الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[قيام جماعة على أذية الشيخ وعفوه عنهم]
فلما كان في شهر
(1)
رجب من سنة إحدى عشرةَ وسبعمائة، جاءَ رجلٌ ــ فيما بلغني ــ إلى أخيه الشيخ شرف الدين، وهو في
(2)
مسكنه بالقاهرة، فقال له: إن جماعةً بجامع مصر قد تعصَّبوا على الشيخ، وتفرَّدوا به
(3)
وضربوه.
فقال: حسبُنا الله ونعم الوكيل! وكانَ بعضُ أصحابِ الشيخ جالسًا عند شرف الدين. قال: فقمتُ من عنده وجئتُ إلى مصر، فوجدتُ خلقًا كثيرًا من الحُسَيْنية
(4)
وغيرها رجالًا وفرسانًا يسألون عن الشيخ، فجئتُ فوجدْتُه بمسجدِ الفخر كاتب المماليك على البحر، واجتمعَ عندَه جماعةٌ، وتتابع الناسُ، وقال له بعضهم: يا سيِّدي! قد جاء خلقٌ من الحسينية، ولو أمرتهم أن يهدموا مصر كلَّها لفعلوا.
فقال لهم الشيخ: لأيِّ شيءٍ
(5)
؟
قالوا
(6)
: لأجلك.
(1)
(ف، ط): «رابع شهر» .
(2)
«في» ليست في (ف، ك).
(3)
«به» ليست في (ف، ك).
(4)
الحسينية: نسبة إلى طائفة من عبيد الشراء، وقيل إلى جماعة من الأشراف الحسينيين، سكنوا في عدة حارات بالقاهرة سميت بـ «الحسينية». انظر «خطط المقريزي»:(2/ 20 - 21).
(5)
(ب) زيادة: «جئتم» .
(6)
(ف، ك): «قال» .
فقال لهم: هذا ما يجوز.
قالوا: فنحنُ
(1)
نذهبُ إلى بيوت هؤلاءِ الذين آذوك، فنقتلهم ونخرِّب دورهم. فإنَّهم شَوَّشوا على الخلق، وأثاروا هذه الفتنة على الناس.
فقال لهم: هذا ما يحلّ.
قالوا: فهذا الذي قد فعلوه معكَ يحلّ؟ هذا شيءٌ لا نصبرُ عليه، ولا بدَّ أن نروح إليهم ونقاتلهم على ما فعلوا.
والشيخ ينهاهم ويزجرهم.
فلما أكثروا في القول قال لهم: إمَّا أن يكون الحقُّ لي أو لكم أو لله، فإنْ كانَ الحقُّ لي فهم في حلٍّ منه، وإن كان لكم، فإنْ لم تسمعوا منِّي ولا تستفتوني، فافعلوا ما شئتم
(2)
، وإنْ كان الحقُّ لله، فالله يأخذُ حقَّه كما يشاء إن شاء
(3)
.
قالوا: فهذا الذي فعلوه معك هو حلال لهم؟ !
قال: هذا الذي فعلوه قد يكونون مثابين عليه مأجورين فيه.
قالوا: فتكونُ أنتَ على الباطل وهم على الحقّ؟ فإذا كنتَ تقول: إنَّهم مأجورون فاسمع
(4)
منهم ووافقهم على قولهم!
(1)
(ف، ك): «فقالوا نحن» .
(2)
(ف، ك): «فلا تستفتوني» . (ب): «وافعلوا» .
(3)
(ف، ك): «إن شاء كما يشاء» .
(4)
غير الأصل: «مأجورين» . و (ف، ح): «فاستمع» .
فقال لهم: ما الأمرُ كما تزعمون، فإنهم قد يكونون مجتهدين مخطئين، فَفَعَلوا ذلك باجتهادٍ
(1)
، والمجتهدُ المخطئ له أجرٌ.
فلما قال لهم ذلك. قالوا: فقُمْ واركب معنا، حتى تجيء
(2)
إلى القاهرة.
فقال: لا. وسأل عن وقت العصر؟ فقيل له: إنه قريب، فقام قاصدًا إلى الجامع لصلاة العصر.
فقيل له: يا سيّدي قد تواصَوا عليك ليقتلوك. وفي الجامع قد يتمكَّنون منك، بخلاف غيرِه، فصَلِّ حيثُ كان.
فأبى إلا المضيَّ إلى الجامع والصلاة فيه، فخرج وتبعه خَلْق كثير لا يرجعون عنه، فضاقت الطريق بالناس، فقال له من كان قريبًا منه: ادخل إلى هذا المسجد ــ مسجدٍ في الطريق ــ واقعد فيه حتَّى يخفّ الناسُ، لئلَّا يموتَ أحدٌ من الزحام.
فدخل ولم يجلس فيه، ووقف وأنا معه. فلما خفَّ الناسُ خرج يطلب الجامع العتيق، فمرَّ في طريقه على قوم يلعبون بالشِّطْرنج على مَسْطَبة بعض حوانيت الحدَّادين، فنفض الرُّقعة وقلبها، فَبُهِت
(3)
الذي يلعب بها والناسُ من فعله ذلك.
ثم مشى قاصدًا للجامع، والناسُ يقولون: هنا يقتلونه، الساعة يقتلونه.
(1)
(ب، ك): «باجتهادهم» .
(2)
(ف، ك): «نجيء» .
(3)
ضبطها في الأصل «فبُهِتَ، فبَهَتَ» وكتب فوقها: معًا.