الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الْمُرُورُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ إذَا لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ طَرِيقًا لِلنَّاسِ قَالَ فِي الْأَنْوَارِ وَلَوْ مَنَعَهُ الْمَالِكُ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الِامْتِنَاعُ. اهـ.
فَعُلِمَ بِهَذَا صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْجُوَيْنِيُّ بِالْأَوْلَى.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ أُتِيَ بِآخَرَ جَاهِلٍ بِالْبَضَائِعِ وَالْأَثْمَانِ لِمَنْزِلِهِ وَعَرَضَ عَلَيْهِ أَصْنَافًا مِنْ بِضَاعَتِهِ قَوَّمَهَا بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ بِحَسَبِ اخْتِيَارِهِ وَوَزَنَ بَعْضَهَا فَتَاهَ بَعْضهَا وَجَعَلَهَا ضِمْنَ خَيْش وَمَعَ ذَلِكَ الرَّجُلِ دَارِهِمْ قَدْرُ قِيمَتِهَا فَبَاعَهُ نِصْفَهَا بِنِصْفِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُمَيِّزَهَا ثُمَّ عَقَدَا شَرِكَةً عَلَيْهَا وَعَلَى الدَّرَاهِمِ وَأَذِنَ لَهُ فِي السَّفَرِ بِهِمَا وَالشِّرَاءِ بِهِمَا مَا أَحَبّ فَسَافَرَ ثُمَّ بَاعَهَا فَنَقَصَتْ عَنْ تَقْوِيمِهِ فَهَلْ الْخَسَارَةُ عَلَيْهِمَا وَهَلْ الْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرِكَةُ كَذَلِكَ أَوْ لَا وَهَلْ يَلْزَمُ الْمُتَصَرِّفَ مِثْلُهَا أَوْ قِيمَتُهَا أَوْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي مَبِيعِهَا؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ وَيَرْجِعُ بِمَا صَرَفَهُ عَلَيْهَا وَحَلَّفَهُ أَنَّهُ لَمْ يَخُنْهُ فِي وَزْنِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا لَمْ يَرَ الْمُشْتَرِي تِلْكَ الْأَصْنَافَ الرُّؤْيَةَ الْمُمَيِّزَةَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ غَيْره فَالشِّرَاءُ بَاطِلٌ.
وَكَذَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ فَالدَّرَاهِمُ كُلُّهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا وَالْأَصْنَافُ كُلُّهَا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا لَكِنْ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي قَدْ وَقَعَ فِي نِصْفِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَيَلْزَمُهُ فِي الْمِثْلِيِّ مِنْهَا الْمِثْلُ وَفِي الْمُتَقَوِّمِ أَقْصَى قِيمَةٍ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إلَى التَّلَفِ وَفِي نِصْفِهَا الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ فِيهِ فَلَا يَلْزَمهُ إلَّا مَا بَاعَ بِهِ إنْ كَانَ ثَمَنُ الْمِثْلِ فِي الْمَحَلِّ الْمَأْذُونِ لَهُ فِيهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ الْخَسَارَةِ فِي هَذَا النِّصْفِ شَيْءٌ وَمَا صَرَفَهُ عَلَى النِّصْفِ الْأَوَّل لَا يَرْجِعُ بِهِ وَمَا صَرَفَهُ عَلَى النِّصْفِ الثَّانِي بِالْإِذْنِ يَرْجِعُ بِهِ وَلَوْ تَنَازَعَا فِي قَدْر وَزْنهَا صُدِّقَ الْقَابِض بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ لَمْ يَضَعْ يَدَهُ إلَّا عَلَى الْقَدْرِ الْفُلَانِيِّ مِنْهَا وَعَلَى الْمُقْبِضِ الْبَيِّنَةَ، وَاَللَّه سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
[بَابُ الْوَكَالَةِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ تَأَمُّلِ مَضْمُونِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَمَا احْتَوَتْ عَلَيْهِ مِنْ التَّوْكِيلِ وَالْإِذْنِ مِنْ الْمُوَكِّلَةِ لِوَكِيلِهَا الشَّرْعِيِّ وَهَلْ هِيَ وَكَالَةٌ مِنْ الْمُوَكِّلَةِ عَنْهَا وَعَنْ وَلَدِهَا كَافَّة هَذِهِ الْأَلْفَاظِ عَنْ الْمُوَكِّلَةِ وَعَنْ وَلَدهَا أَمْ هِيَ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى التَّوْكِيلِ مِنْ الْمُوَكِّلَةِ فَقَطْ غَيْر دَاخِلٍ فِيهَا وَلَا فِي مَعَانِيهَا التَّوْكِيلُ عَنْ الْوَلَدِ وَبَيَّنُوا أَنَّ الْمُوَثِّقَ قَالَ فِي الْوَثِيقَةِ وَكَّلَتْ فُلَانَةَ الْفُلَانِيَّةَ فِي جَمِيعِ تَعَلُّقَاتِهَا وَجِهَادَتِهَا وَإِيجَارِ مَا تَرَى فِي إيجَارِهِ مِنْ كَامِلِ الْعَقَارِ وَمَشَاعِهِ الْكَائِنِ بِكَذَا وَكَذَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَمَا فَوْقَهَا وَفِي قَبْضِ الْأُجْرَةِ وَغَيْرِهَا وَفِي الدَّعْوَى بِحُقُوقِ الْمُوَكِّلَةِ لَدَى السَّادَةِ الْقُضَاةِ وَغَيْرِهِمْ وَكَالَةً صَحِيحَةً شَرْعِيَّةً مُطْلَقَةً فِي ذَلِكَ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ أَقَامَتْهَا فِي ذَلِكَ مَقَامَ نَفْسِهَا وَرَضِيت بِقَوْلِهَا وَفِعْلِهَا وَأَذِنْت لَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ مَحْجُورِهَا وَلَدِهَا فُلَانٍ الْمَشْمُولِ بِحَجْرِهَا بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ وَالِدِهِ الْمَذْكُورِ إذْنًا شَرْعِيًّا وَإِذَا اتَّصَلَ بِقَاضِي الشَّرْعِ الشَّرِيفِ هَذَا الْإِيصَاءُ أَوْ بِثُبُوتِ الْوَصِيِّ الَّذِي أَثْبَتَهُ تَصِحُّ ذِي الْوَكِيلَةُ عَنْ هَذَا الْمَحْجُورِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الْمَذْكُورَةُ أَنَّ ذَلِكَ وَكَالَةً عَنْهَا وَعَنْ مَحْجُورِهَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَأَذِنْت لَهَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ جَمِيعِ تَعَلُّقَاتِهَا وَجِهَاتِهَا وَهَذَا يَشْمَلُ مِلْكَهَا وَمَا لَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ بِالْوَصِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِ فَصَحَّ رُجُوعُ قَوْلِهَا عَنْ نَفْسِهَا وَعَنْ مَحْجُورِهَا إلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ مِلْكِهَا وَمِلْكِ مَحْجُورِهَا فَلِلْوَكِيلِ حِينَئِذٍ الدَّعْوَى عَنْ هَذَا الْمَحْجُورِ لَكِنْ إنْ وُجِدَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْوَكَالَةِ عَنْ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ أَنْتَ وَكِيلٌ بِبَيْعِ كَذَا وَتَجِيئُنِي بِالثَّمَنِ هَذَا الْيَوْمَ وَإِنْ لَمْ تَجِئْنِي بِهِ فَلَسْت بِوَكِيلٍ فَبَاعَ الْوَكِيلُ وَلَمْ يَأْتِهِ بِالثَّمَنِ لَكِنَّهُ قَبَضَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظُ الْمُوَكِّلِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِنْ لَمْ تَجِئْنِي بِهِ فَلَسْت بِوَكِيلٍ إنْ لَمْ تَجِئْنِي بِهِ الْيَوْمَ فَلَسْت بِوَكِيلٍ فِيهِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مُرَادُهُ أَوْ جُهِلَ حَاله عَمِلْنَا بِقَضِيَّتِهِ اتِّبَاعًا لِمُرَادِهِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِمَا دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ لَفْظِهِ فِي الثَّانِي وَتِلْكَ الْقَضِيَّةُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِئْهُ بِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ مَعْزُولًا فِيهِ وَفِيمَا بَعْدَهُ فَبَيْعُهُ الْمَذْكُورُ إنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَمْ يَجِئْهُ بِالثَّمَنِ كَانَ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حِينَئِذٍ مُوَقَّتَةٌ بِزَمَنٍ وَمُعَلَّقٍ
عَزْلُهَا بِشَرْطٍ وَحُكْمُهَا مَا ذُكِرَ وَحَيْثُ صَحَّ بَيْعُهُ فَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَبَضَهُ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ أَوْ وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي قَبْضِهِ وَإِلَّا ضَمِنَهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَكَّلَ شَخْصًا مُعَيَّنًا فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ وَكَّلَ كُلَّ مُسْلِمٍ عِنْدَ تَعَذُّرِهِ فِي تَعَاطِي ذَلِكَ الْمُعَيَّنِ الْمَذْكُورِ فَهَلْ يَسُوغُ تَوْكِيلُ الثَّانِي أَمْ لَا لِجَهَالَتِهِ وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي الْوَصِيَّةِ أَمْ لَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ مُرَتَّبًا وَأَزِيلُوا اللَّبْسَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَفَسَّحَ فِي مُدَّتِكُمْ بِبَلَدِهِ الْحَرَامِ وَبَلَّغَكُمْ جَمِيعَ الْمَرَامِ بِجَاهِ مُحَمَّدٍ عليه الصلاة والسلام؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَوْكِيلُ الثَّانِي الْمَجْهُولِ صَحِيحٌ أَيْ إنْ أَرَادَ بِعِنْدَ التَّعَذُّرِ أَنَّهُ شَرْطٌ لِلتَّصَرُّفِ وَفَاسِدٌ إنْ أَرَادَ بِهِ تَعْلِيقَ الْوَكَالَةِ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ إذَا وُجِدَ شَرْطُهُ أَوْ مَا عَلَّقَهُ بِهِ وَلَا يَضُرُّ الْجَهْلُ بِهِ كَمَا بَحَثَهُ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ اهـ.
وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ قِيَاسٌ نَظِيرُهُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْمُوَكَّلِ فِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا فِي الْوَكِيلِ لَا نَقُولُ بِنَظِيرِهِ فِي الْوَصِيِّ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّهُ يُحْتَاطُ فِيهِ بِالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَا يُحْتَاطُ بِهِ فِي الْوَكِيلِ فَاغْتُفِرَ الْجَهْلُ هُنَا تَبَعًا وَلَمْ يُغْتَفَرْ ثَمَّ مُطْلَقًا وَلَا يُنَافِي ذَلِكَ صِحَّةَ الْوِصَايَةِ مَعَ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْط بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ وَإِنْ نَفَذَ التَّصَرُّفُ فِيهَا؛ لِأَنَّ وَضْعَ الْوِصَايَةِ عَلَى التَّعْلِيقِ إذْ هِيَ تَعْلِيق تَصَرُّفٍ بِالْمَوْتِ فَلَمْ يَكُنْ التَّعْلِيقُ مُنَافِيًا لَهَا بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّ وَضْعَهَا عَلَى التَّنْجِيزِ فَنَافَاهَا كُلٌّ مِنْ التَّعْلِيقِ وَالشَّرْطِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَكَّلَ آخَرَ فِي بَيْعِ مَا هُوَ مُرْسِلٌ صُحْبَتَهُ مِنْ الْبَضَائِعِ مِنْ أَصْنَافِ التِّجَارَةِ وَمِنْ فَتْحٍ حَاصِلٍ لَهُ آخَر فِي بَلَدٍ آخَر مَعْلُومَةٍ وَفِي قَبْضِ مَا فِيهِ وَبَيْعِهِ مِنْ الْبَضَائِعِ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيمَا يَرَاهُ مِنْ الْأَصْنَافِ وَإِرْسَالِ مَا يَرَاهُ مِنْ الْبَعْضِ بَحْرًا وَبَرًّا إلَى بَلَدِ الْمُوَكِّلِ فَتَصَرَّفَ فِي بَعْضِ مَا أَذِنَ لَهُ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَجَهَّزَ لَهُ فِي تَجْهِيزِهِ صُحْبَة مَنْ أَذِنَ الْمُوَكِّلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرْسَلُ مِنْ الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ صُحْبَته فِي مَرْكَبٍ عَيَّنَهُ فَجَهَّزَ الْوَكِيلُ الصِّنْفَ الْمَذْكُورَ وَأَكْرَى عَلَيْهِ بَرًّا وَبَحْرًا وَسَلَّمَ جَمِيع الْكَرْي عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ نَحْوُ ثَلَاثِينَ حِمْلًا ثُمَّ بَعْدَ تَسَلُّمِ الْجَمَّالَةِ الْحِمْلَ الْمَذْكُورَ وَالْكَرْي عَنْهُ وَخَرَجُوا خَارِجَ الْبَلَدِ الْمَذْكُورِ وَرَدَ كِتَابٌ مِنْ الْمُوَكِّل الْمَذْكُورِ بَعْدَ إخْرَاج الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ إلَى الْوَكِيلِ بِعَدَمِ تَسْلِيمِ الْجَمَّالَةِ لِلْحِمْلِ الْمَذْكُورِ وَالْكَرْي وَالْحَالُ أَنْ لَا قُدْرَةَ لِلْوَكِيلِ عَلَى رَدِّهِ لِتَعَذُّرِهِ وَعَجْزِهِ عَنْ ذَلِكَ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ هَرَبَتْ الْجَمَّالَةُ خَشْيَةً مِنْ خُرُوجِ الْعِمَارَةِ الْخَنْكَارِيَّةِ وَالْعَسَاكِرِ السُّلْطَانِيَّةِ وَتَضْيِيقُهُمْ الدُّرُوبَ وَالطُّرُقَ وَعَسُرَ رَدُّ الْجَمَّالَةِ وَالْحِمْلِ إلَى الْبَلَدِ وَرَدُّ مَا أَخَذُوهُ وَقَبَضُوهُ مِنْ الْكَرْي لِذَلِكَ.
وَفَوَاتُهُ عَلَيْهِ وَيَحْتَاجُ فِي رَدِّهِ إلَى مَصْرِفٍ كَبِيرٍ لِعَوْدِهِ مِنْ خَارِجِ الْبَلَدِ بَعْدَ تَحْصِيلِ الْجَمَّالَةِ وَخَلَاصِ الْكَرْي مِنْهُمْ وَالْحِمْل وَحَمْلِهِ وَتَدْخِيلِهِ إلَى مَالٍ كَثِيرٍ فَرَأَى إبْقَاءَهُ عَلَى الْإِرْسَالِ وَرَأَى ذَلِكَ رِفْقًا بِمَالِ الْمُوَكِّلِ مِنْ تَكَرُّرِ الْكُلَفِ وَالْمَصْرُوفِ عَلَيْهِ وَتَعَذُّره عَلَيْهِ وَعَجْزه عَنْ ذَلِكَ فَوَصَلَ الْحِمْلُ الْمَذْكُورُ إلَى الْمَرْكَبِ الْمَذْكُورِ الْإِرْسَال فِيهِ مُعَيَّنًا كَمَا أَذِنَ فِي ذَلِكَ فَجَرَى عَلَيْهِ الْغَرَقُ فَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ هَلْ الْأَعْذَارُ الْمَذْكُورَةُ أَعْلَاهُ مَقْبُولَةٌ مِنْ الْوَكِيلِ الْمَذْكُورِ وَتَبْرَأُ عُهْدَتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ وَتَعَذُّرِهِ عَلَيْهِ وَهَلْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ بِذَلِكَ أَوْ حَلِفُهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِذَا أَقَامَ الْمُوَكِّلُ الْمَذْكُورُ بَيِّنَةً تُنَافِي بَيِّنَةَ الْوَكِيلِ أَوْ حَلَفَ يُعْمَلُ بِبَيِّنَةِ الْمُوَكِّلِ أَوْ بَيِّنَةِ الْوَكِيلِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ إذَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ تَخْلِيصِ الْأَحْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّنْ أَعْطَاهَا لَهُمْ بِأَنْ امْتَنَعُوا مِنْ إعْطَائِهَا لَهُ لِشَوْكَتِهِمْ أَوْ هَرَبِهِمْ وَثَبَتَ عَجْزُهُ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِحَلِفِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ لَمْ يَضْمَنْ مَا غَرِقَ مِنْهَا وَلَا عِبْرَةُ بِوُصُولِ الْكِتَابِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَخْلِيصِهَا مِنْهُمْ بِنَفْسِهِ أَوْ بِالْحُكَّامِ فَتَرَكَ لَمَّا رَأَى فِي ذَلِكَ الْحَظَّ لِلْمُوَكِّلِ بِتَرْكِ مَا يُصْرَفُ عَلَى رَدِّهَا إلَى مَحَلِّهَا فَإِنْ ثَبَتَ أَوْ صَدَّقَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَهُ خَطُّ الْمُوَكِّلِ أَوْ أَمَرَ بِهِ وَصَدَّقَهُ الْوَكِيلُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكِتَابَتِهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلْفَاظُهُ أَوْ حَلَفَ الْمُوَكِّلُ عَلَى ذَلِكَ ضَمِنَ الْوَكِيلُ مَا أَرْسَلَهُ لِتَقْصِيرِهِ بِالْأَرْسَالِ حِينَئِذٍ وَلَا عِبْرَةَ بِكَوْنِهِ قَصَدَ بِعَدَمِ الرَّدِّ الرِّفْقَ بِمَالِ الْمُوَكِّل وَأَمَّا إذَا لَمْ يَثْبُتْ وَلَا صُدِّقَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّ
ذَلِكَ الْكِتَابَ بِخَطِّ الْمُوَكِّلِ وَلَا بِأَمْرِهِ أَوْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكِتَابَتِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ وَإِذَا أَقَامَ الْوَكِيلُ بَيِّنَةً بِالْعَجْزِ عَنْ الْأَرْسَالِ وَأَقَامَ الْمُوَكِّلُ بَيِّنَةً بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْإِرْسَالِ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْوَكِيلِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا نَاقِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ الَّذِي هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى الْإِرْسَال وَبَيِّنَةُ الْمُوَكِّلِ مُسْتَصْحِبَةٌ لِأَصْلِ الْقُدْرَةِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْوَكِيلِ هُمَا مُتَعَارِضَتَانِ فَيُصَدَّقُ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ، وَاَللَّه أَعْلَم
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ وَكَّلْتُك تَقْبِضُ لِي جَمِيعَ أَمْلَاكِي بِبَلَدِ فُلَانٍ وَهُوَ نَاءٍ عَنْهُ وَأَمْلَاكُهُ عَقَارٌ وَمَنْقُولٌ وَبَعْضُ الْمَنْقُولِ مَا يُسَاوِي أُجْرَةَ النَّقْلِ لَوْ نُقِلَ إلَيْهِ فَهَلْ لَهُ بَيْعُ الْعَقَارِ وَمَا يَشُقُّ نَقْلُهُ ثُمَّ يُنْقَلُ ثَمَنُهُ أَمْ لَا فَمَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) لَيْسَ لِلْوَكِيلِ الْبَيْعُ فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ خُصُوصًا وَلَا عُمُومًا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَ وَلَوْ عُمُومًا كَأَنْ أَمَرَهُ بِفِعْلِ الْأَصْلَحِ أَوْ مَا أَرَادَ فَلَهُ فِي الْأُولَى الْبَيْع إنْ كَانَ أَصْلَحَ وَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ الْبَيْعُ مُطْلَقًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَقُومُ الْوَكِيلُ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ بِقَبْضِ الزَّكَاةِ لَهُ مِنْ الْبَلَدِ الْبَعِيدَةِ عَنْ بَلَدِ الْمُوَكِّلِ؟
(فَأَجَابَ) لَا يَقُومُ الْوَكِيلُ مَقَام الْمُوَكِّل فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَال؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّل لَمْ يَثْبُت لَهُ حَقّ حَتَّى يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَائِهِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ فِي بَلَدٍ بِأَنْ كَانَ فِيهِ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ فَأَقَلُّ حَالَ حَوَلَانِ الْحَوْل مَعَ التَّمَكُّنِ جَازَ لِمَنْ سَافَرَ مَعَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُوَكِّلَ مَنْ يَقْبِضُ لَهُ حِصَّتَهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقِّينَ إذَا انْحَصَرُوا كَذَلِكَ مَلَكُوا الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ فِي أَمْوَالِ تِلْكَ الْبَلَدِ مِلْكًا حَقِيقِيًّا يُورَثُ عَنْهُمْ وَيَسْتَحِقُّونَ الْمُطَالَبَةَ بِهِ فَإِذَا غَابَ أَحَدُهُمْ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَوَكَّلَ مَنْ يُطَالِبُ لَهُ بِحَقِّهِ أَوْ يَقْبِضُهُ لَهُ نَفَذَ ذَلِكَ التَّوْكِيلُ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَتْ) عَمَّنْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ بَقَرَةٍ فَاشْتَرَاهَا وَسَلَّمَ الْمُوَكِّلُ ثَمَنَهَا قَبَضَهَا فَبَقِيَتْ مَعَهُ مُدَّةً حَتَّى كَثُرَ نَسْلُهَا وَمُؤْنَتُهَا فَقَالَ الْوَكِيلُ لَمْ اشْتَرِهَا إلَّا لِي وَأَرَادَ أَخْذَهَا وَنَسْلَهَا وَتَغْرِيمَ مُوَكِّلِهِ مَنَافِعَهَا مَا الْحُكْمُ (فَأَجَبْت) بِقَوْلِي يُصَدَّقُ الْوَكِيلُ بِيَمِينِهِ فِي أَنَّهُ اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ مَا لَمْ يَثْبُت أَنَّهُ قَالَ اشْتَرَيْت لِمُوَكِّلِي أَوْ نَحْوه مِمَّا لَا يُمْكِنُ مَعَهُ وُقُوعُ الْعَقْدِ لِلْوَكِيلِ وَإِذَا صَدَّقْنَاهُ بِيَمِينِهِ أَخَذَهَا وَنَسْلهَا وَغَرِمَ وَاضِعُ الْيَدِ عَلَيْهَا تَعَدِّيًا أُجْرَة مِثْلِهَا مُدَّةَ وَضْعِ الْيَدِ وَطَلَبُهُ شِرَاهَا مِنْهُ اعْتِرَافٌ لَهُ بِالْمِلْكِ فَلَيْسَ لَهُ بَعْدَهُ الدَّعْوَى بِهِ فَإِنْ طَلَبَ شِرَاءَ بَعْضِ نَسْلِهَا كَانَ اعْتِرَافًا فِيمَا طَلَبَ شِرَاءَهُ فَقَطْ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْوَكِيلِ إذَا أَخَلَّ بِشَرْطٍ بِأَنْ قَالَ لَهُ لَا تَبِعْ بِالنَّسِيئَةِ وَلَا تَدْخُلْ الْبَلْدَةَ الْفُلَانِيَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَخَالَفَ فَهَلْ تَفْسُدُ الْوَكَالَةُ فَإِذَا قُلْتُمْ بِفَسَادِهَا وَتَصَرَّفَ فِيهَا بَعْدَ الْفَسَادِ فَهَلْ يَكُونُ تَصَرُّفُهُ هَذَا صَحِيحًا وَرِبْحُ ذَلِكَ لِمَنْ يَكُونُ وَإِذَا تَلِفَ الْمَالُ هَلْ يَضْمَنُ وَهَلْ الْوَكَالَةُ وَالْإِذْنُ سِيَّانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَوْ بَيْنهمَا فَارِقٌ كَقَوْلِهِ أَذِنْت لَهُ بِبَيْعِ هَذَا أَوْ وَكَّلْته بِبَيْعِ هَذَا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) إذَا أَخَلَّ الْوَكِيل بِالشَّرْطِ كَأَنْ قَالَ لَهُ مُوَكِّلُهُ لَا تَبِعْ أَوْ لَا تَشْتَرِ بِنَسِيئَةٍ فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى بِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ أَوْ الشِّرَاءُ وَلَا رِبْحَ لِلْوَكِيلِ وَلَا لِمُوَكِّلِهِ بَلْ الْعَيْنُ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ هُنَا رِبْحٌ؛ لِأَنَّ الْعُقُودَ الْوَارِدَةَ عَلَيْهَا مِنْ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ وَفُرُوعِهِمَا كُلَّهَا بَاطِلَةٌ وَإِذَا خَالَفَ الْوَكِيلُ الشَّرْطَ وَبَاعَ فَاسِدًا وَسَلَّمَ الْمَبِيعَ ضَمِنَهُ لِتَعَدِّيهِ وَكَذَا لَوْ اسْتَرَدَّهُ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ وَالْوَكَالَةُ أَخَصُّ مِنْ مُطْلَقِ الْإِذْنِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِمْ حَيْثُ فَسَدَتْ الْوَكَالَةُ وَلَمْ يَفْسُدْ الْإِذْنُ فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ عَلَى وَفْقِهِ صَحَّ التَّصَرُّفُ رِعَايَةً لِعُمُومِ الْإِذْنِ دُونَ خُصُوصِ الْوَكَالَةِ وَفَائِدَةُ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ مَعَ نُفُوذِ التَّصَرُّفِ فِي فَاسِدِهَا اسْتِقْرَارُ الْجُعْلِ الْمُسَمَّى إنْ كَانَ بِخِلَافِهِ فِي الْفَاسِدَةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ وَتَجِبُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ أَرْسَلَ لِآخَرَ فِضَّةً لِيَبِيعَهَا لَهُ بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ فَلَمْ تَسْوَ إلَّا دُونَ ذَلِكَ فَأَمَرَ صَاحِبُ الْفِضَّةِ شَخْصًا آخَر بِأَنْ يُطَالِبَ ذَلِكَ الشَّخْصَ الْأَوَّلَ بِالْفِضَّةِ وَيَأْخُذَهَا مِنْهُ وَيَأْتِيَ بِهَا لِصَاحِبِهَا فَجَاءَ وَأَخَذَهَا ثُمَّ سَافَرَ بِهَا إلَى مَالِكِهَا لِيَدْفَعَهَا لَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّهَا سُرِقَتْ أَوْ إنَّهَا سَقَطَتْ مِنِّي وَلَا عِلْم لِي وَقَالَ أَنَا أُعْطِي ثَمَنَهَا وَأَعْطَى مَالِكَهَا بَعْضَ الثَّمَنِ ثُمَّ إنَّهُ امْتَنَعَ مِنْ إعْطَاءِ بَاقِي الثَّمَنِ فَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ قَصَّرَ قَابِضُ الْفِضَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِي حِفْظِهَا بِأَنْ لَمْ يُحْكِمْ رَبْطَهَا أَوْ جَعَلَ الرَّبْطَةَ مِنْ دَاخِلِ الثَّوْبِ فَانْحَلَّتْ ضَمِنَهَا وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرْ فِي حِفْظِهَا أَوْ ادَّعَى أَنَّهَا سُرِقْت مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فِي رَبْطِهَا وَلَا فِيهَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا غَرِمَهُ إنْ أَعْطَاهُ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ نَذَرَ عَدَمَ مُطَالَبَةِ مَدِينِهِ صَحَّ وَلَزِمَ فَلَوْ وَكَّلَ مَنْ يُطَالِبُهُ فَهَلْ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ وَلِلْوَكِيلِ مُطَالَبَتُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا الصِّحَّةُ وَالْمُطَالَبَةُ حَالًا إذْ النُّذُورُ وَالْأَيْمَان أَخَوَانِ وَعَلَيْهِ جَرَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ النَّذْرَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَفِعْلُ الْوَكِيلِ غَيْرُ فِعْلِهِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ النَّذْرَ بِقُرْبَةٍ فَقَالَ لِلَّهِ عَلِيَّ إنْ طَالَبْت فُلَانًا بِشَيْءٍ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ مَثَلًا عِتْقُ عَبْدِي سَالِمٍ ثُمَّ طَالَبَهُ عَتَقَ سَالِمٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ اتِّفَاقًا فَإِنْ قُلْت شَرْطُ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا عَلَى مُبَاشَرَةِ مَا وُكِّلَ فِيهِ قُلْنَا هَذَا أَغْلَبِيٌّ لَا كُلِّيٌّ فَقَدْ اسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ كَالْأَعْمَى يُوَكَّلُ فِي نَحْوِ الْبَيْعِ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْتَرِي مِنْ زَيْدٍ مَثَلًا فَوَكَّلَ صَحَّ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ مُبَاشَرَةِ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بِمُقْتَضَى الْحَلِفِ وَإِنَّمَا مَنَعُوا ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ فِيهِ سِفَارَةٌ مَحْضَةٌ وَقَدْ جَعَلُوا التَّوْكِيلَ مِنْ الطُّرُقِ الْمُوَصِّلَةِ إلَى انْحِلَالِ الدَّوْرِ فِي مَسَائِلِهِ
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا مَاتَ الْوَكِيلُ بِبَيْعِ عَيْنٍ وَلَمْ تُوجَدْ فِي تَرِكَتِهِ وَلَا وَصَّى بِثَمَنِهَا وَجَهِلَ الْوَرَثَةُ فِيهَا وَقَدْ كَانَ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ وَنُهِبَ فِي الْبَرِّ فَهَلْ يَضْمَنُ وَمَنْ يُصَدَّقُ فِي قِيمَتِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ فِي الْمُودَعِ وَعَامِلِ الْقِرَاضِ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ بَحَثَ الْغَزِّيُّ خِلَافَهُ وَذَكَرَ مِثْلَهُ فِي الْبَيَانِ وَمَحَلُّ ضَمَانِهَا التَّرِكَةُ كَالدَّيْنِ وَلَوْ وَصَّى بِهَا فِي مَرَضِهِ أَيْضًا مُمَيِّزًا لَهَا عَنْ غَيْرِهَا وَلَمْ تُوجَدْ فَلَا ضَمَانَ وَالْمُصَدَّقُ فِي الْقِيمَةِ الْغَارِمُ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته قَوْلُ التَّوْشِيحِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ مِنْ حَالِ الْأَمَانَةِ شَيْءٌ وَجَبَ ضَمَانُهَا فِي التَّرِكَةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَدِيعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الْأَمَانَاتِ نَعَمْ إذَا ادَّعَى الْوَارِثُ مُسْقِطًا مِنْ تَلَفٍ أَوْ رَدِّ مُورَثِهِ وَحَلَفَ عَلَيْهِ فَلَا ضَمَانَ كَمَا اقْتَضَاهُ مَا فِي الرَّوْضَةِ عَنْ الْإِمَامِ وَصُورَةُ حَلِفِهِ أَنَّهُ إنْ ادَّعَى التَّلَفَ حَلَفَ عَلَيْهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّفْرِيطِ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّا إذَا وَكَّلَ بِبَيْعِ دَارِهِ وَهُوَ يَجْهَلُهَا هَلْ يَصِحُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ عِنْدَ تَوْكِيلِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ لَهُ أَمَةٌ فِي يَدِ وَكِيلِهِ فَهَرَبَتْ إلَى دَارِ رَجُلٍ فَحَفِظَهَا وَنَادَى عَلَيْهَا فَظَهَرَ الْوَكِيلُ فَقَالَ لَهُ امْضِ مَعِي إلَيْهَا فَامْتَنَعَ وَمَالِكُهَا غَائِبٌ وَالرَّجُلُ جَاهِلٌ بِرَفْعِ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ فَبَعْد ذَلِكَ هَرَبَتْ مِنْ عِنْدِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَهَلْ يَضْمَنُهَا وَلَوْ أَنَّهُ وَجَدَهَا خَارِجَ بَيْتِهِ فَأَخَذَهَا إلَيْهِ وَطَلَبَهَا الْوَكِيلُ فَقَالَ أَعْطِنِي أَشَرَفِيَّيْنِ وَخُذْهَا فَلَمْ يُعْطِهِ ثُمَّ هَرَبَتْ مِنْ بَيْتِهِ فَهَلْ يَضْمَنُهَا وَإِذَا ادَّعَى مَالِكُهَا أَنَّ وَكِيلَهُ طَلَبَهَا مِمَّنْ هِيَ مَعَهُ فَامْتَنَعَ إلَّا بِتَسْلِيمِ أَشَرَفِيَّيْنِ وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَادَّعَى الْآخَرُ أَنَّ الْوَكِيلَ امْتَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَأَيُّهُمَا تُقَدِّمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا دَخَلَتْ الْجَارِيَةُ الْمَذْكُورَةُ دَارَ رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُ لَهَا وَلَمْ يَنْقُلْهَا فَهَرَبَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَإِنْ عَرَفَ مَالِكهَا وَلَمْ يُخْبِرْهُ بِالْحَالِ فَإِنْ أَخَذَهَا بَيْتَهُ ثُمَّ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِهَا لِلْوَكِيلِ بَعْدَ الطَّلَبِ وَثُبُوتِ وَكَالَتِهِ ضَمِنَ وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ الْبَيِّنَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ امْتِنَاعُهُ مِنْ تَسْلِيمِهَا لِلْوَكِيلِ ضَمِنَهَا وَإِنْ امْتَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ الْقَبْضِ بَعْدُ نَعَمْ لَوْ أَرَّخْتَ الِامْتِنَاعَيْنِ بِتَارِيخٍ وَاحِدٍ تَعَارَضَتَا وَلَا ضَمَانَ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ اجْتِمَاعُ الِامْتِنَاعَيْنِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ مَعَ تَضْمِينِ أَحَدِهِمَا وَذَلِكَ حَيْثُ طَلَبَ مِنْ الْوَكِيلِ أَنْ يَقْبِضَهَا بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ الْأَشْرَفِيَّيْنِ فَامْتَنَعَ الْوَكِيلُ مِنْ ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَكَّلَ غَيْرَهُ فِي فَسْخِ عَقْدٍ فِي عَيْنٍ وَبَيْعِهَا مِنْ آخَرَ فَهَلْ يَصِحُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ الْأَوْجَهُ أَنَّهُ يَصِحُّ.
(وَسُئِلَ) عَنْ إنْسَانٍ وَكِيلٍ عَنْ آخَرَ عَلَى مَتْجَرٍ تَحْتَ يَدِهِ بَاعَ فِيهِ وَاشْتَرَى أُسْوَةَ أَمْثَالِهِ فَلَمَّا أَرَادَ الْحُضُورَ إلَى مُوَكِّلِهِ تَرَكَ بَعْضَ الْبِضَاعَةِ بِحَاصِلِ مُوَكِّلِهِ وَحَمَلَ بَعْضَهَا فِي الْبَحْرِ وَبَعْضَهَا فِي الْبَرِّ فَوَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابٌ مِنْ مُوَكِّلِهِ بِمَنْعِهِ مِنْ الْحُضُورِ بِالصِّنْفِ الْفُلَانِيِّ مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّ الْوَكِيلَ مَا وَرَدَ
عَلَيْهِ الْكِتَابُ إلَّا وَقَدْ جَهَّزَ الصِّنْفَ الَّذِي ظَهَرَ أَنَّهُ نَهَاهُ عَنْ الْحُضُورِ بِهِ مَعَ الْعَرَبِ وَأَكْرَى عَلَيْهِ مَعَهُمْ وَتَفَرَّقُوهُ وَظَهَرُوا بِهِ إلَى ظَاهِرِ الْمَدِينَةِ الَّتِي وَرَدَ إلَيْهَا كِتَابُ الْمُوَكِّلِ الْمَذْكُورِ فَجَاءَ الْوَكِيلُ لَمَّا عَسُرَ عَلَيْهِ عَوْدُ الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ وَفَوَاتُ الْكِرَاءِ عَلَى الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ بَرًّا وَبَحْرًا إلَى بَعْضِ التُّجَّارِ وَعَرَّفَهُمْ بِوُرُودِ الْكِتَابِ عَلَيْهِ مِنْ مُوَكِّلِهِ وَأَنَّهُ مَنَعَهُ مِنْ الْحُضُورِ بِالصِّنْفِ الْفُلَانِيِّ.
وَقَالَ لَا أَقْدِرُ عَلَى عَوْدِ ذَلِكَ وَأَخْشَى أَنْ يَفُوتَ الْكِرَاءُ عَلَى مُوَكِّلِي عِنْدَ الْجَمَّالَةِ وَصَاحِبِ الْمَرْكَبِ وَتَوَكَّلْت عَلَى اللَّهِ وَأَرْسَلَهُ وَالْحَالُ أَنَّ الصِّنْفَ الْمَذْكُورَ نَحْوُ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ حِمْلًا فَحَصَلَ عَلَى الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ أَمْرُ اللَّهِ وَفَاتَ مِنْهُ نَحْوُ الثُّلُثَيْنِ وَسَلِمَ الثُّلُثُ فَهَلْ إذَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ إعَادَة الصِّنْفِ الْمَذْكُورِ إلَى مَحَلِّهِ لِعُذْرٍ وَاضِحٍ هُوَ فِي أَوَانِ خُرُوجِ الْعِمَارَةِ الْخَنْكَارِيِّةِ وَالْبَاشَا وَالْعَسَاكِر وَتَضْيِيقِهِمْ فِي الدَّوَابِّ وَالتَّضْيِيق عَلَى أَرْبَابِهَا وَجَاءَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ يَضْمَنُ الْوَكِيلُ مَا فَاتَ أَمْ لَا وَإِذَا وَجَدَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ بِذَلِكَ تُقْبَلُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا عَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ تَخْلِيص الْأَحْمَالِ الْمَذْكُورَةِ مِمَّنْ أَعْطَاهَا لَهُ لِيَحْمِلَهَا إلَى مُوَكِّلِهِ وَكَانَ مُوَكِّلُهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ فِي حَمْلِهَا إلَيْهِ فَتَلِفَ بَعْضُهَا أَوْ كُلُّهَا فِي الطَّرِيقِ مِنْ غَيْرِ تَقْصِيرٍ مِنْ الْوَكِيلِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إنْ أَثْبَتَ الْعَجْزَ الْمَذْكُورَ أَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَا عِبْرَةَ بِوُصُولِ الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الصُّورَةِ إلَّا إنْ ثَبَتَ وَصُدِّقَ الْوَكِيلُ عَلَى أَنَّهُ خَطُّ مُوَكِّلِهِ أَوْ أَمَرَ بِهِ وَصُدِّقَ الْوَكِيلُ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِكِتَابَتِهِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ أَلْفَاظُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله فِي فَتَاوِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته أَوْ لَا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ مَا صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ وَالِاسْتِيفَاءِ وَالْمُصَالَحَةِ بِمَا يَرَى الْوَكِيلُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَجُوزُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَقَدْ قَالُوا يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي الْخُصُومَاتِ مِنْ جَانِبِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَفِي اسْتِيفَاءِ الْعُقُوبَاتِ وَالْحُدُودِ الَّتِي لِلْآدَمِيِّ وَسَائِر الْحُقُوقِ قَالُوا وَلَوْ قَالَ لَهُ بِعْ بِمَا شِئْت صَحَّ وَكَانَ إذْنًا فِي بَيْعِهِ بِالْعَرْضِ فَكَذَا قَوْله صَالَحَ بِمَا تَرَى يَصِحُّ أَيْضًا وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي الْمُطَالَبَةِ بِحُقُوقِهِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ بِمَا ثَبَتَ مِنْهَا لِلْمُوَكِّلِ بَعْدَ الْوَكَالَةِ كَمَا يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ فِي بَيْعِ ثَمَرِ شَجَرَتِهِ الَّذِي يَحْدُثُ وَفَارَقَ بُطْلَانَهُ بِبَيْعِ عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ وَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي أَمْلَاكِهِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مِلْكٌ بِإِرْثٍ فَإِنَّهُ لَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ كَمَا أَفْتَى بِهِ التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الْأُولَى الْحَقُّ فِيهَا مَوْجُودٌ لَكِنْ لَمْ يَثْبُت حَالًا وَفِي الثَّانِيَةِ مَالِكٌ لِأَصْلِ الثَّمَرَةِ بِخِلَافِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فَإِنَّهُ تَوْكِيلٌ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا مَلَكَ أَصْلَهُ وَلَا هُوَ مَوْجُودٌ حَالَ الْوَكَالَةِ وَمِنْ ثَمَّ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِصِحَّةِ تَوْكِيلِهِ فِيمَا يَمْلِكُهُ الْآنَ وَمَا سَيَمْلِكُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ شَرْطَ الْمُوَكِّلِ فِيهِ أَنْ يَمْلِكَ الْمُوَكِّلُ التَّصَرُّفَ فِيهِ حِينَ التَّوْكِيلِ أَوْ يَذْكُرَهُ تَبَعًا لِذَلِكَ أَوْ يَمْلِكُ أَصْلَهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْمُوَكِّلِ إذَا طَلَبَ مِنْ وَكِيلِهِ بَيَانًا لِتَصَرُّفَاتِهِ فِيمَا وَكَّلَ فِيهِ هَلْ يَلْزَمُهُ الْبَيَانُ وَهَلْ تُعْتَبَرُ دَفَاتِرُهُ وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ زِيَادَةً عَلَى مَصْرُوفِ كُتُبِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَطْلَقَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ كُلَّ أَمِينٍ طُلِبَ مِنْهُ الْبَيَانُ وَالْحِسَابُ لَزِمَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِمَا فِي الْخَطِّ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَا يَقَعُ فِي الْجَوَابِ وَالدَّعْوَى وَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ صَرَفَ كَذَا عَنْ كَذَا ثُمَّ ادَّعَى زِيَادَةً لَمْ يُقْبَلْ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ فِي بَعْض الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ حَيْثُ ذَكَرَ عُذْرًا يُقْبَلُ بِالنِّسْبَةِ لِتَحْلِيفِ الْمُوَكِّلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ أَوْ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ لِلْمُوَكِّلِ وَإِذَا كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ وَكِيلِهِ أَلْفٌ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْهُ فِي كَذَا مِنْ طَعَامٍ فَأَسْلَمَهُ هَلْ يَصِحُّ أَيْضًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِجَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي إخْرَاجِ زَكَاتِهِ مِنْ مَالِ الْوَكِيلِ وَيَرْجِع بِمَا أَدَّاهُ عَلَى مَا ذَكَرَ فِي التَّوْكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ بَاعَهُ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَوْ النِّصَابَ كُلَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأُولَى وَلَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فِي الثَّانِيَةِ.
فَلَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فَأَذِنَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي فِي إخْرَاجِ قَدْرِ الزَّكَاةِ صَحَّ وَجَرَى التَّقَاصُّ فَلَوْ قَالَ لَهُ اُدْعُنِي مِنْ دَيْنِي الَّذِي عَلَيْك لَمْ يَقَعْ عَنْ الْآذِن فِيمَا يَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ كَوْنُهُ قَابِضًا لِمَا فِي ذِمَّتِهِ
مِنْ نَفْسِهِ وَمُقْبِضًا لَهُ عَنْ الْمَالِكِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِأَنَّ الْوَكَالَةَ الْفَاسِدَةَ إذَا عَمِلَ الْوَكِيلُ فِيهَا بِعُمُومِ الْإِذْنِ الضِّمْنِيّ صَحَّ تَصَرُّفُهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ خَارِج الْعَقْدِ فِي صَرْفِ مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ عَلَى الْعِمَارَةِ صَحَّ وَبِقَوْلِ الْغَزِّيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لَوْ قَالَ لِلْمَدْيُونِ إذَا مِتّ فَفَرِّقْ مَا لِي عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ كَذَا إلَى الْفُقَرَاءِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ هَذَا وَهُوَ إيصَاءٌ وَبِقَوْلِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ لَوْ كَانَ لَهُ فِي ذِمَّةِ إنْسَانٍ دِرْهَمٌ فَأَمَرَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِهِ طَعَامًا فَاشْتَرَى كَمَا أُمِرَ وَدَفَعَ الثَّمَنَ إلَى الْبَائِعِ وَقَبَضَ الطَّعَامَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَذِمَّتُهُ بَرِيئَةٌ مِنْ الدِّرْهَمِ وَيَصِيرُ فِي التَّقْدِيرِ كَأَنَّهُ وَكَّلَ الْبَائِعَ بِقَبْضِ ذَلِكَ الدِّرْهَمِ مِنْ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا كَمَا لَوْ اجْتَمَعَ لَهَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَأَمَرَتْهُ أَنْ يَكِيلَ فَيَدْفَعَ إلَى الطَّحَّانِ كَذَا فَيَطْحَنَهُ فَفَعَلَهُ فَالطَّحَّانُ يَكُونُ مِنْ جِهَتِهَا كَالْوَكِيلِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُهُ كَمَا لَوْ قَالَتْ أَطْعِمْ عَنْ كَفَّارَتِي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ عَشَرَةَ أَمْدَادٍ مِنْ طَعَامٍ كَذَا يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْمَسَاكِينُ مُتَعَيِّنِينَ. اهـ.
وَيُجَابُ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ مَحَلَّ النَّظَرِ لِعُمُومِ الْإِذْنِ فِي الْوَكَالَةِ الْفَاسِدَةِ حَتَّى يَصِحَّ التَّصَرُّفُ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِمَانِعٍ وَقَدْ اقْتَرَنَ هُنَا بِمَانِعٍ وَهُوَ أَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَدْخُلُ الدَّيْنُ فِي مِلْكِهِ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَمْ يُؤَدِّ مِنْ دَيْنِهِ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَصِحُّ التَّصَرُّفُ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ لَمْ يَشْمَلْهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْأَدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ صَحِيحٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعِمَارَةِ فَخَارِجٌ عَنْ الْقَاعِدَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يُخْرِجُوهُ عَلَى اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ لِوُقُوعِهِ ضِمْنًا أَيْ لَا مَقْصُودًا وَسَبَبُهُ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَلَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا بِهِ فَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقَاعِدَةِ وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَسْأَلَتِنَا أَنَّ تِلْكَ الْإِذْنُ فِيهَا وَقَعَ بَعْدَ انْبِرَامِ الْعَقْدِ فَلَمْ يُقْصَدْ بِالْعَقْدِ وَأَيْضًا فَالْمُسْتَأْجِرُ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ فِي بَقَاءِ الْعَيْنِ فَسُومِحَ لَهُ فِي ذَلِكَ رِعَايَةً لِبَقَاءِ الْعَقْدِ مَا أَمْكَنَ فَإِنَّ الْمُؤَجِّر قَدْ لَا يُعْمِرُ فَيَفْسَخُ وَأَمَّا هُنَا فَعَقْدُ الْوَكَالَةِ وَقَعَ التَّصْرِيحُ فِيهِ بِالْأَدَاءِ مِنْ الدَّيْنِ فَلَمْ يَقَعْ ضِمْنًا بَلْ مَقْصُودًا وَلَا يَعُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةٌ كَالْمَنْفَعَةِ فِي تِلْكَ فَافْتَرَقَا وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْغَزِّيِّ فَالْمُتَّجَهُ فِيهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ تَوَقَّفَتْ صِحَّةُ التَّفْرِقَةِ عَلَى قَبْضِهِمْ مِنْهُ ثُمَّ إقْبَاضِهِمْ لَهُ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْغَزِّيِّ مَا يُنَافِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي صِحَّةُ هَذَا وَهُوَ إيصَاءٌ أَيْ صِحَّةُ قَوْلِ الْمُوصَى لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إيصَاءٌ لَهُ وَأَمَّا صِحَّةُ التَّفْرِقَةِ فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَرَثَةٌ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ وَأَمَّا كَلَامُ الْقَاضِي فَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ وَكَّلَهُ فِي شِرَاءِ سِلْعَةٍ وَصَفَهَا بِثَمَنٍ مِنْ جُمْلَةِ دَيْنٍ لَهُ عَلَيْهِ فَاشْتَرَاهَا لِمُوَكِّلِهِ بِثَمَنِ وَأَدَّاهُ مِنْ جُمْلَةِ دَيْنِهِ صَحَّ وَبَرِئَ الْوَكِيلُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. لَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ كَجٍّ بِالْبُطْلَانِ وَبِهِ يُعْلَم أَنَّ الْقَاضِيَ وَالْمَاوَرْدِيَّ مَاشِيَانِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَضُرُّ اتِّحَاد الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ بِخِلَافِهِ وَأَمَّا مَسْأَلَة السَّلَمِ الْمَذْكُورَة فِي السُّؤَالِ فَقَالَ ابْن سُرَيْجٍ فِيهَا بِالصِّحَّةِ فَإِذَا قَبَضَ الْأَلْفَ بَرِئْت ذِمَّتُهُ وَوَافَقَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَيُوَافِقهُ كَلَامُ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيِّ السَّابِقُ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي إسْلَام الَّذِي لِي عَلَيْك إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ صَحَّ أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ حَوَالَة قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَلَوْ قَالَ أَسْلِمْ لِي فِي كَذَا وَأَدِّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِك وَارْجِعْ عَلَيَّ فَفَعَلَ صَحَّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ زَادَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ عِنْد صَاحِبِ الْعِدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ سَهْوٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَبِهِ يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا مَرَّ عَنْ الْقَاضِي وَالْمَاوَرْدِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَطَرِيقُهُ أَنْ يُوَكِّلَ فِي إسْلَامِ الْأَلْفِ فِي كَذَا فَإِذَا فَعَلَ الْوَكِيلُ قَالَ لَهُ الْمُوَكِّلُ حَصَلَ عَلَيَّ أَلْفٌ لِهَذَا وَلِي عَلَيْكَ أَلْفٌ فَادْفَعْ الْأَلْفَ الَّذِي لِي عَلَيْكَ إلَيْهِ فَإِذَا فَعَلَ صَحَّ أَيْ لِأَنَّهُ صَارَ حَوَالَةً قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَلَوْ قَالَ أَسْلِمْ لِي فِي كَذَا وَأَدِّ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِكَ وَارْجِعْ عَلَيَّ فَفَعَلَ صَحَّ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ كَذَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ زَادَ النَّوَوِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ أَبُو حَامِدٍ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ سَهْو مُخَالِفٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَقُولَ أَسْلِمْ أَلْفًا فِي كَذَا فَإِذَا عَقَدَ الْعَقْدَ قَالَ اقْضِ عَنِّي أَلْفًا لِأَدْفَعَ إلَيْك عِوَضَهَا وَعَلَيْهِ فَيُفَارِقُ اشْتَرِ لِي عَبْدَ فُلَانٍ بِثَوْبِك هَذَا حَيْثُ يَصِحُّ وَيَقَعُ عَنْ الْآمِرِ وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْبَاب الثَّالِث مِنْ الْوَكَالَةِ بِأَنَّ السَّلَمَ
ضَيَّقُوا فِيهِ فَلَمْ يَكْتَفُوا بِالْأُمُورِ التَّقْدِيرِيَّة بِخِلَافِ نَحْو الْبَيْع فَيُقَدَّرُ دُخُول الثَّوْب فِي مِلْكِ الْآمِرِ كَمَا فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي عَلَى كَذَا وَبِهَذَا تَعْلَمُ صِحَّةَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ ثَانِيًا مِنْ الطَّرِيقَةِ الثَّانِيَةِ خِلَافًا لِابْنِ الصَّبَّاغِ إذْ لَيْسَ فِيهَا تَقْدِيرُ دُخُول شَيْءٍ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَقَدَ لَهُ بِالْأَلْفِ صَارَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُوَكِّلِ فَإِذَا أَذِنَ فِي الْمَجْلِس لِلْوَكِيلِ فِي دَفْعِهَا عَنْهُ كَانَ ذَلِكَ قَضَاءً لِدَيْنِهِ وَهُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ سُرَيْجٍ فَإِنَّهُ إذَا جَعَلَ رَأْسَ الْمَالِ مِنْ مَالِهِ اُحْتِيجَ إلَى تَقْدِيرِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِ الْمُوَكِّلِ وَذَلِكَ لَا يَكْفِي فِي السَّلَمِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ مَسْأَلَةُ التَّوْكِيلِ فِي السَّلَمِ مُسَاوِيَةٌ لِمَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ فِي الشِّرَاءِ مَرْدُودٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَعُلِمَ مِمَّا قَرَّرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَنَّ الْوَرَع لِمَنْ اشْتَرَى زَكَوِيًّا مِمَّنْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُزَكَّى أَنْ يَسْتَأْذِنهُ فِي إخْرَاجهَا عَنْهُ مِنْ الْمَبِيعِ وَيَتَبَرَّعُ بِذَلِكَ فَلَا يَرْجِعُ بِمُقَابِلِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ تَعَذَّرَ الْبَائِعُ فَالسَّاعِي فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْقَاضِي بِنَاءً عَلَى شُمُولِ تَوْلِيَتِهِ لِلنَّظَرِ فِي أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ الْهَرَوِيِّ هَذَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْت الْمَالِكِ وَإِلَّا اسْتَقَلَّ بِالْإِخْرَاجِ إذْ لِلْأَجْنَبِيِّ التَّبَرُّعُ عَنْ الْمَيِّت بِإِخْرَاجِ الزَّكَاة عَنْهُ وَبِتَبَرُّعِهِ يَتَبَيَّنُ الْمِلْكُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الْمَبِيعِ لِلْوَرَثَةِ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَيْهِمْ.
(وَسُئِلَ) عَنْ غَرِيبٍ اسْتَنَابَ فِي قَبْضِ الزَّكَاةِ فَهَلْ تَصِحُّ وَإِنْ غَابَ وَهَلْ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ النَّصِّ يَسْتَحِقُّونَ أَيْ الْأَصْنَاف الزَّكَاة يَوْم الْقِسْمَةِ وَعَنْ نَصٍّ آخَرَ يَسْتَحِقُّونَ يَوْم الْوُجُوب وَعَنْ الْأَصْحَابِ حَمْلُ الثَّانِي عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ إلَّا ثَلَاثَة أَوْ أَقَلَّ أَيْ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ وَمَنَعْنَا النَّقْل فَيَسْتَحِقُّونَ يَوْم الْوُجُوب حَتَّى لَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ.
وَإِنْ غَابَ أَوْ أُسِرَ فَحَقُّهُ بِحَالِهِ وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ لَمْ يُشَارِكهُمْ وَحُمِلَ الْأَوَّل عَلَى مَا إذَا لَمْ يَنْحَصِرُوا فِي ثَلَاثَة أَوْ كَانُوا وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ فَيَسْتَحِقُّونَ بِالْقِسْمَةِ فَلَا حَقَّ لِمَنْ غَابَ أَوْ مَاتَ أَوْ أُسِرَ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ قَدِمَ غَرِيبٌ شَارَكَهُمْ. اهـ.
وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُوَكِّلَ إنْ كَانَ مِنْ الْمَحْصُورِينَ وَحَضَرَ يَوْمَ الْوُجُوبِ صَحَّتْ اسْتِنَابَتُهُ وَإِنْ غَابَ بَعْدُ لِاسْتِقْرَارِ مِلْكِهِ وَإِلَّا لَمْ تَصِحَّ إذْ لَا حَقَّ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ الْمَحْصُورِينَ اسْتَحَقَّ إنْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَ الْقِسْمَةِ وَلَا يَكْفِي حُضُورُ وَكِيلِهِ حِينَئِذٍ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَصَرَّحَ بِهِ ابْنُ رَزِينٍ تِلْمِيذُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَإِنْ تَرَدَّدَ الْأَصْبَحِيُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ حَقٌّ حَتَّى يُوَكِّلَ فِي قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ لَلْمُفَرِّقَ أَنْ يَحْرِمَهُ وَيُعْطِيَ غَيْره فَأَيُّ شَيْءٍ تَعَيَّنَ لَهُ حَتَّى يُوَكِّلَ فِي قَبْضِهِ وَأَمَّا التَّوْكِيلُ فِي إخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْر فَيَجُوزُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَرْجُوحٌ وَشَرْطُ الْجَوَازِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ دُخُولُ رَمَضَانَ إذْ لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهَا إلَّا حِينَئِذٍ وَأَمَّا قَبْلَهُ فَلَا يَجُوز التَّوْكِيل فِيهَا لِامْتِنَاعِ إخْرَاجهَا وَقَدْ قَالُوا شَرْطُ الْمُوَكِّلِ وَالْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَا وَكَّلَ أَوْ وُكِّلَ فِيهِ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُمْ أَوْرَدُوا عَلَى عَكْسِ ذَلِكَ وَطَرْدِهِ صُوَرًا كَثِيرَة؛ لِأَنَّ أَكْثَر قَوَاعِد الْأَصْحَابِ أَكْثَرِيَّةٌ لَا كُلِّيَّةٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَسْتَدِلُّونَ بِهَا فِيمَا لَمْ يُصَرِّحُوا بِدُخُولِهِ وَلَا خُرُوجِهِ عَنْهَا وَرَجَّحَ بَعْض الْمُتَأَخِّرِينَ الصِّحَّة وَلَوْ قَبْل رَمَضَان وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ بِمَا لَا يُجْدِي وَقَدْ أَشَرْنَا إلَى كَثِيرٍ مِنْ شُبَهِهِ بِقَوْلِنَا وَلَا يَضُرُّ إلَخْ.
وَأَمَّا مَا قَاسَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَ الْمُحْرِم وَكِيلًا لِيُزَوِّجهُ بَعْد التَّحَلُّلِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّ فَكَذَا هُنَا فَجَوَابُهُ وُضُوحُ الْفَرْقِ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُوَ ثُبُوتُ الْوِلَايَةِ لِلْوَلِيِّ قَبْلَ الْإِحْرَام وَاسْتِمْرَارُهَا فِيهِ وَلِهَذَا لَوْ وَكَّلَ ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَنْعَزِلْ فَالْإِحْرَام مَانِع طَارِئ لِلْمُبَاشَرَةِ لَا لِلْإِذْنِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ؛ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُ وَوِلَايَتَهُ مَوْجُودَةٌ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ زَوَّجَ الْقَاضِي حَالَ إحْرَامِهِ كَانَ مُزَوِّجًا بِالنِّيَابَةِ عَنْهُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابه فَصَحَّ تَوْكِيلُهُ وَأَمَّا هُنَا فَالْمُوَكِّلُ لَمْ يَثْبُت لَهُ قَبْلَ رَمَضَانَ وِلَايَةُ التَّصَرُّف بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه فَكَيْف يَصِحُّ أَنْ يُوَكِّلَ غَيْرَهُ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ أَطْلَقَ أَوْ قَالَ لِتَخْرُجْ بَعْدَ دُخُولِ رَمَضَانَ وَإِذَا تَأَمَّلْت هَذَا الْفَرْقَ انْدَفَعَ عَنْك كَثِيرٌ مِنْ شُبَهِ الْمُخَالِفِ وَقِيَاسُ مَسْأَلَتنَا مَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي مَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِتَزْوِيجِ ابْنَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّزْوِيجَ حِينَئِذٍ فَبَطَل تَوْكِيلُهُ فِيهِ لِعَدَمِ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ مَا وُكِّلَ فِيهِ وَفَارَقَتْ هَذِهِ مَسْأَلَةُ الْإِحْرَامَ بِأَنَّ الْوِلَايَةَ
فِي الْمُحْرِمِ بَاقِيَةٌ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِهَا هُنَا.
وَمِنْ ثَمَّ لَوْ وَكَّلَ ثُمَّ أَحْرَمَ لَمْ يَنْعَزِلْ وَلَوْ وَكَّلَ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِهِ وَهِيَ غَيْرُ مُزَوَّجَةٍ ثُمَّ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ أَوْ وَكِيلٌ لَهُ آخَرُ انْعَزَلَ فَلَوْ طَلَقَتْ وَزَالَ الْمَانِعُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ بِتِلْكَ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ عَنْ مِلْكِ الْمُوَكِّلِ يَقْتَضِي انْعِزَالَهُ وَعَجِيبٌ مِنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُتَوَقِّفَ عَلَى دُخُولِ رَمَضَانِ إنَّمَا هُوَ الْإِخْرَاجُ لَا الْإِذْنُ فِيهِ إذْ الْإِذْنُ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ وَإِنْ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ ذَلِكَ التَّصَرُّفِ الْخَاصِّ فِي الْحَالِ فَهُوَ غَيْرُ قَادِحٍ فِي الْأَهْلِيَّةِ إذْ الْأَهْلِيَّةُ لَا تَتَجَدَّد بِدُخُولِ الْوَقْتِ كَمَا لَا تَتَجَدَّدُ بِزَوَالِ الْإِحْرَامِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ هَذَا الْمُوَكِّلِ الْآنَ إخْرَاجُ فِطْرَةِ الْعَامِ الْمَاضِي - وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ الْأَصْحَابُ صِحَّةَ التَّوْكِيلِ بِذَبْحِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْي وَتَقْدِيمِ النِّيَّةِ فِيهِمَا وَتَفْوِيضِهَا لِلْوَكِيلِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَوَجْهُ الْعَجَبِ أَنَّ قَوْلَهُ وَمَعْلُومٌ إلَى قَوْلِهِ أَلَا تَرَى كُلَّهُ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِمَعْلُومٍ وَلَا مَظْنُونٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ أَلَا تَرَى فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلِهَذَا إلَخْ فَلَيْسَ فِي مَحَلِّهِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ يُفْهَمُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ دُخُولِ الْوَقْتِ أَيْضًا قَالَ وَقَدْ اتَّضَحَ لِي دَلِيلُ ذَلِكَ مِنْ حَدِيث الصَّحِيحَيْنِ عَنْ «عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ فَتَلْت قَلَائِدَ هَدْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَشْعَرَهَا وَقَلَّدَهَا أَوْ قَلَّدَتْهَا ثُمَّ بَعَثَ بِهَا إلَى الْبَيْتِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ فَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَانَ لَهُ حِلٌّ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا أَيْضًا عَنْهَا أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَلَمْ يَحْرُمْ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْءٌ أَحَلَّهُ اللَّه تَعَالَى لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ» وَجْه الِاسْتِدْلَال أَنَّ وَقْت ذَبْحِ الْهَدْي الْمُتَطَوَّعِ بِهِ إنَّمَا يَدْخُلُ بِدُخُولِ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عِنْدَنَا أَوْ بِبُلُوغِ الْمَحَلِّ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ وَالْبَعْثُ الْمَذْكُورُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي حَجِّهِ بِالنَّاسِ عَامَ سَنَةِ تِسْعٍ كَمَا قَالَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي كَوْنِهِ قَبْلَ الْوَقْت الْمَذْكُور إلَى آخِر مَا ذَكَرَهُ وَجَوَابه أَنَّ هَذِهِ وَاقِعَةٌ حَالَ تَطَرَّقَ إلَيْهَا احْتِمَالُ أَنَّ هَذِهِ هَدْيٌ مَنْذُورٌ أَوْ مُتَطَوَّعٌ بِهِ.
وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَطَوُّعًا فَهُوَ احْتِمَال قَرِيبٌ فَسَقَطَ بِهَا الِاسْتِدْلَال وَالْمَنْذُورُ بِجَوَازِ إرْسَالِهِ مَعَ الْغَيْرِ كَمَا قَالُوهُ فِي أَوَاخِرِ بَاب النَّذْر وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَوْكِيلٌ قَبْل الْوَقْتِ إلَّا أَنَّ الضَّرُورَةَ أَلْجَأَتْ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إرْسَالُهُ وَقَدْ لَا يَتَيَسَّرُ لَهُ السَّفَرُ فَجَوَّزَ لَهُ التَّوْكِيلُ فِي ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْت لِلضَّرُورَةِ وَمَا جَازَ لِضَرُورَةٍ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ صِحَّةُ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ قَبْلَ وَقْتِهِ إنْ كَانَتْ وَقْتَ السَّيْرِ الْمُعْتَاد وَصِحَّةِ إذْنِ الْمَغْصُوب فِيهِ مُطْلَقًا وَأَيْضًا تَطَرَّقَ إلَيْهَا احْتِمَالُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَلَّكَهَا لِأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَطُرُوقُ هَذَا كَافٍ فِي دَفْعِ الِاسْتِدْلَالِ الْمَذْكُورِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ أَعْطَى وَكِيلَهُ دِينَارًا وَقَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهَذَا شَيْئًا فَهَلْ هُوَ كَقَوْلِهِ اشْتَرِ بِعَيْنِهِ حَتَّى إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ يَقَعُ لِلْوَكِيلِ دُونَ الْمُوَكِّلِ أَوْ لَا فَيَتَخَيَّرُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ هُنَا وَصَرِيحُهُ فِي قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ لَهُ اشْتَرِ بِهَذَا الدِّينَارِ شَاةً جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِعَيْنِهِ وَفِي الذِّمَّةِ أَنَّهُ هُنَا مُخَيَّرٌ بَيْنَ الشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ وَبِالْعَيْنِ وَفِي الْحَالَتَيْنِ يَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ لَكِنْ سَوَّى بَعْضُ الْأَصْحَابِ بَيْنَ الصِّيغَتَيْنِ فَعَلَيْهِ إذَا اشْتَرَى فِي الذِّمَّةِ يَقَع لَهُ وَإِلَى اخْتِيَارِ هَذَا يُومِئُ كَلَامُ بَعْضِ شُرَّاحِ الْمِنْهَاجِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ وَكَّلَ آخَرَ فِي طَلَاقِ زَوْجَتِهِ فَخَالَعَ فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَلَوْ وَكَّلَ رَجُلًا فِي طَلَاقِهَا فَخَالَعَ فَإِنْ قُلْنَا الْخُلْعُ فَسْخٌ لَمْ يَنْفُذْ وَإِنْ قُلْنَا طَلَاقٌ قَالَ الْبُوشَنْجِيُّ الَّذِي يَجِيء عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ الرَّجْعَة إنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ.
قَالَ وَلَوْ وَكَّلَهُ فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ عَلَى مَالٍ إنْ كَانَ بِحَيْثُ تُتَصَوَّرُ الرَّجْعَةُ لَمْ يَنْفُذ وَإِنْ لَمْ تُتَصَوَّرْ بِأَنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ كَانَ الْمَمْلُوكُ لَهُ الطَّلْقَةُ الثَّالِثَةُ فَذَكَرَ فِي نُفُوذِهِ احْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ حَصَّلَ غَرَضُهُ مَعَ فَائِدَةٍ أُخْرَى لَكِنَّهُ غَيْرُ مَفْهُومٍ مِنْ التَّوْكِيل الْمُطْلَقِ وَقَدْ يَتَوَقَّفْ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَهُ حَمْلًا وَدَلِيلًا. اهـ. وَعِبَارَةُ أَصْلِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى الَّذِي يَجِيءُ عَلَى أَصْلِنَا أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ لِلْخُلْعِ صِيغَةً وَلِلطَّلَاقِ صِيغَةً فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ فَيُقْطَعُ بِعَدَمِ
النُّفُوذِ؛ لِأَنَّهُ وُكِّلَ بِطَلَاقٍ رَجْعِيٍّ فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ قَطْعُ الرَّجْعَةِ. اهـ.
وَعِبَارَتُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ كَعِبَارَتِهَا الْمَذْكُورَةِ فِيهَا وَوَجْهُ تَوَقُّفِهِمَا مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْخُلْعَ أَحَدَ نَوْعَيْ الطَّلَاقِ وَالتَّوْكِيلِ فِي جِنْسِ تَوْكِيلٍ فِي أَنْوَاعِهِ لَكِنْ مَتَى اقْتَضَى الْعُرْفُ التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ حَمَلَ عَلَيْهِ. اهـ.
وَمَا نَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ مِنْ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ لَفْظِ الطَّلَاقِ وَذَكَرَ فِي الثَّانِيَةِ احْتِمَالَيْنِ وَجَزَمَ فِي الْأُولَى بِعَدَمِ النُّفُوذِ مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ إمَّا صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَةٌ فَإِنْ كَانَ صَرِيحًا لَمْ يَضُرَّ اخْتِلَافُ اللَّفْظَيْنِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ فَقَالَ خَالَعْتُكِ أَوْ خَالِعْنِي بِكَذَا فَقَالَ طَلَّقْتُك أَوْ وَكِّلْ وَكِيلًا بِالطَّلَاقِ فَقَالَ فَارَقْتُك أَوْ سَرَّحْتُك وَإِنْ كَانَ كِنَايَةً فَكَذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ اهـ وَأَقُولُ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّوَقُّفَ قَوْلُهُمْ فِي الْوَكَالَةِ لَوْ أَمَرَهُ بِالشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ أَوْ فِي الذِّمَّةِ تَعَيَّنَ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا فَإِنْ وَكَّلَهُ فِي الشِّرَاءِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ شَيْئًا تَخَيَّرَ بَيْن الشِّرَاءِ بِالْعَيْنِ وَالشِّرَاءِ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الشِّرَاءَ يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَيْنِ فَكُلٌّ مِنْهُمَا مَأْذُونٌ فِيهِ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا التَّوْكِيلُ الْمُطْلَقُ يَتَنَاوَلُ الطَّلَاقَ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ فَلَمْ يُخَالِفْ الْمُوَكِّل فَكَانَ الْقِيَاسُ الْوُقُوعَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ فَجَزَمَ ابْنُ الْمُقْرِي فِي الثَّانِيَةِ وَهِيَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي الطَّلَاقِ فَطَلَّقَ بِمَالٍ بِعَدَمِ النُّفُوذِ حَيْثُ تُصُوِّرَتْ الرَّجْعَةُ قِيَاسًا عَلَى الْأُولَى وَهِيَ مَا لَوْ وَكَّلَهُ فَخَالَعَ فِيهِ نَظَرٌ لِمَا تَقَرَّرَ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَأَقَرَّهُ وَإِنْ عَبَّرَ عَنْهُ بِقِيلٍ؛ لِأَنَّهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَيْسَتْ لِلتَّضْعِيفِ مِنْ أَنَّ الِاحْتِمَالَ الَّذِي أَبْدَاهُ الْبُوشْنَجِيُّ فِي الثَّانِيَةِ وَهُوَ بَعِيدٌ جِدًّا وَمِنْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأُولَى مِنْ عَدَمِ الْوُقُوعِ فِيهِ نَظَرٌ قَالَ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ يَقَعُ؛ لِأَنَّهُ وَكَّلَهُ بِالطَّلَاقِ فَإِذَا أَوْقَعَهُ بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ وَلَا يَثْبُت الْمَالُ حَيْثُ كَانَ فِي ثُبُوتِهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ وَكَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ قَوْله أَنْ يُطَلِّقَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا فَإِذَا طَلَّقَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَثْبُتُ لَكِنْ هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ هَذَا مَحَلُّ النَّظَرِ وَالْأَشْبَهُ الْوُقُوعُ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْقَفَّالِ وَلَا يُنْظَرُ حِينَئِذٍ إلَى تَخَالُفِ لَفْظِ الْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ إمَّا صَرِيحٌ فِي الطَّلَاقِ أَوْ كِنَايَة وَلَوْ قَالَ لَهُ طَلِّقْ زَوْجَتِي فَطَلَّقَهَا بِصَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ وَنَوَى وَقَعَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَيْضًا فَلَوْ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي عَلَى كَذَا فَقَالَ خَالَعْتُكِ وَقَعَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ. اهـ. ثُمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي لِلْبُوشَنْجِيِّ أَيْ وَهُوَ عَدَمُ الْوُقُوعِ الَّذِي جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي فَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّ قَضِيَّةَ تَوْكِيلِهِ أَنْ يُمَلِّكَهَا بُضْعَهَا مَجَّانًا فَإِذَا مَلَّكَهَا إيَّاهُ بِعِوَضٍ لَغَا تَصَرُّفَهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يَهَبَهَا عَيْنًا فَبَاعَهَا مِنْهَا فَتَأَمَّلْهُ اهـ.
وَفِيمَا وَجَّهَ بِهِ نَظَرٌ إذْ قَوْلُهُ قَضِيَّةُ تَوْكِيلِهِ أَنْ يُمَلِّكَهَا بُضْعَهَا مَجَّانًا مَمْنُوعٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ التَّوْكِيلَ فِي الطَّلَاقِ جِنْسٌ تَحْتَهُ نَوْعَانِ هُمَا الطَّلَاقُ بِعِوَضٍ وَغَيْرِ عِوَضٍ فَالتَّوْكِيلُ فِي الطَّلَاقِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ الْعِوَضِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْعِوَضَ بِخِلَافِ التَّوْكِيلِ فِي الْهِبَةِ فَلَمْ يَصِحَّ قِيَاسُهُ مَا هُنَا عَلَى التَّوْكِيلِ فِي الْهِبَةِ فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ طَلَّقَهَا لَيْسَ بِعَامٍّ فِي الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ فَلْيُحْمَلْ عَلَى الرَّجْعِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَال لَمْ يَتَعَرَّض لَهُ وَالْأَصْل عَدَمُهُ قُلْت هُوَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَامًّا لَكِنَّهُ مُطْلَقٌ وَالْمُطْلَقُ فِيهِ شُمُولٌ أَيْضًا لَكِنْ عَلَى طَرِيقِ الْبَدَلِيَّةِ بِخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّ الشُّمُولَ فِيهِ عَلَى جِهَةِ الْمَعِيَّةِ وَعَلَى كُلٍّ فَلَفْظ الْمُوَكِّل يَتَنَاوَلُ الْأَمْرَيْنِ لَكِنْ إنْ قُلْنَا بِالْعُمُومِ تَنَاوَلَهُمَا مَعًا أَوْ بِالْإِطْلَاقِ تَنَاوَلَهُمَا عَلَى الْبَدَلِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَامِّ وَالْمُطْلَقِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ فَلْيُتَأَمَّلْ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ الشَّيْخَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى يَقْتَضِي تَقْرِيرَ الْبُوشَنْجِيِّ عَلَى مَا قَالَهُ مِنْ عَدَم الْوُقُوعِ فِيهَا إلَّا أَنْ يُجْعَلَ تَوَقُّفُهُمَا فِي الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِمَا حُكْمًا عَائِدًا إلَيْهَا وَحِينَئِذٍ فَالْأَوْجَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَقِيَاس كَلَامِهِمْ فِي الْوَكَالَة كَمَا قَدَّمْته الْوُقُوعَ فِيهَا وَفِي الثَّانِيَة وَاعْتَرَضَ الْإِسْنَوِيُّ مَا ذَكَرَاهُ هُنَا عَنْهُ مِنْ عَدَمِ النُّفُوذِ حَيْثُ أَدَّى إلَى بُطْلَانِ الرَّجْعَةِ بِمَا نَقَلَاهُ بَعْدُ عَنْ الْقَفَّال وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي تَطْلِيقِ زَوْجَتِهِ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً بِأَلْفِ وَقَعَ رَجْعِيًّا فَلَا مَال وَرُدَّ بِأَنَّ صُورَةَ مَا هُنَا كَمَا يُومِئُ إلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنْ لَا يُخَالِفَ الْوَكِيلُ الزَّوْجَ فِي الْعَدَدِ وَكَلَامُ الْقَفَّالِ فِيمَا إذَا خَالَفَ فِيهِ وَلَك أَنْ تَرُدَّ هَذَا الرَّدَّ بِأَنَّهُ كَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ عَدَمُ الْوُقُوعِ أَصْلًا فِي مَسْأَلَةِ