المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من الجنائز العظيمة في الإسلام: - العقود الدرية في مناقب ابن تيمية - ط عطاءات العلم - الكتاب

[ابن عبد الهادي]

فهرس الكتاب

- ‌ ابن الزَّمْلَكاني

- ‌ ابن سيِّد الناس اليَعْمَري

- ‌ شجاعته وجهاده وإقدامه

- ‌[مصنفات الشيخ

- ‌[مناظرة في الحمد والشكر مع ابن المرحِّل]

- ‌بحث جرى بين شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيميَّة رحمه الله وبين ابن المُرَحِّل

- ‌[عودة إلى ترجمة شيخ الإسلام]

- ‌[كتاب الشيخ في حادثة غزو التتار لبلاد الشام]

- ‌فصل

- ‌[مناظرة الشيخ مع الأحمدية]

- ‌[ملخص محنة الشيخ بسبب الحموية وما جرى له في مصر]

- ‌فصَّل محنة الشيخ بسبب «الحموية»]

- ‌[مجالس المناظرة في العقيدة]

- ‌فصل

- ‌[كتاب باستدعاء الشيخ إلى مصر]

- ‌[الأمير ابن مهنا وإخراج الشيخ من الجبّ]

- ‌[كتاب من الشيخ إلى والدته وغيرها]

- ‌[كتاب الشيخ إلى أخيه لأمه بدر الدين]

- ‌[كتاب آخر للشيخ بعثه من مصر إلى دمشق]

- ‌[سجن الشيخ بالإسكندرية]

- ‌[كتاب شرف الدين ابن تيميّة إلى أخيه لأمه بدر الدين]

- ‌[إحضار الشيخ إلى القاهرة ولقاؤه بالملك الناصر]

- ‌[عفو شيخ الإسلام عمن ظلمه]

- ‌[كتاب الشيخ إلى أصحابه وأقاربه بدمشق]

- ‌[قيام جماعة على أذية الشيخ وعفوه عنهم]

- ‌[أذيّة أخرى للشيخ]

- ‌[عودة الشيخ إلى الشام]

- ‌[مسألة الحَلِف بالطلاق، وما جرى للشيخ فيها من فصول]

- ‌[الكلام في مسألة شدّ الرّحال وما وقع للشيخ من فصول]

- ‌[عدّة أجوبة لعلماء بغداد انتصارًا للشيخ]

- ‌من الجنائز العظيمة في الإسلام:

- ‌ قصيدة لرجل جُنديّ من أهل مصر

- ‌مراثي ومدائح شيخ الإسلاممن نسخ الكتاب مما ليس في نسخة الأصل

الفصل: ‌من الجنائز العظيمة في الإسلام:

وكان بيني وبينه صُحْبة ومودَّة

(1)

من الصِّغَر، وسماع الحديث والطَّلب من نحو خمسين سنة. وله فضائل كثيرة.

وأسماء مصنفاته، وسيرته، وما جرى بينه وبين الفقهاء والدولة، وحبسُه مرات، وأحوالُه= لا يحتمل ذكر جميعها هذا الكتاب.

ولما مات كنت غائبًا عن دمشق بطريق الحجاز الشريف، وبلغنا خبره بعد موته بأكثر من خمسين يومًا لما وصلنا إلى تبوك، وحصل التأسُّف لفقده ــ رحمه الله تعالى ــ.

***

قلتُ: وقد قيل: إنَّ الخلق الذين حضروا جنازَة الشيخ كانوا أزْيد مما ذُكِر

(2)

.

و‌

‌من الجنائز العظيمة في الإسلام:

جنازة الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، فإنَّ الذين حضروه، وصلوا عليه، كانوا أكثر من ألف ألف إنسان

(3)

.

ص: 449

وقد قال الإمام أبو عثمان الصابوني: سمعتُ أبا عبد الرحمن السُّلَمي يقول: حضرتُ جنازة أبي الفتح القوَّاس الزاهد مع الشيخ أبي الحسن الدارقطني، فلما بلغ إلى ذلك الجمع الكبير أقبل علينا وقال: سمعتُ أبا سهل بن زياد القطان يقول: سمعتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قولوا لأهل البدع: بيننا وبينكم الجنائز

(1)

.

قال أبو عبد الرحمن على إثر هذه الحكاية: إنَّه حَزَر

(2)

الحزَّارون المصلين على جنازة أحمد، فبلغ العددُ بحَزْرهم ألف ألفٍ وسبعمائة ألف، سوى الذين كانوا في السّفن.

وقد وُجِدَ بخَطِّ الشيخ أبياتٌ، قالها بالقلعة، وهي

(3)

:

أنا الفقيرُ إلى ربِّ السموات

أنا المسيكين

(4)

في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي

والخير إن جاءنا من عنده ياتي

لا أستطيع لنفسي جلبَ منفعةٍ

ولا عن النفس في دفع

(5)

المضرَّات

وليس لي دونه مولىً يُدَبِّرني

ولا شفيعٌ إلى ربِّ البريَّات

(6)

(1)

(ف، ك، ط): «يوم الجنائز» . وانظر «سير النبلاء» : (11/ 340).

(2)

(ب): «حزوا» .

(3)

الأبيات ذكرها أيضًا تلميذه ابن القيم في «مدارج السالكين» : (2/ 225). وقال: إنه بعث إليه في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه.

(4)

عامة الأصول: «المسكين» والتصحيح من (د).

(5)

الأصل: «جلب» .

(6)

عند ابن القيم: «ولا شفيع إذا حاطت خطيئاتي» .

ص: 450

إلاّ بإذنٍ من الرحمن خالقنا

ربِّ السَّماء

(1)

، كما قد جا في الآيات

ولستُ أملك شيئًا دونه أبدًا

ولا شريكٌ أنا في بعض ذرَّاتي

ولا ظهيرٌ له كَيْما أُعاونه

(2)

كما يكون لأرباب الولايات

والفقر لي وصفُ ذاتٍ

(3)

، لازمٌ أبدًا

كما الغِنى أبدًا وصفٌ له ذاتي

[ق 135] وهذه الحال حالُ الخلق أجمعهم

وكلُّهم عندَه عبدٌ له آتي

فمن بغى مطلبًا من دون خالقه

فهو الجهول الظلوم المشرك العاتي

والحمدُ لله مِلء الكون أجمعه

ما كان فيه

(4)

، وما من بعده ياتي

ثمَّ الصلاةُ على المختار من مُضَرٍ

خيرِ البريَّة من ماضٍ ومن آتي

(5)

وله أيضًا عفا الله عنه:

إن لله علينا أنْعُمًا

يعجز الحصْرُ عن العدِّ لها

فله الحمدُ على أنعُمِه

وله الحمدُ على الشكر لها

***

(1)

كذا في الأصل و (ك)، وفي (ب، ف، والمدارج): «إلى الشفيع» وإليها إشارة في هامش (ك). وفي هامش (ف) إشارة إلى ما في الأصل و (ك).

(2)

عند ابن القيم: «كي يستعين به» .

(3)

(ب): «والفقر وصف» ، الأصل:«ذاتي» ، (ب):«لذاتي» .

(4)

(ك): «منه» .

(5)

البيت الأخير لم يذكره ابن القيم. وليس هو من نظم شيخ الإسلام كما بيّنه ناظمه في نسخته التي بخطه (الكواكب الدراري ــ الظاهرية رقم 597 ــ ق 89).

ص: 451

[قصائد في مَدْح الشيخ ورثائه]

وقد مُدِح الشيخ ــ رحمه الله ــ بقصائد كثيرة في حياته، ورُثي بأكثر منها بعد مماته

(1)

.

فمن القصائد التي مُدِح بها: قصيدة نجم الدين إسحاق بن أبي بكر ابن أَلمَى التركي

(2)

، وهي:

ذَرَانيَ مِنْ ذِكْرى سُعادٍ وزينب

وَمِنْ ندبِ أطْلال اللِّوى والمُحصَّب

وَمِنْ مدح آرامٍ سنَحْنَ برامةٍ

وَمِنْ غَزَلٍ في وَصْفِ سِربٍ ورَبرَب

ولا تُنْشداني غير شعرٍ إلى العُلا

يظلُّ ارْتياحًا يَزْدَهيني ويُطْنِب

(3)

وإن أنْتُما طارَحْتُمانيَ، فلْيَكُنْ

حَدِيثُكُما في ذِكْر مَجْدٍ ومَنْصب

بِحُبِّ المعالي

(4)

، لا بحُبِّ امّ جُنْدُب

أُقَضِّي لُبانات الفؤادِ المعذَّب

خُلِقت امرءًا جَلْدًا على حَمْليَ الهوى

فلستُ أُبالي بالقِلى والتجنُّب

سواءٌ أرى للوصلِ

(5)

تعريضَ جُؤذر

وإعراضَ ظبيٍ ألْعَسِ الثَّغْرِ أشْنَب

ولم أصْبُ في عصر الشبيبة والصِّبا

فهل أصْبُوَن كهلًا بِلمّة أشْيَب

يُعنِّفني في بُغيتي رُتَبَ العُلَى

جهولٌ أراه راكبًا غيرَ مَرْكبي

(1)

(ك، ط): «وفاته» .

(2)

توفي (بعد 720 هـ). ترجمته في «المعجم المختص» (ص 72)، والدرر الكامنة:(1/ 357).

(3)

(ف): «ويطرب» وهو مناسب. وفي (ح): «ويطأبي» .

(4)

(ك، ط): «الأعالي» .

(5)

(ف): «الوصل» .

ص: 452

له همَّةٌ دون الحضيضِ محلُّها

ولي همَّةٌ تسمو على كلِّ كوكَب

فلو كان ذا جهلٍ بسيطٍ عَذَرْتُه

ولكنَّه يُدلي بجهلٍ مركَّب

يقول: علامَ اخترتَ مذهبَ أحمدٍ

فقلتُ له: إذْ كان أحْمَدَ مَذْهَب

وهل في ابنِ شَيْبَانٍ مقالٌ لقائل

وهل فيه من طعن لِصَاحِبِ مَضْرَبِ؟

أليْس الَّذي قد طار في الأرض ذِكْرُهُ

فطبَّقها ما بين شَرْقٍ ومغربِ؟

إمامُ الهدى، الدَّاعي إلى سُنَنِ الهُدَى

وقد فاضت الأهواءُ من كُلِّ مُشْعَبِ

(1)

أتوا بِعَظيمِ الإفْكِ، وانْتَصَرُوا له

بكلِّ مقالٍ بالدَّليلِ مُكَذَّب

وقالوا: كلامُ الله خلقٌ، وكذَّبوا

بما صحَّ نقلًا عن أُبَيّ ومُصْعَبِ

(2)

وأصْبَحَ أهْلُ الحقِّ بينَ مُعَاقَبٍ

وبَيْنَ مُعَدٍّ لِلأذَى مُترقِّب

فقام بما يُوهي ثَبيرًا ويَذْبُلًا

قِيَامَ هِزَبْرٍ للفريسة

(3)

مُغْضَب

ولمْ يَثنه عنْهُم، ولمَّا يصُدَّهُ

عقُوبةُ ذي ظلمٍ وجَورُ مُعذِّب

إلى أنْ بدا الإسلامُ أبْلَجَ ساطِعًا

وكَشَّفَ عنْ ظَلْمائهم كُلَّ غَيْهَب

وهَدَّم منْ أركانهم كلَّ شامخٍ

ودَوَّخ منْ شُجعانِهم كُلَّ قرهب

(4)

ومزَّقهم أيدي سبا، فتفرَّقت

كتائِبُهم ما بَيْنَ شَرْقٍ ومَغْرِب

وأصْحابُهُ أهْلُ الهُدَى لا يَضُرّهم

على دينهم طَعْنُ امْرئ جاهلٍ غَبِي

(1)

(ب): «سنن التقى» ، و (ك):«مسغب» .

(2)

(ف، ك، ط): «خلقًا» ، و (ب):«وابن مصعب» .

(3)

الأصل: «للفرية» .

(4)

الأصل: «شعانهم» خطأ. والقرهب: الكبير الضخم.

ص: 453

هُمُ الظاهِرون القائمُون بدينهم

إلى الحَشْرِ، لم يَغلِبْهمُ ذو تَغَلُّب

لنا منهمُ في كلّ عصْرٍ أئمةٌ

هُداةٌ إلى العَلْيا، مَصَابِيْحُ مَرقَب

فأيَّدهُم رَبُّ العُلا مِنْ عِصَابةٍ

لإظْهَارِ دِيْن الله أهْلِ تَعَصُّب

[ق 136] وقد عَلِمَ الرحمن أنَّ زماننا

تَشَعَّبَ فيه الرأيُ أيَّ تشَعُّب

فجاء بِحَبْرٍ عالمٍ منْ سَرَاتِهمْ

(1)

لِسَبعِ مئينٍ بَعْدَ هِجْرةٍ يَثْرب

يُقيمُ قناة الدينِ بَعْدَ اعْوِجاجِها

(2)

ويُنقِذُها مِنْ قَبْضَةِ المُتغَصِّب

فذاك فتى تيميَّةٍ، خيرُ

(3)

سَيِّدٍ

نجيبٌ أتانا مِنْ سُلالةِ مُنْجِب

عليمٌ

(4)

بأدواء النفوس يَسُوسُها

بحكمته، فِعْلَ الطبيبِ المُجَرّب

بعيدٌ عن

(5)

الفحشاء والبَغي والأذى

قريبٌ إلى أهْل التُّقى، ذُو تَحَبُّب

يغِيبُ، ولكن عن مَساوٍ وغِيبةٍ

وعَنْ مَشْهَدِ الإحسْانِ لمْ يتغيَّب

حليم كريم مشفِقٌ، بَيْدَ أنَّهُ

إذا لم يُطَعْ في الله، لله يَغْضَبِ

(6)

يَرى نُصْرةَ الإسلامِ أكْرَمَ مَغْنَمِ

وإظهارَ دينِ الله أرْبحَ مَكْسَب

وكم قدْ غدا بالقَوْل والفِعْل مُبْطلًا

ضلالةَ كذَّابٍ ورأيَ مُكَذِّبِ

(7)

(1)

السراة: السادة.

(2)

(ب): «اعوجاجه» .

(3)

الأصل و (ك): «حبر» .

(4)

(ب): «عليهم» تحريف.

(5)

(ف، ك): «من» .

(6)

«كريم» سقطت من (ب). و «إذا» في البيت جازمة، و «يغضب» جواب الشرط مجزوم.

(7)

من هذا البيت إلى قوله: «وكل امرئ قد باع لله نفسه» في (ف، ك، ط) مقدَّمة قبل قوله: «ليوثٌ إذا أهل الضلال تجمّعوا» .

ص: 454

ولمْ يَلْقَ مَنْ عاداهُ غيرَ منافقٍ

وآخرَ عن نَهْجِ السَّبيلِ مُنكِّب

(1)

لقدْ حاولوا مِنْهُ الذي كان رامَه

من المُصطفى قِدْمًا حُييُّ بن أخْطَب

ولكنْ رأوا مِنْ بأسِهِ مِثْلما رأى

من المُرْتَضَى في حَرْبِه رأسُ مَرْحَبِ

(2)

تمسَّكْ أبا العبّاس بالدين واعْتَصِم

بِحَبْل الهُدَى، تقهر عِداك وتغْلِب

ولا تخْشَ من كيْدِ الأعادي، فما هُمُ

سِوى حائرٍ في أمرِهِ ومُذَبْذَب

جُنُودُهمُ من طامعٍ ومُذَلَّلٍ

(3)

مُسَيْلمةٌ مِنْهُمْ يلُوذُ بأشْعَب

وجندُك من أهل السَّماءِ ملائِكٌ

يُمِدُّك منهُم مَوْكِبٌ بَعْدَ مَوْكِبٍ

وكُلُّ امْرئٍ قدْ باعَ لله نفْسَه

فلَيسَ إذًا يُصغي لِقَولِ مؤنِّب

لَيُوثٌ، إذا أهلُ الضلالِ تجمَّعوا

فَكُلُّ فتًى مَنْهُم يُعَدُّ بمِقْنَب

(4)

لئن جَحَدتْ علياءَ فضلك حُسَّدٌ

لعَمْرُ أبي قدْ زاد منهم تَعَجُّبي

وهلْ مُمكنٌ في العقل أنْ يُجْحَد السّنا

ضُحًى وَضِيَاءُ الشَّمس لم يتحجَّبِ؟

أيا مطْلبًا حُزْناهُ من غير مَهْلَكٍ

وكم مَهْلكٍ صدَّ الورَى دُوْنَ مطلب

بعَزْم تقيِّ الدِّين أحْمَدَ تُتَّقى

صُرُوفُ زمانٍ بالفوادح

(5)

مُرْعِب

وفي الجدْبِ نسْتَسْقي الغَمامَ بوجْهه

فنُصْبِحُ في رَوضٍ كناديه مُخصِب

(1)

الأصل: «مكذب» تحريف.

(2)

(ك): «من المصطفى» . ومرحب أحد فرسان يهود خيبر، قتله علي رضي الله عنه لما طلب المبارزة.

(3)

(ك): «مضلل» .

(4)

المِقنب: الجماعة من الخيل، واختلف في عددها على أقوال.

(5)

(ف، ك): «بالقوادح» .

ص: 455

ربيبُ المعالي يافعُ الجُودِ والنَّدَى

فتى العِلْم، كَهْلُ الحِلْم شيْخُ التأدُّب

مُفَصِّل ما قد جاء من جُمَل النُّهى

وإيضَاحُه لِلفَهم غير مقرَّبِ

(1)

بسيطُ معانٍ في وجيزِ عبارةٍ

بِتهْذيبِهِ تعْجيزُ كُلِّ مُهذَّب

وليس له في الزهد والعلم مُشْبِهٌ

سوى الحسن البصري وابن المسيبِ

(2)

ومن رام حَبْرًا غيرَه

(3)

اليوم في الورى

فذاك الذي قدْ رامَ عنقاءَ مُغْرِب

أليس هو النَّدْبَ الذي بانتصارِهِ

حبا الدين حتَّى بالإمامة قد حُبي

(4)

وجاهد في ذاتِ الإلهِ بنفْسِهِ

وبالمالِ والأهْلِينَ والأمِّ والأب

ووازَرَهُ في حالتيه ابْنُ أُمّهِ

فذَلِكَ عَبْدُالله، نِعْمَ الفَتَى الأَبِي

عُقابُ المعالي ضَيغمُ الغابة، الذي

فَرى كلَّ ذي غيٍّ بنابٍ ومِخْلب

هُما ناصرا دين الإله وحاميا

حِمَى خير خلق الله منْ نَسْل يَعْرُب

مُقيمان كالإسلام في دارِ غُرْبَةٍ

فيا حبَّذا في الله حُسْن التغرُّب

خدَمْتُهُمَا مِنِّي بعقْدٍ مُنَضَّد

بفِكْر سَوائي دُرُّهُ لمْ يُنَقَّب

(5)

يشنِّفُ سمعَ الدَّهْرِ حسنًا إذا اغْتدى

به الناظم

(6)

التركيّ أفصحَ مُعْرِب

(1)

(ب): «يفصّل ما قد

». (ق، ك): «ما قد حاز .. » . الأصل: «عين مقرب» .

(2)

(ب): «مسيّب» .

(3)

(ب): «دونه» .

(4)

(ف، ك، ط): «حبى» .

(5)

(ف، ب): «سواي» ، (ف، ك): «تنقّب» .

(6)

(ب): «الناصر» .

ص: 456

وما جئْتُ في مَدْحَيهما مُتطلِّبًا

به عَرَضًا يفْنى

(1)

، ولا نيل منْصِب

[ق 137] ولكنني أبغي رضا الله خالقي

وأرجو به غُفران زلَّة مذنِب

وأجْعَلُه لي في المعَاد ذخيرةً

أفوزُ به في الحشْر مِنْ خَطْبه الوبي

(2)

نجزت، وهي سبعة وستون بيتًا

(3)

.

* * * *

ومن القصائد التي رُثِيَ بها ــ رحمه الله ــ: قصيدة

(4)

الشيخ قاسم بن عبد الرحمن بن نصير المقرئ

(5)

، وهي:

عَظُمَ المُصَابُ وزَادَتِ الأفْكَارُ

وجَرَتْ بحُكْم فراقِكَ الأقْدَارُ

يا واحدًا في حِلْمِهِ وعُلُومِهِ

خَلَتِ البِقَاعُ، وقلَّتِ النُّظَّارُ

(6)

أَعَلى تقيّ الدِّين يَحْسُنُ صَبْرُنا

ولِمِثْلِهِ تتهتّكُ الأسْتَارُ

تجْري لِعُظْمِ فِرَاقِهِ عَبَراتُنَا

أَسَفًا عَلَيْهِ، كأنَّها أمْطَارُ

لَهْفي على بَحْر العُلُومِ وغَوصِهِ

يَحْوي الجَوَاهِرَ باهرٌ زخَّارُ

(1)

(ك): «يغني» . وقوله «مدحيهما» يقصد الإمامين أحمد بن حنبل، وأحمد بن تيمية.

(2)

(ف، ك): «أفوز بها» .

(3)

العبارة ليست في (ب). وبعده في (ف، ك، ح، ط) سؤال لشيخ الإسلام في القدر وجوابه شعرًا، أوله «أيا علماء الدين ذميّ دينكم

» وواضح أن هذا ليس مكانها المناسب. وهذه القصيدة في «مجموع الفتاوى» : (8/ 245 - 256) ويزيد عدد أبياتها عما في النسخ بنحو عشرين بيتًا.

(4)

«ومن

قصيدة» ليس في (ف، ك، ط).

(5)

لم أجد ترجمته.

(6)

(ك): «أوحدًا» ، (ف):«في علمه» ، (ب):«الأنصار» ، و (ف، ك): «النصار» .

ص: 457

يَنْثَالُ مِنْهُ إلى القُلُوبِ جَوَاهِرٌ

والدُّرُّ مِنْ فِيْهِ السَّنيِّ نِثَارُ

ولهُ بتَفْسِيرِ الكِتَابِ غَرائِبٌ

(1)

جُلِيَتْ لَهُ، وَكَذلِكَ الأخْبَارُ

حَبْرٌ، لَبِيْبٌ أوْحدٌ في عَصْرِنَا

سلْ ما تَشَاء، لهُ بِهِ إخْبَارُ

غَلَبَ المُلُوكَ مَهَابةً وَشَجَاعَةً

لَيْثٌ يهَابُ لِقَاءَه الكُفَّارُ

(2)

ما كانَ إلَّا شامةً في شَامِنَا

وعليه مِنْ تَقْوَى الإلهِ شِعارُ

وَلَهُ مِنَ الله الكَرِيمِ عِنَايَةٌ

وَلَهُ مِنَ الصَّبْرِ الجَمِيلِ دِثَارُ

ما كانَ إلَّا دُرَّةً مَكْنُونَةً

لا يَعْتَرِيهِ تَدَنُّسٌ وَغُبَارُ

لا يَلْويَنَّ إلى الحُطَامِ تعفُّفًا

وعَلَيْهِ مِنْ تَقْوَى الإلهِ وقَارُ

ما كانَ إلَّا خيرَ أُمَّةِ أحْمدٍ

شَخَصَتْ لِعُظْمِ مُصَابِهِ الأَبْصَارُ

(3)

وَمُجَاهِدًا في الله حقَّ جِهَادِهِ

بَحْرُ النَّدى وَنَوالُه مِدْرَارُ

وَلَهُ الزَّهَادَةُ وَالعِبَادَةُ مَنْهَجٌ

وَبسُنَّةِ الهادي لهُ اسْتِبْصَارُ

حاز العُلُوْمَ، أصُولَها وفُرُوعَها

وَبِكُلِّ ما يُرْوى لَهُ آثَارُ

يَلْوِي عَنِ الدُّنيا، وما يَعْنَى

(4)

بها

وَزَواه عَنْهَا الوَاحِدُ القَهَّارُ

لما افتناه هَدَاهُ مِنْهَاجَ الهُدَى

وعَطَاءُ رَبِّك وَافِرٌ مِكْثَارُ

(1)

(ف): «غوائب» .

(2)

سقط من (ب) عجز هذا البيت وصدر الذي يليه.

(3)

(ف، ك، ط): «إلا حبر» ، (ب):«خير أهل زمانه» . وكتب في الأصل فوق «شخصت» .

(4)

(ب): «يغى» و «يَعْنى» من العَناء والمشقّة.

ص: 458

نَزَلَ القَضاءُ بهِ فآنَس رَحْمَةً

مِنْ ربِّه، لا تُدْفَعُ الأقدارُ

بَكَتِ السَّماءُ عَلَيْهِ يَوْمَ فِرَاقِهِ

أسَفًا وجاء الغَيْثُ والأمطارُ

وبكى الشَّآمُ ومُدْنُهُ وبِقَاعُه

لمَّا مضى، وكذلك الأمصارُ

أوَمَا نَظَرْت إِلَيه فَوْقَ سَرِيرِهِ

حَفَّتْ بهِ منْ رَبِّه الأنْوارُ

والنَّاسُ مِنْ باكٍ عَلَيْهِ بحسرةٍ

(1)

وَدُمُوعُهُمْ فَوْقَ الخُدُودِ غِزَارُ

وهُمُ أُلوفٌ، لَيس يُحْصي جَمْعَهم

إإلَّا إلهٌ غَافِرٌ سَتَّارُ

نَزَلُوا بِهِ، كَالبَدْرِ في إشْرَاقِهِ

فَتَبَاشَرتْ بِقُدُومِهِ الأقْطَارُ

عَبْدُ الحَلِيْمِ، وَجَدُّهُ سَعِدُوا به

وأخوه عَبْدُالله والأبْرَارُ

وَلِمثْلِ هذا سَارَعُوا أَهْلُ التقى

فازوا بما فازتْ بهِ الأخْيَارُ

الله يُكْرِمُهُ بأفْضَلِ رَحْمَةٍ

في جنَّةٍ مِنْ تَحْتِها الأنْهَارُ

أكْوابُها مَوْضُوعَةٌ، وقِبَابُها

مَرْفُوعَةٌ حَفَّتْ بِهَا الأنْوارُ

وكؤُوسُها قدْ أُدْهِقت، وقُصُورُها

قدْ أشْرَقتْ مِنْ فَوْقِهَا الأسْتَارُ

وصِحَافُها منْ فِضَّةٍ، ولِبَاسُهُم

مِنْ سُنْدُسٍ، وطعامهم أطيارُ

[ق 138] والحُورُ في تِلْك الخِيَام بِبَهْجَةٍ

لَكنَّهُنَّ علَى المدَى أبْكَارُ

عُرُبًا لأصحاب اليَمِينِ، فلَيتَنا

مِنْهُم إذا صِرْنَا إلى ما صَارُوا

وعَلَى الأرائِك يَنْظُرُونَ نَعِيمَهُمْ

وعَلَيْهِمُ كأْسُ الرَّحِيْق تُدَارُ

(2)

(1)

(ك، ط): «بحرة» .

(2)

(ف): «يدار» .

ص: 459

ووجُوهُهُم مِثْلُ الصَّبَاحِ إذا بدا

لِلنَّاظِرينَ، كأنَّهُمْ أقْمَارُ

ويُمتَّعُونَ بِنَظْرَةٍ قُدْسِيَّةٍ

مِنْ ربِّهِمْ، سُبْحَانَهُ الجَبَّارُ

في عُمْرِ عِيسَى، والجَمَالُ كَيُوسُفٍ

وَبِطُولِ آدَمَ، كُلُّهُم أبْرارُ

ثُمَّ الصَّلاةُ على النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ

فَهُوَ الرَّسُولُ المُصْطَفَى المُخْتَارُ

هَادِي الوَرَى وإمَامُهم وشفِيعُهُم

أنْصَارُهُ الأمْلاكُ والأنْصَارُ

صلَّى عليه اللهُ ما اهتزَّ الثَّرى

فرحًا، إذا ما جاءتِ الأمطارُ

آخرها

(1)

، وهي أحدٌ وأربعون بيتًا

(2)

.

* * * *

وله ــ أيضًا ــ عفا الله عنهما وأسكنهما جنَّته

(3)

:

عزَّ التَصَبُّرُ، والفِرَاقُ

(4)

رَمَاني

بِسِهَامِهِ وترادفَت أحزْانِي

أصْبَحْتُ مُكْتَئِبًا لِفَقْدِ أَحِبَّةٍ

جُبِلَت جِبِلَّتُهُمْ على الإِحْسَان

لا صَبْرَ لِي عَنْهُم، وكَيْفَ تَصَبُّرِي

عَنْ سَادِةٍ رَحَلُوا مِنَ

(5)

الأوطان

خَلَتِ الدِّيَارُ، فأصْبَحُوا في بَلْقَعٍ

يَا وَحْشَتَاهُ لِفُرقَةِ الإِخْوَانِ

(6)

(1)

(ك، ط): «تمت» .

(2)

«آخرها

بيتا» ليست في (ف).

(3)

«وله

جنته» ليس في (ف، ك)، وفي (ف، ك، ط): «مرثاة للشيخ قاسم بن عبدالرحمن المقري في الشيخ تقي الدين رضي الله عنه» .

(4)

(ف، ك، ط): «الزمان» .

(5)

(ف): «عن» .

(6)

أشار في هامش الأصل أنَّ هذا البيت مقدمٌ على الذي قبله. بخلاف (ف، ك، ط).

ص: 460

إنْ أوْحَشُوا نَظَرِي، فقَلْبِي مَوْطِنٌ

وَعِمارَةُ الأوْطَانِ بالسُّكَّان

لَمَّا سَمِعْتُ بأنَّ أحْمَدَ قَدْ قَضَى

نَحْبًا على التوحيدِ والإيْمَان

وَلِقَاءِ رَبٍّ، لا مَرَدَّ لِحُكْمِهِ

سُبْحَانَهُ مِنْ قَادِرٍ مَنَّان

عَظُمَتْ مُصِيبَتُنا لِسَيِّدِ عَصْرِنَا

في شَرْحِ سُنَّةِ

(1)

أحمدٍ بِبَيَان

وَالعِلْمُ حازَ أُصُولَه وَفُرُوعَهُ

وغرائِبَ التفسيرِ لِلْقُرْآن

وَيُنَاظِرُ الفُقَهاءَ في أقوالِهمْ

وَيُجِيبُهُم بالثَّبْتِ والتِّبْيَان

غَلَبَ المُلُوكَ بثَبْتِهِ وَجَنَانِهِ

وَشَجَاعَةٍ بَلَغَتْ إلى غازَان

أفْدِيهِ مِنْ بَطَلٍ يُلاقي عُصْبةً

منْهُمْ، بِلا عَوْنٍ، ولا أعْوَان

مَنْ ذا يقُومُ مقَامَهُ في عصْرِنَا

أوْ ما مضَى من

(2)

سَالِفِ الأزْمَان

وَلَهُ الزَّهَادَةُ والعِبَادَةُ مَنْهَجٌ

وَكَذَا يَكُونُ العَالِمُ الرَّبَّانِي

سَارَتْ رَكَائِبُه إلَى دَارِ الجَزَا

مُتَمَسِّكًا بموَاعِدِ الرَّحْمَن

أوَمَا نَظَرْتَ إليه فَوْقَ سَرِيْرِهِ

حَفَّتْ به الأنوارُ بالإمْكَان

والنَّاسُ مِنْ حَولِ الجَنازَةِ أحْدَقُوا

كُلٌّ يَجُودُ بِعَبْرَةِ الثَّكْلان

وهمُ أُلُوفٌ لَيْسَ يُحْصِي جَمْعَهُم

إلَّا إلهٌ عَمَّ بِالغُفْرَان

نَزَلُوا بهِ كالبَدْرِ في إشْرَاقِهِ

فَتَبَاشَرَتْ بقُدُومِهِ القَمَرَانِ

(3)

عبدُ الحَلِيْمِ أَبُوهُ سَيِّدُ عَصْرِهِ

وَأَخُوهُ عَبْدُالله حَبْرٌ ثَانِ

(4)

(1)

(ف، ك، ط): «سيد» .

(2)

(ك): «في» وأشار في هامشها إلى أنها «من» .

(3)

الأصل: «العمران» خطأ.

(4)

في قصيدته السالفة قريب من هذا البيت.

ص: 461

والمَجْدُ حَاز المَجْدَ في عَصْرٍ مَضَى

في الجَرْحِ والتَّعدِيلِ والبُرْهَان

ولِمثْلِ هذا سارَعُوا أَهْلُ التُّقَى

فَازُوا بِأَرْفَعِ رُتْبَةٍ وَأَمَان

في جَنَّةٍ أنْوارُهَا قدْ أشْرقت

وَقُطُوفُها لِلقاطِفِيْن

(1)

دَوَاني

أكْوابُها مَوْضُوعَةٌ وَقِبَابُهَا

مِن لؤلؤٍ مَرْفُوعةُ البُنْيَان

والنُّورُ يَغْشَى أَهْلَهَا وَهُمُ عَلَى

تِلْكَ الأسِرَّةِ في رضًى وَأَمَان

وَلِبَاسُهُم مِنْ سُنْدُسٍ وخِيَامُهُم

قَدْ أُلْبِسُوا مِنْ أَحْسَنِ التِّيْجَان

[ق 139] ولأهلها مَا يَشْتَهُونَ وشُغْلُهُم

باللهِ لا بالحُورِ والغِلْمَانِ

(2)

منهم تقيُّ الدين فازَ بزهده

وبصبره في طاعة الرحمن

ثم الصلاةُ على النبيِّ محمدٍ

خيرِ الأنامِ ومَعْدَنِ

(3)

الإحسان

هادٍ وأول شافعٍ ومشفَّعٍ

وله الوسيلةُ مُظهر الإيمان

ما حنَّ مشتاقٌ إلى وادي منى

وتطوَّفوا بالبيت والأركان

آخرها

(4)

، وهي أحدٌ وثلاثون بيتًا.

* * * *

(1)

(ف): «للطائعين» ، (ك):«للطائفين» .

(2)

(ف): «والولدان» .

(3)

ضبطها في الأصل بفتح الدال وكسرها وكتب فوقها «معًا» .

(4)

(ف، ك): «تمت والحمدلله رب العالمين، وعدتها أحد

».

ص: 462

ومنها للشيخ علاء الدين ابن غانم

(1)

:

أيُّ حَبْرٍ قضى وأيُّ إمَامٍ

فُجِعَتْ فيه مِلَّةُ الإسلام

ابنُ تيمية التقيّ إمام الْـ

ـعَصْر

(2)

من كان شامةً في الشآم

بحْرُ عِلْمٍ

(3)

قَدْ غَاضَ مِنْ بَعدِ ما فَا

ضَ نَداهُ، وعَمَّ بالإِنْعَام

زَاهِدٌ، عابدٌ، تنزَّه في دُنـ

ـيَاهُ عَنْ [كُلِّ ما بِهَا]

(4)

من حُطَام

كانَ كنْزًا لكُلِّ طَالبِ عِلمٍ

وَلِمَنْ خَافَ أن يُرى في حَرَام

ولِعَافٍ، قد جاء يشكُو مِنَ الفَقْـ

ـرِ لَدَيْهِ يَنَالُ كلَّ مَرام

حازَ علمًا فما له من مُساوٍ

فِيْهِ، من عَالمٍ، ولا مِنْ مُسامي

(5)

لَمْ يَكُنْ في الدُّنا لَهُ مِنْ نَظِيرٍ

في جميع العُلُومِ والأحكام

(6)

(1)

بدلًا منها في (ف، ك): «وللشيخ علاء الدين أبي الحسن علي بن محمد بن سليمان [ك: سلمان] بن حمائل بن غانم المقدسي رحمه الله في شيخ الإسلام ابن تيمية رضي الله عنه» . وفي ترتيب الأبيات في (ف، ك) اختلاف وزيادة عما في الأصل.

وعلاء الدين ابن غانم هذا كان وجيهًا فاضلًا كثير القضاء لحوائج الناس، له يد طولى في النظم (ت 737). ترجمته في «أعيان العصر»:(3/ 496 ــ 502)، و «الدرر الكامنة»:(3/ 103).

(2)

(ف): «وحيد الدهر» .

(3)

(ف): «علمٍ وجود .. » ، (ك):«جود وعلمٍ» .

(4)

ما بينهما ساقط من الأصل. و (ف): «من كل .. » .

(5)

(ف): «نال علمًا» . والأصل: «مما له

».

(6)

(ف، ك، ط): «في البرايا في الفضل والأحكام» . وأشارا في الهامش إلى نسخة بما هو مثبت. وفي الأصول: «الدنيا» وأصلحتها ليستقيم الوزن.

ص: 463

كانَ في عِلْمِهِ وَحِيْدًا فَريدًا

لم يَنَالُوا ما نَالَ في الأحْلام

عَالِمٌ في زَمَانِهِ، فَاق بالعِلْـ

ـم جَمِيعَ الأئمةِ الأعْلام

كلُّ مَنْ في دمشق نَاحَ عليه

بِبُكاءٍ، مِنْ شِدَّةِ الآلام

فُجِعَ الناسُ فيه في الغَرْبِ والشَّرْ

قِ، وَأَضْحَوا بالحُزْنِ

(1)

كالأَيْتَام

لو يفيد الفِداءُ فادوه بالأر

واحِ منهم من الرَّدَى والحِمَامِ

(2)

أوحدٌ، فيه قد أُصيبَ البرايا

فيُعَزَّى فيهِ جَمِيعُ الأنَامِ

(3)

وعزيزٌ عليهم أن يروه

غابَ بالرّغم في الثرى والرَّغام

لا يُرى مثلُ

(4)

يومِه عندما سا

رَ على النَّعْش نحو دار السَّلام

حَمَلُوهُ على الرِّقَاب إلى القَبْـ

ـرِ وَكَادُوا أنْ يَهْلِكُوا بالزِّحَام

صَارَ جارَ الإلهِ، رَبّ السَمَوا

تِ، الرحِيم، المُهَيْمِن، العَلَّامِ

(5)

(1)

(ف، ك، ط): «في الحزن» .

(2)

في هامش الأصل: نسخة:

لو يفيد الفداء بالروح كنا

قد فديناه من هجوم الحمام

وهذا البيت في (ف، ك) يأتي في آخر القصيدة.

(3)

صدره في (ف، ك): «كل من في الوجود فيه مصابٌ» . (ك): «فيغرى به» .

(4)

الأصل: «مثله» ، (ف، ك): «ما يرى عند» . ولعل الصواب ما أثبت.

(5)

بعده في (ف، ك):

كان وقتَ الحروبِ بالطَّعن والضر

ب سريعَ القدومِ والإقدام

لا يهابُ الهولَ العظيمَ يقول الـ

ـحقّ في نَقْضِه وفي الإبرام

تابعٌ سنةَ الرسول، عليه

من إله السماء أزكى سَلام

قائمٌ في نصر الشريعة بالعلـ

ـم، وبالفضل منه كلَّ قيام

=

=

كم بنور العلم أخرج قومًا

من ضلالٍ، ومن عظيم ظلام

نالَ ما نالَ من شريف مقال

بعلومٍ شتَّى، وعُظم مقام

طبّق الأرض بالفتاوى اللواتي

هي منقذات الورى من الآثام

حسدوه إذ ماله من نظيرٍ

من بني دَهْره الكبار الكرام

خصّه بالكمال من كلّ علمٍ

ربُّنا ذو الجلال والإكرام

لو يفدَّى بالروح كنّا جميعًا

قد فديناه من هجوم الحِمام

ورضي عنه ربُّنا وترضَّا

هـ، وملَّاه بالنعيم النَّامي

ص: 464

قدَّس الله رُوحَهُ وسَقَى قَبْـ

ـرًا حَوَاهُ بهاطِلاتُ الغَمَامِ

(1)

فَلَقَدْ كَانَ نَادِرًا في بَنِي الدَّهْـ

ـرِ، وَحُسْنًا في أوْجه الأيَّامِ

(2)

* * * *

ومنها للقاضي الإمام زين الدين أبي حفص عُمَر بن المظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن علي بن الوردي المغربي الشافعي النحوي ــ رحمه الله ــ

(3)

.

قلوبُ الناس قاسيةٌ سِلاطُ

وليس لها إلى العليا نشاطُ

(4)

(1)

(ف): «قبره من طلات» .

(2)

الأصل: «الأنام» تحريف. وبعده في (ك): «تمت، والحمد لله رب العالمين وعدتها ثلاثون بيتًا» . وبعدها في (ف، ك) قصيدة لرجل جندي بالديار المصرية، وهي طويلة، وستأتي هنا بعد عدة قصائد.

(3)

هذه الديباجة من الأصل، وفي كل من (ف، ك) اختلاف في صياغتها. وابن الوردي (ت 749). ترجمته في «أعيان العصر» : (3/ 677 ــ 706)، و «الدرر الكامنة»:(3/ 195).

(4)

مكانه في (ف، ك):

عثا في عرضه قوم سلاط

لهم من نثر جوهره التقاط

ص: 465

أينشطُ قطّ بعد وفاة حَبْرٍ

لنا من نَثْر جوهره التقاطُ

(1)

تقيُّ الدين ذو وَرَعٍ وعِلمٍ

(2)

خُروق المُعْضِلات به تُخاطُ

توفي وهو محبوسٌ فريد

(3)

وليس له إلى الدُّنيا انبساطُ

ولو حضروه حينَ قَضى لألْفَوا

ملائكةَ النَّعيم به أحاطوا

قضى نَحْبًا وليس له قرينٌ

وليسَ يَلُفّ مُشبِهَهُ القِمَاطُ

(4)

[ق 140] فتًى في علمه أضحى فريدًا

وحلُّ المُشْكلاتِ به يُناطُ

(5)

وكان يخاف إبليسٌ سَطَاه

لوعظٍ

(6)

للقلوبِ هو السِّياطُ

فيا لله ما قد ضَمَّ لَحْدٌ

ويا لله ما غَطَّى البلاطُ

(7)

وحَبْس الدرِّ في الأصدافِ فَخْرٌ

(8)

وعندَ الشّيخ بالسَّجْن اغْتِباطُ

(9)

(1)

هذا البيت ليس في (ف، ك).

(2)

(ف، ك): «تقي الدين أحمد خير حبر» .

(3)

(ف، ك): «وهو مسجون

»، وفي الأصل:«فريدًا» .

(4)

(ف، ك): «ولا لنظيره لُفّ القماط» .

(5)

بعده في (ف، ك):

وكان إلى التُّقى يدعو البرايا

وينهى فِرْقةً فسقوا ولاطوا

(6)

(ف، ك): «بوعظٍ» .

(7)

بعده في (ف، ك):

همُ حسدوه لمّا لم ينالوا

مناقبه فقد فسقوا وشاطوا

وكانوا عن طرائقه كُسالى

ولكن في أذاه لهم نشاطُ

(8)

في الأصل: «بحرٌ» خطأ.

(9)

بعده في (ف، ك):

بآل الهاشمي له اقتداءٌ

فقد ذاقوا المنون ولم يواطوا

ص: 466

بنو تيميَّةٍ كانوا فبانوا

نجومُ العلمِ أدْرَكها انْهِبَاطُ

ولكنْ يا ندامتنا عليه

فشكُّ المُلْحِدين به يُماطُ

(1)

إمامٌ لا وِلايةَ قطُّ عانى

(2)

ولا وقفٌ عليه ولا رِباطُ

ولا جارى الوَرَى في كَسْبِ مالٍ

ولم يَشْغَلْه بالناسِ اخْتِلاطُ

(3)

ولولا أنهم سجنوه شرعًا

لكانَ به لِقَدْرهمُ انْحِطاطُ

(4)

لقد خَفِيَت عليَّ هنا أمور

فليس يليقُ لي فيها انْخِراطُ

وعِنْدَ الله تجتمعُ البَرَايا

جميعًا وانطوى هذا البِساطُ

* * * *

(1)

البيت في (ف، ك):

ولكن يا ندامة حابِسِيه

فشكُّ الشرك كان به يُماطُ

وبعده مما ليس في الأصل:

ويا فرح اليهود بما فعلتم

فإن الضدّ يعجبه الخباط

ألم يك فيكمُ رجلٌ رشيد

يرى سَجْن الإمام فيُستشاط

(2)

(ف، ك): «كان يرجو» .

(3)

(ف، ك): «ولا جاركمُ

ولم يُعهد له بكم

».

وبعد هذا البيت اختلفت الأبيات عما في الأصل في ألفاظها وأعدادها.

(4)

بل سجنوه ظلمًا وعدوانًا لمجرد رأي فقهي قال به قبله جماعات من العلماء، وقد تقدمت عدة كتب من أهل العلم في العراق وغيرها تبين أن سجن الشيخ لا مستند له من شرع أو عقل.

ص: 467

ومنها للشيخ الأديب مُجير الدين أبي العباس أحمد بن الحسن بن محمد البغدادي ثم الدمشقي الخيَّاط رحمه الله

(1)

:

خَشَعتْ لهيبةِ نَعْشكَ الأبصارُ

لمَّا عليهِ تبدَّت الأنوارُ

(2)

وبه الملائكةُ الكرامُ تطوَّفتْ

(3)

زُمَرًا، وحَفَّت حَولَهُ الأبرارُ

فكساهُ رَبُّ العرشِ نورًا ساطِعًا

فكأنَّما غَشِيَ النَّهارَ نهارُ

ولأمّةِ الإسلام حَولَ سَريرهِ

سامٍ إلى ربِّ السماء جُؤارُ

(4)

ولهم دُموعٌ من خُشوعِ نفوسِهم

وخُضوعِها

(5)

فوقَ الخُدودِ غِزارُ

وسَرَوا به فوق الإران

(6)

، وتحتَه

منهمْ يمينُ أنامل ويسارُ

ولرحمةِ الرحمن ظِلٌّ سَجْسَجٌ

(7)

يغشاهُمُ، وسكينةٌ ووقارُ

فَلَكَمْ عيونٍ مِنْ تَموُّج مائها

حُزْنًا تأجَّجَ في الجوانِح نارُ

(1)

(ف، ك): «من قصائد الشيخ مجير الدين أحمد بن الحسن بن محمد الخيّاط الجوخي الدمشقي، مرثية في الشيخ رحمه الله تعالى» . والخياط توفي سنة (735)، وترجمته في «أعيان العصر»:(1/ 211)، و «الدرر الكامنة»:(1/ 122). وله ديوان شعر في عدة مجلدات.

(2)

البيت ليس في (ف).

(3)

(ف): «تطوقت» .

(4)

الأصل: «خوار» .

(5)

(ف، ك، ط): «ودموعها» .

(6)

الإران: النّعْش.

(7)

هو المعتدل الذي لا حرّ فيه ولا قرّ.

ص: 468

كان

(1)

المماتُ زفافَ عُرسِ حياتِه

وبه النفوسُ مع الدُّموع نِثَارُ

إن كان عن

(2)

أهلٍ وجيرانٍ نأى

فلهُ دنا من ذي الجلالِ جِوارُ

أو كان عن دار الفناء رحِيلُهُ

فلديه من

(3)

دارِ البقاء دِيارُ

أو كان أُزْعِجَ عن ذُرَى

(4)

أوطانِهِ

فله بِخُلدٍ في الجنان قرارُ

ما كان إلا مُزْنَ عِلمٍ رُوِّضتْ

منهُ بِصَيِّبِ قطرِهِ الأقطارُ

كالغيثِ أقلعَ بعدَ سحٍّ غيمُه

وتخلَّفت مِنْ بعده الآثارُ

ما كان إلا طَودَ عِلْمٍ باذخٍ

من دون وَزْن حصاته القنْطارُ

(5)

ما كان إلا بحرَ جُودٍ، كَفُّه

تيَّارُهُ بنواله زخَّارُ

ما كان إلا دِيمةً معروفُها

(6)

بِهباته لعفاته مِدْرارُ

ما كان إلا البدرَ عندَ كمالِهِ

وافاه مِنْ نقصِ التّمامِ سِرارُ

ما كان إلا خيرَ أُمة أحمدٍ

في العصرِ، لم تسمح به الأعصارُ

حَبْرٌ، وبحرٌ، للمكارم والتُّقى

والجودِ، والإحْسَانِ فيه بحارُ

وَلَكَمْ لأحمدَ في المحامدِ رتبةً

عن

(7)

طولِها تتقاصرُ الأفكارُ

(1)

الأصل: «كأن» .

(2)

(ف، ك، ط): «من» .

(3)

(ف، ك، ط): «في» .

(4)

(ف): «ذوي» .

(5)

(ف): «طود حلم» ، (ك):«من دونه» ، الأصل و (ف):«دون رزن» .

(6)

(ك، ط): «معروضها» وفي هامشها: لعله معروفها.

(7)

(ك، ط): «من» . ووجه ضبط «رتبة» بالنصب كما في الأصل: أنه تمييز كم الخبرية؛ لأنه يجوز نصبه عند بني تميم إذا كان مفردًا.

ص: 469

وله الشعورُ بكلِّ علمٍ نافعٍ

عقلًا ونقلًا، في الأنام شعارُ

وله التزهّد، والتعبُّد، والتقى

ما بين أرباب الدُّثور دِثارُ

[ق 141] وله إذا فَخَر الفَخَور بزينة الد

نيا بتشعيث

(1)

الحياة فَخارُ

ولأشرف الأشياء علمٌ نافعٌ

لا دِرْهَمٌ يُقْنى

(2)

، ولا دِينارُ

إن أظْلَمت سُبلُ النُّهى لِسُكونه

فلِذِكْره في الخافِقَين منارُ

ولقد علا الإسلامَ جَلُّ مُصابِه

لكنها لا تُدْفَعُ الأقدارُ

لو كانَ في الدنيا يدومُ مُخلَّدًا

بَشَرٌ، لخُلِّد أحمدُ المُخْتارُ

ولكُلِّ حيٍّ خَلْع ثوبِ حياتِهِ

علمًا بأنْ ثوبُ الحياةِ مُعارُ

فيمَ

(3)

النَّجاةُ؟ وكلُّ حَيٍّ ميِّتٌ

إلّا الإلهُ الواحِدُ القهَّارُ

ولقد أَسِفْتُ على فراقي أحمدا

إذْ ليس لي قُضِيَت به الأوطارُ

لو كان يُفْدَى هان عند فدائه الـ

أموالُ، والأولاد، والأعمارُ

قد كان مغناطيسَ أفئدةِ الوَرَى

أُنْسًا، ولكنْ في القليلِ نِفارُ

(4)

ما كنتُ أحْسِبُ أنَّ يومَ وفاتِه

يَبْدو المَصونُ وتُهْتَك الأستارُ

بَكَرَ النِّساءُ

(5)

من السُّتور ثواكلًا

ومن الخدور النُّهَّدُ الأبكارُ

والناسُ أمثالُ الجرادِ، لهم على الـ

ـتَّابُوتِ منهُ تهافتٌ ودُوارُ

(1)

(ف، ك، ط): «بتشعيب» .

(2)

(ك، ط): «يغني» ، (ف):«يفنى» .

(3)

(ف): «فبما» .

(4)

في هامش الأصل إشارة إلى نسخة: «وفيما قل عنه نفارُ» .

(5)

ضبطها في الأصل: «بِكر النساءِ» .

ص: 470

فكأنّه يعسوبُ نَحْلٍ نحوه

حيًّا وميتًا للنُّفوس نظارُ

(1)

مَلأتْ مَحاسنُه البلادَ، ونوَّهت

بحديثِ مُعْجزِ فَضْلِه الأمصارُ

وجرى بأفواه الأنام ثناؤه

فالأرضُ روضةُ ذِكْره المِعْطارُ

يَفنَى الزَّمانُ ويَنْقضي وبأحمدٍ

وحديثِه تتحدَّثُ السُّمَّار

فأحلَّه الرحمنُ دارَ أمانِهِ

ليزولَ من خوفٍ عليه حِذَارُ

وحباه ظلًّا ضافيًا

(2)

في جَنةٍ

فيحاءَ، تَجْري تحتَها الأنهارُ

* * * *

وله أيضًا عفا الله عنهما برحمته

(3)

:

لِمُصابِ البرِّ التَّقيِّ الإمام

كُلُّ دَمْعٍ من الورى في انْسِجام

والبَواكي لهم عليه نُواحٌ

كفقيداتِ صادِحاتِ الحَمام

مات يوم الاثنين، والسِّرُّ فيه

غيرُ خافٍ على ذوي الأفهام

مَوتةً عَظَّم المُهيمِنُ فيها

قَدْرَهُ في عُموم جمعِ الأنام

حفَّه الناسُ أجمعون رجالًا

ونساءً، سَعْيًا على الأقدام

ومشوا تحت نَعْشِه، وهو مِنْ فَوْ

قِ رُؤوسِ الأعيان والحُكَّامِ

(4)

(1)

(ف، ك، ط): «مطار» .

(2)

الأصل: «صافيًا» ، و (ف):«طلا ضافيًّا» .

(3)

(ف، ك، ط): «تمت وهي ثلاثة وأربعون بيتًا. وله أيضًا يرثي شيخ الإسلام رضي الله عنه» .

(4)

(ف، ك): «والأحكام» ، وفي هامش (ك):«لعله الحكام» وهو الصواب.

ص: 471

يُسْبِلون الدُّموع من خشية اللـ

ـه، وحُزنًا كمُسْبلات الغمام

وضجيجُ العباد سرًّا وجَهْرًا

كدَويٍّ في سامقِ الجوِّ سام

يَا لَهُ مكْفهِرَّ يومٍ عبوسٍ

عاث في غارِبِ السُّهى

(1)

والسَّنام

كم بِهِ عاينَ الهلاكَ قَويٌّ

ذُو نشاطٍ لِفَرْطِ كَظِّ الزِّحام

يا لها مِن رَزِيَّةٍ كان فيها

يومُ بؤسٍ في طُولِه فوق عام

جلَّ فيه المُصابُ، حتَّى لقد

دَقَّ تعبيرُه

(2)

على الأوهام

كان شيخَ الإسلام في العلمِ والزُّهـ

ـد وحلَّال

(3)

مُشْكلاتِ الكلام

فقد الناسُ منهُ حبرًا

(4)

عليمًا

هدْيُهُ كالأئمةِ الأعلام

مِنهُ حُبُّ الكتاب والسنة المُثْـ

ـلَى، جرى في عُرُوقِهِ والعِظام

بلغَ الأوجَ من سماءِ المعالي

وتسامَى عِلمًا على كُلِّ سامي

وطَوى ذِكْرُه البلادَ انتشارًا

فهو حتَّى المعادِ في الناس نامي

[ق 142] كان جبرَ الكسير

(5)

إن هاضه الدَّهـ

ـرُ، وعونَ العاني، وحَطْمَ الحُطَام

كان حُبُّ الدنيا إليه بغيضًا

فوق [بُغْضِ] الصَّحيحِ ثوبَ السَّقام

(1)

الأصل و (ف): «النُّهى» .

(2)

(ف، ك): «تعثيره» .

(3)

(ك، ط): «وحل» .

(4)

(ف، ك، ط): «بحرًا» .

(5)

(ف): «الكسر» .

ص: 472

كان لا يَرْهَب الملوكَ ولا يرْ

غَبُ فيما لهم من الإنعام

كان وِترًا في الفضل فذًّا

(1)

، وكلُّ النـ

ـاس جاءوا بشَفْعِهم والتُّؤام

كان سَمْحًا، بمثله الدَّهرُ كزٌّ

(2)

في ليالي الزّمان والأيّام

كان سطرًا في جَبْهة الدَّهْرِ يُقرا

في البرايا، وشامةً في الشآم

كان نَفْعًا لكلِّ من خاف ضُرًّا

في سبيلي حلاله والحرام

لم يَكُن ذا تأنُّقٍ في متاعٍ

ولِباسٍ، ومَشْرب، وطعام

كان يَخشْى داءً، ويرجُو

(3)

دواءً

وشفاءً لكُلِّ داءٍ عُقامٍ

كان في الله ذا انتقامٍ ولا يُو

جدُ يومًا لنفسه ذا انتقام

كان نُورًا

(4)

يُهْدَى به ذو ضلالٍ

كان بحرًا، يُرْوى به كُلُّ ظام

كان كاللّيثِ بالنوائب

(5)

فتكًا

كان كالغيثِ بالمواهبِ هام

في يديه وصدرِهِ كلُّ بحرٍ

زاخِرٍ بالنَّوالِ والعلمِ طام

أيُّ نَدْبٍ، شَهْمٍ، شُجاعٍ، جوادٍ

أروعٍ

(6)

، ماجدٍ، سريٍّ، هُمام

قام لمّا تَذْبذبَ النَّاسُ بالذّبْـ

ـبِ عليهم لما نبا كلُّ حامِ

(7)

(1)

(ف): «قد» .

(2)

(ك): «كثرا» ، و (ط):«ضنًّا» .

(3)

الأصل و (ف): «ويرجى» .

(4)

(ف، ك، ط): «برًّا» .

(5)

(ف): «بالنواب» .

(6)

(ك): «أورع» .

(7)

«بالذب» ليست في (ف، ك، ط).

ص: 473

كم له في حَنادس الخَطْبِ والنا

سُ نِيَامٌ حتى الضُّحى مِنْ قيامِ

(1)

وجميعُ الأنامِ من شدَّة الخو

فِ نِيَامٌ من الرَّدَى في منام

وبنو فارسٍ قد افترسوا النا

سَ افتراسَ الأسودِ سَرْح السَّوام

ودمشقُ الشآمِ بَعدَ انبساطٍ

من ضواحي رُسْتاقها في انْضِمام

إذ غزانا عِلْجُ العلوج غَزَانٌ

وغَزانا من فارسٍ بالطَّغَام

فأعادَ العزيزَ مِنَّا ذليلًا

ذا صَغَار، ينقادُ كالأنعام

فنضاهُ الجبَّارُ، جلَّ ثناهُ

في وُجوه العِدى كحدِّ الحُسام

فحمانا

(2)

بالله من كلِّ طاغٍ

لا برمحٍ، وصارمٍ، وسِهام

يا لهُ حينَ فرَّ كلُّ كَمِيٍّ

مِنْ حُماة الإسلام عنَّا: مُحامي

يا ابن تيميَّةٍ، عليك خصوصًا

وعمومًا تحيَّتي وسلامي

يا سليلَ العُلا، عليك القوافي

قد بكت في الطُّروسِ بالأقلام

يا فقيدَ المثال علمًا وحلمًا

وقريبَ المَرْمَى، بعيدَ المَرام

يا بطيء الإحْجامِ إن عزَّ خَطْبٌ

وسريعَ القيام والإقدام

يا محلًّى وكاسيًا

(3)

كلَّ فضلٍ

ومُعَرًّى من كلِّ عارٍ وذام

يا سَريعَ الإقْدامِ إن عنَّ خَطْبٌ

وكثيرَ القيام جُنْحَ الظَّلامِ

(4)

(1)

(ف، ك): «والخلق نيام .. » .

(2)

الأصل: «فجاءنا» .

(3)

الأصل: «محلًا كاسيًا» .

(4)

البيت من الأصل فقط.

ص: 474

كُفَّ طَرْفي إن لذَّ مِنْ بعد مَرْآ

ك لأجفانه لذيذُ المنام

وبودِّي ــ بفقد

(1)

شخصك ــ لو حا

م على أيْكتي حَمامُ حِمامي

ولعمري، يا من له في فؤادي

لحْدُ ذكرٍ، دوامُه بدوامي

إن حللتَ الثَّرى فروحُك حلَّتْ

يا ابنَ عبدِالسَّلام، دارَ السّلام

فسقى تربةً حَواك ثراهَا

كُلُّ مُزْنٍ بوابِلِ وَرِهام

وإذا شحّت

(2)

السّواري بسحٍّ

والغوادي جُدْناكَ بالدمعِ دامي

* * * *

وله عفا الله عنهما

(3)

:

بمصرعك الناعي أصمَّ وأسْمعا

وصُمَّ الصَّفا مِنْ صَدْمةِ الحُزْن صدَّعا

[ق 143] فكم مُقلةٍ جفَّت جمودًا من الأسى

وكم مُهجةٍ سالت من الدمع أدْمُعا

وكم ثاكلٍ بالنَّوح والنَّدْب رجَّعتْ

وكم فاضلٍ بالنَّظم والنَّثْر سَجَّعا

ولم يبقَ ذُو علمٍ وزهدٍ من الورى

لفقدِك إلّا كاسفَ البال موجَعا

تنكَّرت الدُّنيا على كلِّ عارفٍ

رأى منك مأهولَ المنازِل بَلْقعا

(1)

(ف، ك): «ويودي لفقد» .

(2)

بقية النسخ: «سحت» .

(3)

(ف، ك): «للشيخ مجير [ف: محيي ــ تحريف] الدين أحمد بن الحسن الخياط الجوخي الدمشقي، يرثي بها شيخ الإسلام

». و (ب): «ومنها للشيخ مجير الدين الخياط» .

ص: 475

جعلتُ لمن أخلى مَصيفًا ومَرْبعًا

فُؤادي وأجفاني مَصيفًا

(1)

ومربعا

فيا أحمدَ المحمودُ، قد كُنْتَ للهدى

منارًا، وللشَّرْع الحنيفيِّ مَشْرعا

وللدِّين والدُّنيا ضياءً وبَهْجةً

إذا لاحَ وجهُ الخطْبِ أسْودَ أسْفَعا

(2)

رُمِينا بِرُزْءٍ منك، لم تَسْتَطِع له

برأيٍ شديد الأيْد والكيْدِ مَدْفعا

رحَلْتَ عن الأوطان رِحْلةَ نازحٍ

إليهنَّ لم تُزْمِع مَدى الدَّهر مَرْجِعا

لقد كنتَ عن شرٍّ بطيئًا ووانيًا

وفي طلب الخيراتِ عجلانَ مُسْرِعا

وللحِلْم طَودًا راسخًا باذِخَ الذُّرَى

وللجُود والإحسان والعلم مَنْبعا

(3)

ورُكنًا لدين الله حين تهدَّمتْ

قواعِدُه منه وهًى وتَضَعْضُعا

ورَوضَ عُلوم ناضرًا عاد مُمْعِرًا

وصوَّح منه كلُّ ما كان مُمْرِعا

(4)

ومَجْمَع

(5)

شَمْلٍ شتَّت الشملَ فقدُهُ

وأنواعُ أشتات النوائب جَمَّعا

وحبرًا حوى حَيزُومُه

(6)

وبنانُه

بِحارَ النَّدى والجود والعلمِ أجْمعا

سرى ذكرُه في الأرض شَرْقًا ومغربًا

سُرى نَشْر عَرْفِ المَنْدَل الرَّطْبِ ضوَّعا

(1)

(ك): «مضيقًا» .

(2)

(ف): «أسعفا» .

(3)

(ب): «مشبعا» .

(4)

(ف، ك): «وروض علم» ، (ب):«عاد ممرعا» ، (ف):«معمرا» . المكان الأمعر: القليل النبات. والممرع: الخصيب.

(5)

(ب): «ومجموع» .

(6)

الأصل: «حيزمه» .

ص: 476

وجازتْ مَساعِيه الكواكبَ عِدّةً

مع القَطْر إذْ فاتت رمالًا ويرمَعا

(1)

فيا حُكمه

(2)

ما كان في القلب أوجعا

ويا يومَه، ما كان في العين أفْظعا

ويا لك من خَطْبٍ جليلٍ وحادِثٍ

عَدِمْنَا به الشَّهْمَ الجوادَ السّمَيدْعا

ومن يوم بؤسٍ عابسِ الوجهِ كالحٍ

سبانا إمامًا

(3)

، يؤمن الرَّوْعَ أرْوَعا

مُطيعًا لربِّ العَرْش لم يَعْصِ أمرَه

ومنه له في العَصْر لم نر أطْوعا

مُنيبًا إليه قائمًا بِحُدوده

إلى حين ولّى، مُذْ نَشا وتَرَعْرعا

هِزَبرٌ ومِقْدامٌ على الهول لم يَهَبْ

مليكًا بِمَنْع المُنكرات ممنَّعا

(4)

شجاعُ جِلادٍ

(5)

في جدال بُحُوثه

يعيدُ جَبانًا كلَّ من كان أشْجَعا

يصولُ بسيفِ العلم في مَعْرك النُّهى

وأرْماحُ شَرْع الجهل أقْبَلنَ شُرَّعا

وفي عَصْره كم من إزالة بدعةٍ

ومُنْكرِ

(6)

فِعْلٍ قد أجاد وأبْدعا

وما كان إلا الشمسَ في ليل باطلٍ

يُرينا بنورٍ منه للحقِّ مَطْلعا

فكم من ظلام الظُّلم زَحْزَح غَيهبًا

بساطع نور العَدْل من حين شَعْشَعا

وكم من كراماتٍ له ومناقبٍ

يضيقُ بها وُسْعُ الزَّمان توسُّعًا

(1)

الأصل: «حازت» . واليرمع: حجارة بيض تلمع. «اللسان» .

(2)

(ف، ك): «حلمه» ، (ط):«موته» .

(3)

(ف، ك، ط): «همامًا» .

(4)

(ف، ك): «على الهـ

لمنع». وفي (ط):

«هِزبرًا ومقدامًا على العرف كله

مليكا لمنع .................. ».

(5)

(ك): «جلال» .

(6)

(ب): «إزالة منكر» .

ص: 477

وكم من طريقٍ في المباحث مُبهمٍ

بإيضاحه أضحى لساريه

(1)

مَهْيعا

وكم سامه النُّقصانَ والخَفْضَ حاسدٌ

وخُصَّ كمالًا زائدًا وترفُّعا

تولَّى عن الدنيا حميدًا ولم يكُنْ

لزخرفها المَذْمومِ يُبدي تطلُّعا

وعاش إلى أن مات لم يُعْطِ نفسَه

بتأميل ما في دار دُنياه مَطْمَعا

إمامٌ عليمٌ خاشعٌ متواضعٌ

لِهَيْبَتِهِ تُغضي النواظرُ خُشَّعا

سحابُ علوم روَّض الأرضَ فضلُه

وألبَسَها بُرْدَ البيان الموسَّعا

ونضَّر منها بالفضائل أوجُهًا

وتَوَّجها تاجَ المعالي المُرَصَّعا

وخلَّفها من بعد صيِّب صوبه

عليها رياضًا للعقول وأقلعا

كذا المُزْن، أنَّى جاد

(2)

بالوابل الثرى

وروَّى صداها حُقَّ أن يتقَشَّعا

[ق 144] فلله مفقودٌ فقدناه نافعٌ

لنا منه ــ غير الله ــ لم نَرَ أنفعا

شُغِفْنَا به في الله حُبًّا، فلم نَدَعْ

هواه لغير الله في القلب مَوْضعا

عليك أبا العباس أحمدَ لم يزل

فؤادي بتَذْكارِ الفِراق

(3)

مُرَوَّعا

إلى أن يُريني الله وَجْهك سافرًا

بنَضرته يومَ المعادِ مُبْرقعا

(4)

* * * *

(1)

(ب): «لباريه» .

(2)

(ف): «إن جارت» .

(3)

(ف، ك، ط): «الفؤاد» .

(4)

بعده في (ف، ك): «تمت. وهي ثلاثة وأربعون بيتًا» .

ص: 478

(1)

ومنها للشيخ الإمام صفيّ الدين عبد المؤمن بن عبد الحق، مُدرِّس البشيرية ببغداد رحمه الله

(2)

:

طِبْتَ مثوًى يا خاتم العلماء

في مقام الزُّلفى مع الأتقياء

أولياء الرحمن والسَّادة الغُرْ

رِ الهُداة الأئمة الصُلحاء

ويح للموت كم طوى بك من عِلْـ

مٍ غزيرٍ وفِطْنةٍ وذكاء

وبيان يشفي القلوبَ من الغَيْـ

ـيِ ويجلو عنها صدى الغمّاء

(3)

أين تلك العلوم والمنطق الصا

ئب عند السؤال والإفتاء

أين ذاك الخُلُق الجميل وحُسْن الـ

ـبِشْر للزائرين عند اللِّقاء

رَمِدَت مُقلةُ الفضائل مُذْمِتْـ

ـتَ وقرَّت عيونُ أهلِ الشَّقاء

حينَ لا عالمٌ يردُّ الذي قا

لوا وما نمَّقوه للإغواءِ

(4)

من ضلالات أهل فلسفة اليو

نان والإِعتزال والإرجاء

(5)

ص: 479

وذوي الرَّفض من يدينون بالطّعْـ

ـن على الصالحين والإزراء

مَنْ يحلّ الشكوكَ بعدك والمَرْ

دود مِنْ شبهةٍ وقولٍ هُراءِ

(1)

مَنْ لتبيين مُشكلٍ

(2)

قَصُرت عنـ

ـه عقولٌ لِمَا به مِنْ خفاء

مَنْ لقَمْع

(3)

الخصم المجادل في الدّيـ

ـن عنادًا مِنْ ملَّةٍ عَوجاء

مَنْ ترى للغريب بعدك يلقا

هُ بوجهٍ طَلْقٍ وفضلِ حِباء

(4)

ضاع من بعدِك الغريبُ فما يلْـ

ـقى مُعينًا له على اللأواءِ

(5)

أيما عالمٍ نعاه لنا النا

عي وحبرٍ قد صِين في الغَبْراء

أيُّ حبرٍ قد غيَّضته المنايا

في رَجَا حُفرةٍ من الأَرْجاءِ

(6)

أعلمُ الناسِ كُلِّهم بكتاب اللْـ

لَهِ جلّ اسمُه بغير مِراء

بمعانيه والعلومِ التي فيـ

ـه وأدرى بالسُّنة الغرَّاء

مِنْ أحاديث سيد الرُّسل يرويـ

ـه كِبَارُ الأئمَةِ النُّبلاء

مِنْ صحيحٍ ومِنْ سقيم وأخْبا

رِ الرواةِ الثِّقَاتِ والضُّعفاء

وبآثارِ صَحْبِه وفتاوي

مَنْ أتى بعْدَهم مِن العلماء

(1)

(ف، ك): «من لحل

وقول هذاء».

(2)

(ف): «شكل» .

(3)

(ف): «قمع» .

(4)

(ك): «حياء» .

(5)

الأصل: «اللواء» خطأ.

(6)

(ف): «بحر قد

المنايا رجا». وفي الأصل و (ك): «في رحا» .

ص: 480

وبإجماعهم وما اختلفوا فيـ

ـه من الحُكمِ سادةُ الفقهاء

حاله إن نظرْتَ فيها تجِدْها

(1)

مثلَ أحوالِ سادةِ الأولياء

قانعُ النفس بالدَّنيِّ من العيـ

ـش غنيًّا يُعَدّ في الفقراء

مُؤثرًا بالذي لديه لِعافيـ

ـهِ

(2)

على نفسه بغير رياء

وَرَعٌ ظاهرٌ

(3)

ونُسكٌ وإخْبا

تٌ وشكرٌ في شدَّةٍ ورخاء

والتُّقى والعفافُ والزُّهد في الدنْـ

يا حُلاهُ والصَّبرُ عند البلاء

لم يزل جاهدًا يُجاهدُ للـ

ـه قَبِيلَ الضلال والأهواءِ

(4)

بجَنانٍ ثَبْتٍ وجأشٍ قويٍّ

وفؤادٍ رأسٍ لدى الهيجاءِ

(5)

يَزَعُ الخصمَ بالجواب عن الشكْـ

ـكِ ويُدلي بالحجَّة البيضاء

[ق 145] صابرًا نفسَه إلى أن قضى اللـ

ـه بما قد قضى على الأنبياء

ولقد أضمروا له السوءَ قومٌ

للذي حُمِّلوا من البغضاء

حسدًا منهم لما خصَّه اللـ

ـه به من ملابس الفضلاء

فاستحلّوا منه الذي حرّمَ اللـ

ـه لِمَا أضْمروا من الشَّحْناء

حرَّفوا قولَه كما حرَّف القو

مُ نصوصَ القرآن للإغواء

(1)

(ك): «فيه» ، (ط):«فيه تجد» .

(2)

الأصل: «لعاقبه» . وعافيه: طالبه.

(3)

(ف، ك): «طاهر» .

(4)

«يزل» سقط من (ف)، (ف، ك): «يجاهد في الله» .

(5)

(ف، ك): «وفؤاد رأس لذي

».

ص: 481

ورموه

(1)

بكلِّ قولٍ شنيعٍ

بيّن الكِذْب ظاهر الافتراء

عَجَزوا عنه مرَّة بعد أُخرى

فاستعانوا عليه بالإغراءِ

(2)

هل يُباري العَضْبَ الصقيلَ كَهَامٌ

صَدِئٌ في صرامة

(3)

ومضاء

أم يجاري

(4)

الحميرُ في حَلْبة السّبْـ

ـق جوادًا مُضمَّر الأحشاء

لم ينالوا منه الذي أمَّلُوهُ

بل رمى الله جَمْعَهم بالفناء

يا تقيَّ الدين الذي صدقت فيـ

ـه وحَقَّت مخايل الآباءِ

(5)

عند تَلْقيبه كذلك قد كُنْـ

ـتَ وسُمِّيت أحسنَ الأسماء

يا ابن تيميَّة لقد

(6)

فزت في الدُّنـ

ـيا بذكرٍ باقٍ وحُسنِ ثناء

وكذا أنتَ ــ يعلم

(7)

الله ــ في الأُخْـ

ـرى مع الصالحين والشُّهداء

بُوّئتْ رُوحُك الشريفةُ في الجَنْـ

ـنَة أعلى منازل السُّعداءِ

(8)

وسَقَى قَبْرَك الرِّضى وأتاك الرْ

رَوْحُ في كل

(9)

بُكرةٍ وعشاء

(1)

الأصل: «رموه» .

(2)

(ك): «بإغراء» .

(3)

(ط): «ضرابه» .

(4)

(ف، ك): «تجاري» .

(5)

(ف): «وحققت مخائل» ، الأصل:«نجائل» .

(6)

(ف): «قد» .

(7)

(ف): «بعلم» .

(8)

(ف): «الشهداء» .

(9)

«كل» سقطت من الأصل.

ص: 482

وتوالَت عليك من نِعَم اللـ

ـه ورضوانه صُنوفُ العطاء

آخرها، وهي

(1)

ثمانيةٌ وأربعون بيتًا.

* * * *

(2)

ومنها للشيخ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن عبدالكريم بن عبدالصمد بن أنوشروان التبريزي الأصل، الحنفي، المعروف بابن الكرشب

(3)

رحمه الله تعالى:

عمَّ المصابُ فلا تبكوا بغير دمِ

على ابن تيميَّةٍ ذي العِلْم والحِكَم

حبر البريَّة ولّى وهو في دَعَةٍ

فكلُّ جَفْنٍ عليه لا يفيضُ

(4)

عَمِي

عارٌ على جَفْن عينٍ عاينته وقد

أبانه البَيْنُ تلفى غَيرَ منسجم

لو أن كلَّ تقيٍّ في الإنام فدى

نفسَ الإمام تقيّ الدين لم يُلَم

إذا تذكَّره من كان يألَفُه

يهزّه الشوقُ من فَرْق إلى قَدَم

ويستغيث لسَهْمٍ قد أُصيب به

وأيُّ سهم به هذا المصابُ رُمي

يا ثُلمةً ثُلِمَت في الدّين واتسعت

ولست حتى اللقا والحشر تلتئمي

(1)

(ف، ك): «وعدتها» .

(2)

هذه القصيدة من الأصل فقط. وهي في «الكواكب الدرية» (ص 206 ــ 207) لكنها ثلاثة عشر بيتًا فقط، مع زيادة بيت ليس في الأصل. والناظم توفي سنة (735). ترجمته في «الدرر الكامنة»:(1/ 177)، و «الشذرات»:(6/ 111)، و «الطبقات السنية»:(1/ 385) للتميمي.

(3)

كذا في الأصل. ووقع في «الدرر» : «المكوشة» وفي هامشها: في نسخة: «بابن الكوشت» . وفي «الطبقات» : «المكوشت» وفي «الشذرات» : «عُرف: بكرشت» .

(4)

«الكواكب» : «فلا يبكي عليه» .

ص: 483

هيهات هل تسمح الدّنيا بمثل فتى

تيميّةٍ أو يُرى في عالَمِ الحُلُم

فقل لنفسٍ لبان اللُّطْف أرضعها:

يا نفسُ قد مات ظِئرُ اللُّطْف فانفطمي

قد كان عند ذوي التقوى الإمام تقيـ

ـي الدين أحمد معدودًا من النّعم

لكنَّ مَصْرَعه والله يرحمه

على محبِّيه محسوبٌ من النِّقم

كانت به تَفْخَر الدنيا وقد بقيت

به تُفاخِر أجداثٌ ذوو رِمَم

كانت مواعِظُه للزائغين عن الْـ

ـحَقِّ السقيمين يشفيهم من السَّقَم

والعلم والحلم والتقوى بهنَّ غدا

في الناس أَشْهَر من نارٍ على علم

والزهد في زخرفِ الدنيا وزينتها

من وصفه كان مضمومًا إلى الكرم

إلى فضائله العميانُ قد نَظَرت

حقًّا وأصغى إليها كلُّ ذي صَمَم

مولًى على حُبِّه الأرواحُ قد جُبِلَت

ولستُ في هذه

(1)

الدعوى بمتَّهم

[ق 146] ما ذاك إلا لما قد كان خَصَّصه

به الإله من الأخلاق والشِّيَم

ونورُ ربِّك لا يُطْفَى ولو حَرَص الـ

ـحريص [يومًا] ومالا كلّ مؤتَثِم

مَنْ للمسائل قد أعْيَت فيوضحها

وضُوحَ بَرْقٍ لَموعٍ لاحَ في الظُّلَمِ

(2)

ما إن رأى الناس أبهى من جنازته

لما استقلَّت على الأعناق والقِمَم

وحولَه وهو يُجْلَى كالعروس على

سريره أممٌ ناهيك من أُمَم

يضَّرَّعون إلى ربّ العباد به

لِمَا به اختصَّه مولاه في القِدَم

(1)

«الكواكب» : «في القول» .

(2)

في «الكواكب» بيت ليس في الأصل وهو:

كالبحر يزخر إن بثّ العلومَ وكالسْـ

ـسَيل الذي مدَّهُ (الوسميُّ) بالدِّيَم

ص: 484

بكى عليه مصلَّاه ومنبره

وفي الخدور بكته أعْين الحُرُم

والأرضُ تبكي عليه والسماءُ كذا

قد جاء عن سيِّد الأعَرابِ والعَجَم

لأنَّه العالم الحبر الذي أبدًا

تُتلى مناقبه جهرًا بكلِّ فم

هذا هو المجد حُقَّ الافتخارُ به

لا بالتكاثر بالأموال والحَشَم

يا جنّةَ الخُلْدِ وافيهِ مُزَخرفةً

وأنتِ يا نار أشواق الورى اضطرمي

ويا شموس العُلى غيبي لغيبته

ويا مباني المعالي بَعْدَه انهدمي

قد صار دَرْسيَ ذكراه أكرِّره

وصِرْتُ فيه مُعيدَ الدَّرس للفهم

ولي على ذاك معلومٌ أعيشُ به

أنْ قد جُعِلت له من جملةِ الخَدَم

فأعظمَ الله أجرَ الفاقدين له

الواجدين ذوي الإخلاص كلّهم

وأكرم الله مثواه وموضعه

بوابلٍ من سحاب الجود والكرم

والله يجمع في دار النعيم به

قومًا يحبونه في الله ربِّهم

تمت، وهي أربعة وثلاثون بيتًا.

* * * *

وله أيضًا

(1)

:

صبرًا جميلًا فالمصابُ كبير

كادت جبال الأرض منه تمورُ

وجسيمُ خَطْبٍ قد عَرى كلَّ الورى

فُقِد الضياء وأظلمَ الدّيجورُ

وانهدَّ ركنُ فضائل وفواضلٍ

فعليهما ركنُ الأسى معمورُ

وعلى تقيِّ الدين أحزانُ الورى

لسحائب الدمع الغزير تُثيرُ

(1)

هذه القصيدة أيضًا من الأصل فقط. وهي في «الكواكب الدرية» (ص 204 ــ 206) مع زيادة بيتين.

ص: 485

لولا ابتغاء الأجر لم يُحْمَد على

صبرٍ على هذا المصاب صبورُ

أفَلَت شموسُ المَكْرُمات وأظلم الشْـ

ـشَام المنير وزال عنه النور

نور الفتى التيميّ والقُطبِ الذي

فلكُ العلوم عليه كان يدور

حبرٌ به كان الزمانُ ومَنْ به

يزهو ويُشرق في الدُّجى وينيرُ

عَلَم التعبُّد والتزهُّد والتقى

في سائر الدنيا له منشور

ورسوخه في كلِّ علمٍ نافعٍ

فحديثه بين الورى مشهور

قد كان صدرًا في الصدور فمُذ نأى

ضاقت على صَدْر الصدور صدور

لا غَرْو أن فاضت عليه مدَامعٌ

حرَّى وأن قُصِمت عليه ظهور

تبكي السماءُ عليه والأرضُ التي

لصفائها بفراقه تكدير

وبكى مصلَّاه ومنبرُه ومو

ضعُ دَرْسه والجامعُ المعمورُ

وبكى الغمامُ لفقده وتفطَّرت

عن أعْيُنٍ تجري عليه صُخور

وكذاك ربَّاتُ الخُدور بكينَه

وتهتَّكَت منها عليه سُتور

نَشَرت له العَذَباتِ بانات اللوى

عِوضَ الشعور وما لهنَّ شعور

وعليه نُحْنَ على الأراك حمائمٌ

يندُبْنَه أسَفًا وهنَّ طيور

[ق 147] فالصَّبُّ إن صبَّ المدامع بعد من

يهوى ومات فإنه معذورُ

والناسُ في حزنٍ عليه وإنه

عبدٌ بلقاءِ

(1)

ربِّه مسرور

غار الإله عليه من أغياره

فزواه عنهم والمحبُّ غيور

فخلا به يتلو عليه كلامَه

وله الحبيبُ مؤانسٌ وسمير

حتَّى إذا اشتدَّ التشوُّق زَفَّه

زفَّ العروسِ وذيلُها مجرور

(1)

كذا، ولعلها:«بلُقيا» ليستقيم الوزن.

ص: 486

وشعارُ كلِّ مُشَيِّعٍ لسريره:

التسبيحُ والتهليلُ والتكبيرُ

(1)

ولقد سَرَت لسريره

(2)

لما سرى

سِيَرٌ لها حتى النشورِ نشورُ

تفنى الليالي والزمانُ وذِكْرُهُ

مُتجدِّدٌ بين الورى مذكورُ

قد كان في الدنيا هلالًا لائحًا

كلٌّ إليه بالبنان يُشيرُ

وكذا جنازته تعالى الله لم

يُنْظَر لها في العالمين نظيرُ

ومن العجائب أنها نطقت على

صمتٍ بما هو كامنٌ مستورُ

إنَّ المشيِّع للجنازة لم يعد

إلا وسائرُ ذَنْبه مغفورُ

هذا هو الفضل المبين وهذه

نِعَمٌ عليها ربُّنا مشكورُ

لا أوحشَ الله الوجودَ من الذي

أنِسَتْ به في الموحِشَاتِ قبورُ

وإلى جِنانِ الله راحت روحُه

يلقاه منها بَهْجةٌ وسرورُ

طوبَى لميْتٍ جاور القبرَ الذي

فيه فتى تيميَّةٍ مقبور

بل فاز نُزَّالٌ ثووا بجنابِه

إنَّ الكريمَ نزيلُه مَخْفورُ

فينال حتى الحشرِ من بركاته

وعليه ينزلُ رحمةٌ وحُبورُ

يا ربِّ فاجمع بيننا في جنة الـ

ـمأوى فأنتَ لِمَا تشاءُ قديرُ

تمّت، وهي ستةٌ وثلاثون بيتًا

(3)

.

(1)

بعده بيتان في «الكواكب» وهي:

ولقد سرى فوق الرقاب سريرُه

فعجبتُ كيف الراسيات تسيرُ

ما كنت أعلم قبل يوم وفاته

أن البحار الزاخرات تغور

(2)

الأصل: «لسيره» والمثبت من «الكواكب» .

(3)

بل سبعة وثلاثون.

ص: 487

وله أيضًا

(1)

:

لِفَقْد الفتى التَّيميِّ تَجْري المَدامعُ

وتصدعُ بالنَّوح الحمامُ الصَّوادِعُ

فتُغرِق أجفانًا يُقرِّحها البُكا

وتَضْرِمُ نيرانًا حَوَتْها الأضالعُ

(2)

وبالماء يُطْفَى كلّ نارٍ، ونارُنا

يُؤجِّجها بين الضلوعِ المَدَامع

(3)

وأمَّا الحَمام الصادِحاتُ فإنَّها

حَمامُ حِمام للقلوب صوادعُ

وحقُّ فتًى كانت جوامِعُهم له

جوامعَ تبكي فقدَه والجوامعُ

(4)

على ماجدٍ جلَّت مآثره الّتي

لها في قلوب العارفين مواقعُ

علومٌ وأخلاقٌ كرامٌ وسُؤدَدٌ

وجودٌ ومجدٌ باذخٌ وتواضعُ

وزهدٌ، وإيثارٌ، وتقوى، وعِفّةٌ

وتلك سجايا حازها وهو يافعُ

هو الحَبْرُ، أمَّا المشكلاتُ فحلُّها

يسيرٌ لديه، وهو في الحلِّ بارعُ

وأمَّا عُقودُ الدِّين فهي وثيقةٌ

لديه، وعنها بالعوالي يُقارِعُ

(5)

إمامٌ، بَكَتْه أرضُه وسماؤه

بُكاء حزينٍ، حُزْنهُ مُتتابع

(1)

مكانها في (ف، ك): «مرثية للشيخ برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبدالكريم التبريزي، يرثي شيخ الإسلام، وهي .... » . ولم أقف على ترجمة إبراهيم المذكور، وتقدمت ترجمة والده (ص 483).

(2)

(ف، ك، ط): «فتغرق جفنًا قد تقرّح بالبكا

وتُضرمُ

».

(3)

(ف، ك، ط): «مؤججها بين

».

(4)

هذا البيت سيأتي في (ف، ك) بعد أبيات. ولفظه:

وحُق لمن كانت جوامعهم له

جوامع، يبكوا فقده والجوامع

(5)

(ف، ك، ط): «وعنها بالرماح ينازع» .

ص: 488

وما لهما لا يَبْكيان لفقدِ مَنْ

عن الله لم يشغَلْه في الكون قاطع

(1)

ولو بكت الدنيا، وما كان حقَّها

فواحِدَها قد كان، والشملُ جامع

وقد أصبحت ثَكْلى تُعَزَّى بفقده

ومِنْ بعده هانت عليها الفجائع

(2)

ولولا ابتغاءُ الأجر كان اصْطبارُنا الـ

ـجميل قبيحًا، إنما الصبرُ نافع

(3)

* * * *

ومنها لصاحبنا برهان الدين إبراهيم ولد شهاب الدين المتقدِّم ذكره. رحمهما الله تعالى

(4)

:

(1)

(ف، ك): «لم يقطعه» .

(2)

الأصل: «هافت» ، (ط):«هالت» .

(3)

بعده في (ف، ك) عدة أبيات ليست في الأصل، وهذه هي:

ومنبره لولا غزارة وعظه

عليه قديمًا حرَّقته المدامعُ

وما زال في حقّ ابن تيميَة الفتى الـ

إمامِ تقيِّ الدين أحمدَ ضائعُ

أما كان شمسًا في المطالع يُجْتلى

فعادت عليه فاختبته المطالعُ

وشامة خدّ الشام قد كان علمه الشـ

ريف على الخدِّ المكرّم طابعُ

ونجمُ هدى للسالكين إذا سروا

وبدرٌ منير في الدياجيِّ طالعُ

قد غابَ غابَ البدرُ عنه ولم يَشِم

لشائمه بَرْق على الشام لامعُ

ولا افترَّ ثغرُ الشام من فَرْط حُزنه

على من عليه مَدْمَع العين هامعُ

وبدر الدُّجى إن غاب لم تُشْرِق الدُّنا

ولو أشرقت فيها النجومُ الطوالعُ

(4)

في (ف، ك): «[ك: مرثاة] للشيخ برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد [الكريم] الكرست العجمي يرثي الشيخ تقي الدين ابن تيمية في جمادى الآخرة سنة 735، ومولده في أوائل سنة 97، وتوفي في رمضان سنة 735» .

وقد سبق في (ف، ك) نسبة القصيدة السابقة لإبراهيم بن أحمد هذا، وواضح أنه من أقران المؤلف وإن لم أعثر على مَن ترجمه.

ص: 489

[ق 148] خُذِي في انسجام

(1)

الدمع يا مقلة العاني

إلى أن تروِّي الأرض من فيضِ أجفاني

وذُق يا فؤادي كلَّ يومٍ وليلةٍ

مرارةَ أشواقٍ ولوعة أشجاني

إلى أن أرى وجهَ ابن تيميَةَ الذي

به الله من أهلِ الضلالة نجَّاني

ومَنْ لي بأن ألقاه والموت قد أتى

فغيَّبه في التُّرب

(2)

عن كلِّ إنسان

فيا وَحْشة الدنيا لأنوارِ وجهه

ويا لهفَ إخوانٍ عليه وجيران

فحُقَّ

(3)

لعينٍ لا ترجِّي لقاءه

إلى الحشر أن ينهلَّ مدمعُها القاني

لقد عمَّ أهلَ الأرض رُزء مُصابه

ولم يَنْجُ فيهم منه قاصٍ ولا داني

لقد كانت الدنيا به ذاتَ بَهْجةٍ

ونورٍ وإشراقٍ ورَوْحٍ وريحان

وما كان إلّا آيةً في زمانه

وفي كلِّ فنٍّ

(4)

حاز ليس له ثاني

إمامُ هدًى يدعو إلى دين ربِّه

دعاء نصوحٍ مشفقٍ غير خوَّان

فمذهبه ما جاء عن خير مُرسَلٍ

وأصحابه والتابعين بإحسان

أتى بعلومٍ حيَّرتْ كلَّ واصِفٍ

على أنه يُهْدَى بها كلُّ حيران

فكم مُبطلٍ وافاه يبغي جدالَه

فأنصَفَه في البحث من غير عدوان

ويكشف عنه شُبهةً بعد شُبهةٍ

إلى أن يَبِينَ الحقُّ أحسن تبيان

(1)

في الأصول: «جدي» ولعله ما أثبت، و (ك):«بانسجام» .

(2)

(ف): «التراب» .

(3)

(ف، ك، ط): «يحق» .

(4)

(ف، ك، ط): «علم» .

ص: 490

فيصبح عن تلك المقالةِ مُعرضًا

ولو كان من أحبارِ

(1)

سوءٍ ورهبان

يغار على الإسلام من كلِّ بدعةٍ

وما زالَ منها هادمًا كلَّ بُنيان

وفي الله لم تأخُذه لومةُ لائمٍ

ولم يخشَ مخلوقًا من الإنس والجان

ولم ينتقم

(2)

في الدهر يومًا لنفسه

ولكنه يُؤذَى فيعفو عن الجاني

وأما سخاءُ الكفِّ فالبحرُ دونَه

ولم يكُ في بذلِ العطاءِ

(3)

بمنَّان

ولو وزنوا أهلَ الشجاعة كلّهم

به رجحَ الشجعانَ في كلِّ ميزان

فمن جاهدَ الأعداءَ في الدين مثلَه

ومن سلَّ سيفَ العزمِ في وجه غازان؟

ومن قال للناس: اثبتوا يومَ شَقْحبٍ

فإنَّ الأعادي في انهزامٍ وخِذلانِ؟

فمن خشيَ الرحمنَ بالغيب واتَّقى

إله البرايا خافَه كلُّ سلطان

وما ضرَّه أن طالَ في السّجنِ مُكْثُه

إذا كان في نُسْكٍ وطاعةِ رحمن

منيبًا إلى مولاه يقطعُ وقتَه

بنقلِ أحاديثٍ وتفسير قرآن

ولم يك مشغوفًا بحبِّ رياسةٍ

ولا شدِّ بغلاتٍ ولا حُسْن غلمان

ولا

(4)

كان مشغولًا بجاهٍ ومنصبٍ

ولا رَفْع بُنيانٍ و [لا] غَرْس بستان

ولكن بعلمٍ نافعٍ وعبادةٍ

وزهدٍ وإخلاصٍ وصبرٍ وإيمان

وفي موته قد كان للناس عبرةٌ

لما شاهدوا من غير زورٍ وبُهتان

(1)

سقط من (ف).

(2)

(ف): «ينتقم يومًا» .

(3)

(ف، ك، ط): «العطايا» .

(4)

(ف، ك، ط): «وما» .

ص: 491

إذ انتشروا مثلَ الجراد وكاد أن

تزيغ عقولٌ من رجالٍ ونِسْوان

وسار على أعناقهم نحو قبره

يُجاور مولى ذا امتنانٍ وغُفران

إلى الذهب الباقي دعاه إلهه

وذاك

(1)

له خيرٌ من الخَزَف الفاني

دعاه إلى جنّات عَدْنٍ وطِيبها

ومتَّعه

(2)

فيها بحورٍ وولدان

فنسألُ ربَّ العرش يجْمَعُ شملَنا

به في جِنان الخُلْدِ من بعد حرمان

ويجبرنا بعد انكسارِ قُلوبنا

ويُروي برؤيا وجهه كلَّ ظمآن

* * * *

ومنها للشيخ زين الدين عمر بن [ق 149] الحُسام الشِّبْلي رحمه الله تعالى

(3)

:

لو كان يُقْنعني عليكَ بكائي

لجرت سوابقُ عبرتي بدماء

أو كنتُ في يوم انتقالك للبِلَى

صخرًا لزدتُ على

(4)

بكا الخنساء

لكن أصبِّرُ عنكَ نفسي كاتمًا

للحزن

(5)

خوفَ شماتةِ الأعداء

(1)

(ف، ك، ط): «فذاك» .

(2)

(ف): «وأسكنه» .

(3)

(ف، ك): «للشيخ زين الدين [سقطت من ك] عمر بن الشيخ حسام الدين آقش [ف: حسام الدراقس ــ تحريف] الشبلي، يرثي الشيخ تقي الدين ابن تيمية رضي الله عنه» . توفي الشبلي سنة (749). ترجمته في «أعيان العصر» : (3/ 598)، و «الدرر الكامنة»:(3/ 156).

(4)

سقطت من (ف).

(5)

الأصل: «للخوف» ، والمثبت من باقي النسخ.

ص: 492

أترى علمتَ وأنتَ أفضلُ عالمٍ

ما عندنا من لوعةٍ وبلاء

أسفي على تلك الديانة والتُّقى

والجود آذَنَ شملُه

(1)

بثناء

أسفي عليك وما التأسُّفُ نافعٌ

صبًّا عليك مُقَلْقل الأحشاء

أسفي عليك نفى الكرى عن ناظري

من فَرْط أحزاني وفرط عنائي

(2)

غاضت بحارُ العلم بعدك والوَرَى

في غفلةٍ يا سيِّد العلماء

بأبي وحيدًا مات منفردًا عن الـ

أحباب كان بقيَّة الصلحاء

بحر العلوم حوى الفضائلَ كلَّها

وسما سموَّ كواكب الجوزاء

متفرِّدًا في كلِّ علمٍ دونَه

لعلوِّ رتبته ذُرَى العَلْياء

بالفضل قد شَهِدَتْ له أعداؤه

وبه سما فضلًا على النُّظَراء

شيخُ العلوم وتابع السلف الذي

تَبِعوا الرسول بشدّةٍ ورخاء

وإمامُ أهل الأرض والمبدي لهم

سَنَن

(3)

الهدى عن صِحَّة الأنباء

ذو الصالحات وذو الشجاعة والتُّقى

والجود والبركات والآلاء

من كان لا يثني لطالبِ جودِه

حتى يبلّغه لكلِّ رجاء

يجفو المَضاجِعَ راكعًا أو ساجدًا

أو ذاكرًا لله في الظَّلْماء

كالصَّبْر في حَنَك العدوِّ مذاقُه

وألذُّ من شَهْدٍ إلى الجُلَساء

(1)

(ف، ك، ط): «قربه» .

(2)

هذا البيت متقدم على الذي قبله في (ف، ك، ط).

(3)

(ف): «سفن» .

ص: 493

المانح البحر [الهمام] العالم الـ

ـحبر الإمام وحُجَّة الفُقهاءِ

(1)

الواهبُ المال الجزيل وغامرُ الضْـ

ـضَيف النزيل بوافر النَّعْماء

المُحْسنُ الكافي السؤال وحاسمُ الدْ

دَاءِ العُضال وكاشفُ الغمَّاء

صَدْر المدارس والمجالس أحمد الـ

محمود في عَودٍ وفي إبداء

وإذا المسائل في الفتاوى أفْحَمَت

أهلَ العلوم وحُجِّبت بخفاءِ

(2)

وأتت تقيَّ الدين أظهر ما اختفى

منها

(3)

وأبداهُ لعينِ الرَّائي

فيرى سُهاها في الخفاء بكشفه

كالشمس مشرقة بصحوِ سماء

ويرى البصيرُ الحقَّ فيما قاله

والحقُّ لا يَخْفَى على البُصرَاء

سجنوه خَشْيةَ أن يُرى متبذّلًا

صونًا فنالَ منازلَ الشُّهداء

للمؤمنين له وعند غُدُوّهم

ذلُّ الكسير وعزةُ الخلفاءِ

(4)

في المُحْدَثين أتى بفضل باهرٍ

ومناقبٍ أرْبَتْ على القُدَماء

أيْ خاشعٍ أيْ شاكرٍ أيْ ذاكرٍ

لله في الإصباح والإِمساء

أيْ زاهدٍ أيْ حامدٍ أيْ باذلٍ

للمسلمين نصائح النُّصحاء

خيرُ الصِّفات صفاتُه وثناؤه

بالجود بين الناس خيرُ ثناء

ويظلّ يسألُ جودُه عن سائلٍ

ذي فاقةٍ ليبرّه بعطاء

(1)

الأصل: «الغمام» بدل «الإمام» ، و (ف، ك): «الحبر الهمام» .

(2)

(ف): «أقحمت أهل

».

(3)

(ف): «منه» .

(4)

الأصل: «عدوهم» بالعين المهملة. خطأ. وفي (ف، ك، ط): «ذاك الكسير» .

ص: 494

وتراه يُشْرق وجهُه مُتهلِّلًا

للسائلين له شروق ذكاء

بادي التبسّم عند بَذْل نواله

لطفًا إلى الفقراءِ والضعفاء

أرْبى على فَضْل البرامكةِ الأُلى

وطوت مكارمه حديثَ الطائي

من جاء يَسأله يُشاهدْ عندَه

بذلَ الملوكِ وعِيشة الفقراء

[ق 150] يُرْبي على سحِّ السحائب جُودُه

وكذا تكون مواهبُ الكرماء

والجودُ يرفعُ أهلَه بين الوَرَى

أبدًا ويهوي البخلُ بالبخلاء

وله إذا اضطرم

(1)

القتالُ شجاعةٌ

قامت بنصر الدين في الهيجاء

سَلْ عنه غازانًا وسل أُمَراءَه

لما أتوا بطلائع الأُسَراء

والمغل

(2)

قد ملكوا البلاد وأهلَها

كم فكَّ من عانٍ بغير عناء

وكذا بشقحب والتتار قدَ اقْبلوا

بالطمِّ

(3)

في أممٍ بغير مراء

والمسلمون على النزول قدَ اجْمعوا

والمغل عنهم نظرةً للرَّائي

من حرَّض السلطانَ والأُمرا على

ترك النزول سواه

(4)

عند مساء

قال اثبتوا فلكم دليلُ النصرِ قد

وافى

(5)

فكان النصرُ عند لقاء

وأتى جبال الكسروان فآذَنَتْ

بدمارِها من بعد طول بقاء

(1)

(ف، ك): «اصطدم» .

(2)

(ف): «والغل» . وكذا في البيت بعد الآتي.

(3)

(ف، ك): «كالطم» .

(4)

الأصل: «سواء» خطأ.

(5)

(ف): «وفا» .

ص: 495

وله بكلِّ مدينةٍ ذكرٌ أتى

كالمِسْك فهو مُعطَّر الأرجاء

سِيَرٌ إذا

(1)

نظَّمْتها سارَتْ بها الرْ

ـرُكبانُ دون قصائد الشُّعراء

وإذا إمامُ المسلمين وشيخُهم

ولى وعزَّ على عزاه عزائي

ادعوا إله العرش يجمع بيننا

في جَنَّة الفِرْدوس فهو رجائي

وعليه من ربِّ

(2)

السماءِ تحيَّةٌ

تبقى

(3)

له أبدًا بغير فناء

تمت. وهي اثنان وخمسون بيتًا

(4)

.

* * * *

وله ــ أيضًا ــ عفا الله عنهما برحمته

(5)

:

هل بعد بُعْدِك طَرْفٌ دمعهُ راقي

أم هل لداء أخي الأحزان من راقي

بَعُدْتَ عنّا وللأحشاء

(6)

نارُ جوًى

تشبّ فيها بإزعاج وإحراق

ص: 496

إنَّا إلى الله من خطبٍ غدا مثلًا

عمَّ الأنامَ بأوجالٍ وإشفاق

كِدنا من الحزن أن نقضي عليك أسًى

لما برَزْتَ لنا من فوقِ أعناق

لما خرجت بيومِ الدفن في أُمَمٍ

كأنه كان يومَ الكَشْفِ عن ساق

وقلتُ: مات إمام المسلمين، فيا

عينُ اذْرفي إن رَعَيتي حفظَ ميثاق

لَهْفي على ناصرٍ للدين وهو إلى الـ

ـغايات من كلِّ فضل خيرُ سبَّاق

حوى فنون النُّهى، صدقًا بلا كذبٍ

وحازَ عِلْم الورى في طِيب أخلاق

لهفي على حُجَّةِ الإسلام، كان له

مناقبٌ حازها في حُسْن أعراق

بحارَ علمٍ حوى في صدره وغدا

ببحرِ جُودٍ لِوافي المال نفَّاق

يَزْدادُ حُزْني عليه كلَّ آونةٍ

وليسَ يُطفي لهيبي فيضُ آماق

غاضت بحارُ علوم الدِّين يومَ ثَوى

ذاك الإمامُ بلحدٍ تحت أطباق

نسعى إلى الدَّفن مشيًا فوق أرجُلنا

وقلَّ لو كان مشيًا فوق أحداق

يا جامع الفضل قد جفَّ الكتابُ بما

قد كان من بَسْط آجالٍ وأرزاق

والموتُ بعدك لا يُبْقي على أحدٍ

لم يبقَ إلا الإله الدائمُ الباقي

تمت

(1)

، والحمد لله.

* * * *

ومنها لمحمود بن الأثير الحلبي ــ رحمه الله ــ

(2)

:

ص: 497

يا دُموعي سُحِّي كسُحْب الغمامِ

هاطلاتٍ على الخدود سِجام

لفراقِ الشيخ الإمام المفَدَّى

ابن تيميَّةٍ ونَجْلِ الكِرام

زاهدٌ عابدٌ تقيٌّ نَقِيٌّ

فهْمُه لا يقاسُ بالأفهام

[ق 151] ابن تيميّةٍ يتيمةُ دَهْرٍ

ماله من مُساومٍ ومُسامي

فُجِعتْ فيه كلُّ أهل البرايا

جَمْعها للعلوم والأحكام

أوحدٌ في العلوم والفضل والزُّهـ

ـد، لا يرائي في ملة الإسلام

بحرُ علمٍ يغوصُ كلُّ لبيبٍ

في معانيه حارَ كلُّ الأنام

فاق بالعلمِ والفضائل للخَلْـ

ـق، فأضحى إمامَ كلِّ إمَام

إن يكنْ غاب شخصُه وتوارى

ومضَتْ روحُه لدارِ السلام

فمناقِبْه والفضائلُ تَبْقى

في ممرِّ الدُّهُورِ والأعوام

سيِّدٌ قد علا بعلمٍ وحلْمٍ

فعِداهُ لَدَيْه كالأنعام

كم رموه الحُسَّاد بالكَيْدِ والبغْيْ،

وهْو لا ينثني عنِ الإقدام

طالِبُ الحقِّ لا يخافُ لحيفٍ

وهو يَحْمي عن ذُرْوةِ الإسلام

لا يخافُ الملوكَ أيضًا، ولا الخَلْـ

ـقَ، ولا للعِداةِ

(1)

واللُّوَّام

كم مُلوكٍ أتى بحزْمٍ

(2)

وعَزْمٍ

وهو في الله مُسْرِعُ الإقدام

إلى أن قال

(3)

:

(1)

(ف، ك، ط): «ولا العبيد مع .. » .

(2)

(ك، ط): «بجزم» .

(3)

في (ف، ك، ط) أكمل القصيدة وهي واحدٌ وخمسون بيتًا. وهذه هي:

=

ولغازان إذ أتاه بقلب

ما أسود الغابات مع ضرغام؟

فتلقاه بالبشاشة والرحبْ

والعطايا والعز والإكرام

أخذ العهدَ منه للناس جميعًا

بأمان لكل أهل الشآم

نَفَسٌ صادقٌ تقبله الله

فأطاعه كل تلك الأنام

وحماهم من الحِمَى بخشوع

وخضوع للواحد العلام

قل لمن رام للفخار ويبغي

رتبة قد علت بحدّ الحسام

هو في رتبة النبيين فاعلم

هكذا أخبر النبيّ التهامي

فقدته الدّنى مع الدين والعلـ

ـم وكل الزهاد والأيتام

كم فتاوى أتته مَعْ كل شخص

أعجزت كلَّ عالم صمصام

حلَّها كالنسيم في الحالِ جلَّى

لصداها من علة الأسقام

كان بحرًا للناس من غاص فيه

فاز بالدرِّ منه لا بالحطام

أوحد الخلق في التفاسير طرًّا

والأحاديث والعلوم التمام

شيخ كل الإسلام في الزهد والنُّسْكْ

والعبادات والتقى والصيام

كان شمس الضحى ونيل البرايا

وإمام العلوم والاحتشام

ولديه أهل العلوم تداعت

إذ هوت حوله من الإزدحام

تبتغي من جنى معانيه نطقًا

تَسْتضئ منه في دياجي الظلام

فيروِّي قلوبَهم بعلوم

فتراهم سكرى بغير مُدام

كلما رمت سلوة عن هواه

قادني الشوق نحوه بزمام

خجل البدر من سناه فأضحى

يعتريه النقصان عند التمام

استمع يا عذول بالله وافهم

لمعانيه في جميع نظامي

قد تساوى في الحق كل وزير

عنده مَعْ رذالة الأعوام

فضله شاع بين كلّ البرايا

بعلوم شبه البحار الطوامي

كان بدرًا يضيء في الناس بالعلـ

ـم إمامًا فيا له من إمام

حسدوه عند الوفاة على الخلـ

ـق فلم يخل منهمُ في الحِمام

=

=

نقلته أيدي المنية بالحق

بجنان الخلود والدمع دامي

يا لها ساعة لَقَى الله فيها

حاز فيها المنى ونيل المرام

فهو في جنة النعيم مُفدّى

بين حور كلؤلؤ في الخيام

قدَّس الله روحَه مَعْ أخيه

ما أضاء الصباح بالابتسام

يا نسيم الصبا بالله بلِّغ

لحبيبي تحيتي وسلامي

وتعرّض على المحبين ذكري

وشجوني وشقوتي وسقامي

ثم صِفْ ما أكابد الآن فيه

من همومي ولوعتي وهيامي

وتقول العبيد محمودُ أضحى

بدموع وعبرة كالغمام

ص: 498