الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب شرف الدين ابن تيميّة إلى أخيه لأمه بدر الدين]
وقد رأيتُ كتابًا بخطِّ الشيخ
(1)
شرف الدين كتبه إلى أخيه بدر الدين بعد توجُّه الشيخ إلى الإسكندرية، يقول فيه:
من أخيه عبد الله ابن تيميَّة.
سلامُ الله
(2)
ورحمتُه وبركاته على الشيخ الإمام العالم الجليل
(3)
بدر الدين والى اللهُ عليه آلاءَه وأَتْبعها، وأسْبغَ عليه نعمَه ونَوَّعَها، وأباحَه مِنَنَه وأينعها
(4)
، وأيَّده بالقوَّة والتأييد لإقامة الحقّ على القريب والبعيد، غير مقصِّر ولا وانٍ، ولا مُفَتِّرٍ ولا متوانٍ بالرأي السديد، والعزم الوكيد. وجمعنا وإياه في هذه الدار على طاعته، وفي دار القرار في دار كرامته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أهل ولايته، إنه ذو الفضل العظيم، والمنِّ الجسيم، والطَّوْل العميم.
أما بعد، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، وأصلِّي على سيِّد ولد آدم، وخيرِ خلقِ الله أجمعين، وسيِّد رُسُل ربِّ العالمين إلى الأسود والأحمر، والجنّ والإنس، بشيرًا للمؤمنين، ونذيرًا للكافرين= أتمَّ الصلاةِ وأفضلَها، وأشرَفَها وأكملَها، دائمةً إلى يوم الدين، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
(1)
ليست في (ف).
(2)
(ف) زيادة: «عليكم» . و «ابن تيمية» ليست في (ب).
(3)
(ف، ك) زيادة: «الكبير» .
(4)
(ط): «ومنحه .. » ، و (ف):«وأنبعها» .
وبعد؛ فنحن والجماعة في نعم الله الكاملة، ومِنَنه الشاملة التي تفوق
(1)
العدَّ والإحصاء، وتعجزُ العقولُ عن تصوُّرها ودَرْكها، وتحسر
(2)
الألسنُ عن نعتها ووَصْفها فضلًا عن كتابتها. فنسأل الله [ق 98] العظيم أن يُوزِعَنا شكرَها، وأن يُدِيمها علينا وعلى جميع الإخوان والمؤمنين، إنه جوادٌ كريم
(3)
.
فمنها: نزول الأخ الكريم بالثَّغْر المحروس، فإنَّ أعداءَ الله قصدوا
(4)
بذلك أمورًا يكيدون بها الإسلامَ وأهلَه، وظنوا أنَّ ذلك يحصل
(5)
عن قريب، فانقلبت عليهم مقاصدُهم الخبيثةُ المعلومةُ، وانعكست من كلِّ الوجوه، وأصبحوا وما زالوا عندَ الله وعند العارفين من المؤمنين سُوْدَ الوجوه، يتقطعون حسراتٍ وندمًا على ما فعلوه.
وأقبلَ أهلُ الثغر أجمعون إلى [الأخ] متقبِّلين
(6)
لما نذكره وننشره
(7)
من كتاب الله وسنة رسوله، والحطِّ والوقيعة في أعدائهما من أهل البدع والضلالات والكفر والجهالات. خصوصًا أخبث الملاحدة: الاتحادية
(8)
ثم الجهمية.
(1)
(ك): «تفوت» .
(2)
(ب): «وذكرها .. » ، و (ف، ك): «وتحصر» .
(3)
(ب، ف، ك): «الجواد الكريم» .
(4)
(ب): «فإنهم قصدوا» .
(5)
(ب، ف) زيادة: «لهم» .
(6)
«الأخ» سقطت من الأصل. وفيه و (ب): «منقلبين» .
(7)
في غير الأصل: «يذكره وينشره» .
(8)
(ف، ك): «والاتحادية» .
واتفقَ أنه وجَدَ بها إبليس إلحادَهم قد باض وفرَّخ، ونصبَ بها عَرْشَه ودوَّخ، وأضلَّ بها فريقي السَّبْعينية والعربية
(1)
، فمزَّق الله بها بقدومه الثغرَ جموعَهم شَذَرَ مَذَرَ، وهتك أستارَهم وكشف رمزهم ــ الإلحاد والكفر ــ وأسرارَهم وفضحهم، واستتابَ جماعاتٍ منهم.
وتوَّبَ رئيسًا من رؤسائهم ــ وإن كان عند عباد الله المؤمنين حقيرًا ــ وصنَّف هذا التائبُ كتابًا في كشف كفرهم وإلحادهم، وكان من خواصِّ
(2)
اللعين عدوِّ الله ورسوله نُصَيْرٌ الملحِدُ
(3)
. واشتهر ذلك واستقرَّ عند عموم المؤمنين وخواصهم؛ من أمير وقاض وفقيه ومفتٍ
(4)
وشيخ وعموم المجاهدين، إلا من شذَّ من الأغمار الجهال مع الذلّة والصَّغَار؛ حذرًا على نفسه من أيدي المؤمنين وألسنتهم.
وعَلَت كلمةُ الله بها على أعداء الله ورسوله، ولعِنوا لعنًا ظاهرًا في مجامع الناس بالاسم الخاصِّ، وصارَ بذلك عند نصيرٍ الملحدِ
(5)
المقيمُ المقعِدُ، ونزل به من الخوف والذُّلِّ ما لا يُعَبَّر عنه.
(1)
يقصد بالسبعينية أتباع ابن سبعين (ت 669)، وبالعربية أتباع ابن عربي (ت 656). وتقدم التعريف بهما (ص 254).
(2)
(ف، ك): «خواص خواص» .
(3)
(ف، ك، ح): «الملحدين» . وفي هامش (ك): هو نصر المنبجي الاتحادي. وقد تقدمت ترجمته.
(4)
ضبطها في الأصل: «ومفتيٍّ» .
(5)
في المطبوع: «الملحدين» .
وهمَّ أن يكيد كيدًا آخر، فوقع ما وقع عندكم بالشام من الأمر المزعج، والكَرْب المقْلِق، والبلاء العظيم والذّلّ، واستعطاف
(1)
من كانوا لا يلتفتون إليه بالأموال والأنفس والتذلُّل، حتى رقَّ بعضُ الأصحابِ لهم، فزُجِر عن ذلك. وقيل له:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النور: 2] إلى أمور كثيرة من المِحَن والبلاء
(2)
مما لا يمكن وصفُه.
فنسألُ الله العظيم أن يعجِّل تمامَ النِّقْمة
(3)
عليهم، وأن يقطع دابرَهم، وأن يريح عبادَه وبلاده منهم، وأن ينصرَ دينَه وكتابَه ورسولَه وعبادَه المؤمنين
(4)
عليهم، وأن يُوزِعنا شكرَ هذه النعمة، وأن يتمَّها علينا وعلى سائر المؤمنين.
وغير خافٍ عنك سيرتُنا:
إذا أعجبتْكَ خصالُ امرئ
…
فكُنْه يكن منك
(5)
ما يعجِبُك
فليسَ لدى المجد والمكرماتِ
…
إذا جئتها حاجبٌ يحجُبُك
(6)
(1)
(ف): «واستضعاف» .
(2)
سقطت من (ب).
(3)
(ك): «النعمة» وبهامشه: «لعله: النقمة» . وهو الصواب.
(4)
ليست في (ف، ك).
(5)
سقطت من (ك)، وعلق في هامشها: لعله: (يكن منه) أو (فيه) أو ما يقاربه. أبو إسماعيل يوسف حسين، عُفي عنه.
(6)
البيتان لأبي العيناء «ديوانه» : (ص 17)، وهو في «محاضرات الأدباء»:(1/ 610، 637). ووقع في (ب): «فليس لذا» ، و (ب، ف): «الحمد والمكرمات» .
فأسأل الله العظيم أن يُغْنيك ويعينك
(1)
، ويمدَّك ويؤيدك بروح منه، وأن يُقرَّ بك أعينَ المؤمنين، وأن يُخْزيَ بك الكافرين
(2)
والمنافقين، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه، وأن يتولَّاك في جميع الأمور، ويعينك على القيام فيها بما يرضي اللهَ ورسولَه
(3)
.
والسلام عليك
(4)
[ق 99] ورحمة الله وبركاته.
وعلى السَّعيدة الكريمة الطيبة التي رضي الله عنها وأرضاها، وجعل ــ بعد اجتماعنا بها ــ الجنةَ دارَها ومأواها
(5)
، وأراها وجْهَه الكريم في دار النعيم: الوالدةِ التي منحها الله في آخر عمرها هذه الكرامة العظيمة، والمنزلة الرفيعة، والدرجة العليَّة= أكمل
(6)
السلام وأنماه.
وعلى جميع الأهلِ والأصحابِ والإخوانِ
(7)
، والمعارفِ والجيرانِ، كبيرهم وصغيرهم، قريبهم وبعيدهم، كلِّ فردٍ فردٍ أتمُّ
(8)
السلام. وغير خافٍ عنهم العجزُ عن حصرهم. فالله تعالى يرضى عن جميعهم، ويجمعنا وإياهم ــ بعد نصر دين الله ورسوله ــ على ما يحبُّه ويرضاه.
(1)
«يغنيك و» ليست في (ك).
(2)
بقية النسخ: «الكفار» .
(3)
«بما يرضي الله ورسوله» ليست في (ب).
(4)
(ف): «عليكم» .
(5)
(ب): «
…
الكريمة التي
…
الجنة مأواها .. ».
(6)
(ف، ك): «وأكمل» .
(7)
بقية النسخ: «والإخوان والأصحاب» .
(8)
(ف، ك) بدلًا منها: «له» .