الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَرْدُودَةً كَمَا مَرَّ.
وَقَوْلُهُ عَنْ كَلَامِ الرَّوْضَةِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ فِي الثَّانِيَةِ عَشَرَ إنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَعْجَبْ الْعَجَبِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ فَإِنْ قُلْتَ نَقْلُهُ الْإِجْمَاعَ يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ الْمَالِكِيَّةِ قُلْت:
قَدَّمْتُ الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطًا فَرَاجِعْهُ وَأَمْعِنْ النَّظَرَ فِي جَمِيعِ هَذَا الْكِتَابِ وَمُقَابِلِهِ لِتَعْلَمَ الْحَقَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْبَاطِلِ وَالْقَوْلَ الْجَلِيّ مِنْ الْقَوْلِ الْحَائِرِ الْمَائِلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى يُوَفِّقُنَا أَجْمَعِينَ لِمَرْضَاتِهِ وَيُدِرُّ عَلَيْنَا أَخْلَافَ نِعَمِهِ وَهِبَاتِهِ وَيَجْعَلُنَا مِنْ إخْوَانِ الصَّفَا الَّذِينَ هُمْ عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلُونَ وَبِالْحَقِّ عَامِلُونَ وَإِلَيْهِ مُسَارِعُونَ وَعَنْ دَاءِ اللَّجَاجِ وَالتَّعَصُّبِ يَتَنَزَّهُونَ إنَّهُ الْمَنَّان بِكَرَمِهِ الْمُتَفَضِّلُ بِنِعَمِهِ فَإِلَيْهِ مَفْزَعُنَا فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ وَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ الْوَكِيلِ يَا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلَالِ وَجْهِك وَعَظِيمِ سُلْطَانِك عَدَد مَعْلُومَاتِكَ وَمِدَادَ كَلِمَاتِك كُلَّمَا ذَكَرَك الذَّاكِرُونَ أَبَدًا دَائِمًا بِدَوَامِك أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ أَفْضَلَ صَلَاةٍ وَأَنْ تُسَلِّمَ أَفْضَلَ سَلَامٍ وَأَنْ تُبَارِكْ أَفْضَلَ بَرَكَةٍ عَلَى أَفْضَلِ خَلْقِك سَيِّدَنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ عَدَدَ مَعْلُومَاتِك وَأَنْ تَخْتِمَ لَنَا أَجْمَعِينَ بِالْحُسْنَى بِمَنِّك وَكَرَمِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَرَحِمَهُ فَرَغَتْ مِنْهُ وَقْت صَلَاةِ الْجُمُعَةِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ وَتِسْعمِائَةٍ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلِ.
[كِتَابُ الذَّيْلِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الْغَيْنِ عَمَّنْ ضَلَّ عَنْ مَحَاسِنِ قُرَّةِ الْعَيْنِ]
هَذَا كِتَابُ الذَّيْلِ الْمُسَمَّى بِكَشْفِ الْغَيْنِ عَمَّنْ ضَلَّ عَنْ مَحَاسِنِ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ رَبِّ تَمِّمْ بِالْخَيْرِ (أَمَّا بَعْدَ) حَمْدِ اللَّهِ عَلَى آلَائِهِ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَى وَاسِطَةِ عِقْدِ أَوْلِيَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِ حُمَاةِ دَيْنِ اللَّهِ مِنْ سَفَاسِفِ كُلِّ جَاهِلٍ عَنِيدٍ وَغَوَائِلِ إغْوَائِهِ فَهَذَا كِتَابٌ لَقَّبْته كَشْفَ الْغَيْنِ عَمَّنْ ضَلَّ عَنْ مَحَاسِنِ قُرَّةِ الْعَيْنِ دَعَانِي إلَيْهِ أَنِّي لَمَّا فَرَغْت مِنْ كِتَابِيّ قُرَّةِ الْعَيْنِ بِبَيَانِ أَنَّ التَّبَرُّعَ لَا يُبْطِلُهُ الدَّيْنُ الَّذِي أَلَّفْته جَوَابًا عَنْ إفْتَاءٍ وَتَأْلِيفٍ فِي بُطْلَانِهِ لِمُفْتِي زَبِيدٍ الْقَائِلِ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدِ مِنْ عُلَمَائِهَا أَنَّهُ عَنِيدٌ وَأَيُّ عَنِيدٍ انْتَشَرَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةَ فَكَتَبَهُ الْمِصْرِيُّونَ وَالْيَمَانِيُّونَ فَلَمَّا اطَّلَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْإِفْتَاءِ وَالتَّأْلِيفِ كَرَّرَ غَلَطَهُ الْمُشْتَمِلَ عَلَى كَثِيرِ هَذْرٍ وَهَذَيَان وَسَفَاهَةٍ وَطُغْيَانٍ وَقَبَائِحَ تُصَمُّ عَنْهَا الْآذَانُ وَفَضَائِحَ لَا يَصْدُرُ مِثْلُهَا إلَّا مِمَّنْ مَانَّ وَخَانَ وَوَصَمَاتٍ يَبْقَى عَارُهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ وَصَدَمَاتٍ ظَنَّ أَنْ لَا يَتَيَقَّظَ لَهَا أَحَدٌ مِنْ الْفُضَلَاءِ الْمُحَقِّقِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَوَّدَ الصَّحِيفَةَ وَأَوْجَبَ النَّارَ وَالْكَشِيفَةَ فِي عِدَّةِ تَصَانِيفَ فِي صُورَةِ تَأْلِيفِ يُرْسِلُهَا إلَى مَكَّةَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ وَالْكَرَّةَ بَعْدَ الْكَرَّةِ حَتَّى أَوْجَبَ ذَلِكَ لِبَعْضِ فُضَلَاءِ الْمِصْرِيِّينَ أَنَّهُ رَفَعَ الْأَمْرَ لِعُلَمَاءِ بَلَدِهِ فَكُلُّهُمْ أَطْبَقُوا أَنَّهُ خَالَفَ الصَّوَابَ وَالْمَنْقُولَ وَسَلَكَ مَسَالِكَ الْعِنَادَ وَالتَّعَسُّفِ الْغَيْرِ الْمَنْقُولِ
ثُمَّ أَرْسَلَ خُطُوطَهُمْ لِمَكَّةَ فَأَحْصَوْا بِضْعًا وَسَبْعِينَ نَفْسًا وَوَافَقَهُمْ الْمَكِّيُّونَ أَيْضًا مُشِيرِينَ كُلُّهُمْ إلَى أَنَّ مَا رَقَمَهُ حَقِيقٌ بِأَنْ يُنْبَذَ وَرَاءَ الظَّهْرِ وَلَا يُسَامَ بِثَمَنٍ وَلَا مَهْرٍ وَلِمَ لَا وَلَمْ يُمَنَّ بِقِرَاعِ الْأَبْطَالِ الْمَيَامِينِ وَلَمْ يُدْفَعْ إلَى جَدَلٍ مِمَّا يَعْرُكُ عَرْكَ الْأَدِيم وَلَمْ يُرْزَقْ أَرَيْبًا وَلَا نَاصِحًا لَبِيبًا يَصُدُّهُ عَنْ التَّهَوُّر وَالْبُهْتَانِ وَالتَّقَوُّلِ وَالشَّنَاعَةِ وَالْعُدْوَانِ فَلْيَأْخُذْ مَا يَأْتِيه مِنْ وَضَائِحِ الرَّدِّ وَحَقَائِقِ الْحَقِّ وَالنَّقْدِ لَا لِتَنْقِيصِ ذَاتِهِ بَلْ لِرَدِّ قَوْلِهِ وَهُنَيْهَاتِهِ امْتِثَالًا لِمَا أَخَذَهُ اللَّهُ مِنْ الْمِيثَاقِ وَتَعْوِيلًا عَلَى مَا يُسَلِّمهُ تَالِد مِنْ خُلُوِّ قُلُوبِنَا عَنْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالنِّفَاقِ وَإِنَّمَا اضْطَرَّنَا إلَى ذَلِكَ خَوْفُ اغْتِرَارِ الْعَوَامّ بِمَا وَقَعَ فِيهِ مِنْ السَّقَطَاتِ وَالْأَوْهَامِ مِمَّا قَدْ يَسْتَزِلُّ الضُّعَفَاءَ الْقَاصِرِينَ وَلَمْ يَجْرِ عَلَى سَنَنِ الْمُحَصِّلِينَ فَضْلًا عَنْ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ فَشَرَعْتُ فِي بَيَانِ مَا فِيهَا مِمَّا لَا يُدْرِكُ الْقَاصِرُونَ مَا فِي مَطَاوِيهَا مُسْتَعِيذًا بِاَللَّهِ مِنْ الْخَطَإِ وَالْخَطَلِ وَمُسْتَعْفِيًا مِنْ الْعِثَارِ وَالزَّلَلِ وَمُسْتَعِينًا بِهِ وَمُتَوَكِّلًا عَلَيْهِ وَمَادًّا أَكُفَّ الضَّرَاعَةِ إلَيْهِ وَأَنْ يُصْلِحَ جَمِيعَ أَحْوَالِي وَأَحْوَالِهِ وَأَنْ يُطَهِّرَهَا مِنْ حُظُوظِ نُفُوسِنَا فِي أَقْوَالِ كُلٍّ وَأَفْعَالِهِ وَأَنْ يَمُنَّ عَلَيْنَا فِي الْمُبَاحَثَاتِ الْعِلْمِيَّةِ بِسَدَدِهِ مِمَّا جَاءَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ أَنَّهُمَا كَانَا يَتَنَازَعَانِ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ حَتَّى يُقَالَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يُخَاطِبُ صَاحِبَهُ بَعْدُ فِي زَمَنٍ مِنْ الْأَزْمَانِ ثُمَّ لَا يَقُومَانِ مِنْ مَجْلِسِهِمَا إلَّا وَهُمَا عَلَى غَايَةٍ مِنْ الصَّفَاءِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْوَفَاءِ
لِمَا أَنَّهُمَا طُهِّرَا مِنْ حُظُوظِ النُّفُوسِ الْمُهْلِكَةِ وَأَهْوِيَتِهَا وَتَحَلِّيًا بِمَعَانِي الْأَخْلَاقِ الْكَرِيمَةِ وَأُمْنِيَّتِهَا
وَكَذَا مِمَّا جَاءَ عَمَّنْ اسْتَمْسَكَ بِهَدْيِهِمَا وَهَدْيِ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ أَدَامَ اللَّهَ عَلَيْهِمْ شَآبِيبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ وَلَقَدْ وَقَعَ لِشَيْخِنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ ثَرَاهُ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْفِ أَنَّهُ وَبَعْضَ الْحَنَفِيَّةِ تَجَاذَبَ فِيهَا أَنْظَارَهُمَا وَتَكَرَّرَتْ فِي أَحْوَالِهَا فَتَاوِيهِمَا مَعَ الْإِغْلَاظِ مِنْ كُلٍّ فِي الرَّدِّ عَلَى الْآخَرِ لَكِنْ بِمَا لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ إلَّا بَيَان الْحَقِّ مَعَ صَفَاءِ الْخَاطِرِ وَصَلَاحِ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ بِدَلِيلِ بَقَاءِ مَحَبَّتِهِمَا عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ وَمَزِيد مُوَاصَلَةِ كُلٍّ لِلْآخَرِ بِالثَّنَاءِ وَالتَّرَدُّدِ إلَيْهِ هَذَا مَعَ أَنَّ شَيْخَنَا كَانَ لَهُ فِي تَحَمُّلِ الرَّدِّ وَأَذَى مُعَاصِرِيهِ الْقَدَمُ الرَّاسِخُ وَإِيصَالُ قَاطِعِيهِ الطَّوْدُ الشَّامِخُ وَمِنْ ثَمَّ أَظْهَرَهُ اللَّه ظُهُورًا لَمْ يَنَالُوهُ وَأَبْقَى لَهُ مِنْ الْآثَارِ الْحَمِيدَةِ وَالتَّآلِيفِ الْفَرِيدَةِ مَا لَمْ يُؤَمِّلُوهُ حَقَّقَ اللَّهُ لَنَا اقْتِفَاءَ تِلْكَ الْآثَارِ وَأَجَارَنَا مِنْ الْفِتَنِ وَالْمِحَنِ وَسَائِرِ الْآضَارِ إنَّهُ الْكَرِيمُ الْغَفَّارُ الْحَلِيمُ السَّتَّارُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ مُتَمَثِّلًا بِمَا دَعَا صلى الله عليه وسلم لِقَائِلِهِ إنَّ اللَّهَ - هُنَا بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ -
وَلَا خَيْرَ فِي حِلْمٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
…
بَوَادِرُ تَحْمِي صَفْوَهُ أَنْ يُكَدَّرَا
وَلَا خَيْرَ فِي جَهْلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ
…
حَلِيمٌ إذَا مَا أَوْرَدَ الْقَوْم أَصْدَرَا
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ لِابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم لَمَّا أَرَادَ الْخِلَافَةَ وَقَدْ خُلِّيَتْ الدَّارُ مُتَمَثِّلًا
يَا لَك مِنْ قُبُّرَةٍ بِمَعْمَرِ
…
خَلَا لَكِ الْبَرُّ فَبِيضِي وَاصْفِرِي
وَنَقِّرِي مَا شِئْت أَنْ تُنَقِّرِي
…
صَنَادِدُ الْبُومِ عَلَيْك تَجْتَرِي
وَمُصَنَّفَاتُهُ تِلْكَ قِسْمَانِ أَكْثَرُهَا تَكْرِيرٌ لِمَا مَرَّ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ الَّذِي رَدَدْته وَنَقَدَتْهُ فَلَمْ أَرَهُ إلَّا زَيْفًا وَحِرَافًا وَحَيْفًا وَهَذَا الْقِسْمُ لَا أَتَعَرَّضُ لَهُ إلَّا نَادِرًا وَالْقِسْمُ الثَّانِي اشْتَمَلَ إمَّا عَلَى بُهْت يَخْتَرِعُهُ اخْتِرَاعًا قَبِيحًا ثُمَّ يُرَتِّبُ عَلَيْهِ مَا ظَنَّ أَنَّهُ لَا يُكْشَفُ كَشْفًا صَرِيحًا وَإِمَّا عَلَى عَدَمِ فَهْمٍ وَتَصَوُّرٍ لَمَا يَعْتَرِضُهُ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَتَخَيَّلُ أَنَّهُ يَرُدُّهُ وَيَنْقُضُهُ وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الَّذِي أَتَعَرَّضُ لَهُ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى عَلَى صِغَارِ الطَّلَبَةِ فَضْلًا عَنْ الْفُضَلَاءِ وَالْأَئِمَّةِ النُّبَلَاءِ لِمَا آتِي بِبَسْطِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ وَأُبَيِّنُ عَوَارَهُ فِي الْأَكْثَرِ
وَأُقِيمُ عَلَى ذَلِكَ الْبَرَاهِينَ الصَّحِيحَةَ الَّتِي هِيَ مِنْ الشَّمْسِ أَظْهَرُ وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ تَبْلُغُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ مَوْضِعًا الْأَوَّلُ تَعَجُّبٌ بِحَسَبِ مَا حَرَّفَهُ فَهْمُهُ مِنْ رَدِيءٍ لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مَعَ جَرَيَانِي فِي كُتُبِي عَلَيْهِ وَبِفَرْضِ صِحَّةِ ذَلِكَ أَيُّ تَعَجُّبٍ فِيهِ مَعَ أَنَّ مَنْ لَهُ أَدْنَى مُمَارَسَةٍ بِكُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقَعُ لَهُمْ كَثِيرًا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي فَتَاوِيهِمْ مَا فِي مُؤَلِّفَاتِهِمْ وَفِي بَعْضِ مُؤَلِّفَاتِهِمْ مَا فِي بَقِيَّتهَا فَلَا تَعْجَبْ مِنْ ذَلِكَ بِوَجْهٍ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ إيهَامُ الْأَغْبِيَاءِ مِثْلِهِ أَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ قَادِحٌ مُخِلٌّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَدْنَى مُتَعَلِّمٍ عَلَى أَنَّ قَوْلِي قَضِيَّةُ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ كَذَا لَا يَقْتَضِي أَنِّي مُرْتَضِيهِ أَوْ مُعْتَمِدُهُ فَكَمْ مِنْ مِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَذْكُرُونَهَا وَيَسْكُتُونَ عَلَيْهَا وَلَا تَكُونُ مُعْتَمَدَةً لَا يُنْكِرُ ذَلِكَ إلَّا جَاهِلٌ مُبْتَدِعٌ لَا مُسْتَقِرٍّ وَلَا مُتَتَبِّعٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ اعْتِمَادِي لِأَصْلِ التَّخْرِيجِ أَنِّي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْكَبِيرِ قَصَرْته عَلَى الصَّدَقَةِ وَفَرَّقْت بَيْنَهَا وَبَيْنَ نَحْوِ الْهِبَةِ بِمَا مَرَّ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قُرَّةِ الْعَيْنِ مَعَ بَيَانِ غَلَطِ هَذَا الْعَنِيدِ فِيمَا وَقَعَ لَهُ فِي ذَلِكَ وَيَأْتِي تَكْرِيرُهُ كَذَلِكَ وَتَكْرِيرُنَا لِرَدِّهِ آخِرَ الْكِتَابِ وَلَقَدْ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ فِي التَّفْلِيسِ بَعْدَ كَلَامٍ سَاقَهُ نَعَمْ اسْتِيلَاده أَيْ الْمُفْلِس هَلْ يَنْفُذُ ذَكَرْت فِي الْكِفَايَةِ شَيْئًا لَمْ أَرْضَهُ الْآن فَإِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ نُفُوذُهُ بِكُلِّ حَالٍ الْمَوْضِعُ الثَّانِي مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ قَوْلُهُ كَيْفَ وَقَدْ أَطْبَقَ عَلَى حُكْمِهَا الْمُتَأَخِّرُونَ إلَّا مَنْ شَذَّ فَهِيَ مِنْ مَنْقُولِ الْمَذْهَبِ هَذَا مِنْ أَوَّلِ شَقَاشِقِهِ وَافْتِرَائِهِ الَّتِي قَدَّمْنَا فِي الْقُرَّةِ بُطْلَانَهَا بِالنُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ مِنْ كَلَامِ الشَّاشِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَهُمْ إنَّمَا عَبَّرُوا بِقَوْلِهِمْ وَقَضِيَّةُ كَذَا وَهَذَا لَا يَقْتَضِي اعْتِمَادَهُ لِأَمْرَيْنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ قَضِيَّتَهُ وَعَلَيْهَا يُحْتَمَل أَرَادَهَا وَأَنَّ لَا وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ سُكُوتَهُمْ عَلَيْهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُوَافِقُونَهُ عَلَيْهَا لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ أَرَادَهَا وَمَنْ
تَأَمَّلَ كَلِمَاتِ الْمُؤَلِّفِينَ عَلِمَ ذَلِكَ وَلَمْ يُرَتِّبْ فِيهِ وَتَأَمَّلْ غِشَّهُ لِنَفْسِهِ وَالْمُسْلِمِينَ
فَإِنِّي ذَكَرْت لَهُ فِي الْقُرَّةِ نُصُوصَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَرَّحَةِ بِخِلَافِ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ لِقَوْلِ الْجَوَاهِرِ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْوَاهِبِ إلَّا أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ بِنُفُوذِ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ الْمُعْتَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّرَائِحِ الْمُنَادِيَةِ عَلَيْهِ بِالْبَوَارِ وَالْخَسَارِ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ الطَّوِيلَةِ فِي أَنَّ الْبُطْلَانَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ وَفِي الرِّشْوَةِ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ أَقْوَى لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لِحَقِّ اللَّهِ بِخِلَافِ الرِّشْوَةِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَاسْتِنْتَاجُهُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُتَعَلِّقَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ أَقْوَى. اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ هَذَيَانٌ لَا حَاصِلَ لَهُ لَا سِيَّمَا إذَا نَظَرَ إلَى افْتِرَائِهِ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ وَإِلَى اسْتِنْتَاجِهِ الْمَذْكُورِ مَعَ أَنَّ الَّذِي مَهَّدَهُ إنَّمَا يُنْتِجُ أَنَّ التَّحْرِيمَ الْمُتَعَلِّقَ أَقْوَى مِمَّا لَمْ يَتَعَلَّق بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدُ بِوَرَقَاتٍ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَالرِّشْوَةِ مُجَرَّدُ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى تَعَيُّنٍ وَغَيْرِهِ وَوَجْهُ بُطْلَانِ هَذَا الْهَذَيَانِ الْغَنِيِّ عَنْ الْبَيَانِ لَوْلَا مَا مَرَّ مِنْ خَشْيَةِ تَوَهُّمِ الْقَاصِرِينَ أَنَّ الَّذِي حَقَّقْته وَقَرَّرْته فِي الْقُرَّةِ أَنَّا لَا نَنْظُرَ إلَى التَّحْرِيمِ الْمُتَعَلِّقِ بِخُصُوصِ الْآدَمِيِّ أَوْ بِغَيْرِهِ وَإِنَّمَا نَنْظُرُ إلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ لَازِمِهَا وَإِلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِخَارِجٍ عَنْهُمَا وَمَسْأَلَةُ هِبَةِ الْمَاءِ وَالرِّشْوَةِ مِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ وَمِنْ ثَمَّ بَطَلَ بَيْعُ الْمَاءِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ بِخِلَافِ تَبَرُّعِ مَدِينٍ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مِنْ الْقَبِيلِ الثَّانِي فَبَطَلَ مَا طَوَّلَهُ وَاسْتَنْتَجَهُ.
ثُمَّ قَوْلُهُ إنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَة لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ مُرَادُهُ بِدَلِيلِ جَعْلِهِ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمُتَعَلِّقِ بِحَقِّ اللَّه أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْآدَمِيِّ وَهَذَا مِمَّا يُعْلِمُك بِجَهْلِهِ وَيُوقِظُك إلَى أَنَّهُ غَافِلٌ عَنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ جَاهِلٌ بِكَلَامِ الْأُصُولِيِّينَ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ بِأَسْرِهَا لَا يَخْلُو كُلٌّ مِنْهَا عَنْ أَنَّ الْمَلْحَظَ فِي تَحْرِيمِهِ إمَّا رِعَايَةُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقِّ الْآدَمِيِّ أَوْ حَقِّهِمَا وَإِمَّا خُلُوُّ حُكْمٍ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَلَيْسَ بِوَاقِعٍ بَلْ وَلَا مُتَعَقَّلٍ لِأَنَّ شَرْعَ الْحُكْمِ إمَّا لِمُصْلِحَةٍ تَظْهَرُ فِيهِ أَوْ لِلتَّعَبُّدِ وَكِلَاهُمَا لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا وَلَوْلَا أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ عَامِّيٌّ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ وَمُقَدِّمَاتُهُ لَمْ تَمُرُّ بِفِكْرِهِ وَلَا اخْتَلَجَتْ فِي سِرِّهِ إذْ زَعْمُهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الرِّشْوَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ نَزْعَةٌ فَلْسَفِيَّةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ الْإِيجَابِ الذَّاتِيِّ الَّذِي هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ لَكِنَّ مَحَبَّةَ التَّشْنِيعِ بِمَا لَمْ يُعْقَلْ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ وَالْمُبَادَرَةَ إلَى الْمَنْقُولِ بِالْهَوَى فِيمَا لَمْ يَتَأَهَّلْ لِلْوُصُولِ إلَيْهِ يُوجِبَانِ الْوُقُوعَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَرْطَةِ وَزَلَّةِ الْقَدَمِ بِالِارْتِبَاكِ فِي هَذِهِ السَّقْطَةِ.
وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الْعَضُدِ رَدًّا عَلَى بَعْضِ مُعَاصِرِيهِ أَمَّا مَنْ لَا يَأْمَنُ مَعَ الدَّغْدَغَةِ سُوءَ الْعِثَارِ وَيَحْتَاجُ إلَى مَنْ يَقُودُ عَصَاهُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ فَإِذَا سَابَقَ فِي الْمِضْمَارِ الْعِتْقَ الْجِيَادَ وَنَاضَلَ عِنْدَ الرِّهَانِ ذَوِي الْأَيْدِي الشِّدَادِ فَقَدْ جَعَلَ نَفْسَهُ سُخْرِيَةً لِلسَّاخِرِينَ وَضُحْكَةً لِلضَّاحِكِينَ وَدَرِيئَةً لِلطَّاعِنِينَ وَعَرْضًا لِسِهَامِ الرَّاسِفِينَ الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ قَوْلُهُ مُشِيرًا إلَى رَدِّ الْفَرْقِ الَّذِي ذَكَرْته آنِفًا بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الدَّيْنِ وَلَا يَصِحُّ الْفَرْقُ بِتَعَيُّنِ الْمَاءِ دُونَ الْمَالِ لِأَنَّ مَعْنَى التَّعَيُّنِ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ فَكَمَا يَجِبُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمَذْكُورِ يَجِبُ قَضَاءُ الدَّيْنِ فِي الْمَالِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْأَصْلِ تَعَلُّقُهُ بِالذِّمَّةِ فَهُوَ فِي هَذِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ وَكَذَلِكَ الطَّهَارَةُ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ أَيْضًا وَمَسْأَلَةُ تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِعَيْنِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ قَطْعِ النَّظَرِ إلَى الذِّمَّةِ. اهـ.
وَهَذَا مِنْهُ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَا قَرَّرْته وَلَا حَامَ حَوْلَ حِمَى مَا وَضَّحْته فِي الْقُرَّةِ وَكَرَّرْته وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ التَّعَيُّنَ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ مُكَابَرَةٌ قَبِيحَةٌ كَيْفَ وَتَعَيُّنُ الْمَاءِ يَمْنَعُ إخْرَاجَهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى بِالْبَيْعِ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ تَعَيُّنِ الْمَالِ لِلَّذِي زَعَمَهُ فَإِنَّهُ وَإِنْ سَلِمَ لَهُ لَا يَمْنَعُ عَلَى زَعْمِهِ إلَّا مُجَرَّدَ التَّبَرُّعِ لَا غَيْر كَمَا قَرَّرْت ذَلِكَ فِي الْقُرَّةِ فَمَنْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ الَّذِي هُوَ أَظْهَرُ مِنْ الشَّمْسِ ثُمَّ كَابَرَ وَزَعَمَ أَنْ لَا فَرْقَ وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْخَيَالِ حَقِيقٌ بِأَنْ يُقَالَ فِيهِ
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْت مُغَرِّبًا
…
شَتَّانَ مَا بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
وَأَنَّى لَهُ بِغَوْصٍ عَلَى مَعْنًى دَقِيقٍ وَغَوْصٍ فِي أَدْنَى تَحْقِيقٍ وَإِنَّمَا هُوَ يُلَفِّقُ الْأَلْفَاظَ لَا يَدْرِي مَا تُؤَدِّي إلَيْهِ وَلَا مَا يُحِيطُ أَمْرُهَا عَلَيْهِ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ لَيْسَ الْفِقْهُ إلَّا الْفَرْقَ وَالْجَمْعَ فَهُمَا مُهْلِكَانِ انْقَطَعَتْ فِيهِمَا أَعْنَاق أَمْثَالِهِ وَشَامِخَاتٌ أَعْيَتْ عَنْ الرُّقِيِّ إلَيْهَا أَطْمَاعُ آمَالِهِ وَمِنْ تَمَامِ خَبَالِهِ زَعْمُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالذِّمَّةِ النَّاشِئُ عَنْ عَدَمِ فَهْمِ مَعْنَى التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ وَكَيْفِ يُتَعَقَّلُ تَعَلُّقُ الطَّهَارَةِ بِالذِّمَّةِ الَّتِي هِيَ اصْطِلَاحًا مَعْنًى اعْتِبَارِيٌّ يَنْشَأُ عَنْهُ الْإِلْزَامُ وَالِالْتِزَامُ قَائِمٌ بِالْإِنْسَانِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِالطَّهَارَةِ مَدْلُولَهَا الْمَجَازِيَّ وَهُوَ الْأَفْعَالُ الْحِسِّيَّةُ فَتَعَلُّقُ هَذِهِ الْأَفْعَالِ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الِاعْتِبَارِيِّ عَلَى جِهَةِ قِيَامِ أَحَدِهِمَا بِالْآخِرِ غَيْرَ مُتَعَقَّلٍ لِبُعْدِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْقِيَاسِ أَوْ مَدْلُولِهَا الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ زَوَالُ الْمَنْعِ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ أَيْضًا
لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ وَبِاسْتِعْمَالِهِ فِيهَا يَزُولُ التَّعَلُّقُ فَتَوَقُّفُ التَّعَلُّقِ بِالذِّمَّةِ عَلَى الِاسْتِعْمَالِ لِاسْتِحَالَةِ وُجُودِهِ قَبْلَهُ نَاشِئٌ عَنْ عَدَمِ تَصَوُّرِهِ لِمَا يَقُولُ وَإِلَّا لَمْ يَأْتِ بِهَذِهِ الْفَضَائِحِ الَّتِي سَوَّدَتْ ذِهْنَ مُخْتَرِعِهَا وَتَحَقَّقَ قُصُورُ مُخْتَرِعِهَا الْمَوْضِعُ الْخَامِسُ وَمِنْ فَضَائِحِهِ أَيْضًا قَوْلُهُ وَمِثْلُهُ تَعَلُّقُ الزَّكَاةِ إلَخْ وَهَذَا يُنْبِئُ عَنْ أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ فَرْقًا بَيْنَ الْعِبَادَةِ الْبَدَنِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْمَالِيَّةِ الْمَحْضَةِ وَالْمُرَكَّبَةِ مِنْهُمَا وَالزَّكَاةُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ تَارَةً يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَتَارَةً بِالذِّمَّةِ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِالذِّمَّةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِأَدْنَى الطَّلَبَةِ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُفْعَلْ عَنْ الْغَيْرِ بِإِذْنٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا يَرِدُ الصَّوْمُ لِأَنَّ لِلْمَالِ دَخْلًا فِيهِ بِالنَّصِّ فَهُوَ كَالْحَجِّ وَإِنْ فَارَقَهُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى هِيَ فِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ لَهُ عَنْ الْمَيِّتِ بِلَا إذْنِ أَحَدٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إذْنِ الْقَرِيبِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَالَ مُتَأَصِّلٌ فِي الْحَجِّ أَكْثَرَ مِنْ تَأَصُّلِهِ فِي الصَّوْمِ فَسُومِحَ فِي سُقُوطِ الْحَجِّ عَنْ الذِّمَّةِ بِمَا لَمْ يُسَامَحْ بِهِ فِي سُقُوطِ الصَّوْمِ نَظَرًا لِمَا فِي الْحَجِّ مِنْ شَائِبَةِ الْمَالِ السَّابِقَةِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا الْمُشَقْشِقِ لَا يَقْبَلُ طَبْعُهُ الْخَوْضَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الدَّقَائِقِ وَأَنَّى لَهُ بِذَلِكَ وَهُوَ يَسْتَدِلُّ عَلَى تَعَلُّقِ الطَّهَارَةِ بِالذِّمَّةِ أَيْضًا بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالذِّمَّةِ وَلَمْ يَتَعَقَّلْ مَا بَيْنَهُمَا إيثَارًا لِلرَّجْمِ بِالْغَيْبِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ فِي هُوَّةِ الشَّطَطِ وَلَا مَنِيَّتَهُ لِأَبْعَدِ الضَّلَالِ وَأَقْبَحِ الْغَلَطِ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فِي تَعَلُّقِ الطَّهَارَةِ بِالْعَيْنِ وَالذِّمَّةِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ
وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا تَارَةً تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَتَارَةً تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَأَمَّا تَعَلُّقُهَا بِهِمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي أَفْهَمَهُ كَلَامُهُ فَهُوَ مِنْ فَرَطَاتِهِ الْقَبِيحَةِ أَيْضًا الْمَوْضِعُ السَّادِسُ مِنْ تِلْكَ الْقَبَائِحِ أَيْضًا قَوْلُهُ بَعْدَ كَلَامٍ طَوَّلَهُ هُنَا وَبَالَغْت فِي رَدِّهِ عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَيْ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الدَّيْنِ فَلَا مَعْنَى لَهُ إذْ التَّعَيُّنُ فِيهِمَا عَلَى حَدٍّ سَوَاءَ إمَّا صِحَّةً وَإِمَّا بُطْلَانًا. اهـ. وَتَصْمِيمُهُ عَلَى هَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْمَذْكُورَةِ بَعْدَ مَا قَرَّرْتُهُ لَهُ مِنْ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ الْمُعْتَرِف هُوَ بِهِ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ حُظِرَ فِيهِ إخْرَاجُهُ عَنْ الْمِلْكِ وَلَوْ بِأَضْعَافِ الْقِيمَةِ وَالدَّيْنُ لَمْ يُحْظَرْ عَلَيْهِ إلَّا الْإِخْرَاجُ الَّذِي فِيهِ تَبَرُّعٌ لَا غَيْرُ يَزِيدُك فِيهِ بَصِيرَةً أَنَّهُ فِي غَايَةٍ مِنْ الْبَلَادَةَ وَالْعِنَادِ مَا مَثَلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا مَثَل رَجُلٍ تَقُولُ لَهُ هَذِهِ الشَّمْسُ تُشِيرُ إلَيْهَا لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ فَيَقُولُ لَك لَيْسَ فِي السَّمَاءِ شَمْسٌ أَصْلًا فَيُعْلَمَ حِينَئِذٍ أَنَّهُ سَفْسَطِيٌّ عِنَادِيٌّ لَيْسَ دَوَاؤُهُ إلَّا أَنْ يُوقَدَ عَلَيْهِ نَار الْأَدِلَّةِ الْيَقِينِيَّةِ إلَى أَنْ يَعْتَرِفَ أَوْ يَحْتَرِقَ وَبِهَذَا الْفَرْقِ الظَّاهِرِ يَبْطُلُ مَا فَرَّعَهُ عَلَيْهِ وَتَذْيِيلُهُ تَكْرَارٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَالَغْت فِي الْقُرَّةِ فِي تَزْيِيفِ جَمِيعِ مَا أَبْدَاهُ مِمَّا لَمْ يُدْرِكْ فَحْوَاهُ فَضْلًا عَنْ مَغْذَاهُ وَكَيْفَ لَا وَهُوَ بَعْدَ اطِّلَاعِهِ عَلَى ذَلِكَ الْفَرْقِ الْوَاضِحِ يَزْدَادُ فِي تَكْرِيرِ سَفْسَطَتِهِ وَعِنَادِهِ وَفَضِيحَتِهِ فِي إصْدَارِهِ وَإِيرَادِهِ فَيَجْعَلُ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُتَّحِدَتَيْنِ وَيَجْعَلُ الْعِلَّةَ حُرْمَةَ التَّسْلِيمِ فِيهِمَا قَالَ فَيَتَّحِدَانِ فِي الْبُطْلَانِ وَالشَّاشِيُّ قَائِلٌ بِالصِّحَّةِ فِي كُلٍّ وَالْعِلَّةُ عِنْدَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي الْعَقْدِ وَهَذَا بَاطِلٌ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَجَعْلُ حُرْمَةِ التَّسْلِيمِ بِمُجَرَّدِهَا عِلَّةً غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّهُ أَمْرٌ عَامٌّ
وَإِنَّمَا النَّظَرُ لَيْسَتْ هَذِهِ الْحُرْمَة وَهُوَ فِي هِبَتِهِ الْمَاءَ ذَاتِيٌّ لِأَنَّهُ يَرْجِعُ لِمَعْنًى فِي ذَاتِ الْعَاقِدِ وَهُوَ عَجْزُهُ عَنْ تَسْلِيمه شَرْعًا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالتَّبَرُّعِ وَفِي هِبَةِ الْمَدِينِ عَرْضِيٌّ لِأَنَّهُ
لَا يَرْجِعُ لِمَعْنًى كَذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ تَقَيَّدَ التَّحْرِيمُ بِالتَّبَرُّعِ لَا غَيْرُ الْمَوْضِعُ السَّابِعُ قَوْلُهُ تَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ حُكْمَ مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ عَلَى هِبَةِ الْمَاءِ تَخْرِيجٌ أَوْلَوِيٌّ حَقٌّ. اهـ. وَهَذَا مِنْ زِيَادَةِ شَقْشَقَتِهِ أَيْضًا لِمَا بَيَّنْته وَوَضَّحْته فِي الْقُرَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُسَاوِي مِدَادَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَمْ يُخَرِّجْ الْحُكْمَ خِلَافًا لِمَا افْتَرَاهُ هَذَا الْعَنِيدُ وَإِنَّمَا خَرَّجَ الْخِلَافَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّرْجِيحُ كَمَا مَرَّ بَسْطُهُ فِي الْقُرَّةِ ثُمَّ قَالَ عَنْ كَلَامِي فِي الْقُرَّةِ وَقَوْلُهُ إنَّ فِي الرِّشْوَةِ إكْرَاهًا مُجَرَّدُ دَعْوَى إذْ لَوْ كَانَ فِيهَا إكْرَاهٌ لِمَا أَشْبَهَ الْخِلَافَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ إذْ لَيْسَ فِيهِ فِي هِبَةِ الْمَاءِ إكْرَاهٌ. اهـ.
وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا يَزِيدُ بَصِيرَتَك فِيهِ أَنَّهُ رَدِيءُ الْفَهْمِ فَاسِدُ التَّصَوُّرِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى الْإِكْرَاهِ وَلَا وَجْهَ ذِكْرِهِ وَعِبَارَتِي وَمَسْأَلَةُ الرِّشْوَةِ مِنْ قَبِيلِ الْأَوْلَى أَيْ هِبَة الْمَاءِ فَحُرْمَتُهَا ذَاتِيَّةٌ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ مُتَعَلِّقٌ بِعَيْنِهَا وَإِخْرَاجُهَا مِنْ يَدِهِ إنَّمَا هُوَ كَرْهٌ عَلَيْهِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَعْصِ الْمُعْطِي لِإِرْشَائِهِ عَلَى وُصُولِهِ لِحَقِّهِ انْتَهَتْ وَاعْتِرَاضُهُ هَذِهِ الْعِبَارَةَ بِمَا ذَكَرَهُ مَعْذُورٌ فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَفْهَمْهَا وَلَا أَدْرَكَ شَيْئًا مِمَّا انْطَوَتْ عَلَيْهِ وَبَيَانُهَا أَنَّهُمْ لَمَّا صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُرْتَشِيَ لَا يَمْلِكُ الرِّشْوَةَ سَوَاءٌ أَثِمَ الرَّاشِي أَمْ لَا أَشْكَلَ ذَلِكَ عَلَى تَعْلِيلِهِمْ الْبُطْلَانَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ بِحُرْمَةِ التَّسْلِيمِ.
وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ التَّسْلِيمَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِثْمِ بَاطِلٌ لِمَعْنَيَيْنِ ذَاتِيَّيْنِ هُمَا حُرْمَةُ التَّسْلِيمِ وَالْإِكْرَاهِ الْمَعْنَوِيّ وَبِحَقٍّ لِلْمَعْنَى الثَّانِي فَقَطْ وَهُوَ بِمُفْرَدِهِ مُقْتَضٍ لِلْإِبْطَالِ أَلَا تَرَى إلَى حِكَايَةِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى سَبِيلِ الْحَيَاءِ مِنْ غَيْرِ رِضَا مِنْهُ بِذَلِكَ لَا يَمْلِكُهُ الْآخِذُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ فِيهِ إكْرَاهًا بِسَيْفِ الْحَيَاءِ فَهُوَ كَالْإِكْرَاهِ بِالسَّيْفِ الْحِسِّيِّ بَلْ كَثِيرُونَ يُقَابِلُونَ هَذَا السَّيْفَ وَيَتَحَمَّلُونَ مِرَارَ جُرْحَهُ وَلَا يُقَابِلُونَ الْأَوَّلَ خَوْفًا عَلَى مُرُوءَتِهِمْ وَوَجَاهَتِهِمْ الَّتِي يُؤْثِرُهَا الْعُقَلَاءُ وَيَخَافُونَ عَلَيْهَا أَتَمَّ الْخَوْفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ لِلرَّاشِي بِحَقٍّ أَنْ يُخْرِجَ مَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ بِرِضَاهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا اضْطَرَّهُ الْمُرْتَشِي إلَى إعْطَائِهِ مَالَهُ كُرْهًا عَلَيْهِ إذْ الْغَرَضُ أَنَّهُ لَوْلَا إعْطَاؤُهُ لَمَا حَكَمَ لَهُ بِحَقِّهِ فَعَلِمْنَا أَنَّ عَدَمَ الْمِلْكِ فِي الرِّشْوَةِ إمَّا لِذَاتِيَّيْنِ أَوْ ذَاتِيٍّ وَاحِدٍ وَوَجْهُ كَوْنِ الْإِكْرَاهِ ذَاتِيًّا أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الذَّاتِيَّ هُوَ مَا رَجَعَ لِمَعْنًى فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ فِي الْعَاقِدِ وَالْإِكْرَاهُ مَعْنًى رَجَعَ فِي الْعَاقِدِ فَكَانَ ذَاتِيًّا فَتَأَمَّلْ هَذَا التَّحْقِيقَ الْمُشْتَمِلَةَ عَلَيْهِ تِلْكَ الْعِبَارَةُ تَعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ اعْتِرَاضِهَا عَمَى الْبَصِيرَةِ وَالِارْتِبَاك فِي مُهَاوِي الْهَذَيَانِ وَالْحِيرَةِ الْمَوْضِعُ الثَّامِنُ ثُمَّ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَيَّ وَمِمَّا قَالَ الْمُتَجَلِّي مِنْ الْفُرُوقِ إنَّ مَسْأَلَةَ هِبَةِ الْمَدِينِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فِيهَا خِلَافٌ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَاءِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلَى أَنْ قَالَ فَكَيْفَ مَعَ ذَلِكَ يَأْتِي الذَّمُّ بِبُطْلَانِ الصَّدَقَةِ مَعَ الْخِلَافِ فِي حُرْمَتِهَا وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ صَدَرَ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ الْمَسْأَلَةِ حَقِّهَا مِنْ التَّأَمُّلِ.
فَإِنَّ النَّوَوِيَّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ رَفَعَ الْخِلَافَ بِحَمَلَةِ الْإِطْلَاقَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّ حَاصِلَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ كَمَا أَنَّ حَاصِلَهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى الْجَوَازِ فِيمَنْ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي مَسْأَلَةِ هِبَةِ الْمَدِينِ الَّذِي يَرْجُو الْوَفَاءَ لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ. اهـ.
لَفْظه وَهُوَ مُشْتَمِلٌ عَلَى فَضَائِحَ تُنَادِي عَلَيْهِ بِالْغَبَاوَةِ وَعَدَمِ الْفَهْمِ وَالْجَهْلِ بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَمَدْلُولِ عِبَارَاتهمْ أَمَّا أَوَّلًا فَقَوْلُهُ عَنِّي إنِّي قُلْت مُجْمَعٌ افْتِرَاءٌ وَجَهْلٌ وَعِبَارَتِي اتَّفَقُوا عَلَى الْحُرْمَةِ فِي الْمَاءِ دُونَ الصَّدَقَةِ فِي مَوْضِعٍ وَفِي آخَرَ لَا خِلَافَ وَفِي آخَرَ مَجْزُومٌ بِهِ وَشَتَّانَ بَيْن اتَّفَقُوا وَهَذَا مَجْزُومٌ بِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَبَيْنَ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْعِبَارَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلُ يُقَالُ فِيهَا تَتَعَلَّقُ بِأَهْلِ الْمَذْهَبِ لَا غَيْرُ وَأَمَّا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا عِبَارَةٌ تُقَالُ فِيمَا أَجْمَعَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّةُ فَتَحْوِيل هَذَا الْمُعْتَرِضِ عِبَارَتِي مِنْ اتَّفَقُوا أَوْ لَا خِلَافَ فِيهِ أَوَمَجْزُومٌ بِهِ إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مِمَّا قَضَى عَلَيْهِ بِجَهْلِ اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَرْقَ بَيْنَ تِلْكَ الْأَلْفَاظِ مَعَ زَعْمِهِ أَنَّ لَهُ فِي الِاشْتِغَالِ بِالْفِقْهِ لَا غَيْرُ نَحْوَ خَمْسِينَ سَنَةً حَقِيقٌ أَنْ لَا يُقَالَ لَهُ مَا أَحَقَّك بِأَنَّك رَاكِبٌ مَتْنَ عَمْيَاءَ وَخَابِطٌ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ ابْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَطِيم وَدَاءُ النُّوكِ لَيْسَ لَهُ دَوَاءٌ وَقَوْلَ الْعَضُدِ لَيْسَ لِمَرَضِ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ مِنْ شِفَاءٍ وَأَمَّا ثَانِيًا فَقَوْلُهُ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ صَدَرَ إلَخْ هُوَ مِنْ قَبِيحِ غَبَاوَتِهِ
إذْ لَمْ يَفْهَمْ كَلَامَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَلَا كَلَامَ الْأَصْحَابِ وَلَا حَامَ حَوْلَهُمَا بِوَجْهٍ وَلَعَمْرِي إنَّ مَنْ تَرَدَّى إلَى هَذِهِ الْهُوَّةِ مِنْ التَّحْرِيفِ وَسُوءِ الْفَهْمِ فَحَقِيقٌ بِأَنْ لَا يُجَاوِبَ وَلَا يُخَاطِبَ إذْ مُخَاطَبَةُ مِثْلِ هَذَا الْبَلِيدِ تُؤَدِّي إلَى مَا يُظْلِمُ الْقَلْبَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ فِي رَدْعِهِ وَزَجْرِهِ مِنْ السَّبِّ لَكِنْ أَلْجَأَهُ إلَى ذَلِكَ طَعَامُ أَحَدِ قِرَابِهِ حَتَّى خَرَجَ عَنْ طُورِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِمَرْتَبَتِهِ وَقَدْرِهِ
وَلَمْ يَرَ فَوْقَهُ أَحَدًا فَوَقَعَ فِي الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَا وَالْحَمَاقَةِ الْعُظْمَى كَيْفَ وَهُوَ فِي هَذَا الْمَبْحَثِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ الَّذِي فِي الْمُخْتَصَرَاتِ فَضْلًا عَنْ الْمُطَوَّلَاتِ وَكَأَنَّهُ مَا رَأَى مَا فِي الْمِنْهَاجِ الْمُصَرِّحِ بِثُبُوتِ الْخِلَافِ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يَرْجُو وَفَاءَهُ وَعِبَارَتُهُ قُلْتُ الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً انْتَهَتْ فَهِيَ مُصَرِّحَةٌ بِوُجُودِ الْخِلَافِ بَلْ وَتُقَوِّيه فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَبِهَذَا يَزْدَادُ تَعَجُّبُك مِنْ قَوْلِهِ فَهَذَا الْخِلَافُ الَّذِي أَبْدَاهُ فِي هَذَا الْمَدِينِ الَّذِي لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ لَمْ أَرَهُ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفْت عَلَيْهِ. اهـ. وَحِينَئِذٍ فَقُلْ لَهُ أَعْمَى اللَّهُ بَصِيرَتَك بِسُوءِ تَصَرُّفِك وَفَهْمِك كَيْفَ مَسْأَلَةٌ صَرِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي مَتْنِ الْمِنْهَاجِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ لَمْ تَرَهَا فِي شَيْءٍ مِمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ هَلْ هَذَا إلَّا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْسَاك الْعِلْمَ لِيُحِقَّ عَلَيْك كَلِمَةَ الْحَمَاقَةِ وَالْجَهْلِ وَعَدَمِ الْحِلْمِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُ بِشَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَهُوَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَلَادَتِهِ وَعَدَمِ فَهْمِهِ لِعِبَارَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْتهَا فِي الْقُرَّةِ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَمَّا حَكَى فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ حُرْمَةَ التَّصَدُّقِ مِمَّا يَحْتَاجُهُ لِوَفَائِهِ وَكَرَاهَتِهِ عَنْ آخَرِينَ وَعَدَمِ اسْتِحْبَابِهِ عَنْ آخَرِينَ قَالَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُصُولُ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَلَا بَأْسَ بِالصَّدَقَةِ وَقَدْ تُسْتَحَبُّ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيل يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُطْلَقِ. اهـ. فَتَأَمَّلْ فَرْضَهُ الْحُرْمَةَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِمَا يَحْتَاجُهُ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ الْمُسْتَلْزِم أَنَّهُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ ثُمَّ الْكَرَاهَة وَعَدَم الِاسْتِحْبَابِ فِي ذَلِكَ تَجِدُ عِبَارَتَهُ فِي أَنَّ كَثِيرِينَ قَائِلُونَ بِجَوَازِ التَّصَدُّق مِمَّا يَحْتَاجُهُ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ وَهَؤُلَاءِ هُمْ الْقَائِلُونَ بِمُقَابِلِ الْأَصَحِّ الْمَذْكُورِ فِي عِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ قَوْلَهُ وَالْمُخْتَارُ إلَخْ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَة إلَى غَيْرِ الْمَذْكُورِينَ مِمَّنْ أَطْلَقَ الْحُرْمَةَ أَوْ عَدَمَهَا فَهَذَانِ الْإِطْلَاقَانِ عَلَى الْحَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ الْمُطْلَقُ
فَهَذَا يَرْجِعُ إلَى الْمُطْلِقِينَ غَيْر الْمَذْكُورِينَ لَا إلَى الْمَذْكُورِينَ لِأَنَّهُمْ مُقَيِّدُونَ لَا مُطْلِقُونَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ فَرَضَ الْحُرْمَةَ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ تَقْيِيدُ مُقَابِلِهَا بِذَلِكَ أَيْضًا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ مُقَابِلًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَإِلَّا فَلَا لَيْسَ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ عِنْدَ عَدَمِ غَلَبَةِ ظَنِّ الْوَفَاءِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِهِ بَأْس أَوْ لَا يُسْتَحَبُّ وَالْأَخِيرُ وَاضِحٌ وَأَمَّا بِهِ بَأْسٌ فَكَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَحِينَئِذٍ يَزْدَادُ تَعَجُّبُك مِنْ افْتِرَاءِ هَذَا الْبَلِيدِ وَتَقَوُّلِهِ عَنْ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِقَوْلِهِ حَاصِلُهُ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ أَنْ يَصِلَ التَّهَوُّرُ وَالِافْتِرَاءُ بِصَاحِبِهِ إلَى مِثْلِ هَذِهِ الْمُجَازَفَةِ كَيْفَ وَهُوَ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا أَنَّهُ نَفَى لِمَاذَا وَهُوَ مَعْذُورٌ فَإِنَّهُ عَامِّيٌّ فِي الْعَرَبِيَّةِ بِأَنْوَاعِهَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي عِبَارَة شَرْحِ الْمُهَذَّبِ يَرْجُو الْوَفَاءَ وَلَا عَدَمَهُ فِي حِكَايَةِ الْخِلَافِ وَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِقَوْلِهِ يَحْتَاجُهُ لِوَفَائِهِ كَمَا قَدَّمْته ثُمَّ وَإِنَّمَا عَبَّرُوا بِقَوْلِهِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وَبِقَوْلِهِ وَإِلَّا أَيْ وَإِلَّا يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ وَهُوَ صَادِقٌ بِرَجَاءِ الْوَفَاءِ بِلَا غَلَبَةٍ وَعَدَمُ رَجَائِهِ أَصْلًا لِأَنَّ السَّالِبَةَ تَصْدُقُ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ فَلَا صَادِق بِالْجَوَازِ وَالْحُرْمَةِ كَمَا قَرَّرْته وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ تَعَرُّضٌ لِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فَضْلًا عَنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاق عَلَى الْحُرْمَةِ فِيهِ فَبَانَ أَنَّ قَوْلَ هَذَا الْبَلِيدِ حَاصِلُهُ أَيْ التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقُ عَلَى التَّحْرِيمِ حَيْثُ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ حَاصِلٌ مُنْهَدِمٌ عَلَى رَأْسِهِ مُؤْذِنٌ بِعَقْرِهِ مِنْ الْعِلْم وَنَفْسه هُدَانَا اللَّهُ وَإِيَّاهُ لِطَاعَتِهِ الْمَوْضِعُ التَّاسِعُ قَوْلُهُ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ عَدَمَ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي نَصِّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ فَلَازَمُوا بَيْنَ الْحُرْمَة وَالْبُطْلَانِ حَيْثُ وَجَدَ التَّحْرِيم
فَهَذَا نَصٌّ مِنْ الْأَصْحَاب عَلَى أَنَّهُ حَيْثُ حَرَّمَ تَصَرُّف الْمُفْلِسِ كَمَا فِي صُورَةِ تَبَرُّعِ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ فَتَبَرُّعُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ. اهـ. وَهَذَا كَلَامٌ رُدِئَ مَبْنِيُّ عَلَى فَسَادِ التَّصَوُّرِ وَالتَّحَيُّلِ لِأَنَّ الْأَصْحَابَ إذَا فَسَّرُوا نَصًّا فِي مَوْضِعٍ بِشَيْءٍ يُخَالِفُ مَدْلُولَهُ كَيْفَ يُقْضَى بِهِ عَلَى سَائِرِ الْمَوَاضِعِ
ثُمَّ يُسْتَنْتَجُ مِنْهُ أَنَّهُمْ لَازَمُوا بَيْنَ الْحُرْمَةِ وَالْبُطْلَانِ حَيْثُ وُجِدَ التَّحْرِيمُ وَهُوَ كَذِبٌ صَرِيحٌ وَتَقَوُّلٌ قَبِيحٌ وَكَيْفَ نَقُولُ ذَلِكَ وَهُمْ قَسَمُوا الْبُيُوعَ الْمَنْهِيَّ عَنْهَا إلَى بَاطِلٍ وَصَحِيحٍ وَكَذَا سَائِرُ الْعُقُودِ وَحِينَئِذٍ فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مُسْكَةٍ مِنْ عَقْلٍ فَضْلًا عَنْ فَضْلٍ أَزْيَدَ عَنْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ فَهِيَ مُلَازَمَةٌ بَاطِلَةٌ مُسْتَنْتَجَةٌ مِنْ مُقَدِّمَةٍ بَاطِلَةٍ وَإِنَّمَا تَكَلَّمْت عَلَى قَوْلِهِ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ عَدَم الْجَوَازِ إلَخْ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ ثُمَّ رَأَيْته بَعْدَ ذَلِكَ سَاقَ النَّصَّ الْمَذْكُورَ وَمَا ذَكَرَهُ وَلَيْسَ فِيهِ تَعْبِيرٌ بِعَدَمِ الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ كُلُّهُ كَذِبٌ مَحْضُ وَبُهْتَانٌ عَمْدٌ وَكَأَنَّ هَذَا الشَّقِيَّ ظَنَّ أَنَّ كِتَابَهُ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ السَّفَاهَةِ وَالْفُحْشِ لَا أَنْظُر فِيهِ فَيَتِمُّ تَرْوِيجُهُ عَلَى طُغَامِهِ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ نَظَرْتُ فِيهِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ إلَى تِلْكَ السَّفَاهَةِ وَالْحَمَاقَة لِأُبَيِّنَ كَذِبَهُ الشَّنِيعَ وَبُهْتَانَهُ الْفَظِيعَ وَغَايَةُ ذَلِكَ النَّصِّ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ رَفْعَ الْمُفْلِسِ إلَى الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَيُعَارِضُ تِلْكَ النُّصُوصَ الْآتِي الْكَلَامُ عَلَيْهَا وَلَا مُعَارَضَةَ لِأَنَّ مَا فِي الْجِزْيَةِ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا اعْتَرَفَ بِهِ هَذَا الْجَاهِلُ الْمُفْتَرِي قَبَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ كَانَ الْجَهْلُ ظِلَّهُ وَمَقِيلَهُ وَتَأَمَّلْ جَرَاءَتَهُ وَمُهَاجَمَتَهُ بِقَوْلِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ مَنْ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ مَعَ الصِّحَّةِ فَهُوَ مُحَرِّفٌ لِلنُّصُوصِ وَمُغَلِّطٌ لِلْأَصْحَابِ تَجِدُهُ كَالْأَبْلَهِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ الْخِطَابَ وَلَا يُحْسِنُ رَدَّ الْجَوَابِ كَيْفَ وَسَبَبُ التَّحْرِيفِ وَالتَّغْلِيطِ الْأَخْذُ بِمَدْلُولِ كَلَامِهِمْ وَحَمْلُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَاز عَدَمُ الصِّحَّةِ كَمَا هُوَ بَدِيهِيُّ التَّعَقُّلِ وَنَصُّ الْإِدْرَاكِ مِنْ كَلَامِهِمْ
وَلَا يُنْسَبُ لِذَلِكَ مَنْ اسْتَنْتَجَ مِنْ تَأْوِيلٍ مُتَعَيِّنٍ فِي مَحَلٍّ لِدَاعٍ دَعَا إلَيْهِ أَنَّ جَمِيعَ النُّصُوصِ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ عَدَمُ الصِّحَّةِ حَيْثُ وُجِدَ التَّحْرِيمُ فَهَذَا الْمُتَقَوِّلُ الْمُخَلِّطُ الَّذِي لَا يَرْعَى لِحَقٍّ وَلَا يَهْتَدِي بِصَوَابٍ هُوَ الْمُحَرِّفُ الْمُغَلِّطُ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ تِلْكَ النُّصُوصَ وَمَا جُمْلَتُهَا عَلَيْهِ قَوْلُ الْأُمِّ فِي الرَّهْنِ وَلَوْ كَانَ رَهَنَهُ إيَّاهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ وَلَدَتْ لَهُ وَلَا مَالَ لَهُ بِيعَ مِنْهَا بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَعَتَقَ مَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُحِيطٌ بِمَالِهِ عَتَقَ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِتِلْكَ النُّصُوصِ فِي نُفُوذِ عِتْقِهِ وَغَيْرِهِ مَعَ إحَاطَةِ الدَّيْنِ بِمَالِهِ وَمِمَّا يَزْدَادُ عَجَبُك مِنْهُ أَنَّهُ لَمَّا سَاقَ نُصُوصَ الْأُمِّ الَّتِي ذَكَرَهَا فِي الْقُرَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَصَرُّفِ الْمَدِينِ الْمُفْلِسِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ لِلْقَاضِي وَصَلَهُ أَنْ يُعَارِضَهَا بِنَصِّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ وَلَفْظُهُ إذْ أُعْسِرَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِالْجِزْيَةِ فَالسُّلْطَانُ غَرِيمٌ مِنْ الْغُرَمَاءِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّ فَلَسَهُ لِأَهْلِ دَيْنِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ ضَرَبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِحِصَّةِ جِزْيَتِهِ لِمَا مَضَى عَلَيْهِ مِنْ الْحَوْلِ وَإِنْ قَضَاهُ الْجِزْيَةَ دُونَ الْغُرَمَاءِ كَانَ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَعْدِ عَلَيْهِ غُرَمَاؤُهُ فَإِذَا اسْتَعْدَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ جِزْيَتَهُ دُونَهُمْ لِأَنَّ عَلَيْهِ حِينَ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ إنْ بَقِيَ مَا لَهُ إذَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ بَيَّنَ بَيِّنَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ يُقِرّ وَاسَتَعْدَى عَلَيْهِ كَانَ لَهُ أَخْذُ جِزْيَتِهِ دُونَهُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَقٌّ حِينَ أَخَذَ جِزْيَتَهُ. اهـ.
فَانْظُرْ حَتَّى تَعْلَمَ كَذِبَهُ فِي نِسْبَتِهِ إلَى هَذَا النَّصِّ أَنَّ فِيهِ عَدَمَ الْجَوَازِ وَإِلَى الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَوَّلُوا مَا فِيهِ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ سُبْحَانك هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ وَرَقَاتٍ وَهَذَا نَصُّ الْأُمِّ فِي الْجِزْيَةِ مُصَرِّحٌ بِعَدَمِ جَوَازِ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الْحَجْرِ وَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فِي كِتَابِهِ مِنْهَا قَوْلُهُ أَيْضًا وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ نَصَّهُ فِي الْجِزْيَةِ السَّابِقِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا عَدَمُ الْجَوَازِ وَكُلُّهُ كَذِبٌ صُرَاحٌ كَمَا عَرَفْت مِنْ سَوْقِ لَفْظِ النَّصّ بِحُرُوفِهِ الَّتِي سَاقَهَا هُوَ نَفْسُهُ عَنْ تَوَسُّطِ الْأَذْرَعِيِّ
وَتَأَمَّلْ مُعَارَضَتَهُ لِتِلْكَ النُّصُوصِ بِهَذَا النَّصِّ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ وَلِهَذَا أَعْرَضَ الْجُمْهُورُ عَنْ الْعَمَلِ بِظَاهِرِ هَذَا النَّصِّ وَأَوَّلُوهُ تَعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَهْتَدِي لِمَا يَقُولُ أَصْلًا وَلِهَذَا الْإِعْرَاض قَطَعَ فِي الرَّوْضَة بِمُقَابِلِهِ فَقَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِتْقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ يَفْتَقِرُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَطْعًا وَاعْتَرَضَ قَطْعَهُ بِأَنَّ فِيهِ وَجْهًا وَهُوَ اعْتِرَاضٌ سَهْلٌ لِأَنَّهُ كَثِيرًا مَا يُنَزَّلُ الْوَجْهُ لِشُذُوذِهِ مَنْزِلَةَ الْعَدَمِ فَيُقْطَعُ بِمُقَابِلِهِ مِنْ غَيْرِ مُبَالَاةٍ بِهِ الْمَوْضِعُ الْعَاشِرُ ثُمَّ اعْتَرَضَ عَلَيَّ فِي نَقْلِي لِلْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَخْذُ أَحْكَامِهِمْ
وَنِسْبَتِهَا إلَيْهِمْ بِمُجَرَّدِ الْوُقُوفِ عَلَى مَا نَقَلُوهُ فِي كُتُبِهِمْ وَإِنَّمَا الرُّجُوعُ إلَى مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ بِمُرَاجَعَةِ الرَّاسِخِينَ فِي قَوَاعِدِهِمْ فَلَعَلَّ لِإِمَامِهِمْ رِوَايَتَيْنِ. اهـ.
وَهَذَا مِنْ سُوءِ فَهْمِهِ وَاخْتِلَاطِ الْمَأْخَذِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِي مَقَامَيْنِ نَقْلِ الْمَذَاهِبِ وَمَقَامِ الْعَمَلِ أَوْ الْإِفْتَاءِ بِهَا وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّانِي وَاَلَّذِي وَقَعَ إنَّمَا هُوَ الْأَوَّلُ لَكِنْ لِمَزِيدِ اخْتِلَاطِ عَقْلِهِ لَمْ يَعْرِفْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ بَلْ سَوَّى بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ لَا يَجُوز أَخْذُ أَحْكَامِهِمْ وَنِسْبَتِهَا إلَيْهِمْ إلَخْ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ تَهَوُّرِهِ مِنْ غَيْرِ مُسْتَنَدٍ وَتَقَوُّلِهِ الَّذِي لَا يَدْرِي مَا وَرَاءَهُ فَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ فِي كُتُبِهِمْ كَالسُّبْكِيِّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَبْلَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ يَحْكُونَ الْخِلَافَ الْعَالِي بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَعْتَمِدُونَ فِي نَقْلِهِمْ نَقْلَهُ وَحِكَايَتَهُ عَلَى كُتُبِ الْمُخَالِفِينَ الْمُدَوَّنَةَ فِي ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الثَّلَاثَةِ النُّصُوص بِالْجَوَازِ وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْجَائِزِ بِالنَّافِذِ الْمُحَرَّمِ إذْ لَا يَصِحُّ إطْلَاقُ الْمُحَرَّمِ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ الْجَائِزِ فَهُوَ تَفْسِيرٌ بِغَيْرِ مُطَابِقٍ وَهُوَ فَاسِدٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَبِّرْ فِي الْأَوَّلِ بِالْجَوَازِ وَحْدَهُ وَإِنَّمَا قَالَ جَائِزٌ كُلُّهُ عَلَيْهِ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْفِعْلَ إذَا عُدِّيَ بِغَيْرِ مَا يَتَعَدَّى بِهِ ضُمِّنَ فِعْلًا آخَرَ يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْحَرْفَ الْمُعَدَّى بِهِ أَوْ أَوَّلَ ذَلِكَ الْحَرْفَ بِحَرْفٍ آخَرَ يُنَاسِبُ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ هُنَا فَتَعَيَّنْ الْأَوَّلُ وَحِينَئِذٍ فَتَعْدِيَةُ جَائِزٍ بِعَلَيْهِ لَا يُمْكِنُ مَعَهَا بَقَاءُ جَائِز عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الْمُبَاحُ وَإِنَّمَا يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ بِنَافِذِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَتَعَدَّى بِعَلَى فَبَطَلَ زَعْمُهُ بَقَاء الْجَوَازِ عَلَى حَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ مَعْذُورٌ
فَإِنَّهُ بَعِيدٌ عَنْ مَعْرِفَةِ الْقَاعِدَةِ النَّحْوِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُتَعَدِّي وَالتَّضْمِينِ وَيُؤْخَذُ مِنْ بَلَاغَةِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَنَفْعنَا بِهِ الْبَالِغِ فِيهَا الْمَبْلَغَ الَّذِي لَا يُشِقُّ غُبَارُهُ وَلَا يُخْشَى عِثَارُهُ أَنَّ مُغَايَرَتَهُ بَيْنَ الْفِعْلِ الْأَوَّلِ فِي النَّصِّ الْأَوَّلِ بِتَعْدِيَتِهِ بِعَلَى وَالْفِعْلَيْنِ فِي النَّصَّيْنِ الْآخَرَيْنِ بِتَعْدِيَتِهِمَا بِلَهُ أَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ حَيْثُ عَبَّرَ بِالنُّفُوذِ تَارَةً وَبِالْجَوَازِ أُخْرَى إلَى أَنَّهُ قَبْلَ الْحَجْرِ يَنْفُذُ مُطْلَقًا جَازَ أَوْ حَرُمَ وَهِيَ نُكْتَةٌ بَدِيعَةٌ لَا يَنْقَادُ لِفَهْمِهَا ذِهْنُ مِثْلِ هَذَا الْجَاهِلِ بِفَنِّ الْبَلَاغَةِ عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا لَهُ أَنَّ الْجَوَازَ عُدِّيَ بِاللَّامِ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا كَانَ الْمَعْنَى النُّفُوذَ أَيْضًا
وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِالْجَوَازِ حَقِيقَتُهُ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ فَرْضِ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْمُفْلِسَ الَّذِي لَا يَرْجُو وَفَاءً وَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ فَيَخْرُجُ مِنْ كَلَامِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَأَمَّا إذَا حَمَلْنَا الْجَوَازَ عَلَى النُّفُوذ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ مَنْ جَازَ تَصَرُّفُهُ وَمَنْ حَرُمَ وَكَلَامُ الشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي الْعُمُومِ فَلَا يَجُوزُ تَخْصِيصُهُ بِالتَّشَهِّي وَالْهَذَيَانِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَرِضَ قَدَّمَ تَبَعًا لِلْأَذْرَعِيِّ اعْتِرَاضَ هَذِهِ النُّصُوصِ الثَّلَاثَةِ بِنَصِّ الْجِزْيَةِ وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجَوَازِ مُطْلَقُ النُّفُوذِ إذْ هَذَا هُوَ الَّذِي يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ بَيْنَ النُّصُوصِ كَمَا ذَكَرَهُ وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِ حَقِيقَتُهُ فَلَا يَتَأَتَّى اعْتِرَاضُ تِلْكَ النُّصُوصِ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ تَسْتَلْزِمُ أَنَّ لَهُ جِهَةً ظَاهِرَةً فَلَا يَكُونُ مُفْلِسًا وَالشَّافِعِيُّ رحمه الله يَقُولُ مُفْلِسًا كَانَ أَوْ غَيْر مُفْلِسِ فَاتَّضَحَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرَ وَقَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْجَائِز بِالنَّافِذِ الْمُحَرَّمِ إلَخْ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَهْلِهِ بِقَاعِدَةِ الْعُمُومِ الْمُطْلَقِ وَبَيَانُهُ يَلْزَمُ مِنْ الْجَوَازِ النُّفُوذَ وَلَا عَكْسَ فَالنُّفُوذُ وَلَا عُكِسَ فَالنُّفُوذ أَعَمُّ مُطْلَقًا وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْأَخَصَّ بِخِلَافِ عَكْسِهِ فَإِذَا فَسَّرْنَا بِالنَّافِذِ شَمِلَ الْجَائِزَ وَغَيْرَهُ فَبَطَلَ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْجَائِزِ بِالنَّافِذِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ لَا يُفَسِّرُهُ بِذَلِكَ إلَّا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي عَدَمِ فَهْمِ الْفَرْقِ بَيْنَ مَادَّتَيْ التَّضَادّ وَالْعُمُومِ وَلَوْلَا جَهْلُهُ بِذَلِكَ لِمَا كَانَ يُورِدُ عَلَيْنَا الضِّدَّ مَعَ أَنَّا إنَّمَا فَسَّرْنَاهُ بِالْأَعَمِّ مُطْلَقًا وَشَتَّانَ مَا بَيْنَهُمَا لَكِنْ مَنْ لَا ذَوْقَ لَهُ يُورِدُ مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْيَاءٍ مِنْ الْكَذِبِ وَعَارُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَيْتَهُ فِي كَذِبِهِ اكْتَفَى بِإِيرَادِهِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا
وَإِنَّمَا كَرَّرَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ عَقِبَ قَوْلِهِ وَتَفْسِيرُ الْجَائِزِ إلَخْ وَقَدْ فَسَّرَ الْأَصْحَابُ عَدَمَ الْجَوَازِ بِعَدَمِ النُّفُوذِ فَلَازَمُوا بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَعَدَمِ النُّفُوذِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ تَبَرُّعَ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَنَّ الْأَصْحَابَ فَسَرُّوا عَدَمَ الْجَوَازِ فِي كَلَامِ إمَامهمْ بِعَدَمِ النُّفُوذِ فَهَذَا نَصٌّ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ تَصَرُّفُ الْمَدِينِ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ فَارْفَعْ يَدَك فَقَدْ لَاحَتْ الْمَسْأَلَةُ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابِ انْتَهَى وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا كَلَامٌ كَذِبٌ وَأَنَّ الْمُلَازَمَةَ الَّتِي
أَخَذَهَا مِنْهُ بَاطِلَةٌ وَأَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ الْغَبِيَّ لَا تَأَمُّلَ لَهُ وَلَا ذَوْقَ وَلَيْتَهُ مَعَ ذَلِكَ سَلِمَ مِنْ الْبُهْتِ وَالْكَذِبِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَقْبَحُ وَصْفٍ فِي الْإِنْسَانِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ بِالدُّعَاءِ بِهَلَاكِهِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ شَيْءٌ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ لِتُنَاسِبَ وَصْفَهُ فَإِنَّ مَنْ هَذَا حَالُهُ مَضَلَّةٌ لِلنَّاسِ وَأَيُّ مَضَلَّةٍ وَمَزَلَّةٌ لِلضُّعَفَاءِ وَأَيُّ مَزَلَّةِ فَحُقَّ أَنْ يُبْتَهَلَ فِي أَمْرِهِ بِصَلَاحِهِ وَإِلَّا فَبِهَلَاكِهِ فَإِنَّ بَلَدَهُ خَلَتْ عَمَّنْ يَتَأَهَّلُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَنْشَدَ لِسَانُ الْحَالِ الْأَصْدَقُ مِنْ لِسَانِ الْقَالِ
خَلَا لَكِ الْبَرُّ فَبِيضِي وَاصْفَرِي
…
وَنَقِّرِي مَا شِئْتِ أَنْ تُنَقِّرِي
لَكِنْ بِحَمْدِ اللَّهِ الْعُلَمَاءُ مَا زَالُوا فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُمْ قَالُهُ أَوْ رُفِعَ إلَيْهِمْ حَالُهُ أَوْضَحُوا مَا انْطَوَى عَلَيْهِ مِنْ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ وَالْكَذِبِ وَالْخِيَانَةِ وَالشَّقَاوَةِ لِيُحَذِّرُوا النَّاسَ مِنْ حَالِهِ وَيُنَفِّرُوهُمْ عَنْ قَالِهِ.
فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ آكَدِ الْوَاجِبَاتِ عَلَيْهِمْ إذْ لَوْ تَرَكُوا كُلَّ قَائِلٍ وَبَهَّاتٍ فِي غَيِّهِ وَتَزْوِيرِهِ وَعِيِّهِ لَفَسَدَ النِّظَامُ وَتَغَيَّرَتْ الْأَحْكَامُ وَتَطَاوَلَ أَهْل الْفَسَادِ وَأَفْسَدَ النَّاسَ أَهْلُ الْحُمْقِ وَالْعِنَادِ أَبَادَهُمْ اللَّهُ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ كَمَا أَخْبَرَ بِهِ الْمَعْصُومُ وَقَضَى بِهِ الْأَمْرُ الْمَحْتُومُ ثُمَّ أَنْشَدَ مُتَبَجِّحًا عَلَى تَرْوِيجِ كَذِبِهِ وَعِنَادِهِ وَمُدَّعِيًا مَرْتَبَةَ كَذِبِهِ فِيهَا قَوَاطِع بَلَادَتِهِ الْمَعْلُومَةِ مِنْ إصْدَارِهِ وَإِيرَادِهِ
وَإِذَا كُنْت بِالْمَدَارِكِ غِرًّا
…
ثُمَّ أَبْصَرْت عَارِفًا لَا تُمَارِ
وَإِذَا لَمْ تَرَ الْهَلَاكَ فَسَلِّمْ
…
لِرِجَالٍ رَأَوْهُ بِالْأَبْصَارِ
وَلَقَدْ صَدَقَ فَإِنَّهُ وَاَللَّهِ غَرِيرُ الْمَدَارِكِ وَغَيْرِهَا وَأَيُّ غَرٍّ بَلْ غَبِيٍّ مِمَّنْ أَبْصَرَ الْعِرْفَانَ وَالْحَقَّ ثُمَّ عَانَدَ وَمَارَى وَكَذَّبَ وَافْتَرَى وَلَمْ يَسْلُكْ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَسْلَكَ نُورٍ قَطُّ وَإِنَّمَا سَلَكَ مَسَالِكَ ظُلْمَةِ الْكَذِبِ وَالشَّطَطِ حَتَّى هَوَتْ بِهِ إلَى مُهَاوِي الْعَنَا وَالْعِنَادِ الْمُوجِبَةِ لِحِرْمَانِ التَّوْفِيقِ وَالسَّدَادِ الْمَوْضِعُ الْحَادِيَ عَشَر أَنِّي لَمَّا اعْتَرَضْت نِسْبَته لِابْنِ الرِّفْعَةِ تَقْلِيدًا لِغَيْرِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ التَّمْلِيكِ وَالْعِتْقِ وَالْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ بِأَنَّ نِسْبَةَ الثَّلَاثَةِ الْأُخْرَى إلَيْهِ عَلَى جِهَةِ كَوْنِهِ صَرَّحَ بِهَا لَا يَجُوزُ قَالَ الْجَوَابُ أَنَّهُ لَمَّا اتَّحَدَ تَعْلِيلُهُمْ وَلَمْ يُمْكِنْ الْفَرْقُ وَكَانَ فِي قُوَّةِ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ جَازَتْ نِسْبَتُهُ إلَيْهِ. اهـ.
فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَوَابَ الْبَاطِلَ الْمَبْنِيَّ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ جَهْلِهِ بِالْأُصُولِ جُمْلَةً كَيْفَ وَقَدْ قَالُوا فِي الْمَقِيسِ بِالْأَوْلَى لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا قَالَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحُوا فِي الْقَوْلِ الْمُخَرَّجِ بِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه إلَّا مُقَيَّدًا لِجَوَازِ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَا يَرَى فَارِقًا فَكَذَا يُقَالُ يَجُوزُ أَنَّ ابْنَ الرِّفْعَةِ لَوْ سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الثَّلَاثَةِ لَا يَرَى فَارِقًا كَمَا أَبْدَيْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ
وَتَكَلَّمْت عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ رَدًّا عَلَى اعْتِرَاضِ ذَلِكَ الْبَلِيدِ عَلَيْهِ فَاتَّضَحَ أَنَّ قَوْلَهُ فِي تِلْكَ الثَّلَاثَة كَمَا صَرَّحَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ كَذِبٌ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ آخِرًا إنَّ مَالَ الْيَتِيمِ وَضَرْب أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصَّ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ عَلَى حُرْمَتِهِ لَكِنَّهُ عَامِّيٌّ فِي هَذِهِ الْمَبَاحِثِ فَلَيْتَهُ لَمْ يَحْضُرْ فِيهَا وَتَأَمَّلَ عَامِّيَّتَهُ الْقَبِيحَةَ فِي قَوْله لَمَّا اتَّحَدَ تَعْلِيلُهُمْ وَالْمُتَعَيِّنُ تَعْلِيلُهَا أَيْ الْمَسَائِلَ وَمَا أَحْسَنَ ذَلِكَ فِي نَحْوِ خَاضِعِينَ وَطَائِفِينَ وَلَا يَتَأَتَّى اعْتِبَارُهُ هُنَا عَلَى أَنَّ هَذَا إنَّمَا يُقَالُ لَوْ كَانَ الْكَلَامُ مَعَ مَنْ يَدْرِي ذَلِكَ أَوْ يَتَأَهَّلُ لِإِدْرَاكِهِ وَأَمَّا مَنْ لَا يَدْرِي ذَلِكَ رَأْسًا فَهُوَ الْقَاعِدُ مَعَ الْمُخَالِفِينَ الْآخِذُ بِحُجْزَةِ الْجَاهِلِينَ الْمَوْضِعُ الثَّانِي عَشَرَ ثُمَّ قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَى مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا فِي النُّفُوذِ فِي الْجَائِزِ وَهُوَ غَيْرُ مُمْكِنٍ فَحَكَمَ عَلَى تَصَرُّفَاتِ الْمُفْلِسِ قَبْل الْحَجْرِ الْجَائِزِ وَالْحُرْمَةُ بِالنُّفُوذِ اتِّفَاقًا. اهـ.
وَهَذَا بِكَلَامِ الْمُبَرْسَمِينَ أَشْبَه أَوْجَبَهُ أَنَّهُ تَوَالَتْ عَلَيْهَا ثِقَالُ الْبَرَاهِينِ الْحَقِّيَّةِ حَتَّى كَسَتْ عَقْلَهُ فَشَقْشَقَ بِمُهْمَلَاتِ الْأَلْفَاظِ الْعَامِّيَّةِ وَلَسْت أَنَا الْحَاكِيَ لِلِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْحَاكِي لَهُ الرَّوْضَةُ وَعِبَارَتُهَا وَاعْلَمْ أَنَّ التَّعَلُّقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّف يَفْتَقِرُ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي عَلَيْهِ قَطْعًا وَعِبَارَةُ أَصْلِهَا لَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ الْمَانِعَ مِنْ التَّصَرُّفِ يَفْتَقِرُ إلَى حَجْر الْقَاضِي عَلَيْهِ فَعَدُّوهُمَا مِنْ التَّعْلِيقِ الْمَانِعِ لِلتَّصَرُّفِ بِحَجْرِ الْقَاضِي وَقَطْعًا بِذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّعَلُّقَ عَامٌّ لِلْجَائِزِ وَالْمُحَرَّمِ فَيَكُونُ الْقَطْعُ فِيهِمَا وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ إذَا دَخَلَتْ فِي خِلَالِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ كَانَتْ مَنْقُولَةً وَكَأَنَّهُ
تَوَهَّمَ مَا قَالَهُ مِنْ اعْتِرَاضِ جَمْعٍ لِقَطْعِ الرَّوْضَة بِأَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا أَوْ وَجْهًا بِعَدَمِ النُّفُوذِ وَلَوْ قَبْلَ الْحَجْرِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْ الْوَجْهَ يُبْطِلُ قَوْلَهُ وَكَبْسهَا فِي مَحَلِّ الِاتِّفَاقِ عَلَى النُّفُوذِ فِي الْجَائِزِ فَقَوْلُهُ الْخِلَافُ فِي النُّفُوذِ فِي مَسْأَلَةِ التَّحْرِيمِ وَالِاتِّفَاقُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَوَازِ مِنْ السَّفْسَافِ الَّذِي سَوَّلَ لَهُ عَقْلُهُ الْقَاصِرُ أَنَّهُ شَيْءٌ
وَلَيْسَ بِشَيْءٍ عَلَى أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ رَآهُمَا لَا سِيَّمَا النَّوَوِيَّ يَقْطَعَانِ كَثِيرًا بِالْحُكْمِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلَافٌ إشَارَةً إلَى فَسَادِ مُدْرَكِهِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ شُذُوذِ نَقْلِهِ فَاعْتِرَاضُهُ عَلَى قَطْعِهِمَا هُنَا سَاقِطٌ لِمَا ذَكَرْته الْمَوْضِعُ الثَّالِثَ عَشَرَ ثُمَّ كَرَّرَ مَا مَرَّ مِنْ زَعْمِ مُخَالَفَةِ مَا فِي كِتَابِي الْقُرَّةِ لِمَا فِي شَرْحِي عَلَى الْإِرْشَادِ فَقَالَ إنْ اعْتَمَدَ الْأَوَّلَ كَشَطَ مَا فِي الثَّانِي أَوْ الثَّانِيَ رَجَعَ عَنْ الْأَوَّلَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خُلُوٌّ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ وَمُصْطَلَحَاتِهِمْ وَمِمَّا وَقَعَ لَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ كَيْفَ وَابْنُ الرِّفْعَةِ كَثِيرًا مَا يَذْكُرُ شَيْئًا فِي الْكِفَايَةِ
وَيَرْجِعُ عَنْهُ فِي الْمَطْلَبِ وَيَبْقَى كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَالسُّبْكِيُّ وَسَائِرُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَكِنْ مَنْ عَمِيَتْ عَلَيْهِ طُرُقُ الْهُدَى يَقُولُ مَا شَاءَ كَيْف وَاَلَّذِي فِي الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ إنَّمَا هُوَ قَصْر بَحْث ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَا تُمْلَكُ حَيْثُ حُرِّمَتْ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ عُقُودِ التَّبَرُّعِ وَفَرَّقْت بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَغَيْرهَا بِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْكَبِيرَ وَهَذَا لَا يَمْنَعُ اعْتِرَاضَ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ الْجَاهِلُ أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ أَحَدُهُمَا قَصْرُ تَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ عَلَى الصَّدَقَةِ كَمَا قَصَرَهُ هُوَ عَلَيْهَا وَبَيَانُ سَبَب ذَلِكَ ثَانِيهِمَا مُنَازَعَتُهُ فِي أَصْلِ التَّخْرِيجِ الَّذِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ الْأَوَّلِ وَاَلَّذِي فِي الْقُرَّةِ الثَّانِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُبْطِلُ زَعْمَ هَذَا الْمُفْتِي أَنَّ اعْتِمَادَ الْأَوَّلِ يَسْتَلْزِمُ كَشْطَ الثَّانِي وَاعْتِمَادَ الثَّانِي يَسْتَلْزِمُ الرُّجُوعَ عَنْ الْأَوَّلِ وَلَقَدْ وَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ نَفْسِهِ أَنَّهُ فِي الْغَصْبِ مِنْ الْكِفَايَةِ خَرَّجَ تَخْرِيجًا ثُمَّ رَدَّهُ فِي الْمَطْلَبِ وَأَبْقَى كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ فَبِفَرْضِ مَا افْتَرَاهُ لَا يَلْزَمُ كَشْطٌ وَلَا رُجُوعٌ الْمَوْضِعُ الرَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ رَدُّهُ لِدَعْوَايَ فِي الْقُرَّةِ تَرَادُفُ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَالْمُفْلِسَ بِأَنَّ بَيْنَهُمَا عُمُومًا وَخُصُوصًا مِنْ وَجْهٍ فَعُمُومُ الْمُفْلِسُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ قَدْ يَرْجُو الْوَفَاءَ وَقَدْ لَا يَرْجُوهُ وَخُصُوصُهُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُ مَالِهِ أَقَلَّ مِنْ دَيْنِهِ وَعُمُومُ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ حَيْثُ كَوْنِ مَالِهِ مُسَاوِيًا لِدَيْنِهِ أَوْ أَقَلَّ وَخُصُوصُهُ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ رَجَائِهِ. اهـ.
وَهُوَ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ أَنِّي لَمْ أَدَّعِ التَّرَادُفَ بَيْنَ مَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ وَمُطْلَقِ الْمُفْلِسِ خِلَافًا لِمَا وَهِمَ فِيهِ هَذَا الْمُفْتِي بَلْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ الثَّانِي أَنَّ مَا قَالَهُ مِنْ الْعُمُومِ مِنْ وَجْهِ أَخْذِهِ مِنْ قَوْلِي فِي الْقُرَّةِ فَإِنْ قُلْتَ لَا أُسَلِّمُ تَرَادُفَهُمَا لِأَنَّ مَنْ لَا يَرْجُو وَفَاءً إلَخْ ثُمَّ رَدَدْته بِمَا إذَا وَقَفْت عَلَيْهِ وَتَأَمَّلْته بَانَ لَك بُطْلَانُ مَا تَلَقَّفَهُ شِرَاء الْمُفْتِي وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَصِرَ لَهُ بِمُجَرَّدِ هَوَاهُ وَحَدْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدِلَّ عَلَيْهِ بِكَلِمَةٍ مِنْ كَلِمَاتِ الْأَصْحَابِ وَلَا بِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِهِمْ وَإِنَّمَا رَأَى شَيْئًا أَشَارَ إلَيْهِ غَيْرُهُ فَتَلَقَّفَهُ وَنَسَبَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخِيط حَوْرَةً عَلَى أَنَّهُ بَعْدَ أَنْ سَلَكَ ذَلِكَ لَمْ يُبَيِّنْ الْمُرَادَ بِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ بِتَبَرُّعِهِ وَإِنَّمَا فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ فَالْمُفْلِسُ قَدْ يَرْجُو الْوَفَاءَ فَيَجُوزُ تَبَرُّعُهُ فَقَوْلُهُمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُضَيِّعَ مَالَهُ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا يَجِبُ تَقْيِيدُ التَّبَرُّعِ بِالْجَائِزِ وَوُجُوب هَذَا التَّقْيِيدِ مِنْ خُرَافَاته السَّابِق رَدُّهَا عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ وَفِي هَذَا الْكِتَابِ الْمَرَّةَ بَعْد الْمَرَّةِ الْمَوْضِعُ الْخَامِسَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى بُطْلَانِ التَّرَادُفِ بِتَقْيِيدِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي الْقُرَّةِ بِمَا يَقْضِي لِمَقَالَتِهِ بِأَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُدْرِكْ تَحْقِيقَهُ كَيْفَ وَهُوَ يَتَلَقَّفُ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِيمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَصَوَّرَ الْمُرَادَ بِهِ حَتَّى فَتَحْت لَهُ سَبِيلَهُ بِالِاسْتِنْبَاطِ الْوَاضِح مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَاسْتَفَادَهُ ثُمَّ أَظْهَرَ مُكَابَرَةً فِي بَعْضِهِ بِمَا يَقْضِي مِنْهُ الْمُتَأَمِّلُ الْعَجَبَ الْعُجَابَ لَكِنْ لَيْسَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ عَلَى مَنْ عَمِيَتْ عَلَيْهِ طُرُقُ الْهُدَى فَسَلَكَ سُنَنَ الضَّلَالِ وَالِاعْتِدَاءِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنِّي لَمَّا اسْتَنْبَطْتُ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَنْ لَا يَرْجُو الْوَفَاءَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهَا حَالًّا فِي الْحَالِّ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجْلِ فِي الْمُؤَجَّلِ
قَالَ اعْتِرَاضًا عَلَى مِثْلِ هَذَا وَحَيْثُ اشْتَرَطَ الْحُلُولَ فِي الْحَالِّ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ عَلَى مَلِيٍّ بَاذِلٍ حَاضِرٍ
اهـ. فَتَأَمَّلْ هَذَا الْفَهْمَ الْعَجِيب وَالذُّهُولَ الْغَرِيبَ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِغَرِيبٍ بِمِثْلِ مَنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ حَتَّى أَضَلَّهُ وَأَعْمَاهُ إذْ مَعْنَى قَوْلِي كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى صِغَارِ الطَّلَبَةِ حَالًّا فِي الْحَالِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَالٌّ وَلَيْسَ مَعَهُ وَفَاؤُهُ حَالًّا بِيَدِهِ وَإِنَّمَا لَهُ جِهَةٌ ظَاهِرَةٌ يَقْدِرُ عَلَى وَفَاءِ الْحَالِّ الَّذِي عَلَيْهِ حَالًّا لَوْ وَجَّهَ إلَيْهَا وَكَذَا عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فِي الْمُؤَجَّلِ كَانَ مُوسِرًا رَاجِيًا لِلْوَفَاءِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمَعْنَى فَكَيْفَ يُقَالُ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ عَلَى مَلِيٍّ بَاذِلٍ حَاضِرِ فَفَهِمَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ لَهُ دَيْنًا حَالًا عَلَى آخَرَ وَأَشْبَهُ مِنْ هَذَا الْفَهْمِ الْفَاسِدِ قَوْلُهُ لَزِمَ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ إلَخْ فَوَقَعَ فِي الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ وَخَبَطَ خَبْطَ عَشْوَاءَ وَقَوْلُهُ فَاشْتِرَاطُ تَصَوُّرِ الْحُلُولِ يَعُودُ عَلَى التَّرَادُفِ بِإِبْطَالِهِ فَزَادَ وَأَخْطَأَ وَضَلَّ وَمُوجِبِ هَذَا الزَّلَلِ الْوَاضِحِ الْمُبَادَرَةُ إلَى الِاعْتِرَاضِ قَبْلَ التَّأَمُّلِ بَلْ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْفَهْمَ الرَّدِيءَ بَعْدَ تَأَمُّلِهِ بِحَسَبِ جَهْدِهِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا تَأَمُّلَ الْمَوْضِعُ السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ قَالَ وَإِذَا سَلَّمْتَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي هِبَةِ الْمَاءِ ذَاتِيٌّ سَلَّمْتُ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي جِهَةِ الْمَدِينِ ذَاتِيٌّ وَهَذَا مِنْ الْمُغَالَطَةِ أَوْ الْمُصَادَرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى فَسَادِ التَّصَوُّرِ وَكَيْفَ تَقُولُ ذَلِكَ لِمَنْ بَسَطَ فِي كَلَامِهِ فِي كِتَابِهِ هَذَا وَالْقُرَّةُ الْكَلَامُ مَعَك وَبَيْنَ الْقُرَّةِ الْمُوَضِّحِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ لَمْ تَحُمْ حَوْلَ فَهْمِهَا فَضْلًا عَنْ إدْرَاكِ غَوْرِهَا
وَإِلَّا لَمْ تَذْكُرْ هَذِهِ الْمُلَازَمَةَ الْبَاطِلَةَ الْمَوْضِعُ السَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ سَاقَ قَوْلِي فِي الْقُرَّةِ عَنْ جَمْعٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الْحِيَلِ أَنَّهَا إذَا أَسْقَطَتْ حَقَّ الْغَيْرِ بَعْدَ وُجُوبِهِ حُرِّمَتْ هَذَا مِنْهُمْ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا مَعَ حُرْمَتِهَا وَإِبْطَالِهَا حَقَّ الْغَيْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِتِلْكَ الْعَيْنِ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي الشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا يَصِحُّ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلَةُ تِلْكَ الْحِيلَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ فَوَّتَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا مِنْ كَلَامِهِمْ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُرْمَةَ تَفْوِيت ذَلِكَ الْحَقِّ لَا تُنَافِي صِحَّةَ الْعَقْدِ الْمُفَوِّتِ لَهُ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فَأَوْلَى تَبَرُّعُ الْمَدِينِ إلَخْ هَذِهِ عِبَارَتِي اعْتَرَضَهَا بِاعْتِرَاضَاتٍ فَقَالَ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي الشُّفْعَةَ إذَا بَاعَ الشِّقْصَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ قَاصِدًا الْحِيلَةَ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَيَصِحُّ فَأَبْقَوْا الصِّحَّةَ وَالتَّحْرِيمَ مَعَ وُجُودِ النُّفُوذِ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ وَهُوَ مُغَالَطَةٌ وَانْظُرْ إلَى قَوْلِهِ وَهُوَ تَفْوِيتٌ فَأَدْخَلَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ كَعَادَتِهِ أَنَّهُ لَا يَتِمُّ لَهُ الِاسْتِشْهَادُ إلَّا إذَا أَدْخَلَ فِي الْكَلَامِ تَلْبِيسًا ثُمَّ قَالَ وَلَوْلَا جَوَازُ النَّقْضِ لَمَا صَحَّ الْعَقْدُ. اهـ.
كَلَامُهُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مَا يُسَوِّدُ الْوَجْهَ مِنْ الِافْتِرَاءِ عَلَيَّ بِأَنْ نَسَبَ إلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْهُ وَفَهِمَ كَلَامِي عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ مِمَّا لَا يَقَعُ فِيهِ صِغَارُ الطَّلَبَةِ وَبَيَان ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى عِبَارَتِي أَنَّ كَثِيرِينَ قَائِلُونَ بِتَحْرِيمِ الْحِيلَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلشُّفْعَةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا كَالْإِبْرَاءِ مِنْ الثَّمَنِ أَوْ هِبَةِ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبَيْع فِي مَجْلِسِ الْخِيَارِ أَوْ زَمَنِهِ وَسَبَبُ الْحُرْمَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْإِضْرَارُ بِالشَّفِيعِ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ وَمَعَ هَذَا التَّحْرِيمِ الْمُتَعَلِّقِ بِالْعَيْنِ عِنْد هَؤُلَاءِ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَالْهِبَةُ فَعَلِمْنَا مِنْ الصِّحَّةِ فِي هَذَا مَعَ التَّحْرِيمِ عِنْدَ أُولَئِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ لِلْأَمْرِ الْخَارِجِيِّ كَالْإِضْرَارِ هُنَا وَفِي تَبَرُّعِ الْمَدِينِ لَا يُنَافِي الصِّحَّةَ بَلْ يُجَامِعُهَا وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهَا حَتَّى لِلصِّغَارِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهُ تَبْدِيلُهَا وَتَحْرِيفُهَا إلَى مَا ذَكَرَهُ لَكِنْ مَنْ لَا فَهْمَ لَهُ وَلَا تَصَوُّرَ لَيْسَ بِبَعِيدٍ عَلَيْهِ أَنْ تَصْدُرَ مِنْهُ هَذِهِ الْقَبَائِحُ مِنْهَا قَوْلُهُ أَنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ فِي الشُّفْعَةِ إذَا بَاعَ الشِّقْصَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ وَقَفَهُ إلَخْ وَهَذَا كَذِبٌ صُرَاحٌ عَلَى سَبِيلِ سُوءِ فَهْمِهِ وَتَحْرِيفِهِ حَتَّى يُرَتِّبَ عَلَيْهِ جَوَابَهُ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا صَحَّ مَعَ الْحُرْمَةِ لِأَنَّ لِلشَّفِيعِ نَقْضُهُ.
وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْإِضْرَارُ بِالشَّفِيعِ مَعَ أَنَّ لِلشَّفِيعِ النَّقْضَ فَهَمُّهُ أَنَّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُنْبِي عَنْ أَنَّهُ مَا فَهِمَ عِبَارَتِي وَلَا مُرَادَ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا مُرَادُهُمْ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّ الشَّرِيكَ بَعْدَ بَيْعِهِ الْمُوجِبِ لِلشُّفْعَةِ يُرِيدُ إسْقَاطَهَا بِالْكُلِّيَّةِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ أُولَئِكَ بِحُرْمَتِهِ وَعَلَّلُوا بِإِضْرَارِ الشَّفِيعِ بِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ وَحُرْمَةُ هَذَا مَعَ صِحَّتِهِ لَا جَوَابَ عَنْهُ وَأَمَّا مَا قَالَهُ ذَلِكَ الْغَبِيُّ وَأَجَابَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ فَضَائِحِهِ الَّتِي أَظْهَرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا فَهْمَ لَهُ بَلْ وَلَا دَيْنَ وَإِلَّا لَسَاقَ لَفْظ عِبَارَتِي وَتَكَلَّمَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ حَاصِلُ كَذَا ثُمَّ أَجَابَ عَنْهُ بِمَا تَبَيَّنَ بِهِ
عَدَمُ فَهْمهِ لَهَا وَلِكَلَامِهِمْ وَتَحْرِيفه لِلْمُرَادِ وَإِيهَامِهِ أَنَّهُ تَعَذَّرَ عَلَى الْجَوَابِ فَهُوَ مِمَّا قَضَى عَلَيْهِ بِالضَّلَالِ وَجَرَّ إلَيْهِ الْوَبَالَ وَالنَّكَالَ الْمَوْضِعُ الثَّامِنَ عَشَرَ قَوْلُهُ وَهُوَ مُغَالَطَةٌ هُوَ مِنْ تَهَوُّرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ الْعِبَارَةَ بَلْ حَرَّفَهَا وَبَدَّلَهَا عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ عَلَى مَا فَهِمَهُ الْمَذْكُور بِأَنَّهُ مُغَالَطَةٌ يُنَبِّئُك أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ حَدَّ الْمُغَالَطَةِ وَإِلَّا لَمَا ذَكَرَ هَذَا وَأَنَّى لَهُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَهُوَ عَامِّيٌّ فِي غَيْرِ مَبَادِئِ الْفِقْهِ الْمَوْضِعُ التَّاسِعَ عَشَرَ قَوْلُهُ وَانْظُرْ إلَى قَوْله وَهُوَ تَفْوِيتٌ فَأَدْخُلَ ذَلِكَ فِي كَلَامِهِمْ إلَخْ وَهَذَا مِنْ الْكَذِبِ الْقَبِيحِ أَيْضًا وَلَمْ يَقَعْ هَذَا اللَّفْظُ فِي عِبَارَتِي كَمَا عَلِمْتَهُ مِنْهَا وَبِهَذَا تَزْدَادُ بَصِيرَتُك فِيهِ حَيْثُ نَسَبَ إلَيَّ أَنِّي ذَكَرْت هَذَا اللَّفْظَ مِنْ عِنْدِي ثُمَّ أَدْرَجْتُهُ فِي كَلَامِهِمْ لِيَتِمَّ لِي الِاسْتِشْهَادُ وَأَنَا أَبْرَأُ إلَى اللَّه مِنْ بُهْت هَذَا الْجَاهِلِ وَافْتِرَائِهِ نَعَمْ الَّذِي ذَكَرَتْهُ وَإِنْ فَوَّتَ ذَلِكَ الْحَقَّ وَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ كَلَامِهِمْ وَذَكَرْت وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُرْمَةَ تَفْوِيت ذَلِكَ الْحَقِّ إلَخْ.
وَهَذَا لَيْسَ مُدْرَجًا فِي كَلَامِهِمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا عُذْرَ لَهُ فِي هَذِهِ الْفَضِيحَةِ الَّتِي كَشَفَتْ أَحْوَالَهُ بَعْد سِتْرِهَا وَنَادَتْ عَلَيْهِ بِالْغَيِّ وَالْعَجْزِ مَعَ الِافْتِرَاءِ وَالْبُهُت فِي بَحْرِهَا وَبَرِّهَا وَمَنْ وَصَلَ حَالُهُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ مُرَادَ الْفُقَهَاءِ بِإِسْقَاطِ الشُّفْعَةِ الْمُخْتَلَفِ فِي حُرْمَتِهِ كَيْفَ يُؤَهَّلُ لِخِطَابٍ أَوْ نَقْدٍ عَلَى الْفُضَلَاءِ حَتَّى تُرَاعَى آكَدِيَّةُ حُرْمَتِهِ الْمَوْضِعُ الْعِشْرُونَ قَوْلُهُ وَلَوْلَا جَوَازُ النَّقْضِ لَمَا صَحَّ الْعَقْدُ وَهَذِهِ مُلَازَمَةٌ بَاطِلَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ صِحَّةِ التَّفْوِيتِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى نَقْضِهِ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرْته مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِذَلِكَ عَلَى صِحَّةِ تَبَرُّعِ الْمَدِينِ فَاعْتَمِدْهُ.
وَأَعْرِضْ عَنْ هَذَا الْغَبِيِّ الْمَحْرُومِ الْمَوْضِعُ الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ اعْتَرَضَ قَوْلِي فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فِي الْحَاصِل أَنَّ الَّذِي تَلَخَّصَ لَنَا مِمَّا قَرَّرْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ حَيْثُ حَرُمَ تَبَرُّعُ الْمَدِينِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ وَنُلَازِمُ بَيْنَ التَّحْرِيمِ وَالْبُطْلَانِ هُنَا وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الْفَارِقِ. اهـ. يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا إنَّمَا يَصْدُرُ عَنْ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ لِأَنَّهُ يُؤَسِّسُ لَهُ قَوَاعِدَ غَيْرِ إلَخْ فَقَالَ كُتُبُ الْأَصْحَابِ طَافِحَةٌ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَهَذَا مِنْهُ بَاطِلٌ قَبِيحٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْقَلُ مِثْلُ هَذَا الِاخْتِرَاعِ إلَّا لِمُجْتَهِدٍ مِنْهُمْ وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَيَتْبَعُ قَوَاعِدَ إمَامِهِ وَيُخَرِّجُ عَلَيْهَا وَهَذَا الْغَبِيُّ سَوَّلَتْ لَهُ نَفْسُهُ الْمَمْلُوءَةُ بِالْجَهْلِ وَالْحُمْقِ أَنَّهُ يُدَانِي الْأَصْحَابَ وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ بَلْ لَا يُدَانِي صِغَارَ الطَّلَبَةِ لِأَدْنَى أَحَدٍ مِنْ آخِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَقَوْلُهُ نَحْكُمُ وَنُلَازِمُ مِنْ هَذَيَانَاتِهِ الَّتِي كَانَ غَنِيًّا عَنْ إبْدَائِهَا ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ الْفَارِقَ بِمَا فِي الْبُيُوعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا مِنْ مَسَائِلَ شَتَّى لَا تَلَازُمَ فِيهَا لِفَارِقٍ هُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا غَيْرُ ذَاتِيٍّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَدِينِ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ فِيهَا ذَاتِيٌّ كَمَا يُعْطِيهِ تَفْسِيرُ الْأَصْحَابِ السَّابِقُ وَتَخْرِيجُ ابْنِ الرِّفْعَةِ. اهـ.
نَاقِضٌ لِمَا قَدَّمْته فِي هَذَا الْكِتَابِ وَالْكِتَابُ الَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ التَّحْرِيمَ حَيْثُ دَخَلَ وُجِدَ عَدَمُ الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا اضْطَرَّهُ إلَى الِاعْتِرَاضِ بِهَذَا أَنِّي لَمَّا ضَايَقَتْهُ فِي الْقُرَّةِ حَتَّى لَمْ يَرَ لَهُ مَنَاصًا فَرَّ إلَى هَذَا التَّنَاقُضِ لِمَا قَدَّمْته مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ثُمَّ لَمَّا آلَ إلَى مَا هُوَ بَدِيهِيُّ الْبُطْلَانِ وَهُوَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الدَّيْنِ ذَاتِيٌّ وَكَأَنَّهُ بِحَسَبِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعْرَفْ الْفَرْقُ بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَغَيْرِهِ إلَّا مِنْ كِتَابِي الْقُرَّةِ الَّذِي لَوْ تَأَمَّلَ أَوْ فَهِمَ مَا فِيهِ لَمْ يَزْعُمْ أَنَّ الْمَنْعَ فِي الدَّيْنِ ذَاتِيٌّ وَإِلَّا لَمَا قَالَ أَحَدٌ بِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ وَقَدْ سَبَقَ لَك أَنَّ النَّقْلَ الصَّرِيحَ أَنَّ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى حِلِّ تَصَرُّفِهِ ثُمَّ اعْتَرَضَ فَرْقِي بَيْنَ هِبَةِ الْمَاءِ وَهِبَةِ الْمَالِ وَاعْتِرَاضِي لِتَخْرِيجِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْأَوَّلِ وَبَسَطْتُ رَدَّهُ فِي الْقُرَّة بِمَا لَا مَزِيدُ عَلَيْهِ وَمِنْ شَقْشَقَتِهِ أَنَّهُ أَتَى بَعْدَهُ جَمَاعَاتٌ قَرَّرُوهُ عَلَى تَخْرِيجِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِصَائِغٍ لَهُ شَأْنًا لِمَا بَسَطْته هُنَا وَفِي الْقُرَّةِ ثُمَّ اعْتَرَضَ الِاسْتِدْلَالَ عَلَيْهِ بِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَمْثَالِنَا الِاسْتِشْهَادُ بِالنُّصُوصِ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِأَهْلِ التَّخْرِيجِ ثُمَّ ذَكَر عَنْ بَعْضِ مُؤَلِّفَاتِي أَنَّ فِيهَا النَّهْيَ عَنْ رَدِّ مَا دُوِّنَ فِي الْكُتُبِ بِالنُّصُوصِ وَهَذَا مِمَّا الْتَبَسَ عَلَيْهِ فَهْمُهُ وَطَغَى فِيهِ قَلَمُهُ وَوَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَرَدَّهُ إلَى غَيْرِ مَرْجِعِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّا لَمْ نَسْتَشْهِدْ بِهَا
وَمَرَدُّنَا مَا وَجَدْنَاهُ فِي غَيْرهَا صَرِيحًا قَاطِعًا لِلنِّزَاعِ وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنَّا يَدَّعِي أَنَّ مَا قَالَهُ هُوَ مَنْقُولُ الْمَذْهَبِ فَمَنْ أَبْدَى فِي دَعْوَاهُ النَّقْلَ لِنَصٍّ أَوْ نُصُوصٍ لَا نَعِيبُ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ