت: هذا الحديث مع أنه رواه أهل السنن، كأبي داود وابن ماجه والترمذي وغيرهم= فهو مرويٌّ من طريقين مشهورَين، فالقدح في أحدهما لا يقدح في الآخر.

فقال: أليس مداره على ابن عُميرة، وقد قال البخاريّ: لا يُعرف له سماعٌ من الأحنف؟

فقلتُ: قد رواه إمام الأئمة ابن خُزيمة في «كتاب التوحيد»

(6)

الذي اشترط فيه أنه لا يحتجُّ فيه إلا بما نقله العدلُ عن العدل موصولًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

(1)

في (ف، ك، ط، طف) زيادة: «فعرفتُ مقصودَه» .

(2)

بعده في (ف، ك، ط، طف): «حديث العباس بن عبد المطلب» .

(3)

(ك، طف): «تعنتوا» .

(4)

يعني المنذري. والذي قاله تعليقًا على هذا الحديث في «مختصر سنن أبي داود» : (7/ 93): «ورواه الترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن غريب، وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك فوقفه. هذا آخر كلامه. وفي إسناده الوليد بن أبي ثور لا يحتج بحديثه» اهـ.

(5)

(5/ 159).

(6)

(1/ 235).

ص: 304

قلتُ: والإثبات مقدَّمٌ على النفي، والبخاريُّ إنَّما نفى معرفتَه بسماعه

(1)

من الأحنف، لم ينف معرفةَ الناس بهذا، فإذا عرف غيره ــ إمام الأئمة

(2)

ــ كانت معرفته وإثباته مقدَّمًا على نفي غيره وعدم معرفته. ووافقَ الجماعةُ على ذلك.

وأخذ بعضُ الجماعة يذكر من المدح ما لا يليق أن أحكيه.

وأخذوا يناظرون في أشياء لم تكن في العقيدة، ولكن لها تعلُّقٌ بما أجبتُ به في مسائل، ولها تعلُّقٌ بما قد يفهمونه من العقيدة.

وأحضر بعضُ أكابرهم

(3)

كتاب «الأسماء والصفات» للبيهقي، فقال: هذا فيه تأويل الوجه عن السَّلف.

فقلتُ: لعلك تعني قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}

(4)

[البقرة: 115].

فقال: نعم، قد قال مجاهد والشافعي: يعني قِبلَة الله.

فقلتُ: هذا صحيح عنهما وعن

(5)

وغيرهما، وهذا حقٌّ، وليست هذه الآية من آيات الصفات. ومن عدَّها في الصفات فقد غلط، كما فعل طائفة! فإنَّ سياق الكلام يدلُّ على المراد، حيث قال: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا

(1)

(ف، ك): «لسماعه» .

(2)

(ف، ك): «كإمام الأئمة [ط، طف: ابن خزيمة] الإسناد» .

(3)

(ب): «بعضهم» .

(4)

(ف): «فلعلك تعني قوله: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا

}.

(5)

(ف، ك، ط، طف): «نعم هذا صحيح عن مجاهد والشافعي وغيرهما»

ص: 305

تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} والمشرقُ والمغربُ الجهات. والوجه: هو الجهة، يقال: أيَّ وجهٍ تريد؟ أي: أيَّ جهةٍ، وأنا أريدُ هذا الوجه، أي هذه الجهة. كما قال تعالى:{وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148]، ولهذا قال:{فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} ، أي: تستقبلوا وتتوجّهوا. والله أعلم.

هذا آخر ما علَّقه الشيخ ــ رحمه الله ــ فيما يتعلَّق بالمناظرة، بحضرة نائبِ السَّلطنة

(1)

والقضاة والفقهاء وغيرهم بالقصر.

(1)

(ف): «السلطان» .

ص: 306