الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[عودة الشيخ إلى الشام]
ثم إنَّه توجَّه إلى الشام صحبةَ الجيش المصري قاصدًا الغزاة
(1)
. فلما وصل معهم إلى عسقلان توجَّه
(2)
إلى بيت المقدس، وتوجَّه منه إلى دمشق، وجعل طريقَه على عَجْلون وبعض بلاد السَّواد وزُرَعَ.
ووصل إلى دمشق
(3)
في أول يومٍ من شهر ذي القَعْدة سنة
(4)
اثنتي عشرة وسبعمائة، ومعه أخواه وجماعةٌ من أصحابه. وخرَجَ خلقٌ كثير لتلقِّيه، وسُرُّوا سرورًا عظيمًا بمقدَمه وسلامته وعافيته.
وكان مجموع غَيبته عن دمشق سبعَ سنين وسبعَ جُمَع.
وقد توفي في أثناء غيبة الشيخ عن دمشق غيرُ واحدٍ من كبار أصحابه وساداتهم.
منهم: الشيخُ الإمامُ القدوة الزاهد العابد
(5)
العارف عمادُ الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الواسطي، المعروف بابنِ شيخِ الحزَّامين
(6)
. توفي يوم السبت السادس والعشرين من شهر ربيع الآخر من
(1)
(ف): «القراه» . (ك): «الفُراة» كلاهما تحريف.
(2)
(ب): «توجّه الشيخ» .
(3)
«وجعل
…
دمشق» سقط من (ف).
(4)
(ف، ك): «من سنة» .
(5)
ليست في (ف، ك).
(6)
الأصول: «الحزاميين» . وصوابه ما أثبت. انظر «توضيح المشتبه» : (3/ 165) لابن ناصر الدين. وترجمته في «معجم الشيوخ» : (1/ 29 - 30) للذهبي، و «المقتفى»:(4/ 19 - 20) للبرزالي، و «أعيان العصر»:(11/ 153 - 154) للصفدي. وله مصنفات ورسائل عديدة تزيد على الخمسين، وقد اعتنى بها الأستاذ البحّاثة أبو الفضل القونوي يسّر الله طباعتها.
سنة إحدى عشرة وسبعمائة.
وكان رجلًا صالحًا ورعًا، كبيرَ الشَّأْن، منقطعًا إلى الله، متوفِّرًا على العبادة والسلوك.
وكان قد كتَبَ رسالةً وبعثها إلى جماعةٍ من أصحاب الشيخ وأوصاهم فيها بملازمة الشيخ، والحثِّ على اتباع طريقه
(1)
، وأثنى فيها على الشيخ ثناءً عظيمًا.
وهذه نسخةُ الرسالة التي كتبها:
[التذكرة والاعتبار والانتصار للأبرار]
(2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، وسبحانَ الله وبحمده، وتقدَّس في علوِّه وجلالِه، وتعالى في صفاتِ كماله، وتعالى
(3)
في سُبُحات فَرْدانيته وجماله، وتكرَّم في إفضاله ونواله
(4)
، جلَّ أن يُمَثَّل بشيءٍ من مخلوقاته، أو يحاط
(5)
به، بل هو المحيط بمبتدعاته، لا تصوره الأوهام، ولا تُقِلُّه الأجرام، ولا تَعقل كُنْهَ ذاته
(1)
(ف، ك): «طريقته» .
(2)
هذه التسمية لمؤلف الرسالة كما نص عليه في آخرها. انظر (ص 389). وقد طبعت مرارًا مفردة، وطبعت ضمن «الجامع لسيرة شيخ الإسلام»:(ص 109 - 131).
(3)
كذا في الأصل، وبقية النسخ:«وتعاظم» .
(4)
(ك): «وجماله ونواله» .
(5)
الأصل: «يخاطب» ، وكتب الناسخ في الهامش:«أظنه: يحاط» وهو الصواب.
البصائر ولا الأفهام.
الحمد لله مؤيّد
(1)
الحقِّ وناصره، ودافعِ
(2)
الباطل وكاسره، ومُعِزِّ الطائع [ق 104] وجابره، ومُذِلِّ الباغي وداثره، الذي سعد بحضرة
(3)
الاقتراب من قدسه من قام بأعباء الاتباع في بنائه وأُسِّه، وفاز بمحبوبيّته في ميادين أُنسه مَن بَذَلَ ما يهواه في طلبه من قلبه وحِسِّه، وتَثَبَّت في مَهامِهِ
(4)
الشكوك منتظرًا زوالَ لَبْسِه، سبحانه وبحمده، وله
(5)
المثل الأعلى، والنور الأتمّ الأجلى، والبرهان الظاهر في الشريعة المُثلى.
وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الذي شَهِدَت بوحدانيته الفِطَر، وأَسْلم لربوبيّتهِ ذوو العقل والنظر، وظهرت أحكامُه في الآي والسُّوَر، وتمَّ اقتدارُه في تنزُّل القدر.
وأشهدُ أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدُه ورسولُه، الذي شهدت بنبوَّته الهواتف والأحبار، فكان قبل ظهوره يُنْتَظر
(6)
، وتلاحقت عند مبعثه معجزاته من حَنِيْن الجِذْع وانقياد الشَّجَر، صلواتُ الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل الخشية والحَذَر، والعلم المنوَّر، فهم قُدْوَة التابع للأثر.
(1)
الأصل: «مريد» والمثبت من بقية النسخ.
(2)
(ف، ك): «ودامغ» .
(3)
(ف): «بخطوة» .وأصلحها في (ط): «بحظوة» .
(4)
(ب): «ويثبت» . (ف): «وثبتت في مهابة» .
(5)
(ف، ك): «له» .
(6)
(ب): «وكان
…
تنتظر». و «ينتظر» سقط من (ف).
وبعد؛ فهذه رسالةٌ سطرها العبدُ الضعيف الراجي رحمةَ ربِّه وغفرانه، وكرمه وامتنانه: أحمد بن إبراهيم الواسطي ــ عامله الله بما هو أهله، فإنه أهل التقوى والمغفرة
(1)
ــ إلى إخوانه في الله، السادةِ العلماءِ، والأئمةِ الأتقياء، ذوي العلم النافع، والقلب الخاشع، والنور الساطع، الذين كساهم الله كسوة الاتّباع، وأرجو من كرمه أن يحقِّقهم بحقائق الانتفاع:
السيّد الأجلّ العالم الفاضل، فخر المحدِّثين ومصباح المتعبِّدين المتوجِّه إلى ربِّ العالمين؛ تقي الدين أبي حفص عُمر بن عبد الله
(2)
بن عبد الأحد بن شُقَيْر
(3)
.
والشيخ الأجلّ، العالم الفاضل، السَّالك الناسك ذي العلم والعمل، المكتسي من الصفات الحميدة أجملَ
(4)
الحُلل، الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الأحد الآمِدي
(5)
.
والسيّد الأخ، العالم الفاضل، السَّالك الناسك، التقيّ الصالح، الذي سيماء نور قلبه لائح على صفحات وجهه؛ شرف الدين محمد بن المنجَّى
(6)
.
والسيّد الأخ، الفقيه العالم، النبيل الفاضل، فخر المحدِّثين
(7)
؛
(1)
(ف، ك): «وأهل المغفرة» .
(2)
«بن عبد الله» سقط من (ب).
(3)
ترجمته في «أعيان العصر» : (3/ 632)، و «المنهج الأحمد»:(5/ 80).
(4)
(ف): «الجميلة وأجمل» .
(5)
ترجمته في «معجم الشيوخ» : (2/ 190) للذهبي، و «الدرر الكامنة»:(4/ 154).
(6)
ترجمته في «الذيل على طبقات الحنابلة» : (4/ 456).
(7)
(ف، ك): «المخلصين» ، وأصلحها في (ط):«المحصلين» .
زين الدين عبد الرحمن
(1)
بن محمود بن عُبيدان البعلبكّي
(2)
.
والسيّد الأخ، العالم الفاضل، السَّالك الناسك، ذي اللبِّ الراجح، والعمل الصالح، والسكينة الوافرة، والفضيلة الغامرة؛ نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن الصَّائغ
(3)
.
وأخيه السيد الأخ، العالم التقي الصالح، الخيِّر الدَّيِّن، العامل الثقة، الأمين الراجح، ذي السَّمْت الحسن، والدِّين المتين في الاتباع للسنن
(4)
؛ فخر الدين محمد
(5)
.
والأخ العزيز الصالح، الطالب لطريق ربِّه، والراغب في مرضاته وحبِّه، العالم الفاضل، الولد شرف الدين محمد بن سعدِ الدين سعدِ الله ابن بُخَيْخٍ
(6)
.
(1)
(ب): «بن عبد الرحمن» .
(2)
ترجمته في «الذيل على طبقات الحنابلة» : (5/ 50).
(3)
ترجمته في «أعيان العصر» : (5/ 197 ــ 199)، و «الدرر الكامنة»:(4/ 226). و «البداية والنهاية» : (18/ 511 - 512) ولقبه في المصادر: «بدر الدين» ، وعند ابن كثير «ناصر الدين» . توفي سنة (739).
(4)
(ك): «اتباع السنن» .
(5)
لم أجد ترجمته.
(6)
في الأصول: «نجيح» خطأ، وصوابه (بُخَيخ) بموحدة ثم خاء معجمة، ثم ياء مثناة من تحت، آخره خاء معجمة. انظر «توضيح المشتبه»:(1/ 369) لابن ناصر الدين الدمشقي. و «سعدالله» سقطت من (ب). توفي سنة (749). وترجمته في «ذيل طبقات الحنابلة» : (5/ 142 - 144).
وغيرهم من اللائذين بحضرة شيخهم وشيخنا السيد الإمام، الأُمَّة
(1)
الهمام، محيي السنة وقامع البدعة، ناصر الحديث ومفتي الفرق، الفاتق
(2)
عن الحقائق، ومُؤصِّلها بالأصول الشرعية للطالب الذائق، الجامع بين الظاهر والباطن، فهو يقضي بالحقِّ ظاهرًا وقلبه في العُلى قاطن. أنموذج الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين، الذين غابت عن القلوب سِيَرهم [ق 105]، ونَسِيَت الأمَّة حَذْوَهم وسُبُلهم، فذكَّرَهم بها الشيخ، فكان في دارس نهجهم سالكًا، ولمَوات حَذْوِهم محييًا، ولأعِنَّة قواعدهم مالكًا: الشيخُ الإمام تقيُّ الدين أبو العباس، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيميَّة، أعاد الله علينا
(3)
بركته، ورفعَ إلى مدارجِ العُلى درجتَه، وأدام توفيق السادة المبدوِّ بذكرهم وتسديدهم، وأجزل لهم حظَّهَم ومزيدَهم.
السلام عليكم معشر الإخوان ورحمة الله وبركاته، جَعَلنا الله وإياكم ممن ثبت على قَرْع نوائب الحق جأْشُه، واحتسبَ لله ما بذله من نفسه في إقامة دينه، وما احتوشه من ذلك وحاشه
(4)
، واحتذى حَذْو السُّبَّق الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين لم تأخذهم في الله لومةُ لائم، فما ضَرَّهم مَنْ خذلَهم ولا من خالفهم، مع قِلَّة عددهم في أوَّل الأمر، فكانوا مع ذلك كلٌّ منهم مجاهدٌ بدين الله قائم. ونرجو من كرم الله أن يوفِّقنا لأعمالهم، ويرزقَ
(1)
(ف): «إمام الأئمة» .
(2)
(ف، ك): «مفتي
…
».و (ك): «الفايق» .
(3)
«علينا» ليست في (ف، ك).
(4)
(ف، ك): «احتوشته» . و (ف): «وجاشه» .
قلوبنا قِسْطًا من أحوالهم، ويَنْظِمنا في سِلْكهم، تحت سَنْجقهم
(1)
ولوائهم، مع قائدهم وإمامهم سيِّد المرسلين، وإمام المتّقين، محمد صلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أذكِّركم ــ رحمكم الله ــ ما
(2)
أنتم به عالمون، عملًا بقوله تعالى:{وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55].
وأبدأُ من ذلك بأنْ أُوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى الله، وهي وصية الله تعالى إلينا وإلى الأمم من قبلنا، كما بيَّن سبحانه وتعالى قائلًا وموصِّيًا:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: 131].
وقد علمتم تفاصيلَ التقوى على الجوارح والقلوب، بحسب الأوقات والأحوال؛ من الأقوال والأعمال، والإرادات والنيات.
وينبغي لنا جميعًا أن لا نقنع من الأعمال بصُوَرِها، حتى نطالب قلوبنا بين يدي الله تعالى بحقائقها. ومع ذلك فلتكن لنا هِمَّةٌ عُلْوِيَّةٌ تترامى إلى أوطان القُرْب، [ونفحات]
(3)
المحبوْبِيَّة والحبّ. فالسعيدُ من حَظي من ذلك بنصيب، وكان مولاه
(4)
منه على سائر الأحوال قريبًا بخصوصِ التقريب، فيكتسي العبدُ من ذلك ثمرةَ الخشية والتعظيم للعزيز العظيم.
فالحبُّ والخشيةُ ثابتان في الكتاب العزيز والسنة المأثورة. قال تعالى:
(1)
(ك): «سجعتهم» .وغيرها في (ط): «سجفتهم» . والسنجق هو اللواء.
(2)
(ف، ك): «بما» .
(3)
زيادة من بقية النسخ.
(4)
(ب): «وكان منه مولى» .
{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: 54]، {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165]. وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]. وفي الحديث: «أسألك حُبَّكَ وحبَّ من أحَبَّك وحبَّ عملٍ يقرِّبني إلى حُبِّك»
(1)
. وفي الحديث: «لو تعلمون ما أعْلَم لضحِكْتُم قليلًا ولَبَكَيتُم كثيرًا، ولخرجتم إلى الصُّعُدَاتِ تجأرُوْنَ إلى الله»
(2)
.
ومعلومٌ أنُّ الناسَ يتفاوتون في مقامات الحبِّ والخشية؛ في مقامٍ أعلى من مقام، ونصيبٍ أرفعَ من نصيب، فلتكن همةُ أحدِنا من مقامات الحبِّ والخشية أعلاه، ولا يقنع إلا بِذرْوَته
(3)
وذُرَاه. فالهممُ القصيرة تقنع بأيسر نصيب، والهمم العليَّة تعلو مع الأنفاس إلى قُرْب
(4)
الحبيب، لا يشغلها عن ذلك ما هو دونه من الفضائل، والعاقلُ لا يقنعُ بأمرٍ مفضول عن حالٍ فاضل.
[ق 106] ولتكن الهمَّة مقسمةً على نيل المراتب الظاهرة، وتحصيل المقامات الباطنة، فليس من الإنصاف الانصبابُ إلى الظواهر، والتشاغل عن المطالب العلويَّة ذوات الأنوار البواهر.
وليكن لنا جميعًا
(5)
من الليل والنهار ساعةٌ، نخلو فيها بربِّنا جلَّ اسمه
(1)
أخرجه الترمذي (3235)، والحاكم:(1/ 521)، من حديث معاذ. قال البخاري والترمذي: حسن صحيح.
(2)
بهذا اللفظ أخرجه الترمذي (2312)، وابن ماجه (4190)، وأحمد (21516) وغيرهم من حديث أبي ذر. قال الترمذي حسن غريب. وبدون قوله «لخرجتم
…
» أخرجه البخاري (1044)، ومسلم (901) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
(ب): «أعلاه ولا بذروته» .
(4)
(ك): «قريب» .
(5)
(ك): «جمعًا» .
وتعالى قدسُه، نجمعُ بين يديه في تلك الساعة همومَنا، ونطرحُ أشغال الدنيا عن
(1)
قلوبنا، فنزهدُ فيما سوى الله ساعةً من نهار، فبذلك يعرفُ الإنسانُ حالَه مع ربِّه، فمن كان له مع ربِّه حالٌ، تحرَّكَت في تلك الساعة عزائمُه، وابتهجَتْ
(2)
بالمحبَّة والتعظيم سرائرُه، وطارت إلى العُلى زفراتُه وكوامِنُه. وتلك الساعة أنموذجٌ لحالة العبدِ في قبره، حين خُلُوِّه عن ماله وحِبِّه، فمن لم يُخْلِ قلبَه لله ساعةً من نهار، لِمَا احتوشَه من الهمومِ الدنيويّة وذوات الآصار. فلْيَعْلَم أنه ليس له ثَمَّ رابطة علويّة، ولا نصيبٌ من المحبة ولا المحبوبية، فلْيَبْكِ على نفسه، ولا يرضى منها إلا بنصيبٍ من قرب ربِّه وأُنْسِه
(3)
.
فإذا خَلَصَت
(4)
لله تلك الساعةُ أمكنَ إيقاعُ الصلواتِ الخمس على نمطها من الحضور والخشوع، والهيبة للربِّ العظيم في السجود والركوع.
فلا ينبغي لنا أن نبخل على أنفسِنا في اليوم والليلة من أربعٍ وعشرين ساعة بساعةٍ واحدةٍ لله الواحد القهَّار، نعبُدُه فيها حقَّ عبادته، ثم نجتهدُ على إيقاع الفرائض والتهجّد
(5)
على ذلك النَّهْج في رعايته، وذلك طريقٌ لنا جميعًا ــ إن شاء الله تعالى ــ إلى النفوذ
(6)
. فالفقيه إذا لم ينفُذْ في عِلْمه حصل
(1)
(ف، ك): «من» .
(2)
الأصل: «وانتهجت» .
(3)
«وأنسه» ليست في (ف).
(4)
(ف، ك): «حصلت» .
(5)
ليست في (ك، ط).
(6)
الأصل: «الفوز» وما أثبته من النسخ، ويؤيده قوله بعد ذلك: «إذا لم ينفذ
…
فالنافذ من الفقهاء .. لم ينفذ .. ».
له الشطر الظاهر، وفاته الشطرُ الباطن؛ لاتصاف قلبه بالجمود، وبُعْدِه في العبادة والتلاوة عن لين القلوب والجلود، كما قال تعالى:{تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر: 23]. وبذلك يرتقي الفقيه عن فقهاء عصرنا
(1)
ويتميَّزُ به عنهم، فالنافذ من الفقهاء له البصيرة المنوَّرَة، والذَّوق الصحيح، والفراسة الصادقة، والمعرفة التامّة، والشهادة على غيره بصحيح الأعمال وسقيمها. ومن لم ينفُذْ لم تكن له هذه الخصوصية، وأبصرَ بعضَ الأشياء وغاب عنه بعضُها.
فيتعيَّنُ علينا جميعًا طلبُ النفوذِ إلى حضرة قُرْب المعبودِ، ولقائه بذوق الإيقان، لنعبدَه كأنَّنا نراه، كما جاءَ في الحديث
(2)
.
وذلك بعد الحظوة في هذه الدار بلقاء
(3)
الرسول صلى الله عليه وسلم غيبًا في غيب، وسرًّا في سرٍّ، بالعكوفِ على معرفةِ أيامه وسننه واتباعها، فتبقى البصيرةُ شاخصةً إليه، تراه عيانًا في الغيب، كأنها معه صلى الله عليه وسلم وفي أيامه. فيجاهد على دينه، ويبذل ما استطاع من نفسه في نُصْرته.
وكذلك من سلك في طريق النفوذ يُرجَى له أن يلقى ربَّه بقلبه غيبًا في غيب، وسرًّا في سرٍّ، فيُرْزَق القلبُ قسطًا من المحبَّة والخشية والتعظيم [اليقيني]
(4)
، فيرى الحقائقَ بقلبه من وراءِ سِتْر رقيق. وذلك هو المُعَبَّر عنه
(1)
(ف): «عصر» .
(2)
في حديث جبريل الطويل أخرجه البخاري (50)، ومسلم (9) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(3)
(ف، ك): «وبعد ذلك الخطوة
…
تلقاء».
(4)
«اليقيني» من بقية النسخ.
بالنفوذ. ويصلُ إلى قلبه من وراء ذلك السِّتر ما يغمره من أنوار العظمة والجلال والبهاء والكمال، فيتنوَّر العلمُ الذي اكتَسَبَه العبد، ويبقى له كيفية أخرى زائدة على الكيفية المعهودة من [ق 107] البَهْجة
(1)
والأنوار، والقوّة في الإعلان والإسرار.
فلا ينبغي لنا أن نتشاغل عن نَيْل هذه الموهبة السَّنِيَّة بشواغل الدنيا وهمومها، فننقطع
(2)
بذلك ــ كما تقدّم ــ بالشيءِ المفضول عن الأمر المهمِّ الفاضل. فإذا سلَكْنا في ذلك بُرْهةً من الزمان، ورَزَقَنا الله تعالى نفوذًا وتمكَّنا في ذلك النفوذ، فلا تعودُ هذه العوارض الجزئيات
(3)
الكونيات تُؤَثِّر فينا إن شاء الله تعالى.
وليكن شأنُ أحدنا اليوم: التعديل بين المصالح الدنيوية والفضائل العلمية، والتوجُّهات القلبية، ولا يقنع أحدُنا بأحدِ هذه الثلاثة عن الآخَرَين، فيفوته المطلوب. ومتى اجتهد في التعديل فإنه إن شاء الله تعالى بقَدْر ما يحصِّل العبدُ جزءًا
(4)
من أحدهم، حصَّل جزءًا من الآخر، ثم بالصبر على ذلك تجتمع الأجزاءُ المحصَّلة، فتصيرُ مرتبةً عاليةً عند النهاية إن شاء الله تعالى.
هذا وإن كنتم ــ أيّدكم الله تعالى ــ بذلك عالمين، لكنّ الذِّكْرى تنفعُ المؤمنين.
(1)
الأصل: «المهجة» . والمثبت من باقي النسخ.
(2)
(ف): «فنقطع» . (ب): «فينقطع» .
(3)
رسمها في الأصل: «الجُزوَّيات» بتسهيل الهمز، لكن الشدة على الواو خطأ من الناسخ.
(4)
(ك): «للعبد جزء» .
فصل
واعلموا ــ أيَّدكم الله ــ أنه يجب عليكم أن تشكروا ربَّكم تعالى في هذا العصر، حيثُ جعلكم بين جميع أهل هذا
(1)
العصر كالشَّامة البيضاء في الحيوان الأسود. لكن من لم يسافر إلى الأقطار، ولم يتعرَّف أحوالَ الناس، لا يدري قَدْر ما هو فيه من العافية. فأنتم إن شاء الله تعالى كما قال الله تعالى في حقِّ هذه الأمة الأُولى
(2)
: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]، وكما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ
…
} الآية [الحج: 41].
أصبحتم إخواني تحت سَنْجق
(3)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ــ إن شاء الله تعالى ــ مع شيخكم وإمامكم، شيخنا وإمامنا المبدوء بذكره ــ رضي الله عنه ــ قد تميَّزتُم عن جميع أهل الأرض؛ من
(4)
فقهائها وفقرائها، وصوفيتها
(5)
وعوامها= بالدين الصحيح.
وقد عرفتم ما أحدَثَ الناسُ من الأحداث، في الفقهاء والفقراء، والصوفية والعوام. فأنتم اليوم في مقابلة الجهمية من الفقهاء، نصرتم اللهَ
(1)
ليست في (ب).
(2)
«كما قال تعالى» تأخرت في (ف، ك) إلى هذا الموضع. و «الأولى» ليست في (ب).
(3)
السنجق: اللواء أو الراية. وقد سبق.
(4)
ليست في (ف، ك).
(5)
(ف): «وصفويتها» خطأ.
ورسولَه في حفظ ما أضاعوه من دين الله، تصلحون ما أفسدوه من تعطيل صفات الله.
وأنتم أيضًا في مقابلة من لم ينفُذ في علمه من الفقهاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجَمَد
(1)
على مجرَّد تقليد الأئمة، فإنَّكم قد نصرتم الله ورسوله في تنفيذ العلم إلى أصوله من الكتاب والسنة، واتخاذ أقوال الأئمة تأنُّسًا
(2)
بهم لا تقليدًا لهم.
وأنتم أيضًا في مقابلة ما أحدثته أنواعُ الفقراء؛ من الأحمدية والحريرية، من إظهار شعار المُكاء والتَّصْدِية، ومؤاخاة النساء والصبيان، والإعراض عن دين الله، إلى خُرافات مكذوبة عن مشايخهم، واستنادهم
(3)
على شيوخهم، وتقليدهم في صائب
(4)
حركاتهم وخطائها، وإعراضهم عن دين الله الذي أنزله من السماء.
فأنتم بحمد الله تجاهدون هذا الصنف أيضًا كما تجاهدون من سبق. حفظتم من دين الله ما أضاعوه، وعرفتم ما جهلوه، تُقَوِّمون من الدين ما عوَّجوه، وتُصْلِحون منه ما أفسدوه.
وأنتم أيضًا في مقابلة [ق 108] رسميَّة الصوفية والفقهاء، وما أحدثوه من
(1)
(ف): «وجهد» .
(2)
(ف): «تأسّيًا» .
(3)
(ب): «إلى زخرفات مكذوبة على مشايخهم وإسنادهم» .
(4)
الأصل: «مصائب» ، ثم عدّلت إلى «صائب» .
الرسوم الوضعية
(1)
، والآصار الابتداعية، من التصنُّع باللباس، والأطواق
(2)
، والسجادة؛ لنيل الرزق من المعلوم، ولُبس البَقْيار
(3)
، والأكمام الواسعة في حضرة الدرس
(4)
، وتنميق الكلام، والعَدْو بين يدي المدرِّس
(5)
راكعين، حفظًا للمناصب، واستجلابًا للرزق والإدْرار.
فخَلَط هؤلاء في عبادة الله غيرَه، وتألَّهوا سواه، ففسدت قلوبُهم من حيث لا يشعرون؛ يجتمعون لغير الله بل للمعلوم، ويلبسون للمعلوم، وكذلك في أغلب حركاتهم يراعون ولاةَ المعلوم، فضيَّعوا كثيرًا من دين الله وأماتوه، وحفظتم أنتم ما ضيَّعوه، وقوَّمتم ما عوَّجوه.
وكذلك أنتم في مقابلة ما أحدثته
(6)
الزنادقةُ؛ من الفقراء والصوفية، من قولهم بالحلول والاتحاد، وتألُّه المخلوقات، كاليونسية، والعربية، والصدرية، والسبعينية، والسَّعدية
(7)
، والتِّلِمْسانية. فكلُّ هؤلاء بدَّلوا دين الله
(1)
الأصل: «الوصفية» ، والمثبت من بقية النسخ.
(2)
(الأصل، ف، ك، ط): «والأطراق» . والتصويب من (ب). والأطواق جمع طوق، وهو ما يُلبس حول العنق، وقد اتخذ جماعات من الصوفية لبس الأطواق من المسابح الطوال وغيرها شعارًا.
(3)
لفظة فارسية، وهي ضرب من العمائم يعتمرها الوزراء والكُتّاب والقضاة. انظر «معجم دوزي»:(1/ 407). أقول: وليست خاصة بهم فقد ورد في ترجمة ابن حمّوية المتصوّف قول الذهبي: «ثم تصوّف ولبس البقيار
…
». «تاريخ الإسلام» : (50/ 152).
(4)
(ب): «خضر الدروس» .
(5)
(ف): «المدارس» .
(6)
(ب): «أحدثوه» .
(7)
ليست في (ف، ك، ط).
وقلبوه، وأعرضوا عن شريعةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فاليونسية: يتألَّهون شيخَهم، ويجعلونه مَظْهَرًا للحقّ، ويستهينون
(1)
بالعبادات، ويظهرون بالفَرْعَنة والصَّولة، والسفاهة والمحالات، لما وَقَر في بواطنهم من الخيالات الفاسدة. وقِبلتهم الشيخ يونس
(2)
. ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم والقرآنُ المجيد عنهم بمعزل، يؤمنون به بألسنتهم، ويكفرون به بأفعالهم.
وكذلك الاتحاديّة، يجعلون الوجود مَظْهَرًا للحقِّ، باعتبار أن [لا]
(3)
متحرِّك في الكون سواه، و [أن لا] ناطق في الأشخاص غيرُه
(4)
. وفيهم من لا يفرق بين الظاهر والمظهر، فيجعل الأمر كموج البحر، فلا يفرّق بين عين الموجَة وبين عين البحر، حتَّى إن أحدهم يتوهَّم أنه الله، فينطق على لسانه، ثم يفعل ما أراد من الفواحش والمعاصي؛ لأنَّه يعتقد ارتفاع المثنوية
(5)
، فمن العابدُ ومن المعبود؟ صار الكلُّ واحدًا! !
اجتمعنا بهذا الصنف في الرُّبُط والزوايا.
فأنتم بحمد الله قائمون في وجه هؤلاء أيضًا تنصرون الله ورسوله، وتذبُّون عن دينه، وتعملون على إصلاح ما أفسدوا، وعلى تقويم ما عوّجوا. فإنَّ هؤلاء محوا رَسْم الدِّين، وقلعوا أثره، فلا يقال: أفسدوا ولا
(1)
(ب): «ويشتهرون» .
(2)
تقدمت ترجمته (ص 65).
(3)
الزيادة من (ف، ك).
(4)
ما بين المعكوفين من (ف)، وفي (ك):«ولا ناطق» ، وسقطت من الأصل وب. وفي الأصل وب:«غيرهم» .
(5)
(ب): «الثنوية» .
عوَّجوا، بل بالغوا في هَدْم الدين ومَحْوِ أثره! ولا قُربة أفضل
(1)
عند الله تعالى من القيام بجهاد هؤلاء بمهما أمكن، وتبيين مذاهبهم للخاصِّ والعام. وكذلك جهادُ كلِّ من ألْحَد
(2)
في دين الله وزاغ عن حدوده وشريعته، كائنًا في ذلك ما كان من فتنةٍ وقول، كما قيل:
إذا رضيَ الحبيبُ فلا أُبالي
…
أقام الحيُّ أم جدَّ الرَّحِيْلُ
(3)
وبالله المستعان.
وكذلك أنتم ــ بحمد الله ــ قائمون بجهاد الأمراء والأجناد، تصلحون ما أفسدوا من المظالم والإجحافات، وسوء السيرة الناشئة عن الجهل بدين الله، بما أمكن. وذلك لبعد [ق 109] العهد عن دين
(4)
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأنَّ له اليوم سبعمائة سنة، فأنتم بحمد الله تجدِّدون ما دَثَر من ذلك، بل يُجَدِّد الله بكم وبشيخكم إن شاء الله ما عفا من ذلك ودَثَر
(5)
.
وكذلك أنتم ــ بحمد الله ــ قائمون في وجوه العامة، مما أحدثوا من تعظيم الميلادة
(6)
، والقَلَنْدس، وخميس البيض
(7)
، والشّعانين، وتقبيل
(1)
سقطت من (ب).
(2)
(ب): «اتخذ» .
(3)
لم أجده.
(4)
ليست في (ك، ط).
(5)
«بل يجدد
…
من ذلك» سقطت من (ف، ك، ط).
(6)
كذا في النسخ، وفي مواضع من «الفتاوى»:(25/ 319، 329)، و «الاقتضاء»:(1/ 552، 2/ 5، 11) وغيرها: «الميلاد» .
(7)
في «الفتاوى» : «خميس العدس» ، وهذا الخميس من أعياد النصارى وله عدة إطلاقات، فيسمى «الخميس الكبير» ، وربما أضيف إلى البيض أو العدس لأنهم كانوا يصبغون البيض ويطبخون باللبن. انظر «مجموع الفتاوى»:(25/ 319، 321)، و «الاقتضاء»:(1/ 533، 536، 539، 2/ 12) وغيرها.
القبور والأحجار، والتوسُّل عندها. ومعلومٌ أن ذلك كلَّه من شعائر النصارى والجاهلية. وإنما بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ليُوَحَّد الله ويُعبد وحده
(1)
، ولا يُتألَّه معه شيء من مخلوقاته. بعثه الله تعالى ناسخًا لجميع الشرائع والأديان والأعياد، فأنتم بحمد الله قائمون بإصلاح ما أفسد الناسُ من ذلك.
وقائمون في وجوه من ينصر هذه البدع من مارقي الفقهاء، أهل الكيد والضِّرار لأولياء الله، أهل المقاصد الفاسدة، والقلوب التي هي عن نَصْر الحقِّ حائدة
(2)
.
وإنما أَعْرَض هذا الضعيفُ عن ذكر قيامكم في وجوه التتر والنصارى واليهود، والرافضة والمعتزلة والقدرية، وأصناف أهل البدع والضلالات؛ لأنَّ النَّاس متفقون على ذمِّهم، يزعمون أنَّهم قائمون بردِّ بدعتهم، ولا يقومون بتوفية حقِّ الرَّدِّ عليهم كما تقومون، بل يعلمون ويَجْبُنون عند
(3)
اللقاء فلا يجاهدون، وتأخذهم في الله اللائمة لحفظ مناصبهم، وإبقاءً على أعراضهم.
سافرنا البلاد فلم نرَ من يقوم بدين الله في وجوه مثل هؤلاء ــ حقَّ القيام ــ سواكم، فأنتم القائمون في وجوه هؤلاء ــ إن شاء الله ــ بقيامكم
(1)
بعده في (ب): «لا يعبد» .
(2)
(ب): «جامدة» .
(3)
(ف، ك): «عن» .
بنُصرة شيخكم وشيخنا ــ أيده الله ــ حقَّ القيام، بخلاف
(1)
من ادَّعى من الناس أنهم يقومون بذلك.
فصبرًا يا إخواني على ما أقامكم الله فيه، من نُصرة دينه وتقويم اعوجاجه، وخذلان أعدائه. واستعينوا بالله، ولا تأخذكم في الله
(2)
لومة لائم، وإنَّما هي أيام قلائل، والدين منصور، قد تولَّى الله إقامته
(3)
، ونُصْرة من قام به من أوليائه، إن شاء الله، ظاهرًا وباطنًا.
وابذلوا فيما أقمتم فيه ما أمكنكم من الأنفس والأقوال والأفعال والأموال، عسى أن تلحقوا بذلك بسلفكم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلقد عرفتم ما لقوا في ذات الله، كما قال خُبَيْب حين صُلِبَ على الجذع
(4)
:
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
…
يُبارك على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع
وقد عرفتم ما لقي رسول
(5)
الله صلى الله عليه وسلم من الضرِّ والفاقة في شعب بني هاشم، وما لقي السابقون الأولون من التعذيب والهجرة إلى الحبشة، وما لقي المهاجرون والأنصار في أُحد، وفي بئر معونة، وفي قتال أهل الرِّدَّة، وفي جهاد الشام والعراق، وغير ذلك.
وانظروا كيف بذلوا نفوسهم وأموالهم لله، حُبًّا له، وشوقًا إليه. فكذلك
(1)
سقط «أيده الله» «بخلاف» من (ب).
(2)
بقية النسخ: «فيه» بدل «في الله» .
(3)
(ك) زيادة: «ونَصْره» .
(4)
أخرج القصة بطولها البخاري (3045) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
(ب): «أصحاب رسول
…
».
أنتم ــ رحمكم الله ــ كلٌّ منكم على قدر إمكانه [ق 110] واستطاعته، بفعله، وبقوله، وبخطِّه، وبقلبه، وبدعائه. كلُّ ذلك جهاد. أرجو أن لا يخيبَ مَنْ عاملَ اللهَ بشيءٍ من ذلك؛ إذ لا عيش إلَّا في ذلك، ولو لم يكن فيه إلَّا أنَّ
(1)
هِمَمَكُم مزاحِمةٌ لأهل الزيغ، ومُشوِّشة لهم، تُبغضونهم في الله، وتطلبون استقامته في دين الله، وذلك من الجهاد الباطن إن شاء الله تعالى.
فصل
ثم اعرفوا إخواني حقَّ ما أنعم الله عليكم من قيامكم بذلك، واعرفوا طريقكم إلى ذلك، واشكروا الله تعالى عليها، وهو أن أقام لكم ولنا في هذا العصر مثل سيِّدنا الشيخ الذي فتح الله به أقفال القلوب، وكشف به عن البصائر عمى الشُّبهات وحيرة الضلالات، حيث تاه العقلُ بين هذه الفرق، ولم يهتد
(2)
إلى حقيقة دين الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن العجب أنَّ كلًّا منهم يدَّعي أنه على دين الرسول، حتى كشف الله لنا ولكم بواسطة هذا الرجل عن حقيقة دينه الذي أنزله من السماء وارتضاه لعباده.
واعلموا أنَّ في آفاق الدنيا أقوامًا يعيشون أعمارهم بين هذه الفرق، يعتقدون أنَّ تلك البدع حقيقةُ الإسلام، فلا يعرفون الإسلام إلا هكذا!
فاشكروا الله الذي أقام لكم في رأس السبع مئة من الهجرة من بَيَّن
(3)
(1)
«أن» من الأصل فقط.
(2)
(ف): «يهتدوا» .
(3)
(ب): «أقام في
…
من يبين».
لكم أعلام دينكم، وهداكم الله به وإيانا إلى نهج شريعته، وبيَّن لكم بهذا النور المحمَّدي ضلالات العبَّاد وانحرافاتهم، فصرتم تعرفون الزائغ من المستقيم، والصحيح من السقيم. وأرجوا أن تكونوا أنتم الطائفة المنصورة، الذين لا يضرُّهم من خَذَلهم ولا من خالفهم، وهم بالشام إن شاء الله تعالى.
فصل
ثم إذا علمتم ذلك؛ فاعرفوا حقَّ هذا الرجل ــ الذي هو بين أظهركم ــ وقدْرَه، ولا يعرفُ حقَّه وقدره إلَّا من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم وحقَّه وقَدْره. فمن وقع دينُ الرسول صلى الله عليه وسلم من قلبه بموقعٍ يستحقُّه، عرف ما قام هذا الرجل به
(1)
بين أظهر عباد الله؛ يُقوِّم معوَجَّهم، ويُصلح فسادهم، ويلُمّ شَعَثَهم جَهْد إمكانه، في الزمان المظلم، الذي انحرف فيه الدين، وجُهِلَت السنن، وعُهِدَت البدع، وصار المعروف منكرًا، والمنكر معروفًا، والقابضُ على دينه كالقابض على الجمر، فإنَّ أجر من قام بهذا
(2)
النور في هذه الظلمات لا يُوْصَف وخطره لا يُعرَف.
هذا إذا عرفتموه أنتم من حيثيَّة الأمر الشرعي الظاهر، فهنا قومٌ عرفوه من حيثيّةٍ أُخرى من الأمر الباطن، ومن نُفُوذه
(3)
إلى معرفة أسماء الله
(1)
(ب، ف، ك): «عرف حق ما قام» .
(2)
«أجر» غيَّرها في الأصل إلى «آخر» وهي كذلك في (ب). وفي (ك): «قام بإظهار هذا» .
(3)
(ك، ط): «يقوده» .
تعالى وصفاته، وعظمةِ ذاته، واتصال قلبه بأشعة أنوارها، والاحتظاء
(1)
من خصائصها وأعلى أذواقها، ونفوذه من الظاهر إلى الباطن، ومن الشهادة إلى الغيب، ومن الغيب إلى الشهادة، ومن عالم الخلق إلى عالم الأمر، وغير ذلك ممَّا لا يمكن شرحُه في كتاب.
فشيخكم ــ أيدكم الله ــ عارفٌ
(2)
بأحكام الله الشرعية، عارفٌ بأحكامه القدرية، عارفٌ بأحكام أسمائه [ق 111] وصفاته الذاتية. ومثلُ هذا العارف قد يبصر ببصيرته تنزُّلَ الأمر بين طبقات السماء والأرض، كما قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ
…
}
(3)
[الطلاق: 12].
فالناسُ يحِسُّون بما يجري في عالم الشهادة، وهؤلاء بصائرهم شاخصةٌ إلى الغيب، ينتظرون ما تجري به الأقدار، يشعرون بها أحيانًا عند تنزُّلها.
فلا تُهوِّنوا أمرَ مثل هؤلاء في انبساطهم مع الخلق، واشتغال أوقاتهم بهم، فإنهم كما حُكي عن الجُنيد ــ رحمه الله ــ أنه قيل له:«كم تنادي على الله تعالى بين الخلق؟ فقال: أنا أنادي على الخلق بين يدي الله» .
فاللهَ اللهَ في حفظ الأدب معه، والانفعال لأوامره، وحفظ حُرُماته في الغيب والشهادة، وحُبِّ من أحبَّه، ومجانبة من أبغضه أو عابَه وانتقصه
(4)
، وردِّ غيبتِه، والانتصار له في الحقِّ.
(1)
(ف): «والاختصاص» .
(2)
(ف، ك): «عارف بذلك عارف
…
».
(3)
الآية في (ف، ك) إلى قوله: «شيء قدير» .
(4)
(ف): «من بغضه وانتقصه» ، (ك):«أبغضه وتنقّصه» . وسقط عنهما «أو عابه» .
واعلموا ــ رحمكم الله ــ أنَّ هنا من سافر إلى الأقاليم، وعرف الناس أذواقهم وأشرف على غالب أحوالهم، فوالله ثم والله ثم والله، لم يُرَ تحت أديم السماء مثل شيخِكم؛ علمًا
(1)
، وحالًا وخُلُقًا، واتباعًا وكرمًا، وحلمًا في حقِّ نفسه، وقيامًا في حقِّ الله عند انتهاك حُرُماته. أصدق الناس عقدًا، وأصحُّهم علمًا وعزمًا، وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحقّ وقيامه هِمَّةً، وأسخاهم كفًّا، وأكملهم اتباعًا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
ما رأينا في عصرنا هذا من تُسْتجلى النبوّة المحمديّة وسنتها
(2)
من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل، بحيثُ يشهد القلب الصحيح أنَّ هذا هو الاتباع حقيقةً.
وبعد ذلك كلِّه فقول الحقِّ فريضة، فلا ندَّعي فيه العصمة عن الخطأ
(3)
، ولا ندَّعي إكماله لغايات الخصائص المطلوبة، فقد يكون في بعض الناقصين خصوصية مقصودة مطلوبة لا يتم الكمالُ إلا بها [و] تلك الخصوصية في غيره أكمل مما هي فيه، بمعنى أنَّ ذلك متّصِف بحقائقها مثلًا؛ لانفراد همة وقته
(4)
بها، وتَفْرِقة شيخنا في فضائل مهمةٍ دينيَّةٍ وغيرها
(5)
. ولو حقّقنا لوجدنا شيخَنا أفضلَ من ذلك الرجل مع قيامه
(1)
بقية النسخ: «علمًا وعملًا» .
(2)
(ف، ك): «وسننها» .
(3)
(ف): «تدّعى فيه» . و (ب): «عن الخطايا» .
(4)
(ب): «همه ووقته» .
(5)
(ب): «غيرها» .
بتلك
(1)
الخصوصية. وهذا القدر لا يجهله منصفٌ عارفٌ. ولولا أنَّ قول الحق فريضة، والتعصُّب للإنسان هوى، لأعرضتُ عن ذكر هذا، لكن يجبُ قول الحقِّ إن ساء أو سرَّ، وبالله المستعان.
إذا علمتم ذلك ــ أيدكم الله ــ فاحفظوا قلبه، فإنَّ مثل هذا قد يُدعَى عظيمًا في ملكوت السماء. واعملوا على رضاه بكل ممكن، واستجلبوا وُدَّهُ لكم وحُبَّه إيَّاكم بمهما قدرتم عليه، فإنَّ مثل هذا يكون شهيدًا، والشهداءُ في العصر تبع لمثله، فإن حَصَلت لكم محبَّتُه رجوتُ لكم بذلك خصوصية أكتُمُها ولا أذكرها، وربّما يفطن لها الأذكياء منكم، وربَّما سمحت نفسي بذكرها كيلا
(2)
أكتم عنكم نُصحي.
وتلك الخصوصية هي: أن تُرزَقوا قسطًا من نصيبه الخاصِّ المحمَّديّ مع الله، فإنَّ ذلك إنَّما يسري بواسطة محبَّة الشيخ للمريد، واستجلاب المريد محبَّة الشيخ بتأتّيه
(3)
معه، وحِفْظ قلبه وخاطره، واستجلاب وُدِّه ومحبته، فأرجو بذلك لكم قسطًا ممّا [ق 112] بينه وبين الله تعالى، فضلًا عمّا تكتسبونه
(4)
من ظاهر علمه وفوائده وسياسته، إن شاء الله تعالى.
وأرجو أنَّكم إذا فتحتم بينكم وبين ربِّكم تصحيحَ
(5)
المعاملة، بحفظ تلك الساعة مع الله تعالى بالزهد فيها عما سواه، واستصحاب حكم تلك
(1)
«تلك الخصوصية
…
بتلك» سقط من (ف، ك، ط).
(2)
(ف): «لئلا» .
(3)
الأصل: «بتأسِّه» .
(4)
(ف، ك، ط): «تكسبونه» .
(5)
(ف، ك): «بصحيح» .
الساعة
(1)
في الصلوات الخمس والتهجُّد= أن ينفتح لكم معرفة حقيقة
(2)
هذا الرجل ونبئه إن شاء الله تعالى.
وإنّما ذكرتُ حفظ الساعة ــ وإن كان في الصلوات الخمس كفاية إذا قام العبد فيها بحقّ الله تعالى ــ وذلك لأنَّ الصلاة قد تهجُم على العبد وقلبُه مأخوذٌ في جواذب الظاهر، فلا يعرف نصيبَ قلبهِ من ربِّه، فإذا عرف فيها كان
(3)
للعبد ساعةٌ بين الليل والنهار عرفَ فيها نصيب قلبِه من ربِّه، فإذا جاءت الصلوات، عرف فيها حالَه وزيادَته ونقصانه باعتبار حالته مع ربّه في تلك الساعة. وبالله المستعان.
فصل
وإذا عرفتم قدر دين الله تعالى الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وعرفتم قدر حقائق الدين الذي يعبَّر عنه بالنفوذ إلى الله تعالى، والحظوة بقربه، ثم عرفتم اجتماع الأمرين في شخصٍ معيَّن، ثم عرفتم انحراف الأمة عن الصِّراط المستقيم، وقيام الرجل المُعيَّن الجامع للظاهر والباطن في وجوه المنحرفين، يَنْصر اللهَ تعالى ودينَه، ويقوِّم معوجَّهم، ويلُمُّ شَعَثهم، ويُصلح فاسدهم. ثم سمعتم بعد ذلك طَعْنَ طاعنٍ عليه من أصحابه أو من غيرهم، فإنه لا يخفى عليكم
(4)
مُحِقٌّ هو أو مُبْطِل إن شاء الله.
(1)
«مع الله .. الساعة» سقطت من (ف، ك، ط). و «حكم» ليست في (ب).
(2)
(ف): «أن يفتح
…
». (ب): «حقيقية» .
(3)
العبارة في (ف، ك): «من ربه فيها، فإذا كان» . و «عرف» ليست في (ب).
(4)
بقية النسخ: «عنكم» .
وبرهانُ ذلك: أنَّ المحقّ طالب
(1)
الهدى والحقّ يعرض
(2)
عند من أنكر عليه ذلك الفعل الذي أنكره، إمّا بصيغة السؤال أو الاستفهام بالتلطُّف عن ذلك النقص الذي رآه فيه، أو بلغه عنه. فإن وجد هناك اجتهادًا أو رأيًا أو حُجَّةً، قنع بذلك وأمسك، ولم يُفشِ ذلك إلى غيره، إلا مع إقامة ما بيَّنه من الاجتهاد أو الرأي أو الحجَّة، ليَسُدَّ الخلل بذلك.
فمثل هذا يكون طالبَ هدًى، مُحبًّا ناصحًا
(3)
، يطلبُ الحقَّ، ويرومُ تقويم أستاذه عن انحرافه، بتعريفه وتعريضه
(4)
، كما يرومُ أستاذُه تقويمَه. كما قال بعضُ الخلفاء الراشدين ــ ولا يحضرني اسمه ــ: إذا اعوججْتُ فقوِّموني
(5)
.
فهذا حقٌّ واجب بين الأستاذ والطالب، فإنَّ الأستاذ يطلبُ إقامة الحجّة
(6)
على نفسه ليقوّم به، ويتَّهم نفسَه أحيانًا، ويتعرَّف أحوالَه من غيره، مما عنده من النَّصَفَة وطلب الحقّ، والحذر من الباطل، كما يطلب المريد ذلك من شيخه من التقويم، وإصلاح الفاسد من الأعمال والأقوال.
(1)
الأصل: «يطلب» .
(2)
(ف، ك، ط): «بغرض» .
(3)
الأصل بالرفع.
(4)
(ف): «تغريضه» ، (ك):«وتفويضه» .
(5)
هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبته المشهورة حين توليه الخلافة. أخرجه البزار في «مسنده» (100)، والطبراني في «الأوسط» (8597)، وغيرهم من طرق عنه.
(6)
(ف، ك، ط): «الحقّ» .
ومن براهين المحقّ
(1)
: أن يكون عدلًا في مَدْحه، عدلًا في ذمِّه، لا يحمله الهوى ــ عند وجود المراد ــ على الإفراط في المدح، ولا يحمله الهوى ــ عند تعذّر المقصود ــ على نسيان التفاضيل
(2)
والمناقب، وتعديد المساوئ والمثالب.
فالمحقُّ في حالتي غضبه ورضاه، ثابتٌ على مدح من مدحه وأثنى عليه، ثابتٌ على ذمّ من ثلبه وحطَّ عليه.
وأمَّا من عمل كراسةً في عدِّ مثالب
(3)
هذا الرجل القائم بهذه الصفات [ق 113] الكاملة بين أصناف هذا العالم المنحرف، في هذا الزمان المظلم، ثم ذكر مع ذلك شيئًا من فضائله، ويُعلم أنه ليس المقصود ذكر الفضائل، بل المقصود تلك المثالب، ثم أخذ الكرّاسة يقرؤها على أصحابه واحدًا واحدًا في خَلْوة، يوقفُ بذلك همَّهم
(4)
عن شيخهم، ويُريهم قدحًا فيه
(5)
= فإني استخير الله وأجتهد رأيي في مثل هذا الرجل، وأقول انتصارًا لمن ينصر دينَ الله، بين أعداء الله في رأس السبعمائة، فإنَّ نُصرة مثل هذا
(1)
(ب): «الحقّ» .
(2)
بقية النسخ: «الفضائل» .
(3)
(ف): «مثالب مثل» .
(4)
(ب): «هممهم» .
(5)
عقد الأستاذ أبو الفضل القونوي في كتابه الفذ «أضواء على الرسالة المنسوبة إلى الحافظ الذهبي: النصيحة الذهبيّة لابن تيمية» (ص 139 - 148 - ط 2 تحت الإعداد) فصلًا عن كاتب هذه الرسالة، خلص فيه إلى أن كاتبها هو قاضي اللاذقية علي بن عبد الرحمن ابن السرّاج والد محمد بن السرّاج خصم ابن تيمية ورفيقه في الطلب.
الرجل واجبة على كلِّ مؤمن، كما قال ورقة بن نوفل:«لئن أدركني يومُك لأنصُرنَّك نصرًا مُؤزّرًا»
(1)
. ثمّ أسأل الله العصمةَ فيما أقول عن تعدِّي الحدود والإخلاد إلى الهوى
(2)
.
أقول: مثل هذا ــ ولا أُعيِّن الشخص المذكور بعينه ــ لا يخلو من أمور:
أحدها: أن يكون ذا سنٍّ تغيَّر رأيه لسِنِّه، لا بمعنى أنه اضطرب، بل بمعنى أنَّ السنَّ إذا كبر يجتهد صاحبه للحقِّ، ثم يضعه في غير مواضعه. مثلًا يجتهد أنَّ إنكار المنكر واجب، وهذا منكرٌ، وصاحبه قد راج على الناس. فيجبُ عليَّ تعريف الناس ما راج عليهم. ويغيبُ عنه
(3)
المفاسدُ في ذلك.
فمنها: تخذيلُ الطلبة، وهم مضطرّون
(4)
إلى محبَّة شيخهم، ليأخذوا عنه، فمتى تغيَّرت قلوبهم عليه، ورأوا فيه نقصًا، حُرِمُوا فوائده الظاهرة والباطنة، وخيف عليهم المَقْت
(5)
من الله أوَّلًا ثم من الشيخ ثانيًا.
المفسدة الثانية: إذا شعر أهلُ البدع الذين نحن وشيخنا قائمون الليلَ والنهارَ بالجهاد أو التوجُّه في وجوههم لنصرة الحقِّ= أنَّ في أصحابنا من
(1)
أخرجه البخاري رقم (3)، ومسلم (160) من حديث عائشة رضي الله عنها في حديث بدء الوحي الطويل.
(2)
الأصل: «الهدى» خطأ.
(3)
(ف، ك، ط): «وتغيب عنهم» .
(4)
(ف): «مضطربون» خطأ.
(5)
رسمها في الأصل: «الموت» .
يثْلب
(1)
رئيسَ القوم بمثل هذا، فإنَّهم يتطرَّقون بذلك إلى الاشتفاء بأهل الحقِّ ويجعلونه حجَّةً لهم.
المفسدة الثالثة: تعديد المثالب في مقابلة ما يستغرقها ويزيدُ عليها بأضعافٍ كثيرة من المناقب، فإنَّ ذلك ظلمٌ وجهل
(2)
.
والأمر الثاني ــ من الأمور الموجبة لذلك ــ: تغيُّر حاله وقلبه، وفساد سلوكه بحسدٍ كان كامنًا
(3)
فيه، وكان يكتمه بُرهةً من الزّمان، فظهر ذلك الكمين في قالبٍ، صورتُه حقٌّ ومعناه باطل.
فصل
وفي الجملة ــ أيَّدكم الله ــ إذا رأيتم طاعنًا
(4)
على صاحبكم، فافتقدوه في عقله أوَّلًا، ثم في فهمه، ثم في صِدْقه، ثم في سنِّه. فإذا وجدتم الاضطراب في عقله، دلَّكم على جهله بصاحبكم، وبما
(5)
يقول فيه وعنه. ومثله قلَّة الفهم. ومثله عَدَم الصدق أو قصوره؛ لأنَّ نقصان الفهم يؤدِّي إلى نقصان الصدق بحسب ما غاب عقله عنه
(6)
. ومثلُه العلوّ في السنِّ،
(1)
(ف): «سلب» ، (ك):«ثلب» .
(2)
(ف): «أو جهل» .
(3)
(ب): «بحسد كامن» .
(4)
الأصل: «طاغيًا» !
(5)
(ب، ف): «دلكم ذلك على
…
»، (ف، ك): «وما يقول
…
».
(6)
(ف): «عنه عقله» ، و (ب) سقطت «عنه» .
فإنَّه يشيخ فيه الرأي والعقل، كما يشيخُ فيه القُوى الظاهرة الحِسِّيَّة. فاتَّهِموا مثل هذا الشخص واحذروه، وأعْرِضوا عنه إعراضَ
(1)
مداراةٍ بلا جدل ولا خصومة.
وصفة الامتحان بصحة
(2)
إدراك الشخص وعقله وفهمه: أن تسألوه عن مسألة سلوكية أو علمية [ق 114] فإذا أجاب عنها، فأَورِدوا
(3)
على الجواب إشكالًا متوجِّهًا بتوجيهٍ صحيح، فإن رأيتم الرجل يروحُ
(4)
يمينًا وشمالًا، ويخرج عن ذلك المعنى إلى معانٍ خارجة، وحكايات ليست في المعنى حتى يُنْسِي ربَّ المسألةِ سؤالَه، حيث توَّهَه
(5)
عنه بكلام لا فائدة فيه. فمثل هذا لا تعتمدوا على طعنه ولا على مدحه، فإنَّه ناقص الفطرة، كثير الخيال، لا يثبت على تحرير
(6)
المدارك العلمية، ولا تنكروا مثل إنكار هذا، فإنَّه اشتهر قيام ذي الخُوَيصِرَةِ التميمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله له:«اعْدِل فإنَّك لم تعدل، إنَّ هذه قسمةٌ لم يُرَد بها وَجْهُ الله تعالى»
(7)
ونحو ذلك.
(1)
ليست في (ب).
(2)
بقية النسخ: «لصحة» .
(3)
بقية النسخ: «أوردوا» .
(4)
(ف): «يروج» .
(5)
الأصل و (ب): «توهمه» خطأ.
(6)
(ك): «تحرِّي» .
(7)
أخرجه البخاري (3610) ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
فوقوع ذلك
(1)
وأمثاله من بعض معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنَّه قال:«لتركَبُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم حَذْو القُذَّةِ بالقُذَّة»
(2)
. وإن كان ذلك في اليهود والنصارى، لكن لَّما كانوا منحرفين عن نهج الصواب، فكذلك يكونُ في هذه الأمة من يحذو حذو كلِّ منحرفٍ وُجِد في العالم، متقدِّمًا كان أو متأخّرًا، حذو القُذَّة بالقُذَّة، حتَّى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلوه.
يا سبحان الله العظيم! أين عقولُ هؤلاء؟ أَعَمِيَت أبصارهم وبصائرهم؟ أفلا يرون ما الناس فيه من العَمَى والحيرة في الزمان المظلم المُدْلَهمِّ، الذي قد ملكت فيه الكفَّارُ مُعظم الدنيا؟ وقد بقيت هذه الخطة
(3)
الضيّقة يشمّ فيها المؤمنون رائحةَ الإسلام؟ وفي هذه الخطة الضيِّقة من الظلمات من علماء السوء، والدُّعاة إلى الباطل وإقامته، ودَحْض الحقِّ وأهله، ما لا يُحْصَر في كتاب.
ثمَّ إنّ الله تعالى قد رَحِمَ هذه الأمة بإقامة رجلٍ قويِّ الهِمَّة، ضعيف التركيب، قد فرَّق نفسَه وهمَّه في مصالح العالم، وإصلاح فسادهم، والقيام بمهمَّاتهم وحوائجهم، ضِمْن ما هو قائم بصدَدِ البدع والضلالات، وتحصيل موادِّ
(4)
العلم النبويّ الذي يُصلح به فسادَ العالم، ويردّهم إلى الدين الأول العتيق جُهدَ إمكانه؟ وإلاّ فأين حقيقة الدين العتيق؟
(1)
بقية النسخ: «هذا» .
(2)
أخرجه بنحوه البخاري (3456)، ومسلم (2669) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
(ب): «اللحظة» وكذا ما بعدها.
(4)
(ب): «مراد» .
فهو مع هذا كلّه قائمٌ بجملة ذلك وحده، وهو منفردٌ بين أهل زمانه، قليلٌ ناصرُه، كثيرٌ خاذلُه وحاسدُه والشامت فيه!
فمثل هذا الرجل في هذا الزمان، وقيامه بهذا الأمر العظيم الخطير فيه= أيُقال له: لِمَ تردُّ على الأحمدية؟ لِمَ لا تعدل في القِسْمَة؟ لِمَ تدخل على الأمراء؟ لم تقرِّب
(1)
زيدًا وعَمرًا؟
أفلا يستحيي العبدُ من الله يذكر مثل هذه الجُزْئيَّات في مقابلة مثل
(2)
هذا العبء الثقيل؟ ولو حُوقِق الرَّجلُ على هذه الجُزْئيَّات وُجدَ عنده نصوصٌ صحيحة، ومقاصدُ صحيحة
(3)
، ونيَّات صحيحةٌ، تغيبُ عن الضعفاء العقول، [بل عن الكُمَّل منهم]
(4)
حتى يسمعوها.
أمَّا ردُّه على الطائفة الفلانية
(5)
ــ أيها المُفْرِّط التائه، الذي لا يدري ما يقول ــ أفيقوم دين محمد بن عبد الله الذي أُنزل من السماء إلا بالطعن على هؤلاء؟ وكيف يظهر الحقّ إن لم يُخْذَل الباطل؟ لا يقول مثلَ هذا إلاّ تائه، أو مُسنٌّ، أو حاسدٌ؟
وكذا القسمة [ق 115] للرجل، في ذلك اجتهاد صحيح، ونظرٌ إلى مصالح تترتَّب
(6)
على إعطاء قوم دون قوم، كما خصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم الطُّلقاء
(1)
(ف): «يقرب» .
(2)
من الأصل فقط.
(3)
«ومقاصد صحيحة» سقطت من (ف).
(4)
ما بين المعكوفين من باقي النسخ.
(5)
يعني الصوفية الرفاعية.
(6)
(ب): «ترتب» .
بمائة من الإبل، وحَرَم الأنصار، حتى قال منهم أحداثُهم شيئًا في ذلك، لا ذوو الأحلام، وفيها
(1)
قام ذو الخُوَيصرة فقال ما قال.
وأما دُخُوله على الأُمراء؛ فلو لم يكن، كيف كان شمَّ الأمراءُ رائحةَ الدين العتيق الخالص؟ ولو فتَّش المفتِّشُ لوجد هذه الكيفية التي عندهم من رائحة الدين، ومعرفة المنافقين، إنَّما اقتبسوها من صاحبكم.
وأمَّا تقريب زيد وعَمْرو؛ فلمصلحة باطنة، لو فُتِّش عنها مع الإنصاف، وُجِد هناك ما يُرِي أنَّ ذلك عين
(2)
المصلحة.
ونفرضُ أنك مصيبٌ في ذلك، إذ لا نعتقد العصمةَ إلا في الأنبياء، والخطأ جارٍ على غيرهم، أيُذكَر مثل هذا الخطأ في مقابلة ما تقدَّم من الأمور العظام الجِسام؟ !
لا يَذْكُرُ مثلَ هذا في كُرّاسة ويعدِّدها، ثم يدور بها على واحدٍ واحد
(3)
، كأنه يقول شيئًا، إلا رجلٌ نسألُ الله
(4)
العافيةَ في عقله، وخاتمة الخير على عمله، وأن يردَّه عن انحرافه إلى نَهْج الصواب، بحيث لا يبقى مَعْثرةً يعيبُه بعمَلِه
(5)
وتصنيفِه أولو العقول والأحلام!
ونستغفر الله العظيم من الخطأ والزلل في القول والعمل، والحمدُ لله
(1)
(ف، ك، ط): «ذوو أحلامهم» ، (ف):«وفيهم» .
(2)
(ك، ط): «عن» .
(3)
ليست في (ب).
(4)
(ك): «يسأل
…
»، (ب، ف): «الله له .. » .
(5)
(ك، ط): «لا يبقى معشره بعيه» تحريف، (ف، ك): «يعلمه» .
وحدَه، وصلى الله على سيدنا محمد النبيِّ
(1)
وسلَّم.
هذا آخر الرّسالة التي سمَّاها مؤلِّفها: «التذكرة والاعتبار والانتصار للأبرار» . وقال: فرحم الله من قام بحَلّ
(2)
الإصرار، وتصحيح التوبة النصوح بالاستغفار إلى عالِم الأسرار. نفع الله بها
(3)
من وقف عليها، وأصغى إلى ما ينتج
(4)
منها ولديها. آمين.
(1)
مكانها في (ف، ك، ط): «وآله وصحبه» .
(2)
الأصل و (ك): «بحمل» والتصحيح من (ب، ق، ح). ولعل فيه إشارة إلى ما قيل: «إن الاستغفار مع الإصرار توبة الكذابين» .
(3)
ليست في (ك، ط).
(4)
(ف، ك، ط): «يفتح» .
[بعض اختيارات الشيخ رحمه الله]
(1)
ثم إنَّ الشيخ ــ رحمه الله ــ بعد وصوله من مصر إلى دمشق، واستقراره بها، لم يزل ملازمًا للإشغال والاشتغال
(2)
، ونَشْر العلم، وتصنيف الكتب، وإفتاء الناس بالكلام والكتابة المطوَّلة وغيرها، ونَفْع الخلق، والإحسان إليهم، والاجتهاد في الأحكام الشرعية.
ففي بعض الأحكام يفتي بما أدى إليه اجتهاده، من موافقة أئمة المذاهب الأربعة، وفي بعضها قد يفتي بخلافهم، أو بخلاف المشهور من مذاهبهم.
ومن اختياراته التي خالفهم فيها، أو خالف المشهورَ من أقوالهم:
- القولُ بقَصْر الصلاة في كلِّ ما يُسَمَّى سفرًا، طويلًا كان أو قصيرًا، كما هو مذهبُ الظاهريَّة، وقول بعض الصحابة
(3)
.
(1)
ولابن عبد الهادي عناية باختيارت شيخ الإسلام، فله جزء في اختيارات الشيخ ذكر فيه (151) اختيارًا وفائدة، وطبع ضمن هذا المشروع المبارك. وذكر هنا واحدًا وعشرين اختيارًا فقط، سنحيل في الهامش إلى مراجعها من كتب الشيخ.
وأفرد أيضًا برهان الدين ابن القيم اختيارات الشيخ في رسالة مستقلة ذكر فيها (98) اختيارًا، وطبعت أيضًا ضمن هذا المشروع مع رسالة ابن عبد الهادي السابقة. وهناك أيضًا رسائل جامعية في اختيارات الشيخ للدكتور أحمد موافي في 3 مجلدات، ولمجموعة من الباحثين في 10 مجلدات. واختيارات الشيخ لدى تلاميذه، سيطبع ضمن هذا المشروع إن شاء الله.
(2)
(ف، ك): «للاشتغال والإشغال» ، (ب):«للإشغال والإشغال» .
(3)
انظر «مجموع الفتاوى» : (19/ 243 - 244، 24/ 12).
- والقولُ بأنَّ البِكْر لا تُسْتَبْرأ، وإن كانت كبيرة، كما هو قول ابن عمر، واختاره البخاريُّ صاحبُ «الصحيح»
(1)
.
- والقولُ بأنَّ سجود التلاوة لا يُشترط له وضوء كما يُشْترط للصلاة
(2)
. كما هو مذهب ابن عمر، واختيار البخاريِّ أيضًا
(3)
.
- والقولُ بأنَّ من أكل في شهر رمضان، معتقدًا أنَّه ليل فبان نهارًا لا قضاء عليه، كما هو الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإليه ذهب بعض التابعين، وبعض الفقهاء بعدهم
(4)
.
- والقولُ بأنَّ المتمتِّع يكفيه سَعْيٌ واحد بين الصفا والمروة، كما في حقِّ [ق 116] القارن والمُفْرِد. وهو
(5)
قولُ ابن عباس رضي الله عنهما، ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل، رواها عنه ابنه عبد الله، وكثير من أصحابِ الإمام أحمد لا يعرفونها
(6)
.
- والقولُ بجواز المسابقة بلا مُحَلِّل، وإن أُخْرِج
(7)
المتسابقان
(8)
.
(1)
انظر «مجموع الفتاوى» : (19/ 255، 34/ 70).
(2)
«كما يشترط للصلاة» ليست في (ب).
(3)
انظر «مجموع الفتاوى» : (21/ 270، 23/ 165 - 166).
(4)
انظر «الفتاوى» : (25/ 216، 259 - 260).
(5)
(ك): «كما هو» ، و «هو» ليست في (ب).
(6)
انظر «الفتاوى» : (26/ 138).
(7)
(الأصل وك): «خرج» والمثبت من (ب، ف)، وانظر «اختيارات البرهان» (11)، والبعلي (233).
(8)
انظر «الفتاوى» : (28/ 22، 32/ 223).
- والقولُ باستبراء المختلعة بحيضةٍ. وكذلك الموطوءة بشبهةٍ، والمطلَّقة آخر ثلاث تطليقاتٍ
(1)
.
- والقولُ بإباحة وطء الوثنيَّات بملك
(2)
اليمين
(3)
.
- والقولُ بجواز عَقْد الرِّداء
(4)
في الإحرام، ولا فدية في ذلك
(5)
.
- وجواز طواف الحائض، ولا شيء عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهرًا
(6)
.
- والقولُ بجواز بيع الأصل بالعصير
(7)
، كالزيتون بالزيت. والسمسم بالشَّيرَج
(8)
.
- والقولُ بجوازِ الوضوء بكلِّ ما يسمَّى ماءً
(9)
، مطلقًا كان أو مقيَّدًا
(10)
.
(1)
انظر «الفتاوى» : (32/ 342)، (33/ 10).
(2)
(ب): «بوطئ» خطأ.
(3)
انظر «الفتاوى» : (32/ 182 - 186).
(4)
(ك): «الرد» .
(5)
انظر «الفتاوى» : (21/ 201، 26/ 111).
(6)
انظر «الفتاوى» : (26/ 125، 214).
(7)
(ك): «بالعصر» .
(8)
انظر «الاختيارات» (ص 188) للبعلي.
(9)
سقطت من (ب).
(10)
انظر «الفتاوى» : (21/ 25).
- والقولُ بجواز بيع
(1)
ما يُتَّخَذُ من الفضَّة للتحلِّي وغيره ــ كالخاتم ونحوه ــ بالفضة متفاضلًا، وجَعْل الزائد من الثمن في مقابلة الصَّنعة
(2)
.
- والقولُ بأنَّ المائع لا ينجُسُ بوقوع النجاسة فيه إلا أن يتغيَّر، قليلًا كان أو كثيرًا
(3)
.
- والقولُ بجواز التيمُّم لمن خاف فوات
(4)
العيد والجمعة باستعمال الماء
(5)
.
- والقولُ بجواز التيمّم في مواضع معروفة
(6)
.
- والجمع بين الصلاتين
(7)
في أماكن مشهورة
(8)
.
وغير ذلك من الأحكام المعروفة من أقواله.
- وكان يميل أخيرًا إلى القول بتوريث المسلم من الكافر الذِّمِّي، وله في ذلك مصنَّف وبحثٌ طويل
(9)
.
(1)
ليست في (ف).
(2)
(ف): «جعل الثمن الزائد
…
» والأصل: «مقابلة الصيغة» خطأ. انظر «الاختيارات» (ص 188) للبعلي.
(3)
انظر: «الفتاوى» : (21/ 19 ــ 20).
(4)
(ب): «فوت» .
(5)
انظر: «الفتاوى» : (21/ 456).
(6)
المصدر نفسه.
(7)
(ف): «الصلاة» .
(8)
انظر «الاختيارات» (ص 113).
(9)
انظر «الاختيارات» (ص 283).
- ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الإفتاء بها مِحَنٌ وقلاقل: قوله بالتكفير في الحَلِف بالطلاق
(1)
.
- وأنَّ الطلاق الثلاث لا يقعُ إلا واحدةً
(2)
.
- وأنَّ الطلاق المحرَّم لا يقع
(3)
.
وله في ذلك مصنَّفات ومؤلَّفات كثيرة، منها:
قاعدة كبيرة
(4)
سمَّاها: «تحقيق الفرقان بين التطليق والأيمان» . نحو أربعين كراسة.
وقاعدة سماها: «الفرقُ المبين بين الطلاق واليمين» . بقَدْر النصف من ذلك.
وقاعدة في أنَّ جميع أيمان المسلمين مُكفَّرة. مجلَّد لطيف.
وقاعدة في تقرير أنَّ الحلف بالطلاق من الأيمان حقيقة.
وقاعدة سمَّاها: «التفصيل
(5)
بين التكفير والتحليل».
وقاعدة سماها «اللمعة»
(6)
.
(1)
انظر «الفتاوى» : (33/ 58، 215 ــ 218).
(2)
انظر «الفتاوى» : (33/ 7 ــ 9).
(3)
انظر «الفتاوى» : «33/ 66، 71).
(4)
ليست في (ب).
(5)
الأصل و (ب): «التفضيل» .
(6)
تحتمل في (ب): «اللمحة» . وبهامش (ك): «لعله: اللمحة؛ لأن له رحمه الله قاعدة سماها: لمحة المختطف» . وتمام اسمها «لمحة المختطف في الفرق بين الطلاق والحَلِف» طُبعت مرارًا، وهي في «مجموع الفتاوى»:(33/ 57 ــ 64).