الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ الْمُتَجَاوِرَتَيْنِ مَنْفَذٌ بِحَيْثُ إذَا خَرَجَ مِنْ إحْدَاهُمَا مَاءٌ نَقَصَ مَاءُ الْأُخْرَى لَمْ يَجُزْ فَتْحُ إحْدَاهُمَا لِمَا بَعْدَهَا حَتَّى يُكْمِلَ رَيَّ كُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَعْلَى وَأَقْرَبُ إلَى النَّهْرِ مِمَّا بَعْدَهُمَا فَلَا يَسْتَحِقُّ مَنْ بَعْدَهُمَا شُرْبٌ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ رَيِّهِمَا كَمَا هُوَ الْمُقَرَّرُ الْمَعْرُوفُ، هَذَا إذَا لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ قَدِيمَةٌ مُطَّرِدَةٌ بِخِلَافِ ذَلِكَ وَإِلَّا عُمِلَ بِهَا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ الْعَمَلَ بِهَا الْمُقَدَّمَ عَلَى الْعَمَلِ بِتَقْدِيمِ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُمْ إنَّمَا أَخَذُوا بِهَذَا لِكَوْنِ الْغَالِبِ أَنَّ الْمُحْيِيَ أَوَّلًا يَقْصِدُ الْقُرْبَ مِنْ النَّهْرِ فَهُوَ عَمَلٌ بِظَنٍّ لَمْ يُعَارَضْ فَحَيْثُ عَارَضَتْهُ الْعَادَةُ قُدِّمَتْ؛ لِأَنَّ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى تَقْدِيمِ سَافِلِهِ عَلَى عَالِيه يُبْطِلُ ذَلِكَ الظَّنَّ الَّذِي هُوَ تَقْدِيمُ إحْيَاءِ الْأَعْلَى كَمَا هُوَ وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا مَنْفَذٌ، وَإِنَّمَا كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ بِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْمَاءِ لَا حَقَّ لِمُجَاوَرَتِهَا فِيهِ فَلِمَالِكِ كُلٍّ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْتَحَ بَعْدَ رَيِّهِ لِمَا يَلِي أَرْضَهُ وَلَا يُكَلَّفُ بَقَاءَ الْمَاءِ فِي أَرْضِهِ إلَى أَنْ يُكْمِلَ رَيَّ مُجَاوِرِهِ؛ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ مَعَ السَّدِّ أَوْجَبَتْ شَيْئَيْنِ: أَحَدَهُمَا أَنَّهَا صُيِّرَتْ كُلًّا مُسْتَقِلَّةً لَا حَقَّ لِلْمُجَاوِرَةِ فِيمَا يَصِيرُ مِنْ الْمَاءِ لِمُجَاوَرَتِهَا، ثَانِيهمَا: أَنَّهَا مَنَعَتْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلِيًّا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِي الْأُخْرَى؛ لِأَنَّ الْعُلْيَا هِيَ الَّتِي يَصِلُ مَاؤُهَا لِمَا تَحْتَهَا وَهُنَا لَا يَصِلُ مَاءُ كُلٍّ إلَّا لِمَا يَلِيه فَقَطْ دُونَ مَا يَلِي مُجَاوِرَهُ فَكَانَ أَعْلَى بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِيه لَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَلِي مُجَاوِرَهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْمَعْدِنِ الْبَاطِنِ كَالْمِلْحِ وَنَحْوِهِ إذَا كَانَ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا بِعَمَلٍ وَاعْتَادَ الْوُلَاةُ الِاسْتِيلَاءَ عَلَيْهِ بِحَيْثُ إذَا هَلَكَ الْوَالِي الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ خَلَفَهُ مَنْ بَعْدَهُ فَتَارَةً يَسْتَأْجِرُ الْوَالِي عُمَّالًا يَعْمَلُونَ فِي الْمَعْدِنِ الْمَذْكُورِ وَتَارَةً يُكْرِهُهُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِغَيْرِ أُجْرَةٍ فَلِمَنْ يَكُونُ الْمُتَحَصَّلُ مِنْ الْمَعْدِنِ لِلْوَالِي أَمْ لِلْعَامِلِ؟ وَلَوْ جَاءَ رَجُلٌ آخَرُ مَثَلًا وَأَخَذَ مِنْ الْمَعْدِنِ لِنَفْسِهِ فَهَلْ يَمْلِكُهُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَنْ أَخَذَ مِنْ مَعْدِنٍ شَيْئًا لَمْ يَحُزْهُ غَيْرُهُ مَلَكَهُ مَا لَمْ يَنْوِ غَيْرَهُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ الْأَجِيرِ، وَمَا لَمْ يَنْوِ نَفْسَهُ بِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَجِيرِ، أَمَّا إذَا نَوَى الْأَوَّلُ نَفْسَهُ أَوْ أَطْلَقَ أَوْ نَوَى الثَّانِي نَفْسَهُ فَيَمْلِكُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته فِيهِمَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْوَقْفِ]
(وَسُئِلَ) أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاته فِي الدَّارَيْنِ عَمَّا لَوْ قَالَ أَوْصَيْت أَوْ وَقَفْت كَذَا عَلَى سَطْح فُلَان وَاطَّرَدَ فِي عُرْف الْقَائِل أَنَّ ذَلِكَ لِجِهَةٍ مَعْلُومَةٍ عِنْد قَوْمِهِ وَأَهْلِ نَاحِيَتِهِ أَوْ مَثَلًا ظَهَرَ مِنْهُ تَخْصِيصُ الْعُرْفِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَتَّجِهُ أَنَّ سَطْحَ فُلَانٍ إنْ اطَّرَدَ عُرْف الْقَائِل بِأَنَّهُ اسْمٌ لِجِهَةٍ مَعْلُومَة تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لَهَا وَالْوَقْفُ عَلَيْهَا صَحَّ الْوَقْفُ أَوْ الْوَصِيَّةُ لِتِلْكَ الْجِهَةِ بِشَرْطِهَا، وَإِنْ لَمْ يَطَّرِد عُرْفٌ بِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَلَا الْوَصِيَّةُ وَلَا عِبْرَةٌ حِينَئِذٍ بِالْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُرَاد؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ لَا تَأْثِير لَهَا فِي نَحْوِ ذَلِكَ
[سَوَابِغُ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَد]
(وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ فَأَجَابَ فِيهَا بِجَوَابٍ مُخْتَصَرٍ ثُمَّ بَلَغَهُ أَنَّ بَعْض الْمُفْتِينَ أَفْتَى فِيهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَصَنَّفَ فِيهَا تَصْنِيفًا سَمَّاهُ: سَوَابِغُ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِفِ مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ، وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَذْكُرَهُ بِرُمَّتِهِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ تَصْنِيفًا مُسْتَقِلًّا؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْفَتَاوَى بِاعْتِبَارِ أَصْلِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ وَذَلِكَ التَّصْنِيف: أَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى تَوْفِيقِهِ وَإِنْعَامِهِ وَأَشْكُرهُ عَلَى مَزَايَا فَضْلِهِ وَإِلْهَامِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً أَفُوزُ بِهَا مِنْ غَضَبِهِ وَانْتِقَامِهِ وَأَتَبَوَّأ مِنْهَا مَعَالِي الصَّوَابِ وَذُرْوَة سَنَامِهِ (وَأَشْهَدُ) أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَنْقَذَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ مِنْ سَعِيرِ الْبَاطِلِ وَظُلْمِ أَوْهَامِهِ وَهَدَانَا بِهِدَايَتِهِ الْعُظْمَى إلَى سُلُوك سَبِيلِ الْحَقِّ وَمُجَانَبَةِ وَعْرِهِ وَآثَامِهِ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِيهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ قِيَامِهِ مَا صَدَقَتْ هِمَّةُ عَبْدٍ عِنْد تَزَاحُمِ الْآرَاءِ فِي إبَانَةِ الصَّوَابِ وَكَشْفِ خَفَايَا أَحْكَامِهِ.
(وَبَعْدُ) فَإِنِّي سُئِلْت عَنْ مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْف فِي شَهْرِ ذِي الْقَعْدَة سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَتِسْعِمِائَةٍ فَأَجَبْت فِيهَا بِالْمَنْقُولِ ثُمَّ رَأَيْت كَثِيرِينَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِيهَا لِعَدَمِ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ الْمَنْقُولِ الَّذِي أَجَبْت بِهِ فَأَحْبَبْت أَنْ أُفْرِدَهَا بِتَأْلِيفٍ لَطِيفٍ وَنَمُوذَج شَرِيف لِيَكْشِف
الْغِطَاءَ عَنْ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ وَيَصِيرَ سَبَبًا لِلْإِحَاطَةِ بِأَكْثَرِ مَا يَقَعُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ مِنْ عَوِيصَات الْمَسَائِلِ الْوَعِرَةِ الْمَسَالِكِ وَلِيَكُونَ ذَلِكَ وَسِيلَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى فَيْضِ الْفَضْلِ الْجَزِيلِ وَالرِّضَاءِ الَّذِي هُوَ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيلٍ مِنْ وَاهِبِ الْعَطَايَا وَمَانِح الْمَزَايَا فَإِنَّهُ لَا يَخِيبُ مَنْ اعْتَمَدَ عَلَيْهِ وَلَجَأَ فِي سَائِرِ أُمُورِهِ إلَيْهِ فَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيل وَعَلَيْهِ اعْتِمَادِي فِي الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، (وَسَمَّيْته: سَوَابِغ الْمَدَدِ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ قَوْلِ الْوَاقِف مَنْ مَاتَ مِنْ غَيْر وَلَدِ) وَرَتَّبْته عَلَى بَابَيْنِ وَخَاتِمَةٍ
(الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي أَحَدِ شِقَّيْ السُّؤَالِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ) وَهُوَ أَنَّ شَخْصَيْنِ وَقَفَا بَيْتًا عَلَى بِنْتَيْهِمَا ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا ثُمَّ قَالَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبه لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَثَلًا فَإِذَا مَاتَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا عَنْ بِنْتهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ نَصِيبَهَا بِنْتُهَا أَوْ أُخْتَهَا الَّتِي فِي دَرَجَتِهَا وَالْكَلَام عَلَى ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ: الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فِي بَيَانِ أَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِذَلِكَ هُوَ الْبِنْتُ دُونَ الْأُخْتِ وَهُوَ مَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي بَحْرِهِ وَعِبَارَتِهِ وَقَعَ بِأَهْلِ طَبَرِسْتَانَ أَنَّ امْرَأَةً وَقَفَتْ أَرْضًا عَلَى اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا عَلَى أَنْ يُصْرَف مِنْهَا إلَى ابْن عَمَّتهَا زَيْدٍ سَهْمَانِ وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ إلَى ابْن بِنْتِهَا عَمْرٍو وَخَمْسَةُ أَسْهُمٍ إلَى أَخِيهَا بَكْرٍ وَذَكَرَتْ فِي قُبَالَة الْوَقْف أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادهمْ مَا عَاشُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْر عَقِب كَانَ نَصِيبه مَصْرُوفًا لِشُرَكَائِهِ وَأَهْلِ طَبَقَتِهِ، ثُمَّ مَاتَ ابْن عَمَّتهَا زَيْد عَنْ سَهْمَيْنِ وَتَرَك ثَلَاثَةَ أَوْلَاد فَانْتَقَلَ ذَلِكَ إلَيْهِمْ ثُمَّ مَاتَ أَخُوهَا بَكْرٌ بَعْدُ عَنْ غَيْر عَقِب فَهَلْ يَنْتَقِل نَصِيبُهُ إلَى ابْن بِنْتهَا عَمْرٍو لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ طَبَقَتِهِ دُون أَوْلَادِ ابْن عَمَّتِهَا زَيْدٍ؟ يُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ: يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِ الْبِنْتِ وَيُحْتَمَل أَنْ يُقَالَ خِلَافُهُ. قَالَ وَالِدِي رحمه الله وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، وَإِذَا انْتَقَلَ نَصِيبه إلَى ابْن بِنْتهَا عَمْرٍو فَإِذَا مَاتَ هَلْ يَنْتَقِلُ جَمِيعُ مَا أَصَابَهُ وَهُوَ عَشَرَةُ أَسْهُم مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا إلَى أَوْلَادِهِ دُون أَوْلَادِ ابْن عَمَّتهَا أَمْ لَا؟ الْجَوَابُ أَنَّ الْعَشَرَة تَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ وَلَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مَا كَانَ نَصِيب الْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ الْآنَ صَارَتْ حَقًّا لِلْمَيِّتِ وَنَصِيبًا لَهُ، فَالْمَوْت كَافٍ فِي الْجَمِيع انْتَهَتْ عِبَارَة الْبَحْر وَنَقَلَهَا كَذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ ثُمَّ قَالَ عَقِبَهَا، وَهَذَا الْفَرْع مِمَّا تَعُمّ بِهِ الْبَلْوَى فِي الْفَتَاوَى اهـ.
وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتَةِ فِي مَسْأَلَتِنَا لِبِنْتِهَا لَا لِأُخْتِهَا لِتَسَاوِي صُورَتِنَا وَصُورَتِهَا فِي الْعَطْف بِثُمَّ، وَفِي التَّصْرِيح بِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبه لِشُرَكَائِهِ مَعَ عَدَم ذِكْر مَفْهُومِهِ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ أَخَذَ الرُّويَانِيُّ وَوَالِده بِمَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ الْمُتَبَادَرِ مِنْهُ فِي صُورَتِهِمَا حَيْثُ جَعَلَا سَهْمَيْ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ مَعَ مَوْته فِي حَيَاة عَمْرٍو وَبَكْرٍ اللَّذَيْنِ هُمَا فِي دَرَجَته؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَةَ وَقَفَتْ مَا مَرَّ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادهمْ، وَكَأَنَّ قَضِيَّة الْعَطْف بِثُمَّ أَنْ لَا يَنْتَقِل شَيْء إلَى أَوْلَادهمْ مَا بَقِيَ أَحَد مِنْهُمْ، لَكِنْ لَمَّا ذَكَرَتْ الشَّرْط الْمَذْكُور اقْتَضَى مَنْطُوقه أَنَّ تِلْكَ الْقَضِيَّةَ الْمَذْكُورَةَ مَخْصُوصَةٌ بِمَا إذَا مَاتَ أَحَدهمْ عَنْ غَيْر وَلَدٍ وَاقْتَضَى مَفْهُومه الْمُتَبَادَرَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَد يَكُونُ نَصِيبه لِوَلَدِهِ، وَإِنْ مَاتَ فِي حَيَاة مَنْ هُوَ فِي دَرَجَته فَلَا يَكُونُ لِمَنْ هُوَ فِي دَرَجَته شَيْءٌ مِنْ حِصَّتِهِ حِينَئِذٍ، بَلْ هِيَ لِوَلَدِهِ فَكَذَا يُقَال فِي مَسْأَلَتنَا حَرْفًا بِحَرْفٍ، فَإِنْ قُلْت يُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا انْتِقَال سَهْمَيْ زَيْدٍ لِأَوْلَادِهِ بِطَرِيقِ الْقَصْد.
وَإِنَّمَا وَقَعَ فِي عِبَارَتِهِمَا أَوْ فِي عِبَارَةِ السَّائِل عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَاهُ مُوَافَقَة لَا قَصْدًا وَاعْتِقَادًا قُلْت: صَرِيحُ عِبَارَتِهِمَا يُبْطِل ذَلِكَ، وَبَيَانه أَنَّهُمَا تَرَدَّدَا فِي أَنَّ نَصِيب بَكْرٍ الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَنْتَقِلُ إلَى عَمْرٍو الَّذِي فِي دَرَجَته وَحْده أَوْ إلَيْهِ وَإِلَى أَوْلَادِ زَيْد، فَقَضِيَّةُ تَرَدُّدِهِمَا فِي انْتِقَالِ ذَلِكَ إلَيْهِمْ إنَّهُمَا جَازِمَانِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ انْتِقَال نَصِيب وَالِدهمْ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا وَقَعَ تَرَدُّدُهُمَا فِي مُشَارَكَتهمْ لِمَنْ فِي دَرَجَة أَبِيهِمْ، وَإِنْ رَجَّحَ وَالِدُهُ مِنْهُ عَدَم الْمُشَارَكَةِ وَأَيْضًا فَجَعْلُهُمَا نَصِيب عُمَر وَعَشْرَة فَقَطْ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ زَيْدٍ لِسَهْمِهِ إذْ لَوْ لَمْ يَأْخُذَا بِمَفْهُومِ قَوْلهَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَخْ.
لَكَانَا يَجْعَلَانِ سَهْمَيْ زَيْدٍ الْمَيِّتِ أَوَّلًا لِعَمْرِو وَبَكْرٍ فَيَصِير لِكُلِّ سِتَّة أَسْهُم وَهُمَا لَمْ يَجْعَلَا
لِبَكْرٍ إلَّا خَمْسَةَ أَسْهُمٍ وَلِعَمْرٍو إلَّا خَمْسَة أَسْهُم وَأَبْقَيَا سَهْمَيْ أَوْلَادِ زَيْدٍ لَهُمْ، ثُمَّ تَرَدَّدَا فِي أَنَّ الْعَشَرَة الصَّائِرَة لِعَمْرٍو هَلْ يَخْتَصُّ بِهَا أَوْلَادُهُ أَوَّلًا وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ عَنْ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الثَّانِي فَإِنْ قُلْت مَا وَجْهُ الِاحْتِمَالِ الَّذِي أَبْدَيَاهُ فِي مَوْتِ بَكْرٍ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ قُلْت: لِأَنَّهُ جَرَى خِلَافٌ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي أَنَّ الْعَطْفَ بِثُمَّ هَلْ يَقْتَضِي التَّرْتِيب فِي الْأَفْرَادِ وَالْجُمَلِ أَوْ لَا؟ وَسَيَأْتِي إشَارَةٌ إلَيْهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ لَك وَبَانَ أَنَّ كَلَامَ الرُّويَانِيِّ وَوَالِده وَهُمَا مَنْ هُمَا صَرِيحٌ فِي انْتِقَالِ نَصِيب الْمَيِّتَةِ لِبِنْتِهَا فِي مَسْأَلَتِنَا وَالْفَرْع لِأَصِلْهُ فِي مَسْأَلَته فَاقْضِ حِينَئِذٍ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِع فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة عَلَى هَذَا النَّقْل الصَّحِيح الصَّرِيح؛ إذْ لَوْ اطَّلَعُوا عَلَيْهِ لَمْ يَسَعْهُمْ مُخَالَفَته؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ أَجِلَّاء أَصْحَابنَا، وَإِذَا جَزَمَ شَخْصَانِ مِنْ أَجِلَّاءِ الْأَصْحَابِ بِحُكْمٍ.
وَأَقَرَّهُمَا مِثْل الْأَذْرَعِيُّ عَلَيْهِ وَنَبَّهَ عَلَى أَنَّ هَذَا يَحْتَاج إلَيْهِ كَثِيرًا فِي الْفَتَاوَى وَأَشَارَ إلَى الْعَمَل بِهِ فِيهَا وَلَمْ يَرِد فِي كَلَام الْأَصْحَاب وَلَا فِي قَوَاعِدهمْ مَا يُخَالِفهُ، بَلْ كَلَامُهُمْ فِي أَمَاكِنَ وَكَلَامُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي أَمَاكِنَ دَالٌّ عَلَيْهِ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ فَلَا سَبِيلَ لِمَنْ لَمْ يَصِلْ إلَى مَرْتَبَتِهِمْ أَنْ يَذْهَبَ إلَى خِلَافِهِ، وَكَلَامُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِهِمَا وَالْمُخَالِفُ لَهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى نَقْلٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا سَيَظْهَرُ لَك ذَلِكَ مِنْ كَلَامهمْ الْآتِي سِيَّمَا كَلَامُ السُّبْكِيّ وَأَبِي زُرْعَةَ.
وَكَذَلِكَ كَلَام شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَسْتَحِقُّ قَالَ خِلَافًا لِأَبِي زُرْعَةَ فَعُدُولُهُ لِذَلِكَ عَنْ قَوْله خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ وَوَالِده صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَامهمَا فَإِنْ قُلْت كَيْف ذَلِكَ وَهُوَ فِي تَوَسُّطِ الْأَذْرَعِيِّ، وَهَذَا الْكِتَاب نُصْبَ عَيْنَيْ الزَّرْكَشِيّ وَالشَّيْخِ سِيَّمَا الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ مَادَّةُ خَادِمِهِ إلَّا الْفَذَّ الْفَاذَّ قُلْت هُوَ فِي غَيْرِ مَظِنَّتِهِ وَلَئِنْ سَلَّمَ فَهُوَ لَمْ يَسُقْ فِيهِ لِبَيَانِ حُكْمِ مَفْهُومِ هَذَا الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُفْهَم بِبَادِي الرَّأْي أَنَّهُ مَسُوقٌ لِبَيَانِ التَّسَاوِي فِي الصُّورَة الْأَخِيرَة فِيهِ الْآتِي حُكْمهَا مَبْسُوطًا فِي الْبَابِ الثَّانِي.
فَفَهِمَ الزَّرْكَشِيّ وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْهُ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْعِنَا النَّظَرَ فِيهِ فَفَاتَهُمَا مَا فِي أَثْنَائِهِ مِنْ التَّصْرِيح بِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَة الَّتِي أَشْكَلَتْ عَلَى كَثِير مِنْهُمْ وَطَالَ النِّزَاع فِيهَا بَيْنهمْ وَمِمَّا يَدُلُّكَ عَلَى ذَلِكَ أَنَّك إذَا سَبَرْتَ كَلَام الْمُتَأَخِّرِينَ رَأَيْتهمْ فِي مِثْل هَذِهِ الْمَحَالِّ الَّتِي يَقَع فِيهَا النِّزَاع بَيْنهمْ يَفِرُّونَ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِكَلَامِ مَنْ هُوَ دُون هَذَيْنِ الْحَبْرَيْنِ، فَعُدُولُ كُلٍّ مِنْهُمْ عَنْ ذَلِكَ إلَى نَصْبِ الْخِلَاف مَعَ أَهْلِ عَصْرِهِ أَوْ مَنْ قَرُبَ مِنْهُمْ يُؤَكِّد الْقَطْعَ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَظْفَرُوا فِي الْمَسْأَلَة بِنَقْلٍ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا تَكَلَّمُوا فِيهَا بِحَسَبِ مَا ظَهَرَ لَهُمْ، فَإِذَا وُجِدَ نَقْلٌ تَأَيَّدَ بِهِ كَلَامُ الْمُوَافِقِ وَرُدَّ بِهِ كَلَامُ الْمُخَالِفِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمْ يُخَالِفْهُ وَعَلَى تَقْدِيرِ مُخَالَفَتِهِ فَلَا تُسْمَع مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ.
وَسَيَأْتِي أَنَّ الْأَدِلَّةَ مُتَظَافِرَةٌ عَلَى مَا قَالَاهُ. الْوَجْهُ الثَّانِي فِي بَيَانِ مَنْ وَافَقَ كَلَامُهُ كَلَامَهُمَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعٍ عَلَيْهِ فَمِنْ هَؤُلَاءِ بَلْ أَجَلُّهُمْ السُّبْكِيّ عَلَى مَا يَأْتِي فَإِنَّهُ أَفْتَى بِمَا يُوَافِق ذَلِكَ، وَإِنْ أَفْتَى أَيْضًا بِمَا قَدْ يُخَالِفهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ.
وَبَيَانُ كَوْنِهِ أَفْتَى بِمَا يُوَافِقُ كَلَامَهُمَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَرْيَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى شَخْصٍ مُعَيَّن أَيَّامَ حَيَّاته وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، فَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا لَهُ عَقِبٌ وَلَا نَسْلٌ كَانَ نَصِيبه عَائِدًا عَلَى إخْوَتِهِ وَأَخَوَاته الْبَاقِينَ بَعْده الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء يَجْرِي فِيهِ ذَلِكَ كَذَلِكَ قَرْنًا بَعْد قَرْنٍ، وَلَيْسَ لِأَوْلَادِ الْبَنَات اللَّوَاتِي لَا يَرْجِعُونَ لِأَنْسَابِ آبَائِهِمْ إلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَوَّلًا شَيْء مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَةِ مَعَ مَنْ يُرْجَعُ بِنَسَبِهِ إلَيْهِ.
فَإِذَا انْقَرَضَ عَقِبه جَمِيعه كَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ اللَّوَاتِي يَرْجِعْنَ بِأَنْسَابِ آبَائِهِمْ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا انْقَرَضُوا رَجَعَتْ هَذِهِ الصَّدَقَة لِلْفُقَرَاءِ، وَقَدْ بَقِيَتْ لِأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ مِنْ نَسْلِ الْمَوْقُوف عَلَيْهِ أَوْلَادُ حَفْصَةَ بِنْت زَيْنَبَ بِنْت حَلِيمَةَ بِنْت الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا، فَهَلْ تَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْوَقْفِ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ شَرَطَهُ لَهُ بَعْد عَدَمِ مَنْ يُنْسَبُ إلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوْ لَا مَعَ عَدَمِ وُجُود هَذِهِ أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ رحمه الله بِقَوْلِهِ هَذَا اللَّفْظُ إذَا أُخِذَ مَدْلُولُهُ فَقَطْ عَلَى مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الِاسْتِفْتَاء فِيهِ انْقِطَاع فِي وَسَطِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ حُكْم مَا إذَا مَاتَ
الْأَوْلَادُ وَخَلَّفُوا أَوْلَادًا وَلَا حُكْمَ مَا إذَا مَاتَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَخَلَّفُوا أَوْلَادًا فَيَتَطَرَّقُ إلَيْهِ خِلَافٌ فِي أَنَّ أَوْلَادَهُمْ يَسْتَحِقُّونَ أَوْ يَكُونُ مُنْقَطِع الْوَسَط. وَالْأَوْلَى عِنْدِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ الْخَاصَّةِ الِاسْتِحْقَاق بِتَأْوِيلِ اللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ كَيْ لَا يَنْقَطِعَ وَعَلَى هَذَا تَسْتَحِقُّ حَفْصَةُ الْمَذْكُورَةُ إذَا ثَبَتَ انْحِصَار النَّسْلِ فِيهَا. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَسْتَحِقُّ الْمَشْرُوط الْمَوْجُود بَعْدَهُمْ وَلَا نَسْله شَيْءٌ مَعَ وُجُودهَا اهـ. كَلَامُهُ فَقَوْلُهُ وَالْأَوْلَى عِنْدِي إلَخْ صَرِيح فِي مُوَافَقَتِهِمَا فِيمَا مَرَّ مِنْ اسْتِحْقَاق وَلَدِ الْبِنْتِ دُون مَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ سَلِمَ أَنَّ فِي هَذَا انْقِطَاعًا لِلْوَسَطِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُجْعَلْ الْمُسْتَحِقُّ فِيهَا الْأَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ، بَلْ جَعَلَ الِاسْتِحْقَاقَ لِأَوْلَادِ الْمَيِّتِ وَبَانَ بِآخِرِ كَلَامه أَنَّ هَذَا الِانْقِطَاع الَّذِي فِيهِ لَمْ يَذْكُرهُ لِيُرَتِّب عَلَيْهِ حُكْمَهُ، بَلْ لِيَكُونَ مُقَرِّبًا لِطُرُوقِ خِلَافٍ فِيهِ مِنْ جِهَةِ هَذَا الِاعْتِبَار؛ وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُرَجِّح الْأَخْذ بِقَضِيَّتِهِ، بَلْ رَجَّحَ عَدَم الْأَخْذ بِتِلْكَ الْقَضِيَّة وَأَخَذَ بِنَقِيضِهَا الْمُصَرِّح بِعَدَمِ الِانْقِطَاع كَمَا يُصَرِّح بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْله بِتَأْوِيلِ اللَّفْظ الْمُتَقَدِّم كَيْ لَا يَنْقَطِعَ، وَأَرَادَ بِاللَّفْظِ الْمُتَقَدِّمِ قَوْلَهُ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا. . . إلَخْ.
وَبِتَأْوِيلِهِ أَنَّ مَفْهُومَهُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا، لَكِنْ يُرَجَّحُ أَحَدُ مُحْتَمَلَاته، بَلْ أَظْهَرهَا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ حَذَرًا مِنْ الِانْقِطَاعِ الَّذِي لَا يُقْصَد غَالِبًا مَعَ اعْتِضَادِهِ بِمَا يَأْتِي مَبْسُوطًا مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ، وَبَعْد أَنْ بَانَ لَك هَذَا فَاحْدِقْ النَّظَر فِيهِ فَإِنَّهُ مُشْفٍ لِلْعَلِيلِ مُوَافِقٌ لِلْمَنْقُولِ وَالدَّلِيلِ، وَبِهِ أَحْكُمُ عَلَى أَنَّ مَا يَأْتِي عَنْهُ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تَبِعَهُ عَلَى هَذَا الثَّانِي كَالزَّرْكَشِيِّ لَمْ يَرَ إلَّا أَوَّل كَلَامه فِي فَتَاوِيهِ فَاغْتَرَّ بِهِ.
وَنَسَب إلَيْهِ أَنَّهُ يَقُولُ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ وَلَوْ رَأَى كَلَامه هَذَا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَنْسِبَ إلَيْهِ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْت: الْعَطْف فِي صُورَة الرُّويَانِيِّ بِثُمَّ وَفِي صُورَة السُّبْكِيّ بِالْوَاوِ وَبَيْنهمَا فَرْقٌ وَاضِح، قُلْت: لَا فَرْق بَيْنهمَا هُنَا؛ لِأَنَّ صَرِيحَ كَلَام الْوَاقِف فِي صُورَة السُّبْكِيّ يَقْتَضِي التَّرْتِيب أَيْضًا؛ لِأَنَّ تَخْصِيصه عَوْدَ نَصِيب الْمَيِّت إلَى أَخَوَاته بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْوَقْف لَيْسَ وَقْفُ تَشْرِيك وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ الْكَلَامُ كُلُّهُ لَغْوًا، وَذَلِكَ لَا يُصَار إلَيْهِ حَيْثُ أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى حَالَةٍ تُصَحِّحُهُ وَعَلَى تَسْلِيم أَنَّهُ لِلتَّشْرِيكِ فَكَلَامُهُ فِيهِ أَيْضًا مُوَافِق لِكَلَامِهِمَا، وَبَيَانه أَنَّهُ إذَا قَالَ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ دُون إخْوَته مَعَ أَنَّ الْعَطْف بِالْوَاوِ يَدُلُّ عَلَى مُشَارَكَته لَهُمْ وَلَمْ يَلْتَفِت لِذَلِكَ أَخْذًا بِمَفْهُومِ الشَّرْط لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ بِاسْتِحْقَاقِ الْوَلَد فِي مَسْأَلَتنَا وَلَا يَقُولُ بِقَضِيَّةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْأُخْتِ دُون الْبِنْتِ أَخْذًا بِمَفْهُومِ الشَّرْط أَيْضًا، وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَفْهُوم هَذَا الشَّرْطِ كَمَا خَصَّصَ قَضِيَّةَ التَّشْرِيكِ فِي مَسْأَلَته بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَد وَإِلَّا فَلَا تَشْرِيكَ، بَلْ يَفُوز الْوَلَد بِحِصَّةِ أَبِيهِ جَمِيعًا كَذَلِكَ يُخَصِّص قَضِيَّة انْفِرَادِ الْأُخْتِ فِي مَسْأَلَتنَا بِمَا إذَا مَاتَتْ أُخْتهَا عَنْ غَيْر وَلَد وَإِلَّا كَانَتْ حِصَّةُ الْمَيِّتَةِ لَهَا نَفْسهَا لَا لِأُخْتِهَا، وَسَبَبُ تَسَاوِي الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ لَا فَرْق بَيْن حِرْمَانِ مَنْ فِي الدَّرَجَةِ مِنْ الْبَعْضِ كَمَا فِي مَسْأَلَته وَمِنْ الْكُلِّ كَمَا فِي مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّ الْمَلْحَظَ فِيهِمَا وَاحِد وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّفَاوُتِ فِي النَّصِيب، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِمَا يَتَسَبَّبُ عَنْهُ الِاسْتِحْقَاقُ أَوْ عَدَمه كَثُرَ النَّصِيبُ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ لَا فَافْهَمْ ذَلِكَ. وَاعْتَنِ بِهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
وَقَدْ أَفْتَى أَيْضًا بِمَا لَا يُوَافِق مَا قَالَاهُ فِي نَظِير مَسْأَلَتنَا حَتَّى فِي الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَمِنْ كَلَامه فِي ذَلِكَ طُولٌ فَلْنُلَخِّصْ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى الطَّنْبَاءِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ وَبَتَّارٍ وَمَنْ يَحْدُثُ لَهُ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَنْسَالِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
فَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَوْلَاد الطَّنْبَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْله عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْل الْوَقْفِ يُقَدَّم الْأَقْرَب إلَيْهِ فَالْأَقْرَب، وَانْتَهَى الْوَقْف إلَى أَحْمَدَ بْنِ بَتَّارٍ الْمَذْكُور وَانْفَرَدَ بِهِ فَوُلِدَ لَهُ: مُحَمَّد وَأَلْتَى وَشَقْرَى، ثُمَّ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ: سُتَيْتَة وَعَائِشَة وَأَمَة الرَّحِيم. وَتُوُفِّيَ مُحَمَّد عَنْ بَنَاتِهِ الثَّلَاث فِي حَيَاة أَبِيهِ، ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحْمَد عَنْ بِنْتَيْهِ وَبَنَات ابْنه فَهَلْ نَصِيبه لِبِنْتَيْهِ فَقَطْ أَوْ لَهُمَا وَلِبَنَاتِ ابْنه؟
(فَأَجَابَ بِمَا حَاصِله) : هُنَا مُقَدِّمَات إحْدَاهَا: هَلْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد مَوْقُوف عَلَيْهِمْ فِي حَيَاة الْأَوْلَاد وَلَكِنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ بِآبَائِهِمْ أَوْ لَا يَصِيرُونَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْد انْقِرَاض آبَائِهِمْ؟ يُحْتَمَل الْأَوَّل لِشُمُولِ اللَّفْظ وَعُمُومه، وَالثَّانِي بِقَرِينَةِ ثُمَّ، فَكَأَنَّهُ
قَالَ: عَلَى أَوْلَاد أَوْلَادِي الْمَوْجُودِينَ حِينَ انْقِرَاض أَوْلَادِي، فَإِذْ ذَاكَ يَصِيرُ وَقْفًا عَلَيْهِمْ، وَهُنَا شَيْئَانِ: تَخْصِيص أَوْلَاد الْأَوْلَاد بِأَنْ يَخْرُج مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فِي حَيَاةِ الْأَوْلَاد عَنْ شُمُول لَفْظِ الْأَوْلَادِ، وَالثَّانِي تَقْيِيد الْوَاقِفِ بِأَنْ لَا يَصِير وَلَد الْوَلَد الْبَاقِي بَعْد الْوَلَدِ مُنْدَرِجًا فِي الْوَقْفِ إلَّا بَعْد وَفَاةِ الْوَلَدِ وَهُمَا اعْتِبَارَانِ مُتَغَايِرَانِ.
فَلِقَائِلٍ أَنْ يَذْهَبَ إلَى هَذَا التَّخْصِيص وَالتَّقْيِيد؛ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ وَلَقَائِلٌ أَنْ يَدْفَعهُمَا وَيَذْهَب إلَى الِاحْتِمَال الْأَوَّل وَهُوَ أَنَّ أَوْلَاد الْأَوْلَاد مَوْقُوف عَلَيْهِمْ فِي حَيَاة الْأَوْلَاد بِمَعْنَى أَنَّ الْوَقْف شَامِل لَهُمْ وَمُقْتَضٍ لِلصَّرْفِ إلَيْهِمْ، وَلَهُ شَرْط إذَا وَجَدَ عَمَل الْمُقْتَضَى عَمَله، وَهَذَا أَقْرَب إلَى قَوَاعِد اللُّغَة وَالْفِقْه. وَبِمَا قَدَّمْنَاهُ يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ هَذِهِ الْمُقَدَّمَةَ انْطَوَتْ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا أَنَّ كُلَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمُرَاده أَوَّلًا، وَالثَّانِيَةِ: هَلْ الْوَقْف عَلَيْهِمْ مَوْقُوف عَلَى انْقِرَاض آبَائِهِمْ أَوْ لَا؟ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يُقَال إنَّهُمْ مِنْ أَهْل الْوَقْف أَوْ لَيْسُوا مِنْهُمْ حَتَّى يَنْقَرِض آبَاؤُهُمْ؛ لِأَنَّ أَهْل الشَّيْء هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنْهُ الْقَوِيُّ فِيهِ؟ الْمُقَدَّمَةِ الثَّالِثَةِ: التَّرْتِيب الْمُسْتَفَاد مِنْ ثُمَّ ظَاهِرُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا يُصْرَف لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد شَيْء حَتَّى يَنْقَرِض جَمِيع الْأَوْلَاد وَهُوَ مَوْضُوع اللَّفْظ؛ لِأَنَّ اللَّفْظ اقْتَضَى تَأَخُّر مُسَمَّى أَوْلَاد الْأَوْلَاد عَنْ مُسَمَّى الْأَوْلَاد وَمَجْمُوعهمْ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ مَا قُلْنَاهُ.
، وَأَمَّا تَرْتِيب الْأَفْرَاد عَلَى الْأَفْرَاد فَلَيْسَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلَكِنَّهُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَرِينَةٍ فِي اللَّفْظِ تَدُلُّ عَلَيْهِ. الْمُقَدِّمَةِ الرَّابِعَةِ: أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَاقِيهمْ فَإِنَّهُ يَنْتَقِل نَصِيبه إلَى الْبَاقِينَ وَالْفَرْق أَنَّ مُسَمَّى الْوَلَد بَاقٍ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْأَوْلَادِ كَالْوَقْفِ عَلَى الْجِهَةِ، وَالْجِهَةُ صَادِقَةٌ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَمَا دَامَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ مَوْجُودًا كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ؛ فَلِذَلِكَ لَا نَقُول بِالِانْقِطَاعِ وَلَا بِالِانْتِقَالِ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ، وَبَلَغَنِي أَنَّ فِي مَذْهَبِ الْأَمَامِ أَحْمَدَ رِوَايَة أَنَّهُ يَنْتَقِلَ إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ وَيَحْمِلُ التَّرْتِيبَ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَفْرَادِ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَة فَهِيَ كَالْوَجْهِ الَّذِي عِنْدنَا فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر، وَلَكِنْ الْفَرْق بَيْنهمَا هُوَ الَّذِي أَوْضَحْنَاهُ فِيمَ لَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي: زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ هُنَا قَدْ قَوَّى جَانِب الْأَعْيَان وَضَعَّفَ جَانِب الْجِهَة.
وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى زَيْد وَعَمْرو وَبَكْر، كُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثٌ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاء، فَهَذَا التَّفْصِيل يَقْتَضِي أَنَّهُ كَثَلَاثَةِ أَوْقَاف فَهُنَا يَضْعَفُ الْقَوْل بِأَنَّهُ إذَا مَاتَ وَاحِد يَنْتَقِل نَصِيبه إلَى الْبَاقِينَ وَيَقْوَى الْقَوْلُ بِأَنَّ نَصِيبه يَنْتَقِلُ إلَى الْفُقَرَاءِ. الْمُقَدِّمَةِ الْخَامِسَةِ: تَرْتِيبُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَوْلَادِ تَرْتِيبَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ، وَتَرْتِيبُ الْجُمْلَةِ عَلَى الْجُمْلَةِ تَارَةً يُرَادُ بِهِ تَرْتِيبُ الْأَفْرَادِ عَلَى الْأَفْرَادِ مِثَاله أَنْ يَكُونَ كُلُّ فَرْعٍ مُرَتَّبًا عَلَى أَصْلِهِ فَهُنَا يَصِحّ أَنْ يُقَالَ: الْأَفْرَادُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْأَفْرَادِ.
وَالْجُمْلَةُ مُتَرَتِّبَةٌ عَلَى الْجُمْلَةِ وَتَارَةٌ يُرَادُ بِهِ تَرْتِيب الْجُمْلَة عَلَى الْجُمْلَة مِنْ غَيْرِ تَرْتِيب الْأَفْرَاد عَلَى الْأَفْرَاد، وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ ظَاهِر اللَّفْظ مِثَاله هُنَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِل لِأَوْلَادِ الْأَوْلَاد شَيْء حَتَّى يَنْقَرِض جَمِيع الْأَوْلَاد مِثَال الْأَوَّل أَنَّهُ يَنْتَقِل لِكُلِّ وَاحِد نَصِيب أَصْله، وَقَدْ يَكُونُ بَيْن الْمَعْنَيَيْنِ وَاسِطَة، مِثَاله أَنْ يُرَادَ تَرْتِيب الْجُمْلَة عَلَى الْجُمْلَة إلَّا فِي بَعْض الْمَوَاضِع الَّتِي يَنُصُّ الْوَاقِف عَلَيْهَا، مِثَاله أَنْ يَقُول: لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد شَيْءٌ إلَّا مَنْ كَانَ لَهُ مِنْ الْأَوْلَاد نَصِيب قَدْ اسْتَحَقَّهُ وَمَاتَ بَعْد اسْتِحْقَاقه فَإِنَّهُ يَنْتَقِل لِوَلَدِهِ فَلَا يَدْخُلُ مَنْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْل الِاسْتِحْقَاق، وَإِنْ كَانَ لَوْ قَالَ: يُرَتَّبُ كُلُّ فَرْعٍ عَلَى أَصْلِهِ لَدَخَلَ، وَإِذَا دَار لَفْظ مُجْمِل بَيْن الْمَعَانِي الثَّلَاث وَتَعَذَّرَ الْعَمَل بِظَاهِرِهَا فَلِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّح هَذَا الْمَعْنَى الثَّالِثَ عَلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ أَقْرَب إلَى حَقِيقَة اللَّفْظ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْعَمَل بِالْحَقِيقَةِ فَكَانَ مَا قَرُبَ مِنْهَا أَوْلَى. الْمُقَدَّمَةِ السَّادِسَةِ لَفْظ النَّصِيب ظَاهِر فِي الْمُسْتَحَقّ الْمُتَنَاوَلِ وَيُحْتَمَل أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا يَخُصّهُ مِنْ الْوَقْفِ بِحَيْثُ لَوْ زَالَ الْحَاجِبُ لَتَنَاوَلَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَعْنِي وَلَدَ الْوَلَدِ لَوْ زَالَ الْحَاجِب لَاسْتَحَقَّ قِسْطًا فَذَلِكَ نَصِيبٌ إمَّا بِالْقُوَّةِ فَقَطْ.
وَإِمَّا بِالْفِعْلِ فَتَنَاوُلُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى شَرْطٍ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْأُولَى. الْمُقَدِّمَةِ السَّابِعَةِ قَدْ يَقُولُ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَاده ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ، وَقَدْ يَقُولُ عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى
أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَفِي الصِّيغَةِ الْأُولَى الضَّمِيرُ فِي أَوْلَادِهِمْ لِأَوْلَادِ زَيْدٍ، وَهَلْ يَنْدَرِجُ أَوْلَادُهُمْ فِي الظَّاهِرِ عَوْدًا عَلَى لَفْظِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْضُهُمْ، فَيَعُودُ الضَّمِيرُ عَلَى الْمُرَادِ فِيهِ احْتِمَالَانِ أَيْضًا، وَإِنْ قُلْنَا بِالِانْدِرَاجِ انْدَرَجَ أَوْلَادُهُمْ فِي الضَّمِيرِ، وَأَمَّا الصِّيغَةُ الثَّانِيَةُ فَلَا يَأْتِي فِيهَا الِاحْتِمَالُ، بَلْ يَشْمَل جَمِيعَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، سَوَاءٌ دَخَلَ آبَاؤُهُمْ فِي الْوَقْفِ أَوْ لَا لِصِدْقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَيْهِمْ، وَهَذَا بَعْد زَوَالِ مَنْ يَحْجُبُهُمْ فَلَا إشْكَال وَقَدْ يُقَالُ: يَحْجُبُهُمْ الْأَعْمَامُ، فَيَكُونُ حُكْمُهُمْ حُكْمَ آبَائِهِمْ. الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ يَعُودُ عَلَى مَنْ قُلْنَا: إنَّهُ دَاخِل فِي الْوَقْفِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وِفَاقًا وَاحْتِمَالًا فَمَنْ جَزَمْنَا بِدُخُولِهِ هُنَاكَ جَزَمْنَا بِدُخُولِهِ هُنَا وَمَنْ تَرَدَّدْنَا فِي دُخُوله هُنَاكَ تَرَدَّدْنَا فِي دُخُوله هُنَا. الْمُقَدِّمَةِ التَّاسِعَةِ: أَنَّ قَوْله مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ إلَخْ هُوَ كَالْوَقْفِ الْكَامِل يَجِبُ النَّظَرُ فِي صِيَغِهِ وَدَلَالَته كَمَا سَبَقَ. الْمُقَدَّمَةِ الْعَاشِرَةِ: أَنَّ كُلَّ مَا أَدَّى إلَى قِلَّة التَّخْصِيص وَالتَّقْيِيد كَانَ أَوْلَى مِمَّا أَدَّى إلَى كَثْرَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. إذَا عَرَفْت هَذِهِ الْمُقَدَّمَاتِ الْعَشْرَ فَنَقُولُ: أَحْمَدُ وَبَتَّار الْمُتَوَفَّى هُوَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الطَّنْبَاءِ، وَهُوَ دَاخِل فِي الْوَقْف فَلَا إشْكَال يَشْمَلهُمْ قَوْل الْوَاقِفِ ثُمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِهِمْ أَيْ أَوْلَاد أَوْلَادِ أَحْمَدَ وَمُحَمَّدٍ وَبَتَّار هَاتَانِ أَيْ بِنْتَا أَحْمَد مِنْ أَوْلَاد أَوْلَاد بَتَّار، وَأَمَّا أَخُوهُمَا مُحَمَّدٌ الْمُتَوَفَّى قَبْلَ وَالِده فَفِي دُخُولِهِ فِي الْوَقْفِ وَشُمُولِ الْوَقْفِ لَهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ وَلَمْ نَجِد نَقْلًا يُعْتَضَد بِهِ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ شُيُوخنَا فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنْ أَهْل الْوَقْفِ أَوْ لَا؟ وَالظَّاهِر مِنْ كَلَامهمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْل الْوَقْف، وَقَدْ قَدَّمْنَا مَا بَلَغَنَا عَنْ الْحَنَابِلَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدَّمْنَا الْإِشَارَة إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ كَوْنِهِ لَا يَصْدُق عَلَيْهِ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ أَنَّهُ لَا يَصْدُق عَلَيْهِ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ دَاخِلٌ فِي حَقِيقَتِهِ، وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَإِنَّهُنَّ دَاخِلَاتٌ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ أَنْسَالُهُمْ فَهُنَّ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِنَّ فِي الِاثِّنَاء بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ انْدَرَجَ أَصْلُهُنَّ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا عَمَّاتُهُنَّ، وَالنَّظَرُ فِي أَنَّهُنَّ حَاجِبَات لَهُنَّ أَوْ لَا. وَالْمُحَقَّقُ مِنْ ثَمَّ حَجْبُ أَبِيهِنَّ.
وَأَمَّا حَجْب عَمَّاتِهِنَّ فَمُحْتَمَلٌ وَالْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلهمْ الْحَجْب وَعَدَمُ الْحَجْبِ أَيْضًا مُحْتَمَل مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ أَبْدَى احْتِمَالًا ثَالِثًا لِاسْتِحْقَاقِ كُلِّ وَاحِد مَا لِوَالِدِهِ وَأَطَالَ فِي بَيَانه، وَإِنَّمَا تَرَكْتُهُ لِتَحْرِيفٍ وَقَعَ فِي نُسْخَة الْفَتَاوَى الَّتِي رَأَيْتهَا وَلَمْ أَرَ لَهَا ثَانِيَة ثُمَّ قَالَ فَصَارَ لِاسْتِحْقَاقِهِنَّ هِنَّ وُجُوه مِنْ الِاحْتِمَالَات وَحَجْبهنَّ بِعِمَامَتِهِنَّ يَلْزَمُ مِنْهُ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ لِوَلَدِهِ وَتَخْصِيصُ قَوْلِهِ، ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ فِي بَعْض الْأَحْوَال إذَا مَاتَتْ شَقْرَى وَأَلْتَى عَنْ وَلَدٍ وَتَخْصِيصُ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ إذَا قُلْنَا أَبُوهُنَّ دَخَلَ فِي اللَّفْظِ فَهُوَ ضِعْفُ جَانِبِ دَلَالَةِ التَّرْتِيبِ وَيَبْقَى التَّرَدُّدُ فِيهِ هَلْ الْمُرَادُ بِهِ حَجْبَ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَقَطْ أَوْ حَجْب الْجُمْلَةِ لِلْجُمْلَةِ وَيَخْرُج عَنْهَا بَعْضُ الْأَفْرَادِ، وَإِذَا كَانَ التَّرَدُّدُ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ قُلْنَا: إنَّ كَوْنَ وَلَد الْوَلَد مَوْقُوفًا عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ رَاجِح، فَنَقُولُ الِاسْتِحْقَاق مُحَقَّق وَالْحَجْب مَشْكُوكٌ فِيهِ فَنَتْرُكُ الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَنَعْمَلُ بِالْمُحَقَّقِ فَنَقْضِي لَهُنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَال: الْأَصْلُ قَبْلَ الْوَقْفِ عَدَم الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُحْكَم بِهِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَاَللَّه أَعْلَم (تَنْبِيه) : لَمَّا تَجَاذَبَتْ عِنْدِي الِاحْتِمَالَات وَلَمْ أَسْتَطِعْ الْجَزْمَ بِالْقَوْلِ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي حَيَاةِ بَعْض الْأَوْلَادِ وَإِقَامَتِهِنَّ مَقَام آبَائِهِنَّ لِأَنِّي لَمْ أَرَ فِيهِ سَلَفًا تَطَلَّبَتْ أَحْكَام الْحُكَّام الَّذِينَ سَلَفُوا وَأَقْوَال الْعُلَمَاء مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَالْمُتَقَدِّمِينَ لَعَلَّ يَكُونُ فِيهَا مُسْتَنَدٌ مَا، إمَّا بِهَذَا وَإِمَّا بِضِدِّهِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَثِيرَةُ الْوُقُوع تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى، وَقَدْ رَأَيْتُ جَمَاعَة مِنْ أَصْحَابنَا الشَّافِعِيَّةِ بِالشَّامِ قَدْ اسْتَنْكَرُوا الْفَتْوَى بِخِلَافِ ذَلِكَ وَرَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْحَنَابِلَةِ بِالشَّامِ أَفْتَوْا بِعَدَمِ الِاخْتِصَاصِ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: يَنْتَقِل النَّصِيب لِبَنَاتِ مُحَمَّد وَيَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاق مَقَام وَالِدِهِنَّ لَوْ بَقِيَ حَيًّا وَلَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقهنَّ ذَلِكَ كَوْن وَالِدهنَّ كَانَ مَحْجُوبًا كَتَبَهُ أَحْمَد بْن الْحَسَن الْحَنْبَلِيُّ وَتَحْتَهُ كَذَلِكَ يَقُول عُبَادَةُ.
وَقَالَ الْآخَر يَنْتَقِلُ النِّصْفُ إلَى بَنَات مُحَمَّد وَلَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقهنَّ عَدَم تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ فَإِنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِأَبِيهِ وَهُوَ مِنْ أَهْل الْوَقْف، وَلَكِنْ وُجُود أَبِيهِ مَنَعَهُ مِنْ التَّنَاوُلِ مَعَ قِيَامِ الْمُقْتَضَى، وَهَذَا الْمَانِع لَمْ يُوجَد فِي بَنَاتِهِ. وَالْبَطْنُ الثَّانِي إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَ
عَنْ الْوَاقِف، وَوُجُود الْأَعْلَى مَانِع مِنْ تَنَاوُلِ مَنْ دُونَهُ وَلَيْسَ تَنَاوُلُهُ شَرْطًا فِي تَنَاوُلِ مَنْ بَعْده إذَا قَامَ شَرْطُ التَّنَاوُل وَيُؤَيِّد هَذَا أَنَّ أَحَدًا لَا يَكَادُ يَقْصِد حِرْمَانَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الْأَيْتَام وَإِبْقَاءَهُنَّ بِوَصْفِ الْحَاجَةِ وَالْفَاقَةِ وَتَوْفِيرِ الْوَقْفِ كُلِّهِ عَلَى مَنْ هُوَ نَظِيرُهُمْ فِي الدَّرَجَةِ وَالْقُرْب مِنْ الْوَاقِف فَهَذَا لَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعُقَلَاء كَتَبَهُ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْر الْحَنْبَلِيُّ.
وَقَالَ الْآخَرُ مِنْهُمْ بِنَقْلِ النِّصْف إلَى بَنَاتِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْوَاقِف قَصَدَ تَخْصِيص الْمَوْقُوف عَلَيْهِمْ وَأَنْسَالِهِمْ دُون غَيْرهمْ. وَأَكَّدَ ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ الْوَقْفِ وَيَقُمْنَ بَنَاتُ الْمَذْكُور فِي الِاسْتِحْقَاق مَقَامَ وَالِدهنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ حَيًّا اسْتَحَقَّ النِّصْفَ وَلَكِنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ وَهُوَ وَفَاتُهُ فِي حَيَاة أَبِيهِ فَنَقَلَ نَصِيبَهُ إلَى أَوْلَادِهِ دُون غَيْرِهِمْ، وَوُجُودُ أَلْتَى وَشَقْرَى لَمْ يَكُنْ مَانِعًا لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ مِنْ التَّنَاوُلِ لِمَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ وَالِدُهُنَّ لَوْ كَانَ حَيًّا كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْن الشِّحْنَا الْحَنْبَلِيُّ هَذِهِ فَتَاوَى الْحَنَابِلَة وَحَكَمَ بُرْهَانُ الدِّينِ الْحَنْبَلِيُّ الزَّوْعِيُّ بِمُقْتَضَاهَا فِي الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ مُسْتَنِيبَةُ قَاضِي الْقُضَاةِ عَلَاءِ الدِّينِ.
وَنَفَّذَهُ فِي تَارِيخِهِ قَاضِي الْقُضَاة عِمَادُ الدِّينِ الْحَنَفِيُّ وَنَفَّذَهُ ثَالِثَ رَمَضَانَ قَاضِي الْقُضَاةِ شَرَفُ الدِّينِ الْمَالِكِيُّ وَنَفَّذَهُ قَاضِي الْقُضَاة جَلَالُ الدِّينِ فِي تَارِيخِهِ فِي ثَالِثِ رَمَضَانَ الْمَذْكُورِ ثُمَّ أَذِنَ جَلَالُ الدِّينِ قَاضِي الْقُضَاةِ فِي تَارِيخِهِ لِجَلَالِ الدِّينِ نَاظِرِ الْأَيْتَامِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا ثَبَتَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْبَنَاتِ الثَّلَاثِ الْأَخَوَات إلَى أَنْ يَتَعَيَّن مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ، وَأَشْهَد قَاضِي الْقُضَاةِ جَلَالُ الدِّينِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فِي الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ صَفَرٍ سَنَةَ تِسْعٍ وَثَلَاثِينَ وَسَبْعمِائَةِ وَاسْتُفْتِيَ فِي هَذَا الْحُكْمِ إذَا رُفِعَ إلَى حَاكِمٍ آخَرَ هَلْ يَسُوغُ لَهُ نَقْضُهُ يَعْنِي حُكْم الزَّوْعِيِّ وَتَنْفِيذه؟
فَأَجَابَ جَمَاعَةٌ مِنْ جَمِيعِ الْمَذَاهِبِ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ نَقْضُهُ.
وَمِنْهُمْ مِنْ الْحَنَابِلَةِ مَنْ عَلَّلَ بِأَنَّهُ مِنْ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَالْحَاكِم إذَا حَكَمَ فِي مَسْأَلَة الْخِلَاف يَرْتَفِع الْخِلَاف، كَتَبَهُ يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ، فَأَمَّا الْقَوْلُ الْأَوَّل وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ يَنْتَقِل النِّصْف لِبَنَاتِ مُحَمَّدٍ فَدَعْوًى، وَقَوْله: إنَّهُنَّ يَقُمْنَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَقَامَ وَالِدِهِنَّ أَيْضًا دَعْوًى لَيْسَ فِي شَرْطِ الْوَاقِفِ تَصْرِيح بِهَا وَقَوْلُهُ: إنَّهُ لَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقِهِنَّ كَوْن وَالِدهنَّ كَانَ مَحْجُوبًا صَحِيحٌ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْن هَذَا لَا يَمْنَع غَيْره وَلَا مِنْ كَوْنه يَمْنَع وُجُودَ الْمُقْتَضِي لِلِاسْتِحْقَاقِ فَلَمْ يَأْتِ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَأَمَّا قَوْلُ مُحَمَّد بْن أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ ابْن الْقَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ يَنْتَقِلُ النِّصْفُ فَهُوَ أَيْضًا دَعْوًى، وَقَوْلُهُ: لَا يَمْنَع مِنْ اسْتِحْقَاقهنَّ عَدَمُ تَنَاوُلِ أَبِيهِنَّ جَوَابه مَا تَقَدَّمَ.
وَقَوْله: فَإِنَّهُ كَانَ مَحْجُوبًا بِأَبِيهِ إلَخْ مُنَازَع بِأَنَّ كَلَامَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ حَتَّى يَنْقَرِضَ مِنْ قِبَله، وَإِنَّمَا يُطْلَق أَهْلُ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يُتَنَاوَلُ، وَإِنْ كَانَ الْآخَر مُحْتَمَلًا فَأَخْذُهُ هُنَا مُسَلَّمٌ لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ يَحْتَاجُ أَنْ يَأْتِيَ بِدَلِيلٍ عَلَيْهِ، وَقَوْله: وَيُؤَيِّد هَذَا إلَخْ هَذَا عُمْدَة الْحَنَابِلَة وَهُوَ الِاعْتِمَاد عَلَى الْمَعْنَى وَفِيهِ نَظَر؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلْوَاقِفِ مَقْصُود فِي مُرَاعَاة الْقُرْب، وَقَوْله: وَالْقُرْب مِنْ الْوَاقِف ذُهُول عَنْ صُورَة الِاسْتِفْتَاء؛ لِأَنَّهُ فِي الْوُقُوف عَلَيْهِ لَا فِي الْوَاقِف، وَأَمَّا مَا قَالَ الْآخَر فَجَوَابه مَا سَبَقَ فَتَبَيَّنَ أَنَّ فَتَاوَى الْحَنَابِلَة لَمْ تَشْتَمِل عَلَى حُجَّة، وَأَمَّا الْفَتَاوَى بِعَدَمِ النَّقْض فَكُلّهَا لَمْ يُبَيَّنْ فِيهَا الْمُسْتَنَد إلَّا يُوسُف بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنْبَلِيُّ بِقَوْلِهِ: مِنْ الْمُخْتَلَف فِيهِ عَلَى مَا فِيهِ خِلَاف لِلْمُتَقَدِّمِينَ، وَأَمَّا مَا يَقَع لَنَا فَتَتَجَاذَب الْآرَاء فِيهِ فَلَا يُقَال: إنَّهَا مِنْ الْمُخْتَلَف فِيهِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُر فِيهَا فَإِنَّ اتَّضَحَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا اُتُّبِعَ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ حُكِمَ فِيهَا بِحُكْمٍ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَلِيل يَنْبَغِي جَوَازُ نَقْضِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَلِيل لَمْ يُنْقَضْ، وَهَذَا الْحُكْم لَمْ نَجِدْهُ فِي كَلَام الْحَنَابِلَة الَّذِي اسْتَنَدَ إلَيْهِمْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ دَلِيلًا، نَعَمْ عِنْدنَا دَلِيل آخَر وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامنَا، يَبْقَى نَظَرٌ آخَر وَهُوَ أَنَّ الْحَاكِمَ الْحَنْبَلِيَّ إذَا لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ وَلَكِنْ اسْتَنَدَ إلَى مَا ذَكَره أَصْحَابُهُ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ فِيهِ هَلْ تَكُونُ مُدَافَعَةُ حُكْمِهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلِيلِ مَانِعًا مِنْ نَقْضِهِ أَمْ لَا؟ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ لَا يَصْلُح أَنْ يَكُونَ مَانِعًا فَإِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْحُكْمِ الِاسْتِنَادَ إلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ، فَإِنْ وَجَدْنَا إسْجَالَ الْحَاكِمِ مُطْلَقًا غَيْرَ مُسْتَنِدٍ إلَى سَبَبٍ وَوَجَدْنَا دَلِيلًا
صَحِيحًا لَمْ يَكُنْ لَنَا نَقْضُهُ بَلْ نُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِ وَلَا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ اسْتَنَدَ إلَى مَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ الدَّلِيلِ أَوْ إلَى دَلِيلٍ مِثْلِهِ.
وَإِنْ بَيَّنَ الْمُسْتَنَدَ وَرَأَيْنَاهُ غَيْرَ صَالِحٍ وَلَا تَشْهَدُ لَهُ قَوَاعِدُ الشَّرِيعَةِ بِصِحَّتِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ وَيُحْكَمَ حُكْمًا مُسْتَنِدًا إلَى دَلِيلٍ صَحِيحٍ لَكِنْ أَرَى
مِنْ بَابِ الْمَصْلَحَةِ
أَنْ لَا يُنْقَضَ وَيُنَفَّذَ؛ لِئَلَّا يَتَجَرَّأَ النَّاسُ عَلَى نَقْضِ أَحْكَامِ الْحُكَّامِ وَيُجْعَلُ التَّنْفِيذُ كَأَنَّهُ حُكْمٌ مُبْتَدَأٌ مُسْتَقِلٌّ وَلَوْ حَكَمَ الْحَاكِمُ الْمُنَفِّذ بِحُكْمٍ مُسْتَنِدٍ إلَى دَلِيلٍ مُوَافِقٍ لِلْأَوَّلِ وَبَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالَةٍ كَانَ أَوْلَى وَأَجْمَعَ لِلْمَصَالِحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ.
جَوَاب السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ لَمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَائِسِ يَسْتَحِقُّ أَنْ لَا يُتْرَكَ وَإِنْ كَانَ مُطَوَّلًا وَكَانَ مَبْنَى هَذَا الْكِتَابِ عَلَى الِاخْتِصَارِ مَا أَمْكَنَ فَتَأَمَّلْهُ تَجِدْهُ مُرَجِّحًا لِاسْتِحْقَاقِ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ مَعَ عَمَّتَيْهِمَا وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْأَرْجَحُ قُبَيْل التَّنْبِيه وَاعْتِرَاضُهُ عَلَى الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ ذَكَرهمْ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمِ بَلْ مِنْ حَيْثُ جَزْمُهُمْ بِهِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مُسْتَنَدِهِ أَوْ مَعَ بَيَانِ مُسْتَنَدٍ لَا يَنْهَضُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فِي جَوَابِ ابْن الْقَيِّمِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ نَعَمْ عِنْدنَا دَلِيلٌ آخَر وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كَلَامنَا فَعُلِمَ أَنَّهُ مُوَافَقَةٌ عَلَى الْحُكْمِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ أَوَّلُ كَلَامِهِ وَآخِرِهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَاعْلَمْ أَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ الَّتِي أَفْتَى هُوَ وَهُمْ فِيهَا بِاسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ هِيَ مَا تَقَدَّمَ كَمَا رَأَيْتُهُ فِي النُّسْخَةِ الَّتِي اطَّلَعْتُ عَلَيْهَا فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِع فَهِيَ عَيْنُ مَسْأَلَتنَا فَيُنْسَبُ إلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَائِلُونَ بِاسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ فِي مَسْأَلَتِنَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فِي الْوَاقِع بَلْ فِيهِ زِيَادَة وَهِيَ أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَد فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ كَمَا قَدْ يَدُلّ عَلَيْهِ بَعْضُ كَلَامِهِ الَّذِي تَرَكْتُهُ لِتَحْرِيفِ النُّسْخَة كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ لَمْ يُنْسَبْ إلَيْهِ وَإِلَيْهِمْ الْقَوْل بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي مَسْأَلَتنَا إلَّا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاء لَا الصَّرِيح وَبَيَانه أَنَّ صُورَتَنَا مُوَافِقَةٌ لِصُورَتِهِ فِي الْعَطْف بِثُمَّ وَمَعَ ذَلِكَ أُلْغِي الْعَمَل بِقَضِيَّتِهَا لِمَا قَرَّرَهُ مِمَّا عَارَضَهَا فَكَذَلِكَ نُلْغِي قَضِيَّتهَا فِي صُورَتِنَا لِمَا عَارَضَهَا مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ الْمُعْتَضَدِ بِمَا يَأْتِي مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ.
وَأَيْضًا فَمَا وُجِّهَ بِهِ اسْتِحْقَاقُ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ مَعَ عَمَّتَيْهِمَا الْمُخَالِف لِقَضِيَّتِهِ ثُمَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِوَاحِدِ مِنْ بَطْنٍ سَافِلٍ وَهُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ عَالٍ وَذَلِكَ الَّذِي وُجِّهَ بِهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ أَنَّ وَلَد الْوَلَدِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ الْوَلَدِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مُحَقَّقٌ وَحَجْبَهُ مَنْ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَتَرْكُ الْمَشْكُوكِ وَالْعَمَلُ بِالْمُحَقَّقِ يَقْضِي لَهُنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ فِي حَيَاةِ عَمَّتَيْهِمَا وَأُلْغِي بِذَلِكَ قَضِيَّةُ التَّرْتِيبِ الَّتِي صَرَّحَ بِهَا الْأَئِمَّةُ مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاةِ آبَائِهِمْ أَيْضًا.
وَإِنَّمَا هُمْ مَحْجُوبُونَ بِآبَائِهِمْ يَقِينًا وَشَكَكْنَا فِي حَجْبِهِمْ بِمَنْ فِي دَرَجَةِ آبَائِهِمْ فَتَرَكْنَا الْمَشْكُوكَ فِيهِ وَعَمِلْنَا بِالْيَقِينِ مَعَ مَا انْضَمَّ إلَيْهِ مِمَّا يُسَاعِدُهُ مِنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ وَالْحَالِيَّةِ الْآتِي بَيَانُهَا فِي صُورَتِنَا وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامه أَنَّ كَوْنَ الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا يَصِحُّ أَنْ يُقَال: إنَّهَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ أَهْلِ الْمَرْتَبَة الْأُولَى وَإِنَّمَا هِيَ مَحْجُوبَةٌ بِهَا مِمَّا هُوَ بِمُجَرَّدِهِ مُلْغٍ لِقَضِيَّةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَتَمَشَّى عَلَى كَلَام الْأَئِمَّةِ فِي ثُمَّ وَإِنَّمَا الَّذِي يُلْغِيهَا مَا يَنْضَمُّ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْقَرَائِنِ كَمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي صُورَتِنَا وَصُورَتِهِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ النُّسْخَةِ الَّتِي مَرَّتْ وَكَصَرِيحِ الشَّرْطِ الَّذِي أَشَرْنَا إلَى أَنَّ كَلَامَهُ فِي غُضُونِ جَوَابِهِ قَدْ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِهِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ نَصِيبٌ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَحِينَئِذٍ فَوَجْهُ التَّوَقُّفِ بِنَاءً عَلَى فَرْضِ أَنَّ هَذَا فِي صُورَتِهِ أَنَّ مُحَمَّدًا الْمُتَوَفَّى هُنَا قَبْلَ وَالِدِهِ لَا نَصِيب لَهُ فَكَأَنَّ قَضِيَّةَ اللَّفْظِ أَنْ لَا يَنْتَقِل لِبَنَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ نَصِيب أَبِيهِ؛ لِأَنَّ نَصِيبه انْتَقَلَ لِبِنْتِهِ الْحَاجِبَتَيْنِ لِبَنَاتِ أَخِيهِمَا نَظَرًا لِقَضِيَّةِ الْعَطْفِ بِثُمَّ السَّابِقَةِ لَكِنْ لَمَّا اُحْتُمِلَ أَنَّ الْوَاقِفَ يُرِيدُ بِالنَّصِيبِ فِي قَوْلِهِ مَنْ تُوُفِّيَ وَلَهُ وَلَد فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ النَّصِيبُ الْحَقِيقِيُّ وَالتَّقْدِيرِيُّ.
وَعَضَّدَهُ مَا قَدَّمَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ صَلُحَ ذَلِكَ مَعَهُمَا لِلنَّصِيبِ فِي الْمُحَقَّقِ وَالْمُقَدَّرِ فَلَزِمَ حِينَئِذٍ اسْتِحْقَاقُ بَنَاتِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّهُ وَالِدُهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَحْجُوبٌ بِهِ فَلَهُ نَصِيبٌ لَكِنَّهُ مُقَدَّرٌ أَيْ: لَوْ مَاتَ أَبُوهُ فِي حَيَّاته لَاسْتَحَقَّهُ فَأَخَذَ بَنَاتُهُ نَصِيبَهُ ذَلِكَ الْمُقَدَّرَ لَا فِي حَيَاةِ أَحْمَدَ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ وَالِدَهُمْ لَا نَصِيبَ لَهُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ بَلْ بَعْدَ مَمَاتِهِ إذْ بِمَمَاتِهِ تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ مَوْجُودًا لَاسْتَحَقَّ مِنْ
أَبِيهِ نَصِيبًا فَلَهُ حِينَئِذٍ نَصِيبٌ مُقَدَّرٌ بِمَوْتِ أَبِيهِ فَلَمَّا مَاتَ أَبُوهُ اسْتَحَقَّ بَنَاتُهُ نَصِيبَهُ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ مُقَدَّرًا؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ صَارَ مَوْجُودًا هَذَا حَاصِلُ مَا يُوجِبُهُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ أَوْلَادِ مُحَمَّدٍ عَلَى فَرْضِ أَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَتِهِنَّ فِيهَا زِيَادَةٌ.
وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَإِذَا خَرَجَ النَّصِيبُ عَنْ ظَاهِرِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِهَذِهِ الطَّرِيق الَّتِي تَقَرَّرَتْ وَعُمِّمَ فِي الْمُحَقَّقِ وَالْمَوْجُودِ وَقُضِيَ بِسَبَبِ مَا قَدَّمَهُ السُّبْكِيّ عَلَى الْعَمَّتَيْنِ بِاسْتِحْقَاقِ بَنَاتِ أَخِيهِمَا مَعَهُمَا لِأَدْنَى مُعَارِضٍ فَأَوْلَى أَنْ نَأْخُذَ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَتنَا وَنَقْضِي بِهِ عَلَى الْخَالَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتَةِ بِاسْتِحْقَاقِ بِنْت أُخْتِهَا مَعَهَا؛ لِقُوَّةِ الْمُعَارِضِ فِيهَا لِقَضِيَّةٍ ثُمَّ كَمَا يَأْتِي بَيَانه وَالْحَاصِلُ أَنَّ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فِي هَذَا السُّؤَالِ دَالٌّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتِنَا إمَّا بِطَرِيقِ التَّصْرِيح وَإِمَّا بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَمَا بَانَ لَك ذَلِكَ وَاتَّضَحَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ ثُمَّ رَأَيْتُ السُّبْكِيّ بَسَطَ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي سُؤَالٍ آخَر فِيهِ الزِّيَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِبْدَال الْعَطْفِ بِثُمَّ بِقَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى وَذَكَر مَعَ ذَلِكَ سَبْعَ صُوَرٍ تَتَعَيَّنُ الْإِحَاطَةُ بِهَا فَإِنَّهَا مُهِمَّةٌ وَلِجَمِيعِهَا تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَتِنَا نَعَمْ.
سَيَأْتِي فِي الْبَابِ الثَّانِي عَنْ الْبَغَوِيِّ مَا يُصَرِّحُ بِرَدِّ مَا قَالَهُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ فَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِرَدِّ كَلَامه هُنَا وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِكَلَامِ الْبَغَوِيِّ الْآتِي مَعَ أَنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ.
ثُمَّ وَمِمَّنْ وَافَقَ الرُّويَانِيَّ وَوَالِدَهُ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُمَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ مِنْ غَيْرِ اطِّلَاع مِنْهُ عَلَى كَلَامِهِمَا وَعِبَارَتُهُ فِي فَتَاوِيهِ سُئِلْتُ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَمْ يُخَلِّفْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ عَنْ وَلَدٍ هَلْ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ لِإِخْوَتِهِ؟ فَأَجَبْتُ بِأَنَّهُ قَدْ تَعَارَضَ هُنَا أَمْرٌ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى أَنَّهُ لَا اسْتِحْقَاق لِأَوْلَادِ الْمُتَوَفَّى مَعَ وُجُود إخْوَته.
وَمُقْتَضَى مَفْهُومِ تَقْيِيدِ انْتِقَالِ ذَلِكَ لِإِخْوَتِهِ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ اسْتِحْقَاقُ وَلَدِهِ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي أَلْفَاظ الْآدَمِيِّينَ فَحُكِيَ عَنْ الْقَاضِي حُسَيْن إنْكَارُهُ وَأَنَّهُ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ عِنْدَ الْقَائِلِ بِهِ فِي أَلْفَاظِ الشَّرْعِ وَمَالَ إلَيْهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ تَقِيُّ الدِّينِ السُّبْكِيّ بَلْ حُكِيَ عَنْ إلْكِيَا الْهِرَّاسِيِّ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّ جَمِيعَ الْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّة إنَّمَا يُعْمَلُ بِهَا فِي أَلْفَاظِ الشَّرْعِ لَا فِي كَلَام الْآدَمِيِّينَ لَكِنَّ هَذَا قَوْلٌ مَهْجُورٌ، وَعَمَلُ النَّاسِ عَلَى خِلَافِهِ وَلَا مَعْنَى لَهُ فَإِنْ صَحَّ مَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمَنْ تَبِعَهُ تَعَيَّنَ انْتِقَالُ الِاسْتِحْقَاقِ لِإِخْوَةِ الْمُتَوَفَّى.
وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَام الْأَصْحَابِ، بَلْ حُكِيَ عَنْ الْحَنَفِيَّة الْمُنْكِرِينَ لِمَفَاهِيمِ الْمُخَالَفَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِهَا فِي أَلْفَاظِ الْآدَمِيِّينَ فَالِاسْتِحْقَاقُ حِينَئِذٍ لِوَلَدِ الْمُتَوَفَّى عَمَلًا بِالْمَفْهُومِ فَإِنَّهُ خَاصٌّ، وَقَوْلُهُ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَامٌّ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ وَالْمَشْهُورُ فِي الْأُصُولِ تَخْصِيصُ الْعُمُومِ بِالْمَفْهُومِ اهـ.
كَلَامُهُ وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَمِمَّنْ وَافَقَهُمَا أَيْضًا مِنْ مُعَاصِرِي السُّبْكِيّ الْقَاضِي شَمْسُ الدِّينِ بْنُ الْقَمَّاحِ والقَلْقَشَنْدِيُّ وَيُونُسُ بْنُ أَحْمَدَ وَيُوسُفُ بْنُ حَمَّادٍ فَإِنَّهُمْ سُئِلُوا عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَرْبَعَةِ أَنْفُسٍ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبهمْ أَبَدًا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْد قَرْنٍ سَهْمُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاء عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ وَلَا عَقِبٍ وَإِنْ سَفَلَ كَانَ مَا يَسْتَحِقّهُ مِنْ هَذَا عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْأَوْلَادِ أَحَدٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْأَعْلَى مِنْ آبَائِهِ فَمَاتَ أَحَدُ الْأَرْبَعَةِ مِنْ غَيْرِ نَسْلٍ فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا ثُمَّ مَاتَ الثَّلَاثَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا فَهَلْ يَنْتَقِل لِوَلَدِ كُلٍّ مِنْهُمْ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ أَبُوهُ لَوْ كَانَ حَيًّا أَمْ يَشْتَرِكُ جَمِيعُ الْأَوْلَادِ الْمُخَلَّفِينَ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا؟
فَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ الْقَلْقَشَنْدِيُّ بِقَوْلِهِ: قُوَّةُ الْكَلَامِ تُشْعِرُ بِأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ
انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى أَوْلَادِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ وَكَذَلِكَ عَلَى جَوَابِهِ هَذَانِ الْمَذْكُورَانِ بَعْدَهُ وَأَجَابَ ابْنُ الْقَمَّاحِ بِقَوْلِهِ: لَا يَدُلُّ كَلَامُ الْوَاقِفِ عَلَى التَّشْرِيكِ بَلْ قَدْ يَدُلُّ عَلَى ضِدّه فَإِنَّهُ شَرْطٌ فِي صَرْفِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ أَوْلَادِهِ أَنْ يَمُوتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَمَتَى مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ صُرِفَ إلَيْهِمْ فَوُجُودُ الْوَلَدِ مَانِعٌ مِنْ صَرْف نَصِيب الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ أَوْلَادِهِ وَأَجَابَ مَرَّةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَنَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ خَاصَّةً لَا يُشَارِكهُ فِيهِ أَوْلَادُ الْآخَرِ
وَكَذَا حُكْمُ بَقِيَّةِ الطَّبَقَاتِ مِنْ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا اهـ فَانْظُرْ كَيْف أَفْتَى هَؤُلَاءِ بِأَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ لَا لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ مَعَ مُسَاوَاة صُورَتِهِمْ هَذِهِ لِصُورَتِنَا فِي الْعَطْف بِثُمَّ وَفِي أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّح بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقُّهُ عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ فِي دَرَجَتِهِ بَلْ صُورَتُهُمْ هَذِهِ فِيهَا زِيَادَةٌ عَلَى صُورَتِنَا تَقْتَضِي مَنْعَ الْأَوْلَادِ بِالصَّرِيحِ لِقَوْلِهِ: مَعَ الْعَطْف بِثُمَّ بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْد قَرْنٍ وَهَذَا أَظْهَرُ فِي حَجْبِ الْأَوْلَادِ مِنْ مُجَرَّد الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ بَلْ خَصَّصُوهُ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ عَادَ مَا يَسْتَحِقّهُ إلَى الثَّلَاثَة الَّتِي فِي دَرَجَتِهِ فَإِذَا جَعَلُوا مَفْهُومَ هَذَا مُخَصَّصًا فِي هَذِهِ الصُّورَة فَأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مُخَصَّصًا فِي صُورَتِنَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَوَافَقَ ابْنَ الْقَمَّاحِ عَلَى مَا مَرَّ عَنْهُ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ مَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ وَغَيْرهمَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتنَا لَا يَخْتَصُّ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بَلْ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٌ أَيْضًا وَمَرَّ فِي جَوَابِ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ الْحَنَفِيَّة مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَمَرَّ عَنْ ابْنِ الْقَيِّمِ مِنْ أَهْلِ الْحَنَابِلَةِ وَمُعَاصِرِيهِ مِنْ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مَذْهَب أَحْمَدَ أَيْضًا فَبِمُقْتَضَى ذَلِكَ صَارَ الْقَوْلُ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْبِنْتَ لَيْسَ مِنْ مُفْرَدَات مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ الْمَذَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا تَقَرَّرَ فَلْتُرَاجَعْ كُتُبَهُمْ فَإِنْ وُجِدَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِمَا يُخَالِف مَا قُلْنَاهُ عُمِلَ بِهِ
وَإِلَّا فَالْعَمَلُ بِمَا نَسَبْنَاهُ إلَيْهِمْ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ، وَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ الْآتِي: أَنَّ عَدَمَ الِاسْتِحْقَاقِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ بِأَبْسَطِ مِنْ هَذَا.
وَمِمَّنْ وَافَقَهُمَا أَيْضًا الْبُلْقِينِيُّ وَبَيَانه أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدَيْهِ الرَّجُلَيْنِ نَصِيبَ كُلّ وَاحِد عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ بَعْدِهِ مَهْمَا نَزَلُوا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَنْ انْقَرَضَ عَنْ غَيْر وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ ثُمَّ لِأَوْلَادِ أَخِيهِ مَهْمَا نَزَلُوا عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّة، فَإِنْ انْقَرَضُوا كُلُّهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ عَائِدًا عَلَى مَنْ يَرِثهُمْ مِنْ الْأَقَارِبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ يَرِثُهُمْ مِنْ الْعَصَبَات فَآلَ الْوَقْفُ إلَى أَخَوَيْنِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ذَكَرٍ اسْمُهُ عُبَيْدٌ وَأُنْثَى فَتُوُفِّيَتْ الْأُنْثَى عَنْ أَخِيهَا وَبِنْتٍ تُسَمَّى عَائِشَةَ فَتُوُفِّيَتْ عَائِشَةُ عَنْ وَالِدهَا وَإِخْوَةٍ مِنْ أَبِيهَا وَخَالِهَا عُبَيْدٍ فَلِمَنْ تَنْتَقِل مَنَافِع الْوَقْف عَنْ عَائِشَةَ ثُمَّ مَاتَ عُبَيْد عَنْ وَلَدَيْنِ ذَكَر وَأُنْثَى وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ غَيْرُهُمَا
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: تَنْتَقِل مَنَافِع ذَلِكَ لِعُبَيْدٍ وَيَسْتَقِلُّ وَلَدَا عُبَيْدٍ بَعْده بِغَلَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُور لِلذَّكَرِ مِثْل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا يَنْتَقِل شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِإِخْوَتِهَا لِأَبِيهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ ذُرِّيَّةِ أَحَدِ الذَّكَرَيْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمَا أَوَّلًا وَلَا شَيْء لِوَالِدِ عَائِشَةَ لِذَلِكَ اهـ.
الْمَقْصُودُ مِنْ جَوَابِهِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي اسْتِحْقَاقِ عَائِشَةَ نَصِيبَ أُمِّهَا دُون أَخِي أُمِّهَا الَّذِي فِي دَرَجَتِهَا وَهُوَ عُبَيْدٌ مَعَ أَنَّ مَسْأَلَتَهُ نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا فِي الْعَطْف بِثُمَّ لِقَضِيَّتِهَا الدَّالَّةَ عَلَى اسْتِحْقَاق عُبَيْدٍ دُون عَائِشَةَ أَخْذًا بِمَفْهُومِ، وَمَنْ انْقَرَضَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِأَخِيهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَسْأَلَتَهُ نَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا وَأَنَّهُ قَائِلٌ بِاسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ دُونَ الْأَخِ وَأَنَّ مَنْ نَسَبَ إلَيْهِ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ وَهِمَ وَأَجَابَ عَنْهُ مَرَّةً أُخْرَى بِقَوْلِهِ: لَيْسَ لِوَالِدِ الصَّغِيرَةِ الْمَذْكُورَةِ أَيْ: عَائِشَةَ حَقٌّ فِي نَصِيبِهَا وَلَا لِأَوْلَادِهِ، بَلْ نَصِيبُهَا لِخَالِهَا إلَخْ فَانْظُرْ تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ لِعَائِشَة نَصِيبهَا وَبِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِخَالِهَا إلَّا بَعْد مَوْتِهَا، وَهَذَا صَرِيحٌ أَيْ: صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتنَا بِاسْتِحْقَاقِ الْبِنْتِ دُونَ الْأُخْتِ، الْوَجْهُ الثَّالِثُ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ خَالَفَ كَلَامُهُ مَا مَرَّ عَنْ الرُّويَانِيُّ وَغَيْره وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ غَيْر قَصْدٍ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ آخَرُ لَهُمْ فَمِنْ هَؤُلَاءِ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ أَفْتَى فِي صُورَةِ السُّؤَالِ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا ابْنُ الْقَمَّاحِ
وَمَنْ مَعَهُ بِمَا مَرَّ بِقَوْلِهِ: يَشْتَرِك جَمِيعُ الْأَوْلَادِ الْمُخَلَّفِينَ عَنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا فِي جَمِيعِ الْمَوْقُوفِ بَيْنهمْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، ثُمَّ أَوْلَادُهُمْ كَذَلِكَ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى وَلَا يَخْتَصُّ أَوْلَادُ كُلٍّ بِنَصِيبِ وَالِدِهِمْ وَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ نَصِيبِ وَالِدِهِ حَتَّى يُتَوَفَّى مَنْ يُسَاوِي وَالِدَهُ فِي الطَّبَقَةِ عَمَلًا بِأَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ الْوَقْفِ بَعْد الْأَرْبَعَةِ لِأَوْلَادِهِمْ وَلَمْ يَخُصَّ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَلَمْ يَأْتِ بِصِيغَةٍ تُشْعِرُ بِذَلِكَ كَمَا أَتَى فِي الطَّبَقَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: أَرْبَاعًا وَمُحَافَظَةً عَلَى تَعْمِيمِ قَوْلِهِ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، وَلَوْ خَصَّصْنَا أَوْلَادَ كُلٍّ بِنَصِيبِ أَبِيهِمْ لَزِمَ تَخْصِيصُ قَوْلِهِ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ، وَالتَّخْصِيصُ فِيهِ خِلَافُ الْأَصْلِ وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَوَّلِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَمْرٌ مَرْجُوحٌ مَعَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ دُون مَا عَدَاهُ وَلَا يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقّهُ عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْكَلَامِ أَوَّلًا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَقْفَ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ لِأَوْلَادِ الْأَرْبَعَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ قَدْ يُقَالُ: إنَّ نَصِيبَهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الثَّلَاثَةِ وَلَا إلَى أَوْلَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُ وَقَفَهُ عَلَى أَوْلَادِ الْأَرْبَعَةِ وَلَمْ يُوجَدْ إلَّا أَوْلَادُ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ ذَلِكَ النَّصِيبُ مُنْقَطِعًا فَبَيَّنَ بِهَذَا اللَّفْظِ أَنَّ ذَلِكَ النَّصِيبَ يَعُودُ إلَى الثَّلَاثَةِ وَإِلَى أَوْلَادِهِمْ عَلَى الْحُكْم الْمَشْرُوحِ.
وَيَصِيرُ الْوَقْفُ عَلَى الْأَرْبَعَةِ بَعْدَهُمْ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِ الثَّلَاثَةِ، وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ بِأَنْ نَقُولَ: نَصِيبُهُ لِلثَّلَاثَةِ عَمَلًا بِالتَّرْتِيبِ وَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ يَعُودُ نَصِيبُهُمْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ عَمَلًا بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَلَا يَنْحَصِرُ مَفْهُومُ ذَلِكَ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ يَأْخُذُ وَلَدُهُ نَصِيبَهُ فَذَلِكَ لَا دَلِيل عَلَيْهِ وَمَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ مُحْتَمَل يُكْتَفَى بِهِ فِي الْمَفْهُومِ مَعَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ فَكَانَ مُتَيَقَّنًا، وَمَتَى ثَبَتَتْ الْمُخَالَفَةُ بِوَجْهٍ مَا كَفَى فِي الْعَمَلِ بِالْمَفْهُومِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْأَعْلَى مِنْ آبَائِهِ فَذَلِكَ مَعْمُول بِهِ عَلَى مَا قُلْنَاهُ بِأَنْ يَنْقَرِضَ الْأَعْلَى مِنْ آبَائِهِ وَلَا يَكُونُ فِي طَبَقَتِهِ مَنْ يُسَاوِيه فَعِنْدَ ذَلِكَ يَسْتَحِقُّ وَمَتَى حَصَلَ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ فِي صُورَةٍ كَفَى وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عِنْد انْقِرَاضِ أَبِيهِ مُطْلَقًا عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ لِعَدَمِ الْمُتَقَضِّي لِلْعُمُومِ، وَإِنَّمَا أَتَى الْوَاقِفُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِيَدُلَّ عَلَى الَّذِي ثَبَتَ فِي جَمِيعِ الْبُطُونِ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّصِيبِ الْأَصْلِيِّ وَالنَّصِيبِ الْعَائِدِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِثُمَّ فِي الْأَوَّلِ مَرَّتَيْنِ وَفِي الثَّانِي مَرَّةً وَاحِدَةً وَأَتَى بِالْوَاوِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فَلَوْ اقْتَصَرَ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي بَقِيَّةِ الْبُطُونِ وَلَاحْتَمَلَ أَنَّ نَصِيبَ مَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ يَرْجِعُ إلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ مَعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَأَتَى بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ لِيُزِيلَ هَذَا الْوَهْمَ وَيَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ مَقْصُودٌ فِي كُلِّ الطَّبَقَات فِي جَمِيعِ الْوَقْفِ
وَأَنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ تَحْجُبُ مَا تَحْتَهَا وَلَمْ يَبْقَ مَا فِيهِ احْتِمَالٌ إلَّا أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهِ بِمَوْتِ أَبِيهِ فَيَكُونُ الْوَلَدُ مَحْجُوبًا بِمَوْتِ أَبِيهِ أَوْ بِمَوْتِ أَبِيهِ، وَمَنْ يُسَاوِيه وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى الثَّانِي، لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ قَبْلَ انْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ بِكَمَالِهَا مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ لِلشَّكِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ وَالْمَعْنَى الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، الْأَمْرُ الثَّانِي: إذَا انْتَقَلَ نَصِيبُ الطَّبَقَةِ لِلطَّبَقَةِ الَّتِي تَحْتَهَا هَلْ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْن الْجَمِيعِ بِالسَّوَاءِ أَوْ تَأْخُذُ كُلَّ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَتَعَيَّنَ، وَذَلِكَ يُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْوَقْتِ " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " اهـ.
وَيُرَدُّ كَلَامُهُ هَذَا بِأُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّ قَوْلَهُ: وَلَمْ يَأْتِ بِصِيغَةٍ تُشْعِرُ بِذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ بِنَصِيبِ أَبِيهِ وَلَا بِمَا يَقْتَضِي تَفْضِيلًا فِي ذَلِكَ، بَلْ جَمِيعُ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ يَسْتَوُونَ فِيمَا آلَ إلَيْهِمْ وَلَا يُفَضَّلُ أَحَدُهُمْ بِنَصِيبِ أَصْلِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَمُسَلَّمٌ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ كَلَامُنَا فِيهِ الْآن، وَإِنَّمَا يَأْتِي الْبَحْثُ عَنْهُ فِي الْبَاب الثَّانِي وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّ الْوَلَدَ يَأْخُذَ نَصِيبَ أَبِيهِ الْمَيِّتِ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَغَيْرُ ظَاهِرٍ وَغَيْرُ مُسَلَّمٍ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ مَفْهُوم الشَّرْطِ الْمُتَبَادِر مِنْهُ ذَلِكَ وَقَوْله: وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّهُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ
إلَخْ صَرِيحٌ فِي أَنَّ كَلَامَهُ إنَّمَا هُوَ فِي مَبْحَثِ اسْتِحْقَاقِ الْأَوْلَادِ نَصِيبَ أَبِيهِمْ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ لَكِنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَنْحَصِرُ مَفْهُومُ ذَلِكَ فِي أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ وَلَدٌ يَأْخُذُ وَلَدُهُ نَصِيبَهُ إلَخْ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْأَوْلَادَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَسْتَحِقُّونَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَفْهُومَ، وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِل أَحْوَالًا أَرْبَعَةً كَمَا يَأْتِي إلَّا أَنَّ الْمُتَبَادِر مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الِانْحِصَارُ كَمَا يَأْتِي بَسْطُهُ وَقَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَسْتَحِقّ عِنْدَ انْقِرَاضِ أَبِيهِ مُطْلَقًا إلَخْ يُقَال: عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَازِمًا عَقْلًا وَلَا وَضْعًا إلَّا أَنَّهُ لَازِمٌ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ عُرْفًا وَالدَّلَالَة الْعُرْفِيَّة يُكْتَفَى بِهَا فِي الْأَوْقَافِ وَغَيْرهَا كَمَا يَأْتِي الْإِشَارَة إلَى ذَلِكَ فِي كَلَامِ السُّبْكِيّ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ وَقَوْله: وَإِنَّمَا أَتَى الْوَاقِفُ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ إلَخْ يُقَال عَلَيْهِ: هَذَا الْحَصْر مَمْنُوعٌ بَلْ الْغَالِبُ أَنَّ الْوَاقِفِينَ يَأْتُونَ بِذَلِكَ قَصْدًا إلَى أَنْ لَا تُحْرَمَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ، وَإِنْ سَفَلُوا؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ أَهْلَ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا يَكُونُونَ مُحْتَاجِينَ صِغَارًا فُقَرَاء بِالنِّسْبَةِ إلَى أَهْلِ الدَّرَجَة الْأُولَى فَيَقْصِدُ الْوَاقِفُونَ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَنْدَفِعَ مَا أَفْهَمَهُ الْعَطْفُ بِثُمَّ مِنْ أَنَّهُ لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ وَهُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ الْأُولَى، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ أَكْثَر كُتُبِ الْأَوْقَافِ الْمَذْكُورِ فِيهَا هَذَا الشَّرْطُ لَا يُكْتَفَى بِمَفْهُومِهِ، وَإِنَّمَا يُصَرِّحُونَ بِهِ؛ لِيَصِيرَ مَنْطُوقًا لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ وَلَيْسَ التَّصْرِيحُ بِهَذَا الْمَفْهُومِ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ اتِّكَالًا مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَبَادَرُ مِنْ ذِكْرِ هَذَا الشَّرْطِ إلَّا الْعَمَلُ بِمَنْطُوقَةِ وَبِمَفْهُومِهِ الْمُتَبَادِر مِنْهُ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْوَلَدِ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَةِ أَبِيهِ فَيَتَّكِلُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يُصَرِّحُونَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ إيثَارًا لِلِاخْتِصَارِ وَهُوَ تَسَاهُلٌ مِنْهُمْ وَلِذَا لَمَّا كَانَ أَكْثَرُهُمْ يَحْتَاط فِي ذَلِكَ وَجَدْنَاهُمْ بِالِاسْتِقْرَاءِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الِاطِّلَاعِ عَلَى فَتَاوَى الْأَئِمَّةِ الْمُسَطَّرِ فِيهَا أَكْثَرُ ذَلِكَ وَعَلَى غَيْرِهَا يُصَرِّحُونَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ فَعَدَمُ التَّصْرِيحِ بِهِ يُحْمَل عَلَى سَهْوٍ أَوْ تَسَاهُلٍ مِنْ الْمُوَثِّقِ مَعَ الْعِلْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْ الْغَالِبِ مِنْ عَادَةِ الْوَاقِفِينَ بِأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ حِرْمَانَ الصِّغَارِ مِنْ ذُرِّيَّاتهمْ كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِأَبْلَغَ مِنْ ذَلِكَ فِي كَلَام ابْن الْقَيِّمِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا وَقَعَ لِلْبُلْقِينِيِّ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ قَضَى عَلَى بَعْضِ الْمُوَثِّقِينَ بِالسَّهْوِ لِقَرَائِنَ ذَكَرهَا تَقْرُبُ مِنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا ثُمَّ قَالَ: وَالْجُمُودُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا كُتِبَ وَظَهَرَ أَنَّهُ سَهْوٌ بِمُقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ خُرُوجٌ عَنْ طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ الْغَائِصِينَ عَلَى الْجَوَاهِرِ الْمُعْتَبَرَةِ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ: يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْعَطْفَ بِثُمَّ لَغْوٌ قُلْتُ: لَا يَلْزَم ذَلِكَ كَمَا يَأْتِي تَحْقِيقُهُ وَقَوْلُهُ: وَلَمْ يَتَبَيَّنْ فِي الْكَلَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْأَوَّلِ مَمْنُوعٌ بَلْ فِيهِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا يَأْتِي وَقَوْله: لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ إلَخْ مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مَشْكُوكًا فِيهِ إلَّا إذَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ، وَقَدْ دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِمَّا يَأْتِي وَقَوْلُهُ: وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْوَقْتِ إلَخْ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى كَلَام الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ وَلَمَّا كَانَ فِي بَحْثِهِ هَذَا مِنْ قَبُولِ الْمُنَاقَشَةِ وَالرَّدِّ مَا أَشَرْتُ إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَمَا سَأُصَرِّحُ بِهِ فِيمَا يَأْتِي خَالَفَهُ فِيمَا أَفْتَى بِهِ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ مُعَاصِرِيهِ كَمَا قَدَّمْتُ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَمِمَّا يَرُدُّ مَا قَالَهُ هُنَا مَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ فِي الْوَجْه الثَّانِي مَبْسُوطًا وَمَا سَأَذْكُرُ فِيهِ عَقِبَ الْكَلَام عَلَى مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَشَيْخنَا زَكَرِيَّا فَإِنَّهُمَا تَبِعَاهُ فِي هَذَا الْجَوَاب وَغَفَلَا عَنْ بَقِيَّةِ كَلَامه فِي الْأَجْوِبَةِ الْأُخْرَى الَّتِي مَرَّ بَعْضُهَا وَيَأْتِي بَعْضُهَا وَمِنْهُمْ الزَّرْكَشِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي خَادِمِهِ عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ، وَلَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِي مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ فَهُوَ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا يُصْرَفُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي مَا بَقِيَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَحَدٌ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَالْقِيَاسُ فِيمَا إذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ أَنْ يَجِيءَ فِي نَصِيبِهِ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِين فَمَاتَ وَاحِدٌ إلَى مَنْ يُصْرَف نَصِيبُهُ وَلَمْ أَرَ تَعَرُّضًا لَهُ إلَّا لِأَبِي الْفَرَج السَّرَخْسِيِّ فَإِنَّهُ سَوَّى بَيْن الصُّورَتَيْنِ وَحَكَى فِيهَا وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ لِصَاحِبِهِ وَالثَّانِي: لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِينَ وَكَذَا ذَكَر صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْخَادِمِ فِيهِ أُمُورٌ: أَحَدُهَا مَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لِلتَّرْتِيبِ خَالَفَ فِيهِ الْعَبَّادِيَّ ثُمَّ أَطَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْكَلَامَ
فِي بَيَانِ ذَلِكَ وَالرَّدِّ عَلَى مَنْ تَوَهَّمَ أَنْ الْعَبَّادِيَّ يَقُول: أَنَّ ثُمَّ وَالْوَاو سَوَاء مُطْلَقًا قَالَ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ إنَّمَا قَالَهُ فِيهَا إذَا أَضَافَ إلَى ثُمَّ بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي وَوَجْهُهُ أَنَّ ثُمَّ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَبَطْنًا بَعْد بَطْنٍ يَقْتَضِي الْجَمِيعَ فَلَوْ قُلْنَا بِظَاهِرِهِمَا لَأَبْطَلْنَا اللَّفْظَ؛ لِلتَّنَاقُضِ فَاحْتَاجَ لِطَرِيقٍ تُصَحِّحهُ هِيَ أَنَّ ثُمَّ تُسْتَعْمَلُ لِلْجَمْعِ لُغَةً فَنَقَلَ الْكَلَام مِنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَإِنَّ الْبَغَوِيَّ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا إلَّا فِيمَا تَنَاسَلُوا سَوَاء أَضَمَّ إلَيْهَا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ أَمْ لَا أَمَّا فِي صُورَةِ إفْرَاد بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ فَلَمْ يَذْكُرهَا ثُمَّ قَالَ: وَالصَّوَاب قَوْلُ الْقَاضِي لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ مَا تَنَاسَلُوا أَوْ تَعَاقَبُوا فَهَذَا وَقْفٌ مُرَتَّبُ الِابْتِدَاءِ لَا الِانْتِهَاءِ وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ الطَّبَقَةِ السُّفْلَى شَيْءٌ حَتَّى يَنْقَرِضَ جَمِيعُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا وَمَعْنَى التَّرْتِيبِ فِي ثُمَّ كَذَلِكَ عِنْد الْإِطْلَاقِ وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ قَرَائِن تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَيَعْمَل بِهَا الثَّالِثُ مَا حَاوَلَهُ مِنْ التَّخْرِيجِ يُوهِمُ التَّسْوِيَةَ بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي بَيْن مَسْأَلَةِ زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ الْفُقَرَاء وَبَيْن مَسْأَلَة الْأَوْلَاد ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَقَدْ اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فَأَفْتَى فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَنْتَقِل نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَمَاتَ وَاحِدٌ عَنْ وَلَدٍ فَأَفْتَى أَنَّ نَصِيبَهُ لِوَلَدِهِ، وَهَذَا غَلَط، وَآخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُعْطَى أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ حَتَّى يَنْقَرِضَ الْأَوْلَاد وَمَا دَامَ وَاحِد مِنْهُمْ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَاد الْأَوْلَاد وَالْمَسْأَلَة إجْمَاعِيَّة وَلَمْ يُخَالِف فِيهَا أَحَدٌ إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِب التَّقْرِيب ذَلِكَ وَإِنَّهُ يَصِير مُنْقَطِعَ الْوَسَط الرَّابِعُ: مَا حَاوَلَهُ مِنْ التَّخْرِيج مَنَعَهُ فِي الرَّوْضَة وَفَرَّقَ بِأَنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْ الْأَوْلَاد يُسَمَّى أَوْلَادًا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَ أَحَد الشَّخْصَيْنِ وَهُوَ فَرْقٌ صَحِيحٌ وَقَرِيبٌ مِنْهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوَى شَيْخِهِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِي لَا يَرْجِعُ إلَى الْآخَر عِنْد مَوْت أَحَدِهِمَا بَلْ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِي اهـ. الْخَامِسُ: أَطْلَقُوا أَنَّ ثُمَّ لِلتَّرْتِيبِ وَلَمْ يَعْتَبِرُوا حَقِيقَتَهَا فِي اللُّغَة مَعَ التَّرْتِيب وَهُوَ التَّرَاخِي وَالِانْفِصَال، وَقِيَاس ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْوَقْف مُنْقَطِعًا فِي لَحْظَة وَلَمْ يَقُولُوا بِهِ وَيَجِيءُ مِثْلُهُ فِيمَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى زَيْد ثُمَّ عَمْرو أَوْ قَالَ: أَوْصَيْت إلَى زَيْد ثُمَّ عَمْرو اهـ.
حَاصِلُ كَلَامِهِ عَلَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ الْمَذْكُورَةِ وَمَا ذَكَره فِي مَسْأَلَتِنَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهَا شَيْئًا لِأَحَدٍ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ إذْ لَوْ رَأَى فِيهَا كَلَامَ مِثْلِ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ السَّابِقِ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ وَالْمَسْأَلَةُ إجْمَاعِيَّةُ وَلَمْ يُخَالِف فِيهَا أَحَدٌ إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْد أَنْ بَانَ لَك أَنَّ الْقَائِلَ بِخِلَافِ مَا قَالَهُ فِيهَا مِثْلُ الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ فَلَا مُعَوِّل عَلَى مَا ذَكَره حِينَئِذٍ وَلَا نَظَرَ لِقَوْلِهِ: إجْمَاعِيَّةٌ وَلَا إلَى قَوْلِهِ: إلَّا مِمَّنْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَيُقَال: لَهُ إنَّمَا كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْلَمَ لَكَ مَا ذَكَرْتَ أَنْ لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ لَا نَقْلَ فِيهَا مِنْ مِثْل الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا مَرَّ، وَأَمَّا بَعْد أَنْ وُجِدَتْ مَنْقُولَةً وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَى غَيْرِ الْمَنْقُولِ فِيهَا ثُمَّ فِي كَلَامِهِ أُمُورٌ: مِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِهَاتَيْنِ الصِّيغَتَيْنِ مِنْ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِ قَرَائِنُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ فَيُعْمَلُ بِهَا ظَاهِرٌ بَلْ صَرِيحٌ فِي الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ الْمُتَبَادِر مِنْهُ فِي مَسْأَلَتنَا الْمُعَيَّن أَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا حَجْبُ كُلِّ فَرْعٍ بِأَصْلِهِ لِمَا احْتَفَّ بِهِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْآتِيَةِ، وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ قَائِلٌ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ الَّتِي يَأْتِي التَّصْرِيحُ بِهَا فِي كَلَام غَيْرِهِ وَأَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَسْأَلَتنَا فَلْيُعْلَمْ بُطْلَانَ قَوْلِهِ فِي صُورَةِ الْإِفْتَاءِ الَّتِي ذَكَرهَا فِيمَا مَرَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِمَا قَدَّمَهُ قَبْله بِقَلِيلٍ، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ لَا يَسْلَم أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ قَرِينَةٌ.
(قُلْتُ:) لَا يَسَعُهُ إنْكَارُ ذَلِكَ لِمَا هُوَ جَلِيٌّ مِنْ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَهُ مَفْهُومٌ وَأَنَّ مَفْهُومَهُ، وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا كَمَا يَأْتِي بَيَانُهُ لَكِنْ مَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَمَا دَلَّ عَلَيْهِ عُرْفُهُمْ يُرَجِّحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِمَفْهُومِهِ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُرَادُ ذَلِكَ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ لَغْوًا وَبَيَانُهُ أَنَّ صَرِيحَ الْعَطْف بِثُمَّ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ هَذَا الشَّرْطِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ الْبَطْنِ الثَّانِي مَا بَقِيَ أَحَدٌ
مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْجُمْهُورِ فَلَوْ أَلْغَيْنَا مَفْهُومَ هَذَا الشَّرْطِ، وَقُلْنَا: إنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ عَنْ وَلَدٍ يَنْتَقِلُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ دُونَ وَلَدِهِ لَزِمَ إلْغَاءُ هَذَا الشَّرْطِ مِنْ أَصْلِهِ، وَإِلْغَاءُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الْوَاقِفِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِ وَمَعَ ظُهُورِهِ وَقُرْبِهِ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ لَا يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا مَرَّ أَنَّ أَكْثَر كُتُبِ الْأَوْقَافِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَطْف بِثُمَّ فِي الْمَرَاتِب بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ فَرْعٌ، وَإِلَّا انْتَقَلَ مَا كَانَ لَهُ لِفَرْعِهِ، وَلَوْ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي طَبَقَةِ الْمَيِّتِ وَيُصَرِّحُونَ بِذَلِكَ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ عُرْفُ الْوَاقِفِينَ وَتَطَابَقَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ كُتُبِهِمْ فَلْيُعْمَلْ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَتنَا الْمُؤَيِّدِ لِذَلِكَ وَيُحْمَلُ الْمُوَثِّقُ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَرَكَ التَّصْرِيحَ بِذَلِكَ الْمَفْهُوم لِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ السَّابِقَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الزَّرْكَشِيّ سَلَّمَ أَنَّهُ إذَا كَانَ هُنَاكَ قَرِينَةٌ تُنَافِي الْعَطْف بِثُمَّ وَنَحْوِهَا عُمِلَ بِتِلْكَ الْقَرِينَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ تِلْكَ الْقَرِينَةَ فِي مَسْأَلَتنَا مَوْجُودَة كَمَا يَأْتِي بَيَانُهَا بِأَبْسَطَ مِمَّا مَرَّ، وَمَنْ زَعَمَ خِلَافَهُ فَلْيُثْبِتْهُ بِدَلِيلٍ، وَلَا يَظْهَرُ بِهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ أَوَّلًا يَرُدُّ مَا قَالَهُ فِي صُورَةِ الْإِفْتَاءِ الَّتِي ذَكَرهَا آخِرًا وَكَفَى بِهَذَا عَلَى فَرْضِ أَنْ لَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَكَيْفَ بِهِ مَعَ وُجُودِ النَّقْلِ فِيهَا، وَمِنْهَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَقَدْ اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِذَلِكَ فَأَفْتَى إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ: هَذَا الِاغْتِرَارُ صَحِيحٌ وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ مُؤَيِّدٌ لِمَا ذَكَره هَذَا الْبَعْضُ وَأَفْتَى بِهِ الْمَوَاقِفُ لِلْمَنْقُولِ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ، وَآخِر كَلَامِ الرَّافِعِيِّ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ مُجَرَّدَ دَعْوَى، وَاَلَّذِي ذَكَره بَعْدُ مُبَايِنٌ لِمَا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُهُ: عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ أَوْلَادِي، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ فَإِذَا مَاتَ أَحَدُهُمْ كَانَ نَصِيبُهُ لِأَوْلَادِهِ خَاصَّةً وَيُشَارِكُونَ الْبَاقِينَ فِيمَا عَدَا نَصِيبَ أَبِيهِمْ اهـ.
وَهَذَا لَيْسَ مُشَابِهًا لِمَا نَحْنُ فِيهِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ فَكَيْف يَدَّعِي أَنَّهُ يُبَيِّنُ مُرَادَهُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مَعَ تَبَايُنِ الصُّورَتَيْنِ؟ ، فَإِنَّ فِي صُورَتِنَا الْعَطْفُ بِثُمَّ وَهَذِهِ فِي الْعَطْف بِالْوَاوِ الْمُقْتَضِي لِأَخْذِ الْوَلَدِ نَصِيبَ أَبِيهِ وَمُشَارَكَتِهِ الْبَاقِينَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ النَّصِيبِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَتَبِعَهُ فِي الرَّوْضَةِ عَلَى الْجَزْمِ بِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قِيلَ: إنَّ ظَاهَرَ كَلَام الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لِلتَّرْتِيبِ.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ، مُرَادُهُ بِذَلِكَ مَا قَدَّمَهُ عَلَى قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا حَكَى الْأَئِمَّةُ فِي نَصِيبِهِ وَجْهَيْنِ: أَظْهَرهمَا وَيَحْكِي عَنْ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى الْمَسَاكِينِ انْقِرَاضَهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ وَالثَّانِي: عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْمَسَاكِينِ وَيُقَال: صَارَ الْوَقْفُ فِي نَصِيبِ الْمَيِّتِ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ اهـ. كَلَامُ الرَّافِعِيِّ.
قَالَ الزَّرْكَشِيّ: فِيهِ أَمْرٌ: أَنَّ أَحَدَهُمَا مَا قَالَ إنَّهُ الْقِيَاس وَلَمْ يَذْكُرهُ مَنْقُولًا وَقَدْ ذَكَرَهُ بَعْد ذَلِكَ بِقَلِيلٍ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي الْفَرَجِ عَنْ صَاحِبِ الْإِقْنَاعِ وَهُوَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَمَا عَزَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْإِفْصَاحِ هُوَ مَا بَحَثَهُ هُنَا وَأَيْضًا فَيَكُونُ لِلطَّبَرِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ ثُمَّ رَأَيْته فِي التَّقْرِيبِ لِابْنِ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ احْتِمَالًا لَهُ فَقَالَ: يَحْتَمِل هَذَا وَجْهَيْنِ: أَحَدَهُمَا: أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ لِلْوَاقِفِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ مَخْرَجًا بَعْد مَوْتِ مَنْ يَمُوتُ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ لِلْبَاقِينَ وَلَا لِغَيْرِهِمْ، وَالْحُكْمُ فِي حِصَّةِ مَنْ مَاتَ إذَا لَمْ يُبَيِّن مَخْرَجًا كَالْحُكْمِ فِيمَا إذَا مَاتُوا، وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ، وَمَنْ قَالَ بِهِ قَالَ: لَوْ جَعَلَهُ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ وَلَدِ وَلَدِهِ وَلَهُ عِدَّةُ أَوْلَادٍ فَمَاتَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ تَرْجِعْ حِصَّتُهُ إلَى سَائِرِ الْأَوْلَادِ وَلَا إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَيُرْجَعُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ كُلُّهُمْ عَادَ الْوَقْفُ كُلّه إلَى وَلَدِ الْوَلَدِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى شُرَكَائِهِ فِي الْوَقْفِ اهـ.
الْمَقْصُودُ مِنْ كَلَام الزَّرْكَشِيّ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِهِ السَّابِقِ وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِير مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَحِينَئِذٍ فَإِنْ أَرَادَ بِالْإِشَارَةِ فِي ذَلِكَ مَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُهُ مِنْ اسْتِحْقَاقِ وَلَدِ الْوَلَدِ غَيْرُ صَحِيحٍ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ إذْ لَا مُنَاسَبَةَ بَيْن اسْتِحْقَاقِ وَلَدِ الْوَلَدِ هُنَا وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ بَلْ بَيْنهمَا غَايَةُ التَّنَافِي؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاق الْفَرْع هُنَا يُخْرِجُهُ عَنْ الِانْقِطَاعِ فِي الْوَسَطِ وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يُحَقِّقُ الِانْقِطَاع فِيهِ فَأَيْنَ هَذَا مِنْ ذَاكَ، وَإِنْ أَرَادَ الَّذِي قَالَهُ هُوَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتِ
دُون وَلَدِهِ هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَلَامِ صَاحِب التَّقْرِيبِ فَكَفَى بِذَلِكَ شَاهِدًا عَلَى ضَعْفِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَلْ شُذُوذِهِ؛ لِأَنَّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ ثَمَّ ضَعِيفٌ جِدًّا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ وَافَقَ بَحْثَ الرَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْحَثهُ مُتَعَمِّدًا لَهُ بَلْ مُبَيِّنًا أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصُّورَة أَعْنِي مَا إذَا وُقِفَ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاء فَمَاتَ أَحَدُهُمَا يُشْبِهُ مُنْقَطِعَ الْوَسْطِ فَيَأْتِي فِيهَا جَمِيعُ الْأَوْجُهِ فِي مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا الِانْتِقَالُ إلَى أَقْرِبَاءِ الْوَاقِفِ بَلْ هُوَ أَصَحُّهَا لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْلَم لَهُ لَوْ كَانَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ فِيهَا انْقِطَاعٌ مُحَقَّقٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِي الِانْتِقَالِ لِلْمَسَاكِينِ انْقِرَاضَهُمَا جَمِيعًا وَلَمْ يُوجَدْ
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ ظَهَرَ بِذِكْرِ الزَّرْكَشِيّ لِذَلِكَ أَنَّ مَا صَوَّبَهُ وَغَلَّطَ مَنْ خَالَفَهُ إنَّمَا هُوَ بِنَاءً عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ فِي صُورَتِهِ انْقِطَاعًا فِي الْوَسَطِ كَمَا فِي صُورَةِ الرَّافِعِيِّ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا انْقِطَاعَ فِي الْوَسَطِ ثَمَّ فَكَذَلِكَ هُنَا بِالْأُولَى عَلَى أَنَّ تَخْرِيجَهُ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ عَجِيبٌ مَعَ قَوْلِهِ عَقِبَ قَوْلِهِ: وَقَدْ سَبَقَ مِنْ كَلَام صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ يَصِيرُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ أَنَّ مَا حَاوَلَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ تَخْرِيجِ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ فَكَيْفَ يُخَرِّجُ هُوَ وَيَذْكُر أَنَّ مَا قَالَهُ وَصَوَّبَهُ هُنَا هُوَ مَا مَرَّ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ فِي تِلْكَ؟ ، فَوَقَعَ فِي مَحْذُورَيْنِ: التَّخْرِيجِ مَعَ وُجُودِ الْفَرْقِ وَالتَّخْرِيجِ عَلَى ضَعِيفٍ فِي تِلْكَ لَا عَلَى الصَّحِيحِ فَنَتَجَ مِنْ ذَلِكَ ضَعْفُ مَا صَوَّبَهُ وَفَسَادُ تَغْلِيطِهِ لِغَيْرِهِ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَيْضًا ضَعْفُ مَا أَفْتَى بِهِ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّه عَهْدَهُ تَبَعًا لَهُ كَالسُّبْكِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ابْنَيْنِ وَبِنْتَيْنِ الذُّكْرَانِ كُلٌّ مِنْ أُمٍّ وَالِابْنَتَانِ مِنْ أُمٍّ بَيْنهمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَشَرَط أَنَّ مَنْ مَاتَ بِلَا وَلَدٍ أَوْ نَسْلٍ عَادَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ لِلْمُتَوَفَّى فَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بِلَا وَلَدٍ فَانْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَخِيهِ وَأُخْتِهِ وَإِحْدَى الْبِنْتَيْنِ بِلَا وَلَدٍ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِنَصِيبِهَا أَخُوهَا أَوْ أُخْتهَا أَوْ يَشْتَرِكَانِ؟ وَإِذَا مَاتَتْ الْأُخْرَى عَنْ أَوْلَادٍ فَهَلْ يَرْجِع نَصِيبُهَا وَنَصِيبُ أُخْتِهَا لِأَوْلَادِهَا وَأَخِيهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَشْتَرِكُ الْأَخُ وَالْأُخْتُ فِيمَا كَانَتْ تَسْتَحِقُّهُ الْأُولَى فَلَا يَرْجِعُ اسْتِحْقَاقُ الثَّانِيَةِ إلَى أَوْلَادِهَا، وَإِنْ أَفْتَى بِهِ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ إذْ مَفْهُومُهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ عِنْد وُجُودِ الْأَوْلَادِ يَكُونُ لِمَنْ فِي دَرَجَةِ الْمُتَوَفَّى وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ لِأَوْلَادِهِ، بَلْ يَرْجِعَ اسْتِحْقَاقُهَا إلَى أَخِيهَا لَا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ بَلْ لِكَوْنِ الْوَقْفِ صَارَ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ وَأَخُوهَا أَقْرَبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ اهـ.
وَجَرَى عَلَى نَظِيرِ ذَلِكَ فِي أَمَاكِن مِنْ فَتَاوِيهِ وَيُرَدُّ مَا ذَكَره بِأَنَّ قَوْلَهُ: لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ لِأَوْلَادِهِ إلَخْ مَمْنُوعٌ بِاعْتِبَارِ مَا مَرَّ وَمَا يَأْتِي وَعَلَى تَسْلِيمِهِ فَهُوَ لَا يَقْتَضِي الِانْقِطَاعَ الَّذِي ذَكَره؛ لِأَنَّا لَا نَبْنِي عِبَارَةَ الْوَاقِفِينَ عَلَى الدَّقَائِقِ الْأُصُولِيَّةِ وَالْفِقْهِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَإِنَّمَا نُجْرِيهَا عَلَى مَا يَتَبَادَرُ وَيُفْهَمُ مِنْهَا فِي الْعُرْفِ وَعَلَى مَا هُوَ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَعَادَاتهمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كَلَام الزَّرْكَشِيّ أَنَّ الْقَرَائِنَ يُعْمَلُ بِهَا فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَذَا الَّذِي ذَكَره الشَّيْخُ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ إلَّا أَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ، وَالْمَفْهُومُ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْطِ عَادَةً عُرْفًا فَإِنَّا لَوْ لَمْ نَعْمَلْ بِمَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ عِنْد وُجُودِ الْوَلَد لَا يَرَى صَرْفه لَهُ وَلَا لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا إذَا لَمْ يُعْهَدُ مِنْ أَحَدٍ.
، وَإِنَّمَا الَّذِي يَقْصِدُونَهُ بِذَلِكَ أَنَّ الْفَرْعَ يَجُوزُ مَا كَانَ لِأَصْلِهِ وَأَنَّهُ لَا يُحَرَّمُ بِمَنْ فِي دَرَجَة أَصْلِهِ؛ لِأَنَّ مَعَهُ نَصِيبًا مِنْ الْوَاقِف، وَالْفَرْعُ لَا نَصِيب لَهُ فَيَقْصِد الْوَاقِفُونَ رِفْقَ الْفَرْع بِنَصِيبِ أَصْلِهِ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا هُوَ مَقْصُودُهُمْ وَأَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ غَيْرَهُ لِبُعْدِهِ فَلَا مُعَوِّلَ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ أَظْهَر مَقَاصِدِ اللَّفْظِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ وَقَدْ صَرَّحُوا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي بِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إذَا تَرَدَّدَتْ تُحْمَلُ عَلَى أَظْهَرِ مَعَانِيهَا، وَبِأَنَّ النَّظَر إلَى مَقَاصِد الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَر كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ عَنْ الْبَحْرِ: لَوْ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَعَلَ لِأَوْلَادِهِمْ شَيْئًا قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اُعْتُبِرَ انْقِرَاضُهُمْ بَعْد انْقِرَاضِ وَلَدِهِ.
قَالَ أَبُو حَامِدٍ: هِيَ مَسْأَلَةٌ حَدَثَتْ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا فَأَفْتَيْتُ فِيهَا بِأَنَّ هَذَا الْوَقْفَ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ فَيُخَرَّجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مُنْقَطِع الِابْتِدَاءِ مَعْلُومِ الِانْتِهَاءِ، أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ، وَالثَّانِي يَصِحُّ وَإِلَى مَنْ يُصْرَفُ بَعْد انْقِرَاضِ الْوَلَدِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَالْفَتْوَى أَنَّهُ لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ حَتَّى تَنْقَرِضَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ ثُمَّ يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ: وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: عِنْدِي يَنْتَقِلُ الْوَقْفُ إلَى وَلَدِ (الْوَلَدِ) عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَقَدْ ذَكَر الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الشَّهَادَات مِنْ الْأُمِّ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ لَهُمْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا شَرَطَ انْقِرَاضَهُمْ؛ لِاسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِمْ قَالَ: أَعْنِي الْأَذْرَعِيَّ وَقُلْت: وَالْمُخْتَارُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ، وَإِنَّمَا يَجِيء هَذَا غَالِبًا مِنْ الْكَاتِبِ وَالنَّظَرُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَرٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِالْأَوَّلِ وَلَدَ الظَّهْرِ خَاصَّةً بَلْ هُوَ وَلَدُ الْوَلَدِ ثُمَّ رَأَيْتُنِي ذَكَرْتُ فِي الْغَنِيَّةِ أَنَّ كَلَامَ الْأَكْثَرِينَ مَائِلٌ إلَى تَرْجِيحِ أَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَقِيلَ: يُجْعَلُ ذِكْرُهُمْ قَرِينَةً فِي دُخُولِهِمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، إذْ الِانْقِطَاعُ لَا يُقْصَدُ وَلَا حِرْمَانُهُمْ وَإِعْطَاءُ الْفُقَرَاءِ مَعَ بَقَائِهِمْ وَالظَّاهِرُ أَنِّي تَبِعْت فِي ذَلِكَ أَبَا الْحَسَنِ السُّبْكِيّ رحمه الله وَكَأَنَّهُ أَرَادَ بِابْنِ أَبِي عَصْرُونَ يَعْقُوبَ فَلَهُ مُؤَلَّفٌ حَسَنٌ عَلَى الْمُهَذَّبِ، وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ فَجَزَمَ فِي مُرْشِدِهِ بِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ وَكَذَا فِي انْتِصَارِهِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُقْصَدُ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ هَذَا غَالِبًا مِنْ الْكَاتِبِ وَقَوْلُهُ: وَالنَّظَرُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَرٌ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ: إنَّ قَوْلَهُ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَأَوْلَادُهُمْ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ إلَخْ فَعُلِمَ أَنَّ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَتنَا مَا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ حِرْمَانَ الْفَرْعِ وَإِعْطَاءَ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْأَصْلِ مَعَ وُجُودِ الْفَرْعِ لَا يُقْصَدُ سِيَّمَا مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ حِرْمَانِ الْفَرْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَيْسَ حِرْمَانُهُ حِينَئِذٍ مِنْ مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْر وَلَدٍ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَكَانَ مَا قَدَّمْتُهُ فِي مَسْأَلَتنَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْفَرْعِ مُسَاوِيًا لِمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ فِي الْعِلَّة وَالْقَرِينَة حَرْفًا بِحَرْفِ، فَإِنْ قُلْت: مَا اخْتَارَهُ وَوَجَّهَهُ بِمَا ذَكَرَ لَيْسَ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ قُلْت: الْحُكْمُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ الْعِلَلَ الَّتِي ذَكَرهَا يُمْكِن الِاسْتِنَادُ إلَيْهَا وَالتَّعْوِيلُ عَلَيْهَا إذْ الْغَالِبُ فِي الْعِلَلِ أَنْ يَكُونَ مُتَّفَقًا عَلَيْهَا أَوْ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا فَلَا يَلْزَمُ مِنْ ضَعْفِ الْحُكْمِ لِمَعْنًى آخَرَ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِد ضَعَّفَ عِلَّتَهُ، فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ بَيْن مَسْأَلَته وَمَسْأَلَتنَا وَلِمَ كَانَ الصَّحِيحُ خِلَافَ مَا قَالَهُ فِي تِلْكَ مَعَ تَعْلِيله بِمَا ذَكَرَ الَّذِي اسْتَنَدْتُمْ إلَيْهِ فِي مَسْأَلَتكُمْ؟ قُلْتُ: لِأَنَّ مَسْأَلَتنَا انْضَمَّ إلَى الْقَرِينَة الْحَالِيَّةِ فِيهَا قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ هِيَ مَفْهُومُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُهُ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ وَهِيَ بِمُجَرَّدِهَا غَيْرُ كَافِيَةٌ، فَإِنْ قُلْت: بَلْ فِي مَسْأَلَتِهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ أَيْضًا هِيَ ذِكْرُ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ قُلْتُ: هَذِهِ قَرِينَةٌ ضَعِيفَةٌ؛ لِأَنَّ ذِكْرَهُمْ مَعَ عَدَمِ النَّصِّ لَهُمْ عَلَى شَيْءٍ لَا بِطَرِيقِ الْمَنْطُوقِ وَلَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ لَا يُلْحِقهُمْ بِذِكْرِ الشَّرْطِ فِي مَسْأَلَتنَا
لِأَنَّ مَفْهُومَهُ الْمُتَبَادِرَ مِنْهُ أَنَّ الْأَوْلَادَ يُعْطَوْنَ فَلَا تُقَاسُ إحْدَى الْقَرِينَتَيْنِ بِالْأُخْرَى، وَلَيْسَتْ كُلُّ قَرِينَةٍ مُعْتَدًّا بِهَا كَمَا أَشَارَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ قَوِيَّةٍ لِذَاتِهَا أَوْ لِمَا انْضَمَّ إلَيْهَا.
وَمِمَّا يَرُدُّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا مَا أَفْتَى هُوَ بِهِ فِي رَجُلٍ اسْمُهُ نُورُ الدِّينِ مَلَّكَ أَجْنَبِيًّا أَرْضًا لِيَقِفهَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَاده فَلَمَّا مَلَكهَا وَقَفَهَا عَلَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ مُحَمَّدٍ وَعِمَادِ الدِّينِ وَنُورِ الدِّينِ وَكَمَالِ الدِّينِ وَبَرَكَةَ وَعَلَى مَنْ سَيَحْدُثُ لَهُمْ مِنْ الْأَوْلَادِ يَنْتَفِعُونَ بِذَلِكَ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ مَثَلًا وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبهمْ مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ نُورُ الدِّينِ وَصَارَ الْوَقْفُ لِأَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ ثُمَّ بَدْرُ الدِّينِ عَنْ وَلَدَيْهِ مُحَمَّدٍ وَفَاطِمَةَ ثُمَّ كَمَالُ الدِّينِ عَنْ بِنْتِهِ أَمَةِ الْخَالِقِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ هَذِهِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلِعَمِّهَا مُحَمَّدٍ وَلَدَانِ ذَكَرَانِ وَلِعَمِّهَا عِمَادِ الدِّين وَلَدٌ ذَكَرٌ وَلِعَمَّتِهَا بَرَكَةَ وَلَدٌ ذَكَرٌ فَهَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّتِهَا لِبَقِيَّةِ أَعْمَامِهَا
الثَّلَاثَةِ أَوْ لِأَوْلَادِهِمْ الْأَرْبَعَةِ أَوْ لِوَلَدَيْ عَمِّهَا بَدْرِ الدِّينِ أَوْ لِأَقْرَب النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَهُوَ الرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ الَّذِي جُعِلَ وَاسِطَةً فِي ذَلِكَ أَوْ لِجَمِيعِ الْأَوْلَادِ؟
فَأَجَابَ شَيْخُنَا بِأَنَّهُ يُحْتَمَل أَنْ يَصِيرَ حَقُّهَا لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ؛ لِانْقِطَاعِ الْوَقْفِ فِي حِصَّتِهَا عَمَلًا بِقَضِيَّةِ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي الْأَوْلَادِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ لِمَنْ فِي دَرَجَتهَا وَهُمْ أَوْلَادُ أَعْمَامِهَا تَسْوِيَةً بَيْن الْمُتَعَاطِفِينَ فِي الْمُتَعَلِّقِ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا، وَهَذَا هُوَ الْأَوْجَهُ لِاطِّرَادِهِ بَلْ لِلْقَرِينَةِ وَهِيَ الْغَالِبُ وَغَرَضِ الْوَاقِفِ إذْ الْغَالِبُ اتِّصَالُ الْوَقْفِ وَغَرَضُ الْوَاقِفِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَنَافِع الْمَوْقُوفِ لَهُ وَلِذُرِّيَّتِهِ مَا لَمْ يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ ظَاهِرٌ اهـ.
فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ جَعَلَ الْغَالِبَ وَهُوَ اتِّصَالُ الْوَقْفِ قَرِينَةً مُرَجِّحَةً، وَكَذَا جَعْلُ غَرَضِ الْوَاقِفِ قَرِينَةً مُرَجِّحَةً، وَإِذَا جُزِمَ بِأَنَّ هَاتَيْنِ قَرِينَتَانِ مُرَجِّحَتَانِ هُنَا مَعَ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى خِلَافِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَمَا يُعْلَم بِتَأَمُّلِهِ فَمَا ظَنُّك بِهِمَا فِي مَسْأَلَتك فَلْيَكُونَا مُرَجِّحَيْنِ فِيهَا بِالْأَوْلَى فَإِنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ فِيهَا لَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا دَلَّتَا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُحْتَمَلُ مَا دَلَّتَا عَلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُمَا فَرَجَّحْنَا بِهِمَا أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ أَوْ أَحَدَ الِاحْتِمَالَات، وَبَيَانُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يَحْتَمِلُ أُمُورًا: أَحَدُهَا أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، وَهَذَا هُوَ الْغَالِبُ كَمَا قَدَّمْته غَيْرَ مَرَّةٍ، وَفِيهِ أَيْضًا الْفِرَارُ مِنْ الِانْقِطَاعِ الَّذِي هُوَ نَادِرٌ وَغَيْرُ مَقْصُودٍ ثَانِيَهَا: أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ تَكُونُ حِصَّتُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ حِينَئِذٍ مَفْهُومَ مُوَافَقَةٍ لَا مُخَالَفَةٍ.
وَسَيَأْتِي بَقِيَّةُ الِاحْتِمَالِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّل لِاعْتِضَادِهِ بِتَيْنِكَ الْقَرِينَتَيْنِ فَرَجَّحْنَاهُ وَعَمِلْنَا بِعَيْنِ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا فِي جَوَابِ هَذَا السُّؤَالِ، وَإِنَّمَا مَشَى عَلَى مَا مَرَّ تَبَعًا لِلزَّرْكَشِيِّ وَهُنَا لَمْ يَتْبَعْ أَحَدًا فَكَانَ مَا قَالَهُ هُنَا مِنْ التَّعْلِيلِ بِمَا ذَكَرُهُ الَّذِي هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتنَا بِمَا قُلْنَاهُ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ وَالْأَخْذِ بِهِ فِي التَّرْجِيحِ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا مَرَّ عَنْ الْقَفَّالِ مِنْ أَنَّ أَغْرَاضَ الْوَاقِفِينَ مُعْتَبَرَةٌ وَلِمَا مَرَّ مَبْسُوطًا عَنْ الْأَذْرَعِيِّ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَبِهِ تَسْهُلُ مُخَالَفَتُهُ فِي إفْتَائِهِ بِمَا مَرَّ تَبَعًا لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْإِفْتَاءِ أَيْضًا مَا قَالَهُ فِي جَوَابِ سُؤَالٍ آخَر.
وَهُوَ أَنَّ شَخْصًا وَقَفَ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَشَرَطَ أَنْ يُصْرَفَ مِنْ رِيعِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ لِجِهَةٍ عَيَّنَهَا ثُمَّ بَاقِي الرِّيعِ يُصْرَفُ لِبِنْتَيْهِ خَدِيجَةَ وَفَاطِمَةَ وَلِوَلَدَيْ خَدِيجَةَ هَذِهِ أَحْمَدَ وَسِتَّ الْعَجَمِ وَلِمَنْ يَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ وَيُقَسَّمُ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ وَلَدُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى إلَى حِينِ انْقِرَاضهمْ خَلَا وَلَدَيْ بِنْتِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَك وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ أَوْ.
(وَلَدِ) وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا نَسْلًا وَلَا ذُرِّيَّةً انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ لِمَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَقْفِ يَسْتَقِلُّ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يَتَدَاوَلُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَى حِين انْقِرَاضِهِمْ فَهَلْ إذَا مَاتَتْ سِتُّ الْعَجَمِ بِنْتُ خَدِيجَةَ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ دُخُولِهَا فِي الْوَقْفِ وَخَلَّفَتْ أَوْلَادًا يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ وَيَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا مِنْ رِيعِهِ مَعَ وُجُودِ فَاطِمَةَ بِنْت الْوَاقِفِ أَوْ لَا؟
فَأَجَابَ الشَّيْخُ بِأَنَّ سِتَّ الْعَجَمِ إذَا مَاتَتْ وَتَرَكَتْ أَوْلَادًا فَلَا يَدْخُلُونَ فِي الْوَقْفِ لِقَوْلِ الْوَاقِفِ خَلَا وَلَدَيْ بِنْت الْوَاقِفِ إلَخْ أَيْ: فَإِنَّ أَوْلَادَهُمَا لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا هَذَا هُوَ مَدْلُولُ هَذَا اللَّفْظِ، فَإِنْ قُلْت: بَلْ يَدْخُلُونَ وَيَسْتَحِقُّونَ مَا كَانَتْ تَسْتَحِقّهُ أُمّهمْ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ وَتَرَك وَلَدًا إلَخْ وَيَكُونُ قَوْلُهُ: خَلَا وَلَدَيْ بِنْت الْوَاقِفِ إلَخْ رَاجِعًا إلَى قَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى أَيْ: خَلَا وَلَدَيْ بِنْت الْوَاقِفِ فَإِنَّهُمَا لَا يُحْجَبَانِ بِهَا وَإِنْ كَانَا أَسْفَلَ مِنْهَا، وَهَذَا، وَإِنْ فُهِمَ مِنْ عَطْفِهِمَا عَلَيْهَا بِالْوَاوِ الْمُشْرِكَةِ لَكِنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ خُرُوجُهُمَا بِقَوْلِهِ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ أَبَدًا الطَّبَقَةَ السُّفْلَى فَصَرَّحَ بِهَا دَفْعًا لِهَذَا التَّوَهُّمِ قُلْت: ذَلِكَ يُحْتَمَلُ لَكِنَّهُ لَا يُنَافِي الظُّهُورَ فِيمَا قُلْنَا عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ
الِاسْتِثْنَاءُ الْمَذْكُورُ تَأْكِيدًا، وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنْهُ وَلَا نَظَرَ مَعَ ظُهُورِ اللَّفْظِ فِيمَا قُلْنَا إلَى اسْتِبْعَادِهِ بِأَنَّ فِيهِ حِرْمَانَ بَعْضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دُونَ بَعْضٍ بِلَا سَبَبٍ ظَاهِرٍ اهـ. كَلَامُ الشَّيْخِ.
وَبِتَأَمُّلِهِ يَتَّضِحُ مَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتِنَا أَتَمَّ إيضَاحٍ وَأَظْهَرَ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ فِيهَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ لَهُ مَفْهُومٌ قَطْعًا لَكِنَّ ذَلِكَ الْمَفْهُومَ مُحْتَمِلٌ أُمُورًا تَقَدَّمَ بَعْضُهَا، وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَفْهُومَهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِوَلَدِ الْمَيِّتِ وَمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَقَطْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ لِلْوَلَدِ وَلَا لِمَنْ فِي الدَّرَجَةِ، وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ هُوَ الْغَالِبُ الْمُصَرِّحُ بِهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَلَيْسَ فِيهِ ارْتِكَابُ الِانْقِطَاعِ الَّذِي هُوَ نَادِرٌ أَنْ يَقْصِدَهُ أَحَدٌ مِنْ الْوَاقِفِينَ كَمَا قَدَّمْتُهُ قَرِيبًا عَنْ شَيْخِنَا فَرَجَّحْنَا هَذَا الِاحْتِمَالَ لِهَذِهِ التَّأْيِيدَات، وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّانِي فَبَعِيدٌ كَمَا يَشْهَدُ بِهِ الذَّوْقُ، وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ الشَّيْخُ وَمَنْ تَبِعَهُ فَيُرَدُّ بِعَيْنِ مَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِ مِمَّا اسْتَوْفَيْنَاهُ فِيمَا مَرَّ وَبِعَيْنِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ هُنَا وَهُوَ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا إلَخْ تَأْكِيدٌ؛ لِأَنَّهُ فُهِمَ مِنْ الْعَطْفِ بِثُمَّ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَهَذَا يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا إلَخْ؛ لِأَنَّ إذَا لَمْ نَعْمَلْ بِمَفْهُومِهِ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ الْإِتْيَانُ بِهِ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ؛ لِأَنَّا كُنَّا نَعْمَلُ بِالِانْتِقَالِ إلَى الْبِنْتِ الْبَاقِيَةِ.
وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَذَا الشَّرْطُ فَلَمْ يُفِدْ التَّصْرِيحُ بِهِ إلَّا مُجَرَّدَ التَّأْكِيدِ بِخِلَافِ مَا قُلْنَا بِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُفِيدُ بِمَفْهُومِهِ شَيْئًا لَمْ يُفِدْهُ الْكَلَامُ لَوْ حُذِفَ مِنْهُ هَذَا الشَّرْطُ بَلْ كَانَ يُفْهِمُ خِلَافُهُ كَمَا تَقَرَّرَ هَذَا هُوَ عَيْنُ التَّأْسِيسِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ وَإِذَا كَانَ الشَّيْخُ أَخَذَ فِي جَوَابِهِ السَّابِقِ قَرِيبًا بِقَضِيَّةِ التَّأْسِيسِ؛ لِأَنَّهُ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ مَعَ مُنَافَاةِ اللَّفْظِ لِذَلِكَ وَمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِمَّا اعْتَرَفَ بِهِ كَمَا قَرَّرَهُ فِي جَوَابِهِ وَلَيْسَ مُسْتَنَدُهُ فِي هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ إلَّا الْأَخْذَ بِقَاعِدَةِ أَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ الْمُصَرَّحِ بِهَا فِي فَتَاوَى السُّبْكِيّ وَغَيْرهَا فَلِيَكُنْ الْعَمَل بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي مَسْأَلَتنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى لِتَعَيُّنِ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ؛ وَلِأَنَّ اللَّفْظَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ دَالًّا عَلَى خِلَافِهَا بَلْ عَلَى مَا يُوَافِقهَا مِمَّا تَقَرَّرَ فِي سَبَبِ تَرْجِيحِ الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ فَتَأَمَّلْ إفْتَاءَ الشَّيْخِ هَذَا أَيْضًا تَجِدْهُ قَاضِيًا عَلَى إفْتَائِهِ فِي نَحْوِ صُورَتِنَا بِأَنَّهُ تَبِعَ فِيهِ السُّبْكِيّ وَالزَّرْكَشِيَّ مِنْ غَيْرِ إعْطَاءِ الْمَسْأَلَةِ حَقَّهَا مِنْ نَظَرٍ وَمِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ مَا قَدَّمْته مِنْ بَعْضِ أَجْوِبَةِ السُّبْكِيّ الْقَاضِيَةِ بِرَدِّ مَا قَالَهُ فِي نَحْوِ صُورَتِنَا، وَلَوْ أَعْطَاهَا حَقّهَا مِنْ ذَلِكَ لَأَفْتَى فِيهَا بِمَا يُوَافِقُ مَا أَفْتَى بِهِ فِي هَذَا السُّؤَالِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ هَذَا.
وَفِي بَعْضِ أَجْوِبَةِ الشَّيْخِ التَّابِعِ فِيهَا لِمَنْ مَرَّ زِيَادَةً عَلَى مَا قَدَّمَهُ فَنَذْكُرُهَا مَعَ رَدِّهَا، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ وَقَفَتْ عَلَى بِنْتهَا فَاطِمَةَ وَسِتّ رَيْحَانَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ عَلَى الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ انْقَرَضَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذُرِّيَّةٌ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ الْأَشِقَّاءِ الْأَشِقَّاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَلِإِخْوَتِهِ لِلْأَبِ ثُمَّ عَلَى أَقْرَبِ عَصَبَاتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ سِتُّ رَيْحَانَ وَتَرَكَتْ أَوْلَادًا فَاسْتَقَلُّوا بِحِصَّتِهَا وَتُوُفِّيَتْ أُخْتُهَا فَاطِمَةُ عَنْ ابْنٍ يُسَمَّى عَبْدَ اللَّهِ وَبِنْتٍ تُسَمَّى قَمَرَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنٍ وَعَنْ أَخِيهَا عَبْدِ اللَّهِ فَهَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّةُ قَمَرٍ لِابْنِهَا أَوْ لِأَخِيهَا؟
فَأَجَابَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَخُ أَخًا لِأُمٍّ، فَالْحَقُّ لَهُ وَلِأَوْلَادِ سِتِّ رَيْحَانَ عَمَلًا بِالتَّرْتِيبِ الْمُفَادِ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا، وَإِنْ كَانَ أَخًا لِغَيْرِ أُمٍّ فَقَدْ تَعَارَضَ هُنَا أَمْرَانِ مُقْتَضَى اعْتِبَارِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْحَقَّ لِأَخِي قَمَرَ وَأَوْلَادِ سِتّ رَيْحَان لِكَوْنِهِمْ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَمُقْتَضَى مَفْهُومِ تَقْيِيدِ انْتِقَالِ مَا كَانَ لَهَا إلَى إخْوَتِهَا بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ أَنَّ الْحَقَّ لَيْسَ لِأَخِيهَا لِوُجُودِ وَلَدِهَا وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِوَلَدِهَا، وَإِنْ اُحْتُمِلَ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ فَيَكُونُ الْحَقُّ بِمُقْتَضَى التَّرْتِيبِ لِأَخِيهَا وَلِأَوْلَادِ سِتِّ رَيْحَانَ لِكَوْنِهِمْ فِي دَرَجَةِ قَمَرَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِأَوْلَادِ سِتَّ رَيْحَانَ
لِانْتِقَالِ الْقَيْدِ الْمَذْكُورِ، وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ وَفَائِدَةُ تَقْيِيدِ الِانْتِقَالِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ يَكُونُ حَقُّ الْمَيِّتِ لِإِخْوَتِهِ دُونَ مَنْ سَاوَاهُمْ فِي الدَّرَجَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لِسِتِّ رَيْحَان أَوْلَادٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ لِأَخِي قَمَرَ لَا مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَخُوهَا؛ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ انْتِقَالِ الْحَقِّ إلَيْهِ بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِي دَرَجَتِهَا وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ أَوْلَادَ سِتّ رَيْحَان لَا يَأْخُذُونَ شَيْئًا بِمَوْتِهَا مَعَ وُجُودِ فَاطِمَةَ عَمَلًا بِمُقْتَضَى التَّرْتِيبِ مَعَ مَا قُلْنَاهُ اهـ.
جَوَابُ الشَّيْخِ فَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ إلَخْ فَقَدْ مَرَّ رَدُّهُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ اُحْتُمِلَ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَا بُعْد فِيهِ بَلْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ الَّذِي ذَكَره بِشَهَادَةِ مَا مَرَّ مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ: وَفَائِدَةُ تَقْيِيدِ الِانْتِقَالِ إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ هَذَا إنْ أَمْكَنَ الْقَوْلُ بِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَلَا يَأْتِي فِي صُورَتِنَا؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَخُصّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الدَّرَجَةِ عِنْد عَدَمِ الْوَلَدِ بَلْ جَعَلَهُ لِجَمِيعِ مَنْ فِيهَا فَلَزِمَ مِنْ عَدَمِ إعْطَاءِ الْوَلَدِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ لَهُ أَصْلًا كَمَا مَرَّ مَبْسُوطًا أَيْضًا ثُمَّ فِي جَوَابِ هَذَا أَنْظَارٌ أُخَرُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا نَحْنُ فِيهِ؛ فَلِذَا لَمْ نُعَوِّلْ عَلَيْهَا وَأَحَلْنَاهَا عَلَى التَّأَمُّلِ الصَّادِقِ.
وَأَمَّا الِاحْتِمَالُ الرَّابِعُ فَبَعِيدٌ جِدًّا كَمَا لَا يَخْفَى أَيْضًا وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعَوِّلْ عَلَيْهِ أَبُو زُرْعَةَ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ، وَإِنَّمَا عَوَّلَ عَلَى الِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَكَأَنَّهُ لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ قُرْبِهِ وَتَبَادُرِهِ إلَى الْفَهْمِ مَعَ اعْتِضَادِهِ بِمَا مَرَّ بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الِاحْتِمَالَاتِ الْأُخْرَى فَإِنَّهُ بَعِيدٌ وَلَمْ يُعْتَضَدْ بِشَيْءٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُرَجِّحًا لَهُ عَلَى غَيْره وَمِمَّا يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا مِنْ أَنَّ ارْتِكَابَ الْمَجَازِ، وَإِنْ بَعُدَ أَوْلَى مِنْ إلْغَاءِ الْكَلَامِ وَقَدْ أَفْتَى بِذَلِكَ أَيْضًا فِي وَاقِعَةٍ أُخْرَى سُئِلَ عَنْهَا وَهِيَ أَنَّ تَاجَ الْمُلُوكِ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْأَرْبَعَةِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَإِنْ سَفَلُوا تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ، وَمَنْ مَاتَ وَلَا وَلَد لَهُ وَلَا إخْوَةٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَقْرَب النَّاسِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَمَاتَ رَجُلٌ وَلَهُ بِنْتُ وَابْنُ ابْنٍ قَدْ مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يَأْخُذُ ابْنُ الِابْنِ الَّذِي مَاتَ أَبُوهُ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ أَبُوهُ لَوْ كَانَ حَيًّا الْآن وَلَا تَحْجُبُهُ عَنْهُ عَمَّتُهُ وَلَا يَمْنَع مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ: تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَحْجُبُ وَلَدَهُ جَمْعًا بَيْن الْكَلَامَيْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لُغِيَ قَوْله: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ اسْتَحَقَّ وَلَدُهُ نَصِيبه اهـ.
فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ اضْطَرَّ إلَى الْجَمِيعِ خَوْفًا مِنْ إلْغَاءِ الشَّرْطِ الَّذِي ذَكَره فَكَذَلِكَ نُضْطَرُّ فِي مَسْأَلَتنَا إلَى الْجَمْعِ بَيْن قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ الْمُقْتَضَى بِمَفْهُومِهِ الْمُتَبَادِرِ مِنْهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ وَبَيْن قَوْلِهِ: ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ الْمُقْتَضَى بِمَنْطُوقِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ شَيْءٌ مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى، وَوَجْهُ الْجَمْعِ أَنَّا نَحْمِلُ الْأَوَّلَ عَلَى مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ وَالثَّانِيَ عَلَى مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ؛ لِأَنَّا لَوْ لَمْ نَعْمَلْ بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ لَزِمَ إلْغَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَغْنَى عَنْ الْعَمَل بِمَنْطُوقِهِ بِثُمَّ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ يَلْزَمُ بِعَيْنِ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ حَمَلَهُ عَلَى حَالَةٍ بِهَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنه وَبَيْن الثَّانِي وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالْعَمَلِ بِمَفْهُومِ الْأَوَّلِ وَإِذَا وَقْدَ عُلِمَ مِنْ كَلَام السُّبْكِيّ فِي هَذَا الْجَوَّابِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ أَنَّ الْفِرَارَ إلَى التَّجَوُّزِ الْبَعِيدِ أَوْلَى مِنْ الْفِرَارِ إلَى الْحُكْمِ عَلَى بَعْضِ كَلَام الْوَاقِفِ بِالْإِلْغَاءِ فَلْيَتَعَيَّنْ فِي مَسْأَلَتنَا مَا قُلْنَاهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ إلْغَاءِ قَوْلِهِ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَخْ، بَلْ مَسْأَلَتنَا أَوْلَى بِذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ السُّبْكِيّ؛ لِأَنَّ غَايَة مَا فِي مَسْأَلَتنَا الْعَمَلُ بِأَحَدِ مَا صَدَقَات اللَّفْظِ بَلْ بِمَا لَا يَتَبَادَرُ مِنْ اللَّفْظِ غَيْرُهُ، وَهَذَا أَوْلَى وَأَقْرَبُ مِنْ الْفِرَارِ عَنْهُ إلَى الْفِرَارِ إلَى التَّجَوُّزِ الْبَعِيدِ فَإِذَا جَوَّزَ ذَلِكَ حَذَرًا مِنْ الْإِلْغَاءِ فَلَإِنْ نُجَوِّزُ مَا قُلْنَاهُ حَذَرًا مِنْ ذَلِكَ بِالْأَوْلَى.
وَقَالَ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ فِي كَلَام الْوَاقِفِ عُمُومَانِ اُحْتِيجَ إلَى التَّرْجِيحِ وَمِنْ طُرُقِهِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْعُمُومَيْنِ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاء شَيْءٍ مِنْ كَلَام الْوَاقِفِ وَالْآخَرُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَيُعْمَلُ بِالْعَامِّ الَّذِي لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاء وَبِمِثْلِهِ يُقَالُ: فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ أَحَدَ مُحْتَمَلَاتِ اللَّفْظِ
الَّذِي فِيهَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ وَالْآخَرُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمَفْهُومِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ إلْغَاءٌ وَبِهَذَيْنِ يُعْلَمُ رَدُّ مَا مَرَّ عَنْ فَتَاوِيهِ الْمُوَافِقُ لِمَا مَشَى عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيُّ وَشَيْخُنَا وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ صَاحِبُهُ ابْنُ الْقَمَّاحِ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ وَمِمَّا يُضَعِّفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِمَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي كَلَام غَيْرِ الشَّارِعِ فَلَعَلَّ ذَهَابَهُ إلَى مَا مَرَّ لِضَعْفِ دَلَالَةِ الْمَفْهُومِ عِنْده أَوْ عَدَمِ الِاعْتِدَادِ بِهَا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ السَّابِقِ لَا يُوَافِقُ هَذَا الثَّانِيَ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ هَذَا الرَّأْيَ ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْمَنْقُولَ عِنْد أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِدَلَالَتِهِ فِي كَلَام الشَّارِعِ وَغَيْرِهِ وَأَنَّ لَهَا قُوَّةً تَقْتَضِي الْعَمَلَ بِقَضِيَّتِهَا وَتَخْصِيصِ الْعُمُومِ بِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ جَرَى عَلَيْهَا فِي مَسْأَلَتنَا مَنْ مَرَّ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَوْ نَظَرَ الزَّرْكَشِيُّ وَشَيْخُنَا ذَلِكَ مَعَ الْمُدْرِكِ الَّذِي قَدَّمْته لِمَا تَبِعَاهُ عَلَى ذَلِكَ وَلَجَعَلُوا كَلَامَهُ مُفَرَّعًا عَلَى رَأْيه الضَّعِيف وَقَدْ تَنَبَّهْ لِذَلِكَ الْمُحَقِّقُ أَبُو زُرْعَةَ فَأَشَارَ فِي عِبَارَته السَّابِقَة إلَى أَنَّ السُّبْكِيّ قَائِلٌ بِالضَّعِيفِ وَأَنَّ اسْتِحْقَاقَ مَنْ فِي الدَّرَجَةِ دُون الْأَوْلَادِ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ الْقَائِلِ بِهِ السُّبْكِيّ أَيْ: فَلَا تَغْتَرُّ بِمَا فِي فَتَاوِيهِ، وَمِنْ ثَمَّ خَالَفَهُ فِيمَا مَرَّ عَنْهَا مُعَاصَرَةً كَمَا مَرَّ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى تَرْجِيحِ مَا قُلْنَاهُ أَيْضًا أَنَّ السُّبْكِيّ نَفْسَهُ احْتَجَّ بِالْمَفْهُومِ الْمُنْضَمِّ إلَى غَيْرِهِ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ إلَخْ بِالْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَسْفَل فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ ثُمَّ لِوَلَدِ وَلَدِهِ يَسْتَقْبِل بِهِ الْوَاحِدُ مِنْ أَهْلِ كُلِّ طَبَقَةٍ وَيَشْتَرِك فِيهِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَتْرُك ذَلِكَ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ وَإِخْوَته مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَتُوُفِّيَ شَخْصٌ عَنْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ أَحَدُهُمَا عَنْ وَلَدٍ وَأَخٍ ثُمَّ الْوَلَدُ عَنْ غَيْرِ أَخٍ فَهَلْ يَنْتَقِلُ نَصِيبه لِعَمِّهِ أَوْ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَصِيبُهُ لِعَمِّهِ دُونَ الطَّبَقَةِ الْأُولَى وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ الْبَطْنِ الْأُولَى مَا دَامَ هَذَا الْعَمُّ الْأَقْرَبُ مَوْجُودًا لِثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ أَحَدُهَا قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ إلَخْ وَقَالَ: مِنْ أَهْلِ كُلِّ طَبَقَةٍ فَاَلَّذِي خَلَّفَ وَلَدَيْنِ اسْتَحَقَّا نَصِيبُهُ وَكِلَاهُمَا يَسْتَحِقُّهُ كَامِلًا لَوْلَا أَخُوهُ فَحَقُّ اسْتِحْقَاقِهِ كَامِلًا ثَابِتٌ لَهُ، وَإِنَّمَا حَجَبَهُ أَخُوهُ ثُمَّ ابْنُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
فَإِذَا فَقَدَ عَمِلَ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ عَمَله وَأَخَذَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ أَبُوهُ مِنْ جِهَةِ وَالِدِهِ لَا مِنْ جِهَةِ أَخِيهِ وَلَا مِنْ جِهَةِ ابْن أَخِيهِ الثَّانِي قَوْلُهُ: مَنْ مَاتَ وَلَا وَلَدَ لَهُ كَانَ نَصِيبُهُ لِإِخْوَتِهِ اقْتَضَى تَقْدِيمَ الْأَخِ عَلَى الْعَمِّ فَيَقْتَضِي ذَلِكَ تَقْدِيمَ الْعَمِّ عَلَى الْأَبِ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ الثَّالِثِ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنَّ أَخَا الْعَمِّ الْمَسْئُولِ عَنْهُ تُوُفِّيَ وَلَا وَلَدَ لَهُ، إذَا لَمْ تُجْعَلْ هَذِهِ الْجُمْلَةُ لِلْحَالِ بَلْ يُخْبَرُ عَنْهُ أَنَّهُ تُوُفِّيَ وَأَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِأَخِيهِ وَهُوَ عَمُّ الْمُتَوَفَّى وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ جَعَلَ الْجُمْلَةَ حَالِيَّةً، وَالْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ هُوَ قَوْلُ الْأَوَّلِ وَيُعْتَضَدُ بِأَنَّهُ الْمَفْهُوم مِنْ عُرْفِ الْوَاقِفِينَ وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ لَمْ نَجْعَلهُ الْعُمْدَةَ وَاعْتَمَدْنَا عَلَى اللَّفْظِ كَمَا بَيَّنَاهُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ اهـ.
فَانْظُرْ قَوْلَهُ وَيُعْتَضَدُ بِأَنَّهُ الْمَفْهُومُ مِنْ عُرْفِ الْوَاقِفِينَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ إلَخْ. فَيُقَالُ عَلَيْهِ: مُسْلَمٌ أَنَّ هَذَا الْمَفْهُومَ مَسْأَلَته يُمْكِنُ الْمُنَازَعَةُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْعَطْفِ بِثُمَّ وَلَمْ يَتَأَيَّد بِمَا غَلَبَ فِي عُرْفِ الْوَاقِفِينَ وَقَصْدِهِمْ مِنْ صَرْفِ مَا كَانَ لِلْمَيِّتِ لِفُرُوعِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ هَذَا الْمَيِّت لَا فَرْعَ لَهُ فَلَمْ يُعَارِضْ قَضِيَّةَ الْعَطْف بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِانْتِقَالِ إلَى الْعَمِّ شَيْءٌ مِنْ الْقَرَائِنِ الْحَالِيَّةِ وَلَا اللَّفْظِيَّةِ، وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا عَضُد بِهِ هَذَا الْمَفْهُوم أَنَّ حَقّ الِاسْتِحْقَاقِ كَامِلًا ثَابِتٌ لِكُلِّ وَاحِد إلَخْ، وَهَذَا يَقْبَلُ الْمُنَازَعَةَ بِأَنْ يُقَال: لَا نُسَلِّم مَعَ وُجُودِ الِاثْنَيْنِ أَنَّ حَقّ الِاسْتِحْقَاق ثَبَتَ كَامِلًا لِكُلٍّ وَأَنَّ أَخَاهُ هُوَ الَّذِي حَجَبَهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّا نَتَبَيَّنُ بِتَعَدُّدِ الْوَلَدِ أَنَّ حَقَّ الِاسْتِحْقَاقِ مُوَزَّعٌ عَلَيْهِمَا وَحِينَئِذٍ فَقَدْ انْتَفَى قَوْلُ السُّبْكِيّ فَإِذَا فَقَدَ عَمَلُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاق عَمَلَهُ إلَخْ وَلَئِنْ سَلَّمَ مَا ذَكَره فَقَضِيَّةُ الْعَطْف بِثُمَّ الْمَذْكُورَةُ أَقْوَى مِنْ هَذَا التَّعَسُّفِ.
فَإِذَا رَجَّحَ السُّبْكِيّ هَذَا التَّعَسُّفَ وَأَلْغَى بِهِ قَضِيَّةَ الْعَطْف بِثُمَّ مَعَ قُوَّتِهَا وَتَصْرِيح اللَّفْظِ بِهَا وَعَدَم تَصْرِيحه بَلْ دَلَالَته عَلَى ذَلِكَ التَّعَسُّفِ فَمِنْ بَابِ أَوْلَى أَنْ نُلْغِي نَحْنُ قَضِيَّتهَا فِي مَسْأَلَتِنَا وَأَنْ
نَأْخُذَ بِالْمَفْهُومِ السَّابِقِ بَيَانُهُ فِيهَا لِاعْتِضَادِهِ بِقَرِينَةٍ بَلْ بِقَرَائِن مَرَّ بَيَانُهَا بِمَا يُعْلَم مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ قَابِلَةً لِلنِّزَاعِ فِيهَا كَهَذِهِ الْقَرِينَةِ الَّتِي ذَكَرهَا؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْقَرَائِنِ اعْتَرَفَ بِهَا حَتَّى الْمُخَالِف كَمَا بَانَ لَك مِنْ كَلَامه نَفْسِهِ وَكَلَامِ شَيْخنَا الَّذِي قَدَّمْته، وَأَمَّا قَرِينَته هَذِهِ فَلَمْ يَعْتَرِفْ بِصِحَّتِهَا مُوَافِقٌ وَلَا مُخَالِفٌ لِبُعْدِهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّا يُصَرِّح أَيْضًا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقُرْبَ إلَى مَقَاصِد الْوَاقِفِينَ وَأَهْلِ الْعُرْف مُعْتَبَر وَمُرَجِّحٌ مَا ذَكَره السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ طَوِيلٍ مِنْ أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِينَ تَعْمِيمُ النَّفْعِ فِي ذُرِّيَّاتِهِمْ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِهِ وَنَحْنُ أَلْغَيْنَاهُ عِنْد انْفِرَاده إذْ لَا نَعْتَبِرُ مَا نَظُنّ أَنَّهُ غَرَضُ الْوَاقِفِ إلَّا بِمُسَاعِدَةِ قَرِينَةٍ لَا بِمُجَرَّدِهِ فَلَا نُلْغِيه إذَا اعْتَضَدَ بِغَيْرِهِ وَمَا هُنَا قَدْ اعْتَضَدَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَكَانَ الِاسْتِنَادُ إلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ وَصَلَحَا بِأَنْ يَنْهَضَ مِنْهُمَا دَلِيلٌ اهـ فَانْظُرْ إلَى مَا صَرَّحَ بِهِ وَقَرَّرَهُ مِنْ أَنَّ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ غَرَضُ الْوَاقِفِ إذَا سَاعَدَتْهُ قَرِينَةٌ يَكُونُ حِينَئِذٍ دَلِيلًا مُرَجِّحًا لِذَلِكَ وَمُقْتَضِيًا لِلْعَمَلِ بِهِ وَفِي مَسْأَلَتِنَا كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ وَيُوَافِقهُ.
قَوْلُهُ: فِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ فَرَجَعْنَا إلَى الْمَعْنَى فَرَأَيْنَا أَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ إلَى الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَإِلَى مَقَاصِدِ أَهْلِ الْعُرْفِ مَا لَمْ يُقْصَدْ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ وَهَهُنَا لَمْ يَقْصِدْ الْأَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ؛ فَلِذَلِكَ تُرَجَّحُ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ هَذَا الْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ إلَى الْمُتَوَفَّى اهـ. فَتَأَمَّلْهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي التَّرْجِيحِ بِذَلِكَ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ مَسْأَلَتَهُ هَذِهِ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِهَا مَعَ تَأَمُّلِ كَلَامِهِ فِيهَا؛ تَعَارَضَ فِيهَا التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ فَفَرَّ إلَى التَّرْجِيحِ فِيهَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَحَسْبُ. وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَفِيهَا تَرْجِيحَاتٌ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ كَمَا مَرَّتْ مَبْسُوطَةً فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ فِيهَا بِذَلِكَ وَبَانَ بِكَلَامِهِ هَذَا وَغَيْرِهِ مِمَّا مَرَّ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ ضَعْفُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ نَظِيرَ مَسْأَلَتنَا مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ وَتَأَمَّلْ أَيْضًا تَصْرِيحَهُ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الْأَقْرَبِ إلَى الْمَيِّتِ أَقْرَبُ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ إلَخْ. يَزِيدُ ذَلِكَ إيضَاحُ تَقْدِيمِ الْبِنْتِ فِي مَسْأَلَتنَا عَلَى الْأُخْتِ؛ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَى الْمَيِّتَةِ مِنْ الْأُخْتِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْتُ أَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ وَقَدْ تَقَرَّرَ مِنْ كَلَامه هَذَا وَمِنْ كَلَامه وَكَلَامِ غَيْرِهِ السَّابِقِ أَنَّ الْأَقْرَبَ إلَى مَقَاصِدِ الْوَاقِفِينَ وَأَهْلِ الْعُرْفِ مُعْتَبَرٌ وَمُرَجَّحٌ إذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرِينَةٌ فَكَيْفَ وَقَدْ انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرَائِنُ لَفْظِيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ كَمَا سَبَقَ بَسْطُهَا وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهَا بِمَا لَا يَبْقَى مَعَهُ تَوَقُّفٌ فِي أَرْجَحِيَّةِ مَا قُلْنَاهُ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ أَرْجَحَ مِنْ جِهَةِ الْمَنْقُولِ؟ وَمِمَّا يَزِيدهُ وُضُوحًا أَيْضًا قَوْلُهُ: فِي وَقْفِ شَرْطٍ فِيهِ النَّظَرُ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَنَسْلِهِمْ يُقَدَّمُ الْأَرْشَدُ وَالْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَالْمُنْتَسِبُ إلَيْهِ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَبَنَاتِ الْبَنَات.
وَإِذَا انْتَهَى النَّظَرُ إلَى أُنْثَى كَانَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ زَوْجٍ يَصْلُح لِلتَّقَدُّمَةِ عَلَى الْمُجَاهِدِينَ فَوُجِدَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنَاثٌ: وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ ذَاتُ زَوْجٍ يَصْلُحُ لِمَا ذُكِرَ وَذَكَرٌ أَنْزَلُ مِنْهُنَّ وَقَامَتْ بَيِّنَةٌ لِكُلٍّ مِنْ الْمَذْكُورِينَ بِالْأَرْشَدِيَّةِ وَوُجِدَ أُنْثَى أَعْلَى مِنْ الْجَمِيعِ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لَهَا أَنَّهَا مِنْ نَسْلِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَلِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ قَدْ يَتَوَهَّمُ مُتَوَهِّمٌ أَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ وَكَأَنَّهُ قَالَ يُقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْأَقْرَبُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَالْمُنْتَسِبُ إلَيْهِ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَيُحْتَجُّ بِأَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ يَعُودُ إلَى جَمِيعِ الْجُمَلِ الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ يَجْرِي مَجْرَى الِاسْتِثْنَاءِ وَعَطْفُ الْمُفْرَدَات أَوْلَى بِذَلِكَ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا وُجِدَ فِي هَذَا الْوَقْفِ فِي الْمُنْتَسِبِينَ بِالذُّكُورِ رَشِيدٌ وَأَرْشَدُ لَا يَتَقَدَّمُ الرَّشِيدُ عَلَى الْأَرْشَدِ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَرْشَدَ إنَّمَا يَتَقَدَّمُ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، وَهَذَا الْوَهْمُ يَنْدَفِعُ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا أَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْوَقْفِ وَمَا أَشْبَهَهُ خِلَافَهُ وَأَنَّ الْجَارَّ وَالْمَجْرُورَ يَخْتَصُّ بِالْأَخِيرَةِ، وَإِنْ كَانَ وَصْفٌ مِمَّا ذُكِرَ يُقَدَّمُ عَلَى ضِدِّهِ فَيَتَقَدَّمُ الْأَرْشَدُ عَلَى غَيْرِ الْأَرْشَدِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ أَمْ مِنْ الْإِنَاثِ وَيُقَدَّمُ الْمُنْتَسِبُ بِالذُّكُورِ عَلَى أَوْلَادِ الْبَنَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ
أَرْشَدَ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَرْشَدَ هَذَا هُوَ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَأَشْبَاهِهِ وَلَا نَقُولُ: إنَّهُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي يَقُولُ فِيهَا الشَّافِعِيُّ بِالْعَوْدِ إلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا مِنْ تَقَدُّمَةِ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى ضِدِّهِ صَارِفَةً عَنْهُ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا سَبَقَ الذِّهْنُ إلَيْهِ، الْأَمْرُ الثَّانِي مِنْ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ: الْقَرِينَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَهِيَ مَعَ سَبْقِ الذِّهْنِ شَيْئَانِ الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ قِيلَ بِهَذَا التَّوَهُّمِ لَزِمَ التَّخْصِيصُ أَوْ التَّقْيِيدُ فِي الْجُمْلَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فَلِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ جَعَلْنَاهُ لِلْأَخِيرَةِ فَقَطْ انْتَهَى.
الْمَفْهُومُ مِنْهُ فَانْظُرْ قَوْلَهُ: هَذَا السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ فِي هَذَا الْكَلَامِ إلَخْ وَقَوْلَهُ: فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا سَبَقَ الذِّهْنُ إلَيْهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا وَدَلِيلًا أَيُّ دَلِيلٍ عَلَى رَدِّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ هُنَا إذَا خَالَفَ قَاعِدَةَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ مِنْ رُجُوعِ الْوَصْفِ وَالِاسْتِثْنَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَهُ لِأَجْلِ مُبَادَرَةٍ خِلَافِهِ إلَى الذِّهْنِ فَحَسْبُ فَكَيْفَ لَا تُجْعَلُ هَذِهِ الْمُبَادَرَةُ فِي مَسْأَلَتِنَا مُرَجِّحَةً مَعَ اعْتِضَادِهَا بِمَا مَرَّ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ وَالْقَرَائِنِ الدَّالَّة وَعَدَمِ مُخَالَفَتِهَا لِقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّافِعِيِّ أَوْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ؟ بَلْ مَا ذَكَرْنَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَرُوهُ كَمَا ظَهَرَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ مِمَّا مَرَّ بَسْطُهُ وَتَقْرِيرُهُ بِأَوْضَحِ طَرِيقٍ وَأَتَمِّ تَقْرِيرٍ وَتَحْقِيقٍ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَغْفُلْ عَنْ هَذَا الْمَحَلِّ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ كَلَامه فَإِنَّهُ شَاهِدُ صِدْقٍ وَدَلِيلُ حَقٍّ عَلَى ظُهُورِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ تَبَعًا لِلْمَنْقُولِ وَضَعْفِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هُوَ، وَمَنْ تَبِعَهُ هَذَا مَا تَيَسَّرَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ تَشَتُّت الْبَالِ وَضَعْفِ الْحَالِ وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ وَالْمُعَوِّلُ عَلَى فَضْلِهِ وَكَرْمِهِ وُجُودِهِ فِي إلْهَامِ الْحَقِّ عِنْدَ تَصَادُمِ الْآرَاءِ وَارْتِبَاكِهَا فِي مَظَانِّ الِارْتِيَابِ أَنَّهُ أَكْرَمُ مَسْئُولٍ وَأَرْجَى مَأْمُولٍ.
(الْبَابُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ عَلَى شِقِّ السُّؤَالِ الثَّانِي) وَهُوَ أَنَّكُمْ إذَا قُلْتُمْ بِأَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتَةِ لَبِنْتهَا فَإِذَا مَاتَتْ الْأُخْتُ الْبَاقِيَةُ عَنْ أَوْلَادٍ فَهَلْ لِلْبِنْتِ نَصِيبُ أُمِّهَا وَلِأَوْلَادِ هَذِهِ الثَّانِيَةِ نَصِيبُ أُمِّهِمْ أَوْ تَشْتَرِكُ الْبِنْتُ وَالْأَوْلَادُ فِي جَمِيعِ الْمُخَلَّفِ عَنْ أُمَّيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ عَلَى حَسَبِ الرُّءُوسِ؟ وَبَيَانُ الْحَقِّ فِي ذَلِكَ مِنْ كَلَامٍ كَثِيرٍ فِيهِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْوَجْهَ فِي مَسْأَلَتنَا التَّسَاوِي وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ لَا مِنْ الَّذِي قَبْلَهُمْ.
وَمَعْنَى تَلَقِّيهمْ مِنْهُ أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ لِجَمِيعِهِمْ بِحَسْبِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ مِنْ حِينِ الْوَقْفِ، وَأَمَّا الْأَحَقِّيَّةُ فَلَا تَثْبُتُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ مُسَوِّغِ الْأَخْذِ كَمَا قَالُوا فِي الْوَلَاءِ أَنَّهُ يَثْبُتُ لِجَمِيعِ الْعَصَبَاتِ وَيُقَدَّمُ فِي الْإِرْثِ بِهِ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ، وَإِذَا كَانُوا يَتَلَقَّوْنَ مِنْ الْوَاقِفِ، وَالْوَاقِفُ إنَّمَا شَرَطَ التَّفَاوُتَ فِي مَسْأَلَتنَا فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى دُونَ مَا عَدَاهَا فَيَكُونُ مَا عَدَاهَا عَلَى التَّسَاوِي إذْ لَيْسَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ فِي مَسْأَلَتِنَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرْعِ كُلٍّ مِنْ الْبِنْتَيْنِ إنَّمَا يَأْخُذُ جَمِيعَ مَا يَسْتَحِقُّهُ أَصْلُهُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ مَفْهُومٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ إلَخْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا عَنْ وَلَدٍ يَأْخُذُ وَلَدُهُ نَصِيبَهُ بِتَمَامِهِ مُطْلَقًا، بَلْ مَفْهُومه أَنَّ نَصِيبَهُ يَنْتَقِلُ لِوَلَدِهِ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ طَبَقَةِ أَصْلِهِ مَوْجُودًا فَإِذَا مَاتَتْ بِنْتَا الْوَاقِفِ صَارَ كُلٌّ مِنْ فَرْعَيْهِمَا لَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ مَفْهُومِ ذَلِكَ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ نَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا إلَخْ، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ حِينَئِذٍ إلَّا بِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لَا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ فَلَا وَجْهَ إلَّا الْقَوْلُ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنهمْ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَرْتَبَةً بَعْدَ الْأُولَى حُكْمُهَا فِي التَّفَاوُتِ أَوْ عَدَمِهِ فَأَخَذْنَا فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا بِالْأَصْلِ وَهُوَ التَّسَاوِي لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهُ.
وَيَدُلُّ عَلَى مَا قَرَرْته أُمُورٌ: مِنْهَا قَوْلُ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ فِي جَوَابِهِمَا السَّابِقِ أَوَّل الْبَابِ الْأَوَّلِ الْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ الْعَشَرَةِ يَنْتَقِلُ إلَيْهِمْ إلَخْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الضَّمِيرَ إلَيْهِمْ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ مِنْ أَوْلَادِ عَمْرو وَأَوْلَادِ زَيْدٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ عَقِبه وَلَا يَخْتَصُّ بِالِانْتِقَالِ إلَيْهِمْ مَا كَانَ نَصِيبُ الْمَيِّتِ فِي الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَشَرَةِ الْآنَ حَقًّا لِلْمَيِّتِ وَنَصِيبًا لَهُ، فَالْمَوْتُ كَافٍ فِي الْجَمِيعِ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَادَ رُجُوعُ الضَّمِيرِ فِي إلَيْهِمْ إلَى أَوْلَادِ عَمْرو فَقَطْ وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ عِبَارَتُهُمَا مُنَافِيَةً لِمَا قُلْنَاهُ مِنْ التَّسَاوِي فَإِنَّ قَضِيَّةَ مَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّ الْعَشَرَةَ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لِعَمْرٍو
تَتَقَسَّمُ هِيَ وَسَهْمَا أَوْلَادِ زَيْدٍ عَلَى جَمِيعِ أَوْلَادِ عَمْرو وَزَيْدٍ بَيْنَهُمْ بِالسَّوَاءِ وَلَا يَخْتَصُّ أَوْلَادُ عَمْرو بِالْعَشَرَةِ وَأَوْلَادُ زَيْدٍ بِالسَّهْمَيْنِ لِعَيْنِ مَا قَرَّرْنَاهُ نَعَمْ يُقَالُ: إنَّ صُورَةَ الرُّويَانِيِّ هَذِهِ تُخَالِفُ صُورَتَنَا فَإِنَّ الَّذِي فِي صُورَتِنَا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى بِنْتَيْهِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا إلَخْ ثُمَّ قَالَ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَلَمْ يَأْتِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ عِنْدَ انْتِقَالِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ فَعَمِلْنَا فِيهِمْ بِالْأَصْلِ وَهُوَ التَّسَاوِي كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا مَسْأَلَتُهُ فَإِنَّ الْوَاقِفَةَ أَتَتْ فِيهَا بِالتَّصْرِيحِ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَ أَهْلِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى وَبِمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوْلَادَ كُلٍّ مِنْ أَهْلِ الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَهُ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا لَمَّا ذَكَرَتْ فِي قُبَالَةِ وَقْفِهَا أَنَّهُ أَيْ: مَا مَرَّ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ عَلَى حَسَبِ التَّفَاوُتِ الَّذِي ذَكَرَتْهُ وُقِفَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ مَا عَاشُوا إلَخْ اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا التَّفَاوُتَ جَارٍ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا ذَكَرَتْ التَّفَاوُتَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ عَقَّبَتْهُ بِأَنَّ الْوَقْفَ الْمُتَّصِفَ بِهَذَا التَّفَاوُتِ وَقْفٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورِينَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ إلَخْ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِيمَا قُلْنَاهُ وَحِينَئِذٍ فَيَتَّضِحُ مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدُهُ مِنْ انْتِقَالِ الْعَشَرَةِ إلَى أَوْلَادِ عَمْرو وَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا أَوْلَادُ زَيْدٍ وَقَدْ يُؤْخَذُ مِنْ عِلَّتِهِمَا أَنَّ مَا قَالَاهُ مِنْ انْتِقَالِ الْعَشَرَةِ لِأَوْلَادِ عَمْرو فَقَطْ مَبْنِيٌّ عَلَى الضَّعِيفِ أَنَّ كُلَّ طَبَقَةٍ تَتَلَقَّى مِمَّا قَبْلَهَا لَا مِنْ الْوَاقِفِ وَبَيَانُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ سَبَبَ اخْتِصَاصِهِمْ بِالْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّ جَمِيعَهَا صَارَ حَقّه لِلْمَيِّتِ وَنَصِيبًا لَهُ فَاقْتَضَى أَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَلَقَّوْنَهَا عَنْهُ، وَإِذَا كَانُوا يَتَلَقَّوْنَهَا عَنْهُ فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يُشَارِكَهُمْ فِيهَا بِوَجْهٍ؛ لِأَنَّهُمْ نَازِلُونَ مَنْزِلَتَهُ دُونَ غَيْرِهِمْ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِمَا قَدَّمْته مِنْ التَّسَاوِي السُّبْكِيّ وَقَدْ قَدَّمْت كَلَامَهُ فِي ذَلِكَ أَوَّل الْوَجْهِ الثَّالِثِ فَرَاجِعْهُ وَانْظُرْ قَوْلَهُ وَلَا يَخْتَصُّ أَوْلَادُ كُلٍّ بِنَصِيبِ وَالِدِهِمْ إلَخْ وَقَوْله: الْأَمْرُ الثَّانِي أَنَّهُ إذَا انْتَقَلَ نَصِيبُ الطَّبَقَةِ الَّتِي تَحْتَهَا يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالسَّوَاءِ أَوْ يَأْخُذُ كُلُّ أَوْلَادٍ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ وَلَا دَلِيلَ عَلَى الثَّانِي، وَالْأَوَّلُ أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ، فَتَعَيُّنُ ذَلِكَ يُبَيِّنُ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْوَقْتِ " وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " اهـ.
لَكِنْ قَدْ يُخَالِفُ مَا ذَكَره فِي هَذَا الْجَوَابِ مَا ذَكَره فِي جَوَابٍ آخَرَ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ زَوْجِهَا ثُمَّ أَوْلَادِهِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ كَذَلِكَ ثُمَّ نَسْلِهِ، وَإِنْ سَفَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا نَسْلٍ عَادَ إلَى مَنْ مَعَهُ فَتُوُفِّيَ زَوْجهَا قَبْلَهَا عَنْ بِنْته مِنْهَا نَسَبٌ وَبِنْت مِنْ غَيْرِهَا تُوُفِّيَتْ أُمُّهَا قَبْلَ صُدُورِ الْوَقْفِ اسْمُهَا قُضَاةُ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ فَانْتَقَلَ الْوَقْفُ لِنَسَبٍ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ عَنْ ابْنهَا أَحْمَدَ فَحَكَمَ حَاكِمٌ بِمُشَارَكَةِ قُضَاةَ لَهُ وَأَنَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ قُضَاةُ عَنْ ابْنَيْهَا أَحْمَدَ وَأَمِينِ الدِّينِ فَأَقَرَّ لِأَخِيهِ بِثُلُثَيْ الْوَقْفِ وَأَقَرَّ لَهُ أَحْمَدُ بِثُلُثِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحْمَدُ عَنْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَمِينُ الدِّينِ عَنْ أَوْلَادٍ.
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: مُقْتَضَى هَذَا الْوَقْفِ أَنَّ قُضَاةَ تُشَارِكُ أَحْمَدَ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا مُشَارَكَتهمَا فَلِعُمُومِ قَوْلِ الْوَاقِفَةِ عَلَى كَمَالِ الدِّينِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَإِنَّهُ اقْتَضَى دُخُولَ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ كُلِّهِمْ وَأَحْمَدَ وَقُضَاةَ كِلَاهُمَا مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ، وَإِنَّمَا تَأَخَّرَتْ قُضَاةُ عَنْ مُشَارَكَتِهَا لِخَالَتِهَا نَسَبَ لِأَجَلِ التَّرْتِيبِ وَقَدْ زَالَ فَإِنَّ أَحْمَدَ مُسَاوٍ لَهَا فَيَشْتَرِكَانِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَ الْوَاقِفَةِ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ نَصِيبَ نَسَبٍ وَهُوَ جَمِيعُ الْوَقْفِ كُلِّهِ لِابْنِهَا أَحْمَدَ لَكِنَّهُ مُعَارَضٌ بِعُمُومِ قَوْلِهَا: أَوْلَادِ أَوْلَادِ كَمَالِ الدِّينِ وَاقْتِضَائِهِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَحَمَلْنَا قَوْلَ النَّصِيبِ عَلَى النَّصِيبِ الذِّمِّيِّ الَّذِي يَسْتَحِقُّهُ لَوْ كَانَتْ هِيَ مُسَاوِيَةً لِقُضَاةِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا قُدِّمَتْ عَلَيْهَا لِعُلُوِّهَا فِي الدَّرَجَةِ، وَهَذَا الْوَصْفُ مَفْقُودٌ فِي ابْنهَا فَلَا يُقَدَّمُ عَلَيْهَا، فَإِنْ قُلْتَ هَذَا تَجَوُّزٌ فِي لَفْظِ النَّصِيبِ وَذَاكَ تَخْصِيصٌ وَالتَّخْصِيصُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَجَازِ قُلْتُ: لَنَا أَنْ نَقُولَ: النَّصِيبُ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ فَلَا مَجَازَ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ فَهُوَ هُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ إذَا قِيلَ بِهِ هُنَا يَكُونُ فِي مَجَالِ صُدُورِ الْوَقْفِ
وَتَفَاصِيلِهِ فَكَانَ وَاحِدٌ أَوْلَى وَأَيْضًا فَفَرْضُ الْوَاقِفِ يَقْتَضِي عُمُومَ الذُّرِّيَّةِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَكَانَ الِاشْتِرَاكُ بَيْنَهُمَا لَا يَكُونُ بِالسَّوِيَّةِ بَلْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيَكُونُ لِأَحْمَد الثُّلُثَانِ وَلِقُضَاةِ الثُّلُثُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ يُرَاعَى ذَلِكَ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ إذْ لَا يَنْتَقِلُ لِأَوْلَادِهِ خَاصَّةً مِثَالُهُ إذَا كَانَ ابْنٌ وَبِنْت فَإِنَّهُمَا يَسْتَحِقَّانِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ.
فَإِذَا مَاتَ الِابْنُ عَنْ بِنْت وَالْبِنْتُ عَنْ ابْنٍ انْتَقَلَ لِكُلِّ مِنْهُمَا مَا كَانَ لِأَبِيهِ كَامِلًا وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ نَصِيبَيْهِمَا وَيُقَالُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى الْآخَرِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي؛ لِأَنَّا إنَّمَا خَرَجْنَا عَنْ ظَاهِرِ لَفْظِ النَّصِيبِ إلَى أَصْل الشَّرِكَةِ لِأَجْلِ الْعُمُومِ، وَمِثْلُهُ لَا يَقْوَى هُنَا وَمَعَ هَذَا فَقُضَاةُ تُشَارِكُ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ أَحْمَدَ إنَّمَا لَهُ نَصِيبُ أُمِّهِ وَأُمُّهُ لَا تُفَضَّلُ عَنْ قُضَاةَ فِي اسْتِحْقَاقِ النَّصِيبِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْوَالِدَةِ، وَإِنَّمَا تُفَضَّلُ عَلَيْهِمَا فِي التَّقَدُّمِ لِعُلُوِّ دَرَجَتهَا وَعَلَى هَذَا يَكُونُ حُكْمُ الْحَاكِمِ بِمُشَارَكَةِ قُضَاةَ لِأَحْمَد وَمُنَاصَفَتهمَا صَحِيحًا ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَتْ قُضَاةُ عَنْ ابْنَيْهَا اسْتَحَقَّا نِصْفَ الْوَقْفِ عَلَى الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّا إنْ عَمَّمْنَا قَوْلَهُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَهُمَا ذَكَرَانِ، وَإِنْ خَصَّصْنَا فَكُلُّ وَاحِدٍ يَأْخُذُ نَصِيبَ أُمِّهِ.
وَحِينَئِذٍ الْإِقْرَارُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ بِهِ إذَا احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مُسْتَنَدٌ غَيْرَ مَا ذُكِرَ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا يُؤْخَذُ بِهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَالْأَقْرَبُ مَا ذُكِرَ وَالْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَا يَلْزَمُ حُكْمُهُمَا لِمَنْ بَعْدَهُمَا فَيَأْخُذُ وَلَدَا أَحْمَدَ مَا كَانَ لِأَبِيهِمَا وَيَأْخُذُ أَوْلَادُ أَمِينِ الدِّينِ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أُنْثَى مَعَ ذَكَرٍ كَانَتْ الْقِسْمَةُ ثَلَاثَةً فِي النِّصْفِ الَّذِي انْتَقَلَ إلَيْهِمَا مِنْ أَبِيهِمَا خَاصَّةً لَا فِي الْجَمِيع عَلَى مَا رَجَّحْنَاهُ مِنْ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ.
وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْمُخَالَفَةِ لِمَا قَالَهُ مِنْ التَّسَاوِي فِي الَّذِي قَبْلَهُ لَكِنْ إذَا تَأَمَّلْت كُلًّا مِنْ الصُّورَتَيْنِ الْمَسْئُولِ عَنْهُمَا ظَهَرَ لَك أَنْ لَا مُخَالَفَةَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ صُورَةَ السُّؤَالِ الَّذِي أَجَابَ عَنْهُ أَوَّلًا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى أَرْبَعَةٍ سَمَّاهُمْ بَيْنهمْ بِالسَّوَاءِ أَرْبَاعًا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ الذَّكَر وَالْأُنْثَى فِيهِ، سَوَاءٌ عَلَى أَنَّ مِنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ هَذَا عَائِدًا عَلَى ثَلَاثَةٍ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا، وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ الَّتِي أَجَابَ فِيهَا بِالتَّسَاوِي فَجَوَابُهُ بِهِ حِينَئِذٍ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ ذَكَر فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى التَّسْوِيَةَ وَكَذَا فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ، سَوَاءٌ وَلَمْ يُخَصِّصْ هَذَا بِالتَّصْرِيحِ بِأَنَّ كُلَّ فَرْعٍ يَأْخُذُ جَمِيعَ نَصِيبِ أَصْلِهِ وَمَعَ هَذَا الَّذِي ذَكَره لَا سَبِيلَ إلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ كُلَّ أَوْلَادٍ يَأْخُذُونَ مَا كَانَ لِأَبِيهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ السُّبْكِيّ: إنَّ هَذَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَالَ: إنَّ التَّسَاوِي أَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ اللَّفْظِ فَتَعَيَّنَ فَاتَّضَحَ حِينَئِذٍ مَا قَالَهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْمُنَاسِبَةِ لِصُورَتِنَا كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي، وَصُورَةُ السُّؤَالِ الَّتِي أَجَابَ عَنْهَا ثَانِيًا أَنَّ الْوَاقِفَةَ جَعَلَتْ مَا فِي كُلِّ طَبَقَةٍ مَقْسُومًا بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَمَنْ تُوُفِّيَ عَنْ غَيْرِ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ لَهُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ فَاقْتَضَى هَذَا الصَّنِيعُ أَنْ يَنْتَقِلَ لِكُلٍّ مِنْ الْفُرُوعِ مَا كَانَ لِأَصْلِهِ كَامِلًا ثُمَّ إنْ اتَّحَدَ الْفَرْعُ أَخَذَهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَخَذُوهُ بِالسَّوَاءِ أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا أَخَذُوهُ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَنَّهُ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ أَنْصِبَاءِ الْأُصُولِ ثُمَّ يُقْسَمُ عَلَى الْفُرُوعِ بِالسَّوِيَّةِ إنْ لَمْ يَخْتَلِفُوا وَإِلَّا فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ مُحْتَمَلًا وَقَرِيبًا إلَى لَفْظِ الْوَاقِفَةِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَقْرَبُ لِتَصْرِيحِهِمَا بِأَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَنْتَقِلُ نَصِيبه إلَى وَلَدِهِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي فَوْز الْفَرْعِ بِجَمِيعِ نَصِيب الْأَصْلِ فَمِنْ ثَمَّ اتَّجَهَ قَوْلُ السُّبْكِيّ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي إلَخْ لَكِنْ لَا مُطْلِقًا لَمَا يَأْتِي فَتَأَمَّلْ هَذَا الْجَمْعَ بَيْنَ هَذَيْنِ الْجَوَابَيْنِ وَخُذْ مِنْهُ قَاعِدَةً، وَهِيَ أَنَّهُ حَيْثُ دَلَّ صَرِيحُ كَلَام الْوَاقِفِ عَلَى اخْتِصَاصِ كُلِّ فَرْعٍ بِجَمِيعِ نَصِيبِ أَصْلِهِ اخْتَصَّ بِهِ وَلَمْ يُشَارِكهُ فِيهِ مَنْ هُوَ فِي دَرَجَته وَحَيْثُ لَمْ يَدُلّ عَلَى ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُ الْوَقْفِ مَقْسُومًا بِالسَّوِيَّةِ عَلَى أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مَثَلًا، سَوَاء أَكَانَ مَقْسُومًا عَلَى أَهْل الْأُولَى بِالسَّوِيَّةِ أَيْضًا أَمْ لَا وَلَا يُكْتَفَى فِي التَّفَاوُتِ بِالْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ التَّفَاوُتِ، وَإِنْ دَلَّ عَلَى أَصْلِ
الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ وَبِهَذَا يَزِيدُ لَك إيضَاحُ فُرْقَانِ مَا بَيْنَ صُورَتَيْ السُّبْكِيّ فَإِنَّ الْأَوْلَى لَيْسَ فِيهَا مَا يَدُلُّ عَلَى التَّفَاوُت وَقَوْلُهُ: فِيهَا عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْر وَلَدٍ كَانَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ هَذَا عَائِدًا عَلَى الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ جَمِيعُ مَا كَانَ لَهُ لِأَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَةِ الْمَيِّتِ وَبَعْدَ مَمَاتِهِ بَلْ عَلَى أَنَّ جَمِيعَهُ يَكُونُ لَهُ فِي حَيَاةِ ذَاكَ فَقَطْ، وَأَمَّا بَعْدَ مَمَاتِهِ فَهُوَ لَا يَأْخُذُ بِقَضِيَّةِ الْمَفْهُومِ بَلْ بِصَرِيحِ قَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَلَمْ يُفَاوِت الْوَاقِفُ فَعَمَلَ بِأَصْلِ التَّسَاوِي بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فِي الثَّانِيَةِ مَنْ تُوُفِّيَ عَنْ نَسْلٍ عَادَ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَيْهِ عَلَى نَسْلِهِ إلَخْ.
فَإِنَّهُ يَقْتَضِي بِنَاءً عَلَى مَا فَهِمَهُ السُّبْكِيّ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ مَاتَ الْأَصْلُ فِي حَيَاةِ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ أَمْ لَا، وَإِذْ قَدْ بَانَ لَك وَاتَّضَحَ فُرْقَانه مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ فَصُورَتنَا مُسَاوِيَةٌ لِلصُّورَةِ الْأُولَى وَصُورَةُ الرُّويَانِيُّ وَوَالِدِهِ لِلصُّورَةِ الثَّانِيَةِ وَحِينَئِذٍ فَاتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتنَا مِنْ التَّسَاوِي، وَمَا قَالَاهُ فِي صُورَتهمَا مِنْ عَدَمِهِ وَاتَّضَحَ أَيْضًا مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي الْأُولَى مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ فِي صُورَتنَا وَمَا قَالَهُ فِي الثَّانِيَة مُوَافِقٌ لَمَا قَالَاهُ وَبَعْدَ أَنْ تَمَهَّدَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَفْتَى بِهِ الْبَغَوِيّ لَا يُخَالِفُ مَا قُلْنَاهُ وَلَا نَظَائِرَهُ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ وَلَفْظُ فَتَاوِيهِ وُقِفَ عَلَى عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا وَأَنْسَالِهِمَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ وَقَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ صُرِفَتْ حِصَّته مِنْ ذَلِكَ إلَى عَقِبه، وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَته فَمَاتَتْ فَاطِمَةُ وَلَا نَسْلَ لَهَا وَانْحَصَرَ الْوَقْفُ فِي رَجُلٍ مِنْ نَسْلِ عَائِشَةَ هِيَ جَدَّةُ أُمِّهِ وَلَهُ أَوْلَادٌ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ وَغَالِيَةُ فَمَاتَتْ عَائِشَةُ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا وَخَلَّفَتْ وَلَدَيْنِ ثُمَّ مَاتَ أَبُوهَا عَنْ بَقِيَّةِ أَوْلَادِهِ الْمَذْكُورِينَ ثُمَّ مَاتَ الْأَوْلَادُ الْبَاقُونَ عَنْ أَوْلَادِهِمْ فَهَلْ يَنْتَقِلُ إلَى كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبُ أَبِيهِ أَمْ يُشَارِكُهُمْ وَلَدَا عَائِشَةَ الْمَيِّتَةِ فِي حَيَاةِ أَبِيهَا؛ لِأَنَّ الْكُلَّ الْيَوْمَ فِي دَرَجَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: لَا يُشَارِكهُمْ أَوْلَادُ عَائِشَةَ.
وَوَجْهُ عَدَمِ مُخَالَفَته لِمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ أَنَّهُ إنَّمَا تَعَرَّضَ لِعَدَمِ مُشَارَكَةِ وَلَدَيْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّصْرِيحِ بِأَنَّ كُلًّا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ نَصِيبُ أَبِيهِ كَامِلًا أَوْ لَا نَعَمْ كَلَامُهُ قَدْ يَقْتَضِي ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ لَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا مَرَّ فَإِنَّ صُورَةَ مَسْأَلَته مُسَاوِيَةٌ لِصُورَةِ السُّبْكِيّ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى وَدُونَ صُورَتنَا؛ لِأَنَّ صُورَته هَذِهِ نَصَّ الْوَاقِفُ فِيهَا فِي سَائِرِ الْبُطُونِ عَلَى أَنَّ كُلَّ فَرْعٍ يَأْخُذُ حِصَّةَ أَصْلِهِ بِقَوْلِهِ: وَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَأَعْقَبَ صُرِفَتْ حِصَّته مِنْ ذَلِكَ إلَى عَقِبه، وَإِلَّا فَمَنْ فِي دَرَجَته فَإِذَا وُجِدَ الْعَقِب كَانَ النَّصِيبُ مَصْرُوفًا إلَيْهِ بِنَصِّ الْوَاقِفِ فَلَا يَنْقُصُ عَنْهُ أَيْ: لَا بِقَيْدِهِ الْمُسْتَفَادِ مِنْ كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ الْآتِي، وَأَمَّا مَسْأَلَتنَا فَالْوَاقِفُ لَمْ يُصَرِّحْ فِيهَا بِنَظِيرِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا خَصَّ ذَلِكَ بِالطَّبَقَةِ الْأُولَى فَقَطْ فَإِنَّهُ وَقَفَ عَلَى بِنْتَيْهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمَا إلَخْ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا أَيْ: مِنْ بِنْتَيْهِ أَيْ: عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ كَانَتْ حِصَّته لِمَنْ فِي دَرَجَته، فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: مِنْهُمَا يَخُصُّ هَذَا الشَّرْطَ بِهِمَا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ سَائِرِ الطَّبَقَات فَإِذَا مَاتَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ وَلَدٍ أَخَذَ حِصَّتهَا عَمَلًا بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ كَمَا مَرَّ فَإِذَا تُوُفِّيَتْ الْأُخْرَى عَنْ أَوْلَادٍ بَطَل ذَلِكَ الشَّرْطُ وَلَمْ يَصِرْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ يَأْخُذُ بِهِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ فَلَيْسَتْ مَسْأَلَتُنَا نَظِيرَةَ مَسْأَلَةِ الْبَغَوِيِّ هَذِهِ لِلْفَرْقِ الْوَاضِحِ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَرَّرَ وَكَذَلِكَ مَسْأَلَته الْأُولَى فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَظِيرَتهَا فِي جَوَابِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ مُقْتَضَى هَذَا الْوَقْفِ أَنَّ قُضَاةَ تُشَارِكُ أَحْمَدَ إلَخْ، وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ صُورَتَيْهِمَا مُتَّحِدَتَانِ فِي سَائِرِ الْأَوْصَافِ مِنْ الْعَطْفِ بِثُمَّ، وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ.
وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَفِي أَنَّ قُضَاةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهَا قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهَا بَلْ قَبْلَ صُدُورِ الْوَقْفِ وَوَلَدَيْ عَائِشَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُمَا قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمَا أَيْضًا فَإِفْتَاءُ الْبَغَوِيِّ بِعَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِمَا نَصٌّ صَرِيحٌ فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ قُضَاةَ إذْ لَا سَبَبَ؛ لِإِفْتَائِهِ بِذَلِكَ إلَّا أَنَّ أُمَّهُمَا تُوُفِّيَتْ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِمَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ بِعَيْنِهِ فِي أُمِّ قُضَاةَ فَلَا تَسْتَحِقُّ لِمَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ بَلْ أَوْلَى وَعَلَيْهِ فَمَا وَجَّهَ بِهِ السُّبْكِيّ اسْتِحْقَاقِهِمَا مِنْ عُمُومِ قَوْلِ الْوَاقِفَةِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ إلَخْ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْهُ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ حَمْلَ قَوْلِهِ: النَّصِيب عَلَى مَا ذَكَره حِينَئِذٍ بَلْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ
وَبِهِ يُخَصُّ الْعُمُومُ الَّذِي ادَّعَاهُ؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ خَيْرٌ مِنْ الْمَجَازِ وَإِنْ تَعَدَّدَ دُونَ الْمَجَازِ كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْأُصُولِيِّينَ فَانْدَفَعَ قَوْلُهُ:، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَجَازٌ فَهُوَ هُنَا أَوْلَى إلَخْ وَقَوْلُهُ: لَنَا أَنْ نَقُولَ: النَّصِيب قَدْر يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ النَّصِيبَ لَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ إلَّا الْمَوْجُودُ حَقِيقَةً دُونَ الْمَعْدُومِ حَقِيقَةً الْمَوْجُودِ تَقْدِيرًا وَالتَّبَادُرُ عَلَامَةُ الْحَقِيقَةِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ وَقَوْلُهُ: وَغَرَضُ الْوَاقِفِ يَقْتَضِي عُمُومَ الذُّرِّيَّةِ يُقَالُ: عَلَيْهِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ تَصْرِيحُهُ بِخِلَافِهِ وَهُوَ هُنَا قَدْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ كَمَا تَقَرَّرَ وَقَدْ وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ مَوَاضِعُ قَرِيبَةٌ أَوْ مُسَاوِيَةٌ لِمَا قَالَهُ هُنَا فِي النَّصِيبِ وَمَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ فَإِيَّاكَ أَنْ تَغْتَرَّ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَتَأَمَّلَهُ مَعَ كَلَام الْبَغَوِيِّ هَذَا فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي رَدِّ جَمِيعِ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَنَظَائِرِهَا وَبِالضَّرُورَةِ إذَا تَعَارَضَ إفْتَاءُ السُّبْكِيّ وَالْبَغَوِيِّ فَالْأَصْلُ وَالْغَالِبُ تَقْدِيمُ إفْتَاءِ الْبَغَوِيِّ إلَّا لِمَانِعِ.
ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ أَشَارَ فِي فَتَاوِيهِ إلَى جَمِيعِ مَا قَدَّمْته عَقِبَ كَلَام الرُّويَانِيِّ وَوَالِدِهِ وَإِلَى مَا ذَكَرْته عَقِبَ جَوَابَيْ السُّبْكِيّ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِحَمْلِهِمَا عَلَى مَا مَرَّ وَإِلَى مَا ذَكَرْته عَقِبَ إفْتَاءِ الْبَغَوِيِّ مِنْ عَدَمِ مُخَالَفَتِهِ لِمَا ذَكَرْته فِي صُورَتِنَا وَلِمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ فِي صُورَتِهِ الْأُولَى، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الثَّلَاثَةِ، وَعَلَى مَنْ سَيُولَدُ لَهُ ذُكُورًا وَإِنَاثًا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لَهُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ وَلَدَانِ فَقَسَمَ الرِّيعَ بَيْنَ الْخَمْسَةِ سَوَاءً، ثُمَّ مَاتَ الذَّكَرَانِ الْأَوَّلَانِ عَنْ أَوْلَادٍ فَحَازُوا نَصِيبَهُمْ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْأَخِيرَانِ عَنْ غَيْرِ أَوْلَادٍ فَحَازَتْ أُخْتُهُمَا نَصِيبَهَا إذْ هِيَ فِي دَرَجَتِهِمَا ثُمَّ تُوُفِّيَتْ عَنْ وَلَدٍ وَعَنْ ثَلَاثَةِ أَخْمَاسٍ مِنْ الْوَقْفِ فَأَرَادَ وَلَدُهَا حَوْزَ ذَلِكَ فَإِنَّ وَالِدَتَهُ كَانَتْ تَأْخُذُهُ فَقَالَ: أَوْلَادُ خَالَتِهِ لَيْسَ لَك إلَّا مَا كَانَتْ تَأْخُذُهُ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ وَهُوَ الْخُمُسُ، وَالْبَاقِي بَيْنَنَا فَمَا الْحُكْمُ؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا يُعْمَلُ بِمَا قَصَدَهُ وَلَدُ الْمَرْأَةِ وَلَا بِمَا قَصَدَهُ أَوْلَادُ خَالَتِهِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُعْمَلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْغَلَّةَ تُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَذَاكَ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِي الْمَيِّتَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ قَوْلَهُ: الطَّبَقَةَ الْعُلْيَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَجْبِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ، وَأَنَّ التَّرْتِيبَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِثُمَّ تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ لَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ.
فَإِذَا مَاتَ الْأَخِيرُ مِنْ طَبَقَتِهِ أَيِّ طَبَقَةٍ كَانَتْ لَمْ تَخْتَصَّ وَلَدَهُ بِنَصِيبِهِ، وَإِنَّمَا تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى حَسَبِ مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ وَصَارَ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ، وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ دُونَ مَنْ هُوَ فِي طَبَقَةِ أَبِيهِ حَتَّى لَا يُحْرَمَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ مَنْ يُسَاوِي أَصْلَهُ، وَقَدْ زَالَ هَذَا الْمَعْنَى فِي مَوْتِ الْأَخِيرِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَدْ وَقَعَتْ قَدِيمًا فَأَفْتَيْتُ بِهَذَا فِيهَا وَوَافَقَ عَلَيْهَا أَكَابِرُ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ وَجَدْتُ التَّصْرِيحَ بِهَا فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ وَفِيهِ الْجَزْمُ بِمَا أَفْتَيْتُ بِهِ اهـ كَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ وَتَبِعَهُ عَلَى ذَلِكَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْخَمْسَةِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادهمْ تَحْجُب الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ، وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ فَلِإِخْوَتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْوَة فَلِبَنِي إخْوَته فَتُوُفِّيَ أَحَدُ الْخَمْسَةِ عَنْ بَنِينَ أَرْبَعَةٍ ثُمَّ الثَّانِي عَنْ ثَلَاثَةٍ ثُمَّ الثَّالِثُ عَنْ ابْنَيْنِ ثُمَّ الرَّابِعُ عَنْ وَاحِدٍ فَصَارَ كُلُّ مَنْ تُوُفِّيَ لَهُ أَبٌ يَتَنَاوَلُ حِصَّةَ أَبِيهِ وَيَقْسِمُ بَنُو الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ بَيْنهمْ أَرْبَاعًا وَبَنُو الثَّانِي أَثْلَاثًا وَبَنُو الثَّالِثِ أَنْصَافًا وَيَخْتَصُّ ابْنُ الرَّابِعِ بِحِصَّةِ أَبِيهِ ثُمَّ مَاتَ الْخَامِسُ عَنْ غَيْر وَلَدٍ فَهَلْ تَدُومُ تِلْكَ الْقِسْمَةُ مَعَ قِسْمَةِ حِصَّةِ الْخَامِسِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ أَمْ يُقْسَمُ رِيعُ الْوَقْفِ كُلِّهِ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: إذَا مَاتَ الْخَامِسُ صَارَ أَوْلَادُ الْبَنِينَ كُلُّهُمْ طَبَقَةً وَاحِدَةً وَهُمْ عَشَرَةٌ فَيَسْتَحِقُّونَ رِيعَ الْوَقْفِ أَعْشَارًا بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ فَإِنَّهُ خُصِّصَ بِهِ حَجْبُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا لِلسُّفْلَى فَيُعْمَلُ بِهِ مَا دَامَ أَحَدٌ مِنْ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا مَوْجُودًا، فَإِذَا لَمْ يَبْقَ
أَحَدٌ مِنْ الْعُلْيَا فَقَدْ حَصَلَ الِاسْتِوَاءُ فَتَعَيَّنَ الْقِسْمَةُ بَيْنهمْ عَلَى السَّوَاءِ عَمَلًا بِمَا تَقَدَّمَ وَمِمَّنْ أَفْتَى بِذَلِكَ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ فِي كَلَامِ الْبُلْقِينِيُّ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ لِمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي فَمَا الْمُعْتَمَدُ مِنْهُمَا؟ قُلْتُ: الْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّ مُجَرَّد قَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ، فَنَصِيبُهُ لَوَلَدِهِ، وَإِلَّا فَلِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ لَا يَقْتَضِي عُمُومَ جَرَيَانِ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ حَتَّى يَأْخُذَ الْفَرْعُ نَصِيبَ أَصْلِهِ مُطْلَقًا، وَإِنَّمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يَفُوزُ بِهِ حَيْثُ كَانَ فِي دَرَجَةِ أَصْلِهِ لِمَا قَرَّرَهُ الْبُلْقِينِيُّ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْعَمَلِ بِهَذَا الشَّرْطِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ وُجُودِ مَنْ يُسَاوِي الْمَيِّتَ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِهِ أَنْ يَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَجْبَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ثُمَّ فِي مَسْأَلَةِ السُّبْكِيّ وَمِنْهَا، وَمَنْ تَحْجُبُ الْعُلْيَا السُّفْلَى فِي مَسْأَلَةِ الْبُلْقِينِيُّ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى حَجْبِ الْأَصْلِ لِفَرْعِهِ، وَإِنَّ التَّرْتِيبَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ ذَلِكَ تَرْتِيبُ أَفْرَادٍ لَا تَرْتِيبُ جُمْلَةٍ فَإِذَا مَاتَ الْأَخِيرُ مِنْ طَبَقَةِ أَيِّ طَبَقَةٍ كَانَتْ لَمْ تَخْتَصَّ وَلَدَهُ بِنَصِيبِهِ.
وَإِنَّمَا تَكُونُ الْغَلَّةُ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى حَسْبِ مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ مِنْ تَفْضِيلٍ وَتَسْوِيَةٍ وَحِينَئِذٍ فَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ فِي جَوَابِهِ الثَّانِي ظَاهِرٌ إلَّا بِالنِّسْبَةِ لِأَوْلَادِ أَمِينِ الدِّين فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ لَا تَأْخُذُ أَوْلَادُهُ نَصِيبَهُ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ مَاتَ آخِرًا بَلْ يَشْتَرِكُونَ هُمْ وَأَوْلَادُ أَحْمَدَ فِيمَا كَانَ بِيَدِهِمَا عَلَى حَسْبِ رُءُوسِهِمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ الْآن لَا يَأْخُذُونَ بِهَذَا الشَّرْطِ بَلْ بِقَوْلِهِ: مَا ثُمَّ أَوْلَاد أَوْلَادِهِمْ كَذَلِكَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يُؤْتَ بِهِ إلَّا لِتَخْصِيصِ الْحَجْبِ الْمَذْكُورِ.
(خَاتِمَة) مَا قَدَّمْتُهُ مِنْ كَلَامِ الْبَغَوِيِّ يَرُدُّ كَلَامَ السُّبْكِيّ وَمَا وَجَّهْتُ بِهِ كَلَامَ الْبَغَوِيِّ بِقَوْلِي نَعَمْ فِي قَوْلِ الْبَغَوِيِّ لَا يُشَارِكهُمْ أَوْلَادُ عَائِشَةَ رَدَّ قَوْلَ السُّبْكِيّ إلَخْ رَأَيْتُ شَيْخنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ عَهْدَهُ قَدْ سَبَقَنِي إلَيْهِ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى ابْنَتِهِ سَارَةَ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهَا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ لِمَنْ فِي طَبَقَتِهِ عَلَى حُكْمِ الْفَرِيضَةِ الشَّرْعِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهَا رُزِقَتْ ثَلَاثَ بَنَاتٍ وَابْنًا ثُمَّ مَاتَ فِي حَيَاةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا بِنْتَانِ وَتَرَكَتَا أَوْلَادًا ثُمَّ مَاتَتْ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا وَتَرَكَتْ ابْنًا وَبِنْتًا ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ وَالْبِنْتُ وَتَرَكَا أَوْلَادًا فَهَلْ يَشْتَرِك أَوْلَادُ الْبِنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ مَاتَتَا فِي حَيَاةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ وَالْبِنْتِ الَّذِينَ عَاشَا بَعْدَهَا؟
فَأَجَابَ بِأَنَّهُمْ لَا يُشَارِكُونَهُمْ عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ عَلَى أَنَّ مِنْ مَاتَ مِنْهُمْ رَجَعَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَإِنَّهُ مُقَيِّدٌ لِمَا قَبْلَهُ، وَإِنْ كَانَ غَرَضُ الْوَاقِفِ غَالِبًا أَنْ لَا يَحْرِمَ أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إذْ لَا يُعْمَلُ بِغَرَضِهِ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ شَرْطِهِ، وَقَدْ رُفِعَ إلَيَّ هَذَا السُّؤَالُ مَرَّةً أُخْرَى فَكَتَبْتُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ فَقِيلَ: قَدْ أَفْتَيْتَ مَرَّةً بِالتَّشْرِيكِ وِفَاقًا لِجَمَاعَةٍ فَقُلْتُ: إنْ كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ صَادِقٍ وَبِمَا أَفْتَيْتُ بِهِ مِنْ عَدَمِ التَّشْرِيكِ أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ وَالشَّيْخُ كَمَالُ سَلَّارٍ شَيْخُ النَّوَوِيِّ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمَا السُّبْكِيّ لَكِنَّهُ أَعْنِي السُّبْكِيّ وَقَعَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ أَنَّهُمْ أَفْتَوْا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ بِالتَّشْرِيكِ تَبَعًا لِلْخَصَّافِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَاسْتَدَلُّوا بِمَا لَا يَشْفِي الْغَلِيلَ ثُمَّ قَالَ: أَعْنِي السُّبْكِيّ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ وَلَا أَشْتَهِي أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدنِي فِيهِ، بَلْ يَنْظُرُ لِنَفْسِهِ فَإِنَّ هَذَا نِهَايَةُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ نَظَرِي اهـ.
كَلَامُ الشَّيْخِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَتْهُ عَقِبَ كَلَامِ السُّبْكِيّ مِمَّا مَرَّ بَسْطُهُ فَرَاجِعْهُ وَاعْتَنِ بِهِ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَيَحْتَاجُ إلَيْهِ كَثِيرٌ وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَام الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَنَصِيبُهُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ يَكُونُ عَامًّا فِي الْأَخْذِ بِمَفْهُومِهِ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ، وَوَجْهُ تَوَهُّمِ ذَلِكَ يُعْلَمُ بِسِيَاقِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ جَعَلَ نَظَرَ وَقْفٍ لِابْنِهِ خِضْرٍ ثُمَّ لِإِخْوَتِهِ ثُمَّ لِأَوْلَادِ ابْنه خِضْرٍ الذُّكُورِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ تُوُفِّيَ خِضْرٌ وَأَوْلَادُهُ وَأَوْلَادُ الْوَاقِفِ وَبَقِيَ ابْنُ بِنْتِ خِضْرٍ وَبِنْتُ ابْنِ خِضْرٍ هَلْ تَدْخُلُ الْبِنْتُ وَتُشَارِكُ أَوْ لَا تَدْخُلُ عَمَلًا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ؟ الْمَذْكُورِ
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا تَدْخُلُ الْبِنْتُ فِي ذَلِكَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ الذُّكُورُ، وَهَذَا الشَّرْطُ مُسْتَمِرٌّ فِي كُلِّ بَطْنٍ وَقَدْ جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ سبحانه وتعالى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَمَا جُعِلَ فِي الْأَوَّلِ يَجْرِي فِيمَا بَعْدَهُ اهـ.
، وَهَذَا التَّوَهُّمُ غَيْرُ
صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ الْبُلْقِينِيُّ فِي الرُّجُوعِ قَوْلُهُ: الذُّكُورُ لِمَا بَعْدَهُ أَنَّهُ وَصْفٌ مُتَوَسِّطٌ أَوْ مُقَدَّمٌ وَهُوَ بِقِسْمَيْهِ يَرْجِعُ إلَى جَمِيعِ مَا بَعْدَهُ لِصَلَاحِيَّتِهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ رُجُوعُهُ لِمَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَإِنَّ الضَّمِيرَ، وَإِنْ كَانَ كَالصِّفَةِ فِي عَوْدِهِ لِجَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَفَّالُ إلَّا أَنَّ مَحَلّ ذَلِكَ فِي ضَمِيرٍ يَصْلُحُ لَلْعَوْدِ لِلْجَمِيعِ أَمَّا مَا لَا يَصْلُحُ لِلْجَمِيعِ فَلَا يَعُودُ إلَّا لِمَا يَصْلُحُ لَهُ فَقَطْ وَهُوَ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْبِنْتَيْنِ فَلَا يُعْمَلُ بِهِ فِي غَيْرِهِمَا فَاتَّضَحَ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ صُورَةِ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَتْ عَلَى نَفْسِهَا ثُمَّ مَنْ سَيَحْدُثُ لَهَا مِنْ الْأَوْلَادِ وَعَلَى وَالِدَتِهَا حَلِيمَةَ وَعَلَى زَوْجِهَا أَحْمَدَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ تَحْجُبُ الطَّبَقَة الْعُلْيَا السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ عَنْ بِنْتهَا كَرْكَ وَزَوْجِهَا أَحْمَدَ وَوَالِدَتِهَا ثُمَّ وَالِدَتُهَا عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ ثُمَّ أَحْمَدُ عَنْ بِنْتِهِ كَرْكَ مِنْهَا وَعَنْ وَلَدِهِ عَبْدِ الْوَهَّابِ مِنْ غَيْرِهَا فَهَلْ تَسْتَحِقُّ كَرْكُ نَصِيبَ وَالِدِهَا
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: نَعَمْ تَسْتَحِقُّ كَرْكُ نَصِيبَ وَالِدِهَا أَحْمَدَ وَلَا شَيْءَ لِعَبْدِ الْوَهَّابِ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْوَقْفِ فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْوَقْفِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ فِيهِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ وَقَضِيَّةُ مَا مَرَّ عَنْ الْقَفَّالِ مِنْ أَنَّ الضَّمِيرَ يَرْجِعُ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ اسْتِحْقَاقُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَوْلَادِهِمْ يَرْجِعُ لِجَمِيعِ مَا قَبْلَهُ وَمِنْهُمْ أَحْمَدُ وَكَذَا قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ يَرْجِعُ لِأَحْمَدَ أَيْضًا، وَإِذَا رَجَعَ إلَيْهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَوْلَادِهِ مِنْ الْوَاقِفَةِ وَغَيْرِهَا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى التَّخْصِيصِ بِأَوْلَادِهِ مِنْهَا بَلْ قَوْلُهُ: مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ إلَخْ صَرِيحٌ فِي الشُّمُولِ وَالْعُمُومِ عَلَى أَنَّ لَنَا قَوْلًا ضَعِيفًا أَنَّ الضَّمِيرَ لَا يَرْجِعُ إلَّا إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ وَهُوَ هُنَا أَحْمَدُ فَدُخُولُ أَوْلَادِهِ مُطْلَقًا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَسُوغُ حِرْمَانُ بَعْضِهِمْ؟ فَالْوَجْهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ وَقَدْ خَالَفَ الْبُلْقِينِيُّ فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَعَقَدُوا لَهُ فِيهَا مَجَالِسَ، لَكِنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ لَهُمْ وَلَعَلَّهُ لِشَيْءٍ ظَهَرَ لَهُ لَكِنَّ الْحَقَّ خِلَافُ مَا قَالَهُ، وَإِنْ جَلَّتْ مَرْتَبَتُهُ، وَهَذَا آخِرُ مَا تَيَسَّرَ لِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَتَوَابِعِهَا مَعَ تَضَعْضُعِ الْحَالِ وَقِصَرِ الْبَاعِ عِنْدَ الْوُقُوعِ فِي الْمَهَامِهِ وَالْمَضَايِقِ وَسُوءِ الِاقْتِرَافِ مِنْ النَّقَائِضِ وَالْبَوَائِقِ أَتَوَسَّلُ إلَى اللَّهِ وَجَوْدِهِ وَعَفْوِهِ وَرِضَاهُ وَلُطْفِهِ وَمَزِيدِهِ بِمِنْ لَا يَخِيبُ الْمُتَوَسِّلُونَ بِجَنَابِهِ وَلَا يَنْقَطِعُ الْمُؤَمِّلُونَ عَنْ الْعُلُوقِ فِي رِحَابِهِ أَشْرَفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَوَسِيلَةِ الرُّسُلِ وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَشُرِّفَ وَكُرِّمَ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَتَابِعِهِمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ قَرَّرَهُ نَاظِرٌ شَرْعِيٌّ فِي وَظِيفَةِ قِرَاءَةِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ عَلَى الْحَالِّ بِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ بِمَعْلُومٍ قَدْرُهُ لِكُلِّ سَنَةٍ أُجْرَةُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دَارٍ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ ثُمَّ تَوَلَّى الْوَقْفَ نَاظِرٌ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَهَلْ لَهُ عَزْلُ الشَّخْصِ الْمُقَرَّرِ الْمَذْكُورِ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ مَعَ أَهْلِيَّتِهِ وَمُبَاشَرَتِهِ لِمَا قُرِّرَ فِيهِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ إذَا قُرِّرَ غَيْرُهُ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) لَيْسَ لِلنَّاظِرِ عَزْلُ الْمُقَرَّرِ الْمَذْكُورِ إلَّا بِمُسَوِّغٍ وَلَا يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ: عَزَلْتُهُ بِمُسَوِّغٍ فَاقْتَضَى عَزْلَهُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ الْمُسَوِّغِ حَتَّى يُنْظَرَ فِيهِ هَلْ هُوَ مِمَّا يَقْتَضِي ذَلِكَ أَوْ لَا؟ وَإِذَا عَزَلَهُ وَقَرَّرَ غَيْرَهُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مَا ذُكِرَ لَمْ يَنْفُذْ عَزْلُهُ بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِانْعِزَالِهِ عَنْ النَّظَرِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ أَوْصَى بِهَا عَلَى مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ بِبَلَدِ كَذَا فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ أَمْ يَصِحُّ الْوَقْفُ دُونَ الْوَصِيَّةِ؟ .
كَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَصْبَحِيِّ قَالَ: لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مَجْهُولٍ لَا آخِرَ لَهُ وَنَصَّ غَيْرُهُ عَلَى الصِّحَّةِ فِي الصُّورَتَيْنِ فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي الْفَتْوَى، وَحَيْثُ قِيلَ بِالصِّحَّةِ فَهَلْ إذَا أَقَامَ النَّاظِرُ مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ يَكُونُ لِلْمَوْقُوفِ وَالْمُوصَى بِهِ حُكْمُ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ حَتَّى يَلْزَمَ الْمُؤَذِّنَ وَالْمُعَلِّمَ زَكَاتُهُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا وَصَلُحَ فِي مُلْكِهِ أَوْ يَكُونُ كَالْمَوْقُوفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ صِحَّةُ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِي الصُّورَةِ
الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَمَا أَشْبَهَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَقْفٌ أَوْ إيصَاءٌ لِمُتَّصِفٍ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَتَعَلُّقِ كُلٍّ مِنْ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ بِالصِّفَاتِ الْمَعْلُومَةِ صَحِيحٌ قَطْعًا ثُمَّ إنْ عَيَّنَ الْمُوصِي الْمُؤَذِّنَ أَوْ الْمُعَلِّمَ وَجَبَ قَبُولُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَمَا نُقِلَ عَنْ الْأَصْبَحِيِّ فَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنْ فِي نَظِيرِ الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ وَعِبَارَته إذَا أَوْصَى أَنْ يُوقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَلَّةِ لَا غَيْرَ وَيَحْكُمُ الْعُرْفُ فِي غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ بِسَنَتِهَا فَمَنْ قَرَأَ جُزْءًا اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَمَنْ قَرَأَ أَكْثَر كَذَلِكَ، وَإِنْ قَرَأَ الْجَمِيعَ اسْتَحَقَّ غَلَّةَ ذَلِكَ الْعَامِ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّتُهُ بِالْأَرْضِ غَيْرَ وَقْفٍ، فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةَ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جُزْءًا إلَى مُدَّةِ كَذَا وَكَذَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا إلًّا مَنْ قَرَأَ تِلْكَ الْمُدَّةَ، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن الْمُدَّةَ وَقَعَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً إذْ لَا آخِرَ لِذَلِكَ، وَالِاسْتِحْقَاقُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مَجْهُولٍ لَا آخِرَ لَهُ فَيُشْبِه مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ وَفِيهَا إشْكَالٌ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي آخِرِ تَفْرِيعَاتِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا يُهْتَدَى إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ وَقْفًا فَهُوَ أَقْرَبُ أَوْ وَصِيَّةً مُدَّةً مُعِينَةً فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَمُشْكِلٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الْغَرَائِبِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُ مَقْبُولٌ وَبَعْضُهُ مَرْدُودٌ فَلْنُبَيِّنْهُ، وَإِنْ اسْتَدْعَى بَسْطًا فَنَقُولُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَيَحْكُمُ الْعُرْفُ إلَخْ فَفِيهِ إجْمَالٌ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ: إذَا أَوْصَى أَنْ تُوقَفَ أَرْضٌ مَثَلًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ قَدْرَ الْمُقَرَّرِ وَلَا وَقْتَهُ، فَهَذَا أَمْرٌ مُطْلَقٌ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ فَإِذَا اطَّرَدَ الْعُرْفُ فِي زَمَنِ الْوَقْفِ فِي زَمَنِ حَالِ الْوَقْفِ بِشَيْءٍ وَجَبَ تَنْزِيلُ وَقْفِهِ الْمُطْلَقِ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ فِي نَظَائِرِ ذَلِكَ، وَإِذَا نَزَلَ الْوَقْفُ عَلَى الْعُرْفِ الْمَذْكُورِ فَمَنْ وَفَّى بِجَمِيعِ مَا اقْتَضَاهُ الْعُرْفُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْمَعْلُومِ، وَمَنْ أَخَلَّ بِبَعْضِهِ نَقَصَ مِنْ مَعْلُومِهِ مَا أَخَلَّ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ عُرْفٌ كَذَلِكَ فَمَا الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ هَذَا الْوَقْفُ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِأَصْلِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ فَلَا يَضُرُّ إخْلَالُهُ بِهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَعِبَارَتُهُ وَأَمَّا مَنْ أَخَلَّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُونَ بَعْضٍ فَيُنْظَرُ فِي كَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ الشَّرْطِ الَّذِي أَخَلَّ بِهِ وَمُسْتَنَدِهِ، فَإِنْ كَانَ مُقْتَضِيًا اشْتِرَاطَهُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي يَتْرُكُهُ فِيهِ وَيَتَقَيَّدُ الِاسْتِحْقَاقُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ بِالْقِيَامِ بِهِ فِيهَا فَيَسْقُطُ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقْتَضَاهُ وَكَانَ مَشْرُوطًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ تَرْكُهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ إخْلَالًا بِمَا هُوَ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ فَلَا يَسْقُطُ حِينَئِذٍ اسْتِحْقَاقُهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ إخْلَالُ الْمُتَّفِقَةِ بِالِاشْتِغَالِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ حَيْثُ لَا يَكُونُ الْوَاقِفُ نَصَّ عَلَى اشْتِرَاطِ وُجُودِهِ كُلَّ يَوْمٍ فَإِنَّ مَا هُوَ الْمُسْتَنَدُ فِي اشْتِرَاطٍ يَقْتَضِي اشْتِرَاطَهُ عَلَى الْجُمْلَةِ لَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَلْتَحِقُ بِهَذَا الْإِخْلَالِ بِحُضُورِ الدَّرْسِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ خَارِجًا عَنْ الْمُتَعَارَفِ حَيْثُ لَمْ يَنُصَّ عَلَى اشْتِرَاطِهِ كُلَّ يَوْمٍ وَمِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ مَا ذَكَرَ مِنْ اشْتِرَاطِهِ مِنْ قِرَاءَةِ جُزْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَأَيُّ يَوْمٍ أَخَلَّ بِذَلِكَ سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ تَعَدِّي سُقُوطِ الِاسْتِحْقَاقِ إلَى سَائِرِ الْأَيَّامِ الَّتِي لَمْ يَقَعْ فِيهَا إخْلَالُهُ بِالشَّرْطِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ وُجُودِ هَذَا الْمُسْتَحَقِّ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ كَالْأَيَّامِ الَّتِي تَقَدَّمَهُ، وَقَضَاؤُهُ لِمَا فَاتَ مِنْ ذَلِكَ لَا يُثْبِتُ اسْتِحْقَاقَهُ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ فَإِنَّ الْمُقَيَّدَ بِوَقْتٍ لَا يَتَنَاوَلُ مَا فُعِلَ فِي غَيْرِهِ اهـ. وَإِذَا تَأَمَّلْتَهُ عَلِمْت أَنَّ قَوْلَ الْمُوصِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي لَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ كُلَّ يَوْمٍ بَلْ عَلَى الْجُمْلَةِ هَذَا كُلُّهُ إنْ جَعَلَ قَوْلَهُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي شَرْطًا وَقَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا فَإِنَّهُ قَالَ: مَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُجْعَلُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ وَبَيَّنَ ذَلِكَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ ثُمَّ قَالَ: وَمِنْ صُوَرِهَا إنْ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أُمُورًا غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِصِيغَةِ الِاشْتِرَاطِ؟ فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَقَفْتُ عَلَى أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، وَإِنَّمَا قِيلَ: فِيهَا لِيَفْعَلُوا كَيْتَ وَكَيْتَ أَوْ يَفْعَلُوا كَذَا وَكَذَا فَمِثْلُ هَذَا مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَوْصِيَةً وَبَيْن أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطًا اهـ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَقَفْتُ عَلَى مَنْ يَفْعَلُ كَذَا أَوْ أَوْصَيْتُ لِمَنْ يَفْعَلُ كَذَا مِمَّا لِلْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي فِيهِ حَظٌّ يَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ نَفْعٌ بِمَنْزِلَةِ الِاشْتِرَاطِ؛ لِأَنَّهُ رَبَطَ الْوَقْفَ أَوْ الْوَصِيَّةَ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ مَقْصُودَةٍ
فَلَا بُدَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ وُجُودِهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَقَفْتُ كَذَا عَلَى فُلَانٍ وَيَفْعَلُ كَذَا فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا هُوَ الْمُتَرَدِّدُ بَيْنَ الِاشْتِرَاطِ وَالتَّوْصِيَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِالشُّرُوطِ كَمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ، وَلَوْ تَعَدَّدَ الْقَارِئُونَ عَلَى قَبْرِهِ اسْتَحَقُّوا الْمَوْقُوفَ أَوْ الْمُوصَى بِهِ عَلَى قَدْرِ عَمَلِهِمْ عَلَى الْأَوْجَهِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ وَلَا الْوَصِيِّ تَخْصِيصُ بَعْضِهِمْ بِهِ؛ لِعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِتَنَاوُلِ لَفْظِ الْوَاقِفِ أَوْ الْمُوصِي لِلْكُلِّ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي ظَاهِرٌ فِي الْعُمُومِ، وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ تَكُونَ مَنْ فِيهِ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِذَا قَالَ: مَنْ قَامَ بِوَصِيَّتِي فَلَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَأَيُّ مَنْ قَامَ بِهَا وَهُوَ مِنْ أَهْلِهَا فَلَهُ الْمِائَةُ، وَإِنْ قَامَ بِهَا جَمَاعَةٌ كَانَتْ الْمِائَةُ بَيْنهمْ، وَإِذَا قَامَ بِهَا وَاحِدٌ وَكَانَ كَافِيًا مَعَ غَيْرِهِ بَعْدَ الْعَمَلِ أَنْ يُشَارِكَهُ اهـ.
وَفِيهِ فَوَائِدُ وَيَأْتِي فِيمَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ مَا تَقَرَّرَ هُنَا وَفِيمَا يَأْتِي فِيمَنْ يَقْرَأُ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا إلَّا مَنْ قَرَأَ تِلْكَ الْمُدَّةَ فَمُرَادُهُ لَا يَسْتَحِقُّهَا كَامِلَةً إذْ لَوْ أَخَلَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا نَقُولُ: إنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ بِكَمَالِهَا، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ هُوَ قِسْطٌ وَمَا فَوَّتَهُ لِمَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَلِقَوْلِهِ: هُوَ فِي فَتَاوِيهِ لِمَا سُئِلَ عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى رَجُلٍ لِيَقْرَأَ عَلَى قَبْرِ مَيِّتٍ فِي كُلّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مِنْ الْقُرْآنِ فَفَاتَهُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ وَقَضَاهُ إذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ أَوْ يَوْمًا وَاحِدًا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ حِصَّةَ ذَلِكَ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ وَلَا يُفِيدُ الْقَضَاءُ وَبَيَّنَ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ: فَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ حِصَّةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَهُ مَشْرُوطٌ بِهِ وَلَمْ يُوجَدْ وَالْقَضَاءُ لَا يُفِيدُ فِيهِ إذْ لَا يَعُودُ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ لَمْ يَكُنْ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَتَقْدِيرِهِ فَائِدَةٌ اهـ.
، وَأَمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِيمَنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَلَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى الْوَظِيفَةَ فَضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ.
، وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَإِنْ لَمْ يُعَيِّن الْمُدَّةَ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ إذْ لَا أَثَرَ لِلْجَهْلِ بِالْمُدَّةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ مُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ هِيَ الْقِرَاءَةُ كُلَّ يَوْمٍ فَحَيْثُ وُجِدَتْ وُجِدَ الِاسْتِحْقَاقُ وَحَيْثُ انْتَفَتْ انْتَفَى الِاسْتِحْقَاقُ وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيد قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لَهُ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كَانَ آتِيًا بِوَقْفٍ مُنْقَطِع الْأَوَّل وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ: وَقَفْتُ كَذَا بَعْد مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي صَحَّ وَكَانَ وَصِيَّةً، وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَيُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ إلَخْ فَغَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا؛ لِأَنَّ صُورَةَ مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ الْمُشَارِ إلَيْهَا أَنْ يُوصِي لِشَخْصٍ بِدِينَارٍ كُلَّ سَنَةٍ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بِدِينَارِ دُون مَا بَعْدهَا وَهَذِهِ لَا تُشْبِهُ مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَلْحَظَ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيهَا فِيمَا عَدَا السَّنَةِ الْأُولَى أَنَّهُ لَا يَعْرِفُ قَدْرَ الْمُوصَى بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لِيَخْرُجَ مِنْ الثُّلُثِ فَالْمُوصَى بِهِ لَمْ يَجْهَلْ خُرُوجَهُ مِنْ الثُّلُثِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ، وَإِذَا لَمْ يَجْهَلْ خُرُوجَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَأَنَاطَ الْمُوصِي اسْتِحْقَاقَهُ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ وَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ فَتَأَمَّلْ بُعْدَ مَا بَيْن الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَكَأَنَّهُ لُحِظَ أَنَّ عَدَمَ تَعْيِينِ مُدَّةِ الشَّرْطِ الْمُعَلَّقِ بِهِ الِاسْتِحْقَاقُ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ كَعَدَمِ الْعِلْمِ بِخُرُوجِ الْمُوصَى بِهِ فِيمَا عَدَا السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الثُّلُثِ فِي مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ، وَهَذَا بَعِيدٌ إذْ لَا جَامِعَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ حَتَّى يُقَابَل أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، وَأَمَّا قَوْله: وَإِنْ كَانَ وَقْفًا إلَخْ فَفَرْقُهُ بَيْن الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ يَرُدُّهُ تَسْوِيَةُ الْفُقَهَاءِ بَيْنهمَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ وَمَا فَرَّقُوا بَيْنهمَا إلَّا فِي مَسَائِلَ لَا يَتَأَتَّى نَظِيرُهَا هُنَا فَوَجَبَ أَنْ لَا فَارِقَ بَيْنهمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ لَك أَنْ تَرُدَّ مَا قَالَهُ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ وَمِنْ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ مِنْ الْمَجَاهِيلِ وَالتَّعْلِيقَاتِ وَغَيْرِهِمَا مَا لَا يَقْبَلُهُ الْوَقْف فَإِذَا قَالَ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ مَعَ تَعْلِيقه بِشَرْطٍ مَجْهُولِ الْآخَرِ فَلْيَقُلْ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ مَعَ ذَلِكَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهَا تَقْبَلُ مِنْ الْمَجَاهِيل مَا لَا يَقْبَلُهُ الْوَقْفُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ تَأَمَّلَ تَصَارِيفَهُمْ فِي الْبَابَيْنِ وَكَوْنُ الْوَقْفِ أَصْلُهُ الدَّوَامُ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لَا يَنْفَعْهُ فِي الْفَرْقِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّة أَيْضًا قَدْ تَكُونُ لِلدَّوَامِ، فَالدَّوَامُ لَا يَقْتَضِي فَسَادَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَصْلًا فِيهِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ وَحَيْثُ قِيلَ بِالصِّحَّةِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْوَاقِفَ إنْ عَيَّنَ شَخْصًا أَوْ أَكْثَرَ وَشَرَطَ كَوْنَهُ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ مَثَلًا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ بِشَرْطِهَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ
أَحَدًا كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ السَّائِلِ فَلَا تَلْزَمُهُ زَكَاةٌ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَا زَكَاةَ فِي رِيعٍ مَوْقُوفٍ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاجِدِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمَالِك بِخِلَافِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمَاعَةٍ اهـ.
وَبِهَذَا يُعْلَم أَنَّ الْمُوصَى بِهِ كَذَلِكَ، فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي مَنْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُعَلِّمُ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَة) وَقَفَ دَارًا عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَشَرَط النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِوَلَدِهِ الْمُعَيَّنِ ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ وَحَكَمَ بِمُوجِبِ الْوَقْفِ وَبِصِحَّتِهِ وَلُزُومِهِ حَنَفِيٌّ، وَشَرَطَ أَنْ يَبْدَأ بِعِمَارَتِهِ مِنْ أُجْرَتِهِ بِنَظَرِ وَلَدِهِ الْمَذْكُورِ فَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَضَعَ وَلَدُهُ يَدَهُ وَأَجَّرَهُ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجِ لِعِمَارَتِهِ وَحَكَمَ بِصِحَّةِ الْإِيجَارِ شَافِعِيٌّ فَهَلْ حُكْمُ الْحَنَفِيِّ يَتَنَاوَلُ الْحُكْمَ بِبُطْلَانِ هَذِهِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ لَا تَجُوزَ إجَارَةُ الْوَقْفِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ؟ (فَأَجَبْتُ) الْحُكْمُ بِالْمُوجِبِ يَتَضَمَّنُ الْحُكْمَ بِجَمِيعِ الْآثَارِ الَّتِي يَرَاهَا الْحَاكِمُ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: مُخَالِفًا لِكَلَامِ شَيْخِهِ الْإِمَام الْبُلْقِينِيُّ بِشَرْطِ أَنْ يَدْخُلَ وَقْتُ الْحُكْمِ بِهَا، مِثَالُهُ أَنْ يَحْكُمَ حَنَفِيٌّ بِمُوجِبِ تَدْبِيرٍ فَمِنْ مُوجِبِهِ عِنْدَهُ مَنْعُ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ فَقَدْ حَكَمَ بِهِ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّهُ مَنْعٌ لِلسَّيِّدِ مِنْهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَذِنَ لَهُ شَافِعِيٌّ فِيهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِلْحُكْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا الْحُكْمُ بِصِحَّةِ بَيْعِهِ لَوْ وَقَعَ فَإِنَّهُ وَقَعَ بَاطِلًا بِقَضِيَّةِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ بِمُوجِبِ هَذَا الْوَقْفِ مُتَضَمِّنٌ لِحُكْمِهِ بِامْتِنَاعِ إجَارَتِهِ مُدَّةً لَا يُجِيزُهَا الْحَنَفِيُّ؛ لِأَنَّ هَذَا أَثَرٌ مِنْ آثَارِ حُكْمِهِ وَقَدْ دَخَلَ وَقْتُهُ فَصَارَ كَأَنَّهُ وَجَّهَ حُكْمَهُ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ الْحُكْمُ بِمَا يُخَالِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضًا لِحُكْمِ الْحَنَفِيِّ وَعَلَى التَّنَزُّل، وَأَنَّ حُكْمَ الْحَنَفِيِّ لَا يَشْمَلُ ذَلِكَ فَإِجَارَةُ النَّاظِرِ الْوَقْفَ مِائَةَ سَنَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ بَاطِلَة كَمَا حَرَّرَهُ الْوَلِيُّ أَبُو زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ حَيْثُ قَالَ: مَا يَفْعَلهُ حُكَّامُ مَكَّةَ مِنْ إجَارَةِ دُورِ الْوَقْفِ الْخَرِبَةِ السَّاقِطَةِ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا عِنْد الِاحْتِيَاجِ لِأُجْرَةِ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَجْلِ الْعِمَارَةِ حَسَنٌ يَسُوغُ اعْتِمَادُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ حَاصِلٌ يَعْمُرُ بِهِ وَلَا وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُ الْقَرْضَ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعِمَارَةِ بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِجَارَةِ مُدَّةً مُسْتَقْبَلَةً بِأُجْرَةٍ حَالَةٍ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ لِذَلِكَ فَإِجَارَةُ النَّاظِرِ الْمَذْكُورَةُ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْأَذْرَعِيَّ قَالَ: لَا تَجُوزُ إجَارَةُ الْوَقْفِ مِائَةَ سَنَةٍ مَثَلًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اسْتِهْلَاكِ الْوَقْفِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ إجَارَةَ النَّاظِرِ الْمَذْكُورَةَ بَاطِلَةٌ عِنْد الْحَنَفِيِّ وَالشَّافِعِيِّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
(سُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَوْ وَقَفَ أَرْضًا لِتُزْرَعَ غَلَّتُهَا كُلَّ سَنَةٍ أَوْ لِتُصْرَفَ غَلَّةُ كُلِّ سَنَةٍ أَوْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ لِمَنْ يُهَلَّل لَهُ كُلَّ سَنَةٍ كَذَا أَوْ لِلْمُعَلِّمِ أَوْ مَنْ يُعَلِّمُ بِبَلَدٍ كَذَا أَوْ أَوْصَى كَذَلِكَ، وَقُلْتُمْ بِالصِّحَّةِ وَكَانَتْ تَزِيدُ عَلَى الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ فَهَلَّلَ وَعَلَّمَ سَنَةً ثُمَّ مَاتَ أَوْ امْتَنَعَ أَوْ عُزِلَ أَوْ وُجِدَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ وَلَمْ تُغَلَّ فِي سَنَتِهِ أَوْ لَمْ تَفِ بِالْقَدْرِ فَهَلْ يُعْطَى غَلَّةَ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ يُكَمَّلُ الْقَدْرُ مِنْهَا؟ أَيْ: مِنْ غَلَّتِهَا أَوْ يُسْتَرَدُّ مِمَّا يُصْرَفُ لِلْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ فِي مَاضِي الزَّمَانِ حَيْثُ صَرَفْنَا الزَّائِدَ عَلَى الْمُقَدَّرِ إلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِهِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْن أَنْ يَقُولَ: وَمَا فَضَلَ مِنْ غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الشَّرْطِ بِكُلِّ سَنَةٍ فَلَا يُسْتَرَدُّ حِينَئِذٍ أَوْ يُطْلَقُ فَيُسْتَرَدُّ وَقَدْ يَقُولُ: الْوَاقِفُ أَوْ الْمُؤَجِّرُ بِصَرْفٍ مِنْ غَلَّتِهَا أَعْنِي الْقَدْرَ الْمَعْلُومَ فِي صُورَتِهِ، وَإِنْ أَجْدَبَتْ أَيْ: لَمْ تُغِلَّ فَهَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيَلْزَمُ حَيْثُ وَقَعَ فِي نَفْسِ الْوَاقِفِ أَوْ الْوَصِيَّةِ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ بِصُورَةِ شَرْطٍ أَوْ لَا؟ وَلِأَبِي زُرْعَةَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ كَلَامٌ فِي ذَلِكَ كَمَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُ سَيِّدِي؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَنْ وَقَفَ أَرْضًا أَوْ أَوْصَى بِهَا لِتُصْرَفَ غَلَّتُهَا أَوْ جُزْءٌ مِنْهَا إلَى مَنْ يَفْعَلُ كَذَا، فَإِنْ جَاءَتْ كُلَّ سَنَةٍ بِقَدْرِ مَا شَرَطَ فَذَاكَ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَيْهِ، فَالزِّيَادَة لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا آخَرَ هَذَا إنْ بَاشَرَ الْمَشْرُوطُ عَلَيْهِ جَمِيعَ السَّنَةِ وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، أَمَّا إذَا لَمْ يُبَاشِرْهُ جَمِيعَ السَّنَةِ كَأَنْ مَاتَ أَثْنَاءَ السَّنَةِ أَوْ امْتَنَعَ أَوْ عُزِلَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مِنْ مُغَلِّ تِلْكَ السَّنَةِ قِسْطَ مَا بَاشَرَهُ فَقَطْ، وَأَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مُقَدَّرٌ فَإِنْ وَفَّى الْمُغِلُّ بِقَدْرَيْهِمَا فَذَاكَ، فَإِنْ نَقَصَ وُزِّعَ عَلَيْهِمَا بِالنِّسْبَةِ
عَلَى مُقَدَّرَيْهِمَا فَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَشَرَةٌ وَلِلْآخَرِ عِشْرُونَ اسْتَحَقَّ الْأَوَّلُ ثُلُثَ الْحَاصِلِ وَالثَّانِي ثُلُثَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كُلٌّ لِصَاحِبِ الْمُقَدَّرِ مِنْ رِيعِ السَّنَة الثَّانِيَةِ كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ، وَمَنْ يَكُونُ كَالْعَصَبَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَاقِفُ: وَمَا فَضَلَ بِكُلِّ سَنَةٍ فَلَا يَكْمُلُ حِينَئِذٍ مُغَلُّ سَنَةٍ مِمَّا قَبْلهَا وَلَا مِمَّا بَعْدَهَا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، بَلْ إنْ وَفَّى مُغِلُّ كُلِّ سَنَةٍ بِأَرْبَابِ الْوَقْفِ فَذَاكَ، وَإِنْ زَادَ فَالزِّيَادَةُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ، وَإِنْ نَقَصَ وُزِّعَ بِحَسْبِ مُقَدَّرَاتِهِمْ كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ.
وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ فِي فَرْعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدِينَارٍ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَكْمُلُ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ رِيعِ الشَّهْرِ الثَّانِي لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْن الصُّورَتَيْنِ فَإِنَّ الْبَاقِيَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مُسْتَحَقٌّ لِلْوَارِثِ تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ فَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الرِّيعَ مُسْتَحَقٌّ لِأَصْحَابِهِ بِجِهَةِ الْوَقْفِ فَقُدِّمَ فِيهِ الْمُقَدَّرُ مُطْلَقًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: وَلَوْ كَمُلَ الْمُقَرَّرُ فِي سَنَةٍ وَأَعْطَى مَا فَضَلَ مِنْهَا لِمَنْ بَقِيَ مِمَّنْ لَا مُقَدَّر لَهُ ثُمَّ نَقَصَ فِي سَنَةٍ أُخْرَى بَعْدَهَا فَهَلْ يُسْتَرَدُّ فِيمَا إذَا لَمْ يَخُصَّ كُلَّ سَنَةٍ بِهَا مَا صُرِفَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَوْجَهُ الِاسْتِرْدَادُ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْأَمْلَاكِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَبِنَقْصِ الْمُقَدَّرِ فِي سَنَةٍ؟ إذَا قُلْنَا: إنَّهُ يُكْمِل مِنْ غَيْرِهَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ مَنْ صُرِفَ لَهُمْ الْبَاقِي لَا يَمْلِكُونَهُ الْآن، وَأَنَّ مِلْكَهُمْ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ إنَّمَا كَانَ مِلْكًا مُرَاعًى وَبِاعْتِبَارِ أَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا قُبِضَ بِاسْتِحْقَاقِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرْته فِي بَعْضِ هَذَا التَّفْصِيلِ إفْتَاءُ الشَّرَفِ الْمَقْدِسِيِّ وَهُوَ مِنْ مَعَاصِرِي النَّوَوِيِّ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَكَان مَوْقُوفٍ عَلَى جَمَاعَةٍ وَعَلَيْهِمْ وَظَائِف شَرَطَهَا الْوَاقِفُ وَجَامِكِيَّةٌ وَجِرَايَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْجِرَايَةِ فِي بَعْضِ السِّنِينَ تَعْجِزُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْقَفِ عَنْ الْوَفَاءِ بِهَا. وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْوَقْف مُغَلٌّ قَائِم مِنْ بَعْضِ الْأَوْقَافِ الْبُرَانِيَّةِ عَلَى الْجِهَةِ الْمَذْكُورَةِ فَلَمَّا حَصَلَ الْمُغَلُّ تَحْتَ يَدِ النَّاظِرِ أَرَادَ حَبْسَهُ لِيَصْرِفَهُ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ الْجَامِكِيَّةِ وَالْجِرَايَةِ وَأَرَادَ مُبَاشِرُو الْوَقْفِ أَنْ يُكَمِّلَ لَهُمْ مَا تَأَخَّرَ مِنْ مَعْلُومِهِمْ فَأَيُّهُمْ يُجَابُ؟ وَهَلْ لِلْمُتَوَلِّي أَنْ يَصْرِفَ مِنْ مُغَلِّ هَذِهِ السَّنَة الَّتِي تَأَخَّرَ فِيهَا مَا ذُكِرَ مِنْ سَنَتِهِمْ الَّتِي بَاشَرُوا فِيهَا أَوْ لَا؟
فَأَجَابَ بِمَا صُورَتُهُ يُجَابُ مَنْ كَانَ الْمُغَلُّ قَائِمًا فِي الْأَرْضِ فِي زَمَنِ مُبَاشَرَتِهِ وَيُكَمَّلُ لَهُمْ مِنْهُ مَعْلُومَهُمْ الْمَشْرُوطَ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ مُبَاشَرَتِهِمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفُ فِي غَيْرِ السَّنَة الَّتِي كَانَ الْمُغَلُّ فِيهَا شَيْءٌ فِي السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ إلَّا مَا يَفْضُلَ عَنْ الْمُسْتَحَقِّينَ فِي سَنَةَ الْمُغَلُّ اهـ.
وَأَفْتَى غَيْرُهُ فِيمَنْ وَقَفَ أَرْضًا لِيُصْرَفَ مِنْ غَلَّتِهَا لِلْمُعَلِّمِ بِبَلَدِ كَذَا شَيْءٌ مَعْلُومٌ سَنَةً وَامْتَنَعَ ثُمَّ عَلَّمَ غَيْرُهُ وَلَمْ يَحْصُلْ فِي سَنَةٍ إلَّا دُون مَا شُرِطَ لَهُ فَهَلْ يُكَمَّلُ لَهُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ؟ وَهَلْ لَوْ مَاتَ أَثْنَاء السَّنَةِ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ فِي الثَّانِيَةِ وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى جِهَاتٍ وَذَكَرَ لِبَعْضِهَا مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَمَا فَضَلَ مِنْ الرِّيعِ عَمَّا قَدَّرَهُ يَكُونُ لِلْجِهَاتِ الْفُلَانِيَّةِ فَجَاءَ فِي سَنَةِ الرِّيعِ أَقَلُّ مِنْ الْمُقَدَّرِ ثُمَّ كَثُرَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ يُكَمَّلُ لِلْمُقَدِّرِ وَيُعْطِي الْفَاضِلَ لِلْمَشْرُوطِ لَهُمْ الْبَاقِي بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُقَدَّرِ يُكَمِّلُ لَهُمْ كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ، وَمَنْ لَهُ الْبَاقِي كَالْعَصَبَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَاقِفُ: وَمَا فَضْلُ كُلِّ سَنَةٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الشَّرْطِ بِكُلِّ سَنَةٍ اهـ.
وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُهِمَّاتِ عَنْ السُّبْكِيّ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ مَاتَ أَثْنَاءَ سَنَةٍ وَلَمْ تُغِلَّ الْأَرْضُ إلَّا بَعْد مَوْتِهِ أُعْطِيت حِصَّتُهُ لِوَارِثِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَ أَثْنَاءَ سَنَةٍ يَسْتَحِقُّ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُل مِنْ تِلْكَ الْأَرْضِ مُغَلٌّ فِي تِلْكَ السَّنَةِ حَتَّى يَسْتَحِقَّ مِنْهُ بِالْقِسْطِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا شَيْءٌ لَمْ يُسْتَحَقَّ شَيْءٌ، وَقَوْلُ الْوَاقِفِ أَوْ الْوَصِيِّ عَلَى أَنْ يَصْرِفَ مِنْ غَلَّتِهَا، وَإِنْ لَمْ تُغِلّ كَلَام لَغْو فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ وَيَصِحُّ الْوَقْفُ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فِي صُلْبِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيْسَ مُتَنَافِيًا لِخُصُوصِ الْوَقْفِ حَتَّى يُبْطِلهُ، بَلْ الْعُمُومُ اشْتِرَاط الْإِمْكَانِ فِي اتِّحَادِ الْأَشْيَاءِ الْمُمْكِنَةِ وَقَوْلُهُ: ذَلِكَ مُتَنَاقِضٌ فَيَكُونَ فِي حَيِّزِ النُّطْقِ بِالْهَذَيَانِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَة) هَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ بِشَرْطِ الْعُزُوبِيَّةِ (أَجَبْت) الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِشَرْطِ الْعُزُوبَةِ اُتُّبِعَ شَرْطُهُ
وَفِي فَتَاوَى الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ هَذَا الشَّرْطُ لِمُخَالَفَتِهِ طَلَبَ التَّزَوُّجِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ اهـ.
، وَإِنَّمَا يُتَّجَهُ ذَلِكَ إنْ كُنَّا نَشْتَرِطُ فِي شُرُوطِ الْوَاقِفِ أَنْ تَكُونَ قُرْبَةً أَمَّا إذَا لَمْ نَشْرِطْ فِيهَا ذَلِكَ وَهُوَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ فَلَا نُلْغِي هَذَا الشَّرْطَ وَفِي الْخَادِمِ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّ الْوَقْفَ قُرْبَةٌ وَلَا يَصِحَّ إلَّا عَلَى جِهَةٍ تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَة إنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ قُرْبَة لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا فَالْوَقْفُ بِشَرْطِ الْعُزُوبِيَّةِ بَاطِلٌ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ فَلَيْسَ مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ ذَلِكَ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ رِعَايَةِ الْقُرْبَة فِي أَصْلِ الْوَقْفِ رِعَايَتهَا فِي شُرُوطِهِ فَتَأَمَّلْهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى عِيَالِهِ هَلْ يَشْمَلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ أَوْ يَخْتَصُّ بِالذُّكُورِ وَإِذَا قَضَى الْعُرْفُ بِهَذَا يُعْمَلُ بِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَشْمَلُ النَّوْعَيْنِ لَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ الْقَرَابَةِ الَّذِينَ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ» هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِبَلَدِ الْوَاقِفِ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ عَلِمَهُ الْوَاقِفُ قَبْلَ وَقْفِهِ، وَإِلَّا نَزَلَ وَقْفُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ.
(وَسُئِلْتُ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ عَلَى جِهَات بِرٍّ عَيَّنَهَا وَشَرَط النَّظَر لِلْأَرْشَدِ مِنْ الْأَوَّلِينَ ثُمَّ مِنْ الذُّرِّيَّةِ فَمَاتَ الْأَوَّلُ عَنْ غَيْرِ عَقِبٍ وَانْتَهَى إلَى الْوَرَثَة وَهُمْ إذْ ذَاكَ وَلَد الْوَاقِفِ لِصُلْبِهِ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَبِنْت ابْن لَهُ آخَر فَمَاتَ الْوَلَدُ عَنْ بِنْتِهِ وَبِنْتِ أَخِيهِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَبَنِي عَمِّهِ ثُمَّ بِنْت الْوَاقِفِ عَنْ أَوْلَادٍ وَبَنِي عَمٍّ فَهَلْ لِبِنْتِ الِابْن مَعَ عَمِّهَا وَعَمَّتِهَا شَيْءٌ أَوْ بَعْدَهُمَا وَكَذَا بَنُو الْعَمِّ؟ وَهَلْ هُوَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ؟ وَهَلْ مَا لِلْبِنْتِ يُنْقَلُ لِأَوْلَادِهَا؟ وَهَلْ قَوْلُهُ: أَوَّلًا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ يَجْرِي كَذَلِكَ فِي الْوَرَثَةِ فَيُفِيدُ انْتِقَاله إلَى سَائِرِ بُطُونِهِمْ عَلَى التَّرْتِيبِ وَهَلْ الشَّرْطُ تَابِعٌ لِلِاسْتِحْقَاقِ أَمْ لَا؟ (فَأَجَبْت) الْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِمْ وَرَثَة بِوَقْتِ انْقِرَاضُ مَنْ قَبْلَهُمْ فَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ الْوَلَدَانِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا مَاتَ الذَّكَرُ أَخَذَتْهُ الْأُنْثَى جَمِيعَهُ فَإِذَا مَاتَتْ وَانْتَقَلَ إلَى الْجِهَاتِ الَّتِي عَيَّنَهَا بَعْد الْوَرَثَةِ بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ لَا يُفِيدُ تَرْتِيبًا وَمُسْتَحِقُّ النَّظَرِ الْأَرْشَدِ مِنْ الْوَارِثِينَ الْمَوْجُودِينَ عِنْد وُجُودِهِمَا وَالْأُنْثَى عِنْد انْفِرَادِهَا إنْ كَانَتْ رَشِيدَةً، وَإِلَّا فَالْحَاكِمُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ صَدَقَةٍ عَلَى وَارِدِ مَسْجِدٍ ثُمَّ وَسَّعَ ذَلِكَ الْمَسْجِدَ لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرِهَا وَقُلْنَا: لَا بُدَّ مِنْ وُرُودِهَا لِأَجْلِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ لَمْ نَقُلْ بِهِ فَهَلْ الْوَارِدُ فِي الزِّيَادَةِ كَالْوَارِدِ فِي الْمُزَادِ عَلَيْهِ؟ وَتَلْحَقُ الزِّيَادَةُ بِهِ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ حَتَّى يُسْرِجَ فِيهَا مِنْ صَدَقَتِهِ وَيَشْتَرِي لَهَا الْحُصْرَ مِنْ صَدَقَتِهِ الْمَوْجُودَة قَبْلَ فِعْلِ الزِّيَادَةِ وَهَلْ تَدْخُلُ الزِّيَادَةُ فِي الصَّدَقَةِ الْحَادِثَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ بَعْد حُدُوثِهَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَوْ لَا؟ وَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ كَبِئْرٍ عُمْقُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَلَهُ صَدَقَةٌ عَلَى رَشَاهُ فَعَمَّقَ إلَى ثَلَاثِينَ؟ وَهَلْ الْوُرُود شَرْطٌ لِاسْتِحْقَاقِ الْوَارِدِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَوْ يُفَرَّقُ بَيْن وَارِدٍ وَوَارِدٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَرْقَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَكْبَرَ وَذُو الْجُرُوح السَّيَّالَةِ وَيَلْحَقُ بِهِمَا الْأَجْذَمُ أَوْ لَا؟ وَقَدْ أَفْتَى أَبُو شُكَيْلٍ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِأَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ وَأَفْتَى آخَرُ بِالْمَنْعِ إذَا لَمْ يُوجَدْ وُرُود وَفِي شَرْحِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ لِلتَّنْبِيهِ فِي الْكَلَامِ عَلَى الْمَعْذُورِ عَنْ مَبِيتِ مِنًى كَلَامٌ لَهُ تَعَلُّقٌ بِمَا نَحْنُ فِيهِ فِيمَا أَظُنُّ فَتَفَضَّلُوا بِإِيضَاحِهِ وَبَسْطِهِ وَتَحْصِيل الْمُرَادِ مِنْهُ لِتَعْظِيمِ فَائِدَتِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يُتَّجَهَ لِي أَنَّ الْوُرُودَ شَرْطٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ وَقَعَتْ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ فَالْأَصْلُ أَنَّهَا لِلِاشْتِرَاطِ حَتَّى يُوجَد مِنْ كَلَامِهِ أَوْ بِقَرِينَةٍ خَارِجِيَّةٍ مَا يَصْرِفُهَا عَنْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ نَقُولُ: مَحَلّ كَوْن الْوُرُودِ شَرْطًا مَا لَمْ يَكُنْ الْعُرْفُ حَالَ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلّ مُطَّرِدًا بِإِنَّ الْمُرَاد بِالْوُرُودِ إلَى الْمَسْجِدِ مَا يَشْمَلُ دُخُوله وَالْإِقَامَة عَلَى بَابِهِ أَوْ بِقُرْبِهِ وَيَكُونُ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ فَحِينَئِذٍ يُتَّجَهُ أَنَّ الْوُرُودَ لَيْسَ شَرْطًا لِمَا هُوَ مُقَرَّرٌ مَعْرُوفٌ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ مُنْزَلٌ مَنْزِلَة شَرْطٍ فَيُنَزَّلُ الْوَقْفُ عَلَى الْعُرْفِ الْمَذْكُورِ كَمَا يُنَزَّلُ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ وَعَلَى التَّفْصِيلِ يُحْمَلُ إطْلَاق مَنْ أَطْلَقَ أَنَّ الْوُرُود شَرْطٌ أَوْ لَيْسَ بِشَرْطٍ
؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ الَّذِي يُنَزَّلُ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ ابْنِ الصَّلَاحِ بِنَظِيرِهِ وَأَقَرُّوهُ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِذَكَرِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَوْعُ بَسْطٍ لِمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنْ الْفَوَائِدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ مَدْرَسَةٍ مَوْقُوفَةٍ عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ وَوُقِفَ لَهَا شَيْءٌ عَلَى فُقَهَائِهَا وَمُتَفَقِّهِيهَا هَلْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُ مَنْ يَشْتَغِلُ بِهَا وَلَا يَحْضُرُ دَرْسَ الْمُدَرِّسِ أَوْ يَحْضُرُ الدَّرْس وَلَا يَحْفَظُ شَيْئًا وَلَا يُطَالِعُ أَوْ يَشْتَغِلُ بِالْمُطَالَعَةِ وَحْدَهَا أَمْ لَا؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يُلْحَظُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَغَيْرِهَا شُرُوط الْوَاقِفِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مُخِلًّا بِمَا نَصَّ الْوَاقِفُ عَلَى جَعْلِهِ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ فَهُوَ قَادِحٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِشَيْءٍ مِمَّا اشْتَرَطَهُ الْوَاقِفُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَكِنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْعُرْفُ وَاقْتَضَتْهُ الْعَادَةُ، فَالِاسْتِحْقَاقُ يَنْتَفِي بِهَذَا الْإِخْلَال أَيْضًا، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ الْوَاقِفُ لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ بِنَفْيٍ وَلَا إثْبَاتٍ لِتَنَزُّلِ الْعُرْفِ فِي هَذَا مَنْزِلَة الِاشْتِرَاطِ لَفْظًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِيمَاءُ إلَى بَيَانِهِ فِي الْفُتْيَا الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ وَنَعْنِي بِهِ الْعُرْفَ الَّذِي قَارَنَ الْوَقْفَ.
وَكَانَ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَال بِمَا ظَهَرَ اشْتِرَاطُهُ لَفْظًا وَعُرْفًا وَمَا لَا تَرَدُّدَ فِي كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يَقْدَحُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا وَقَعَ التَّرَدُّدُ فِي كَوْنِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُجْعَلُ شَرْطًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ مَعَ الشَّكِّ فَلَا يَمْنَعنَا مِنْ الْحُكْمِ بِالِاسْتِحْقَاقِ كَوْنُنَا تَرَدَّدْنَا، وَالْأَصْلُ عَدَمه؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ قَدْ تَحَقَّقَ وَشَكَكْنَا فِي تَقْيِيده بِشَرْطٍ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْقَيْدِ، وَالشَّرْطُ وَالْحُكْمُ هُنَا عَلَى ذَلِكَ وَلَهُ فِي بَابِ الْوَقْفِ نَفْسه شَاهِدٌ مَسْطُورٌ هَذَا مَا ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ فِيمَا لَوْ انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ عَلَى تَرْتِيبٍ أَوْ تَشْرِيكٍ وَتَنَازَعَ أَرْبَابُ الْوَقْفِ فِي ذَلِكَ وَلَا بَيِّنَة قَالُوا: يُجْعَلُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ هَذَا مَعَ أَنَّ الشَّكَّ فِي التَّرْتِيبِ يُوجِبُ شَكًّا فِي اسْتِحْقَاقِهِ الْآن وَكَذَا الشَّكُّ فِي التَّفْضِيلِ يُوجِبُ شَكًّا فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ مَا حُكِمَ لَهُ بِتَنَاوُلِهِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ لَكِنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ سَبَبٌ مُتَحَقِّقٌ وَالْأَصْلُ عَدَمُ التَّقْيِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ وَمَعَ هَذَا فَالْأَوْلَى فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ لَا يُتَنَاوَلَ وَمِنْ صُوَرِهَا أَنْ يَذْكُرَ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ أُمُورًا غَيْرَ مَقْرُونَةٍ بِصِيغَةِ الِاشْتِرَاطِ فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا وَقَفْت عَلَى أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا أَوْ بِشَرْطِ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ كَذَا وَكَذَا فَهَلْ هَذَا مُتَرَدِّدٌ بَيْن أَنْ يَكُونَ تَوْصِيَةً وَبَيْن أَنْ يَكُونَ اشْتِرَاطًا؟ وَبَعْد هَذِهِ الْحِيلَةِ فَمَنْ كَانَ مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ يَشْتَغِلُ بِالْمَدْرَسَةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَا يَحْضُر الدَّرْسَ لَا يَثْبُت لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ مِنْ حَيْثُ إنَّ حُضُورَ الْمُتَفَقِّهِ بِالْمَدْرَسَةِ دُرُوسَ مُدَرِّسهَا هُوَ الْعُرْفُ الْغَالِبُ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَاقِفِ التَّعَرُّضُ لِإِسْقَاطِهِ فَنُزِّلَ مُطْلَقُ وَقْفِهِ عَلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ الْحِفْظَ فَمَنْ يَحْضُرُ الدَّرْسَ وَلَا يَحْفَظُ، وَلَا يُطَالِعُ يَسْتَحِقُّ إنْ كَانَ فَقِيهًا مُنْتَهِيًا فِيهَا أَوْ كَانَ يَتَفَقَّهُ مِمَّا يَسْمَعُهُ مِنْ الدَّرْسِ لِكَوْنِهِ يَفْهَمهُ وَيَتَعَلَّقُ بِذِهْنِهِ وَلَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَلَا مِنْ الْمُتَفَقِّهَةِ، وَإِنَّمَا وُقِفَ عَلَيْهِمْ فَحَسْب وَعَلَى هَذَا فَمَنْ لَا يَحْضُر الدَّرْسَ، وَإِنَّمَا اشْتِغَالُهُ بِالْمُطَالَعَةِ وَحْدَهَا يَسْتَحِقُّ إنْ كَانَ مُنْتَهِيًا أَوْ كَانَ مِمَّنْ يَتَفَقَّهُ بِذَلِكَ وَلَا يَسْتَحِقُّ إذَا لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اهـ.
لَفْظُ ابْنِ الصَّلَاحِ وَمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ أَنَّهُ إذَا انْدَرَسَ شَرْطُ الْوَاقِفِ جُعِلَ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لَكِنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ كَانَ فِي يَدِ جَمِيعِهِمْ أَوْ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي يَدِ بَعْضِهِمْ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ: وَالْفُتْيَا الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ: عَلَى مَا تَقَدَّمَ الْإِيمَاءُ إلَى بَيَانِهِ فِي الْفُتْيَا قَبْلَ هَذِهِ هِيَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَدَارِسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ هَلْ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُ بُيُوتِ الْخَلَاءِ فِيهَا وَالْجُلُوسُ فِي مَجَالِسِهَا وَالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؟
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: يَجُوزُ مِنْ هَذَا وَأَشْبَاهِهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْعُرْفُ فِي الْمَدَارِس وَيُنَزَّل الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَة اشْتِرَاطِ الْوَاقِفِ لَهُ فِي وَقْفه تَصْرِيحًا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ تَأْثِيرِ الْعُرْفِ فِي أَلْفَاظِ الْعُقُودِ وَمُطْلَقَاتِ الْأَقْوَالِ وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ تَنَزُّلُ الْعُرْف فِي تَبْقِيَةِ الثِّمَارِ إلَى أَوَانِ الْجِذَاذ مَنْزِلَة اشْتِرَاطِ التَّبْقِيَة فِيمَا اُسْتُبْقِيَتْ وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِنَظِيرِ هَذَا وَنَقَلَ الْفُتْيَا إلَى الْأَحْيَاءِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ فِيمَا إذَا وَقَفَ رِبَاطًا لِلصُّوفِيَّةِ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِغَيْرِ الصُّوفِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مَعَهُمْ بِرِضَاهُمْ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنَّ الْوَاقِفَ لَا يَقِفُ إلَّا مُعْتَقِدًا فِيهِ مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الصُّوفِيَّةِ
فَيُنَزَّلُ عَلَى عَادَتِهِمْ وَعُرْفِهِمْ اهـ.
لَفْظه أَيْضًا يُوَافِقُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْعُرْفِ نَقَلَ الْأَئِمَّةُ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَقَرُّوهُ مَا لَفْظُهُ فِي الْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرْطٍ بِهَذَا الْعُرْفِ بِتَخْصِيصِهِ اهـ. وَبِمَا ذَكَرَاهُ فِي ذَلِكَ يَتَّضِحُ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ السَّابِقِ فِي الْوُرُود، فَإِنْ قُلْت: مَحَلُّ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِيمَا لَمْ يَنُصُّ الْوَاقِفُ عَلَى اشْتِرَاطِهِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ صَدْرِ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَقَوْل الْوَاقِف عَلَى وَارِدِ مَسْجِدٍ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى الْغَنِيِّ أَوْ الْفَقِيرِ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْله وَقَفْته عَلَى فُلَانٍ بِشَرْطِ كَوْنِهِ فَقِيرًا مَثَلًا فَيَكُونُ قَوْلُهُ: عَلَى وَارِد مَسْجِدِ بَلَدٍ كَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: بِشَرْطِ وُرُوده مَسْجِدَ كَذَا وَهُوَ إذَا قَالَ هَذَا الْأَخِيرَ لَا يُنْظَرُ فِيهِ لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُطْلَقَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا مَرَّ فَكَيْفَ حَكَّمْتُمْ الْعُرْفَ فِي هَذَا؟ وَلِمَ لَمْ تَقُولُوا حَيْثُ انْتَفَى الْوُرُود لَا اسْتِحْقَاق أَصْلًا؟ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْن الْوُرُود وَنَحْو الْفَقْرِ وَالْغِنَى بِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ فَرُجِعَ فِيهَا إلَيْهِ وَلَمْ يُرْجَعْ لِلْعُرْفِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ إلَّا عِنْدَ تَعَذُّر الْمَدْلُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَالْحَمْل عَلَيْهَا، وَأَمَّا الْوُرُود فَإِنَّهُ لَا ضَابِطَ فِي الشَّرْعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ أَهْلِ الْعُرْفِ وَكُلُّ لَفْظٍ لَا مَدْلُولَ لَهُ فِي الشَّرْعِ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى مَدْلُولِهِ فِي الْعُرْفِ فَلِأَجْلِ ذَلِكَ قُلْنَا فِي الْوُرُود: إنَّهُ لِلِاشْتِرَاطِ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا مَنْ وَرَدَ الْمَسْجِدَ مَا لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ كَمَا مَرَّ.
وَحَيْثُ قُلْنَا: إنَّ الْوُرُودَ إلَى الْمَسْجِدِ شَرْطٌ فِي الِاسْتِحْقَاقِ تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا هَلْ يُشْتَرَطُ فِي الْوَارِدِ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الْمُكْث فِي الْمَسْجِدِ؟ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ لَوْ نَوَى نَحْو الْجُنُبِ الِاعْتِكَافَ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَصِحَّ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الِاعْتِكَافِ فَكَذَا يُقَالُ: هُنَا بِنَظِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعْصِيَتَهُ مِنْ حَيْثُ الْمُكْثِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي حُصُولِ الِاسْتِحْقَاقِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَتْ مَعْصِيَةً وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ كَمَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ الِاعْتِكَافِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ لَابِسُ الْخُفِّ الْمُحَرَّمِ لَهُ الْمَسْح بِخِلَافِ مَا إذَا حُرِّمَ لِذَاتِ اللُّبْسِ كَأَنْ كَانَ مُحْرِمًا وَلَبِسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْح عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ مِنْ حَيْثُ اللُّبْسِ الَّذِي بِهِ الرُّخْصَةُ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِاسْتِبَاحَتِهَا وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْمَعْصِيَةُ هُنَا مِنْ حَيْثُ الْوُرُودِ فَإِنَّهَا تَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ لِئَلَّا يُتَوَصَّلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْوَاقِفَ نَصَّ عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ لَغَا وَقْفُهُ أَوْ شَرْطه؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ عَلَى ذِي الْمَعْصِيَةِ أَوْ اشْتِرَاطِ مَا فِيهِ مَعْصِيَةٌ كُلٌّ مِنْهُمَا لَغْوٌ.
ثَانِيهِمَا هَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ وَرَدَ إلَى زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ الْحَادِثَةِ بَعْد الْوَقْفِ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى لَفْظِ الْوَاقِفِ؟ ، فَإِنْ كَانَ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى وَارِدِ هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَةِ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ قَالَ: عَلَى وَارِدِ مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا اسْتَحَقَّ، وَالْفَرْقُ أَنَّ قَوْلَهُ فِي الْأَوَّلِ هَذَا الْمَسْجِد لَمْ يَتَنَاوَل الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَالْإِشَارَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَوْجُودِ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ، فَالْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَة حِينَئِذٍ لَمْ يَتَنَاوَلهُ لَفْظُ الْوَاقِفِ فَلَا يَسْتَحِقُّ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: مَسْجِد بَلَدِ كَذَا فَإِنَّهُ لَا إشْعَارَ فِيهِ بِالِاخْتِصَاصِ بِالْمَسْجِدِ الْمَوْجُودِ حَالَ الْوَقْفِ فَاسْتَحَقَّ الْوَارِدُ إلَى الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إذَا وَقَفَتْ مَسْجِدًا صَارَتْ مِنْ مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْته وَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم الْمُسْتَفَادَة مِنْ قَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا» خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُون مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْمَوْجُودَ حَالَ الْإِشَارَةِ، وَالزِّيَادَةُ فِيهِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تَلْحَقُ بِهِ فِي الْفَضِيلَةِ اقْتِصَارًا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ صلى الله عليه وسلم وَلِجَمْعٍ عَلَيْهِ اعْتِرَاضَاتٌ كَثِيرَةٌ بُيِّنَتْ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِك النَّوَوِيِّ الْكُبْرَى رَدَّهَا، وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ فَاتَّضَحَ بِمَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ ثُمَّ رَأَيْت مَا يُصَرِّحُ بِذَلِكَ، وَهُوَ أَنَّ الرَّافِعِيَّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقَلَ آخِرَ كِتَابِ الْأَيْمَانِ عَنْ الْحَنِيفَةِ فُرُوعًا وَقَالَ فِي آخِرِهَا: وَبِجَمِيعِ هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ نَقُولُ: إلَّا فِي مَسْأَلَةِ الْعِلْمِ، وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ تِلْكَ الْفُرُوعِ أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَزِيدَ فِيهِ فَدَخَلَ
لِلزِّيَادَةِ حَنَثَ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الرَّوْضَةِ قُلْت فِي مُوَافَقَتِهِمْ: فِي مَسْأَلَةِ زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ نَظَرٌ.
وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْنَثَ بِدُخُولِهَا؛ لِأَنَّ الْيَمِين لَمْ يَتَنَاوَلهَا حَالَةَ الْحَلِفِ اهـ.
قَالَ الْإِسْنَوِيّ: وَيَدُلُّ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ عَدَمِ الْحِنْث أَنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ الثَّابِتَةَ لِمَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ دُونَ مَا زِيدَ فِيهِ بَعْدُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِهِ النَّوَوِيّ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرُهُ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّوَوِيِّ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا حَالَةَ الْحَلِفِ وَاسْتِشْهَادُ الْإِسْنَوِيِّ بِمَا ذَكَرَهُ فِي زِيَادَةِ مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم يُنْتِجْ لَك مَا ذَكَرْتُهُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِحْقَاقِ وَأَنَّ مَسْأَلَةَ الْوَقْفِ وَمَسْأَلَةَ الْحَلِفِ وَالثَّوَابِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وُجِدَ فِيهِ التَّلَفُّظُ بِهَذَا الْمَسْجِدِ فَكَمَا لَمْ تَدْخُلْ الزِّيَادَةُ فِي تَيْنِك عَمَلًا بِقَوْلِهِ: هَذَا فَكَذَلِكَ لَا تَدْخُلُ فِي مَسْأَلَة الْوَقْف عَمَلًا بِقَوْلِهِ: فِيهَا هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ وَارِدُ مَسْجِدِ كَذَا، فَإِنَّ وَارِدَ الزِّيَادَةِ يُسْتَحَقُّ لِمَا مَرَّ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ فَدَخَلَ فِي زِيَادَةٍ حَادِثَةٍ فِيهِ حَنَثَ اهـ.
وَأَقَرُّوهُ مَعَ تَضْعِيفِهِمْ مَا قَالَهُ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فَاقْتَضَى أَنَّ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ فَرْقًا، وَهُوَ ظَاهِرٌ كَمَا يَتَّضِحُ لَك مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَيَأْتِي فِي إيقَادِ الزِّيَادَةِ وَفَرْشِهَا وَغَيْرِهِمَا مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ الْمَوْجُودَةِ قَبْلَهَا مَا تَقَرَّرَ فَإِنَّ الْمُتَصَدِّقَ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يُصْرَفْ مِنْ صَدَقَتِهِ شَيْءٌ لِمَصَالِحِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَ تِلْكَ الصَّدَقَةِ، وَإِنْ قَالَ: عَلَى مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا أَوْ بَنِي فُلَانٍ صُرِفَ مِنْ صَدَقَتِهِ لِمَصَالِحِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَفِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ عَنْ الْغَزَالِيِّ يَجُوزُ بِنَاءُ مَنَارَةٍ لِلْمَسْجِدِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: أَوْ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَحَلُّهُمَا إنْ جَازَ بِنَاؤُهُمَا بِأَنْ احْتَاجَ إلَيْهِمَا وَلَمْ تَمْتَنِعْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَمِنْ ثَمَّ عَلَّلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إطْلَاقَهُ مَنْعَ بِنَائِهَا بِأَنَّهَا تَشْغَلُ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَمِثْلُهَا حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا فِي التَّحْقِيقِ، نَعَمْ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ إنْ ضَيَّقَ وَلَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ حَرُمَ، وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَلَمْ يُضَيِّقْ لَمْ يُكْرَهْ وَعَنْ الْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى مَصْلَحَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ يَجُوزُ شِرَاءُ الْحُصْرِ وَالدُّهْنِ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الصَّرْفِ إلَى الْمُؤَذِّنِ وَالْإِمَامِ أَيْضًا اهـ.
قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: وَمَحَلُّ جَوَازِ الصَّرْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ وَالْبِرْكَةِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى مَصَالِحِهِ إنْ جَازَ بِنَاءُ الْمَنَارَةِ وَحَفْرُ الْبِئْرِ وَالْبِرْكَةِ، وَإِلَّا لَمْ يُصْرَفْ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ اهـ.
مُلَخَّصًا، فَإِنْ قُلْتَ: فَحَيْثُ قُلْنَا بِأَنَّ الزِّيَادَةَ يُصْرَفُ عَلَى مَصَالِحِهِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ عَلَى مَصَالِحِهِ قَبْلَ وُجُودِهَا فَهَلْ يَتَقَيَّدُ الصَّرْفُ عَلَيْهَا؟ وَمِنْ ذَلِكَ إذَا جَازَتْ بِأَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا لِضِيقِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَيْهَا فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: وَأَقَرُّوهُ قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُفِيدَ جَوَازَ الصَّرْفِ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ بِمَا إذَا جَازَتْ قِيَاسًا عَلَى الصَّرْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ وَإِنْ حَرُمَتْ تُسَمَّى مَسْجِدًا فَيَتَنَاوَلُهَا قَوْلُ الْمُتَصَدِّقِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا، وَالْحُرْمَةُ لَيْسَتْ فِي اتِّخَاذِهَا بَلْ فِي هَدْمِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ لِأَجْلِهَا، وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ إطْلَاق لَفْظِ الْمَسْجِدِ عَلَيْهَا فَمِنْ ثَمَّ اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُصْرَفَ عَلَيْهَا مِنْ وَقْفِهِ لِشُمُولِ لَفْظِهِ لَهَا مَعَ عَدَمِ اتِّصَافِهَا بِالْحُرْمَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الْمَنَارَةِ وَالْبِئْرِ فَإِنَّهُمَا يُوصَفَانِ بِالْحُرْمَةِ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهِمَا فَلَمْ يُمْكِنْ مَعَ ذَلِكَ الصَّرْفُ عَلَيْهِمَا مِنْ وَقْفِهِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حِينَئِذٍ إعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ عَلَى أَنَّهُمَا مَعَ الزِّيَادَةِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّا إنْ أَرَدْنَا الصَّرْفَ عَلَى الثَّلَاثَةِ حِينَ تُوجَدُ فَصَلْنَا بَيْنَ جَوَازِ اتِّخَاذِهَا وَعَدَمِهِ وَإِنْ أَرَدْنَا الصَّرْفَ عَلَيْهَا بَعْدَ بِنَاءِ الْمَنَارَةِ وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَبِنَاءِ الزِّيَادَةِ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ حَرُمَ اتِّخَاذُهَا؛ لِأَنَّ الصَّرْفَ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ لَيْسَ مِنْ حَيْثُ ذَاتِهَا بَلْ مِنْ حَيْثُ انْتِفَاعِ الْمَسْجِدِ بِهَا كَالصَّرْفِ عَلَى رِشَاءِ الْبِئْرِ وَمُؤَذِّنٍ عَلَى الْمَنَارَةِ أَوْ إيقَادٍ عَلَيْهَا عِنْدَ الِاحْتِيَاجِ وَعَلَى نَحْوِ حُصْرٍ وَإِيقَادٍ لِلزِّيَادَةِ.
فَالثَّلَاثَةُ سَوَاءٌ فَنَتَجَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَيَسْقُطُ السُّؤَالُ مِنْ أَصْلِهِ، فَإِنْ قُلْت: مَا ذَكَرْته مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الزِّيَادَةِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: هَذَا الْمَسْجِد لَا يَشْمَلُهَا وَقَوْلَهُ: مَسْجِدُ كَذَا يَشْمَلُهَا كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الِاقْتِدَاءِ يُخَالِفُهُ وَيَقْتَضِي أَنَّ الزِّيَادَةَ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَلْحَقُوا رَحَبَة الْمَسْجِدِ بِهِ وَهِيَ الْخَارِجَةُ عَنْهُ الْمُحَوَّطُ عَلَيْهَا لِأَجْلِهِ سَوَاءٌ أَبُنِيَتْ مَعَهُ أَمْ لَا فَيَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهَا عَلَى الْجُنُبِ
وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِمَنْ فِيهَا بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ، وَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا مَا يَمْنَعُ الْمُرُورَ وَالرُّؤْيَةَ وَغَيْر ذَلِكَ صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الطَّرِيقَيْنِ بِمَا هُوَ أَعَمّ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ قَالَ: فَأَمَّا الصَّلَاةُ فِي الْمَسَاجِدِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ وَبَابُهَا إلَى الْمَسْجِدِ فَالْحُكْمُ فِيمَنْ صَلَّى فِيهَا حُكْمُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَبْوَابهَا مُغْلَقَةً عَنْ الْمَسْجِدِ أَوْ مُفَتَّحَةً، وَإِنَّمَا قُلْنَا هَذَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَسَاجِد بُنِيَتْ مَعَ الْجَامِعِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَتْ بُنِيَتْ مَعَهُ فَهِيَ مِنْ الْجَامِعِ، وَإِنْ كَانَتْ بُنِيَتْ بَعْدَهُ فَقَدْ أُضِيفَتْ إلَيْهِ فَهِيَ مِنْهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ اهـ. كَلَامُهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا فَلِمَ لَمْ نَقُلْ بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا قُلْتُ مَلْحَظُ مَا نَحْنُ فِيهِ غَيْرُ مَلْحَظِ صِحَّةِ الْقُدْوَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَحُرْمَةِ الْمُكْثِ عَلَى الْجُنُبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْجِدًا وَهَذِهِ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالزِّيَادَةِ وَالرَّحَبَةِ وَنَحْوِهِمَا فَهُمَا فِيهِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يُسَمَّى مَسْجِدًا وَمَا يَلْحَقُ بِهِ وَهَذِهِ كَذَلِكَ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَالْحُكْمُ لَمْ يَتَقَيَّدْ بِالْمَسْجِدِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ مَسْجِدًا فَحَسْبُ، بَلْ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاقِفَ قَصَرَ الِاسْتِحْقَاقَ لِوَقْفِهِ عَلَى الْوُرُودِ لِمَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَكُلُّ مَنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الْوَاقِفُ اسْتَحَقَّ، وَمَنْ لَمْ يَرِدْهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ، وَقَصْرُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّفْظِ فَمِنْ ثَمَّ نَظَرْنَا لِلَّفْظِ وَقُلْنَا: إنْ كَانَ فِيهِ إشَارَةٌ لَمْ تَدْخُلْ الزِّيَادَةُ وَإِلَّا دَخَلَتْ عَمَلًا بِمَدْلُولِ اللَّفْظِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ أُعْطِيت أَحْكَامَ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَلْحَظَ آخَرُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَبَقِيَ النَّظَرُ فِي قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَنِي اللَّهُ تَعَالَى بِبَرَكَاتِهِ وَمَدَدِهِ وَهَلْ يَأْتِي ذَلِكَ فِي نَظَائِرِهِ كَبِئْرِ عُمْقُهُ عِشْرُونَ ذِرَاعًا وَلَهُ صَدَقَة عَلَى رِشَاهُ فَعُمِّقَ إلَى ثَلَاثِينَ؟ .
وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ لِي فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى رِشَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زِيَادَةِ الْمَسْجِدِ بِأَنَّ رِشَاءَ الْبِئْرِ لَا ضَابِطَ لَهُ وَلَا انْحِصَار فَإِنَّهُ قَدْ يَطُولُ وَقَدْ يَقْصُرُ بِحَسْبِ قِلَّةِ مَاءِ الْبِئْرِ تَارَةً وَكَثْرَتِهَا أُخْرَى فَلِذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ لَيْسَ التَّخْصِيصَ بِرِشَاءٍ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا قَصْده أَنْ يُصْرَفَ مِنْ صَدَقَتِهِ لِرِشَاءِ هَذِهِ الْبِئْرِ، سَوَاءٌ أَطَالَ أَمْ قَصُرَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ نَقُلْ بِتَخْصِيصِهِ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَى وُرُودِ هَذَا الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ قَدْ يَقْصِدُ بِهِ أَنَّ النَّاسَ يَكْثُر وِرْدُهُمْ لَهُ حَتَّى يَزِيدَ ثَوَابُهُ بِزِيَادَتِهِمْ وَقَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَخْصِيصِهِ الْوَرْدِ بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ لِكَوْنِهِ بِنَاءَهُ أَوْ بِنَاءَ صَدِيقِهِ أَوْ مَنْ يُرِيدُ إيصَالَ خَيْرٍ لَهُ بِكَثْرَةِ صَلَاةِ النَّاسِ وَاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخْصِيصَ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ أَغْرَاضٌ تُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَكْثُرُ وُقُوعُهَا وَقَصْدُهَا بِخِلَافِ التَّخْصِيصِ بِرِشَاءٍ لَهُ طُولٌ مُعَيَّنٌ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَظْهَرُ لَهُ غَرَضٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَلْبَتَّةَ فَحَمَلْنَا لَفْظَهُ عَلَى الْعُمُومِ؛ لِأَنَّ الْخُصُوصَ غَيْرُ مَقْصُودٍ عَادَةً فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ يُخَصِّصُ الشَّرْطَ وَقِيَاسُهُ أَنَّ الْعُرْفَ قَدْ يُعَمِّمُهُ عَلَى أَنَّهُ فِي مَسْأَلَتِنَا لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّا لَمْ نُخْرِجْ لَفْظَ الْوَاقِفِ عَنْ مَوْضُوعِهِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: عَلَى رِشَاءِ هَذَا الْبِئْرِ يَشْمَلُ رِشَاءَهَا وَعُمْقَهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ؛ لِأَنَّهُ رِشَاءٌ لَهَا فِي الْحَمْلَيْنِ وَوُجُودُ زِيَادَةٍ فِيهِ لِزِيَادَةِ عُمْقِهَا بَعْدَ الْوَقْفِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ عَنْهُ لَا يُخْرِجُ الرِّشَاءَ عَنْ كَوْنِهِ رِشَاءَ هَذِهِ الْبِئْرِ بِخِلَافِ وَارِدِ الزِّيَادَةِ فَإِنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَارِدٌ إلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لِتَمَيُّزِ الزِّيَادَةِ عَنْهُ حِسًّا وَمَعْنًى وَقَوْلُكُمْ فِي شَرْحِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيِّ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ لَمْ يَتَيَسَّرْ لِي الْآنَ رُؤْيَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الَّذِي فِيهِ قَوْل الْبُلْقِينِيُّ لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ الْمَبِيتَ فِي خَانِقَاه أَوْ مَدْرَسَةٍ مَثَلًا فَبَاتَ مَنْ شَرَطَ مَبِيتَهُ خَارِجَ الْمَدْرَسَةِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ زَوْجَةٍ أَوْ مَالٍ وَنَحْوِهَا فَقَدْ أَفْتَيْتُ بِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ مِنْ جَامِكِيَّتِهِ شَيْءٌ كَمَا لَا يُجْبَرُ تَرْكُ الْمَبِيتِ أَيْ: بِمُزْدَلِفَةَ أَوْ مِنًى لِلْمَعْذُورِينَ بِالدَّمِ وَهُوَ مِنْ الْقِيَاسِ الْحَسَنِ وَلَمْ أُسْبَقْ إلَيْهِ اهـ.
كَذَا نُقِلَ عَنْهُ وَعِبَارَةُ فَتَاوِيهِ وَظِيفَةٌ فِي مَدْرَسَةٍ شَرَطَ وَاقِفُهَا الْبَيَاتَ فِيهَا وَكَذَا إذَا ظَهَرَ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْوَظِيفَةِ تَزَوَّجَ وَلَا يَطْمَئِنُّ إلَّا أَنْ يَبِيتَ عِنْدَ أَهْلِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى مُفَارَقَةِ بَيْتِهِ خَوْفًا عَلَيْهِ
وَعَلَى مَا فِيهِ لَا سِيَّمَا بِاللَّيْلِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مَعْلُومِهِ؟
فَأَجَابَ نَعَمْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهُ وَقَدْ أَفْتَيْت بِهَذَا مَرَّاتٍ وَاسْتَشْهَدْت فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَضِيَّةِ تَرْكِ الْمَبِيتِ بِمِنًى بِعُذْرٍ.
وَلَا يَلْزَمُ الْجَبْرُ بِالْفِدْيَةِ وَهُوَ اسْتِشْهَادٌ حَسَنٌ اهـ. وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّا حَيْثُ قُلْنَا: الْوَرْدُ شَرْطٌ فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ مَحَلَّهُ مَا إذَا تَرَكَهُ لِغَيْرِ عُذْرٍ مِمَّا مَرَّ فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ مَعَ ذَلِكَ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي شَيْءٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْمَبِيتَ يُحْمَلُ عَلَى مُعْظَمِ اللَّيْلِ فَهَلْ يَلْحَقُ بِهِ الْوُرُودُ فِي ذَلِكَ؟ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِدُ إلَّا إلَّا مَكَثَ فِي الْمَسْجِدِ مُعْظَمَ اللَّيْلِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ مِنْهُ قَبْلَ ذَلِكَ يُغَرَّمُ مَا تَعَاطَاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْوَارِدِينَ أَوْ يُكْتَفَى بِمُكْثِهِ فِيهِ حَتَّى يَأْكُلَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لِلْوُرُودِ فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ ضَابِطٌ مُطَّرِدٌ حُمِلَ عَلَيْهِ كَمَا أَشَرْت إلَيْهِ فِيمَا مَرَّ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عُرْفٌ كَذَلِكَ حُمِلَ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ، وَلَوْ لَحْظَةً وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ أَفْتَى فِيمَنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَنْ يُصْرَفَ مِنْ مُغَلِّهِ لِمَنْ يَبِيتُ بِمَوْضِعِ كَذَا هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْمَبِيتُ بَعْدَ الْأَكْلِ؟ وَإِذَا لَمْ يَبِيت يَضْمَنُ النَّاظِرُ وَهَلْ يَجِبُ مَبِيتُ اللَّيْلِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرِهِ؟ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَبِيتُ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَبِتْ غَرِمَ مَا أَكَلَ كَابْنِ السَّبِيلِ إذَا أَخَذَ لَا يَلْزَمُهُ السَّفَرُ لَكِنْ أَنَّ لَمْ يُسَافِرْ لَزِمَهُ رَدُّ مَا أَخَذَهُ وَيَحْرُمُ الْأَكْلُ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى تَرْكِ الْمَبِيتِ، وَيَحْصُلُ الِاسْتِحْقَاقُ بِمَبِيتِ مُعْظَمِ اللَّيْلِ كَمَنْ حَلَفَ لَيَبِيتَنَّ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِمَوْضِعِ كَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: فِي تَوَسُّطِهِ وَفِي تَعْزِيمِهِ بِمَا إذَا لَمْ يَبِتْ نَظَرٌ إذَا كَانَ عِنْدَ الْأَكْلِ عَازِمًا عَلَى الْمَبِيتِ ثُمَّ عَنَّ لَهُ السَّفَرُ مَعَ رِفْقَةٍ تَرْحَلُ أَوْ لِعُذْرٍ طَرَأَ إذْ الْوَاقِفُ لَا غَرَضَ لَهُ وَلَا حَظَّ لَهُ فِي الْمَبِيتِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْوَاقِعُ أَوْ الْغَالِبُ مِنْ أَنَّ الْغَرِيبَ إذَا قَدِمَ إلَى رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ وَأَمْسَى بِهِ أَنَّهُ يَبِيتُ بِهِ وَيَظْهَرُ لِلْمُتَأَمِّلِ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِ السَّبِيلِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ مِنْ أَنَّ الْمَبِيتَ لَيْسَ بِشَرْطٍ مُتَّجَهٌ أَنَّ اطَّرَدَ الْعُرْفِ حَالَ الْوَقْفِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ تَصَدَّقْت بِهَذَا عَلَى الْفُطُورِ أَوْ الْوَارِدِ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مَكَان يُفْطِرُ فِيهِ وَمَكَانٍ يَرِدُ فِيهِ وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِإِرَادَةِ مَكَان مُعَيَّنٍ أَوْ لَمْ تَجْرِ مَا الْحُكْمُ فِيهِ؟ وَهَلْ إذَا قُلْتُمْ بِحِصَّةِ ذَلِكَ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُفْطِرَ فِيهِمَا أَوْ يُفْطِرَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ حَالَ الْوَقْفِ بِإِرَادَةِ مَكَان مُعَيَّنٍ حُمِلَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ حَالَ وَقْفِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فِي وَقْفِهِ فَلَا يُعْطَى إلَّا مَنْ وَرَدَ ذَلِكَ الْمَكَانَ، وَأَمَّا إذَا لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ قِيَاسًا عَلَى قَوْلِهِمْ: لَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذَا عَلَى مَسْجِدٍ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ وَلَمْ تَطَّرِدْ الْعَادَةُ بِإِرَادَةِ مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ بَطَلَ الْوَقْفُ.
وَقَوْلُهُمْ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ قَبْرُهُ بَطَلَ الْوَقْفُ وَعَلَى قَضِيَّةِ كَلَامِ النِّهَايَةِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ لِلْقِرَاءَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ وَعَلَى قَوْلِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي مَالٍ مَوْقُوفٍ عَلَى مَصْلَحَةِ الْبِلَادِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبِلَادُ مُعَيَّنَةً مُسَبَّلَةً، وَإِلَا لَمْ يَصِحَّ الْوَقْفُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ خَيْرَانَ فِي اللَّطِيفِ لَوْ قَالَ: وَقَفْت هَذِهِ مُدَّةً عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَوْ عَلَى بَنِي آدَمَ أَوْ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ لَا تُحْصَى أَهْلُهُ كَثْرَةً كَبَغْدَادَ لَمْ يَجُزْ وَلَا عَلَى بَنِي تَمِيمٍ وَلَا عَلَى مَنْ وُلِدَ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَا عَلَى مَنْ افْتَقَرَ وَلَا عَلَى مَنْ قَدِمَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ اهـ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَصِحُّ الْوَقْفُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ عَلَى الْفُطُورِ أَوْ عَلَى الْوَارِدِ لَا إيهَامَ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْوَصْفِ، وَإِنَّمَا فِيهِ إيهَامٌ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ، وَذَلِكَ لَا يَضُرُّ فَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَأَطْلَقَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ هُنَا عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَالْجَهْلُ فِيهَا بِالْمَكَانِ لَا يَضُرُّ، وَبِهَذَا فَارَقَتْ صُورَةُ السُّؤَالِ مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الصَّلَاحِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ ثَمَّ لَيْسَ عَلَى جِهَةٍ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ عَلَى جِهَةٍ اُشْتُرِطَ تَعْيِينُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالشَّخْصِ أَوْ بِالْوَصْفِ الْمُمَيِّزِ لَهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ مَفْقُودٌ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَسْجِدِ وَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ فَوَاضِحٌ، وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ابْنِ الصَّلَاحِ فَلِأَنَّهُ كَمَا ذَكَرَهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ لَغَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ
وَقَفْتُ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً بَطَلَ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ النِّهَايَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَإِنْ اقْتَضَى كَلَامُ الْأَصْبَحِيِّ اعْتِمَاده وَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ لِلْجِهَةِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ خَيْرَانَ ضَعِيفٌ، وَالْمُعْتَمَدُ الصِّحَّةُ وَيَجُوز الِاقْتِصَارُ فِي الصَّرْفِ عَلَى ثَلَاثَةٍ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ الَّتِي ذَكَرُوهَا وَإِذَا قُلْنَا: بِالصِّحَّةِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ وَلَمْ تَجْرِ الْعَادَة بِإِرَادَةِ مَكَان مُعَيَّنٍ الَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ النَّاظِرَ الْخَاصَّ أَوْ الْعَامَّ وَهُوَ الْحَاكِمُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِبَلَدِ الْوَقْفِ حَاكِمٌ فَأَهْلُ الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ مِنْ أَهْلِهَا يَتَوَلَّى صَرْفَ هَذَا الْوَقْف فِي الْفُطُورِ أَوْ إطْعَام الْوَارِدِينَ فِي أَيِّ مَكَان اقْتَضَى نَظَرُهُ أَنَّ فِيهِ الْمَصْلَحَةَ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ بَلَدِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْجِهَةَ إذَا لَمْ يُعَيَّنْ لِلصَّرْفِ فِيهَا مَكَانٌ كَانَ الْخِيَرَةُ فِي الصَّرْفِ فِيهَا إلَى النَّاظِرِ كَمَا لَا يَخْفَى وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّ النَّاظِرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهَا فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ إلَّا مَا شُرِطَ لَهُ وَبِأَنَّهُ لَوْ عَمِلَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَلْيَرْفَعْ الْأَمْرَ إلَى حَاكِمٍ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِ فِعْلِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْأَخْذِ قِيَاسًا عَلَى الْوَالِي لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ فِي مَالِ الْوَقْفِ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ هَذَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِأَخْذِهِ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا مَنْعُ إعْطَائِهِ لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ فَيُحْتَمَلُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا قَالَ الْمُوصِي: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت لَمْ يَضَعْهُ فِي نَفْسِهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَلَا وَرَثَةُ الْمُوصِي وَلَا فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ وَأَفْتَى الدَّارِمِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: فَرِّقْ ثُلُثِي لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ وَلَا مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا مَنْ يَخَافُهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: لَهُ الصَّرْفُ لِأَبَوَيْهِ وَأَوْلَادِهِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْوَصِيِّ الْأَوَّلِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ النَّاظِرَ مِثْلَهُ؛ لِأَنَّ الْمُوصِي فَوَّضَ لِلْوَصِيِّ الدَّفْعَ لِمَنْ شَاءَ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ شَاءَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ لَمْ يَجُزْ، فَالنَّاظِرُ كَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الْوَقْفَ هُنَا عَلَى جِهَةٍ فَأَفْرَادُهَا لَيْسُوا مَقْصُودِينَ بِطَرِيقِ الذَّاتِ بَلْ مِنْ حَيْثُ دُخُولِهِمْ تَحْتَ ضَابِطِ تِلْكَ الْجِهَةِ وَمُسَمَّاهَا بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْجِهَةُ، وَإِنَّمَا قُصِدَ بِهَا أَفْرَادٌ مِنْ النَّاسِ لَكِنْ وُكِّلَ تَعْيِينُهُمْ إلَى الْوَصِيِّ وَاجْتِهَادِهِ فَاخْتِيَارُهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُنَافِي مَا فَوَّضَهُ إلَيْهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ اخْتِيَارَ أُولَئِكَ لِلنَّفْسِ فِيهِ حَظٌّ وَيَعُودُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْفَعَةٌ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ إذْنُ الْمُوصِي وَتَفْوِيضُهُ التَّعْيِينَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ دَاعِيَةَ إيثَارِهِمْ تَبْطُلُ أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الِاجْتِهَادِ وَتَقْضِي أَنَّ سَبَبَهُ عَوْدُ مَنْفَعَة عَلَيْهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَيْسَ مَوْجُودًا فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ رَبَطَ الِاسْتِحْقَاقَ فِي وَقْفِهِ بِجِهَةٍ مَوْصُوفَة بِوَصْفٍ فَكَانَ مِنْ وَجْه مُتَّصِفًا بِتِلْكَ الصِّفَةِ جَازَ إعْطَاؤُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا اجْتِهَادَ هُنَا حَتَّى يُقَالَ فِيهِ بِمِثْلِ مَا مَرَّ فِي الْوَصِيِّ وَاَلَّذِي يَتَرَجَّحُ عِنْدِي الْآنَ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيِّ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْفَرْقِ الْمَذْكُورِ لِمَا عَلِمْت أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِمَنْعِ أَخْذِهِ لِنَفْسِهِ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ إعْطَاءَ مُمَوَّنِهِ فِيهِ إعْطَاءٌ لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ بِهِ تَتَوَفَّرُ مُؤْنَةُ الْمُمَوِّنِ الْوَاجِبَةُ عَلَيْهِ نَعَمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَا يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِ بِالْإِعْطَاءِ شَيْءٌ كَأَنْ كَانَ عَلَى الْمُمَوَّنِ دَيْنٌ أَوْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ لَا يَكْفِيهَا مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ فَلَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَيْهِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجُوزُ لَهُ حِينَئِذٍ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَيْهِمْ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ بِنَظِيرِ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَإِنْ اقْتَضَى إطْلَاقُ الشَّافِعِيِّ وَالدَّارِمِيِّ السَّابِقُ خِلَافَهُ، فَإِنْ قُلْت: قَضِيَّةُ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا هُنَا وَالْوَصِيَّةِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي أَنَّ النَّاظِرَ لَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ إلَى وَرَثَة الْوَاقِفِ كَمَا لَا يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ الدَّفْع إلَى وَرَثَةِ الْمَيِّتِ قُلْت: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْوَارِثِ مُمْتَنِعَةٌ إلَّا بِإِجَازَةِ بَاقِي الْوَرَثَةِ بِخِلَافِ الْوَقْفِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُحْمَلْ لَفْظُ الْمُوصِي عَلَى مَا يَشْمَلُ وَارِثَهُ بِخِلَافِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لِصَدَقَتِهِ الدَّائِمَةِ وَهِيَ عَلَى الْقَرِيبِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَلَى الْبَعِيدِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ أَظْهَرَ مَقَاصِدِهَا التَّمْلِيكُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ حِينَئِذٍ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْمَوْتِ، وَبِهَذَا يُعْلَمُ فُرْقَانُ مَا بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، فَإِنْ قُلْت: مَرَّ عَنْ الدَّارِمِيِّ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يُعْطِي مَنْ يَخَافُهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ فَهَلْ يُقَالُ بِنَظِيرِهِ فِي نَاظِرِ الْوَقْفِ؟ قُلْت: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: بِنَظِيرِ هَذَا أَيْضًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْفَرْقِ وَهُوَ الَّذِي يُتَّجَهُ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ غَرَضَ الْخَوْفِ أَوْ الِاسْتِصْلَاحِ يُنَافِي مَا فَوَّضَهُ إلَيْهِ مِنْ الِاجْتِهَادِ بِخِلَافِ فِي الْوَقْفِ فَإِنَّ
الْوَاقِفَ أَنَاطَهُ بِصِفَةٍ فَحَيْثُ وُجِدَتْ جَازَ لِلنَّاظِرِ الصَّرْفُ، وَإِنْ كَانَ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِوَصِيِّهِ: فَرِّقْ ثُلُثِي عَلَى الْفُقَرَاءِ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ لِكُلِّ مُتَّصِفٍ بِالْفَقْرِ وَالْخَوْفِ أَوْ نَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ اجْتِهَادَهُ بِإِنَاطَةِ الْإِعْطَاءِ بِالْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ: تَصَدَّقْت بِأَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلَ فُلَانٍ وَآلِ فُلَانٍ إنْ قَامُوا بِالْغَيْبَةِ فَهِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ قَامَ بِالْغَيْبَةِ وَمُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِالْغَيْبَةِ ضِيَافَةُ مَنْ ذُكِرَ، وَالْغَالِبُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَنْ يَقْصِدَ الْمُتَصَدِّقُ إرْفَاقَ الْقَائِمِ بِهَذِهِ الْمَكْرُمَةِ وَالْحَثَّ عَلَيْهَا وَأَنْ لَا يُخِلُّ بِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مُتَوَقِّفَةٌ عَلَى فَهْمِ الْمُرَادِ مِنْهَا وَهُوَ غَيْرُ مُتَّضِحٍ فَإِنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ إلَخْ كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ أَنَّ آلَ فُلَان يَسْتَعِينُونَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ عَنْ ضِيَافَتِهِمْ نَاقَضَهُ قَوْلُهُ: عَلَى أَوْلَادِي، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ أَوْلَادَهُ يَسْتَعِينُونَ فِي ضِيَافَتِهِمْ لِآلِ فُلَانٍ نَاقَضَهُ: وَآلِ فُلَانٍ إنْ قَامُوا بِالْغَيْبَةِ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُمْ مُضِيفُونَ لَا أَضْيَافٌ، فَإِنْ أَرَادَ بِآلِ فُلَانٍ نَفْسَ أَوْلَادِهِ بِأَنْ ذَكَرَ مَا يَصِحُّ اتِّصَافُ أَوْلَادِهِ بِهِ صَحَّ الْمُرَادُ وَكَأَنَّهُ قَالَ: عَلَى أَوْلَادِي فِي ضِيَافَتِهِمْ لِلنَّاسِ إنْ قَامُوا بِهَا فَهِيَ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا فَهِيَ لِمَنْ قَامَ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَحِكْمَةُ كَوْنِهِ عَدَلَ عَلَى ضِيَافَتِهِمْ الَّذِي هُوَ مُقْتَضَى ظَاهِرِ السِّيَاقِ إلَى ضِيَافَةِ آلِ فُلَانٍ لِيُبَيِّنَّ شُهْرَةَ أَوْلَادِهِ؛ لِأَنَّ الْعُدُولَ عَنْ الْإِضْمَارِ إلَى الْإِظْهَارِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ حِكْمَةٍ.
وَعَلَى فَرْضِ أَنَّهُ أَرَادَ هَذَا الْمَعْنَى فَالْحُكْمُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمْ حِينَئِذٍ أَنَّ أَوْلَادَهُ لَا يَسْتَحِقُّونَ هَذِهِ الْأَرْضَ إلَّا مَا دَامُوا قَائِمِينَ بِالضِّيَافَةِ وَإِنْ كَانَ مَنْ قَامَ بِهَا مِنْ أَوْلَادِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَةَ هَذِهِ الْأَرْضِ، فَإِنْ سَاوَتْ مُؤَنَ الضِّيَافَةِ أَوْ نَقَصَتْ عَنْهَا فَظَاهِرٌ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِيهَا، وَإِنْ زَادَتْ اسْتَحَقَّ الْقَائِمُ بِالضِّيَافَةِ الزَّائِدَ، فَإِنْ قُلْت: فَإِذَا أَتَى الْوَاقِفُ بِكَلَامٍ مُتَنَاقِضٍ مَا حُكْمُهُ؟ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ وَقَرَائِنُ الْأَحْوَالِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ فِي وَاقِفَةٍ كَتَبَتْ فِي كِتَابِ وَقْفِهَا وَجَعَلْت النَّظَرَ إلَى أَنْ قَالَتْ: لِنَفْسِهَا أَيَّامَ حَيَاتِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ هَذِهِ عِبَارَتُهَا هَلْ نُدْخِلُ الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْأَوْلَادِ؟ نَعَمْ يَدْخُلُ فِي النَّظَرِ الْأَرْشَدُ فَالْأَرْشَدُ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا كُتِبَ مِنْ قَوْلِهَا مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ سَهْوٌ مِنْ الْمُوَثِّقِ فَإِنَّهُ جَاءَ يَكْتُبُ مِنْ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ فَذَكَرَ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ سَهْوًا وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ عَاقِلًا لَا يَمْنَعُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ مِنْ النَّظَرِ وَيُعْطِي النَّظَرَ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فَيَمْنَعُ الْعَالِيَ وَيُعْطِي النَّازِلَ، وَيَمْنَعُ الْأَصْلَ وَيُعْطِي الْفَرْعَ وَيَدُلُّ لِهَذَا مَا كَتَبَ قَبْلَهُ بِسُطُورٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَقَوْلُهُ: فِيمَا بَعْدَهُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِأَوْلَادِ مَنْ لَهُ أَوْلَادٌ مِنْهُمْ ثُمَّ لِأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَمَعَ السَّهْوِ الَّذِي نَسَبْنَاهُ لِلْمُوَثِّقِ وَأَيَّدْنَاهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهَا فِي قَوْلِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا وَتَكُونُ الْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ قَاضِيَةً بِدُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْأَوْلَادِ ثُمَّ قَالَ: وَالْجُمُودُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا كَتَبَ وَظَهَرَ أَنَّهُ سَهْوٌ بِمُقْتَضَى مَا قَرَّرْنَاهُ خُرُوجٌ مِنْ طَرِيقَةِ الْفُقَهَاءِ الْغَائِصِينَ عَلَى الْجَوَاهِرِ الْمُعْتَبَرَةِ اهـ.
، فَإِنْ قُلْت: فَمَا الَّذِي يَدُلُّ عَلَى السِّيَاقِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ هُنَا قُلْت هُوَ الْمَعْنَى الثَّالِثُ الَّذِي قَدَّمْته؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَنَافٍ فِي اللَّفْظِ وَلَا تَنَاقُضٌ بِخِلَافِ الْمَعْنَيَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ، فَإِنْ قُلْت: هَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُقَيَّد لِذَلِكَ مَكْتُوبَ الْوَقْفِ لِإِمْكَانِ الْغَلَطِ أَوْ السَّهْوِ مِنْ الْمُوَثِّقِ بِخِلَافِ مَا إذَا سُمِعَ مِنْ الْوَاقِفِ هَذَا اللَّفْظُ قُلْت لَا خُصُوصِيَّةَ لِلْمُوَثِّقِ بِهَذَا، بَلْ إذَا سُمِعَ مِنْ الْوَاقِفِ كَلِمَاتٌ مُتَنَاقِضَةٌ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِالسَّهْوِ فِي بَعْضِهَا وَرَجَّحْنَا مُقَابِلَهُ وَعَمِلْنَا بِهِ بِقَرَائِنَ لَفْظِيَّةٍ أَوْ حَالِيَّةٍ، فَإِنْ قُلْت: فَإِنْ فُقِدَتْ تِلْكَ الْقَرَائِنُ مَا حُكْمُهُ؟ بِأَنْ قَالَ هُنَا عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ وَذَكَرَ وَصْفًا لَا يُمْكِنُ تَنْزِيلُهُ عَلَى أَوْلَادِهِ بَلْ عَلَى أُنَاسٍ مَشْهُورِينَ غَيْرِهِمْ قُلْت: الَّذِي يَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّنَا نَعْمَلُ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ لِسَبَقِهِ وَنُلْغِي مَا حَصَلَ بِهِ التَّنَاقُضُ مِنْ اللَّفْظِ الثَّانِي وَنَظِيرُهُ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي الرَّجْعَةِ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا مُرَجِّح
بِأَنْ لَمْ يُعَيِّنَا يَوْمًا مِنْ أَنَّ الْمُصَدِّقَ هُوَ السَّابِقُ بِالدَّعْوَى؛ لِأَنَّ دَعْوَاهُ وَقَعَتْ صَحِيحَةً وَالثَّانِيَةَ وَقَعَتْ مُنَاقِضَةً لَهَا فَعُمِلَ بِالْأُولَى لِسَبْقِهَا وَالْحُكْمِ بِحِصَّتِهَا قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الثَّانِيَةُ فَكَذَلِكَ يُعْمَلُ هُنَا إذَا فُرِضَ فَقْدُ تِلْكَ الْقَرَائِنِ بِالْأُولَى لِسِبْقِهَا وَالْحُكْمِ بِصِحَّتِهَا قَبْلَ أَنْ يَتَلَفَّظَ بِالثَّانِي.
فَإِذَا تَلَفَّظَ بِهِ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ صَدَرَ مِنْهُ أَوَّلًا مَا يُبْطِلُهُ وَحِينَئِذٍ فَيُحْكَمُ بِمَدْلُولِ قَوْلِهِ عَلَى أَوْلَادِي فِي غَيْبَةِ آلِ فُلَانٍ وَيُلْغَى قَوْلُهُ: وَآلِ فُلَانٍ إلَخْ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الْمُنَاقَضَةُ كَمَا تَقَرَّرَ أَوَّلًا، فَإِنْ قُلْتَ: يُمْكِنُ تَصْحِيحُ اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ هَذَا التَّكَلُّفِ جَمِيعِهِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ وَقَفَ هَذَا عَلَى أَوْلَادِهِ لِيُعِينُوا بِهِ آلَ فُلَانٍ إذَا قَامَ آلُ فُلَانٍ بِضِيَافَتِهِمْ لِلنَّاسِ، فَإِنْ لَمْ يَقُومُوا بِهَا وَقَامَ بِهَا غَيْرُهُمْ فَهِيَ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ قَامُوا بِهَا وَيَكُونُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ: عَلَى أَوْلَادِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَقُومُ بِالضِّيَافَةِ يَكُونُ لِلْأَوْلَادِ وَيَصِيرُ الْوَقْفُ عَلَى ضِيَافَةِ آلِ فُلَانٍ لِلنَّاسِ، ثُمَّ إنْ لَمْ يُوجَدُوا وَامْتَنَعُوا كَانَ عَلَى مَنْ قَامَ بِالضِّيَافَةِ غَيْرِهِمْ ثُمَّ إنْ لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ كَانَ عَلَى الْأَوْلَادِ يَأْكُلُونَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِمْ ضِيَافَةُ أَحَدٍ قُلْتُ: نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ تَصْحِيحَ جَمِيعِ اللَّفْظِ أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ بَعْضِهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِقَضِيَّةِ ذَلِكَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لِإِمْكَانِهِ بَلْ ظُهُورهِ فَانٍ الْغَالِبَ أَنَّ الشَّخْصَ يُشَدِّدُ فِي الْوَقْفِ عَلَى غَيْرِ أَوْلَادِهِ بِمَا لَا يُشَدِّدُ بِهِ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِهِ إلَّا عَدَمَ مَنْ يَقُومُ بِالضِّيَافَةِ غَيْرَهُمْ فَإِذَا لَمْ يَقُمْ بِهَا أَحَدٌ غَيْرُهُمْ اسْتَحَقُّوهَا وَإِنْ لَمْ يُضَيِّفُوا أَحَدًا، فَإِنْ قُلْتَ: قَدْ قَالَ السَّائِلُ، وَمُرَادُهُ فِيمَا يَظْهَرُ بِالْغَيْبَةِ إلَخْ فَأَشْعَرَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَيْسَ مَوْضُوعًا فِي عُرْفِ تِلْكَ الْبِلَادِ لِلضِّيَافَةِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضُوعًا لَهَا عُرْفًا وَلَا لُغَةً فَكَيْفَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا بِبَادِئِ الرَّأْي؟
قُلْتُ: إنَّمَا يُحْمَلُ اللَّفْظُ فِي بَابِ الْوَقْفِ وَنَحْوِهِ عَلَى وَضْعِهِ الشَّرْعِيِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي حَمْلُهُ عَلَى وَضْعِهِ الْعُرْفِيِّ إنْ كَانَ عَامًّا وَالْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُرْفِ، وَإِلَّا فَوَضْعُهُ الْعُرْفِيُّ عِنْدَ الْوَاقِفِ، فَإِنْ انْتَفَى الْعُرْفُ بِقِسْمَيْهِ حُمِلَ عَلَى مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ إنْ أَمْكَنَ أَنَّ الْوَاقِفَ يَعْرِفُهُ، وَإِلَّا بَطَلَ الْوَقْفُ لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِمَدْلُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ فَهُوَ كَمَا مَرَّ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ وَتَعَذَّرَ الْعِلْمُ بِعَيْنِ قَبْرِهِ بَلْ مَا نَحْنُ فِيهِ أَوْلَى كَمَا لَا يَخْفَى فَحِينَئِذٍ فَلَفْظُ الْغَيْبَةِ إنْ عُهِدَ فِي عُرْفِ الْوَاقِفِ حَمْلُهُ عَلَى الضِّيَافَةِ تَأَتَّى فِيهِ مَا مَرَّ، وَإِنْ لَمْ يُعْهَدْ اسْتِعْمَالُهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ حُمِلَ عَلَيْهِ بِبَادِي الرَّأْيِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهَذَا الْحَمْلِ بَلْ إنْ تَعَذَّرَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنًى صَحِيحٍ لُغَةً وَعُرْفًا حُكِمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ خَشَبٍ عَلَى خَابِيَةٍ مَوْقُوفَةٍ اقْتَضَتْ الضَّرُورَةُ بَيْعَهُ هَلْ يَجُوزُ صَرْفُهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْخَابِيَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ حَيْثُ فُرِضَ جَوَازُ بَيْعِ الْخَشَبِ الْمَذْكُورِ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ عَلَى الْمَسْجِدِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُهُمْ لَا يُصْرَفُ لِحَشِيشِ مَسْجِدِ السَّقْفِ مَا عُيِّنَ لِحَشِيشِ الْحُصْرِ وَلَا عَكْسُهُ وَلَا لِلُّبُودِ مَا عُيِّنَ لِأَحَدِهِمَا وَلَا عَكْسُهُ وَقَوْلُهُمْ لَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ لَمْ يُنْقَضْ مَا لَمْ يُخَفْ عَلَى نَقْضِهِ وَإِلَا نَقَضَهُ الْحَاكِمُ وَبَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِلَّا حَفِظَهُ وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ بِنِقْضَيْهِ بِئْرًا كَمَا أَنَّ الْبِئْرَ لَوْ خَرِبَتْ بَنَى الْحَاكِمُ بِنَقْضِهَا بِئْرًا أُخْرَى لَا مَسْجِدًا وَيُرَاعَى غَرَضُ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ اهـ.
وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْخَابِيَةِ عَامِرًا أَوْ خَرَابًا أَمَّا إذَا كَانَ عَامِرًا فَوَاضِحٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ غَلَّتُهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَرَابًا بِحَيْثُ صَارَ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا فَإِنَّهُ يُحْفَظُ غَلَّةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ إذَا خَرِبَ لَا يَبْطُلُ وَقْفُهُ قَالُوا:؛ لِإِمْكَانِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَلِإِمْكَانِ عَوْدِهِ كَمَا كَانَ وَكَمَا أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَى الثَّغْرِ إذَا اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْإِسْلَامِ وَحَصَلَ فِيهِ الْأَمْنُ يَحْفَظُهَا نَاظِرُهُ فِي زَمَنِ الْأَمْنِ؛ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ ثَغْرًا
(سُئِلَ) عَمَّا لَوْ نُقِلَ خَشَبُ مَسْجِدٍ خَرَابٍ بِشَرْطِهِ لِمَسْجِدٍ أَقْرَبَ إلَيْهِ فَعُمِّرَ بِهِ ثُمَّ عُمِّرَتْ مَحَلَّةُ الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ وَالْمَسْجِدُ فَهَلْ يُرَدُّ خَشَبُهُ إلَيْهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِيهَا أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْخَشَبَ الْمَذْكُورَ لَا يُرَدُّ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا: لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ وَخَافَ عَلَى نَقْضِهِ نَقَضَهُ الْحَاكِمُ وَبَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إنْ رَأَى ذَلِكَ، وَإِلَّا
حِفْظُهُ وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى اهـ.
فَافْهَمْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا بَنَى بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ لَا يُنْقَضُ، وَإِنْ عُمِّرَ الْمَسْجِدُ الْأَوَّلُ وَيُوَجَّهُ بِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمَّا خَرِبَ وَكَانَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي نَقْلِ نَقْضِهِ إلَى غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ الْغَيْرُ مُسْتَحِقًّا لِذَلِكَ النَّقْضِ فَإِذَا نُقِلَ إلَيْهِ وَبُنِيَ بِهِ امْتَنَعَ حِينَئِذٍ هَدْمُهُ مِنْهُ وَرَدُّهُ إلَى مَحَلِّهِ الْأَوَّلِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ مِنْ مُسْتَحَقِّي الْوَقْفِ لَوْ رَدَّ الْوَقْفَ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ، وَلَوْ قَبْلَ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ لِغَيْرِهِ خِلَافًا لِلرُّويَانِيِّ كَمَا بَيَّنَهُ الْأَذْرَعِيُّ، وَإِنْ سَكَتَ الشَّيْخَانِ عَلَيْهِ أَيْ: عَلَى مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ، فَإِنْ قُلْتَ: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ الرَّادَّ مُقَصِّرٌ فَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ مُعَامَلَةً لَهُ بِتَقْصِيرِهِ بِخِلَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ قُلْتُ: قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا فِي الرَّدِّ كَانَ يَظُنّ عَدَمَ صِحَّةِ الْوَقْفِ وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ، وَإِنْ رَجَعَ وَقَالَ: كُنْتُ مَعْذُورًا وَبَيَّنَ عُذْرَهُ كَمَا أَفْهَمَهُ إطْلَاقُهُمْ، فَإِنْ قُلْتَ: يُؤَيِّدُ النَّقْلَ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِهِ وَأَرَامِلِ بَنَاتِهِ اسْتَحَقُّوا عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَعَدَمُ التَّزَوُّجِ وَمُنِعُوا عِنْدَ عَدَمِهِ بِأَنْ وُجِدَ الْغِنَى أَوْ التَّزَوُّجِ، وَهَكَذَا مَتَى وُجِدَ عَادَ الِاسْتِحْقَاقُ وَمَتَى انْتَفَى انْتَفَى قُلْتُ: الْمَلْحَظُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ هُنَا النَّظَرُ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهِ عَمَلًا بِمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ.
وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْمَسْجِدَيْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ فَلَيْسَ فِيهَا شَرْطُ وَاقِفٍ يُدَارُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ وَيَخْتَلِفُ بِهِ الْغَرَضُ فَأُدِيرَ الْأَمْرُ فِيهَا عَلَى مَا تَشْهَدُ بِهِ قَرَائِنُ الْأَحْوَالِ وَيُقْضَى بِالْوَفَاءِ بِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ وَلَا شَكَّ أَنَّ وَاقِفَ النَّقْضِ لَيْسَ قَصْدُهُ تَخْصِيصَ مَحَلٍّ بِهِ، وَإِنَّمَا قَصْدُهُ أَنْ يَكُونَ نَقْضُهُ بِمَسْجِدٍ، سَوَاءٌ الَّذِي عَيَّنَهُ أَمْ غَيْرُهُ فَحَيْثُ خَرِبَ مَا عَيَّنَهُ وَنُقِلَ إلَى مَسْجِدٍ غَيْرِهِ فَقَدْ وَفَّى بِمَقْصُودِهِ فَإِذَا عَادَ مَا عَيَّنَهُ لَا يَعُودُ النَّقْضُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لَهُ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْعَوْدِ إلَّا التَّوْفِيَةُ بِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي مَسْأَلَتِنَا لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ حُصُولِ مَقْصُودِهِ بِبِنَاءِ نَقْضِهِ فِي أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ فَرْقُهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ أَعْنِي الْإِعْطَاءَ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَالْحِرْمَانَ عِنْدَ عَدَمِهِ وَبَيْنَ مَا لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أُمَّهَاتِ أَوْلَادِي إلَّا مَنْ تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ مِنْهُنَّ فَتَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ فَإِنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ الِاسْتِحْقَاقِ وَلَمْ يَعُدْ اسْتِحْقَاقُهَا بِطَلَاقِهَا وَفَقْرِهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ بِهِ عَنْ غَيْرِهَا تَزَوَّجَتْ أَوْ اسْتَغْنَتْ وَأَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفِ إنْ بَقِيَ لَهُ أُمُّ وَلَدِهِ وَلَا يَخْلُفُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَمَنْ تَزَوَّجَتْ لَمْ تَفِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ صِحَّةُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ رِعَايَةِ غَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ عَوْدِ الِاسْتِحْقَاقِ وَعَدَمِهِ.
فَإِنْ قُلْتَ: ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ غَلَّةَ الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ تَعُودُ إلَيْهِ بِعَوْدِ عِمَارَتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ صُرِفَتْ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ أَوَّلًا قُرْبُ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ عَلَى مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْبَحْرِ فِي مَحَلٍّ آخَرَ أَوْ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْمُتَّجَهُ إنْ لَمْ يَرْجُ عَوْدَهُ وَإِلَّا فَالْمُتَّجَهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُحْفَظُ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ، وَقَضِيَّةُ عَوْدِ الْغَلَّةِ بِعَوْدِ الْعِمَارَةِ أَنَّ النَّقْضَ يَعُودُ إلَيْهِ بِعَوْدِ عِمَارَتِهِ قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ عَوْدَ الْغَلَّةِ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ؛ لِأَنَّهُ شَيْءٌ خَارِجٌ عَنْ ذَاتِ الْمَسْجِدِ بِخِلَافِ عَوْدِ النَّقْضِ فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَحْذُورٌ وَهُوَ هَدْمُ الْمَسْجِدِ الثَّانِي وَكَيْفَ يُهْدَمُ عَامِرٌ وُضِعَ فِيهِ ذَلِكَ النَّقْضُ بِحَقٍّ لِرَجَاءِ عِمَارَةِ خَرَابٍ زَالَ اسْتِحْقَاقُهُ لِذَلِكَ النَّقْضِ بِحَقٍّ لِخَرَابِهِ فَمَنْ أَرَادَ عِمَارَتَهُ قِيلَ لَهُ إمَّا أَنْ تُعَمِّرَهُ كَامِلًا وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَهُ وَكَوْنُكَ تُعَمِّرُ فِيهِ الْبَعْضَ وَتُرِيدُ هَدْمَ مَسْجِدٍ كَامِلٍ لِتَوْفِيَةِ بَعْضِ مَسْجِدٍ لَا تُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الضَّرَرِ وَهُوَ عَدَمُ تَوْفِيَةِ الْأَوَّلِ لَا يُزَالُ بِكَثِيرِ الضَّرَرِ وَهُوَ خَرَابُ الثَّانِي هَذَا مَا يُتَّجَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ جَمَاعَةٍ شُرَكَاءَ فِي وَظِيفَةٍ ثُمَّ أَنَّهُ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمُبَاشَرَةِ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَحَدِهِمْ ثُمَّ أَنَّهُ غَابَ الْغَيْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ عَنْ الْمَحَلِّ الَّذِي فِيهِ الْوَظِيفَةُ الْمَذْكُورَةُ ثُمَّ إنَّ الشُّرَكَاءَ طَلَبُوا مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَحَلِّ فِي أَنْ يَكُونُوا مُبَاشِرِينَ لِلْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ مُدَّةَ غَيْبَةِ شَرِيكِهِمْ ثُمَّ أَنَّهُمْ لَمْ يُجِيبُوهُمْ إلَى ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ الْمَعْلُومَ وَطَلَبُوا مِنْهُمْ الْإِشْهَادَ بِذَلِكَ حَسْبَ الْعَوَائِدِ الْقَدِيمَةِ ثُمَّ إنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ أَدَاءِ الْمَعْلُومِ لِمُسْتَحِقِّيهِ فَهَلْ يَكُونُ عَدَمُ إجَابَتِهِمْ تَقْصِيرًا مِنْهُمْ وَيَسْتَحِقُّ أَهْلُ الْوَظِيفَةِ الْمَعْلُومَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنَّمَا
يَسْتَحِقُّ كُلٌّ مِنْ الشُّرَكَاءِ حِصَّتَهُ إنْ بَاشَرَ بِقَدْرِهَا فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ بِنَفْسِهِ وَكَذَا بِنَائِبِهِ إنْ كَانَتْ غَيْرَ نَحْوِ إمَامَةٍ أَوْ تَدْرِيسٍ أَوْ كَانَتْ نَحْوَ إمَامَةٍ، وَالنَّائِبُ مِثْلُ الْمُسْتَنِيبِ عِلْمًا وَوَرَعًا وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَقَدَرَ الْمُسْتَنِيبُ فِيهِ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ أَمْ لَا كَمَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ لَكِنْ مَالَ الْأَذْرَعِيُّ إلَى عَدَمِ جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي نَحْوِ الْإِمَامَةِ مُطْلَقًا.
وَيَمْتَنِعُ عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى الْمَحَلِّ مَنْعُ بَقِيَّةِ الشُّرَكَاءِ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ، وَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّ أَحَدَهُمْ يُبَاشِرُهَا وَحْدَهَا فَيُعَزَّرُونَ عَلَى ذَلِكَ التَّعْزِيرَ اللَّائِقَ بِهِمْ ثُمَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَةِ وَظِيفَتِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا؟ قَالَ التَّاجُ الْفَزَارِيّ: نَعَمْ وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَا؛ لِأَنَّهَا جِعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْهَا وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مِنْ ذَلِكَ كَلَامُ السُّبْكِيّ فِي الْأُولَى وَالْفَزَارِيِّ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْضُ جِعَالَةٍ، وَإِلَّا لَمْ يَقُلْ السُّبْكِيّ أَنَّ نَحْوَ الْمُدَرِّسِ إذَا مَاتَ يُصْرَفُ لِزَوْجَتِهِ وَأَوْلَادِهِ مِمَّا كَانَ يَأْخُذُهُ مَا يُقَوِّمُهُمْ، وَإِنْ نُوزِعَ فِي ذَلِكَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ أَمْلَاكًا عَلَى نَفْسِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَشَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ وَقْفُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَنْ لَا يَدْخُلَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ وَثَبَتَ بِبَيِّنَاتٍ عَلَى يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ ثُمَّ إنَّ الْوَقْفَ الْمَذْكُورَ انْحَصَرَ اسْتِحْقَاقُ مَنَافِعِهِ فِي وَاحِدٍ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ صَغِيرًا فَأَقَامَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ قَيِّمًا شَرْعِيًّا عَلَى الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ وَأَجَّرَ بَعْضَ الْأَمَاكِنِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى شَخْصٍ، وَالْحَالُ أَنَّ الْوَلَدَ الْمَذْكُورَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى إيجَارِ مَا أُجِرَ عَنْهُ لَا إلَى النَّفَقَةِ وَلَا إلَى الْكِسْوَةِ وَلَا لِشَيْءٍ مِنْ اللَّوَازِمِ الشَّرْعِيَّةِ فَهَلْ الْإِيجَارُ صَحِيحٌ أَمْ لَا؟ وَهَلْ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَتُهُ بِالْوَقْفِ الْمَذْكُورِ، وَلَوْ طَالَتْ الْمُدَّةُ؟
(فَأَجَابَ) مَتَى أَجَّرَ الْقَيِّمُ ذَلِكَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَانَتْ الْإِجَارَةُ بَاطِلَةً وَمَتَى أَجَّرَ سَنَةً، فَإِنْ كَانَ لِمَصْلَحَةٍ بِقَوْلِهِ: تَعُودُ عَلَى الْوَلَدِ الْمَذْكُورِ كَانَتْ الْإِجَارَةُ صَحِيحَةً.
، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْإِجَارَةِ مَصْلَحَةٌ كَانَتْ بَاطِلَةً وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِبُطْلَانِ الْإِجَارَةِ طَالَبَ بِذَلِكَ الْوَلَدُ إنْ كَانَ بَالِغًا رَشِيدًا، وَإِلَّا وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُنَصِّبَ قَيِّمًا يُطَالِبُ بِذَلِكَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ وَقَفَ دَارًا مُشْتَمِلَةً عَلَى عُزُلَتَيْنِ وَمِنْ شُرُوطِهِ يُصْرَفُ عَشْرَةٌ أَشْرَفِيَّةٌ مَثَلًا فِي قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَتَسْبِيلُ مَاءٍ مَثَلًا ثُمَّ أَجَّرَ نَاظِرُهُ الشَّرْعِيُّ عُزْلَةً وَاحِدَةً مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ مَقْبُوضَةٍ جَمِيعِهَا ثُمَّ تُوُفِّيَ وَبَعْضُ الْمُدَّةِ بَاقٍ فَهَلْ تُؤْخَذُ بَقِيَّةُ الْأُجْرَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ وَتُدْفَعُ لِمُسْتَحِقِّيهَا؟ فَيَبْدَأُ صَاحِبُ الْقِرَاءَةِ وَصَاحِبُ السَّبِيلِ بِمَا يَخُصُّهُ كَامِلًا إنْ كَانَ بَقِيَّةُ الْأُجْرَةِ يَحْمِلُ ذَلِكَ وَالْبَاقِي لِمُسْتَحِقِّيهِ إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ وَمَا حُكْمُ الْعُزْلَةِ الثَّانِيَةِ؟ يُدْفَعُ لِلْقَارِئِ مِنْ أُجْرَتِهَا مَا يَخُصُّهُ كَامِلًا وَهُوَ الْعَشَرَةُ الْأَشْرَفِيَّةُ الْمُقَرَّرُ لَهُ بِهَا وَمَا فَضَلَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأُجْرَةِ لِمُسْتَحِقِّيهِ يَقْتَسِمُونَهُ بِحَسْبِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ وَمَا حُكْمُ الْوَقْفِ إذَا شُرِطَ الِانْتِفَاعُ بِهِ سَكَنًا وَإِسْكَانًا وَشُرِطَ فِيهِ أَيْضًا أَنْ يُصْرَفَ مِنْ رِيعِهِ عَشْرَةٌ أَشْرَفِيَّةٌ لِقَارِئٍ مَثَلًا فَإِذَا اتَّفَقَ الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى السُّكْنَى بِهِ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الْعَشَرَةَ الْأَشْرَفِيَّةَ الْمَشْرُوطَةَ لِلْقَارِئِ.
وَيَسْتَقِرُّ ذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِمْ كَالدَّيْنِ الشَّرْعِيِّ وَإِذَا أَرَادَ الْبَعْضُ السُّكْنَى وَالْبَعْضُ الْآخَرُ الْإِجَارَةَ وَتَنَازَعُوا وَعَطَّلُوا مَصَالِحَ الْوَقْفِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ فَيُؤَجِّرُ النَّاظِرُ عَلَيْهِمْ قَهْرًا وَيُؤَدِّي كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بَعْدَ الْعِمَارَةِ أَوْ يُعَلِّقُوا عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ.
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَا قَبَضَهُ النَّاظِرُ مِنْ حَقِّ الْمُسْتَحَقِّينَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى تَرِكَتِهِ إذَا مَاتَ وَهُوَ بَاقٍ عِنْدَهُ، وَمَا حَصَلَ مِنْ رِيعِ الْوَقْفِ جَمِيعِهِ أَوْ بَعْضِهِ يُنْظَرُ فِيهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ، فَإِنْ شَرَطَ لِذِي الْقِرَاءَةِ مَثَلًا قَدْرًا مَعْلُومًا وَالْبَاقِي لِغَيْرِهِ قُدِّمَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ مَنْ بَعْدَهُ إلَّا مَا فَضَلَ عَنْهُ، وَإِنْ شَرَطَ لَهُ قَدْرًا مَعْلُومًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرِطَ تَقْدِيمَهُ فَكُلُّ مَا قُبِضَ مِنْ الْغَلَّةِ يُوَزَّعُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ، نَعَمْ تُقَدَّمُ الْعِمَارَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَإِنْ فَوَّتَ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِمْ غَلَّةَ الْوَقْفِ لِسُكْنَى أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَهُمْ لِلْقَارِئِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِمَا فَوَّتُوهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ أُجْرَتِهِ فَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ أَكْثَرَ صُرِفَ الْبَاقِي لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْبَعْضُ السُّكْنَى وَالْبَعْضُ الْإِجَارَةَ وَتَنَازَعُوا
عِنْدَ الْحَاكِمِ أَعْرَضَ الْحَاكِمُ عَنْهُمَا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ وَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهِمَا بِفِعْلٍ وَلَا غَيْرِهِ بَلْ يُلْزِمُ النَّاظِرَ بِفِعْلِ مَا فِيهِ الْأَصْلَحُ مِنْ إسْكَانِ طَالِبِ السُّكْنَى وَالْإِيجَارِ، وَلَيْسَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ كَصُورَةِ الشَّيْخَيْنِ الَّتِي قَالَا فِيهَا فِي بَابِ الْقِسْمَةِ يُؤَجِّرُ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ ثَمَّ يَنْحَصِرُ فِيهِ فَأَجَّرَ عَلَيْهِمَا صِيَانَةً لِلْأَمْلَاكِ وَهُنَا الْأَمْرُ لِغَيْرِهِ وَهُوَ النَّاظِرُ فَأَلْزَمَهُ بِمَا هُوَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ فِعْلِ الْأَصْلَحِ عَلَى أَنَّهُمَا ذَكَرَا فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا مَا يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي الْقِسْمَةِ أَجَّرَ لَيْسَ لِلتَّحَتُّمِ إلَّا إنْ أَرَادَ التَّصَرُّفَ، وَإِلَّا جَازَ لَهُ الْإِعْرَاضُ وَقَضِيَّةُ مَا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ قَوْلَهُمَا فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ وَغَيْرِهَا أَعْرَضَ لَيْسَ لِلتَّحَتُّمِ، بَلْ لَهُ الْإِيجَارُ عَلَيْهِمَا إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ فِي صُورَةِ الْعَارِيَّةِ وَنَحْوِهَا بِالْقَلْعِ فَكَانَ لَهُ مَنْدُوحَةٌ فِي الْوُصُولِ إلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَنْحَصِرْ الْأَمْرُ فِي الْحَاكِمِ فَإِذَا أَعْرَضَ فِي صُورَةِ الْقِسْمَةِ لَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الِاسْتِغْلَالُ بِالِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ لِشُيُوعِهِ فَانْحَصَرَ الْفَصْلُ فِي الْحَاكِمِ فَلَزِمَهُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْإِيجَارِ عَلَيْهِمَا صِيَانَةً لِلْمِلْكِ مِنْ التَّعْطِيلِ، وَهَذَا فَرْقٌ وَاضِحٌ يُعْلَمُ بِهِ بَقَاءُ مَا فِي كُلِّ بَابٍ عَلَى حُكْمِهِ الْمُقَرَّرِ فِيهِ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى غَيْرِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَلَى مَسْجِدٍ وَجَعَلَ عَلَيْهَا قَدْرًا مَعْلُومًا طَعَامًا فِي عَيْنِ كُلِّ سَنَةٍ لِلْمَسْجِدِ وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ، وَمُرَادُهُ أَنَّ مَا بَقِيَ مِنْ غَلَّتِهَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ يَكُونُ لَهُ ثُمَّ لِمَنْ لَهُ النَّظَرُ مِنْ بَعْدِهِ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) إذَا وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَسْجِدٍ وَشَرَطَ لِنَفْسِهِ مِنْهَا جُزْءًا، فَإِنْ كَانَ لَا فِي مُقَابِلَةِ نَظَرِهِ بَطَلَ الْوَقْفُ وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ النَّظَرُ لِنَفْسِهِ بِبَعْضِ الْغَلَّةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ الَّذِي شَرَطَهُ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِهِ صَحَّ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لَمْ يَصِحَّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ دَارًا بِشُرُوطٍ مِنْهَا أَنْ يُدْفَعَ مِنْ رِيعِهَا فِي كُلِّ عَامٍ عَشْرَةٌ أَشَرَفِيَّةٌ جُعْلًا لِمَنْ يَقْرَأُ كَذَا وَيُهْدِيهِ لِشَخْصٍ عَيَّنَهُ ثُمَّ قَرَّرَ الْوَاقِفُ بِمُقْتَضَى أَنَّ لَهُ النَّظَرَ شَخْصًا وَأَوْلَادَهُ مِنْ بَعْدِهِ فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا التَّقْرِيرُ؟ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ عَزْلُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ جُنْحَةٍ، وَلَوْ نَازَعَهُ فِي أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ وَلَمْ يُهْدِ مِنْ الْمُصَدَّقِ، إذْ الْإِهْدَاءُ لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ؟
(فَأَجَابَ) التَّقْرِيرُ صَحِيحٌ لِلْمُقْرِئِ الْأَوَّلِ دُونَ مَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَوْلَادِهِ فَيَسْتَحِقُّ مَا شَرَطَ لَهُ، وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ عَزْلُ مَنْ صَحَّ تَقْرِيرُهُ إلَّا لِمُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَنْفُذْ عَزْلُهُ وَقِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْجَعَالَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ أَتَى بِالْقِرَاءَةِ وَالْإِهْدَاءِ الْمَشْرُوطَيْنِ، وَالْبَيِّنَةُ لَهَا اطِّلَاعٌ عَلَى الْإِهْدَاءِ؛ لِأَنَّهُ الدُّعَاءُ عَقِبَ الْقِرَاءَةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِيمَا لَوْ وَقَفَ شَخْصٌ يَصِحُّ مِنْهُ الْوَقْفُ شَيْئًا عَلَى مَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ ثُمَّ أُحْدِثَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ زِيَادَةٌ فَهَلْ يُصْرَفُ إلَى تِلْكَ الزِّيَادَةِ شَيْءٌ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَلَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ بِصِيغَةِ التَّعْرِيفِ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ أَمْ لَا؟ وَلِلرَّافِعِيِّ كَلَامٌ فِي بَابِ الْإِيمَانِ فِي نَظِيرِ الْمَسْأَلَةِ يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ؟
(فَأَجَابَ) الَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ فِي أَبْوَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّهُ إنْ أَشَارَ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى هَذَا الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَى شَيْءٍ تَقْتَضِي تَعَيُّنَهُ وَحُضُورَهُ وَإِذَا تَعَيَّنَ مَوْجُودٌ لِلْوَقْفِ بِالنَّصِّ مِنْ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لَمْ يَجُزْ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِ الْمُتَعَيِّنِ الْمَذْكُورِ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ، وَمَنْ تَبِعَهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إنَّ الْمُضَاعَفَةَ فِي مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةٌ بِمَا كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَنِهِ دُونَ الْحَادِثِ فِيهِ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَ الْمُحْدِثُ لِذَلِكَ مِثْلَ عُمَرَ وَعُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَخْذًا مِنْ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم «وَصَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدِلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَخَرَجَ بِقَوْلِهِ: هَذَا مَا زِيدَ فِيهِ فَإِنَّ الْإِشَارَةَ لَا تَتَنَاوَلُهُ فَلَا تَضْعِيفَ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ.
، وَأَمَّا مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَى النَّوَوِيِّ مِنْ الْآثَارِ الْكَثِيرَةِ وَأَحَادِيثَ تَقْتَضِي عُمُومَ الْمُضَاعَفَةِ لِلزِّيَادَةِ وَأَطَالُوا فِي ذَلِكَ الِاعْتِرَاضَ فَقَدْ رَدَدْتُهُ عَلَيْهِمْ فِي حَاشِيَةِ مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى وَخُلَاصَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اُعْتُرِضَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ لَمْ يَصِحَّ مِنْهَا شَيْءٌ فَلَمْ تَصْلُحْ لِمُعَارَضَةِ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ الَّذِي قَرَّرْنَاهُ فَعَمِلْنَا بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى اعْتِمَادِ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ وَأَقَرَّاهُ مِنْ أَنَّهُ
لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ هَذَا الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ زِيَادَةً حَادِثَةً فِيهِ لَمْ يَحْنَثْ قَالُوا: لِأَنَّ الْيَمِينَ لَمْ تَتَنَاوَلْ الزِّيَادَةَ حَالَ الْحَلِفِ، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِمَا قَدَّمْته، إذْ الْيَمِينُ وَالْوَقْفُ مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُشْرِ بِأَنْ قَالَ: وَقَفْت عَلَى مَسْجِدِ بَلَدِ كَذَا أَوْ عَلَى الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ مِنْهَا مَثَلًا جَازَ صَرْفُ غَلَّةِ ذَلِكَ الْوَقْفِ إلَى الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُشِرْ إلَيْهِ لَمْ يَأْتِ بِمَا يَقْتَضِي التَّعْيِينَ وَالِانْحِصَارَ فِي الْمَوْجُودِ، وَإِنَّمَا أَتَى بِمَا يَشْمَلُ الْحَادِثَ كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّهُمَا مَعًا يُسَمَّيَانِ بِاسْمٍ وَاحِدٍ وَهُوَ مَسْجِدُ كَذَا أَوْ الْمَسْجِدُ الْفُلَانِيُّ فَيَتَنَاوَلُهُمَا لَفْظُهُ وَمَعَ تَنَاوُلِهِ لَهُمَا لَا نَظَرَ لِلْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الْقَرَائِنَ الْخَارِجِيَّةَ لَا يُنْظَرُ إلَيْهَا إلَّا إذَا لَمْ يَقَعْ فِي اللَّفْظِ مَا يُخَالِفُهَا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ لِمَا مَرَّ مِنْ اتِّحَادِ الْوَقْفِ وَالْأَيْمَانِ مِنْ الْحَيْثِيَّةِ الَّتِي قَدَّمْتُهَا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَ بَنِي فُلَانٍ حَنِثَ بِالزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ فِيهِ، وَوَجْهُهُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ لَمْ يُشِرْ فَكَلَامُهُ شَامِلٌ لِلزِّيَادَةِ أَيْضًا فَحَنِثَ بِهَا كَالْأَصْلِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ شَامِلٌ لَهُمَا، وَإِذَا ثَبَتَ شُمُولُ اللَّفْظِ لَهُمَا فِي الْأَيْمَانِ ثَبَتَ شُمُولُهُ لَهُمَا فِي الْوَقْفِ لِاتِّحَادِهِمَا فِيمَا مَرَّ وَكَالْإِضَافَةِ فِي هَذَا الْمَعْرِفَةُ بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ بِجَامِعِ شُمُولِ اللَّفْظِ فِيهِمَا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ أَئِمَّتِنَا فِي قَوْلِهِ: صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ تَعْدِلُ مِائَةَ أَلْفِ صَلَاةٍ فِي مَسْجِدِي هَذَا» إنَّ الْمُضَاعَفَةَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ تَعُمُّ الزِّيَادَةَ الْحَادِثَةَ فِيهِ أَيْضًا، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُضَافِ أَنَّ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ وَفِي رِسَالَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ: صلى الله عليه وسلم «مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ صَلَاةً وَاحِدَةً جَمَاعَةً كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَلْفَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَخَمْسَمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ» وَبِهَا يُعْلَمُ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِذَا تَسَاوَيَا فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ فَلْيَتَسَاوَيَا فِي مَسْأَلَتِنَا أَخْذًا مِنْهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى مُرَاعَاةِ الْأَلْفَاظِ وَمَدْلُولَاتِهَا مَا أَمْكَنَ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْأَيْمَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُعَرَّفِ وَالْمُضَافِ، وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُضَافِ وَالْمُشَارِ إلَيْهِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِذَلِكَ كَمَا قَرَّرْنَاهُ وَلَكِنَّا نَقُولُ أَيْضًا: بِأَنَّ الْمُعَرَّفَ كَالْمُضَافِ أَخْذًا مِنْ الْحَدِيثِ وَكَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْته فَإِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِعُمُومِ الْمُضَاعَفَةِ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ لِزِيَادَاتِهِ مَعَ وُرُودِ التَّعْبِيرِ فِيهِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْكَعْبَةِ فَلَوْ افْتَرَقَا لَقَالُوا بِافْتِرَاقِ الْحُكْمِ عَمَلًا بِافْتِرَاقِهِمَا فَلَمَّا قَالُوا بِاتِّحَادِهِ مَعَ وُرُودِهِمَا دَلَّ ذَلِكَ عَلَى اتِّحَادِهِمَا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى جِهَةٍ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَجَعَلَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ لِشَخْصٍ عَيَّنَهُ وَجَعَلَ لِلنَّاظِرِ الْمَذْكُورِ الْأَكْلَ مِنْهُ وَقَضَاءَ دُيُونِهِ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ؟ ، فَإِنْ قُلْتُمْ: نَعَمْ فَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ فِي ذَلِكَ بِصِيغَةِ شَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ أَوْ لَا فَيَصِحُّ وَحَيْثُ قُلْتُمْ: بِالصِّحَّةِ مُطْلَقًا أَوْ لَمْ يَأْتِ بِصِيغَةِ شَرْطٍ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ الْأَخْذُ وَالِاسْتِقْلَالُ بِهِ مِنْ غَيْرِ مُرَاجَعَةِ حَاكِمٍ وَكَمْ الْقَدْرُ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ وَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ صِيغَةِ الشَّرْطِ وَعَدَمِهَا وَبَيْنَ الْجِهَةِ وَالْمُعَيَّنِ؟
(فَأَجَابَ) يَصِحُّ الْوَقْفُ مَعَ التَّنْصِيصِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النَّاظِرِ سَوَاءٌ أَتَى بِصِيغَةِ شَرْطٍ أَوْ بِمَا يُفْهِمُ الشَّرْطِيَّةَ كَمَا شَمَلَهُ قَوْلُهُمْ تَصِحُّ شُرُوطُ الْوَاقِفِ وَيُعْمَلُ بِهَا مَا لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ، وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا ذُكِرَ هُنَا مِنْ شَرْطِ أَكْلِ النَّاظِرِ وَقَضَاءِ دُيُونِهِ لَا يُخَالِفُهُ بَلْ قَوْلُهُمْ يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ لِلنَّاظِرِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ شَامِلٌ لِهَذِهِ الصُّورَةِ فَهِيَ مِنْ صَدَقَاتِ إطْلَاقِهِمْ، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا شُرِطَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِالْوَكِيلِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ، وَالْوَكِيلُ لَوْ قَالَ لَهُ مُوَكِّلُهُ أَعْطِ هَذَا لِلْفُقَرَاءِ، وَإِنْ شِئْت أَنْ تَضَعَهُ فِي نَفْسِك فَافْعَلْ لَمْ يَجُزْ لَهُ إعْطَاءُ نَفْسِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ لَكِنْ نَازَعَهُمَا فِيهِ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ الْمَنْعُ فِي النَّاظِرِ وَاضِحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَلَى الْوَكِيلِ وَمِثْلُهُ الْوَصِيُّ إعْطَاءُ نَفْسِهِ مَعَ النَّصِّ لَهُ عَلَيْهِ فَأَوْلَى أَنْ يَمْتَنِعَ عَلَى النَّاظِرِ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لَمْ يَنُصَّ لَهُ عَلَى تَوَلِّي الْأَخْذَ بِنَفْسِهِ وَكَذَا عَلَى الثَّانِي لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ النَّاظِرِ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ
وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ؛ لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ أَوْ الْمُوصِيَ ثَمَّ فَوَّضَ لِنَائِبِهِ الِاسْتِقْلَالَ بِالْأَخْذِ، وَالْوَاقِفُ فِي صُورَتِنَا لَمْ يُفَوِّضْ لَهُ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِالْأَخْذِ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ النَّاظِرِ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ؛ لِأَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فِي صُورَتِنَا وَأَخْذُهُ لَهُ يُنَافِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالُوا: يَجُوزُ أَنْ يَشْرُطَ لِلْمُتَوَلِّي عُشْرَ الْغَلَّةِ أُجْرَةً لِعَمَلِهِ وَسُومِحَ فِيهِ تَبَعًا لِبَعْضِ الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ لَا تَكُونُ مِنْ مَعْدُومٍ ثُمَّ إذَا عَزَلَهُ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ أُجْرَةً كَأَنْ قَالَ: جَعَلْتُ لِلْمُتَوَلِّي عُشْرَهَا اسْتَحَقَّهُ، وَإِنْ عَزَلَهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ اهـ.
وَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَوْنِهِ أُجْرَةً فَيَسْتَحِقَّهُ النَّاظِرُ، وَإِنْ انْعَزَلَ عَنْ النَّظَرِ وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِقْلَالِ لَزِمَهُ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى النَّاظِرِ الْعَامِّ وَهُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ لِيُعْطِيَهُ مَا شُرِطَ لَهُ وَهُوَ الْأَكْلُ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ كِفَايَتُهُ اللَّائِقَةُ بِهِ يَوْمًا بِيَوْمٍ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ، وَلَيْسَ لَهُ إطْعَامُ مُمَوِّنِهِ؛ لِأَنَّ شُرُوطَ الْوَقْفِ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مُؤَدَّى الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا وَمُؤَدَّى مَا فِي السُّؤَالِ أَكْلُهُ وَحْدَهُ فَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ مِنْ أَكْلِ غَيْرِهِ وَكِسْوَتِهِ هُوَ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفُ قَوْمٍ مِنْهُمْ الْوَاقِفَ فِي زَمَنه وَعُلِمَ بِهِ بِأَنْ يُعَبِّرُوا بِالْأَكْلِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ عَمَّا يَشْمَلُ الْكِسْوَةَ وَمُؤْنَةَ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نُزِّلَ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامٌ الْإِمَامَيْنِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَابْنِ الصَّلَاحِ.
وَلَيْسَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الِاسْتِقْلَالُ بِأَخْذِ غَلَّةِ الْمَوْقُوفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ وَظَائِفِ النَّاظِرِ لِقَوْلِهِمْ مِنْ وَظَائِفِهِ جَمْعُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْوَاقِفُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قُلْتَ: يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّ النَّاظِرَ لَا يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، قَوْلُهُمْ يَمْتَنِعُ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَعَدُّوا مِنْهَا السَّاعِيَ فَإِنَّهُ يَقْبِضُ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ، وَقِيَاسُهُ النَّاظِرُ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مُتَصَرِّفٌ عَلَى الْغَيْرِ قُلْت: لَا يُنَافِيهِ؛ لِأَنَّ صُورَةَ السَّاعِي خَرَجَتْ عَنْ الْأَصْلِ لِمَعْنًى لَمْ يُوجَدْ مِثْلُهُ فِي النَّاظِرِ وَهُوَ أَنَّ السَّاعِيَ نَائِبُ الشَّرْعِ وَلَيْسَ فِي الْحَقِيقَةِ نَائِبًا عَنْ أَحَدٍ مَخْصُوصٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِامْتِنَاعِ اتِّحَادِ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ بِخِلَافِ النَّاظِرِ فَإِنَّهُ نَائِبٌ خَاصٌّ عَنْ شَخْصٍ خَاصٍّ هُوَ الْوَاقِفُ مَثَلًا أَوْ حَاكِمُ بَلَدِ الْوَاقِفِ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ اتِّحَادُ الْقَابِضِ وَالْمُقْبِضِ؛ لِاخْتِلَافِ جِهَةِ الْقَبْضِ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ لِذَلِكَ الِاخْتِلَافِ، وَأَمَّا السَّاعِي فَلَمْ تَخْتَلِفْ الْجِهَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ قَبْضِهِ وَإِقْبَاضِهِ إنَّمَا هُوَ بِجِهَةِ السِّعَايَةِ فَقَطْ فَلَمْ يَحْتَجْ فِيهِ لِمُمَيِّزٍ ثُمَّ رَأَيْتُ الْبُلْقِينِيُّ أَخَذَ مِنْ إفْتَاءِ ابْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ لِلْوَلِيِّ إذَا تَبَرَّمَ بِحِفْظِ مَالِ مُوَلِّيهِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا يُقَرِّرُهُ لَهُ الْحَاكِمُ لَوْ رَفَعَ الْأَمْرَ إلَيْهِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ هُنَا، وَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِ مَا شُرِطَ لَهُ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إنْ قُلْنَا: بِمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْقَاضِي فِي الْوَلِيِّ، وَمِثْلُهُ النَّاظِرُ بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ قِيَاسَ النَّاظِرِ عَلَى الْوَلِيِّ قَابِلٌ لِلْمَنْعِ كَيْفَ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَقْتَرِضَ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ وَبِأَنَّ وَلِيَّ الْيَتِيمِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ لِذَلِكَ، وَأَمَّا مُنَازَعَةُ الْبُلْقِينِيُّ فِي هَذَا فَإِنِّي رَدَدْتُهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قُلْت: وَنَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ إذْنِ الْحَاكِمِ فِي الِاقْتِرَاضِ وَقَالَ: التَّحْقِيقُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛ وَمَالَ إلَيْهِ غَيْرُهُ قِيَاسًا عَلَى وَلِيِّ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ يَقْتَرِضُ دُونَ وَلِيِّ الْحَاكِمِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ النَّاظِرَ يُضَيِّقُ فِيهِ بِمَا لَا يُضَيِّقُ بِهِ فِي وَلِيِّ الْيَتِيمِ اهـ.
وَمِمَّا يُقَوِّي الْفَرْقَ بَيْنَ النَّاظِرِ وَالْوَلِيِّ مَا قَدَّمْته مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ السَّاعِي وَالنَّاظِرِ فَإِنَّ الْوَلِيَّ كَالسَّاعِي بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نَائِبُ الشَّرْعِ فَجَازَ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ لِمَا مَرَّ، وَأَمَّا النَّاظِرُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا قَدَّمْته وَيُؤَيِّدُهُ تَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ النَّاظِرُ أُجْرَةً مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَشْرُوطُ لَهُ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ احْتَاجَ لِلْأَخْذِ أَمْ لَا، وَأَمَّا الْوَلِيُّ فَلَا يَأْخُذُ كَذَلِكَ بَلْ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَيْسَ نَائِبًا عَنْ أَحَدٍ فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، وَالنَّاظِرُ نَائِبٌ عَنْ الْوَاقِفِ فَاسْتَحَقَّ الْأُجْرَةَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَنْ وَقَفَ نَخْلًا مَثَلًا أَوْ أَوْصَى بِهِ عَلَى أَنْ تُبَاعَ غَلَّتُهُ وَيُسَبَّلُ مِنْهَا كُلَّ سَنَةٍ فِي رَمَضَانَ قِرْبَةُ مَاءٍ وَيُسْرَجَ مِنْهُ سِرَاجٌ بِاللَّيْلِ فِيهِ ثُمَّ إنَّ الْقَيِّمَ بِذَلِكَ تَرَكَهُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ
عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلَدِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَيِّمِ بِذَلِكَ أَنْ يُبَادِرَ بِقَضَاءِ ذَلِكَ فَيُسْرِجَ سِرَاجَيْنِ إلَّا فَاتَهُ ذَلِكَ فِي لَيْلَةٍ مَثَلًا وَيَسْقِي قِرْبَتَيْ مَاءٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْقَضَاءُ فِي رَمَضَانَ أَوْ يَجُوز تَأْخِيرُهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الشُّهُورِ؟ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ تَرْكِهِ لِعُذْرٍ فَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَجُوزُ وَهَلْ يُفَرَّقُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) أَفْتَى النَّوَوِيُّ فِي وَاقِفٍ شَرَطَ أَنْ يُفَرِّقَ كَذَا فِي وَقْفٍ كَعَاشُورَاءَ أَوْ رَمَضَانَ فَتَأَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِأَنَّهُ لَا يُؤَخَّرُ إلَى مِثْلِهِ مِنْ قَابِلٍ بَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ اهـ.
وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ إنْ لَمْ يَشْرُطْ كَذَا لِصَوَّامِ رَمَضَانَ، فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ وَأَخَّرَ عَنْهُ وَجَبَ تَأْخِيرُهُ إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي لِيُصْرَفَ إلَى صَوَّامِهِ؛ لِأَنَّهُ قُيِّدَ بِغَرَضٍ مَخْصُوصٍ مَقْصُودٍ مُغَايِرٍ لِلزَّمَنِ لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: يُصْرَفُ فِي رَمَضَانَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِجِهَةٍ مَخْصُوصَةٍ مَقْصُودَةٍ، وَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى زَمَنٍ، وَالزَّمَنُ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ الصَّرْفِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ مِثْلُ ذَلِكَ الزَّمَنِ عِنْدَ فَوَاتِهِ بَلْ جَازَ الصَّرْفُ فِي غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ يَتَعَلَّقُ بِأَحَدٍ بِطَرِيقِ الْقَصْدِ حَتَّى يُؤَخَّرَ إلَيْهِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ، فَإِنْ قَالَ يُسْرِجُ أَوْ يُسَبَّلُ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ فَاتَ ذَلِكَ فِيهِ مَثَلًا وَلَوْ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُسْرِجَ أَوْ يُسَبَّلَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ عَلَى الْفَوْرِ فِي غَيْرِهِ وَلَا يَنْتَظِرُ رَمَضَانَ الثَّانِيَ، وَإِنْ قَالَ يُسْرَجُ عَلَى قُوَّامِ رَمَضَانَ أَوْ يُسَبَّلُ لِصَوَّامِهِ أَوْ لِلْمُفْطِرِينَ مِنْ صَوْمِهِ فَفَاتَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ تَعَيَّنَ التَّأْخِيرُ إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي لِمَا تَقَرَّرَ وَفِي الْحَالَةِ إذَا أَخَّرَ عَنْ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِيهِ عِنْدَ التَّمَكُّنِ؛ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ لِاتِّحَادِهِمَا فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) إذَا كَانَ السُّلْطَانُ يَقْبِضُ مِنْ غَلَّاتِ الْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ مَا فَضَلَ عَنْ مَصَالِحِهِمَا فِي عَيْنِ كُلِّ سَنَةٍ ثُمَّ يَصْرِفُ بَعْضَ ذَلِكَ إلَى الْمُحْتَاجِينَ مِنْ عُلَمَاءِ بَلَدِهِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ هَلْ يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ ذَلِكَ إذْ لَوْ امْتَنَعُوا مِنْ الْأَخْذِ لَمَا رُدَّ إلَى مَصْرِفِهِ الْأَصْلِيِّ؟ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ صَرْفَ ذَلِكَ إلَى مَنْ ذُكِرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ صَرْفِهِ عَلَى الْجُنْدِ وَشَحْنِ الْحُصُونِ بِهِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) لَا يَجُوزُ الْأَخْذُ مِنْ الْفَاضِلِ مِنْ غَلَّةِ مَسْجِدٍ إذَا خَالَفَ ذَلِكَ الْأَخْذُ شَرْطَ الْوَاقِفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْإِمَامُ يَصْرِفُ ذَلِكَ فِي مَصَارِفِهِ أَمْ لَا وَلَا نَظَرَ إلَى قَوْلِ السَّائِلِ وَاَلَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ إلَخْ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِخِلَافِ شَرْطِ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) كَيْفَ الْحِيلَةُ فِي صِحَّةِ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟
(فَأَجَابَ) لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ امْرَأَةٌ وَقَفَتْ وَقْفًا بَعْدَ عَيْنِهَا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا قَبْرٌ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الْوَقْفُ أَمْ لَا؟ وَهَلْ يُصْرَفُ إلَى مَنْ يَقْرَأُ وَيُهْدِي ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ إلَيْهَا أَوْ يُصْرَفُ إلَى وَرَثَتِهَا وَالْمَوْقُوفُ لَا يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهَا وَالْوَارِثُ لَمْ يُجِزْ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ؟
أَجَابَ لَا يَصِحُّ هَذَا الْوَقْفُ؛ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ لَغَا وَلَا يُكْتَفَى بِعُمُومِ تَضَمُّنِهِ الْخُصُوصَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى قَائِلًا اشْتَرُوا لِي عَبْدَ فُلَانٍ فَاعْتِقُوهُ عَنِّي فَتَعَذَّرَ شِرَاؤُهُ فَلَا يُشْتَرَى مُطْلَقًا عَبْدٌ آخَرُ وَيُعْتَقُ عَنْهُ، وَلَيْسَ فَسَادُ هَذَا مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ وَقْفًا بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُفْسِدًا عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ نَوْعُ وَصِيَّةٍ اهـ.
وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ لَوْ عُرِفَ قَبْرُهَا صَحَّ الْوَقْفُ فَحِينَئِذٍ مَنْ أَوْصَى بِوَقْفِ شَيْءٍ بَعْدَ مَوْتِهِ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ ثُمَّ مَاتَ وَعُرِفَ قَبْرُهُ وَخَرَجَ مَا أَوْصَى بِوَقْفِهِ وَجَبَ وَقْفُهُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ، فَهَذِهِ حِيلَةٌ فِي الْوَقْفِ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَمِنْ الْحِيَلِ أَيْضًا أَنْ يَقِفَ شَيْئًا عَلَى فُقَهَاءِ بَلَدِهِ مَثَلًا أَوْ عَلَى فُلَانٍ وَأَوْلَادِهِ وَهَكَذَا أَوْ عَلَى أَوْلَادِ نَفْسِهِ وَأَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَيَشْتَرِطُ فِي وَقْفِهِ عَلَى كُلِّ مَنْ آلَ إلَيْهِ اسْتِحْقَاقٌ فِي هَذَا الْوَقْفِ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى قَبْرِهِ إنْ عَرَفَ شَيْئًا مُعَيَّنًا، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ قَبْرٌ بِأَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا وَيُهْدِيَهُ إلَيْهِ، فَهَذَا شَرْطٌ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ كَمَا شَمَلَهُ كَلَامُهُمْ وَبِهِ يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْوَاقِفِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مَسْجِدٍ صَغِيرٍ بِهِ مُدَرِّسٌ يُدَرِّسُ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَرْضِ
ثُمَّ يَحْضُرُ مَنْ لَمْ يُصَلِّ فَيُصَلِّي الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَقْتَ التَّدْرِيسِ التَّدْرِيسِ وَلَوْ أَخَّرَ الْمُدَرِّسُ التَّدْرِيسَ إلَى فَرَاغِ الْمُصَلِّينَ لَطَالَ التَّأْخِيرُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ دَرَّسَ خَافَ أَنْ يَشْتَغِلُوا بِتَدْرِيسِهِ عَنْ الصَّلَاةِ وَمِنْ بَعْدِ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ لَهُ أَشْغَالٌ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ، وَإِذَا قَعَدَ فِي الْمَسْجِدِ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ الْمُطَالَعَةِ وَكَانَ يَشْغَلُهُ مَنْ يَقْرَأُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْقِرَاءَةِ سِرًّا أَوْ جَهْرًا خَارِجَ الْمَسْجِدِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) يَجِبُ عَلَى الْمُدَرِّسِ أَنْ يَفْعَلَ مَا يُوَافِقُ شَرْطَ الْوَاقِفِ وَلَا يَنْظُرُ لِأَشْغَالِهِ وَلَا لِصَلَاةِ النَّاسِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدَرِّسَ بِخَفْضِ صَوْتٍ مَا دَامَ الْمُصَلُّونَ فِي صَلَاتِهِمْ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ شَرْطٌ، فَإِنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ الْمُدَرِّسِينَ فِي زَمَنِهِ حِينَ الْوَقْفِ بِزَمَنٍ مَخْصُوصٍ يُدَرِّسُونَ فِيهِ دُونَ غَيْرِهِ وَجَبَ عَلَى الْمُدَرِّسِ أَنْ يُرَاعِيَ تِلْكَ الْعَادَةَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ الْمُطَّرِدَةَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ. ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي نَفْسِ التَّدْرِيسِ فَقَالَ: الْعُرْفُ الْمُطَّرِدُ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عُلِمَ بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ فَيُنَزَّلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْفُقَهَاءِ بِمَدْرَسَةٍ نُزِّلَ عَلَى الْعُرْفِ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفَقِيهِ وَالْأَفْقَهِ وَكَذَا يُنَزَّلُ عَلَى التَّدْرِيسِ فِي الْغَدَوَاتِ فَلَا يَكْفِي لَيْلًا وَلَا عَشِيَّةً وَلَا ظُهْرًا اهـ.
وَأَمَّا مَنْ يُطَالِعُ لِنَفْسِهِ، وَمَنْ يُدَرِّسُ احْتِسَابًا فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ، بَلْ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَهُ مَا لَمْ يُشَوِّشْ بِهِ عَلَى نَحْوِ مُصَلٍّ أَوْ نَائِمٍ، وَلِمَنْ اشْتَغَلَ بِتَدْرِيسٍ أَوْ مُطَالَعَةٍ فَقَرَأَ آخَرُ بِجَنْبِهِ أَوْ ذَكَرَ بِحَيْثُ شَوَّشَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِخَفْضِ الصَّوْتِ، فَإِنْ امْتَثَلَ أَمْرَهُ بِذَلِكَ فَلَهُ مَزِيدُ الثَّوَابِ، وَإِلَّا فَلَهُ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِيَأْمُرَ بِالسُّكُوتِ، فَإِنْ أَبَى أَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ يَجُوزُ إخْرَاجُ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ أَكَلَ نَحْوَ ثُومٍ أَوْ بَصَلٍ أَوْ كُرَّاثٍ أَيْ: أَوْ فُجْلٍ فَإِنَّهُ مِثْلُهَا كَمَا فِي حَدِيثٍ وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ فَإِذَا جَازَ إخْرَاجُ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ فَلْيَجُزْ إخْرَاجُ مَنْ يُشَوِّشُ بِقِرَاءَتِهِ أَوْ ذِكْرِهِ عَلَى الْمُشْتَغِلِينَ بِالْعِلْمِ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ وَقَفَ مَحَلًّا عَلَى جَمَاعَةٍ وَجَعَلَ النَّظَرَ فِيهِ لِأَحَدِهِمْ وَشَرَطَ لَهُ زِيَادَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ؟ وَإِذَا جَعَلَ النَّظَرَ لِغَيْرِهِمْ وَشَرَطَ لَهُ نِصْفَ الْغَلَّةِ يَجُوزُ أَمْ لَا وَإِذَا لَمْ يَشْرِطْ لِلنَّاظِرِ هَلْ يَأْخُذُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ؟ وَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقُّ أَوْ غَيْرُهُ الْوَقْفَ مُدَّةً طَوِيلَةً بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَكَانَ لَهُ النَّظَرُ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ هَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ؟ (الْجَوَابُ) نَعَمْ يَسْتَحِقُّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَالنِّصْفَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَإِذَا لَمْ يُشْرَطْ شَيْءٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا، وَإِنْ عَمِلَ مَا لَمْ يَرْفَعْ الْأَمْرَ لِلْحَاكِمِ لِيُقَرِّرَ لَهُ أُجْرَةَ مِثْلِهِ وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِالْمَوْتِ فِيمَا ذُكِرَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ أَحْمَدَ مَثَلًا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَهَلْ الضَّمِيرُ الثَّانِي عَائِدٌ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ أَوْلَادِهِ لِأَنَّهُ مُحْتَمِلٌ لِذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِيهَا يَرْجِعُ إلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ كَأَنْ يَكُونَ الْمُحَدَّثُ عَنْهُ غَيْرَ الْأَقْرَبِ، وَلَا يَتَّضِحُ ذَلِكَ إلَّا بِذِكْرِ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ بِسَوَابِقِهَا وَلَوَاحِقِهَا فَإِنَّ بِذَلِكَ يَتَّضِحُ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي كَلَامِهِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ وَعَلَى أَوْلَادِهِمْ الْمَوْجُودِينَ وَسَمَّاهُمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِذَا مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِينَ وَلَهُ وَلَدٌ دَاخِلٌ فِي الْوَقْفِ مَعَ أَبِيهِ حَالَ الْوَقْفِ هَلْ تَنْتَقِلُ حِصَّةُ أَبِيهِ لَهُ مَعَ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْوَقْفِ إلَّا كَانَ مُنْفَرِدًا؟ .
وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ عَنْ غَيْر وَلَدٍ وَلَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ بَعْده فَلِمَنْ تَكُونُ حِصَّته لِشُرَكَائِهِ فِي الْوَقْف أَوْ تَسْقُط وَتَدْخُلُ فِي مَصَالِح الْوَقْف أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِل شَيْء إلَى مَنْ بَعْدهمْ إلَّا بِانْقِرَاضِ جَمِيع الْمَذْكُورِينَ قَبْلهَا، فَإِذَا مَاتَ بَعْض هَؤُلَاءِ انْتَقَلَتْ حِصَّتُهُ إلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ عَلَى حَسْبِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ مِنْ تَسْوِيَةٍ أَوْ تَفَاضُلٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ أَمْ لَا فَلَا يَخْتَصُّ الْوَلَدُ بِحِصَّةِ أَبِيهِ حَيْثُ كَانَ لَهُ مُشَارِكٌ فِي دَرَجَتِهِ، وَإِلَّا انْتَقَلَتْ إلَيْهِ حِصَّةُ الْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَبِيهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ تَرْتِيبٌ بَيْنَ الْبُطُونِ لَمْ يَسْتَحِقَّ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ مُتَأَخِّرَةٍ شَيْئًا مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ بَطْنٍ مُتَقَدِّمَةٍ حَتَّى لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا وَاحِدٌ فَازَ بِالْجَمِيعِ إلَّا إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ
وَلَدٍ يَنْتَقِلُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَيَخْتَصُّ الِابْنُ حِينَئِذٍ بِنَصِيبِ أَبِيهِ، وَلَوْ مَعَ وُجُود مُسَاوِي أَبِيهِ فِي دَرَجَتِهِ، وَقَوْلُ السَّائِلِ: وَإِذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إلَخْ يُعْلَمُ جَوَابُهُ مِمَّا قَرَّرْته وَهُوَ أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ يَنْتَقِلُ لِمَنْ فِي دَرَجَتِهِ فِي الصُّورَة الَّتِي ذَكَرَهَا السَّائِلُ قَبْلَ ذَلِكَ لِمَا عَلِمْت فِي تَقْرِيرِهَا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ لِلْبَطْنِ الْمُتَأَخِّرِ، وَهُنَاكَ أَحَدٌ مِنْ الْبَطْنِ الْمُتَقَدِّمِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا لَوْ تَجَمَّدَ مِنْ رِيعِ وَقْفٍ مَالٌ بَعْدَ الْعِمَارَةِ وَالصَّرْفِ لِلْمُسْتَحِقِّ هَلْ يَسُوغُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ دَارًا وَيُوقِفَهُ وَيَجْعَلَ رِيعَهُ فِي مَصَالِحِ الْوَقْفِ الْأَوَّلِ بَعْدَ عِمَارَتِهِ إذَا حَصَلَ فِيهِ هَدْمٌ إذَا رَأَى ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْوَقْفِ الْأَوَّلِ؟ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ فِي وَقْفِهِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ هَلْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَخْذُ الْمَالِ الْمُتَجَمِّدِ تَحْتَ يَدِهِ وَيَقْتَسِمُونَهُ زِيَادَةً عَلَى اسْتِحْقَاقِهِمْ اسْتِحْقَاقِهِمْ لِاسْتِغْنَاءِ الْوَقْفِ عَنْهُ أَمْ يُرْصَدُ ذَلِكَ تَحْتَ يَدِ النَّاظِرِ لِحُدُوثِ عِمَارَةٍ وَغَيْرِهَا أَمْ يَنْزِعُهُ الْحَاكِمُ مِنْهُ وَيَكُونُ فِي مُسْتَوْدَعِ الْحَاكِمِ لِلِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ؟ .
وَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّةِ الشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ كَيْفَ يَسُوغُ شِرَاءُ النَّاظِرِ وَوَقْفُهُ وَشُرُوطُهُ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَيْسَ وَاقِفًا وَلَا نَاظِرًا عَنْ الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ؟ وَهَلْ يَكُونُ الشِّرَاءُ وَالْوَقْفُ بِاسْمِهِ أَوْ بِاسْمِ الْوَاقِفِ وَيُعَيِّنُ شُرُوطَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ مُفَصَّلًا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْوَقْفَ الْفَاضِلَ مِنْ رِيعِهِ شَيْءٌ تَارَةً يَكُونُ عَلَى مَسْجِدٍ وَتَارَةً يَكُونُ عَلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَسْجِدِ فَتَارَةً يَكُونُ عَلَى مَصَالِحِهِ وَتَارَةً يُطْلَقُ وَتَارَةً يَكُونُ عَلَى عِمَارَتِهِ فَفِي الْحَالَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يُدَّخَرُ مِنْ الزَّائِدِ مَا يُعَمِّرُهُ وَأَمْلَاكَهُ أَوْ الدُّورَ وَنَحْوَهَا الْمَوْقُوفَةَ عَلَيْهِ لِوُجُوبِ ذَلِكَ وَيُشْتَرَى لَهُ بِبَاقِيهَا مَا فِيهِ زِيَادَةُ غَلَّتِهِ وَيَقِفُهُ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ وَالْمُتَوَلِّي لِلشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ هُوَ الْحَاكِمُ، وَهَذَا الْوَقْفُ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ لِشُرُوطٍ وَلَا لِبَيَانِ مَصْرِفٍ؛ لِأَنَّ مَصْرِفَهُ مَعْلُومٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَى لِلْمَسْجِدِ وَوَقَفَ صَارَ مَصْرِفُهُ مَصَالِحَ الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَفِي الْحَالِ الثَّالِثِ أَعْنِي الْمَوْقُوفَ عَلَى عِمَارَتِهِ لَا يُشْتَرَى مِنْ زَائِدِ غَلَّتِهِ شَيْءٌ بَلْ يَرْصُدُهُ لِلْعِمَارَةِ، وَإِنْ كَثُرَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ إنَّمَا وَقَفَ عَلَى الْعِمَارَةِ فَلَمْ يَجُزْ صَرْفُهُ لِغَيْرِهَا، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مَسْجِدٍ كَانَتْ فَوَائِدُهُ مِلْكًا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَتُصْرَفُ إلَيْهِمْ جَمِيعُ غَلَّتِهِ مَا لَمْ يَحْتَجْ لِعِمَارَةٍ فَحِينَئِذٍ تُقَدَّمُ عَلَى حَقِّهِمْ وَلَا يُصْرَفُ لَهُمْ شَيْءٌ مَا دَامَ الِاحْتِيَاجُ لِلْعِمَارَةِ مَوْجُودًا، سَوَاءٌ شَرَطَ الْوَاقِفُ تَقْدِيمَ الْعِمَارَةِ أَمْ لَمْ يَشْرِطْهُ، وَكَذَلِكَ عِمَارَةُ عَقَارِ الْمَسْجِدِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الْوَاقِفُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حِفْظَ الْوَقْفِ وَالْمُتَوَلِّي لِصَرْفِ مَا ذُكِرَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ هُوَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ إنْ كَانَ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ، فَإِنْ امْتَنَعَ رَفَعُوهُ إلَى حَاكِمٍ وَأَجْبَرَهُ عَلَى الصَّرْفِ إلَيْهِمْ كَمَا ذَكَرْنَاهُ.
وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَسْتَقِلُّوا بِأَخْذِ شَيْءٍ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ بِدُونِ إذْنِ النَّاظِرِ أَوْ الْحَاكِمِ وَحَيْثُ أَلْزَمْنَاهُ بِالصَّرْفِ إلَيْهِمْ فَاشْتَرَى مِنْ الْغَلَّةِ شَيْئًا كَانَ شِرَاؤُهُ بَاطِلًا وَمَا نَأْمُرُهُ بِإِمْسَاكِهِ لِلْعِمَارَةِ يَكُونُ تَحْتَ يَدِهِ وَلَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى إذْنِ الْحَاكِمِ وَبِقَوْلِنَا: فِيمَا مَرَّ إنَّ الْمُشْتَرِيَ وَاَلَّذِي يَقِفُ هُوَ الْحَاكِمُ انْدَفَعَ قَوْلُ السَّائِلِ كَيْفَ يَسُوغُ شِرَاءُ النَّاظِرِ إلَخْ؟ وَبِقَوْلِنَا: إنَّ هَذَا الْوَقْفَ لَا يَحْتَاجُ لِشُرُوطٍ إلَخْ انْدَفَعَ قَوْلُهُ: أَيْضًا وَشُرُوطُهُ وَيَنْدَفِعُ بِذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُهُ: هَلْ يَكُونُ الشِّرَاءُ وَالْوَقْفُ بِاسْمِهِ أَوْ بِاسْمِ الْوَاقِفِ وَيُعَيِّنُ شُرُوطَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَوَجْهُ انْدِفَاعِ ذَلِكَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ مِلْكٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَبْقَ لِلْوَاقِفِ وَلَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ دَخْلٌ فِيهِ، وَكَذَلِكَ النَّاظِرُ، وَإِنَّمَا التَّصَرُّفُ فِي الشِّرَاءِ وَالْوَقْفِ لِلْحَاكِمِ يَتَوَلَّى الشِّرَاءَ وَالْوَقْفَ بِنِيَابَةِ الشَّرْعِ وَلَيْسَ نَائِبًا عَنْ أَحَدٍ فَاتَّضَحَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَانْدَفَعَ جَمِيعُ مَا أَوْرَدَهُ السَّائِلُ فِي ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) فِي وَاقِفٍ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ مَثَلًا دَارًا ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ الْفُقَرَاءَ وَشَرَطَ النَّظَرَ لِزَيْدٍ الْمَذْكُورِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ أَوَّلًا وَأَطْلَقَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ وَلَمْ يُعَيِّنْ عَلَى حِصَّتِهِ وَلَا عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ؟ فَهَلْ يَكُونُ النَّظَرُ لِزَيْدٍ عَلَى حِصَّتِهِ فَقَطْ أَوْ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ حَتَّى لَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ وَهُوَ زَيْدٌ الْمَذْكُورُ الْوَقْفَ مُدَّةً طَوِيلَةً مَضَتْ عَلَى سَائِرِ الْبُطُونِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ النَّاظِرِ مِنْ بَعْدِ زَيْدٍ كَحُكْمِهِ أَمْ لَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟ (الْجَوَابُ) إنَّ الْوَاقِفَ حَيْثُ لَمْ يُقَيِّدْ النَّظَرَ
بِحِصَّةِ النَّاظِرِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْوَقْفِ فَتَصِحُّ إجَارَتُهُ وَتَمْضِي عَلَى الْبُطُونِ بَعْدَهُ وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ كَمَا حَرَّرْته، وَأَطْلَقْت الْكَلَامَ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ) إنْسَانٌ وَقَفَ دَارًا عَلَى وَالِدَتِهِ وَأُخْرَى عَلَى وَلَدِهِ وَأُخْرَى عَلَى وَصِيِّهِ لِيَنْتَفِعَ كُلٌّ بِمَا وُقِفَ عَلَيْهِ وَشَرَطَ أَنْ يُصْرَفَ لِلنَّاظِرِ عَلَى تَرِكَتِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مِنْ رِيعِ الْأَوْقَافِ الْمَذْكُورَةِ ثَلَاثُونَ أَشَرَفِيًّا يُوَزَّعُ ذَلِكَ عَلَى الدُّورِ الثَّلَاثَةِ بِنِسْبَةِ رِيعِ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى مَجْمُوعِ رِيعِهَا فَلَمَّا تُوُفِّيَ الْمُوصِي سَكَنَ كُلٌّ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مَا وُقِفَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُؤَجَّرْ شَيْءٌ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ النَّاظِرُ مَا شُرِطَ لَهُ أَوْ لَا؟ لِكَوْنِ الْوَاقِفِ إنَّمَا شَرَطَ ذَلِكَ مِنْ الرِّيعِ وَلَمْ يُوجَدْ رِيعٌ لِعَدَمِ إيجَارِ شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الدُّورِ، وَإِذَا قُلْتُمْ: بِاسْتِحْقَاقِهِ فَهَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا بِالتَّوْزِيعِ أَوْ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، وَإِذَا أَخَذَهُ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ فَهَلْ يَغْرَمُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَيَكُونُ جُنْحَةً فِيهِ أَوْ لَا؟ (الْجَوَابُ) يَسْتَحِقُّ النَّاظِرُ مَا شُرِطَ لَهُ بِالتَّوْزِيعِ الْمَذْكُورِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرِّيعِ إلَّا مُقَابِلَ الْمَنْفَعَةِ الْمُسْتَوْفَاةِ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَاهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَمْ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِ مَا ذُكِرَ لِلنَّاظِرِ تَخْصِيصٌ أَوْ تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى مَنْ ذُكِرَ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَخْذُ حِصَّةِ دَارَيْ الْوَالِدَةِ وَالْوَصِيِّ مِنْ مَالِ الْوَلَدِ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ غُرْمُهُ مُطْلَقًا، وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِإِثْمِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ جُنْحَةٌ فِيهِ، فَشَرْطُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ هُوَ مَالُ الْوَلَدِ، وَأَنْ يَعْلَمَ أَيْضًا شَرْطَ الْوَاقِفِ وَحُكْمَهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، فَإِذَا عَلِمَ بِهَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ أَثِمَ بِذَلِكَ وَكَانَ جُنْحَةً فِيهِ، وَإِنْ جَهِلَهَا أَوْ أَحَدَهَا فَلَا إثْمَ وَلَا جُنْحَةَ كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى نَظِيرِهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كَلَامِهِ، وَالْكَلَامُ فِيمَنْ يُعْذَرُ بِجَهْلِ مِثْلِ ذَلِكَ وَإِلَّا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ دَعْوَى الْجَهْلِ.
(مَسْأَلَةٌ) شَخْصٌ وَقَفَ مَحَلًّا عَلَى جَمَاعَةٍ فَحَصَلَ فِيهِ مَا يَحْتَاجُ لِعِمَارَةٍ فَأَجَّرَهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ نَحْوَ ثَمَانِينَ سَنَةً مَعَ إمْكَانِ إصْلَاحِهِ بِأُجْرَةِ خَمْسِ سِنِينَ هَلْ تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِ؟ .
(الْجَوَابُ) لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَحْتَاجُ لِأُجْرَتِهِ فِي الْعِمَارَةِ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ بَطَلَتْ إجَارَتُهُ فِي الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مُتَعَدٍّ فَيَنْعَزِلُ عَنْ النَّظَرِ فَتَبْطُلُ إجَارَتُهُ مِنْ أَصْلِهَا.
(مَسْأَلَةٌ وَقْفٌ يُصْرَفُ رِيعُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ دَرَاهِمَ أَوْ حَبًّا أَوْ تَمْرًا عَلَى الْوَارِدِينَ أَوْ الْمَارِّينَ مَحَلَّ كَذَا وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِوَقْتٍ فَهَلْ يَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْوَارِدِينَ أَوْ يُقْتَصَرُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ؟ وَهَلْ يَلْزَمُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَإِنْ تَكَرَّرُوا وَمَاذَا يُدْفَعُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَمَا قَدْرُ الزَّمَنِ الَّذِي يَتَقَيَّدُ بِهِ الْوُرُودُ؟ (الْجَوَابُ) قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابَيْ الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ الْوَارِدِينَ بِمَحَلِّ كَذَا لَا يَجِبُ اسْتِيعَابُهُمْ إلَّا إنْ انْحَصَرُوا وَوَفَّى بِهِمْ رِيعُ الْوَقْفِ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرُوا فَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مَا لَمْ يَفْضُلْ عَنْ حَاجَاتِهِمْ شَيْءٌ فَيَجِبُ صَرْفُهُ إلَى بَعْضِ الْبَاقِينَ، وَإِنْ انْحَصَرُوا لَزِمَهُ الصَّرْفُ لِجَمِيعِهِمْ إنْ وَفَّى بِهِمْ الرِّيعُ، وَإِلَّا فَلِمَنْ يَفِي بِهِ وَمَا دَامَ عِنْدَ النَّاظِرِ شَيْءٌ مِنْ الرِّيعِ لَزِمَهُ صَرْفُهُ لِلْوَارِدِينَ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ وَلَا يَخُصُّ الصَّرْفَ بِوَارِدِينَ فِي وَقْتٍ مُعَيَّنٍ عَمَلًا بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامٌ الْوَاقِفِ مِنْ عَدَمِ التَّحْصِيصِ.
وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ هُوَ قَدْرُ كِفَايَتِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي أَقَامَهَا وَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ لَوْ كَانَ سَفَرُهُ طَوِيلًا بِشُرُوطِهِ يُسَمَّى وَارِدًا وَمَارًّا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَجُزْ لَهُ ذَلِكَ لِنَحْوِ إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَامِلَةٍ أَوْ لِنِيَّةِ إقَامَةِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسَمَّى مُقِيمًا لَا وَارِدًا وَلَا مَارًّا فَلَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلْت) عَمَّنْ قَالَ إذَا مِتُّ فَضَيْعَتِي الْفُلَانِيَّةُ وَقْفٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى قَبْرِي وَيُهْدِي ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ إلَيَّ هَلْ يَصِحُّ وَقْفًا وَإِذَا صَحَّ فَكَمْ يَقْرَأُ الْقَارِئُ الْقَارِئُ وَلَوْ ازْدَحِمْ عَلَى الْقِرَاءَةِ اثْنَانِ مَا حُكْمُهُ؟ (فَأَجَبْت) بِأَنَّ ذَلِكَ وَصِيَّةٌ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَرْجِعْ وَخَرَجَتْ تِلْكَ الضَّيْعَةُ مِنْ الثُّلُثِ كَانَتْ وَقْفًا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ إنْ عُرِفَ قَبْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَّا بَعْضُهَا كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ كَذَلِكَ، وَمَنْ قَرَّرَهُ وَصِيٌّ أَوْ نَحْوُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْفِ أَجْزَأَهُ أَنْ يَقْرَأَ مَا اطَّرَدَ بِهِ عُرْفُ بَلَدِ الْمُوصِي فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَمِثْلُهُ الْوَصِيَّةُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ الْمَشْرُوطِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَطَّرِدْ الْعُرْفُ بِشَيْءٍ عُمِلَ بِظَاهِرِ لَفْظِهِ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقِرَاءَةِ
الْقُرْآنِ عَلَى قَبْرِهِ، وَلَوْ مَرَّةً.
وَإِذَا تَزَاحَمَ عَلَى الْقِرَاءَةِ اثْنَانِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا مَنْ قَرَّرَهُ الْوَصِيُّ أَوْ نَحْوُهُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا وَلَهُ تَقْرِيرُ وَاحِدٍ وَمُتَعَدِّدٍ؛ لِأَنَّ مَنْ يَقْرَأُ فِي لَفْظِ الْوَصِيِّ يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَمَا ذَكَرْته مِنْ تَوَقُّفِ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى التَّقْرِيرِ هُوَ الَّذِي يَظْهَرُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّ هَذَا يُبَيِّنُ كَوْنَهُ وَصِيَّةً مَحْضَةً، وَإِلَّا بَطَلَتْ بِالْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ أَنَّهَا تُفِيدُ اسْتِحْقَاقًا بِشَرْطٍ، وَهَذَا يَحْتَاجُ فِي تَنْفِيذِهِ إلَى نَظَرٍ فَتَوَقَّفَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى مَنْ يَرَاهُ النَّاظِرُ أَهْلًا وَيُقَرِّرُهُ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْوَفَاءُ بِمَا شَرَطَهُ الْمُوصِي مِنْ إهْدَاءِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ إلَيْهِ، لَكِنْ لَيْسَ الْمُرَادُ إهْدَاءَ ثَوَابِ الْقَارِئِ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّ ثَوَابَ كُلِّ إنْسَانٍ مُرَتَّبٌ عَلَى عَمَلِهِ فَلَا يَمْلِكُ نَقْلَهُ إلَى غَيْرِهِ حَتَّى لَوْ أَرَادَ مُوصٍ أَوْ وَاقِفٌ بِإِهْدَاءِ الثَّوَابِ بِهَذَا الْمَعْنَى بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ أَوْ الْوَقْفُ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُوجَدَ مَا أَرَادَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ إهْدَاءُ مِثْلِ الثَّوَابِ بِأَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِثْلَ ثَوَابِ مَا قَرَأْته إلَى فُلَانٍ.
(وَسُئِلَ) كَيْفَ الطَّرِيقُ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِي فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّهَ لَهُ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كَانَ آتِيًا بِوَقْفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت كَذَا بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ اهـ.
، وَلَوْ قَالَ: وَقَفْت كَذَا بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي كَانَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُعْلَمُ قَبْرُهُ فَيَتَعَذَّرُ الْإِتْيَانُ بِمَا شَرَطَهُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَك عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ، وَمَعْنَى كَوْنِهِ وَصِيَّةً فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْمَوْقُوفَ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِوَقْفِهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِنْهُ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(سُئِلْت) عَنْ رَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَقِفَ ضَيْعَتَهُ نَاجِزًا وَأَرَادَ أَنَّهُ يَسْتَنْفِعُ بِهَا وَبِغَلَّتِهَا حِينَئِذٍ مُدَّةَ حَيَاتِهِ فَهَلْ مِنْ حِيلَةٍ أَنْ يُؤَجِّرَهَا مِنْ آخَرَ مُدَّةً طَوِيلَةً ثُمَّ يَقِفَهَا؟ (فَأَجَبْت) نَعَمْ ذَلِكَ مِنْ حِيلَةٍ، بَلْ أَحْسَنُهَا؛ لِأَنَّ غَيْرَهَا فِيهَا خِلَافٌ قَوِيٌّ بِخِلَافِ هَذِهِ فَإِنَّا لَمْ نَرَ مَنْ تَعَقَّبَ ابْنَ الصَّلَاحِ فِيهَا بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْحِيَلِ فِي الْوَقْفِ عَلَى النَّفْسِ فَإِنَّهَا مُتَعَقَّبَةٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ وَغَالِبُ الظَّنِّ أَنَّهُ قَصَدَ حِرْمَانَهُنَّ مِنْ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ نَاسًا مِنْ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ عِنْدَ كِبَرِ سِنِّ الْوَاقِفِ وَقُرْبِ أَجَلِهِ فَيَتَضَرَّرُ الْإِنَاثُ بِانْقِطَاعِهِنَّ عَنْ الْمِيرَاثِ، وَبَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَفْتَى بِصِحَّةِ ذَلِكَ فَتَفَضَّلُوا عَلَيْنَا بِبَيَانِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: إنْ صَدَرَ ذَلِكَ الْوَقْفُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ، فَإِنْ أَجَازَهُ الْبَنَاتُ نَفَذَ، وَإِنْ رَدَدْنَهُ بَطَلَ وَإِنْ صَدَرَ فِي صِحَّتِهِ صَحَّ، وَإِنْ قَصَدَ حِرْمَانَ وَرَثَتِهِ صَحَّ وَغَايَةُ ذَلِكَ الْقَصْدِ أَنَّ عَلَيْهِ فِيهِ إثْمًا، وَذَلِكَ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَقْفِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي شَخْصٍ أَوْصَى شَخْصًا أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ مِنْ مَالِهِ الْمَفْسُوحِ لَهُ فِيهِ شَرْعًا مَحَلًّا يَكُونُ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا وَأَنْ يَكُونَ نَاظِرًا عَلَيْهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ لِأَوْلَادِهِ وَعَيَّنَ الْمَالَ فَهَلْ لِلشَّخْصِ أَخْذُ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ مِنْ التَّرِكَةِ وَالشِّرَاءُ بِهِ مَحَلًّا يَجْعَلُهُ رِبَاطًا أَوْ مَسْجِدًا كَمَا أَوْصَى بِهِ؟ فَإِذَا اشْتَرَى وَوَقَفَ بِطَرِيقِ النَّظَرِ عَنْ الْمُوصِي فَمَا الْأَفْضَلُ أَنْ يُسْكِنَ الْقَاطِنِينَ بِبَلَدِ الرِّبَاطِ أَوْ الْأَفَّاقِيَّةِ، وَإِذَا شَرَطَ شُرُوطًا خِلَافَ الْأَصْلَحِ هَلْ يُعْمَلُ بِهَا أَوْ لَا لِكَوْنِ الْوَاقِفِ لَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا أَصْلًا؟
(فَأَجَابَ) أَنَّ الْوَصِيَّةَ فِيهَا بِمَا ذُكِرَ صَحِيحَةٌ فَيَأْخُذُ الْوَصِيُّ الْمَالَ الْمُوصَى بِهِ مِنْ التَّرِكَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ثُمَّ يَشْتَرِي بِهِ مَحَلًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا كَمَا شَرَطَهُ الْمُوصِي ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يُسْكِنَ الرِّبَاطَ الْأَحْوَجَ مِنْ الْمُقِيمِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَالْوَارِدِينَ إلَيْهَا وَلَا يُعْتَدُّ بِشُرُوطِهِ الْمُخَالِفَةِ لِمَا تُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ شَرْعًا وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ بِالْأَوْلَى فَلَا نُطِيلُ بِذِكْرِهِ اهـ.
(وَسُئِلْت) عَمَّا لَوْ قَالَ حَبَسْت مَالِي عَلَى فُلَانٍ فُلَانٌ وَالْعُرْفُ عِنْدَ قَائِلِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَقْفًا عَلَى غَيْرِ فُلَانٍ مِنْ الْوَرَثَةِ وَيُمْنَعَ مِنْهُ فُلَانٌ فَهَلْ يُعْمَلُ بِهَذَا الْعُرْفِ؟ (فَأَجَبْت) لَا يُعْمَلُ بِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعُرْفِ، وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بِصَرِيحِ قَوْلِهِ: حَبَسْت مَالِي عَلَى فُلَانٍ مِنْ أَنَّهُ حَبْسٌ عَلَيْهِ وَيُلْغَى عُرْفُهُ أَنَّهُ حَبَسَهُ عَلَى وَرَثَتِهِ دُونَهُ وَمَأْخَذُ مَا ذَكَرْته الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ، وَهِيَ أَنَّ
الِاصْطِلَاحَ الْخَاصَّ هَلْ يَرْفَعُ الِاصْطِلَاحَ الْعَامَّ؟ وَيُعَبَّرُ عَنْهَا بِأَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ تَغْيِيرُ اللُّغَةِ بِالِاصْطِلَاحِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُصْطَلِحِينَ نَقْلُ اللَّفْظِ عَنْ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ بِالْكُلِّيَّةِ أَوْ بِشَرْطِ بَقَاءِ أَصْلِ الْمَعْنَى وَلَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِأَكْثَرَ مِنْ تَخْصِيصِهِ؟ قَوْلَانِ لِلْأُصُولِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَالْمُخْتَارُ الثَّانِي وَمِنْ فُرُوعِهَا لَوْ اتَّفَقَ الزَّوْجَانِ عَلَى أَلْفٍ وَاصْطَلَحُوا عَلَى أَنْ يُعَبِّرُوا عَنْ أَلْفٍ فِي الْعَلَانِيَةِ بِأَلْفَيْنِ فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ الْأَلْفَيْنِ لِجَرَيَانِ اللَّفْظِ الصَّرِيحِ بِهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْأَلْفُ عَمَلًا بِاصْطِلَاحِهِمَا قَالَ الْإِمَامُ: وَعَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ تَجْرِي الْأَحْكَامُ الْمُتَلَقَّاةُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَلَوْ قَالَ: لِزَوْجَتِهِ إذَا قُلْت: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لَمْ أُرِدْ بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ أُرِيدُ بِهِ طَلْقَةً وَاحِدَةً، فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِذَلِكَ.
وَقِيلَ: يُعْتَبَرُ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَمَّ فِي نَاحِيَةٍ اسْتِعْمَالُ الطَّلَاقِ فِي إرَادَةِ الْخَلَاصِ وَالِانْطِلَاقِ ثُمَّ أَرَادَ الزَّوْجُ حَمْلَ الطَّلَاقِ فِي مُخَاطَبَتِهِ زَوْجَتَهُ عَلَى مَعْنَى التَّخْلِيصِ وَحَلِّ الْوَثَاقِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَالْعُرْفُ إنَّمَا يَعْمَلُ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ بِالْأَوْلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِعُرْفِهِمْ فِي أَنَّ حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ حُبِسَ عَلَى وَرَثَتِهِ دُونَهُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْعُرْفَ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَإِنَّمَا هُوَ خَاصٌّ وَالْعُرْفُ الْخَاصُّ بَلْ الْعَامُّ لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ كَمَا عَلِمْت مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ فَلَوْ عَمِلْنَا بِهِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَغَيَّرْنَا صَرِيحَ قَوْلِهِ: حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ بِالْعُرْفِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَمَا تَقَرَّرَ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَيْضًا قَوْلُ الشَّيْخَيْنِ لَوْ تَعَارَضَ الْعُرْفُ وَالْوَضْعُ، فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَمِيلُ إلَى الْوَضْعِ، وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرَيَانِ اتِّبَاعَ الْعُرْفِ أَيْ: وَالْمُعْتَمَدُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي مَسَائِلَ وَلَا يُعَارِضُهُ مَا وَقَعَ لَهُمَا فِي مَسَائِلَ أُخْرَى مِنْ تَقْدِيمِ الْعُرْفِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا إذَا هُجِرَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَوْ اضْطَرَبَ وَعَمَّ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ وَاطَّرَدَ وَاشْتُهِرَ، فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ الْعُرْفُ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَيْمَانِ وَغَيْرِهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ، وَبِهِ يَزُولُ عَنْك اسْتِشْكَالُ كَثِيرِينَ لِمَا وَقَعَ لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَيْمَان وَغَيْرِهَا مِنْ تَقْدِيمِ اللُّغَةِ تَارَةً وَالْعُرْفِ أُخْرَى، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِوَضْعِ حَبَسْته عَلَى فُلَانٍ وَلَا يُنْظَرُ لِلْعُرْفِ الْمُخَالِفِ لَهُ، وَقَدْ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي الْأَيْمَانِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ اللُّغَةَ إذَا عَمَّ اسْتِعْمَالُهَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ فِي شَيْءٍ قُدِّمَتْ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ، فَإِذَا عَلِمْت تَقْدِيمَهَا حِينَئِذٍ عَلَى الْعُرْفِ الْعَامِّ فَمَا بَالُك بِالْعُرْفِ الْخَاصِّ فَلْتُقَدَّمْ كَمَا فِي مَسْأَلَتِنَا مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلْت) عَمَّا إذَا شَرَطْنَا الْقَبُولَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُعَيَّنِ أَوْ قُلْنَا بِعَدَمِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَرُدَّ فَهَلْ تَصَرُّفُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِمَا يُنَافِي الْوَقْفَ مِنْ غَيْرِ لَفْظِ رَدٍّ رَدٌّ؟ (فَأَجَبْت) مَتَى شَرَطْنَا الْقَبُولَ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِهِ بِالْإِيجَابِ الصَّادِرِ مِنْ الْوَاقِفِ كَالِاتِّصَالِ الْمُشْتَرَطِ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَحِينَئِذٍ فَتَصَرُّفُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبُولِ كَتَصَرُّفِ الْغَاصِبِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِ الْوَاقِفِ فَوَقَعَ تَصَرُّفُهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، وَإِنْ شَرَطْنَا عَدَمَ الرَّدِّ فَلَمْ يَرُدَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ ثَبَتَ لَهُ الِاسْتِحْقَاقُ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ، فَإِذَا تَصَرَّفَ بِغَيْرِ مَا جَعَلَهُ لَهُ الْوَاقِفُ أَثِمَ وَضَمِنَ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ رَدًّا مِنْهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ: رَدَدْت بِأَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي مُنَافَاةِ الْوَقْفِ وَإِبْطَالِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ، وَأَمَّا تَصَرُّفُهُ الْمُنَافِي لِمَا جَعَلَهُ لَهُ فَلَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَلَا مُقْتَضَاهُ لَهُ إذْ كَثِيرًا مَا يَتَصَرَّفُ الْإِنْسَانُ فِي مِلْكِهِ بِمَا لَا يَسُوغُ لَهُ فَأَوْلَى الْوَقْفُ، وَأَيْضًا فَدَلَالَةُ الْفِعْلِ أَضْعَفُ بِالنِّسْبَةِ لِمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ دَلَالَةِ الْقَوْلِ لِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ وَصَرَاحَةِ الثَّانِي فَلَا يُقَاسُ فِعْلُ الْمُنَافِي بِقَوْلِهِ: رَدَدْت؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُنَافِي مُحْتَمِلٌ لِلرَّدِّ احْتِمَالًا ضَعِيفًا، وَقَوْلُهُ: رَدَدْت صَرِيحٌ فِي الْمُنَافَاةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهَا، وَالْفِعْلُ كَمَا يَحْتَمِلُهَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا قُدِّمَ عَلَيْهِ طَمَعًا فِي زِيَادَةِ الِانْتِفَاعِ، وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَأَغْلَبُ فَلَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ مُقْتَضِيًا لِلرَّدِّ بَلْ لَوْ قَصَدَ بِهِ الرَّدَّ لَمْ يَكُنْ رَدًّا أَيْضًا كَمَا هُوَ مُتَّجَهٌ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ مِنْ مَقُولَةِ الْأَحْكَامِ الْمُنَاطَةِ بِاللَّفْظِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْوَقْفِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّذْرِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْفِعْلُ وَحْدَهُ وَلَا مَعَ الْقَصْدِ كَمَا هُوَ شَأْنُ تِلْكَ الْأَحْكَامِ الْمُتَوَقِّفِ حُصُولُهَا عَلَى اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهَا.
(وَسُئِلْت) عَمَّا لَوْ قَالَ فِي وَقْفِهِ أَوْ وَصِيَّتِهِ وَقَفْت أَوْ أَوْصَيْت بِأَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ يُسْرَجُ بِغَلَّتِهَا أَوْ لِلْمِصْبَاحِ فِي
رَمَضَانَ وَلَمْ يَقُلْ لِلْمَسْجِدِ، وَقَرِينَةُ الْحَالِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْجَامِعُ أَوْ غَيْرُهُ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ بِأَنَّهُ يُسْرَجُ إلَى فَرَاغِ الْوِتْرِ بِهِ أَوْ لَمْ يَطَّرِدْ هَلْ يُسْرَجُ مِنْهَا جَمِيعُ اللَّيْلِ؟ (فَأَجَبْت) الَّذِي يُتَّجَهُ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ بِالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ فِيهِ فَإِذَا قَالَ: وَقَفْت أَوْ أَوْصَيْت بِغَلَّةِ أَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ لِيُسْرَجَ بِهَا فِي رَمَضَانَ وَاطَّرَدَ الْعُرْفُ عِنْدَهُمْ بِأَنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ الْإِسْرَاجَ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ حُمِلَتْ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ، وَوَجَبَ الْإِسْرَاجُ فِيهِ ثُمَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ أَنَّ جَمِيعَ غَلَّةِ الْأَرْضِ الْمُوصَى بِهَا تُصْرَفُ فِي السِّرَاجِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ يَعْنِي أَنَّهُ تُؤْخَذُ تِلْكَ الْغَلَّةُ وَتُوَزَّعُ عَلَى جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ وَيُسْرَجُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بِمَا خَصَّهَا، سَوَاءٌ أَكَفَى بَعْضُ اللَّيْلِ أَمْ اسْتَغْرَقَهُ نَعَمْ إنْ خَصَّ كُلَّ لَيْلَةٍ مَا يُسْرَجُ بِهَا جَمِيعَهَا فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ الَّذِي نَزَّلْنَا الْوَقْفَ أَوْ الْوَصِيَّةَ عَلَيْهِ اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ يَنْتَفِعُ بِالسِّرَاجِ، وَإِلَّا لَمْ يُسْرِجْ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يُتَوَقَّعُ مِنْهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ؛ لِأَنَّ إسْرَاجَ مَا عَدَاهُ حَرَامٌ فَلَا تُحْمَلُ الْوَصِيَّةُ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ الْفَاضِلُ هُنَا.
وَفِيمَا لَوْ فَضَلَ عَنْ كِفَايَةِ جَمِيعِ لَيَالِي رَمَضَانَ شَيْءٌ مَحْفُوظًا عِنْدَ الْوَصِيِّ أَوْ النَّاظِرِ إلَى رَمَضَانَ الْقَابِلِ الْقَابِلِ فَإِنْ لَمْ يَخُصَّ لَيَالِيهِ بِالتَّوْزِيعِ مَا يَكْفِي كُلًّا مِنْهَا وَجَبَ الْإِسْرَاجُ بِقَدْرِ مَا يَتَحَصَّلُ، وَلَوْ زَمَنًا يَسِيرًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ لَيْلَةٍ؛ لِأَنَّ قَصْدَ الْمُوصِي أَحْيَاءُ ذَلِكَ الْمَحَلَّ بِالْإِسْرَاجِ فِيهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَحَصَّلْ إلَّا مَا يَكْفِي بَعْضَ اللَّيَالِي فَقَطْ لَزِمَ إسْرَاجُهُ فِي ذَلِكَ الْبَعْضِ.
(وَسُئِلْتُ) عَنْ أَرْضٍ فِيهَا صَدَقَةٌ كُلَّ لَيْلَةٍ مُدُّ فُطُورٍ وَهِيَ بَيْضَاءُ ثُمَّ غَرَسَهَا الْوَلِيُّ نَخْلًا ثُمَّ تَصَدَّقَ بِنَصِيبِهِ صَدَقَةً مُجْزِئَةً فِي نَخْلٍ مَعْلُومٍ مِنْهَا عَلَى جِهَةٍ مَعْلُومَةٍ مَا حُكْمُهُ (فَأَجَبْتُ) الصَّدَقَةُ بِالنَّخْلِ الْمَذْكُورِ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْقَلْعَ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي وَقْفِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ.
وَلِذَلِكَ تَفَارِيعُ مَذْكُورَةٌ فِي بَابَيْ الْعَارِيَّةِ وَالْوَقْفِ لَا يَبْعُدُ مَجِيئُهَا هُنَا حَرْفًا بِحَرْفٍ.
(وَسُئِلَ) عَنْ وَقْفٍ خَرَابٍ أَجَّرَهُ نَاظِرُهُ الشَّرْعِيُّ مُدَّةَ خَمْسِينَ سَنَةً مَثَلًا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِكُلِّ سَنَةٍ مَعْلُومٌ تَفِي بِعِمَارَتِهَا إجَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَإِذَا تَرَتَّبَتْ الْأُجْرَةُ لِذَلِكَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَهَلْ يَتَسَلَّمُهَا النَّاظِرُ وَيَصْرِفُهَا عَلَى عِمَارَةِ الْوَقْفِ شَيْئًا فَشَيْئًا إلَى أَنْ تَكْمُلَ ثُمَّ يَنْتَفِعُ بِهَا الْمُسْتَأْجِرَ أَوْ تُرْصَدُ تَحْتَ يَدِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَيَصْرِفُهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَائِبِهِ إلَى أَنْ تَكْمُلَ فَإِذَا قُلْتُمْ: يَتَسَلَّمُهَا النَّاظِرُ أَوْ الْحَاكِمُ أَوْ تَسْتَمِرُّ تَحْتَ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى مَنْ تَكُونُ الْأُجْرَةُ فِي يَدِهِ عِمَارَةُ الْوَقْفِ وَإِعَادَتُهُ عَلَى مَا كَانَ أَوْ لَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَيُجْبِرُهُ الْمُسْتَحِقُّونَ عَلَى ذَلِكَ لِيَعُودَ نَفْعُهُ عَلَيْهِمْ بَعْد انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ فَإِذَا قُلْتُمْ: لَا يَجِبُ عَلَيْهِ.
وَلَا يُجْبَر فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ صَرْفُ الْأُجْرَةِ كُلِّهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ كَامِلًا أَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا، كُلُّ سَنَةٍ بِحِسَابِهَا؟ فَإِذَا قُلْتُمْ بِلُزُومِ الْعِمَارَةِ عَلَى النَّاظِرِ بَعْدَ قَبْضِ الْأُجْرَةِ كُلِّهَا، وَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَعَمَّرَهَا الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ وَأَعَادَ الْوَقْفَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوَّلًا هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى النَّاظِرِ بِالْأُجْرَةِ الَّتِي قَبَضَهَا مِنْهُ لِكَوْنِهِ أَصْرَفَ ثَانِيًا مِنْ مَالِهِ؟ وَإِذَا زِيدَ فِي الْوَقْفِ زِيَادَةٌ يَسِيرَةٌ كَفَتْحِ بَابٍ آخَرَ مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ وَفَتْحِ كَوَّاتٍ وَشَبَابِيكَ وَإِحْدَاثِ طَهَارَةٍ مَثَلًا هَلْ لَهُ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأُجْرَةِ أَمْ مِنْ مَالٍ تَبَرَّعَ بِهِ الْمُسْتَأْجِرُ أَوْ النَّاظِرُ؟ وَإِذَا عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةِ الْوَقْفِ ثُمَّ انْتَفَعَ بِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا هَلْ لَهُ أَخْذُ الْأَنْقَاضِ وَالْأَخْشَابِ الَّتِي أَحْدَثَهَا إذَا كَانَتْ مُمَيَّزَةً وَيَرُوحُ مَا أَصْرَفَهُ مَجَّانًا أَوْ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى قَابِضِ الْأُجْرَةِ؟ وَإِذَا اخْتَلَطَتْ أَنْقَاضُهُ الْمُسْتَجَدَّةُ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ الْقَدِيمَةِ الْقَدِيمَةِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ مَاذَا يَفْعَلُ الْمُسْتَأْجِرُ هَلْ يَقْبَلُ قَوْلَهُ فِيمَا أَصْرَفَهُ فِي ثَمَنِ أَحْجَارٍ وَأَخْشَابٍ وَأُجْرَةٍ وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى قَابِضِ الْأُجْرَةِ أَمْ لَا؟ وَإِذَا امْتَنَعَ النَّاظِرُ مِنْ الْعِمَارَةِ وَعَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ الْأُجْرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا مِنْ مَالِهِ هَلْ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ حَاكِمٍ فِي ذَلِكَ أَمْ يَكْفِي اسْتِئْجَارُهُ لِذَلِكَ؟ وَمَنْ شَهِدَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَعَ الْقَطْعِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ تَخْتَلِفُ بِالْأَمَاكِنِ وَالزَّمَانِ وَالزَّمَانِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَظْنُونٌ لِكَوْنِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَكَيْفَ يَشْهَدُ بِشَيْءٍ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ؟ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) إذَا صَحَّتْ إجَارَةُ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِوُجُودِ مُسَوِّغِهَا الشَّرْعِيِّ تَوَلَّى النَّاظِرُ قَبْضَ الْأُجْرَةِ جَمِيعَهَا لِيَصْرِفَهَا عَلَى الْعِمَارَةِ إلَى أَنْ تَفْرُغَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الْمُؤَجَّرَ لِمُسْتَأْجِرِهِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ
وَإِذَا تَسَلَّمَ النَّاظِرُ الْأُجْرَةَ لَزِمَهُ أَنْ يُعَمِّرَهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَأَنْ يُعِيدَ الْمَوْقُوفَ الَّذِي يُرِيدُ عِمَارَتَهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَغْيِيرُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ كَجَعْلِ دَارٍ حَمَّامًا وَأَرْضٍ دَارًا، نَعَمْ إنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ الْعَمَلَ بِالْمَصْلَحَةِ عَمَّرَ بِحَسْبِهَا وَقَيَّدَ السُّبْكِيّ جَوَازَ التَّغْيِيرِ بِمَا إذَا كَانَ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ وَكَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ لَهُ وَلَمْ يُزِلْ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بَلْ يَنْقُلُ بَعْضَهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ، وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ صَرْفُ الْغَلَّةِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ كُلَّ سَنَةٍ بِحِسَابِهَا، فَإِنْ عَجَّلَ ضَمِنَ وَمَتَى عَمَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ كَانَ مُتَبَرِّعًا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ.
وَالزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ إنَّمَا تَجُوزُ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عَنْ السُّبْكِيّ بِشُرُوطِهَا الَّتِي ذَكَرْنَاهَا عَنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلِلْمُسْتَأْجِرِ أَخْذُ مَا تَمَيَّزَ مِنْ خَشَبِهِ وَنَقْضِهِ وَلَا رُجُوعَ لَهُ بِمَا أَصْرَفَهُ كَمَا مَرَّ، وَإِذَا تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِخَلْطِ أَنْقَاضِهِ بِأَنْقَاضِ الْوَقْفِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ فَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَمْلِكُ أَنْقَاضَ الْوَقْفِ وَيَلْزَمُهُ بَدَلُهَا مِنْ مِثْلٍ فِي الْمِثْلِيِّ وَقِيمَةٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ، فَإِنْ اخْتَلَطَتْ بِلَا تَعَدٍّ صَارَتْ شَرِكَةً بَيْنَهُمَا، وَمَرَّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَصْرَفَهُ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا عَمَّرَ لِامْتِنَاعِ النَّاظِرِ مِنْ الْعِمَارَةِ، نَعَمْ إنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ عِنْدَ امْتِنَاعِ النَّاظِرِ تَعَدِّيًا رَجَعَ بِمَا أَصْرَفَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي يَرْغَبُ بِهِ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ حَالَ الْإِجَارَةِ فَلَا يُنْظَرُ فِيهَا لِلْمُسْتَقْبِلَاتِ، وَحِينَئِذٍ فَشَهَادَةُ الشُّهُودِ بِأَنَّ أُجْرَةَ مِثْلِ هَذِهِ الْعَيْنِ إذَا أُجِّرَتْ خَمْسِينَ سَنَةً بِكَذَا شَهَادَةٌ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا بِأَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَزْمِنَةِ، وَإِنَّمَا شَهِدُوا بِأَمْرٍ مُنْضَبِطٍ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ وَهُوَ مَا يَرْغَبُ بِهِ فِيهَا حَالَ الْإِجَارَةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ سِنِينَ مُتَعَدِّدَةً بِأُجْرَةٍ مُتَعَيِّنَةٍ وَشَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ حَالَ الْإِجَارَةِ ثُمَّ زَادَتْ الْأُجْرَةُ زِيَادَةً كَثِيرَةً لَمْ يُلْتَفَتْ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ وَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ بِذَلِكَ الْقَدْرِ إلَّا مَا نَقَصَ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ عِنْدَ الِاسْتِئْجَارِ لَا بِمَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى مِرْحَاضٍ وَمَخْزَنَيْنِ وَسَرْحٍ يَنْتَفِعُ بِهِ أَهْلُ الْمَخْزَنَيْنِ لِكَوْنِهِ حَرِيمًا لَهُمَا بَلْ يَتَوَقَّفُ نَفْعُهُمَا عَلَيْهِ فَأَجَّرَ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ نَاظِرُهَا بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مُدَّةَ مِائَةِ سَنَةٍ وَحَكَمَ بِذَلِكَ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ يَرَاهُ فَهَدَمَ الْمُسْتَأْجِرُ الْمَخْزَنَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَالْمِرْحَاضَ وَأَعَادَ بَدَلَهُمَا اثْنَيْنِ دُونَهُمَا وَزَادَ فِي السَّرْحِ الْمَذْكُورِ نَحْوَ سِتَّةِ مَخَازِينَ أُخْرَى وَبَنَى فَوْقَ عُلُوِّ ذَلِكَ مِثْلَهُ فِي الْعَدَدِ وَالْقَدْرِ فَأَخْرَجَ الدَّارَ الْمَذْكُورَةَ عَنْ وَضْعِهَا وَاسْمِهَا بِحَيْثُ صَارَتْ الْآنَ تُسَمَّى رِبَاطًا لَا دَارًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ هَدْمُ مَا بَنَاهُ وَأَرْشُ مَا هَدَمَهُ مِنْ أَعْيَانِ الْوَقْفِ وَقِيمَةُ الْأَعْيَانِ الْمَوْقُوفَةِ الَّتِي أَتْلَفَهَا بِالْهَدْمِ وَالتَّعْزِيرُ عَلَى تَعَدِّيهِ فِي الْوَقْفِ وَتَغْيِيرِ مَعَالِمِهِ وَرُسُومِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُغَيِّرَ الْوَقْفَ عَنْ هَيْئَتِهِ فَلَا تُجْعَلُ الدَّارُ بُسْتَانًا وَلَا حَمَّامًا وَلَا بِالْعَكْسِ.
إلَّا إذَا جَعَلَ الْوَاقِفُ لِلنَّاظِرِ مَا يَرَى فِيهِ مَصْلَحَةَ الْوَقْفِ وَرَأَى النَّاظِرُ التَّغْيِيرَ مَصْلَحَةً فَيَجُوزُ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ قَالَ الْقَفَّالُ: وَيَجُوزُ جَعْلُ حَانُوتِ الْقَصَّارِينَ لِلْخَبَّازِينَ قَالَ الشَّيْخَانِ: فَكَأَنَّهُ احْتَمَلَ تَغْيِيرَ النَّوْعِ دُونَ الْجِنْسِ.
وَإِذَا خَرِبَ الْبِنَاءُ الْمَوْقُوفُ بِفِعْلِ ظَالِمٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ آلَاتُهُ أُخِذَ مِنْهُ غُرْمُهَا وَأُعِيدَ بِهِ مِثْلُ الْبِنَاءِ الْمَوْقُوفِ وَوَقَفَ، وَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ أُخِذَ مِنْهُ الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهَا قَائِمَةً وَمَقْلُوعَةً وَأُعِيدَ بِهِ الْمَقْلُوعُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَهَدْمُ الْمُسْتَأْجِرِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَيُعَزَّرُ عَلَيْهِ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ الزَّاجِرَ لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَنْ التَّعَدِّي عَلَى أَمْوَالِ النَّاسِ وَحُقُوقِهِمْ وَعَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْجَرَاءَةِ الْعَظِيمَةِ وَإِعَادَتِهِ لِتِلْكَ الْأَبْنِيَةِ الَّتِي أَخْرَجَ بِهَا الدَّارَ الْمَوْقُوفَةَ عَنْ اسْمِهَا إلَى جِنْسٍ آخَرَ لَا يَرْفَعُ تَعَدِّيَهُ الْمَذْكُورَ، بَلْ يَلْزَمُ النَّاظِرَ رَفْعُهُ إلَى الْحَاكِمِ الشَّرْعِيِّ لِيُعَزِّرَهُ التَّعْزِيرَ الْبَلِيغَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ يُلْزِمَهُ بِهَدْمِ مَا بِنَاهُ فِي الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ نَقْصُ الْبِنَاءِ الْمَوْقُوفِ الَّذِي هَدَمَهُ مَوْجُودًا لَزِمَهُ الْأَرْشُ السَّابِقُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتْلَفَهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ ثُمَّ يَلْزَمُ النَّاظِرَ أَنْ يُعِيدَ تِلْكَ الدَّارَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَإِدَامَةً لِمَا قَصَدَهُ مِنْ دَوَامِ الْقُرْبَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ مَثَلًا فَإِذَا أَجَّرَهُ النَّاظِرُ عَشْرَ سِنِينَ فِي عَشَرِ عُقُودٍ كُلَّ سَنَةٍ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَهَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِهِ عِمَادُ الرِّضَا فِي بَيَانِ أَدَبِ الْقَضَا أَمْ لَا يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَأَفْتَى غَيْرُهُ بِالصِّحَّةِ نَظَرًا لِلَّفْظِ تَبَعًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا؟ .
وَقَالَ: وَهُوَ أَفْقَهُ لَكِنَّ الْمُعْتَمَدَ الْأَوَّلُ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِالْجَوَازِ تَبَعًا لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا، سَوَاءٌ كَانَ الْوَقْفُ عَامِرًا أَمْ خَرَابًا أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ الِامْتِنَاعِ نُظِرَ فِيهِ إلَى الْمَعْنَى فَإِنَّهُ عَلَّلَهُ بِأَنَّ الْمُدَّتَيْنِ الْمُتَّصِلَتَيْنِ فِي عَقْدٍ فِي مَعْنَى الْعَقْدِ الْوَاحِدِ فَيُخَالِفُ شَرْطَ الْوَاقِفِ قَالَ صَاحِبُ الْإِسْعَادِ فِي بَعْضِ نُسَخِهِ وَمَا أَفْتَى بِهِ مُتَّجَهٌ جِدًّا اهـ. وَإِنَّمَا يَتِمُّ اتِّجَاهُهُ عِنْد النَّظَر لِلْمَعْنَى كَمَا قَرَرْته لَكِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ كَلَامهمْ وَتَفَارِيعهمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ فِي الْغَالِب يُرَجِّحُونَ مَا كَانَ أَقْرَب إلَى لَفْظ الْوَاقِف مِمَّا هُوَ أَقْرَب إلَى غَرَضه دُون لَفْظه؛ وَلِهَذَا يَظْهَر تَرْجِيح الْجَوَاز.
وَمِنْ ثَمَّ جَرَى عَلَيْهِ ابْن الْأُسْتَاذ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْأَنْوَار وَتَبِعَهُمَا شَيْخنَا شَيْخ الْإِسْلَام زَكَرِيَّا سَقَى اللَّه عَهْده وَغَيْره فَانْدَفَعَ قَوْل مَنْ قَالَ: الْمُعْتَمَد مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ وَوَجْه انْدِفَاعه مَا قَرَّرْته مِنْ أَنَّ الْجَوَاز أَقْرَبُ إلَى كَلَام الْأَئِمَّة وَلِذَلِكَ اعْتَمَدَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَخَالَفُوا ابْنَ الصَّلَاحِ وَلَمْ يُبَالُوا بِذَلِكَ وَلَا يَجُوز لِحَاكِمٍ نَقْضُ حُكْم غَيْره بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهُ الْمُعْتَمَد كَمَا عَلِمْت وَمَحَلّ الْخِلَاف حَيْثُ لَمْ يَشْتَرِط الْوَاقِف أَنْ لَا يَدْخُلَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ، وَإِلَّا بَطَلَ الْعَقْدُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ اتِّفَاقًا؛ لِاسْتِلْزَامِ الْقَوْل بِصِحَّتِهِ مُخَالَفَةَ تَصْرِيحَ الْوَاقِف بِامْتِنَاعِهِ مِنْ غَيْر ضَرُورَة دَاعِيَةٍ لِذَلِكَ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْوَقْف عَامِر، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَته سُئِلَ بَعْض الْمُفْتِينَ مِنْ أَكَابِر الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ امْرَأَة مَاتَتْ وَخَلَّفَتْ وَرَثَة مِنْهُمْ أَخٌ وَبِنْت وَكَانَتْ أَقَرَّتْ فِي صِحَّتهَا لِلْأَخِ أَنَّهَا وَقَفَتْ مَالهَا عَلَى الْبِنْت فَأَخْبَرَ الْأَخ الْوَرَثَة بِمَا أَقَرَّتْ بِهِ فَهَلْ يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ حَيْثُ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ صِدْقَهُ؟ وَحَيْثُ قُلْتُمْ: لَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ فَمَا يَكُونُ الْحُكْم فِي نُصِيب الْأَخ الْمَذْكُور
فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ: لَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ وَنَصِيب الْأَخِ الَّذِي أَقَرَّتْ لَهُ بِذَلِكَ تَسْتَحِقّهُ الْبِنْتُ الْمَذْكُورَة وَبَقِيَّة ذَلِكَ يَكُونُ لِبَقِيَّةِ وَرَثَة الْمُقِرّ وَاَللَّه أَعْلَم اهـ.
جَوَابه فَهَلْ هَذَا جَوَاب صَحِيحٌ مُعْتَمَد، وَحَيْثُ قُلْتُمْ نَعَمْ فَإِذَا أَخْبَرَ شَخْص أَنَّ فُلَانًا وَقَفَ هَذِهِ الْعَيْنَ عَلَى أَوْلَاده وَغَلَبَ عَلَى الظَّنّ صِدْقُهُ فَهَلْ هِيَ كَالْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَة فَلَا يَثْبُت الْوَقْف بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ ، فَإِنْ قُلْتُمْ: لَا فَمَا الْفَرْق؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْجَوَاب عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَة حَاصِله أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُت بِمَا ذَكَره الْأَخ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِ.
وَيَثْبُت بِالنِّسْبَةِ لِنَفْسِهِ فَتَسْتَحِقّ الْبِنْت نَصِيبه؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهَا بِهِ وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَقِيَّة الْوَرَثَة كَمَا ذَكَره الْمُفْتِي الْمَذْكُور، وَمَنْ أَخْبَرَ بِوَقْفٍ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ: إلَّا عَلَى مَنْ صَدَّقَهُ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَقْفٍ هَذِهِ صُورَته هَذَا مَا وَقَفَهُ وَحَبَسَهُ وَسَبَّلَهُ وَأَبَّدَهُ وَحَرَّمَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَكِينَةَ عَلَى أَوْلَادِهِ الْمَوْجُودِينَ حَالَ هَذَا الْوَقْف وَهُمْ مُحَمَّد وَخَدِيجَة وَرَابِعَة وَأُمّ الْكَامِل وَفَاطِمَة وَحَفْصَة وَعَلَى مَنْ يُحَدِّثُهُ اللَّهُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَاد غَيْرهمْ فِي أَيَّام حَيَاته ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَقَفَ أَبُو الْفَتْحِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُور عَلَى أَوْلَاده الْمَذْكُورِينَ جَمِيعَ مَا ذَكَره فِي كِتَابِ وَقْفِهِ إلَى أَنْ قَالَ: وَقَفَ أَبُو الْفَتْحِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَذْكُورُ جَمِيعَ مَا ذَكَر مِنْ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَة بِمَرَافِقِهَا وَجَمِيع سُقْيَتِهَا مِنْ آبَارهَا الْمَعْرُوفَة بِهَا وَالدَّاخِلَة فِي حُكْم ذَلِكَ الْوَقْف وَمِنْهُ جَمِيعُ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَرَاضِي الْمَذْكُورَة مِنْ الْأَشْجَار عَلَى أَوْلَاده الْمَذْكُورِينَ أَعْلَاهُ الْمَوْجُودِينَ حَالَ الْوَقْفِيَّةِ، وَقَفَ وَحَبَسَ وَسَبَّلَ وَحَرَّمَ وَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْكِتَاب مِنْ خَالِص وَمُشَاع وَقْفًا مُؤَبَّدًا وَحَبْسًا مُحَرَّمًا مُؤَكَّدًا وَصَدَقَةً بَتَّةً بَتَلَةً عَلَى أَوْلَاده الْمَوْجُودِينَ وَعَلَى مَنْ يُحْدِثُهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ غَيْرَهُمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ مِثْل حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَعَلَى أَوْلَاد أَوْلَاده الذُّكُور دُون الْإِنَاث فَلَيْسَ لِأَوْلَادِهِنَّ حَظّ وَلَا نَصِيب فِي هَذِهِ الصَّدَقَة
لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ لَاحِقِينَ بِنِسْبَةِ هَذَا الْمُتَصَدِّق ثُمَّ عَلَى أَوْلَاد أَوْلَاد أَوْلَاده أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَدَائِمًا مَا تَعَاقَبُوا بَطْنًا بَعْد بَطْن وَعَقِبًا بَعْد عَقِبٍ كُلّ طَبَقَة مِنْهُمْ تُشْرِكُ الطَّبَقَة الْأُخْرَى فَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي هَذَا الْمُتَصَدِّق وَبَنِي بَنِيهِ وَلَهُ بَنُونَ عَادَ نَصِيبُهُ وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ هَذِهِ الصَّدَقَة عَلَى أَوْلَاده لِلذَّكَرِ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْم، وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَاد هَذَا الْمُتَصَدِّق وَلَيْسَ لَهُ بَنُونَ عَادَ نَصِيبُهُ إلَى إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الَّذِينَ هُمْ فِي دَرَجَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا مَا عَدَا أَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ غَيْرِ مَنْ يُنْسَبُ وَيَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ فَإِنَّهُ لَا حَظَّ لَهُ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلَا نَصِيبَ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِالنَّسَبِ الْمَذْكُورِ كَانَ لَهُ فِيهَا الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادُ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ عَادَتْ مَنَافِعُ هَذَا الْوَقْفِ إلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْ نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ وَعَقِبِ عَقِبِهِ وَأَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ مَا تَنَاسَلُوا وَتَعَاقَبُوا إلَّا أَوْلَادَ الْبَنَاتِ فَلَيْسَ لَهُمْ دُخُولٌ فِي هَذَا الْوَقْفِ إذْ كَانُوا مِنْ غَيْرِ نَسْلِهِ، فَإِذَا انْقَرَضُوا، وَإِنْ بَعُدُوا وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَادَتْ الصَّدَقَةُ جَارِيَةً إلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ إلَى الْأَقْرَبِ مِنْ ذَوَى مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ثَمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثَمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ يَجْرِي الْحَالُ بَيْنهمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَلَى الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ مَا تَنَاسَلُوا دَائِمًا وَتَعَاقَبُوا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ فَإِذَا انْقَرَضَ مَنْ يُنْسَبُ وَيَنْتَمِي إلَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَادَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ جَارِيَةً عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَمَسَاكِينِهِمْ وَذَوِي الْحَاجَةِ مِنْهُمْ.
يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي هَذَا الْوَقْفِ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاث ثُمَّ الرَّشِيدُ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ الرَّشِيدُ مِنْ ذَوِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهَ ثُمَّ إذَا صَارَ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ يَتَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ يُوَلِّي النَّظَرَ فِيهِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْعُدُولِ لِيَنْظُرَ فِيهِ عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ إلَى أَنْ قَالَ: لَا يُبَاعُ وَلَا يُرْهَنُ وَلَا يُؤَجَّرُ وَلَا يُنَاقَلُ بِهِ وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُتْلَفُ بِوَجْهِ تَلَفِ قَائِمَةٍ عَلَى أُصُولِهَا مَحْفُوظَةٍ عَلَى شُرُوطِهَا مُسَبَّلَةٍ عَلَى سُبُلِهَا أَبَدَ الْآبِدِينَ وَدَهْرَ الدَّاهِرِينَ إلَى أَنْ يَرِثَ اللَّهُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا، وَهُوَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ أَوَّلًا مَا حُكْمُهُ؟ هَلْ هُوَ عَلَى الذُّرِّيَّةِ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثَمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِنْ بَعْضِ كَلَامِهِ أَوْ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بِشَرْطِهِ؟ وَثَانِيًا مَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: عَدَا أَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ غَيْرِ مَنْ يُنْسَبُ وَيَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ فَلَا حَظَّ لَهُمْ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ وَلَا نَصِيبَ، وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِالنَّسَبِ الْمَذْكُورِ كَانَ لَهُمْ فِيهَا الْحَظُّ وَالنَّصِيبُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ ثُمَّ إنَّ أَوْلَادَ الْوَاقِفِ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ لَا ذُكُورٌ وَلَا إنَاثٌ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَوْلَادُ بَنَاتِ الْوَاقِفِ، وَبَعْضُهُمْ أَوْلَادُ ابْنِ أَخِ الْوَاقِفِ شَقِيقِهِ.
وَبَعْضُهُمْ أَوْلَادُ أَخِيهِ لِأُمِّهِ ابْن عَمّه لَكِنْ فِي بَنِي عَمَّ الْوَاقِف أَقْرَب مِنْهُمْ لِأَبِيهِ وَأُمّه، وَإِلَّا أَوْلَادَ أَخِ الْوَاقِفِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ هَذِهِ الْوَقْفِيَّةَ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ أَوْ أَوْلَادُ أَخِ الْوَاقِفِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ الَّذِينَ هُمْ عَصَبَةُ الْوَاقِفِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ النَّاسِ فَإِنَّ الْكُلَّ عَصَبَةٌ لَكِنَّ الْأَشِقَّاءَ أَقْرَبُ، وَإِذَا قُلْتُمْ: إنَّهُ لِأَوْلَادِ الْبَنَاتِ وَأَنَّهُمْ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِفِ بِالنَّسَبِ الْمَذْكُورِ، فَمَا الْوَجْهُ الْمَشْرُوحُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الْوَاقِفُ بِقَوْلِهِ: عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ؟ وَهَلْ يَدْخُلُ هَذَا الْوَقْفُ إجَارَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ وُجُوهِ الْبَيْعِ أَوْ الْهِبَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟ أَمْ لَا وَهَلْ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الْمُسْتَحَقِّينَ رَشِيدٌ يَنْتَقِلُ النَّظَرُ لِلرَّشِيدِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ: الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ أَنَّ وَقْفَهُ هَذَا يَكُونُ وَقْفًا عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مُطْلَقًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فِي الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا إلَخْ، وَأَنَّهُ لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَوْلَادِ الْبَنَاتِ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِمْ أَوْلَادَ بَنَاتٍ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُنْسَبُونَ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا يُنْسَبُونَ إلَى آبَائِهِمْ، فَإِنْ نُسِبَتْ آبَاؤُهُمْ إلَيْهِ اسْتَحَقُّوا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ بِالشَّرْطِ الْمَعْلُومِ مِمَّا يَأْتِي، وَقَوْلُهُ: لِكَوْنِهِمْ غَيْرَ لَاحِقِينَ بِنَسَبِ هَذَا الْمُتَصَدِّقِ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ وَقْفُ تَشْرِيكٍ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ فِيهِ بِالْوَاوِ بِخِلَافِ أَوْلَادِ أَوْلَادِ الْأَوْلَاد فَإِنَّهُ عَلَيْهِمْ وَقْفُ تَرْتِيبٍ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ فِيهِ بِثُمَّ فَلَا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ
شَيْئًا إلَّا إنْ فُقِدَتْ الْأَوْلَاد وَأَوْلَادهمْ، فَإِنْ قُلْتَ: يُنَافِي هَذَا قَوْله كُلّ طَبَقَة مِنْهُمْ تُشْرِك الطَّبَقَة الْأُخْرَى قُلْتُ: لَا مُنَافَاة؛ لِأَنَّ عَطْفَ أَوْلَاد الْأَوْلَاد بِالْوَاوِ، وَمَنْ بَعْدهمْ بِثُمَّ صَرِيح فِي التَّرْتِيب، وَقَوْله كُلّ لَيْسَ صَرِيحًا فِي عَوْده لِجَمِيعِ الْبُطُون فَوَجَبَ حَمْله عَلَى أَنَّهُ عَائِد لِلْبُطُونِ الْمَذْكُورَة بَعْدَ ثُمَّ الْمُسْتَفَادَة مَنْ قَوْله: أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا إلَخْ، نَعَمْ يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْبَطْن الرَّابِعَة فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقّ شَيْئًا إلَّا إنْ فُقِدَتْ الْبَطْن الثَّالِثَة كَمَا يُفِيدهُ صَرِيحُ قَوْله: فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَاد الْوَاقِف الْمَذْكُور إلَخْ، وَدَلِيل ذَلِكَ الْقَاعِدَة الَّتِي أَسْتَنْبِطُهَا مَنْ كَلَامهمْ، وَهُوَ أَنَّ الْمُوَثِّق إذَا وَقَعَ مِنْهُ عِبَارَتَانِ مُتَنَافِيَتَانِ، فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْع بَيْنهمَا بِحَمْلِ كُلّ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ كَمَا هُنَا وَجَبَ الْمَصِير إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِن ذَلِكَ، فَإِنْ اعْتَضَدَتْ أَحَدُهُمَا بِقَرِينَةٍ عُمِلَ بِهَا وَطُرِحَتْ الْأُخْرَى، وَإِنْ لَمْ تَعْتَضِدْ وَاحِدَةٌ بِشَيْءِ تَعَارَضَتَا فَتَسَاقَطَتَا.
وَقَدْ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِنَحْوِ ذَلِكَ حَيْثُ أَلْغَى عِبَارَة بَعْض الْمُوَثَّقِينَ وَحَكَمَ عَلَيْهَا بِالسَّهْوِ وَالْغَلَط أَخْذًا مَنْ قَرَائِن فِي كَلَام ذَلِكَ الْمُوَثِّق، وَأَنْ مَحَلّ التَّشْرِيك فِي الْبَطْنَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَفِيمَا بَعْده الْبَطْن الثَّالِث وَالتَّرْتِيب بَيْن الْأَوَّلَيْنِ وَالثَّالِثَةِ وَبَيْنَ الثَّالِثَة وَمَا بَعْدهَا مَا إذَا مَاتَ أَحَد الْبُطُون عَنْ غَيْر وَلَد وَلَا أَخ أَمَّا إذَا مَاتَ أَحَد مَنْ بَنِي الْوَاقِف أَوْ بَنِي بَنِيهِ عَنْ وَلَد فَيَعُود نُصِيبهُ إلَى إخْوَته وَأَخَوَاته الْمُسَاوِينَ لَهُ فِي الدَّرَجَة، فَإِنْ فُقِدُوا فَلِأَوْلَادِهِمْ ثَمَّ أَوْلَاد أَوْلَادهمْ وَهَكَذَا مَا عَدَا أَوْلَاد الْبَنَات.
وَكَذَا يُقَال: فِيمَنْ مَاتَ عَنْ وَلَد أَخْذًا مَنْ قَوْلهمْ إنَّ الضَّمِير كَالصِّفَةِ فَيَرْجِع إلَى جَمِيع مَا قَبْله مِمَّا يَصِحّ رُجُوعه إلَيْهِ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ قَوْلَهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادهمْ إلَخْ وَاقِع بَعْد قَوْله: فَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي هَذَا الْمُتَصَدِّق بِقِسْمَيْهِ فَيَرْجِع إلَيْهِمَا، وَمَنْ أَخَذَ نَصِيب وَالِده أَوْ أُخْته يُشَارِك الْبَاقِينَ أَيْضًا كَمَا صَرَّحُوا بِهِ، ذِكْرهمْ حَيْثُ قَالُوا لَوْ عَطَفَ بِالْوَاوِ ثَمَّ قَالَ: مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ فَنَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ فَمَاتَ أَحَدهمْ اخْتَصَّ وَلَده بِنَصِيبِهِ وَشَارَكَ الْبَاقِينَ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّ الضَّمِير فِي قَوْلِهِ: " ثُمَّ " عَلَى أَوْلَادهمْ. . . إلَخْ عَائِد إلَى الْأَوْلَاد فِي الصُّورَة الْأَوْلَى وَإِلَى الْإِخْوَة فِي الصُّورَة الثَّانِيَة، وَأَنْ قَوْله: فَمَنْ مَاتَ، الْأَوَّل خَاصّ بِالْبَنِينَ وَبَنِيهِمْ، وَالثَّانِي خَاصّ بِالْأَوْلَادِ فَقَطْ أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِ فَإِنَّهُ قَالَ أَوَّلًا: فَمَنْ مَاتَ مِنْ بَنِي هَذَا الْمُتَصَدِّق وَبَنِي بَنِيهِ.
وَقَالَ فِي الثَّانِي: وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَوْلَاد هَذَا الْمُتَصَدِّق فَأَفْهَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْم أَعْنِي الِانْتِقَال فِي الْأَوْلَى لِلْأَوْلَادِ ثُمَّ أَوْلَادهمْ وَهَكَذَا خَاصّ بِالطَّبَقَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا فَلَا يَدْخُل فِي ذَلِكَ غَيْرهمَا، وَالِانْتِقَال فِي الثَّانِيَة لِلْإِخْوَةِ ثُمَّ أَوْلَادهمْ، وَهَكَذَا خَاصّ بِالطَّبَقَةِ الْأَوْلَى فَلَا يَجْرِي فِيمَا عَدَاهَا لِاقْتِصَارِهِ عَلَيْهَا إذْ الطَّبَقَةُ الثَّانِيَة، وَمَنْ بَعْدهَا لَا يَجْرِي فِيهَا الِانْتِقَال لِلْإِخْوَةِ ثَمَّ بَنِيهِمْ عَلَى التَّرْتِيب وَالطَّبَقَة الثَّالِثَة، وَمَنْ بَعْدهَا لَا يَجْرِي فِيهِمْ الِانْتِقَال لِلْأَوْلَادِ ثَمَّ أَوْلَادهمْ عَلَى التَّرْتِيب اقْتِصَارًا عَلَى إفَادَة لَفْظ الْوَاقِف الْمَذْكُور، وَالْوَجْه الْمَشْرُوح فِي كَلَامه هُوَ مَا تَقَرَّرَ مَنْ التَّشْرِيك وَالتَّرْتِيب وَغَيْرهمَا مِمَّا ذَكَرْنَا عَلَى أَنْ قَوْله، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَنْتَمِي إلَى هَذَا الْوَاقِف بِالنَّسَبِ الْمَذْكُور كَانَ لَهُ فِيهَا الْحَظّ وَالنَّصِيب عَلَى الْوَجْه الْمَشْرُوح لَا حَاجَة إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُوم مِمَّا قَبْله، وَإِنَّمَا هُوَ لِمَزِيدِ الْإِيضَاح وَالتَّوْكِيد وَأَفْهَم قَوْله: فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَاد الْوَاقِف الْمَذْكُور الذُّكُور إلَخْ أَنَّهُ يَعُود لِمَنْ بَعْد الْبُطُون الثَّلَاثَة عَلَى التَّشْرِيك بَيْنهمْ، وَإِنْ تَعَدَّدَتْ طَبَقَاتهمْ وَقَوْله: فَإِذَا انْقَرَضُوا، وَإِنْ بَعُدُوا عَادَتْ هَذِهِ الصَّدَقَة جَارِيَة إلَى الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مَنْ ذَوِي ابْن مَكِينَةَ إلَخْ صَرِيح فِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ أَوْلَاده وَأَوْلَادهمْ أَحَد عَادَ الْوَقْف إلَى أَخِيهِ، سَوَاء كَانَ شَقِيقًا أَمْ لِأَبٍ لَا لِأَوْلَادِ بَنَاته، سَوَاء أَكَانُوا أَوْلَاد ابْن أَخِيهِ شَقِيقه أَوْ أَوْلَاد أَخِيهِ لِأُمِّهِ ابْن عَمّه؛ لِأَنَّ أَخَاهُ شَقِيقَهُ أَوْ لِأَبِيهِ أَقْرَبُ مَنْ هَؤُلَاءِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ جَمِيعُ الْوَقْفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَخٌ عَادَ لِأَوْلَادِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ ثُمَّ لِأَوْلَادِ ابْنِ أَخِيهِ لِأَبِيهِ، وَهَكَذَا يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ مِنْهُمْ فَالْأَقْرَبُ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى كَوْنِ أَحَدِهِمْ ابْنَ بِنْتِ الْوَاقِفِ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِهَذِهِ النِّسْبَةِ بِمَا قَدَّمَهُ فِي كَلَامِهِ. الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَقَوْلُهُ: ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ إلَخْ رَاجِعٌ إلَى الْأَقْرَبِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ مِنْ ذَوِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: يَجْرِي الْحَالُ بَيْنَهُمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَلَى الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ أَيْ: فِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَهَكَذَا عَلَى النَّحْوِ الَّذِي
ذَكَرْته مُفَصَّلًا فَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ يَأْتِي نَظِيرُهُ هُنَا.
وَصَرِيحُ قَوْلِهِ وَلَا يُؤَجَّرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إجَارَةُ هَذَا الْوَقْفِ مُطْلَقًا ثُمَّ إنْ اسْتَحَقَّهُ وَاحِدٌ فَوَاضِحٌ أَوْ جَمْعٌ تَهَايَئُوا وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِلتَّرْتِيبِ وَتَجُوزُ لَهُمْ إعَارَتَهُ وَإِبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ لِأَنَّ شَرْطَ عَدَمِ الْإِيجَارِ لَا يَقْتَضِي مَنْعَ الْإِعَارَةِ وَالْإِبَاحَةِ نَعَمْ لَوْ خَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِإِيجَارِهِ فَلَا يَبْعُدُ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا إذَا شَرَطَ أَنْ لَا يُؤَجَّرَ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَلَا يُورَدَ عَقْدٌ عَلَى عَقْدٍ فَخَرِبَ وَلَمْ يُمْكِنْ عِمَارَتُهُ إلَّا بِإِيجَارِهِ سِنِينَ جَوَازُ الْإِجَارَةِ هُنَا بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَا يَدْخُلُ هَذَا الْوَقْفَ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ الْأَوْقَافِ شَيْءٌ مِنْ وُجُوهِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْوَاقِفُ عَدَمَ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَشْرِطْهُ وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ ذَكَرٌ بَالِغٌ رَشِيدٌ انْتَقَلَ النَّظَرُ فِيهِ لِلرَّشِيدِ مِنْ ذَوِي ابْنِ مَكِينَةَ ثُمَّ ذَوِي مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ وَلَا فَرْقَ فِيمَنْ انْتَقَلَ النَّظَرُ إلَيْهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ لَهُ اسْتِحْقَاق فِي الْوَقْف أَوْ لَا إذْ لَا تَلَازُمَ بَيْنَ النَّظَرِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) سُؤَالًا صُورَتُهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَقْفَ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ وَكَانَ النَّاظِرُ اسْتَلَمَ رِيعَهُ سِنِينَ كَثِيرَةً وَأَصْرَفَهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَفِي جِهَاتِهِ فَعَلَى مِنْ يَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ النَّاظِرِ أَوَّلًا ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاظِرُ عَلَى مَنْ اسْتَلَمَ مِنْهُ مِنْ الْمُسْتَحِقِّينَ وَإِذَا كَانَ أَصْرَفَهَا النَّاظِرُ فِي تَسْبِيلِ مَاءٍ أَوْ صَدَقَةٍ كَطَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى الْوَاقِفِ لِكَوْنِهِ غَرَّهُ فِي ذَلِكَ وَوَرَّطَهُ فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا وَقَفَ إنْسَانٌ شَيْئًا فَصَرَفَهُ النَّاظِرُ عَلَى مَا شَرَطَهُ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ لِلْغَيْرِ فَالْوَاقِفُ غَاصِبٌ إنْ عَلِمَ تَعَدِّيَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْغَاصِبِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ كُلَّ يَدٍ تَرَتَّبَتْ عَلَى يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ فِي مَعْنَاهُ فَهِيَ يَدُ ضَمَانِ يَتَخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ مُطَالَبَةِ نَحْوِ الْغَاصِبِ وَالْآخِذِ مِنْهُ بِرَدِّ الْمَوْجُودِ.
وَضَمَانِ التَّالِف وَإِنْ جَهِلَ الثَّانِي تَعَدِّي الْأَوَّلِ ثُمَّ إذَا جَهِلَ الْآخِذ فَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ مَوْضُوعَةً لِلضَّمَانِ كَعَارِيَّةٍ وَسَوْمٍ وَهِبَةٍ وَبَيْعٍ فَقَرَارُ ضَمَانِ الرَّقَبَةِ وَالتَّعَيُّبِ وَالْمَنَافِعِ الْمُسْتَوْفَاةِ عَلَى الثَّانِي وَالْمَنَافِعِ الْفَائِتَةِ عَلَى الْأَوَّلِ فَإِنْ نَقَصَ بِنَاؤُهُ وَغِرَاسُهُ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِالْأَرْشِ لَا بِمَا أَنْفَقَ وَإِنْ كَانَتْ مَوْضُوعَةً لِلْأَمَانَةِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالتَّوْكِيلِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَالتَّزْوِيجِ اسْتَقَرَّ ضَمَانُ الرَّقَبَةِ وَالتَّعَيُّبِ وَالْمَنَافِع الْفَائِتَةِ عَلَى الْأَوَّلِ وَالْمُفَوَّتَةِ عَلَى الثَّانِي إلَّا فِي الْإِجَارَةِ تَسْتَقِرُّ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ سَوَاءٌ أَفَوَّتَ الْمَنْفَعَةَ أَمْ فَاتَتْ فِي يَدِهِ وَلَوْ أَتْلَفَ الْقَابِضُ مِنْ نَحْوِ الْغَاصِبِ أَوْ عِيبَ فَالْقَرَارُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَتْلَفَهُ مُسْتَقِلًّا أَمْ حَمَلَهُ الْغَاصِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ طَعَامًا فَقَدَّمَهُ إلَيْهِ فَأَكَلَهُ وَلَوْ جَاهِلًا نَعَمْ لَوْ غَصَبَ شَاةً وَأَمَرَ قَصَّابًا بِذَبْحِهَا فَذَبَحَهَا جَاهِلًا بِالْحَالِ فَقَرَارُ النَّقْصِ عَلَى الْغَاصِبِ كَمَا لَوْ غَصَبَ ثَوْبًا وَأَمَرَ خَيَّاطًا بِقَطْعِهِ فَقَطَعَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ وَلَوْ أَمَرَ الْغَاصِبُ إنْسَانًا بِإِتْلَافِ الْمَغْصُوبِ بِنَحْوِ قَتْلٍ أَوْ إحْرَاق فَفَعَلَهُ جَاهِلًا بِالْحَالِ فَالْقَرَار عَلَى الْمُتْلِفِ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَوْفَى شَيْئًا مِنْ الْعَيْنِ الَّتِي ظَهَرَتْ مَمْلُوكَةً قَرَارُ ضَمَانِهِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَمْكَنَ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَمْ لَا كَغَيْرِ الْمُعَيَّنِينَ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ وَأَنَّ لِمَنْ ظَهَرَتْ الْعَيْنُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا وَإِلَّا فَعَلَى تَرِكَتِهِ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَمَا فَاتَ فِي يَدِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ بِخِلَافِ مَا فَوَّتَهُ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ أَمَانَةٍ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ وَأَمَّا مَا صَرَفَهُ بِأَمْرِ الْوَاقِفِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ ضَمَانٌ لَكِنَّهُ طَرِيقٌ فِيهِ قِيَاسًا عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ بِجَامِعِ أَنَّ النَّفْعَ عَادَ عَلَى الْآمِرِ فَقَطْ بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ لِأَنَّهُ مَحْضُ آلَةٍ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَبِهِ فَارَقَ الْمَأْمُورَ بِالْإِتْلَافِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَقِلًّا لَا آلَةً وَتَصَرُّفُ النَّاظِرِ لَيْسَ إتْلَافًا فَتَعَيَّنَ إلْحَاقُهُ بِالْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ وَأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِمَا فَوَّتَهُ وَلِمَا فَاتَ فِي يَدِهِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهَا مُسْتَحِقُّ الْعَيْنِ.
وَمَا دَفَعَهُ لِلنَّاظِرِ أَوْ غَيْرِهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِهِ
ثُمَّ رَأَيْتُ جَامِعَ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ وَالتَّاجِ الْفَزَارِيّ وَالنَّوَوِيِّ وَمُعَاصَرِيهِمْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَنَقَلَ فِيهَا عَنْ التَّاجِ الْفَزَارِيّ مَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته فِي النَّاظِرِ فَقَالَ وُقِفَ بَيْتٌ عَلَى حَاكِمٍ وَحَكَمَ بِهِ وَوَلَّى عَلَيْهِ نَاظِرًا يَصْرِفُ أَجْرَهُ فِي الْمَصَارِيفِ الْمَذْكُورَةِ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ فَبَاشَرَ النَّاظِرُ ذَلِكَ مُدَّةً بِأَمْرِ الْحَاكِمِ
ثُمَّ ظَهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْوَقْفِ وَأَنَّهُ مِلْكٌ فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ وَبَطَلَ الْوَقْفُ هَلْ يَرْجِعُ عَلَى النَّاظِرِ بِمَا صَرَفَهُ فِي مَصَارِفِ الْوَقْفِ أَوْ لَا عُرِضَتْ عَلَى شَيْخِنَا تَاجِ الدِّينِ فَتَوَقَّفَ فِيهَا فَأَقَامَتْ مُدَّةً لَا يَكْتُبُ عَلَيْهَا أَحَدٌ ثُمَّ عُرِضَتْ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ كَانَ رحمه الله الْمَرْجِعُ إلَيْهِ وَالْمُعَوَّلُ فِي الْمُعْضِلَاتِ عَلَيْهِ فَكَتَبَ فِيهَا أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا صَرَفَهُ إلَى ذَلِكَ وَخَرَّجَهُ عَلَى أَصْلٍ مَذْكُورٍ فِي الْغَصْبِ فِي الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ جَاهِلًا بِالْغَصْبِ وَهُوَ أَنَّ مَا لَمْ يُلْتَزَمْ ضَمَانُهُ يُرْجَعُ بِهِ جَامِعًا بَيْنَهُمَا بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصَرَّفَ تَصَرُّفًا مَأْذُونًا فِيهِ ظَاهِرًا ثُمَّ بَانَ خِلَافُ ذَلِكَ وَهُوَ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ بِذَلِكَ فَاتَّبَعَ ظَنَّهُ فِي ذَلِكَ وَالْتِزَامَهُ وَلَا شَكَّ أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ لَمْ يَلْتَزِمْ ضَمَانَ مَا يَصْرِفُهُ فَلَا يَلْزَمُ ضَمَانُهُ اهـ.
وَمُرَادُهُ بِعَدَمِ لُزُومِ ضَمَانِهِ عَدَمُ اسْتِقْرَارِهِ عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْته أَنَّهُ طَرِيقٌ فِيهِ.
وَمَا قَرَّرْته مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْقَصَّابِ وَالْخَيَّاطِ أَظْهَرُ مِمَّا قَرَّرَهُ مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَا يَخْفَى فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَعَجِبْت مِنْ الْأَصْحَابِ حَيْثُ لَمْ يَذْكُرُوا مَسْأَلَةَ السُّؤَالِ بِالصَّرِيحِ مَعَ كَثْرَةِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ مَحِلَّيْنِ عَلَى جَمْعٍ وَجِهَاتٍ لِلَّهِ كَتَسْبِيلِ مَاءٍ وَقِرَاءَةٍ وَصَدَقَةٍ مِنْ رِيعِ ذَلِكَ فَإِذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ عَلَيْهِ أَحَد الْمَحِلَّيْنِ وَتَعَطَّلَ الثَّانِي بِهَدْمٍ أَوْ اسْتِيلَاءِ ظَالِمٍ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَجِدْ مُسْتَأْجِرًا أَوْ وَجَدَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَمَا يُجْعَلُ فِي أُجْرَةِ الْمَحَلِّ الْمُسْتَأْجَرِ يُوَزِّعُهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مُرَتَّبًا أَوْ مُتَسَاوِيًا أَمْ لَا وَإِذَا بَاعَ أَوْ رَهَنَ الْوَقْفَ هَلْ يُعْزَلُ وَيُفَسَّقُ بِفِعْلِهِ ذَلِكَ وَيُقِيمُ الْحَاكِمُ الشَّرْعِيُّ غَيْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِذَا جُنَّ أَوْ كَانَ صَبِيًّا وَقُلْتُمْ يَئُولُ إلَى الْحَاكِمِ وَيُقِيمُ نَائِبًا عَنْهُمَا فَإِذَا فَاقَ أَوْ كَمُلَ الصَّبِيُّ هَلْ تَعُودُ وِلَايَتُهُمَا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ رَتَّبَ الْوَاقِفُ صَرْفَ الْغَلَّةِ أَوْ بَيَّنَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ وَجَبَ الْعَمَلُ بِمَا رَتَّبَهُ وَإِلَّا فَمَا وُجِدَ مِنْ الْغَلَّةِ يُقْسَمُ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَإِذَا تَعَدَّى النَّاظِرُ بِنَحْوِ بَيْعٍ أَوْ رَهْنٍ انْعَزَلَ وَلَزِمَ الْحَاكِمَ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْوَاقِفِ وَكَذَا إذَا جُنَّ أَوْ كَانَ صَبِيًّا فَإِذَا زَالَ مَانِعُهُ عَادَتْ وِلَايَتُهُ إنْ كَانَ نَظَرُهُ مَشْرُوطًا فِي الْوَقْفِ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَإِلَّا لَمْ تَعُدْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَسُئِلَ) عَنْ قَاضِي مَكَّةَ وَنَاظِرِ الْحَرَمِ إذَا أَنَابَ مَنْ يَقْبِضُ غَلَّاتِ أَوْقَافِهِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهَا بِإِيجَارِهَا وَإِصْلَاحِهَا وَعِمَارَتِهَا وَقَبْضِ مُسْتَغَلَّاتِهَا وَإِيصَالِهَا إلَى الْحَرَمِ وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا بِمَا يَرَاهُ مِنْ مَصْلَحَةِ الْمَوْقُوفِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَحَصَّلَ غَلَّةً وَاحْتَاجَ لِمَا يَصْرِفُهُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَصِلَ بِهَا إلَيْهِ فَاسْتَدَانَ وَأَصْرَفَ لِمَا رَآهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ فَهَلْ يَثْبُتُ الدَّيْنُ عَلَى الْوَقْفِ وَهَلْ لَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِقَضَائِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَرْجِعُ نَائِبُ النَّاظِرِ الْمَذْكُورِ بِمَا صَرَفَهُ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِي الِاقْتِرَاضِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَمُخَالَفَةُ الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ رَدَدْتُهَا فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَإِنْ تَبِعَهُ غَيْرُهُ وَسَبَقَهُ إلَى الْإِشَارَة لِذَلِكَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَقِيَاسُهُ أَنَّ إنْفَاقَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ لَا يَقْتَضِي الرُّجُوعَ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ فِيهِ الْقَاضِي إنْ تَيَسَّرَ وَإِلَّا فَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ.
وَإِذْنُ النَّاظِرِ فِيمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ لَا يُفِيدُهُ لِأَنَّ النَّاظِرَ نَفْسَهُ لَوْ أَصْرَفَ مِنْ مَالٍ اقْتَرَضَهُ أَوْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لِيَرْجِعَ احْتَاجَ إلَى إذْنِ الْقَاضِي وَكَوْنُ الْمُسْتَنِيبِ هُنَا قَاضِيًا لَا يُفِيدُهُ أَيْضًا لِأَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَاضِي هُنَا قَاضِي بَلَدِ الْوَقْفِ وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْوِلَايَةَ لِقَاضِي بَلَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْأَوَّلِ كَمَا اقْتَضَاهُ تَشْبِيهُ مَا هُنَا بِالْقَاضِي بِالنِّسْبَةِ لِلْوِلَايَةِ عَلَى مَال الْيَتِيمِ مِنْ حَيْثُ الْحِفْظُ وَالتَّصَرُّفُ بِمَا تَقْتَضِيهِ الْمَصْلَحَةُ مِنْ الْحِفْظِ وَنَحْوِهِ وَوِلَايَةِ الثَّانِي مِنْ حَيْثُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إذَا وَصَلَ إلَيْهِ بِالتَّفْرِقَةِ وَالِاسْتِنْمَاء وَغَيْرِهِمَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْإِذْنِ فِي الِاقْتِرَاضِ وَالْإِنْفَاقِ إنَّمَا يَرْجِعُ إلَى الْوِلَايَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلَهُ الِاسْتِقْلَالُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى الْوَقْفِ كَمَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَأَقَرُّوهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصَيْنِ بَيْنَهُمَا وَقْفٌ مُشْتَرَكٌ وَلِأَحَدِهِمَا النَّظَرُ وَالتَّكَلُّمُ وَالْعِمَارَةُ وَصَرْفُ مَا يُحْتَاجُ صَرْفُهُ إلَيْهِ كَمَا شَرَطَهُ وَاقِفُهُ فَإِذَا اسْتَقَلَّ الشَّرِيكُ الثَّانِي الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ وَلَا تَكَلُّمٌ بِالسُّكْنَى وَالْإِجَارَةِ وَالْعِمَارَةِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ الَّذِي لَهُ النَّظَرُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ هَلْ لَهُ ذَلِكَ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ
عَلَيْهِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَخْذُ الْأُجْرَةِ لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ مِنْهُ لِيَصْرِفَهَا فِي مَصَالِحِهَا أَوْ أَخْذُ أُجْرَةِ الْمِثْلِ مِمَّنْ آجَرَهُ الشَّرِيكُ بِغَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ وَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَيْضًا إجَازَةُ الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ الْمُسْتَحَقِّينَ فَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ ذَلِكَ فَأَجَّرَهُ وَقَبَضَ الْأُجْرَةَ هَلْ يَدْفَعُ لِشَرِيكِهِ فِي الْوَقْفِ جَمِيعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ شَيْئًا فَشَيْئًا كُلَّ سَنَةٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَصِحُّ إجَارَةُ الشَّرِيكِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نَظَرٌ مِنْ غَيْرِ إذْنِ النَّاظِرِ وَلِلنَّاظِرِ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ أَجَّرَ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فَأَجَازَهُ لَمْ يَنْقَلِبْ الْعَقْدُ بِإِجَازَتِهِ صَحِيحًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِئْنَافه.
وَحَيْثُ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَمَضَتْ مُدَّةٌ وَالْعَيْنُ فِي يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ لَزِمَهُ أُجْرَةٌ مِثْلَ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ وَالْمُتَوَلِّي لِقَبْضِهَا هُوَ النَّاظِرُ دُونَ غَيْرِهِ أَيْ الْإِجَارَةُ وَيَصْرِفُهَا فِيمَا هُوَ الْأَصْلَحُ وَلَهُ إجَارَة الْوَقْفِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَقَصِيرَةً حَيْثُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يُخَالِفْ شَرَطَ الْوَاقِفِ رَضِيَ الْمُسْتَحِقُّونَ أَمْ سَخِطُوا ثُمَّ الْأُجْرَةُ مَتَى اسْتَقَرَّتْ بِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِتَفْوِيتِهَا صُرِفَتْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي الْحَال وَأَمَّا إذَا لَمْ تَسْتَقِرَّ بِأَنْ أَجَّرَهُ النَّاظِرُ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً فَالْمَنْقُولُ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ الْأُجْرَةِ وَأَنَّ النَّاظِرَ لَا يَصْرِفُ لَهُ جَمِيعَهَا جُمْلَةً خَشْيَةَ مَوْتِهِ وَانْتِقَالِهَا لِغَيْرِهِ بَلْ يَصْرِفُهَا إلَيْهِ شَيْئًا فَشَيْئًا مُرَاعِيًا مَا اسْتَقَرَّ مِنْهَا حَتَّى لَا يُصْرَفُ لَهُ مَا لَمْ يَسْتَقِرّ فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْقَفَّالُ فَقَالَ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ نَسْلِهِمْ ثَمَّ الْفُقَرَاءِ فَأَجَّرَ أَيْ النَّاظِرُ عَشْرَ سِنِينَ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ لَهُمْ الْأُجْرَةَ وَإِنَّمَا يُعْطِي بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ فَمَاتَ الْآخِذُ فَعَلَى الْقَيِّمِ الضَّمَانُ اهـ.
وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ دَارًا تُكْرَى فَإِذَا مَضَى وَقْتٌ فَقْد حَصَلَ لَهُمْ أُجْرَةُ ذَلِكَ الَّذِي مَضَى اهـ.
وَنَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ بَعْضِ الْقُضَاةِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِهِ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ الْأُجْرَةِ وَلَا يَصْرِفُهَا لَهُ خَشْيَةَ انْتِقَالهَا لِغَيْرِهِ لَكِنَّ الَّذِي رَجَّحَهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تُصْرَفُ إلَيْهِ جَمِيعُهَا فِي الْحَالِ وَإِنْ احْتَمَلَ عَدَمَ بَقَائِهِ لِمُدَّةِ الْإِجَارَةِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ كَمَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأَةُ فِي الصَّدَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَإِنْ كَانَ مِلْكُهَا عَلَيْهِ غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الشَّطْرِ إلَى الزَّوْجِ بِالْفِرَاقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الصُّوَرِ اهـ.
وَهَذَا مُتَّجَهٌ مُدْرَكًا وَقِيَاسًا لَكِنْ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَنْقُولُ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَالْفَرْقُ بَيْن الْوَاقِفِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْوَاقِفَ اخْتَصَّ عَنْ غَيْرِهِ بِمَزِيدِ احْتِيَاط وَأَيْضًا فَنَحْو الزَّوْجِ مُتَصَرِّفٌ عَنْ نَفْسِهِ فَكَانَ تَصَرُّفُهُ مُقْتَضِيًا لِلْمِلْكِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهِ وَلَوْ مَعَ عَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَأَمَّا النَّاظِرُ فَهُوَ مُتَصَرِّفٌ عَنْ غَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ وَالْعُمُومِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ بِالْأَصْلَحِ وَأَخْتَصّ تَصَرُّفُهُ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ الْمُتَصَرِّفُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ فَعُلِمَ أَنَّ الْمَنْقُولَ الَّذِي هُوَ الْأَوَّلُ لَهُ وَجْهٌ وَاضِحٌ وَأَنَّهُ لَا يَرُدُّ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ تِلْكَ الصُّوَرِ فَلَا مَحِيدَ لِلْعُدُولِ عَنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَرَّرَ الشَّيْخُ زَمَانَ الدَّرْسِ وَمَكَانَهُ وَالطَّلَبَةُ جَمَاعَةٌ مُتَعَدِّدُونَ وَقَرَّرَ أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالسَّابِقِ فَلَوْ قَدِمَ أَحَدٌ إلَى الدَّرْسِ فِي غَيْرِ زَمَانِ الدَّرْسِ وَاسْتَمَرَّ وَجَاءَ آخَرُ أَوَّلَ زَمَانِهِ فَهَلْ لِلْأَوَّلِ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِهِ فِي غَيْرِ زَمَانِ الدَّرْسِ تَقَدُّم فَيَسْتَحِقُّ الْقِرَاءَةَ قَبْلَ مَنْ قَارَنَهُ فِي أَوَّلِ زَمَانِ الدَّرْسِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ التَّقْدِيمَ فِي ذَلِكَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ بِالنَّدْبِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ فِي النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ بَلْ صَرِيحُهُمَا تَرْجِيحُهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا فِي نَظِيرِ ذَلِكَ مِنْ الْقَاضِي بَلْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ فِي الْمُفْتِي حَيْثُ قَالَ يَجِبُ عَلَى الْمُفْتِي عِنْدَ اجْتِمَاع الرِّقَاعِ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يُقَدِّمَ الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَق كَمَا يَفْعَلهُ الْقَاضِي فِي الْخُصُومِ وَهَذَا فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْإِفْتَاء فَإِنْ تَسَاوَوْا وَجَهِلَ السَّابِقَ (الطَّلَبَةُ) قَدَّمَ بِالْقُرْعَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ الَّذِي يَشُدُّ رَحْلَهُ وَفِي تَأْخِيرِهِ ضَرَرٌ بِتَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ وَنَحْو ذَلِكَ عَلَى مِنْ سَبَقَهُمَا إلَّا إذَا كَثُرَ الْمُسَافِرُونَ وَالنِّسَاءُ بِحَيْثُ يَلْحَقُ غَيْرَهُمْ بِتَقْدِيمِهِمْ ضَرَرٌ كَبِيرٌ فَيَعُودُ إلَى التَّقْدِيمِ بِالسَّبْقِ أَوْ الْقُرْعَةِ ثُمَّ لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ إلَّا فِي فُتْيَا وَاحِدَة وَقَوْلِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ
الْمَرْأَةِ إلَخْ هُوَ مَا رَأَيْته فِي النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي وَنَقْلُ الْأَذْرَعِيِّ الْوُجُوبَ فِي ذَلِكَ وَكَلَامُ الشَّيْخَيْنِ فِي الْقَاضِي صَرِيحٌ فِي الْجَوَازِ وَبَحَثَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمُ السَّابِقِ فِي الْإِفْتَاء إلَّا إنْ ظَهَرَ لَهُ جَوَابُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْبِسْ الْمُتَأَخِّر إلَى الْبَحْثِ فَإِنَّهُ قَدْ يُبْحَثُ وَلَا يَظْهَرُ لَهُ شَيْءٌ وَهُوَ مُتَّجَهٌ وَفِيهِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ ذَكَرَ دُرُوسًا قَدَّمَ أَهَمَّهَا فَيُقَدِّمُ التَّفْسِيرَ ثُمَّ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْأَصْلَيْنِ ثُمَّ الْمَذْهَبَ ثُمَّ الْخِلَافَ ثُمَّ الْجَدَلَ وَقَالَ أَيْضًا فِي الطَّالِبِ وَلَا يُؤْثِرُ بِنَوْبَتِهِ فَإِنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ فَإِنْ رَأَى الشَّيْخُ الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ فِي وَقْتٍ فَأَشَارَ بِهِ اُمْتُثِلَ أَمْرُهُ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ فَإِنْ رَأَى الشَّيْخُ الْمَصْلَحَةَ إلَخْ يَقْتَضِي أَنَّ الْخِيرَةَ إلَى رَأْي الشَّيْخِ وَأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ تَقْدِيمٌ بِالسَّبْقِ وَبِهِ يَتَأَيَّدُ الْقَوْلُ بِالنَّدْبِ.
وَيُنَافِي مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْوُجُوبِ فِي الْإِفْتَاءِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّدْرِيسَ قُلْتُ يُمْنَعُ ذَلِكَ كُلُّهُ بِأَنَّ هَذَا مُحْتَمَلٌ وَذَاكَ أَعْنِي الْوُجُوبَ مُصَرَّحٌ بِهِ وَالصَّرِيحُ يَقْضِي بِهِ عَلَى الْمُحْتَمَلِ وَلَا عَكْسَ فَالْحَقُّ الْوُجُوبُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ اُمْتُثِلَ أَمْرُهُ أَيْ نَدْبًا عَلَى أَنَّهُ أَعْنِي الْوُجُوبَ هُوَ أَنَّ الْمُفْتِي لَوْ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي تَقْدِيمِ الْمَسْبُوقِ لِأُنُوثَةٍ أَوْ سَفَرٍ جَازَ فَتُحْمَلُ الْمَصْلَحَةُ هُنَا عَلَيْهَا ثَمَّ وَحِينَئِذٍ لَا تَخَالُفَ بَيْن كَلَامَيْهِ أَصْلًا فَقْد عَلِمْنَا مِنْ مَجْمُوعِهِمَا أَنَّ شَرْطَ وُجُوبَ تَقْدِيمِ السَّابِقِ عَلَى الشَّيْخِ أَنْ لَا يَرَى الْمَصْلَحَةَ الْحَقَّةَ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِهِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ التَّقْدِيمُ بِحَسْبِهَا.
وَسَيَأْتِي أَنَّهُ فِي غَيْرِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ يُقَدِّمُ مَنْ شَاءَ فَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ الْأَخِيرِ عَلَى هَذَا أَيْضًا فَإِنْ قُلْت مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَوْضِعِ الثَّانِي يُنَافِيه قَوْلُ عَصْرَيْهِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ الْبَدْرِ بْنِ جَمَاعَةَ وَالِدِ الْعِزِّ بْنِ جَمَاعَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَعَدَّدَتْ الدُّرُوسُ قُدِّمَ الْأَشْرَفُ فَالْأَشْرَفُ وَالْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ فَيُقَدَّمُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ ثُمَّ الْحَدِيثُ ثُمَّ أُصُولُ الدِّينِ ثُمَّ أُصُولُ الْفِقْهِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ ثُمَّ الْخِلَافُ أَوْ النَّحْوُ أَوْ الْجَدَلُ قُلْت لَا يُنَافِيه وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لَهُ فَإِنَّ النَّوَوِيَّ أَجْمَلَ تَقْدِيمَ الْأَصْلَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنُ أَيُّهُمَا الْمُقَدَّمُ فَبَيَّنَ الْبَدْرُ أَنَّ أُصُولَ الدِّينِ مُقَدَّمٌ عَلَى أُصُولِ الْفِقْهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ مِنْهُ فَإِنْ قُلْتَ هُوَ أَشْرَفُ مِنْ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ أَيْضًا نَظَرًا إلَى غَايَتِهِ إذْ الْعُلُومِ إنَّمَا تَشْرُفُ بِشَرَفِ غَايَاتِهَا قُلْتُ هُوَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمَا أَصْلَانِ لَهُ فَهُوَ فَرْعٌ عَنْهُمَا لِاسْتِمْدَادِ أَكْثَرِ مَسَائِلِهِ مِنْهُمَا فَكَانَا أَشْرَفَ مِنْهُ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ فَقُدِّمَا عَلَيْهِ وَأَيْضًا النَّوَوِيُّ بَيَّنَ تَرْتِيبَ مَا بَعْدَ الْمَذْهَبِ وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ وَالْبَدْرُ زَادَ النَّحْوَ وَتَرَدَّدَ فِي أَيِّ الثَّلَاثَةِ أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ فَلَمْ يَجْزِمْ فِيهِ بِشَيْءٍ وَالْعُمْدَةُ عَلَى مَا رَتَّبَهُ النَّوَوِيُّ لِظُهُورِهِ.
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ النَّحْوَ مُؤَخَّرٌ عَنْ الْخِلَافِ وَالْجَدَلِ وَلَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُمَا بِمَا قَبْلَهُمَا أَشَدُّ تَعَلُّقًا عِنْد تَقْرِيرِهَا وَإِنْ كَانَ هُوَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَسْبَقَ فِي التَّعَلُّقِ بَلْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ تَعَلُّمِ أُصُولِ مُسَائِلِهِ عَلَى الْكُلِّ إذْ لَا يَتِمُّ فَهْمُ حَقَائِقهَا إلَّا بِهِ فَإِنْ قُلْت قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ التَّقْدِيمَ وَاجِبٌ بِالسَّبَقِ وَإِلَّا فَبِالْقُرْعَةِ فَبِأَحَدِهِمَا يَجِبُ التَّقْدِيمُ وَلَوْ كَانَ الْمُقَدَّمُ بِهِ مُتَأَخِّرًا فِي الرُّتْبَةِ فَمَا وَجْهُ هَذَا التَّرْتِيبِ قُلْت إذَا تَأَمَّلْت قَوْلَ الْمَجْمُوعِ فَإِنْ ذَكَرَ دُرُوسًا قَدَّمَ إلَخْ عَلِمْت أَنَّ الْكَلَامَ هَهُنَا فِي إلْقَاءِ الشَّيْخِ الْعُلُومَ عَلَى الطَّلَبَةِ مِنْ غَيْرِ قِرَاءَةٍ مِنْهُمْ فَحِينَئِذٍ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يُرَتِّبَ كَمَا ذُكِرَ لِأَنَّهُمْ قَابِلُونَ لِإِلْقَاءِ الْكُلِّ فَنَاسَبَ أَنْ يُقَدِّمَ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَيْهِمْ الْأَشْرَفَ فَالْأَشْرَفَ أَوْ يُحْمَلَ عَلَى طَالِبٍ وَاحِدٍ لَهُ دُرُوسٌ مُتَعَدِّدَةٌ فِي تِلْكَ الْعُلُومِ وَأَرَادَ قِرَاءَتَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ الْأَشْرَفُ فَالْأَشْرَفُ إذْ لَا مُعَاوِضَ لِلنَّظَرِ إلَى الْأَشْرَفِ حِينَئِذٍ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ وُجُوبُ التَّقْدِيمِ بِالسَّبْقِ وَإِلَّا فَبِالْقُرْعَةِ فَلْتَرْجِعْ إلَى قَوْلِ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّه بِهِ فَهَلْ لِلْأَوَّلِ إلَخْ فَنَقُولُ صَرَّحَ الشَّيْخَانِ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا بِأَنَّ الْقَاضِيَ يُقَدِّمُ عِنْد ازْدِحَامِ الْمُدَّعِينَ بِالسَّبْقِ إنْ عَرَفَ السَّابِقَ فَإِنْ جَهِلَ أَوْ جَاءُوا مَعًا قَدَّمَ بِالْقُرْعَةِ فَإِنْ كَثُرُوا وَعَسُرَ الْإِقْرَاعُ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي رِقَاع وَصُبَّتْ بَيْن يَدَيْهِ فَيَأْخُذَهَا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَيَسْمَعُ دَعْوَى مِنْ خَرَجَ اسْمُهُ ثُمَّ قَالَا وَالْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ يُقَدَّمَانِ أَيْضًا عِنْد الِازْدِحَامِ بِالسَّبْقِ أَوْ بِالْقُرْعَةِ وَلَوْ كَانَ الَّذِي يَعْلَمُهُ لَيْسَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَالِاخْتِيَارُ إلَيْهِ فِي تَقْدِيمِ مِنْ شَاءَ اهـ.
فَأَفْهَمُ سِيَاقُهُمَا أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسِ مَا قَالُوهُ فِي الْقَاضِي
وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ كَمَا مَرَّ عَنْهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالسَّبْقِ إلَى مَحَلِّ الْقَضَاءِ وَلَوْ قَبْلَ مَجِيءِ الْقَاضِي فَلْيَكُنْ الْمُفْتِي وَالْمُدَرِّسُ مِثْلَهُ بَلْ صَرِيحُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ ذَلِكَ فِي الْقَاضِي وَعِبَارَتُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَ كُلَّ يَوْمٍ ثِقَةً إلَى مَجْلِسِ حُكْمِهِ حَتَّى يُثْبِتَ أَسَامِيَ الْخُصُومِ وَيَكْتُبَهَا الْأَسْبَقَ فَالْأَسْبَقَ فَإِذَا جَلَسَ يُقَدِّمُ مَنْ سَبَقَ عَلَى التَّرْتِيبِ فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُمْ أَنْ يُقَدِّمَ.
وَقَوْلُهُمْ فَإِذَا جَلَسَ يُقَدِّمُ تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالسَّبْقِ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَلَوْ قَبْلَ جُلُوسِ الْقَاضِي فَكَذَا فِي مَسْأَلَتِنَا يَكُونُ السَّابِقُ إلَى مَحَلِّ الدَّرْسِ وَلَوْ قَبْلَ جُلُوسِ الشَّيْخِ وَقَبْلَ زَمَنِهِ الَّذِي عَيَّنَهُ مُسْتَحِقًّا لِلتَّقْدِيمِ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ سَوَاءٌ أَجَاءَ أَيْضًا قَبْلَ الْوَقْتِ أَمْ أَوَّلَهُ وَالْمَعْنَى فِي ذَلِكَ ظَاهِرٌ لِلْمُتَأَمِّلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) أَدَامَ اللَّهُ النَّفْعَ بِعُلُومِهِ عَنْ قَرْيَةٍ فِيهَا مَسْجِدٌ لَهُ وَقْفٌ وَمِنْهُ وَقْفٌ عَلَى مُدَرِّسٍ فِيهِ وَلَمْ يُوجَدْ فِيهَا طَالِبُ عِلْمٍ فَضْلًا عَنْ مُدَرِّسٍ وَفِي قَرْيَةٍ أُخْرَى مُدَرِّسٌ لَكِنَّهُ لَوْ قَصَدَهَا لِلتَّدْرِيسِ فِيهَا ضَاعَ يَوْمُهُ بِغَيْرِ نَفْعٍ وَفِي قَرْيَتِهِ طَلَبَةُ عِلْمٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُدَرِّسَ لَهُمْ فِي قَرْيَتِهِ إذَا لَمْ يَذْهَبْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مَعَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَيَأْخُذُ مَا عُيِّنَ لِلتَّدْرِيسِ أَوْ لَا وَهَذِهِ وَاقِعَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُ مُدَرِّسٍ وَطَلَبَةٍ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ جَازَ لِنَاظِرِهِ وَلِلْحَاكِمِ نَقْلُ التَّدْرِيسِ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا ذَلِكَ أَخْذًا مِمَّا أَفْتَى بِهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ وَاقِفُ مَدْرَسَةٍ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بِهَا هَذَا الْمُعِيدَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ فَمَضَتْ وَلَمْ يُوجَدْ فِي الْبَلَدِ مُعِيدٌ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِمْرَارُهُ وَأَخْذُ الْجَامِكِيَّةِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِف لَمْ يُرِدْ شُغُورَ مَدْرَسَتِهِ بَلْ أَرَادَ أَنْ يَنْتَفِعَ هَذَا مُدَّةً وَغَيْرُهُ مُدَّةً قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ شَرْطٍ شَهِدَ الْعُرْف بِالصُّورَةِ الَّتِي أَخْرَجَهَا عَنْ لَفْظِ الْوَاقِفِ اهـ.
وَصُورَةُ السُّؤَالِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ لِأَنَّ الْعُرْفَ يَشْهَدُ بِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَقْصِدْ بِالْوَقْفِ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالطَّلَبَةِ إلَّا دَوَامَ أَحْيَاءِ الْعِلْمِ وَظُهُورِ شِعَارِهِ وَهَذَا حَاصِلٌ بِوُجُودِ الْمُدَرِّسِ فِي غَيْرِ مَدْرَسَتِهِ إذَا تَعَذَّرَ وُجُودُهُ فِي مَدْرَسَتِهِ.
وَمِمَّا يُصَرَّحُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قَوْل جَمْع لَوْ خَرِبَ الْمَسْجِدُ نَقَلَ الْحَاكِم مَا فِيهِ مِنْ حُصْرٍ وَقَنَادِيلَ وَنَحْوِهَا إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا وَقَوْلُ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْخُوَارِزْمِيِّ لَوْ تَعَطَّلَ مَسْجِدٌ وَتَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ بَلَدِهِ أَوْ خَرِبَ فَإِنْ لَمْ يُخْشَ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ عَلَى نَقْضِهِ تُرِكَ بِحَالِهِ وَإِنْ خِيفَ مِنْهُمْ عَلَيْهِ حُفِظَ فَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا آخَرَ جَازَ.
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْأَوْلَى أَنْ يُنْقَلَ لِأَقْرَبِ الْجِهَاتِ إلَيْهِ وَيَجُوزُ إلَى الْأَبْعَدِ وَالْحَاصِلُ مِنْ رِيعِ وَقْفِ عِمَارَةِ هَذَا الْمَسْجِدِ يُصْرَفُ إلَى عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْقَاضِي يَصْرِفُ إلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ وَلَا يُنْقَلُ إلَى غَيْرِ نَوْعِ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ لَا يُوجَدُ نَوْعُهُ فَيُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ كَالرَّبْطِ وَالْقَنَاطِر وَالْآبَارِ لِلضَّرُورَةِ فَتَأَمَّلْ مَا قَالُوهُ فِي نَقْلِ الْحُصْرِ وَالْقَنَادِيلِ وَنَحْوِهَا وَنَقْلِ النَّقْضِ وَنَقْلِ رِيعِ الْوَقْفِ تَجِدْ ذَلِكَ كُلَّهُ صَرِيحًا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَخَالَفَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا مَرَّ فِي نَقْلِ الرِّيعِ فَقَالَ لَوْ خَرِبَتْ مَحَلَّةُ مَسْجِدٍ صُرِفَ رِيعُهُ لِلْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ مَصْرِفٌ لَا يَنْقَطِعُ لِبَقَائِهِمْ عَلَى الْأَبَدِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجَعَلَهُ فِي مَوْضِعٍ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ وَيُوَافِقُهُ أَنَّ فِي فَتَاوَى الْحَنَّاطِيِّ نُقِلَ وَجْهٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِلْمَصَالِحِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الْإِمَامِ ابْنِ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيِّ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَالسِّقَايَةِ وَالْمَدْرَسَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَقْلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ إلَى غَيْرِهِ بَلْ يُحْفَظُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ لِذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِعَيْنِهِ أَوْ إلَى أَقْرَبِ مَحَلٍّ لِلْمَسْجِدِ أَوْ لِطَرِيقِ السِّقَايَةِ وَمَنْ نَقَلَهُ ابْتِدَاءً أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِنْ حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ نُقِضَ حُكْمُهُ وَهَذَا لَا يَرُدُّ عَلَى مَا قَدَّمْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا رَجَا عَوْدَ النَّاسِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ جَوَّزَ فِيهِ النَّقْلَ لِلْأَقْرَبِ وَكَذَا فِيمَا قَدَّمْته فِي صُورَةِ السُّؤَالِ لِتَعْبِيرِي فِيهِ كَمَا مَرَّ بِالتَّعَذُّرِ فَأَفْهَمْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ بِأَنْ رَجَا عَلَى قُرْبِ عَوْدِ مُدَرِّسٍ وَطَلَبَتِهِ فِي مَحَلِّ الْوَقْفِ فَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ النَّقْلَ إذْ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ حَيْثُ أَيِسَ عَادَةً مِنْ عَوْدِ مَنْ ذُكِرَ عَلَى قُرْبٍ عُرْفًا فَحِينَئِذٍ يُنْقَلُ
لِمُدَرِّسٍ وَطَلَبَةٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ وَلَوْ وَقَفَ قَدْرًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ فَخَرِبَتْ جَازَ نَقْلُهُ إلَى أُخْرَى كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ وَهَذَا أَيْضًا يُؤَيِّدُ مَا قَدَّمْته، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِ دُونَ إنَاثِهِمْ قَاصِدًا بِذَلِكَ حِرْمَانهنَّ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ شَرَطْنَا لِصِحَّةِ الْوَقْفِ الْقُرْبَةُ وَهُوَ مَا نَقَلَهُ الْإِمَامُ عَنْ الْمُعْظَمِ لَمْ يَصِحُّ وَبِهِ أَفْتَى جَمْعٌ كَعُمَرَ الْفَتَى وَتِلْمِيذِهِ الْكَمَالِ الرَّدَّادِ وَغَيْرِهِمَا وَإِنْ اشْتَرَطْنَا لِصِحَّتِهِ انْتِفَاءَ الْمَعْصِيَةِ صَحَّ إنْ قُلْنَا إنَّ قَصْدَ حِرْمَانِ الْوَارِثِ بِالتَّصَرُّفِ فِي الصِّحَّةِ غَيْرُ مُحَرَّمٍ لَكِنْ قَضِيَّةُ عُمُومِ مَا رُوِيَ مِنْ خَبَر «مَنْ قَطَعَ مِيرَاثَ فَرِيضَةٍ قَطَعَ اللَّهُ مِيرَاثَهُ مِنْ الْجَنَّةِ» إنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ حَيْثُ وَقَعَ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ صَحَّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْأَكْثَرِينَ إنَّ الْمُغَلَّبَ فِي الْوَقْفِ التَّمْلِيكُ لَا الْقُرْبَةُ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ تَمْلِيكَ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ أَوْ عَكْسه صَحِيحٌ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْجِهَةِ فَلَا تَعَارُضَ وَحِينَئِذٍ فَلَا حُجَّةَ لِأُولَئِكَ الْمُفْتِينَ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَأَنَا أَقُولُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَلِّدَ مَا ذُكِرَ عَنْ الْإِمَامِ وَيَحْكُمَ بِبُطْلَانِ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ اهـ.
وَقَدْ عَلِمْت رَدَّهُ
(وَسُئِلَ) عَنْ شَجَرِ الْمَقْبَرَة مَا يُفْعَلُ بِهِ إذَا انْقَطَعَ وَمَا مَصَارِفُهَا الَّتِي يُصْرَفُ فِيهَا وَهَلْ لِلْقَاضِي قَلْعُهُ إلَّا رَآهُ وَأَعْطَاهُ مَا فَضَلَ عَنْ مَصَالِحهَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لِلْقَاضِي بَيْعُ شَجَرِهَا وَثَمَرِهِ وَصَرْفُهُ فِي مَصَالِحِهَا كَتُرَابٍ يَمْنَعُ نَبْشَ الْقُبُورِ وَزُبَيْرَ يَمْنَعُ نَسْفَ الرِّيحِ وَإِزَالَةَ الْمَطَرِ لِتُرَابِهَا أَوْ مُرُورَ الدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا إذَا أَضَرَّ الْقُبُورَ وَوُجُوهُ الْمَصَالِحِ كَثِيرَةٌ وَمَنَاطُهَا نَظَرُ الْقَاضِي الْعَدْلِ الْأَمِينِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهَا مَصَالِحُ حُفِظَ ثَمَنُ ذَلِكَ إلَى ظُهُورِ مَصَالِحَ لَهَا وَلَا تُصْرَفُ لِغَيْرِهَا كَمَا لَوْ وَجَبَ لِلْمَسْجِدِ مَالٌ عَلَى مَنْ شَغَلَ بُقْعَةً مِنْهُ فَإِنَّهُ يُصْرَفُ لِمَصَالِحِهِ لَا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - كَالْغَزَالِيِّ خِلَافًا لِابْنِ رَزِينٍ كَالْمُتَوَلِّي.
قَالَ بَعْضُهُمْ وَأَمَّا قَطْعُهَا مَعَ قُوَّتهَا وَسَلَامَتِهَا فَيَظْهَرُ إبْقَاؤُهَا لِلرِّفْقِ بِالزَّائِرِ وَالْمُشَيِّع اهـ.
وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُرْجَعُ فِيهَا لِنَظَرِ الْقَاضِي الْمَذْكُورِ فَإِنْ اُضْطُرَّ لِقَطْعِهَا لِاحْتِيَاجِ مَصَالِحِ الْمَقْبَرَةِ إلَى مَصْرِفٍ وَتَعَيَّنَ فِيهَا قَطْعُهَا وَإِلَّا فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ مُسْتَأْجِرِ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ أَذِنَ لَهُ نَاظِرُهَا فِي عِمَارَتِهَا مِنْ مَالِهِ فَفَعَلَ ثُمَّ مَاتَ النَّاظِرُ فَهَلْ يَرْجِعُ الْمُعَمَّرُ عَلَى تَرِكَةِ النَّاظِرِ أَوْ عَلَى الْوَاقِفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْمُسْتَأْجِرِ أُجْرَةٌ فَأَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي صَرْفِهَا فِي الْعِمَارَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى تَرِكَتِهِ بِشَيْءٍ وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّب فِي ذِمَّتِهِ شَيْءٌ فَاقْتَرَضَ مِنْهُ النَّاظِرُ وَلَوْ بِالْإِذْنِ لَهُ فِي التَّصَرُّفِ فِي الْعِمَارَةِ رَجَعَ عَلَى تَرِكَتِهِ بِمَا صَرَفَهُ لَا عَلَى الْوَاقِفِ ثُمَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ تَرِكَةِ النَّاظِرِ لَيْسَ لِوَرَثَتِهِ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الْوَاقِفِ إلَّا إذَا كَانَ الْوَاقِفُ شَرَطَ لَهُ الِاقْتِرَاضَ لِلْعِمَارَةِ أَوْ أَذِنَ لَهُ الْقَاضِي فِيهِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رِبَاطٍ بِهِ طِهَارَاتٌ وَدَرَجَةٌ يُصْعَدُ مِنْهَا إلَى دَوْرٍ عُلْوِيّ أَشَارَ بَعْضُ الْمُهَنْدِسِينَ مِنْ الْبُنَاةِ بِتَأْخِيرِ بَعْضِ الطِّهَارَات وَالدَّرَجَةِ عَنْ مَوْضِعِهِمَا الْأَصْلِيِّ قَلِيلًا مَعَ بَقَاءِ نَفْعِهِمَا الَّذِي كَانَا عَلَيْهِ وَأَنْشَأَ ثَلَاثَةَ دَكَاكِين فِي مَحَلِّ ذَلِكَ لِيَنْتَفِعَ بِأُجْرَتِهِمْ فِي مَصَالِحِ الرِّبَاطِ الْمَذْكُورِ كَمَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيّ رحمه الله وَهَلْ مَا اخْتَارَهُ السُّبْكِيّ مُعْتَمَدٌ مَعْمُولٌ بِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ كَلَامُ الْأَصْحَابِ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ ذَلِكَ وَكَذَا كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ عَلَى مَا فِيهِ بَلْ وَكَلَامُ السُّبْكِيّ أَيْضًا فَإِنَّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ خَارِجٌ عَنْ الْمَذْهَبِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ التَّغْيِيرُ يَسِيرًا لَا يُغَيِّرُ مُسَمَّى الْوَقْفِ وَأَنْ لَا يُزِيلُ شَيْئًا مِنْ عَيْنِهِ بِأَنْ يَنْتَقِلَ بَعْضُهُ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ.
وَلَا شَكَّ أَنَّ جَعْلَ الْمَطْهَرَةَ دَكَاكِين فِيهِ تَغْيِيرٌ لِمُسَمَّى الْوَقْفِ فَقْد صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ جَعْلَ الدَّارِ حَمَّامًا وَعَكْسهُ تَغْيِيرٌ عَنْ هَيْئَتِهِ نَعَمْ فِي الْمَطْلَبِ عَنْ جَمْعٍ كَشَيْخِهِ عِمَادِ الدِّينِ وَقَاضِي الْقُضَاةِ تَاجِ الدِّينِ وَوَلَدِهِ قَاضِي الْقُضَاةِ صَدْرِ الدِّينِ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ الْمُجْتَهِدِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ وَسَبَقَهُمْ إلَيْهِ الْمَقْدِسِيُّ قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ وَنَاهِيك بِالْمَقْدِسِيِّ مَا يَقْتَضِي جَوَازَ مَا فِي السُّؤَالِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ خَارِجٌ وَاَلَّذِي أَرَاهُ الْكَفَّ عَنْ ذَلِكَ إلَّا إنْ قَالَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَيُقَلَّدُ حِينَئِذٍ وَيُعْمَلُ بِمَذْهَبِهِ
(وَسُئِلَ) عَنْ وَقْفٍ عَلَى مَصَالِحِ
مَسْجِدٍ بِهِ أَئِمَّةٌ وَخَطِيبٌ وَمُؤَذِّنُونَ وَمُعَلِّمُونَ لِلْقُرْآنِ وَالْوَقْفُ لَا يَفِي بِهِمْ فَمَنْ يُقَدَّمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ تَقْدِيمُ الْإِمَامِ فَالْخَطِيبِ فَالْمُؤَذِّنِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا وَشَرَطَ لِلنَّاظِرِ فِيهِ شَيْئًا مَعْلُومًا فَانْحَطَّ الْوَقْفُ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ أُجْرَتِهِ إلَّا مِقْدَارَ مَا شَرَطَهُ لَهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ فَهَلْ يَأْخُذُهُ بِأَجْمَعِهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يُقَسِّطُهُ بِنِسْبَةِ مَا كَانَتْ الْأُجْرَةُ عِنْد الْوَقْفِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْوَاقِفِ أَنَّهُ لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ الْقَدْرَ إلَّا مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ يُقَابِلُهُ يُصْرَفُ فِيمَا شَرَطَهُ فَحَيْثُ لَمْ يَبْقَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ وُزِّعَ عَلَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ مِنْ مَصَارِفِهِ بِحَسَبِ النِّسْبَةِ هَذَا إنْ عَيَّنَ الْوَاقِفُ كَمِّيَّةً وَإِلَّا فَعَلَى أَجْرِ مِثْلِ تِلْكَ الْمَصَارِفِ حَالَ الْوَقْفِ نَعَمْ إنْ كَانَ انْحِطَاطُ الْأُجْرَةِ بِسَبَبِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الْعِمَارَةِ وَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى جَمِيعِ الْمَصَارِفِ وَالْمُرَتَّبَاتِ وَمِنْ جُمْلَتِهَا النَّاظِرُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْخُذَ بِسَبَبِ النَّظَرِ قَبْلَهَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ مَا يُفْرَضُ لَهُ مِنْ أُجْرَةِ عَمَلِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا يَفْضُلُ مِنْ أَوْقَافِ الْمَسَاجِدِ وَالرِّبَاطَاتِ وَنَحْوِهَا مَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: نَقَلَ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الْبَزْرِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ فِيهِ أَوْ الْحَاكِمِ أَوْ نَائِبِهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ لِلْمَوْقُوفِ عَقَارًا إنْ رَأَى ذَلِكَ وَلَا يَكُونُ وَقْفًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَالَ وَرَأَيْت فِي فَتَاوَى مَنْسُوبَةٍ لِلْغَزَالِيِّ إذَا رَأَى الْحَاكِمُ وَقْفَهُ عَلَى جِهَةٍ فَعَلَ وَصَارَ وَقْفًا وَعَجِيبٌ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوَقْفُ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ اهـ وَالْأَوْجَهُ أَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِتَصَوُّرِ الْوَقْفِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ لَا يَصِحُّ وَقْفُ مَنْ ذُكِرَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ بَلْ بَقَاؤُهُ عَلَى الْمِلْكِيَّةِ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ قَدْ يَضْطَرُّنَا الْحَالُ إلَى بَيْعِهِ نَعَمْ إنْ فُرِضَ أَنَّهُ بِوَقْفِهِ تَرْتَفِعُ عَنْهُ يَدُ ظَالِمٍ أَوْ خَرَاجٌ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ ظُلْمًا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ بِصِحَّةِ وَقْفِهِ حِينَئِذٍ لِلضَّرُورَةِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ بِيَدِهِ وَظِيفَةٌ كَقِرَاءَةٍ أَوْ عَمَلٍ كَجِبَايَةٍ أَوْ اسْتِحْقَاقٍ كَخَلْوَةٍ وَنَحْوِهَا ثُمَّ أَسْقَطَ حَقَّهُ مِنْ ذَلِكَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مُطْلَقًا بِنُزُولٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ غَابَ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَشُغِرَتْ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ فَقَرَّرَ أَجْنَبِيًّا فِي ذَلِكَ نَاظِرٌ شَرْعِيٌّ خَاصٌّ أَوْ عَامٌّ عِنْدَ غَيْبَةِ الْخَاصِّ الْغَيْبَةَ الشَّرْعِيَّةَ فَإِذَا رَجَعَ فِي الْإِسْقَاطِ الْمَذْكُورِ قَبْلَ التَّقْرِيرِ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ رَجَعَ مِنْ غَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ هَلْ يَسْتَحِقُّ الْوَظِيفَةَ الْمَذْكُورَةَ بَعْد التَّقْرِيرِ وَأَخْذَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ مَعْلُومِ الْوَظِيفَةِ حَالَ غَيْبَتِهِ أَمْ لَا وَهَلْ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ إبْطَالُ مَا قَرَّرَهُ النَّاظِرُ الْعَامُّ فِي غَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ أَوْ بِجُنْحَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَمَا قَدْرُ الْغَيْبَةِ الطَّوِيلَةِ فَإِنْ قُلْتُمْ مَرْجِعُهَا إلَى الْعُرْفِ فَإِذَا كَانَ الْعُرْفُ شَهْرًا مَثَلًا فَهَذَا بِالْوَظِيفَةِ بِعَدَمِ الْقِرَاءَةِ أَوْ الْعَمَلِ أَوْ السُّكْنَى مِنْ غَيْرِ اسْتِنَابَةٍ عَنْهُ فِيهَا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ.
وَإِذَا اسْتَنَابَ عَنْهُ حَالَ غَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ أَوْ الْقَصِيرَةِ بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ يَسْتَحِقُّ النَّائِبُ الِاسْتِحْقَاقَ كَمَلًا أَوْ مَا شَرَطَهُ لَهُ الْمُسْتَنِيبُ أَوْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُسْتَنِيبُ. وَلَيْسَ لِلنَّائِبِ شَيْءٌ أَوْ لَيْسَ لَهُمَا شَيْءٌ وَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ فِي الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقَا هَلْ لِصَاحِبِ الْوَظِيفَةِ الِاسْتِنَابَةُ بِعُذْرٍ وَبِغَيْرِ عُذْرٍ أَمْ لَا وَإِذَا تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ أَوْ الْعُرْفِ فِي زَمَنِهِ مَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ هَلْ تُعْتَبَرُ السُّكْنَى فِي الْخَلْوَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَعَ الْمُلَازَمَةِ أَوْ لَيْلًا فَقَطْ أَوْ نَهَارًا أَوْ التَّرَدُّدُ فِيهَا أَيَّ وَقْتٍ أَرَادَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وَهَلْ يَكْفِي أَيْضًا وَضْعُ أَمْتِعَتِهِ فِيهَا وَغَلْقُ بَابِهَا مِنْ غَيْرِ تَرَدُّدٍ إلًّا فِي النَّادِرِ.
وَإِذَا قُلْتُمْ نَعَمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَلْ يَسْتَحِقُّ مُعِيرُهُ الْوَظِيفَةَ أَمْ لَا وَهَلْ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ فِي الْخَلْوَةِ إعَارَتُهَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِ الطَّوِيلَةِ أَوْ الْقَصِيرَةِ وَيَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا دُونَ الْمُسْتَعِيرِ إذَا قُلْتُمْ لِلْمُعِيرِ أَنْ يُعِيرَ وَهَلْ يَسُوغُ هَذَا الْإِسْقَاطُ عَنْ الْوَظِيفَةِ بِغَيْرِ نُزُولٍ عَنْهَا أَمْ لَا وَهَلْ لِلنَّاظِرِ مَنْعُ صَاحِبِ الْوَظِيفَةِ مِنْ إسْقَاطِهَا لِلْغَيْرِ إذَا قُلْتُمْ بِهِ وَلَهُ التَّقْرِيرُ بِذَلِكَ لِلْغَيْرِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَمُرَتَّبًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَسْقَطَ ذُو وَظِيفَةٍ حَقَّهُ مِنْهَا وَهُوَ رَشِيدٌ سَقَطَ وَمَنْ غَابَ عَنْ وَظِيفَتِهِ بِقَصْدِ مُفَارَقَةِ بَلَدِهَا وَتَوَطَّنَ غَيْرَهَا بَطَلَ حَقُّهُ مِنْهَا بِذَلِكَ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ لَكِنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ عُرْفًا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَيُقَرِّرُ النَّاظِرُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا غَيْرَهُ وَمَنْ قَرَّرَهُ اسْتَحَقَّ وَإِنْ عَادَ الْغَائِبُ لِبُطْلَانِ حَقِّهِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِتَقْرِيرٍ شَرْعِيٍّ وَإِذَا غَابَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ وَلَا نَائِبَ لَهُ فَالنَّظَرُ لِلْعَامِّ فَيَمْضِي مَا فَعَلَهُ مِمَّا لَا مُخَالَفَةَ فِيهِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْغَيْبَةُ الْمُسْقِطَةُ لِحَقِّ ذِي الْوَظِيفَةِ الْمَدَارُ
فِيهَا عَلَى الطَّوِيلَةِ عُرْفًا فَإِنْ كَانَتْ قَصِيرَةً أَنَابَ النَّاظِرُ عَنْهُ مَنْ يُبَاشِرُ وَأَعْطَاهُ الْمَعْلُومَ حَيْثُ لَا مُخَالَفَةَ فِي ذَلِكَ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُ بِأَنَّ مَنْ اسْتَنَابَ لِعُذْرٍ لَا يُعَدُّ بِسَبَبِهِ مُقَصِّرًا تَكُونُ الْجَامِكِيَّةُ لِلْمُسْتَنِيبِ وَأَمَّا النَّائِبُ فَإِنْ ذَكَرَ لَهُ جُعْلًا اسْتَحَقَّهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ وَإِنْ اسْتَنَابَ عَلَى صِفَةٍ يُعَدُّ مَعَهَا مُقَصِّرًا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُسْتَنِيبُ شَيْئًا مِنْ الْجَامِكِيَّةِ وَأَمَّا النَّائِبُ فَإِنْ أَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِيهِ اسْتَحَقَّ الْجَامِكِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَحِقُّهَا وَإِذَا تَعَذَّرَتْ مَعْرِفَةُ شَرْطِ الْوَاقِفِ وَالْعُرْفِ الْمُطَّرِدِ فِي زَمَنِهِ رَجَعَ إلَى عَادَةِ النُّظَّارِ الْمُطَّرِدَةِ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ فَإِنْ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ الِاحْتِيَاطِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ عَادَةٌ أَوْ اخْتَلَفَتْ رَجَعَ لِاجْتِهَادِ النَّاظِرِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَيْضًا أَنَّ النَّاظِرَ مَتَى أَسْكَنَ شَخْصًا أَمْضَى مَا لَمْ تَتَحَقَّقْ مُخَالَفَتُهُ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَبِهَذَا عُلِمَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِ السَّائِلِ هَلْ تُعْتَبَرُ السُّكْنَى إلَخْ وَمَتَى شَرَطَ الْوَاقِفُ سُكْنَى الْمُسْتَحَقِّ امْتَنَعَتْ إعَارَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ مِنْ الْوَظِيفَةِ مُرَادِفٌ لِلنُّزُولِ عَنْهَا فَيَنْفُذُ وَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ النَّاظِرُ.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ عَزَلَ نَاظِرُ وَقْفٍ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ نَفْسَهُ فَهَلْ يَنْعَزِلُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي رَجَّحَهُ السُّبْكِيّ وَقَالَ إنَّهُ لَمْ يَرَ فِيهِ خِلَافًا أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ لَكِنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ النَّظَرُ بَلْ يَرْفَعُ الْأَمْرَ لِقَاضٍ أَوْ لِلْوَاقِفِ إنْ كَانَ حَيًّا وَقُلْنَا لَهُ ذَلِكَ لِيُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ وَحُمِلَ كَلَامُ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمُقْتَضِي لِانْعِزَالِهِ عَلَى مَا إذَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَبُولِ فَيَكُونُ رَدًّا ثُمَّ اخْتَارَ خِلَافَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا وَرَدَّ عَلَى مَنْ أَفْتَى بِانْعِزَالِهِ وَلَوْ قَبْلَ الرَّدِّ
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى الضَّعِيف أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ غَلَّةَ مُدَّةِ الْحَمْلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي الْمَوْقُوفِ نَخْلَةٌ فَخَرَجَتْ ثَمَرَتُهَا قَبْلَ خُرُوجِ الْحَمْلِ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ تِلْكَ الثَّمَرَةِ شَيْءٌ كَذَا قَطَعَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَأَطْلَقَاهُ.
وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الثَّمَرَةِ الَّتِي أَطْلَعَتْ وَلَمْ تُؤَبَّرْ قَوْلَانِ هَلْ لَهَا حُكْمُ الْمُؤَبَّرَةِ فَتَكُونُ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا فَتَكُونُ لِلثَّانِي قَالَ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ يَجْرِيَانِ هُنَا فَمَا الْمُعْتَمَدُ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ السُّبْكِيّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ عَنْ الْقَاضِي أَنَّ الثَّمَرَةَ إذَا بَرَزَتْ قَبْلَ انْفِصَالِ الْحَمْلِ وَقَبْلَ مَوْتِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ حَدَثَ وَلَا لِلْبَطْنِ الثَّانِي مِنْهَا شَيْءٌ.
وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ أَفْتَى أَيْضًا فِي بُسْتَانٍ وُقِفَ عَلَى رَجُلٍ ثَمَّ عَلَى بَطْنٍ آخَرَ فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بَعْدَ خُرُوجِ الثَّمَرَةِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ هَلْ يَتَعَلَّقُ الْغُرَمَاءُ بِالثَّمَرَةِ بِأَنَّ ثَمَرَةَ غَيْرِ النَّخْلِ لِلْمَيِّتِ تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَكَذَا ثَمَرَةُ النَّخْلِ إنْ مَاتَ بَعْد التَّأْبِيرِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَكَذَا إذَا تَرَكَ جَارِيَةً حَامِلًا أَوْ شَاةً مَاخِضًا فَوَلَدَتْ بَعْد الْمَوْتِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَيْ وَقُلْنَا وَلَدُهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ هَلْ يُقْضَى حَقُّ الْغُرَمَاءِ مِنْ الْوَلَدِ أَوْ يَكُونُ لِلْبَطْنِ الثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هَلْ لَهُ قِسْطٌ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ الْقَطْعُ بِهِ مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ وَقَضِيَّةُ إجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ إنْ نَظَرَ فِيمَا أَلْحَقْنَاهُ بِهَا فِي التَّأْبِيرِ وَعَدَمِهِ وَالْحَمْلِ يَتَرَتَّبُ عَلَى الثَّمَرَةِ.
وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ لِلْبَطْنِ الثَّانِي لِأَنَّ الثَّمَرَةَ يُمْكِنُ فَصْلُهَا فِي الْحَالِ وَلَا كَذَلِكَ الْحَمْلُ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا الْفَرْعُ يَنْبَغِي الِاعْتِنَاءُ بِهِ فَإِنَّ الْبَلْوَى تَعُمُّ بِهِ وَالْكَلَامُ فِيهِ لَا يَخْتَصُّ بِالتَّفْرِيعِ عَلَى عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَلْ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا خَرَجَتْ الثَّمَرَةُ قَبْلَ انْفِصَالِ الْحَمْلِ بِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَلَا يَخْتَصُّ أَيْضًا بِوَقْفِ التَّرْتِيبِ بَلْ يَكُونُ فِيهِ النِّزَاعُ بَيْنَ الْبَطْنِ الثَّانِي وَوَرَثَةِ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ فِي وَقْفِ التَّشْرِيكِ بَيْن الْوَلَدِ الْحَادِثِ وَبَقِيَّةِ الَّذِينَ يُشَارِكُهُمْ فِي الْوَقْفِ هَلْ يَخْتَصُّونَ بِالثَّمَرَةِ أَمْ يُشَارِكُونَهُ فِيهَا.
وَاَلَّذِي اقْتَضَاهُ نَظَرِي فِيهِ مُوَافَقَةُ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ الْمُعْتَبَرَ وُجُودُ الثَّمَرَةِ لَا تَأْبِيرُهَا لِأَنَّهَا إذَا وُجِدَتْ كَانَتْ مِلْكَ مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْهُ.
وَيَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الثَّمَرَةَ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّقَبَةِ فِي الْمِلْكِ حَتَّى يَتَنَاوَلَهَا وَالتَّأْبِيرُ وَإِنْ كَانَ اعْتَبَرَهُ الشَّرْعُ فَلِأَنَّ بِوُجُودِهِ تَصِيرُ الثَّمَرَةُ ظَاهِرَةً كَعَيْنٍ أُخْرَى وَقَبْلَهَا نَقَلَهُ الْمَالِكُ لَهَا تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا لَيْسَ عَلَى عَمَلٍ وَلَا شَرَطَ الْوَاقِف فِيهِ صَرْف مُسَانَهَة أَوْ مُشَاهَرَةٍ أَوْ مُيَاوَمَة أَمَّا مَا كَانَ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَلٍ كَأَوْقَافِ الْمَدَارِسِ وَالْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ
وَنَحْوهمْ إذَا شَرَطَ لِوَاقِفِ تَقْسِيطِهِ عَلَى الْمُدَّةِ وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْأَرْضُ لَا يَأْتِي مُغَلُّهَا إلَّا مَرَّةً فِي سَنَةٍ.
وَالْبُسْتَانُ لَا يَأْتِي ثَمَرَهُ إلَّا كَذَلِكَ وَأُجْرَةُ الْمَنَافِعِ تَخْتَلِفُ فَفِي بَعْضِ السَّنَةِ كَثِيرَةٌ وَبَعْضُهَا قَلِيلَةٌ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي فِي مِثْل هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُغَلِّ وَالثَّمَرَةِ وَنَحْوِهَا أَنْ تُقَسَّطَ عَلَى الْمُدَّةِ وَيُعْطَى مِنْهُ لِوَرَثَةِ مَنْ مَاتَ عَنْ الْمُدَّةِ الَّتِي بَاشَرَهَا وَإِنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ مَا وُجِدَتْ إلَّا بَعْد وَهَكَذَا الْإِقْطَاعَاتُ يُقَسَّطُ مُغَلُّ السَّنَةِ عَلَيْهَا وَيُعْطَى لِكُلِّ وَاحِدٍ قِسْطَهُ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ خِلَافَ هَذَا كُلِّهِ اتَّبَعَ شَرْطُهُ وَمِمَّا وَقَعَ فِي الْمُحَاكَمَاتِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَاقِفُ وَقْفٍ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى غَيْرِهِ وَحَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ وَكَانَ فِي الْمَوْقُوفِ كَرْمٌ فَمَاتَ الْوَاقِفُ وَهُوَ حِصْرِمٌ وَأَرَادَ مَنْ بَعْدَهُ أَخْذَ الْحِصْرِمِ وَحِرْمَانَ وَرَثَةِ الْوَاقِفِ عَنْهُ فَمَنَعْتُهُ وَالْوَاقِفُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَوْلَى بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ إذَا كَانَ غَيْرَ الْوَاقِفِ اهـ.
وَإِنَّمَا سُقْته بِطُولِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَحْقِيقٍ وَفَوَائِدَ يَتَعَيَّنُ إمْعَانُ النَّظَرِ فِيهَا وَالِاعْتِنَاءُ بِهَا فَإِنَّهَا عَزِيزَةٌ النَّقْلِ إلَّا فِي هَذَا الْكِتَابِ
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ ضَيْعَةً عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ فَصَرَفَ إلَيْهِمْ وَلَيْسُوا مُعَيَّنِينَ فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةٌ فَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى مَنْ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ عَلَى الْوَاقِفِ لِتَعْزِيرِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ.
فَكُلُّ مَنْ سَكَنَ الْمَوْضِعَ أَوْ انْتَفَعَ بِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ غَرِمُوا الْأُجْرَةَ فَإِنْ أَجَّرَ النَّاظِرُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ وَسَلَّمَهَا إلَى الْعُلَمَاءِ فَرُجُوعُ مُسْتَحِقِّ الْمِلْكِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لَا عَلَى النَّاظِرِ وَالْعُلَمَاءِ وَرُجُوعُ الْمُسْتَأْجِرِ بِمَا سَلَّمَهُ عَلَى مَنْ سَلَّمَ إلَيْهِ أَوْ وَصَلَتْ دَرَاهِمُهُ إلَيْهِ فَإِنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكه لِفَسَادِ الْإِجَارَةِ وَقَرَارُ غُرْمِ الدَّرَاهِمِ عَلَى مَنْ تَلِفَتْ فِي يَدِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَغْنَى مَسْجِدٌ عَنْ الْعِمَارَةِ وَبِقُرْبِهِ مَسْجِدٌ آخَرُ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَهَلْ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَقْتَرِضَ لَهَا مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ الْغَنِيِّ عَنْهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرُوا أَنَّ إقْرَاضَ مَالِ الْوَقْفِ كَمَالِ الطِّفْلِ وَذَكَرُوا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَيْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ إقْرَاض مَال الطِّفْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً بِخِلَافِ نَحْو الْأَبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَقَضِيَّةِ ذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْمَسْجِدِ كَمَالِ الطِّفْلِ فَالِاقْتِرَاض لِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ جَائِزَةٌ لِذَلِكَ كَالِاقْتِرَاضِ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ بَلْ أَوْلَى وَقَدْ ذَكَرَ الرَّافِعِيُّ مَا مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَيْ أَوْ الْقَاضِي أَنْ يَقْتَرِضَ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ وَصَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَيْ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ وَأَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ بِأَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ النَّظَرَ وِلَايَةٌ تَقْبَلُ مِثْلَ هَذَا وَعَلَيْهِ فَيَلْحَقُ بِهِ الصُّورَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا إلْحَاقًا لِعِمَارَةِ الْمَسْجِدِ بِإِصْلَاحِ ضِيَاعِ الطِّفْلِ.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ خَوَابِي وَنَحْوهَا عِنْد مَسْجِدٍ وَبِهَا مِيَاهٌ وَلَا يُدْرَى عَلَى أَيِّ جِهَةٍ وُقِفَتْ فَمَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُتَّبَعُ فِيهَا الْعَادَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ مِنْ غَيْر نَكِيرٍ أَخْذًا مِنْ قَاعِدَةِ أَنَّ الْعَادَة مُحَكَّمَةٌ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ وَقْفُ نَحْو مُصْحَفٍ عَلَى عَامِّيٍّ أَوْ أَعْمَى لِيَقْرَأَ فِيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ الصِّحَّةُ فِي الْأَوَّلِ لِإِمْكَانِ تَعَلُّمِهِ وَقِرَاءَتِهِ فِيهِ بِخِلَافِ الثَّانِي
(وَسُئِلَ) عَنْ وَقْفِ الْوَرَقِ الْأَبْيَضِ عَلَى مَنْ يَكْتُب فِيهِ هَلْ يَصِحّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَوْ صَرِيحُهُ الصِّحَّةُ حَيْثُ كَانَ الْمَكْتُوبُ فِيهِ مُبَاحًا وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ شَرْطَ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَكُون الِانْتِفَاعُ بِهِ بِغَيْرِ إتْلَافِهِ وَالْكِتَابَةُ فِيهِ إتْلَافٌ لَهُ فِيهِ نَظَر بَلْ لَا وَجْهَ لَهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ النَّخْلِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ إذَا حَدَثَ لَهُ أَوْلَادٌ مَا حُكْمُهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هِيَ كَالْأَصْلِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ جَمْعٌ وَأَفْتَى آخَرُونَ بِأَنَّهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مِنْ الْفَوَائِدِ الْحَادِثَةِ بَعْد الثَّمَرَةِ فَتُلْحَقُ بِالثَّمَرَةِ وَنَحْوهَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ هَذَا عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَبَنِيهِمَا مَنْ اتَّصَفَ مِنْهُمْ بِالْفِقْهِ فَمَاتَ زَيْدٌ عَنْ أَوْلَادٍ غَيْرِ فُقَهَاءَ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ عَمْرٌو الْكُلَّ إلَى أَنْ يَتَفَقَّهُوا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَسْتَحِقُّ الْكُلَّ إلَى أَنْ يَتَفَقَّهُوا كُلُّهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ دَارًا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا لِآخَرَ وَصَدَّقَهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَبْطُلُ الْوَقْفُ أَوْ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَبْطُلُ الْوَقْفُ بَلْ يَسْقُطُ حَقُّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ الْغَلَّةِ وَتُصْرَفُ لِمَنْ بَعْدَهُ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن أَنْ يَعُودَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَيُصَدَّقُ بِصِحَّةِ الْوَقْفِ أَوْ لَا وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ دَارِهِ بَعْد مَوْتِهِ
عَلَى أَوْلَادِهِ فَمَا حُكْمُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هُوَ وَصِيَّةٌ يَجُوزُ الرُّجُوعُ فِيهَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى سَبِيلِ الْبِرِّ ذَكَرُوا أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ فَهَلْ يَخْتَصُّ بِالْفُقَرَاءِ كَمَا إذَا انْقَرَضَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ أَمْ يُفَرَّقُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُصْرَفُ لِأَقَارِبِهِ ثُمَّ لِأَهْلِ الزَّكَاةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ قِيلَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ دُخُولُ الْقَرِيبِ الْبَعِيدِ وَالْغَنِيِّ فِي ذَلِكَ وَفَارَقَ مَسْأَلَةَ الِانْقِرَاضِ بِأَنَّ الْمُصْرَفَ الْمُعَيَّنَ مِنْ الْوَاقِفِ فِيهَا تَعَذَّرَ فَاحْتِيجَ لِمُرَجِّحٍ وَأَقْوَاهُ الْقَرَابَةُ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْأَقَارِبِ أَفْضَلُ وَلَمَّا كَانَتْ الْقَرَابَةُ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جِهَاتٍ رَاعَيْنَا أَفْضَلهَا وَهِيَ مِنْ جِهَةِ الْفَقْرِ وَالْقُرْبِ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ غَنِيًّا وَالْآخَرُ فَقِيرًا رَجَّحْنَا بِالْفَقْرِ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِ أَفْضَلُ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَالْوَاقِف نَصَّ عَلَى الْجِهَةِ الْمُعَبَّرِ عَنْهَا بِسَبِيلِ الْبِرِّ وَقَدْ عَيَّنَ الشَّرْعُ أَنَّهَا الْأَقَارِبُ فَلَا نَظَرَ إلَى الْمُرَجِّحَاتِ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لِلْكُلِّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ صِلَةُ الرَّحِمِ فَشُمُولُهُ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالْقَرِيبِ وَالْأَقْرَبِ وَاضِحٌ مِنْ لَفْظِهِ وَمَا فِي تَفْقِيه الرِّيمِيِّ مِمَّا يَقْتَضِي اسْتِوَاءَ مَسْأَلَةِ الِانْقِرَاضِ وَمَسْأَلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْقَرَابَةِ فِي الِاخْتِصَاصِ بِمَا مَرَّ مِنْ تَصَرُّفِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أُشْغِرَتْ وَظِيفَةُ نَحْو التَّدْرِيسِ مُدَّةً فَهَلْ يَسْتَحِقُّ مَعْلُومَهَا مَنْ قَرَّرَ بَعْد فِي الْوَظِيفَةِ أَوْ مَا يَفْعَلُ بِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَحَثَ بَعْضُ الْيَمَنِيِّينَ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى مَنْ تَصَدَّى بَعْد أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الْحَاصِلِ مِنْ رِيعِ وَقْف الْمَسْجِد أَنَّهُ إذَا خَرِبَ يُصْرَف لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ.
وَفِيهِ حُكْمٌ وَأَخْذُ نَظَرٍ وَالْقِيَاسُ صَرْفُهُ لِمَصَالِحِ الْمَسْجِدِ الَّذِي فِيهِ تِلْكَ الْوَظِيفَةُ فَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ فَمَحَلُّ نَظَرٍ وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الْمَسْجِدِ الَّذِي خَرِبَ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِبَقِيَّةِ مُدَرِّسِي الْبَلَدِ وَإِلَّا فَمُدَرِّسُ أَقْرَب الْبِلَاد إلَيْهِمْ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مُعَيَّنٍ فَهَلْ يَجُوزُ غَرْسُهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَكَى ابْنُ الْمُلَقِّنِ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ قَالَ أَحَدُهُمَا نَعَمْ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَظَاهِره أَنَّهُ مَائِلٌ إلَيْهِ وَلَوْ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ الْعَادَةُ الْمُطَّرِدَةُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ فَلَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ الْأَرْضِ عَمَّا كَانَتْ مُعْتَادَةً لَهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَبْعُد.
وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اشْهَدُوا أَنَّ مَالِي وَقْفٌ عَلَى أَوْلَادِي هَلْ يُحْمَلُ عَلَى الْإِقْرَارِ أَوْ الْإِنْشَاءِ فَيَحْتَاجُ إلَى إجَازَة؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ كَالْغَزَالِيِّ أَنَّ قَوْلَهُ اشْهَدُوا عَلَى أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَذَا لَيْسَ إقْرَارًا بَلْ صِيغَةَ أَمْرٍ لَا صِيغَةَ إخْبَارٍ وَلَا يَجُوزُ لِلشُّهُودِ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ وَمِثْلُهُ عَلَيَّ الدَّبِيلِيُّ بِمَا إذَا قَالَ اُكْتُبُوا لِزَيْدٍ عَلَيَّ أَلْف دِرْهَم قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرُّ بَلْ أَمَرَ بِالْكِتَابَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَا فِي السُّؤَالِ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَلَا إنْشَاء إلَّا أَنْ يُفَرَّقَ بِأَنَّهُ هُنَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ الْأَقْوَى مِنْ الْإِخْبَارِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ فِيمَا مَرَّ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَيْضًا مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ اشْهَدُوا عَلَى أَنِّي وَقَفْت جَمِيعَ أَمْلَاكِي وَذَكَرَ مَصْرِفَهَا وَلَمْ يَحُدَّ مِنْهَا شَيْئًا صَارَ الْجَمِيعُ وَقْفًا وَإِنْ جَهِلَ الشُّهُودُ الْحُدُودَ وَلَا يُعَارِضُ هَذَا مَا مَرَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ هُنَا أَمَرَ بِالشَّهَادَةِ عَلَى إنْشَائِهِ لِلْوَقْفِ وَقَدْ أَنْشَأَهُ بِقَوْلِهِ وَقَفْت وَهُنَاكَ أَمَرَ بِهَا عَلَى إخْبَارِهِ وَلَمْ يُخْبِر وَيَشْهَدُ لَهُ قَوْلُ الدَّبِيلِيِّ السَّابِقِ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَعَرَّفَ بَلَدَهُ أَنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ عَلَى الْوَارِدِ وَإِذَا وُقِفَ عَلَى الْوَارِدِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ كَانَ غَائِبًا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ ثُمَّ قَدِمَ وَإِذَا طَلَب الْوَارِدُ عَشَاءَهُ لِيَشْتَرِيَ بِهِ شَيْئًا وَيَصْبِرُ بِلَا عَشَاءٍ يُجَابُ وَإِذَا اُعْتِيدَ فِي تِلْكَ أَنَّ الضِّيَافَةَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ هَلْ يَجُوزُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَلْ يَشْمَلُ الْوَارِدَ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَمَنْ يُرِيدُ الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ وَمَنْ ضِيفَ ثُمَّ ذَهَبَ لِبَلَدٍ قَرِيبَةٍ ثُمَّ رَجَعَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا وَقَفَ عَلَى مَسْجِدٍ مُعَيَّنٍ وَعُلِمَ مُرَادُ الْوَاقِفِ مِنْ ذَلِكَ كَالْوَارِدِ حُمِلَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ مُرَادُهُ وَأُطْلِقَ فَهُوَ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْعِمَارَةِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْمَسْجِدَ بَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ وَإِنْ وُجِدَ وَقْفٌ عَلَى مَسْجِدٍ وَلَمْ يُعْلَمْ حَالُهُ سَلَكَ ذَكِرهمْ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَيَتْبَعُ فِيهِ وَفِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ الْعَامَّ الْمَعْلُومَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ الزَّمَانِ مِنْ الْوَقْفِ إلَى الْآن مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ إذْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فَيَنْزِلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ
وَغَيْرُهُ وَفِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ أَرْضٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى أَنْ تَكُونَ غَلَّتُهَا طَعَامًا لِلْوَارِدِينَ إلَى مَسْجِدِ كَذَا فَقَدِمَ غَرِيبَانِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فِيهِ فَإِنْ أَرَادَ بِالْوَارِدِينَ الْأَضْيَافَ لَمْ يُصْرَفْ إلَيْهِمْ شَيْءٌ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ مَنْ لَمْ يَقُمْ فَهُمَا مُقِيمَانِ فَلَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا أَوْ مَنْ لَمْ يَتَوَطَّنْ فَهُمَا غَيْر مُتَوَطِّنِينَ فَيَسْتَحِقَّانِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمَلَةٌ وَتَحْكِيمُ الْعُرْفِ لَائِقٌ بِالْحَالِ اهـ.
وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا مَرَّ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ فِي الْوَقْفِ عَلَى وَارِدِ الْمَسْجِدِ بِأَنَّ الَّذِي يَنْبَغِي أَنَّ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَمَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بِسَمَاعِ نِدَائِهِ لَا يَسْتَحِقُّونَ شَيْئًا فِي هَذَا الْوَقْفِ وَإِنْ شَمَلَهُمْ اسْم الْوُرُود لِأَنَّهُمْ مَنْسُوبُونَ إلَى أَهْلِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ.
وَالتَّقْيِيد بِالْوَارِدِ إلَيْهِ يَقْتَضِي غَيْرَ أَهْلِهِ عُرْفًا بَلْ لَوْ قِيلَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ لَمْ يَبْعُد كَمَا فِي حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَقْرَبُ أَنَّ الْوَارِدَ يُعْطَى مَا دَامَ فِي حُكْمِ السَّفَرِ أَيْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوِهَا فِي وُرُودٍ وَاحِدٍ.
(وَسُئِلَ) هَلْ لِوَلِيِّ الصَّدَقَةِ الْأَكْلُ مَعَ الضَّيْفِ أَوْ يَخْلِطُ عَشَاءَهُ بِعَشَائِهِ تَأْنِيسًا وَمَا حَدُّ الْمُدَّةِ الَّتِي يُعْطَى الضَّيْفُ مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَلِيُّ الصَّدَقَةِ كَوَلِيِّ الطِّفْلِ فِيمَا ذَكَرُوهُ فَلَهُ أَنْ يَخْلِطَ عَشَاءَهُ مَعَ عَشَائِهِ وَحَدُّ الْمُدَّةِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ تَصَدَّقَ بِثَمَرِ نَخْلِهِ عَلَى عَشَاءِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ فَهَلْ يَصْرِفُهُ النَّاظِرُ فِي لَيْلَةٍ أَوْ لَيَالِي؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَمْرُ رَاجِعٌ إلَى نَظَرِهِ فَمَا رَآهُ مَصْلَحَةً وَجَبَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ قَوْلُهُ صَدَقَةُ بِرٍّ كَقَوْلِهِ صَدَقَةٌ مُحَرَّمَةٌ فَيَكُونُ صَرِيحًا فِي الْوَقْفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ وَلَفْظُ الصَّدَقَةِ إنَّمَا يَكُونُ كِنَايَةً فِي الْجِهَةِ الْعَامَّةِ وَتَمْلِيكًا فِي الْمُعَيَّنِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ كَمَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَوْقُوفُ وَقْفًا عَلَى جِهَةِ الْبِرِّ وَهِيَ أَقَارِبُ الْوَاقِفِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا مَاتَ النَّاظِرُ وَلَمْ يَكُنْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ حَاكِمٌ فَلِمَنْ يَكُونُ النَّظَرُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَكُونُ لِلْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ اُسْتُفِيضَ فِي أَرْضٍ أَنَّهَا وَقْفٌ لِمَسْجِدٍ فِي بَلَدِ كَذَا وَفِي ذَلِكَ الْبَلَدِ مَسَاجِدُ فَمَا يُفْعَلُ فِي غَلَّتِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرُوا فِي الْوَقْفِ الَّذِي عَمَى مَصْرِفُهُ خِلَافًا مَشْهُورًا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا مِثْلُهُ وَيُحْتَمَلُ صَرْفَهُ إلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ تِلْكَ الْمَسَاجِدِ وَبِهِ أَفْتَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَقَفَ بَعْد مَوْتِهِ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا فَهَلْ يُشْتَرَطُ حَفِظَهُ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ وَقِرَاءَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ مُطْلَقًا أَوْ يَفْصِلُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ غَيْبًا وَلَا نَظَرًا وَلَا قِرَاءَتُهُ عَلَى التَّرْتِيبِ بَلْ لَوْ لَزِمَ قِرَاءَةُ جُزْءٍ وَاحِدٍ دَائِمًا جَازَ كَمَا أَفْتَى بِجَمِيعِ ذَلِكَ جَمْعٌ وَأَفْتَى الْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيُّ فِيمَنْ شَرَطَ عَلَيْهِمْ قِرَاءَةً كُلَّ يَوْمٍ فَقَرَءُوا نَحْوَ يَس وَغَيْرِهَا بِأَنَّهُمْ إنْ قَرَءُوا قَدْرَ جُزْءٍ أَجْزَأَهُمْ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُتَنَبَّه لَهُ أَنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ كَانَ آتِيًا بِوَقْفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ بَاطِلٌ فَإِنْ قَالَ وَقَفْت كَذَا بَعْد مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ مَالٍ مَوْقُوفٍ لَمْ يَدْرِ عَلَى أَيِّ جِهَةٍ لَكِنْ اشْتَهَرَ وَاسْتُفِيضَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى كَذَا وَجَرَتْ نُظَّارُهُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ الْمُتَأَخِّرِ اتِّبَاعَهُمْ فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِبُ صَرْفُهُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْأَوَّلِينَ فِيهِ وَيَجْرِي عَلَى الْحَالِ الْمَعْهُودِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ عِمَارَةٍ وَغَيْرِهَا وَيَتَّبِعُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ الْعَامَّ الْمَعْلُومَ فِيمَا تَقَدَّمَ إلَى الْآن مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ كَمَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَغَيْرُهُ وَيُحْمَلُ ذَلِكَ الْمُتَعَارَفُ عَلَى الْجَوَازِ وَالصِّحَّةِ وَكَانَ الْمَالُ الْمَوْقُوفُ لِذَلِكَ الْمَعْهُودِ هَذَا إنْ عَلِمَ أَنَّ صَرْفَ النُّظَّارِ مِنْ ذَلِكَ الْمَالِ وَإِلَّا فَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّ ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى جِهَاتٍ وَذَكَرَ لِبَعْضِهَا مِقْدَارًا مُعَيَّنًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَمَا فَضَلَ مِنْ الرِّيعِ عَمَّا قَدَّرَهُ يَكُونُ لِلْجِهَاتِ الْفُلَانِيَّةِ فَجَاءَ فِي سَنَةِ الرِّيعِ الْمُقَدَّرُ ثُمَّ كَثُرَ فِي الثَّانِيَةِ فَهَلْ يُكَمَّلُ لِلْمُقَدَّرِ وَيُعْطِي الْفَاضِلَ لِلْمَشْرُوطِ لَهُمْ الْبَاقِي؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ أَصْحَابَ الْمُقَدَّرِ يُكَمَّلُ لَهُمْ كَأَصْحَابِ الْفُرُوضِ فِي الْمِيرَاثِ وَمَنْ لَهُ الْبَاقِي كَالْعَصَبَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ الْوَاقِفُ وَمَا فَضَلَ عَنْ كُلِّ سَنَةٍ وَنَحْوه مِمَّا يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ الشَّرْطِ بِكُلِّ سَنَةٍ.
وَهَذَا يَقْتَضِي فِي فَرْعِ ابْنِ الْحَدَّادِ أَنْ يُكَمِّلَ لِلْمُوصَى لَهُ مِنْ
رِيعِ الشَّهْرِ الثَّانِي وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ السِّرَاجُ.
وَلَكِنَّ الْفَرْقَ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مُسْتَحَقٌّ لِلْوَارِثِ تَبَعًا لِلرَّقَبَةِ فَلَا يُزَاحِمُهُ فِيهِ الْمُوصَى لَهُ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّ الرِّيعَ مُسْتَحَقٌّ لِأَصْحَابِهِ بِجِهَةِ الْوَقْفِ فَقُدِّمَ فِيهِ الْمُقَدَّرُ مُطْلَقًا نَعَمْ لَوْ كَمُلَ الْمُقَدَّرُ فِي سَنَةٍ وَأَعْطَيْنَا مَا فَضَلَ لِمَنْ بَقِيَ ثُمَّ نَقَصَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى هَلْ يُسْتَرَدُّ مِنْهُ فِيهِ وَقْفَةٌ وَفِي فَرْعِ كُلِّ سَنَةٍ مَا يَشْهَدُ لِلِاسْتِرْدَادِ وَلَوْ أَفْتَى بِالْمَنْعِ لَمْ يَبْعُد اهـ.
وَفَرَّعَ ابْنُ الْحَدَّادِ هُوَ مَا إذَا أَوْصَى الرَّجُلُ بِدِينَارٍ كُلَّ شَهْرٍ مِنْ غَلَّةِ دَارِهِ وَبَعْدَهُ لِلْفُقَرَاءِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى بِوَقْفِ نَخْلِهِ عَلَى فُلَانٍ وَذُرِّيَّته مَا تَنَاسَلُوا فَمَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْل الْوَقْفِ عَنْ وَرَثَةٍ فَهَلْ يَصِحُّ وَعَلَى مَنْ تُوقَفُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَهَلْ الْمُرَادُ الذُّرِّيَّةُ عِنْد الْمَوْتِ أَوْ الْوَقْفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةٌ.
قَالَ بَعْضُهُمْ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُوقَفُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ مَوْجُودًا عِنْد الْوَصِيَّةِ مُنْفَصِلًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَصِّي.
وَيُوَزَّعُ النَّخْلُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَصْلِهِمْ وَتَرْجِعُ حِصَّتُهُ لِوَرَثَةِ الْمُوَصِّي إرْثًا وَلَا يَتَعَدَّى الْوَقْفُ إلَى سَائِرِ ذُرِّيَّتِهِ وَلَا ذُرِّيَّةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فِيمَا يَظْهَرُ اهـ.
وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ثُمَّ رَأَيْت الزَّرْكَشِيّ بَحَثَ فِيمَا إذَا أَوْصَى أَنْ يُوقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَعَمْرٍو ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ زَيْدٌ قَبْل الْوَاقِفِ إنَّ حِصَّتَهُ لَا تَرْجِعُ إلَى الْوَرَثَةِ وَلَا تَكُونُ لِعَمْرٍو بَلْ تُوقَفُ عَلَى الْفُقَرَاءِ قِيلَ وَلَا مُنَافَاةَ لِاتِّفَاقِ الْكَلَامَيْنِ عَلَى بُطْلَانِ الْوَقْفِ عَلَى الْمَيِّتِ بِالنِّسْبَةِ إلَى حِصَّتِهِ وَأَنَّهُ لَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ فَيَرْجِعُ لِلْوَرَثَةِ لِتَعَذُّرِ صَرْفِهِ لِلْمَوْجُودِينَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ كَمَا تَعَذَّرَ صَرْفُهُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْكَشِيّ إلَى عَمْرٍو.
وَلَا سَبِيلَ إلَى الْوَقْفِ عَلَى مَنْ سَيَحْدُثُ مَنْ الذُّرِّيَّةِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِمْ إنَّمَا يَصِحّ بِالتَّبَعِيَّةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْوَقْفُ عَلَى الْمَتْبُوعِ وَهُوَ الْأَبُ وَهُمْ فِي لَفْظِ الْمُوصِي تَابِعُونَ لَهُ لَا لِلْمَوْجُودِينَ مِنْ الذُّرِّيَّةِ وَفِي مَسْأَلَةِ الزَّرْكَشِيّ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوَقْفُ عَلَى زَيْدٍ وَوُجِدَ ثَمَّ مَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ فِي لَفْظِ الْمُوصِي فَإِذَا تَعَذَّرَ الْوَقْفُ عَلَى الْبَطْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْبَطْنِ الثَّانِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْمَيْسُورَ لَا يَسْقُطُ بِالْمَعْسُورِ وَالْوَقْفُ فِي مَسْأَلَةِ الزَّرْكَشِيّ عَلَى بَطْنَيْنِ وَهُنَا وَقْفُ تَشْرِيَك فَهُوَ كَبَطْنٍ وَاحِدَة اهـ.
وَنَقَلَ الْجَوْجَرِيُّ عَنْ الْخَصَّافِ وَغَيْرِهِ مَا قَدْ يُنَازِع فِي جَمِيع مَا ذُكِرَ فَانْظُرْهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أُشْغِرَتْ وَظِيفَةٌ نَحْو التَّدْرِيسِ أَوْ الْإِمَامَة فَهَلْ تُصْرَفُ غَلَّتهَا لِنَظِيرِهِ فِي أَقْرَبِ مَكَان؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ سُئِلَ الْأَصْبَحِيُّ عَنْ أَرْضٍ وُقِفَتْ عَلَى أَنْ تُصْرَفُ غَلَّتهَا لِمُعَلِّمِ الْقُرْآنِ بِمَحَلِّ كَذَا فَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَعَلَّمُ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا إلَّا بِالتَّعْلِيمِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُهُ لِقَرْيَةٍ أُخْرَى عَلَى رَأْي الْمُتَقَدِّمِينَ وَرَأْي الْمُتَأَخِّرِينَ جَوَازُ ذَلِكَ اهـ قَالَ غَيْرُهُ وَالْفَتْوَى وَالْعَمَلُ عَلَى الثَّانِي وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْأَقْرَبِ وَالْأَبْعَدِ لَكِنَّ الْأَقْرَبَ أَوْلَى كَمَا ذَكَرُوهُ اهـ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُصْرَفُ لِنَحْوِ الْمُدَرِّسِ جَمِيعُ غَلَّةِ السَّنَةِ أَوَّلهَا أَوْ لَا يُدْفَعُ لَهُ إلَّا مَا بَاشَرَهُ كَمَا إذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ مُدَّةً طَوِيلَةً فَإِنَّهُ لَا يَدْفَعُ الْغَلَّةَ لِأَهْلِ الْوَقْفِ دُفْعَةً بَلْ كُلَّمَا مَضَتْ مُدَّةٌ دَفْعَ إلَيْهِمْ بِقَدْرِهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ عُلِمَ شَرْطُ الْوَاقِفِ فِي ذَلِكَ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا صُرِفَتْ الْغَلَّةُ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْأَوَّلِينَ الْمُطَّرِدَةُ الْمَعْلُومَةُ مَنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ حَادِثًا اُعْتُبِرَتْ الْعَادَةُ الْمُقَارِنَةُ لَهُ زَمَن الْوَاقِفِ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ كَمَا قَالَهُ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فَيُنْزِلُ وَقْفَهُ عَلَيْهَا فَإِنْ لَمْ تَطَّرِدْ الْعَادَةُ أَوْ جُهِلَتْ رَجَعَ فِي ذَلِكَ لِرَأْيِ النَّاظِرِ وَاجْتِهَادِهِ وَيُفَرَّقُ بَيْنهَا وَبَيْنَ مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ ثَمَّ مَعْرِضُ عِقْدِهَا الْمُوجِب لَهَا بِانْهِدَامِ الدَّارِ وَتَعَيُّبِ الْأَرْضِ أَوْ إتْلَافِهَا فَاحْتِيطَ لِحَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ وَلَمْ يُدْفَعْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ الْغَلَّةَ قَدْ حَصَلَتْ وَأَمِنَ عَلَيْهَا مِنْ تَطَرُّقِ اسْتِحْقَاقِ الْغَيْرِ لِأَجْلِهَا فَفَوَّضَ أَمْرَهَا لِلنَّاظِرِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ لِلْغَزِّيِّ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ وَلَهُ حَمْلٌ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَقُّ وَالْقِيَاسُ اسْتِحْقَاقُ الْأَخِ كَيْفَ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى وَلَدِهِ ثَمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى أَخِي الْوَاقِفِ فَمَاتَ وَلَدُهُ وَلَهُ حَمْلٌ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْحَمْلُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا وَقَالَ السُّبْكِيّ الْقِيَاسُ اسْتِحْقَاقُ الْأَخِ إلَى أَنْ يَنْفَصِلَ الْحَمْلُ قَالَ الْغَزِّيُّ وَالْمُتَبَادَرُ إلَى الذِّهْنِ أَنَّ الرِّيعَ يُوقَفُ إلَى الِانْفِصَالِ.
وَيُجَابُ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْخُذُ عِنْد كَوْنِهِ يُسَمَّى وَلَدًا وَلَا يُسَمَّاهُ إلَّا بَعْد
انْفِصَالِهِ فَلَا فَائِدَةَ لِلْوَقْفِ لِأَنَّهُ إنْ بَانَ حَيًّا لَمْ يَسْتَحِقُّ إلًّا مِنْ حِين الِانْفِصَالِ وَإِنْ بَانَ مَيِّتًا فَالِاسْتِحْقَاقُ لِلْأَخِ فَلَمَّا كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَجَبَ الصَّرْفُ إلَيْهِ مُدَّةَ الْحَمْلِ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي كَوْنِ الْحَمْلِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا.
وَبَحَثَ السُّبْكِيّ مِنْ الصَّرْفِ لِلْأَخِ وَرَدَّ مَا بَحَثَهُ الْغَزِّيُّ وَلِبَعْضِ الْيَمَنِيِّينَ هُنَا أَوْهَامٌ يَجِبُ تَجَنُّبُهَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَنْ رُزِقَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهَلْ يَجِبُ الصَّرْفُ لِثَلَاثَةٍ أَوْ لَا. وَعَلَيْهِ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَخُصَّ نَفْسَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الصَّرْفُ لِثَلَاثَةٍ لِأَنَّ لَفْظَ مَنْ يَشْمَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ وَلَا يَخْتَصُّ بِفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لِلْأَغْنِيَاءِ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ الْخَاصِّ وَلَا لِلْعَامِّ أَنْ يَخْتَصَّ بِهَا بَلْ النَّظَرُ فِي التَّخْصِيصِ إلَى الْحَاكِم الَّذِي فَوْقَهُ وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ لَوْ قَالَ ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ رَأَيْت أَوْ فِيمَا أَرَاك اللَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ فَرِّقْ ثُلُثِي فَهَلْ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ نَفْسَهُ وَإِنْ ذَكَرَ صِفَةً تَشْمَلُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا أَوْ أَخَّرَ الْوَكَالَةَ حَيْثُ قَالَ.
وَلَوْ قَالَ فَرِّقْ ثُلُثِي عَلَى الْفُقَرَاءِ وَإِنْ شِئْت أَنْ تَضَعَهُ فِي نَفْسِك فَافْعَلْ فَعَلَى الْخِلَافِ فِيمَنْ أَذِنَ لَهُ فِي الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ اهـ.
وَجَزَمَ بِمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا هَذَا مِنْ الْمَنْعِ بَعْضُ مُخْتَصِرِيهَا.
وَبِهِ يُنْظَرُ فِي قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمَا مِنْ الْمَنْعِ مَرْدُودٌ نَقْلًا وَتَوْجِيهًا أَمَّا النَّقْلُ فَقْد نَصَّ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَلَى الْجَوَازِ كَمَا نَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَأَمَّا التَّوْجِيهُ فَالرَّافِعِيُّ وَجَّهَ الْمَنْعَ ثَمَّ أَيْ فِي الْبَيْعِ لِنَفْسِهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تُضَادُّ الْغَرَضَيْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا بَلْ فِيهِ وَفَاءٌ بِمَقْصُودِ الْآذِن وَالثَّانِي اتِّحَادُ الْمُوجِبُ وَالْقَابِلُ وَهُوَ مُنْتَفٍ أَيْضًا لِأَنَّهُ هُنَاكَ تَوْكِيلٌ فِي صِيغَةِ عَقْدٍ فَيُؤَدِّي إلَى الِاتِّحَادِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا اهـ.
وَاَلَّذِي فِي التَّوَسُّطِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ لَوْ قَالَ ضَعْ ثُلُثِي فِي نَفْسِك جَازَ خِلَافًا لِلْجُرْجَانِيِّ وَعَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لَوْ قَالَ فَرِّقْ هَذِهِ الدَّرَاهِمَ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَأْمُورُ فَقِيرٌ هَلْ لَهُ الْأَخْذُ مِنْهَا وِجْهَاتٌ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِاللَّفْظِ وَالثَّانِي يَجُوزُ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى وَهُوَ الْفَقْرُ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْهَرَوِيُّ إذَا قَالَ الْمُوصِي ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْت قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَضَعهُ فِي نَفْسِهِ وَابْنِهِ وَزَوْجَتِهِ وَلَا وَرَثَةِ الْمُوصِي وَلَا فِيمَا لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْمَيِّتِ فَإِنْ وَضَعَهُ فِي وَرَثَةِ الْمُوصِي لَمْ يَصِحّ الِاخْتِيَارُ وَلَا يَخْتَارُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ انْعَزَلَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَوَكِيلٍ بَاعَ بَيْعًا فَاسِدًا اهـ.
كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ وَيُؤَيِّد احْتِمَالُهُ الْأَخِيرُ الْمُقْتَضِي لِصِحَّةِ اخْتِيَارِ الْوَصِيِّ ثَانِيًا مَا فِي الرَّوْضَةِ آخِرُ خِيَارِ الْبَيْعِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّصَرُّفِ لَلْوَصِيِّ ثَانِيًا إذَا لَمْ يَفْسُقْ بِالتَّصَرُّفِ الْأَوَّلِ أَيْ بِأَنْ كَانَ الْوَصِيّ هُنَا جَاهِلًا بِصَرْفِهِ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي.
وَنَقَلَ الْغَزِّيُّ فِي فَتَاوِيهِ عَنْ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فَرِّقْ ثُلُثِي لَمْ يُعْطِ نَفْسَهُ وَلَا مَنْ لَا تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَتُهُ وَلَا مَنْ يَخَافُهُ أَوْ يَسْتَصْلِحُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَهُ الصَّرْفُ لِأَبَوَيْهِ وَأَوْلَادِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ يُفَرِّقَ كَذَا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَهَلْ يَلْزَمُ وَإِذَا تَعَذَّرَ التَّفْرِيقُ فِيهِ يُؤَخَّرُ لِعَاشُورَاءَ الثَّانِي أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِب أَنْ يُفَرِّق يَوْم عَاشُورَاء فَإِنْ اتَّفَقَ تَأْخِيره عَنْهُ فَرَّقَ عِنْد الْإِمْكَان وَلَا يُؤَخَّر إلَى عَاشُورَاء الثَّانِي نَعَمْ لَوْ شَرَطَ كَذَا لِصُوَّامِ رَمَضَانَ فَأَخَّرَ عَنْهُ وَجَبَ تَأْخِيره إلَى رَمَضَانَ الثَّانِي كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ يُصْرَفُ فِي رَمَضَانَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضَهُ أَوْ أَوْصَى بِهَا لِإِطْعَامِ الضُّيُوفِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ صَرْفُ غَلَّتِهَا. وَيَكْفِي صَرْفُ الْقَمْحِ لِلضُّيُوفِ حَبًّا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا تَجَرَّدَ لَفْظُهُ عَنْ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِصَرْفِ الْأَرْضِ أَوْ غَلَّتِهَا اتَّبَعَ عُرْفَ زَمَنِ الْوَاقِفِ الْمُطَّرِدِ وَإِعْطَاءِ الْحَبِّ لَيْسَ بِضِيَافَةٍ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا لِيَصْرِفَ مِنْ غَلَّتِهَا كُلَّ شَهْرٍ لِفُلَانٍ وَلِلْفُقَرَاءِ كَذَا فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَمَا مَصْرِفُ الْفَاضِلِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَقْفُ صَحِيحٌ وَيُصْرَفُ الْفَاضِلُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ عَلَى كَلَامٍ فِيهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ قَالَ أَرْضِي الْفُلَانِيَّةُ صَدَقَةٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي كُلَّ جُمُعَةٍ يَس فَهَلْ هُوَ وَقْفٌ أَوْ وَصِيَّةٌ وَهَلْ تُجْزِئُ الْقِرَاءَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ جَهِلَ فَمَا يَفْعَلُ فِيهِ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَفْظُ التَّصَدُّقِ صَرِيحٌ فِي التَّمْلِيكِ إذَا كَانَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَإِلَّا فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي الْوَقْفِ فَإِنْ أَرَادَهُ بِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّل نَعَمْ إنْ قَالَ هِيَ صَدَقَةٌ بَعْد مَوْتِي إلَخْ صَحَّ وَكَانَ وَصِيَّةٌ وَحَيْثُ صَحَّ الْوَقْفُ أَوْ الْوَصِيَّةُ أَجْزَأَتْ الْقِرَاءَةُ لَيْلًا وَنَهَارًا وَتَتَعَيَّنُ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ لَمْ يُعْتَدْ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ مَا يُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إذَا جَهِلَ الْقَبْرَ بَطَلَ الْوَقْفُ قَالَ لِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِجِهَةٍ خَاصَّةٍ فَإِذَا تَعَذَّرَتْ لَغَا أَيْ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْأَصْبَحِيِّ أَخْذًا مَنْ كَلَامِ النِّهَايَةِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُعَيِّنُ لِلْقِرَاءَةِ مُدَّةً مَعْلُومَةً لَا يَصِحّ الْوَقْفُ وَلَا الْوَصِيَّةُ وَفِيهِ وَقْفَةٌ وَكَفَى بِقَوْلِهِ كُلُّ جُمُعَةٍ تَعْيِينًا فِي الْجُمْلَةِ بَلْ يَنْبَغِي فِي وَقَفْتُ هَذَا بَعْد مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ عَلَى قَبْرِهِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ اسْتَحَقَّ الْمُوصَى بِهِ وَلَمْ يُلْزِمُهُ بِذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَى ذَلِكَ الْقَبْرِ عَمَلًا بِمَدْلُولِ ذَلِكَ اللَّفْظِ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ ثُمَّ بَانَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ مُدَّةٌ مَعْلُومَةٌ وَقَدْرٌ مَعْلُومٌ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي الْوَقْفِ الْحَقِيقِيِّ لِأَنَّ عُرْفَ الْوَاقِفِ الْمُطَّرِدِ فِي زَمَنِهِ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا لِيُصْرَفَ مِنْ غَلَّتِهَا لِلْمُعَلِّمِ بِبَلَدِ كَذَا شَيْءٌ مَعْلُومٌ فَعَلَّمَ سَنَةً وَامْتَنَعَ ثُمَّ عَلَّمَ غَيْرُهُ وَلَمْ يُحَصِّلْ فِي سَنَتِهِ إلَّا دُون مَا شُرِطَ لَهُ فَهَلْ يُكَمِّلُ السَّنَةَ الثَّانِيَةَ وَهَلْ لَوْ مَاتَ أَثْنَاءَ السَّنَةِ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يُكَمِّلُ وَيَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ.
(وَسُئِلَ) هَلْ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي نَحْو التَّدْرِيسِ وَإِذَا عَطَّلَهُ أَيَّامًا فِي الشَّهْرِ تُحْسَبُ عَلَيْهِ مَنْ جَامِكِيَّتِهِ وَهَلْ يُعْمَلُ بِالْعَادَةِ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ لِعُذْرٍ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ مِثْلَ الْمُسْتَنِيبُ خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ.
وَمَنْ عَطَّلَ مَا ذُكِرَ قُطِعَ مَنْ جَامِكِيَّتِهِ بِنِسْبَتِهِ كَمَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيه وَبِهِ صَرَّحَ ابْنُ الصَّلَاحِ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ ضَعِيفٌ وَتَرْكُ التَّدْرِيسِ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ يُعْمَلُ فِيهِ بِالْعَادَةِ الْمُطَّرِدَةِ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ فَإِنْ جُهِلَتْ لَمْ تَجُزْ الْبَطَالَةُ وَلَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ خِلَافًا لِمَنْ اسْتَثْنَاهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ لَهُ إلًّا وَلَدٌ وَاحِدٌ فَهَلْ يَصِحّ الْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ. وَيُصْرَفُ إلَيْهِ الثُّلُثُ أَوْ الْجَمِيعُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ الْجِيلِيُّ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ زَيْدٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا قَرِيبٌ إنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا يُصْرَفُ لَهُ الْجَمِيعُ لِأَنَّ الْقَصْدَ الصَّرْفُ إلَى جِهَةِ الْقَرَابَةِ فَقِيَاسه أَنْ يُصْرَف فِي مَسْأَلَتنَا إلَيْهِ الْكُلّ فَإِنْ حَدَث أَحَدٌ مِنْ الْأَوْلَادِ شَارَكَهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا لِلَّهِ فَهَلْ يَصِحّ وَمَا مَصْرِفُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِيَاسُ قَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ وَقَفْتُهُ لِسَبِيلِ اللَّهِ صَحَّ أَنَّهُ يَصِحّ الْوَقْفُ هُنَا لَكِنَّ الْمَنْقُولَ عَدَمُ صِحَّةِ الْوَقْفِ فِي الْوَقْفِ لِلَّهِ وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ سَبِيلَ اللَّهِ مَصْرِفٌ مَعْلُومٌ يُحْمَلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ وَلِلَّهِ فَقَطْ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ مَصْرِفٌ مَعْلُومٌ فَبَطَلَ وَإِنَّمَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنَّهَا تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِمْ نَظَرًا لِذَلِكَ الْغَالِب بِخِلَافِهِ وَقَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ أَوْصَيْت لِلَّهِ تَعَالَى صَحَّ وَصُرِفَ إلَى الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ يُصْرَفُ هُنَا لِلْفُقَرَاءِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقْف وَقْفًا عَلَى أَوْلَاده وَأَوْلَاد أَوْلَاده وَهَكَذَا وَجَعَلَ النَّظَرَ لِنَفْسِهِ ثُمَّ زَوْجَتِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِ فَهَلْ يَنْتَقِلُ النَّظَرُ بَعْد الْأَوْلَاد لِأَوْلَادِهِمْ أَوْ لِلْحَاكِمِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَنْبَغِي بِنَاءُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ هَلْ يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَقِيقَةً أَنَّهُ وَلَد وَفِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ حَقِيقَة فَالنَّظَرُ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَإِلَّا فَالنَّظَرُ لِلْحَاكِمِ وَيُؤَيِّدُ تَرْجِيحَهُمْ الثَّانِي قَوْلُهُمْ لَا تَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَقَوْلُ الْأَزْرَقِيِّ عَنْ الْعَبَّادِيِّ لَوْ قَالَ بَنُو آدَمَ كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ لَمْ تُعْتَقْ عَبِيدُهُ بِخِلَافِ عَبِيدِ الدُّنْيَا وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ إطْلَاقَ الِابْنِ عَلَى ابْنِ الِابْنِ مَجَازٌ فَلَمْ تَدْخُلُ عَبِيده فِي كَلَامِهِ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الثَّانِي إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ أَنَّ النَّظَرَ لِلْحَاكِمِ لَا إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ نَقْضِ الْمَسْجِدِ وَتَوْسِيعِهِ هَلْ يَجُوزُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ جَوَّزَهُ ابْنُ عُجَيْلٍ الْيَمَنِيُّ وَمَنَعَهُ الْأَصْبَحِيُّ وَقَالَ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيطِ يَجُوزُ بِشَرْطِ أَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَرَاهُ الْإِمَامُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فَقْد فُعِلَ فِي مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مِرَارًا فِي زَمَنِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُجْتَهِدِينَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَى ذَلِكَ أَحَدٌ
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَجَدْنَا صُورَةَ مَسْجِدٍ وَلَمْ نَدْرِ هَلْ وُقِفَ مَسْجِدًا أَمْ لَا فَهَلْ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْمَسَاجِدِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ
الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُ ذَلِكَ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ أَفْتَى بِذَلِكَ وَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ فِي بَابِ الْوَقْفِ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ وَجَرَى عَلَيْهِ السُّبْكِيّ عَمَلًا بِالْقَرِينَةِ هَذَا إنْ لَمْ تَسْتَفِضْ تَسْمِيَةُ النَّاسِ لَهُ مَسْجِدًا وَإِلَّا حُكِمَ بِكَوْنِهِ مَسْجِدًا بِلَا تَوَقُّفٍ وَالْكَلَامُ فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ مِنًى غَيْر مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ وُجُودُ مَسْجِدٍ فِيهَا غَيْرَهُ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ بِنَاءُ مَسْجِدٍ فِيهَا.
(وَسُئِلَ) هَلْ لِلنَّاظِرِ إقْرَاضُ غَلَّةَ الْوَقْفِ وَالِاقْتِرَاضُ لِعِمَارَتِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ لَهُ إقْرَاضُ ذَلِكَ إلَّا إنْ غَابَ الْمُسْتَحِقُّونَ وَخَشِيَ تَلَفَ الْغَلَّةِ أَوْ ضَيَاعَهَا فَيُقْرِضُهَا لِمِلْءٍ ثِقَةٍ وَلَهُ الِاقْتِرَاضُ لِعِمَارَةِ الْوَقْفِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُرَدُّ الْوَقْفُ بِرَدِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مُطْلَقًا؟
(فَأَجَابَ) بِإِنَّمَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ قَبْلَ رِضَاهُ وَقَبْضِهِ وَأَمَّا إذَا رَضِيَ وَقَبَضَهُ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ لِأَنَّهُ لَزِمَ حِينَئِذٍ هَذَا مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ الْمُهَذَّبِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الشَّامِلِ وَفَرَّقَ بَيْن الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُ مَنْ ذُكِرَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وُقِفَ شَيْءٌ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِ فُلَانٍ شَيْئًا مَعْلُومًا مَنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَتَرَك الْقِرَاءَةَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَهَلْ يَقْضِيهَا وَيَسْتَحِقُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مَنْ مَعْلُومِ ذَلِكَ الْيَوْمِ الَّذِي فَوَّتَ قِرَاءَتَهُ سَوَاء أَقَضَاهُ أَمْ لَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ شَيْئًا وَقْفَ تَرْتِيبٍ عَلَى أَوْلَادِهِ فَادَّعَاهُ آخَرُ وَصَدَّقَهُ أَهْلُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا مَثَلًا فَهَلْ يَسْرِي تَصْدِيقُهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَسْرِي تَصْدِيقُهُمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ بَلْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَتَكُونُ الْمَنْفَعَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ فَإِذَا مَاتُوا انْتَقَلَتْ لِلْبَطْنِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَرِّ لَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَهُ بِمِلْكِ تِلْكَ الْعَيْنِ بِشَرْطِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَلْحَق فِي مَجْلِسِ وَقْفِهِ شُرُوطًا فَهَلْ تَلْزَم؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ لُزُومُهَا قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ أَلْحَقَ شُرُوطًا فِي مَجْلِسِ الْبَيْعِ وَيُحْتَمَلُ إلْغَاؤُهَا حَيْثُ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْ تَلَفُّظِهِ بِالْوَقْفِيَّةِ بِغَيْرِ سَكْتَةِ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَيُفَرَّقُ بَيَّنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْعِ بِأَنَّ الْبَيْعَ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَجَازَ فِيهِ إلْحَاقُ شُرُوطٍ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ كَإِلْحَاقِ الْإِجَارَةِ وَالْفَسْخِ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ إلَى الْآنَ بِخِلَافِ الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِ فَرَاغِ التَّلَفُّظِ مِنْ ذِكْرِهِمْ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَهُ شَرْطٌ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَثْبَتَتْ بَقَاءَ مَهْرِهَا فِي ذِمَّةِ زَوْجِهَا الْمَيِّتِ وَتَعَوَّضَتْ أَرْضُهُ الَّتِي لَمْ يَخْلُفْ غَيْرَهَا ثُمَّ وَقَفَتْهَا فَجَاءَتْ أُخْرَى وَأَثْبَتَتْ نِكَاحَهَا مِنْهُ وَمَهْرَهَا عَلَيْهِ فَهَلْ تُشَارِكُ الْأُولَى فِي الْأَرْضِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْقِيَاسُ بُطْلَانُ الْوَقْفِ فِي قَدْرِ مَا يَخُصُّ الثَّانِيَةَ مَنْ الْأَرْضِ لَوْ وُزِّعَتْ عَلَى قَدْرِ الْمَهْرَيْنِ وَأَمَّا مَا أَفْتَى بِهِ الْأَصْبَحِيُّ مِنْ صِحَّةِ الْوَقْفِ وَبَقَائِهِ فِي الْجَمِيعِ وَيَجِبُ عَلَى الْأُولَى الْغُرْمُ لِلثَّانِيَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهَا فَغَيْرُ مُنْقَاسٍ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِمْ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَمَّرَ طَبَقَةً كَانَتْ بِمَسْجِدٍ وَخَرِبَتْ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ لِغَيْرِهِ سُكْنَاهَا بِغَيْرِ إذْنِ وَلَدِهِ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ وَلَدُهُ سُكْنَاهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَمْلِكُ الْبَانِي إلَّا الْآلَةَ وَلَا يَسْتَحِقُّ وَلَدُهُ السُّكْنَى بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ السُّكْنَى فِيهَا بِغَيْرِ إذْنه لِمَا فِيهَا مَنْ الِانْتِفَاعِ بِالْآلَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى مِلْكه.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ دَرْسٍ فِي مَكَّةَ شَغَرَتْ وَظِيفَتُهُ مِنْهُ فَقَرَّرَ فِيهَا قَاضِي مَكَّةَ لِغَيْبَةِ النَّاظِرِ بِمِصْرَ أَوْ الشَّامِ فَهَلْ يَصِحُّ تَقْرِيرُهُ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ إذَا بَلَغَهُ ذَلِكَ أَنْ يُقَرِّرَ غَيْرَ مَنْ قَرَّرَهُ وَهَلْ النَّظَرُ عَلَى وَظَائِفِ الدَّرْسِ الْمَذْكُورِ لِقَاضِي بَلَد الْوَظَائِف إذَا غَابَ النَّاظِر فَيُقَرِّرُ فِيهَا كَمَا يُزَوِّج مُوَلِّيَةَ الْغَائِب؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ السِّرَاج الْبُلْقِينِيُّ وَوَلَده جَلَالُ الدِّينِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَوْلِيَةُ قَاضِي مَكَّةَ الْوَظِيفَة لِمَنْ ذَكَرَ وَلَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُوَلِّيَ غَيْرَ مَنْ وَلَّاهُ وَأَنَّ النَّظَرَ عَلَى وَظَائِفِ الدَّرْسِ الْمَذْكُورِ لِقَاضِي بَلَدِ الْوَظَائِفِ الْمَذْكُورَةِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْت نِصْفَ كَذَا عَلَى زَوْجَتِي وَالْبَاقِي عَلَى أَوْلَادِي ثَمَّ عُتَقَائِي فَإِذَا انْقَرَضَ الْأَوْلَادُ وَكَانَتْ الزَّوْجَةُ عَتِيقَةً لَهُ فَهَلْ تُشَارِكُ عُتَقَاءَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تُشَارِكهُمْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ فِيهَا وَفَارَقَ مَا لَوْ قَالَ وَقَفْتُ نِصْفَهُ عَلَى زَوْجَتِي وَالْبَاقِي عَلَى عُتَقَائِي فَإِنَّهَا لَا تُشَارِكهُمْ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَتْ عَتِيقَةً لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي التَّغَايُرَ فَهُوَ نَظِيرُ مَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِدِينَارٍ وَالْبَاقِي لِلْفُقَرَاءِ فَإِنَّهُ لَا يُشَارِكُ الْفُقَرَاءَ لِمَا ذُكِرَ.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ مَنْ يُزَوِّجُ الْجَارِيَةَ الْمَوْقُوفَةَ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ مَنْ غَيْرِ إجْبَارٍ بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ أَهْلًا وَإِلَّا فَعَلَى الْوَلِيِّ رِعَايَةُ الْمَصْلَحَةِ فِي الْإِذْنِ وَعَدَمِهِ فَإِنْ امْتَنَعَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنْ الْإِذْنِ اسْتَقَلَّ الْحَاكِمُ عَلَى مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ إنْ اقْتَضَتْهُ الْمَصْلَحَةُ تَحْصِينًا لَهَا وَبَحَثَ أَنَّ مِثْلَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَسْتَقِلُّ الْحَاكِمُ بِتَزْوِيجِهَا.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْعَبْدِ الْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْأَصْبَحِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِر إذْ الْمِلْكُ فِيهِ لِلَّهِ سبحانه وتعالى وَإِنَّمَا صَحَّ تَزْوِيجُ الْمَوْقُوفَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُنَافَاةٌ لِغَرَضِ الْوَاقِفِ بِوَجْهٍ بِخِلَافِ تَزْوِيجِ الْعَبْدِ فَإِنَّ مَنَافِعَهُ أَوْ أَكْثَرهَا تَصِيرُ مُسْتَغْرَقَةٌ لِلزَّوْجَةِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ سَنَةً مَثَلًا وَقَبَضَ أُجْرَتَهَا ثُمَّ صَرَفَهَا لِلْمُسْتَحِقِّينَ فَمَاتَ بَعْضُهُمْ قَبْل مُضِيِّ السَّنَةِ فَمَنْ الضَّامِنُ النَّاظِرُ أَوْ الْمَيِّتُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لِلنَّاظِرِ أَنْ يَصْرِفَ إلَّا بِقَدْرِ مَا مَضَى فَإِنْ زَادَ ضَمِنَ الزَّائِدَ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي تَرِكَةِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ لِتَقْصِيرِهِ بِالدَّفْعِ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ إذْ لَا عُهْدَةَ عَلَى الْقَابِضِ فِيمَا قَبَضَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ حَتَّى يَرْجِعَ عَلَيْهِ اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَرْجِعُ لِأَنَّ الْقَابِضَ أَخَذَ مَا لَا يَسْتَحِقُّهُ فَيَدُهُ ضَامِنَةٌ لَهُ وَإِنْ تَرَتَّبَتْ عَلَى يَدِ النَّاظِرِ وَهِيَ يَدُ ضَمَانٍ وَالْقَرَارُ عَلَى الْقَابِضِ وَالنَّاظِرِ إنَّمَا هُوَ طَرِيقٌ فَقَطْ.
(وَسُئِلَ) هَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ النَّذْرُ بِمَنْفَعَةِ الْمَوْقُوفِ مُطْلَقًا أَوْ مُدَّةَ حَيَاتِهِ لِآخَرَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ ابْن الرِّفْعَةِ بِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ إعَارَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ نَصِيبُهُ أَنْ يَكُونَ نَظَرُ الْوَقْفِ إلَيْهِ وَبِهِ يُعْلَمُ صِحَّةُ نَذْرِهِ إنْ كَانَ النَّظَرُ إلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ دَارٍ مَوْقُوفَةٍ بَنَاهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِآلَاتِهِ ثَمَّ بَاعَ بِنَاءَهُ لِآخَرَ ثُمَّ مَاتَ وَانْتَقَلَ الْوَقْفُ إلَى آخَرَ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى هَدْمِ هَذَا الْبِنَاءِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَكَرَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ فِيمَا لَوْ بَنَى مُسْتَأْجِرٌ أَرْضًا مَوْقُوفَةً فِيهَا مَا يَقْتَضِي عَدَمَ إجْبَارِ الْمُشْتَرِي هُنَا بَلْ يَبْقَى بِنَاؤُهُ بِأُجْرَةٍ نَعَمْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُبْدِلَ أَرْشَ النَّقْصِ مَنْ مَالِهِ لِيَنْقُضَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا تَعَطَّلَتْ الْبِئْرُ وَالْخَابِيَةُ وَالْقَنْطَرَةُ وَالتَّدْرِيسُ وَنَحْوُهَا فَهَلْ يُنْقَلُ مَا وُقِفَ عَلَيْهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ إذَا تَعَطَّلَ ذَلِكَ نُقِلَتْ غَلَّةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا إلَى مِثْلِهَا فِي جِهَةٍ أُخْرَى.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى تَحْصِيلِ مَاءِ الطَّهَارَةِ فِي نَحْو خَابِيَةِ مَسْجِدٍ فَهَلْ تَجُوزُ الطَّهَارَةُ مِنْهَا لِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى بَعْضُهُمْ بِجَوَازِ ذَلِكَ لِشُمُولِ لَفْظِ الْوَاقِفِ لَهُ مَا لَمْ يَنُصَّ الْوَاقِفُ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ بِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ فَلَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ مِنْهَا إلَّا لِمَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فِيهِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْمَاءِ الْمُتَصَدَّقِ بِهِ لِلطَّهُورِ فِي الْمَسَاجِدِ عِنْدنَا هَلْ يَجُوزُ لِأَحَدٍ نَقْلُهُ إلَى خَلْوَتِهِ وَادِّخَارِهِ فِيهَا لِلطُّهْرِ بِهِ مَعَ مَنْعِ النَّاسِ مِنْهُ وَالْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ وَهَلْ يَجُوزُ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ مَنْ تَصَدَّقَ بِمَاءٍ أَوْ وَقَفَ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ الطَّهُورُ بِمَسْجِدِ كَذَا لَمْ يَجُزْ نَقْلُهُ مِنْهُ لِطَهَارَةٍ وَلَا لِغَيْرِهَا مُنِعَ النَّاسُ مِنْهُ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسَبَّلَ يَحْرُمُ نَقْلُهُ عَنْهُ إلَى مَحَلّ آخَرَ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ كَالْخَلْوَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ نَعَمْ مَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَتَوَضَّأَ مِنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنَّ الْوَاقِفَ أَرَادَ ذَلِكَ تَكْثِيرًا لِثَوَابِهِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَقْصُرُ عَمَّا يُفْهِمُ ذَلِكَ هَذَا كُلُّهُ إنْ لَمْ يَطَّرِدْ عُرْفٌ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ وَيَعْلَمهُ وَإِلَّا نَزَلَ وَقْفُهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةِ شَرْطِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ أَرْضًا عَلَى مَالِكٍ مَنْفَعَتَهَا فَهَلْ يَصِحّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَوْجَهُ مَا بَحَثَهُ بَعْضُهُمْ مَنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ مَلَكَ مَنْفَعَتَهَا عَلَى الدَّوَامِ أَوْ مُدَّةَ عُمْرِهِ لِخُلُوِّ الْوَقْفِ حِينَئِذٍ عَنْ الْفَائِدَةِ الْعَاجِلَةِ وَالْآجِلَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ بِهِ مِلْك الرَّقَبَةِ فَإِنْ قُيِّدْت الْمَنْفَعَةَ بِمَا يُمْكِنُ تَقَدُّمُهُ عَلَى مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ صَحَّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ مُتَوَقَّعَةٌ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ نَخْلَةً لَهَا أَوْلَادٌ وَبَعْضُهَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ فَهَلْ يَجُوزُ قَطْعُ الْمُضِرِّ وَمَا الَّذِي يُفْعَلُ بِهِ إذَا قُطِعَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجُوزُ قَطْعُ الْمُضِرِّ ثُمَّ مَا حَدَثَ بَعْد الْوَقْفِيَّة أَفْتَى جَمْعٌ بِأَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْأَصْلِ فَيَكُونُ وَقْفًا وَيَشْهَدُ لَهُ مَا قَالَهُ السُّبْكِيّ فِي شَجَرِ اللَّوْزِ وَأَفْتَى آخَرُونَ بِأَنَّهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَوْجُودِ حَالَ الْوَقْفِيَّةِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَاَلَّذِي تَحَرَّرَ لِي بَعْدَ التَّثَبُّتِ أَيَّامًا أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ إلَى مَكَان آخَرَ
فُعِلَ وَإِلَّا بِيعَ وَيُشْتَرَى بِثَمَنِهِ نَخْلٌ أَوْ يُشَارِكُ بِهِ فِي نَخْلٍ يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ فِي مَصَارِفِهِ وَلِذَلِكَ شَاهِدٌ مَنْ كَلَامِهِمْ اهـ. وَهُوَ مُتَّجَهٌ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ عَمَّرَ فِي مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلْ لِوَرَثَتِهِ طَلَبُ مَا أَصْرَفَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ نَعَمْ بَحَثَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَدْخَلَ عَيْنًا فِي الْعِمَارَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ كَانَ لَهُمْ طَلَبُهَا وَفِيهِ نَظَرٌ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا وَقَفَ شَخْصٌ عَلَى مَسْجِد شَيْئًا وَشَرَطَ فِي الْوَقْفِ أَنْ يُصْرَفَ لِأَرْبَابِ الْوَظَائِفِ كَذَا وَمَا فَضَلَ لِلْعِمَارَةِ وَالْمَصَالِحِ فَعَمَّرَ النَّاظِرُ الْمَسْجِدَ وَبَعْضَ الْأَمَاكِنِ ثُمَّ عَمَّرَ أَخْلِيَةً يَرْتَفِقُ جَمَاعَةُ الْمَسْجِدِ وَغَيْرُهُمْ بِهَا وَالْحَالُ أَنَّ وَاضِعَهَا فِي الْأَصْلِ هُوَ الْوَاقِفُ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى أَرْصَادِ شَيْءٍ لِعِمَارَتِهَا فَهَلْ تَكُونُ دَاخِلَةً فِي الْمَصَالِحِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ عِمَارَةِ بَقِيَّةِ الْوَقْفِ قَبْلَ عِمَارَتِهَا وَلَا يُحْسَبُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ عِمَارَتِهَا إلَّا بَعْد عِمَارَةِ الْوَقْفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَتْ الْأَخْلِيَةُ الْمَذْكُورَة يَنْتَفِعُ بِهَا أَهْلُ الْمَسْجِدِ كَانَتْ مَنْ جُمْلَةِ مَصَالِحِهِ ثَمَّ الْوَاجِبُ عَلَى النَّاظِرِ أَنْ يَبْدَأَ بِعِمَارَةِ الْأَهَمِّ فَالْأَهَمِّ إنْ عَمَّرَهَا وَهِيَ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهَا حُسِبَ لَهُ مَا صَرَفَ عَلَى عِمَارَتهَا وَإِلَّا فَلَا.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَنْ شَخْص وَقَفَ وَقْفًا عَلَى نَفْسِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ وَحَكَمَ بِهِ مَنْ يَرَاهُ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُون الْإِنَاثِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ عَلَى أَبْنَائِهِمْ وَأَعْقَابِهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا وَدَائِمًا مَا تَعَاقَبُوا بَطْنًا بَعْد بَطْنٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا مِنْهُمْ تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى مَنْ نَفْسِهَا يَسْتَقِلُّ بِهَا الْوَاحِدَةُ الْوَاحِدَةُ عِنْد الِانْفِرَادِ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا عِنْد الِاجْتِمَاعِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَتَرَكَ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَيْهِ وَاحِدًا كَانَ أَوْ أَكْثَرَ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ فَهَلْ إذَا مَاتَ الْوَاقِفُ الْمَذْكُورُ وَتَرَكَ وَلَدَيْنِ ذَكَرَيْنِ وَبِنْتًا وَمَاتَ أَحَدُ الِابْنَيْنِ عَنْ بِنْتٍ هَلْ تَسْتَحِقُّ مِنْ الْوَقْفِ شَيْئًا أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا وَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصِّفَةَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمِثْلَهَا بَدَلُ الْبَعْضِ وَالِاشْتِمَالِ وَالْحَالُ تَرْجِعُ إلَى سَائِرِ مَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا وَتَأَخَّرَ عَنْهَا مَنْ الْجُمَلِ وَالْمُفْرَدَاتِ الْمَعْطُوفَةِ بِالْوَاوِ وَثَمَّ وَالْفَاءِ دُون لَكِنَّ وَبَلْ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ فِي غَيْرِ بَابِ الْوَقْفِ أَنَّ غَيْرَ الْمَعْطُوفَةِ كَذَلِكَ وَكَأَنَّ الْأَذْرَعِيَّ لَمْ يَسْتَحْضِرهُ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ بَعْضِهِمْ مَا قَدْ يُوَافِقُهُ ثُمَّ بَحَثَ خِلَافَهُ إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَغَيْرُ خَفِيٍّ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذُّكُور دُون الْإِنَاثِ يَحْتَمِلُ ثَلَاثَ احْتِمَالَاتٍ مُخْتَلِفَةَ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الذُّكُورُ دُونَ الْإِنَاثِ بَدَلًا مَنْ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ أَهْلِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا ذَكَرٌ مِنْ ذَكَرٍ فَلَا حَقَّ لِبِنْتِ الِابْنِ.
وَلَا لِأَوْلَادِ الْبِنْتِ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُضَافِ فَقَطْ فَلَا يَسْتَحِقُّ مِنْ أُولَئِكَ إلًّا الذَّكَر سَوَاء أَكَانَ مِنْ ذَكَرٍ أَمْ أُنْثَى فَيَسْتَحِقُّ ابْنُ الْبِنْتِ دُون بِنْتِ الِابْنِ وَعَلَى هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ فَلَا حَقَّ لِبِنْتِ الِابْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُنَافِيهِمَا قَوْلُهُ آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مَنْ وَلَدِ الظَّهْر لِمَا سَيَجِيءُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَقَطْ وَعَلَيْهِ فَالْمُسْتَحِقُّ كُلُّ مَنْ أَدْلَى بِذَكَرٍ ذَكَرًا كَانَ هُوَ أَوْ أُنْثَى فَتَسْتَحِقُّ بِنْتُ الِابْنِ الْمَذْكُورَةِ دُونَ وَلَدِ الْبِنْتِ.
وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ عِبَارَةَ الْوَاقِفِ إذَا احْتَمَلَتْ أَمْرَيْنِ فَأَكْثَر وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْمُرَجِّحِ فَإِنْ وُجِدَ لِكُلٍّ مُرَجِّحٌ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى مَا قَوِيَ مُرَجِّحِهِ فَمُرَجِّحُ الْأَوَّلَ أُمُورٌ مِنْهَا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ الَّذِي قَدَّمْته مَنْ رُجُوعِ نَحْو الصِّفَةِ إلَى سَائِرِ مَا تَقَدَّمَهَا مِنْ الْمُفْرَدَاتِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْطُوفَةً وَمِنْهَا أَنَّ تَخْصِيصَهُ بِأَحَدِ الْجُزْأَيْنِ مَعَ صَلَاحِيَّتِهِ لَهُمَا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَبَقِيَتْ مُرَجِّحَاتٌ أُخَرُ يَشْتَرِكُ فِيهَا هُوَ وَالثَّانِي كَمَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهَا وَمُرَجِّحُ الثَّانِي أُمُورٌ أَيْضًا مِنْهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ حَيْثُ أَفْتَى فِيمَنْ جَعَلَ نَظَرَ وَقْفِهِ عَلَى أَوْلَادِ ابْنِهِ خِضْرٍ الذُّكُورِ ثَمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ الذُّكُورُ مُقَدَّرًا فِي الْمَعْطُوفِ فَيَكُونُ رَاجِعًا لِلْمُضَافِ فَلَا تَسْتَحِقُّ بِنْتُ ابْنِ خِضْرٍ شَيْئًا وَيَحْتَمِلُ كَلَامُهُ أَنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ مَعَ رُجُوعِهِ لِلْمُضَافِ فَيَكُونُ مَنْ مُرَجِّحَاتِ
الْأَوَّلِ وَمِنْهَا مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ شَيْخِنَا زَكَرِيَّا خَاتِمَةِ الْمُحَقِّقِينَ سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ صَوْبَ الرَّحْمَةِ وَالرِّضْوَانِ مِنْ أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ إذَا احْتَمَلَ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ مَا صَرَّحَ بِهِ بَعْدُ يَكُونُ تَأْكِيد وَالْآخَرُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ تَأْسِيسًا رَجَّحَ الثَّانِي لِأَنَّ التَّأْسِيسَ خَيْرٌ مِنْ التَّأْكِيدِ وَهَذَا مِنْ مُرَجِّحَاتِ الْأَوَّلِ أَيْضًا وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيهِمَا أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى إلْغَاءِ قَوْلِ الْوَاقِفِ الذُّكُورِ دُون الْإِنَاثِ وَأَنَّ قَوْله آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ يُنَافِيه فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَطَرِيقُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنَّ إلَخْ دَافِعٌ لِمَا أَفْهَمَتْهُ الْقَاعِدَةُ السَّابِقَةُ الْمُقْتَضِيَةُ بِتَقْدِيرِ قَوْلِهِ الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ بَعْدَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا حَقَّ لِلْأُنْثَى فِي غَيْرِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَة أَيْضًا وَوَجْهُ دَفْعِهِ لِذَلِكَ أَنْ يَقْتَصِرَ بِقَوْلِهِ الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ عَلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُقَدِّرُ فِيمَا بَعْدَهَا عَمَلًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى.
فَعُلِمَ أَنَّ فِي قَوْلِهِ آخِرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى تَأْسِيسًا أَيَّ تَأْسِيس سَوَاء أَقُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ أَمْ الثَّانِي بِخِلَافِهِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ لَا يُقَالُ بَلْ يَأْتِي التَّأْسِيسُ عَلَى الثَّالِثِ أَيْضًا لِصِحَّةِ تَقْدِيرِ قَوْلِهِ الذُّكُورُ فِيمَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ مِنْ أَوْلَادِهِ وَالْعَطْفُ لَيْسَ عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ الْمُقَيَّدِ بِذَلِكَ بَلْ عَلَى الْمُضَافِ الْأَعَمِّ فَلَا قَيْدَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ حَتَّى يُقَدَّرُ فِي الْمَعْطُوفِ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ.
فَإِنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ مُقَيَّدٌ بِقَيْدٍ فَاعْتُبِرَ فِي الْمَعْطُوفِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَعَرَّضْ إلَى الْأَرْجَحِ مَنْ الْأَوَّلِ أَوْ الثَّانِي لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا حَقَّ لِبِنْتِ الِابْنِ الْمَسْئُولِ عَنْهَا وَأَمَّا مُرَجِّحُ الثَّالِثِ فَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّهُ يَبْعُدَ عَادَةً أَنَّ الْوَاقِفَ يُعْطِي بِنْتَ ابْنِ ابْنِهِ وَابْنِ بِنْتِهِ وَلَا يُعْطِي بِنْتَ ابْنه وَقَدْ نَظَرَ إلَى هَذِهِ الْقَرِينَةِ الْعَادِيَة وَكَوْنِهَا مُرَجِّحَةً الْبُلْقِينِيُّ فِي بَعْضِ فَتَاوِيهِ لَكِنَّ كَلَامَهُمْ لَا يُسَاعِدُهُ حَيْثُ أَشَارُوا إلَى أَنَّ لَفْظَ الْوَاقِف كَنَصِّ الشَّارِع فِي النَّظَر فِي التَّعْمِيمِ وَالتَّخْصِيصِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَادَةِ وَكَوْن الْوَاقِفِ مِمَّنْ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا خِلَافًا لِمَنْ يَثْبُت بِاحْتِمَالِ التَّفْصِيلِ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ نَفْسَهُ وَنَقَلَهُ عَنْ التَّاجِ السُّبْكِيّ وَأَقَرَّهُ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى الْبَنِينَ لَمْ تَدْخُلْ الْإِنَاثُ وَإِنْ اُحْتُمِلَ التَّغْلِيبُ احْتِمَالًا ذَائِعًا شَائِعًا لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ اللَّفْظِ مَعَ أَنَّهُ يَبْعُدُ عَادَة أَنَّ الْإِنْسَانَ يَقِفُ عَلَى ابْنِهِ دُون بِنْتِهِ فَإِخْرَاجه الْبِنْتَ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَقَطْ لِظُهُورِهِ مَعَ شَهَادَةِ الْعَادَةِ بِخِلَافِهِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَا قُلْنَاهُ وَلِلْعَمَلِ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَإِنْ خَلَّى عَمَّا مَرَّ مِنْ الْمُرَجِّحَات وَظَاهِر لَفْظ الْوَاقِف هُنَا أَنَّ قَوْله الذُّكُور بَدَلٌ مِنْ الْمُضَافِ إذْ الْمُضَافُ مَتَى كَانَ هُوَ الْمُحَدَّث عَنْهُ تَعَيَّنَ كَوْنَ الصِّفَة.
وَمِثْلُهَا الْبَدَلُ رَاجِعَةً إلَيْهِ إلَّا لِصَارِفٍ عَلَى أَنَّ كَلَامَ الْبُلْقِينِيُّ إذَا تُؤَمِّلَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِالْقَرِينَةِ الْعَادِيَّةِ بِمُجَرَّدِهَا فَقَطْ بَلْ بِاعْتِضَادِهَا بِقَرِينَةٍ لَفْظِيَّةٍ وَأَنَّهُ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا مَعَ ذَلِكَ مُطْلَقًا بَلْ فِي صُورَة تُعْرَفُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامه وَفِي مَسْأَلَتنَا لَمْ تُعْضَد الْقَرِينَةَ الْعَادِيَّةَ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ فَلَا نَظَر إلَيْهَا وَمِمَّا يُضْعِفُ الِاحْتِمَالَ الثَّالِثَ أَيْضًا مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَى إلَخْ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاء وَعَلَى تَقْدِير كَوْنِ الذُّكُورِ بَدَلًا مَنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا لِمَا بَعْدَهَا لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ الطَّبَقَاتِ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ يَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ اتِّحَادُ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ مَا إذَا جُعِلَ بَدَلًا مَنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ اسْتِثْنَاءٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَا عَدَا الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ قَضِيَّةَ الْعَطْفِ كَمَا مَرَّ أَنَّ أَحَدًا مَنْ الْإِنَاثِ فِي غَيْرِ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَأَخْرَجَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ عَلَى إلَخْ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ.
وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنَى مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ إلْغَاءُ قَوْلِهِ فِيهَا الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ خِلَافُ قَاعِدَةِ الِاسْتِثْنَاءِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ عَلَى الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ يَصِيرُ الْمُسْتَثْنَى مُتَّحِدًا مَعَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ فِي الْحُكْمِ وَعَلَى غَيْرِهِ يَصِيرُ الِاسْتِثْنَاءُ لَوْ جَعَلْنَاهُ رَاجِعًا إلَى الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مُبْطِلًا لِقَوْلِهِ فِيهَا الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ فَتَعَيَّنَ الْفِرَارُ مَنْ هَذَيْنِ وَالْقَوْلُ بِرُجُوعِ الِاسْتِثْنَاءِ لِمَنْ عَدَا الطَّبَقَةَ الثَّانِيَةَ هَذَا مَا سَنَحَ لِي وَلَا أَجْزِمُ بِأَنَّهُ
الصَّوَابُ فَعَلَى مَنْ تَأَهَّلَ لِلنَّظَرِ الْإِمْعَانُ فِيهِ لِيَظْهَرَ لَهُ صَوَابُهُ أَوْ خَطَؤُهُ وَلَا يُبَادِرُ إلَى اعْتِمَادِهِ حَذَرًا مِنْ الْوُقُوعِ فِي حِرْمَانِ مُسْتَحِقٍّ أَوْ إعْطَاءِ مَحْرُومٍ وَلَيْسَ فَائِدَةُ ذَلِكَ إلَّا بَيَانُ الْمَآخِذِ وَالتَّنْبِيهُ عَلَى مَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا وَاَللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ وَهُوَ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ثُمَّ رَأَيْت الْوَلِيَّ أَبَا زُرْعَةَ فِي فَتَاوِيهِ ذَكَرَ مَا يُؤَيِّد مَا ذَكَرْته مِنْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ.
وَلَفْظُهُ سُئِلْت عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثَمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ ثُمَّ نَسْلِهِ وَعَقِبِهِ الذُّكُورِ دُون الْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ دُون وَلَدِ الْبَطْنِ هَلْ يَعُودُ الْوَصْفُ بِالذُّكُورِيَّةِ فَيَكُونُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ خَاصَّةً إلَى الطَّبَقَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ أَوْ يَعُودَ إلَى سَائِرِ الطَّبَقَاتِ فَأَجَبْت بِعُودِهِ إلَى سَائِرِ الطَّبَقَاتِ عَمَلًا بِقَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي عَوْدِ الْمُتَعَلِّقَاتِ الْمَذْكُورَةِ بَعْد جُمَلٍ أَوْ مُفْرَدَاتٍ مِنْ شَرْطٍ أَوْ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ وَصْف أَوْ غَيْرِهَا إلَى جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ فِي غَيْرِ اخْتِصَاصٍ بِالْأَخِيرَةِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ وَأَطَالَ فِيهِ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْوَاوِ وَثُمَّ وَالْفَاءِ.
وَبِتَأَمُّلِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعَوْدِ إلَى سَائِرِ الطَّبَقَاتِ إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُصَرَّحٌ بِعُودِ قَوْلِ الْوَاقِفِ الذُّكُورُ دُون الْإِنَاثِ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ إلَى الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إلَيْهِ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ الَّتِي سَبَقَتْ فَيَكُونُ نَصًّا فِي عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ بِنْتِ الِابْنِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ وَظِيفَةِ بَوَّابَةٍ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْمَكِّيِّ بِاسْمِ شَخْصٍ وَأَخِيهِ غَابَ الْأَخُ الْمَذْكُورُ غَيْبَةَ انْقِطَاعٍ بِنَوَاحِي مِصْرَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِينَ سَنَةً وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ مُبَاشِرًا جَمِيعَ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ حَتَّى نَزَلَ بِجَمِيعِهَا لِرَجُلٍ وَثَبَتَ النُّزُولُ عَلَى يَدِ قَاضِي مَكَّةَ وَنَاظِرِ مَسْجِدِهَا وَقَرَّرَ الْمُتَوَلِّي لَهُ فِي جَمِيعِ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَبَاشَرَ مُدَّةَ خَمْسِ سِنِينَ وَقَبَضَ مَعْلُومَهَا الْمُدَّةَ الْمَذْكُورَةَ فَرَفَعَ شَخْصٌ إلَى قَاضِي مِصْرَ قِصَّةً أَنْهَى فِيهَا وَفَاةَ أَخِي النَّازِلِ وَسَأَلَ فِي تَقْرِيرِهِ فِيمَا كَانَ بِاسْمِهِ مَنْ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ يَصِحُّ تَقْرِيرُ قَاضِي مِصْرَ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّهُ سَبَقَ التَّقْرِيرُ مَنْ قَاضِي مَكَّةَ لِلْمَنْزُولِ لَهُ فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ جَمِيعِهَا لِغَيْبَةِ الْأَخِ وَانْقِطَاعِ اسْتِحْقَاقِهِ لِغَيْبَتِهِ وَعَدَمِ مُبَاشَرَتِهِ أَوْ لَا يَصِحّ تَقْرِيرُهُ فِي ذَلِكَ وَيُعْمَلُ بِمَا سَبَقَ مَنْ التَّقْرِيرِ الصَّادِرِ مَنْ قَاضِي مَكَّةَ لِلْمَنْزُولِ لَهُ الْمَذْكُورِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ التَّقْرِيرُ فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ لِنَاظِرِ الْمَسْجِدِ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْقُوفُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ بِغَيْرِ الْبَلَدِ وَتَطَّرِدُ الْعَادَةُ بِأَنَّ الْمُوَلِّيَ فِيهَا هُوَ قَاضِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ فَأَلْحَقَ فِي التَّقْرِيرِ لَهُ فَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَتَقْرِيرُ النَّاظِرِ هُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ حَيْثُ لَمْ تُوجَدْ الْعَادَةُ الْمَذْكُورَةُ وَإِلَّا فَهُوَ لِقَاضِي تِلْكَ الْبَلَدِ وَمَحَلُّ هَذَا كُلِّهِ حَيْثُ فُقِدَ شَرْطُ الْوَاقِفِ وَإِلَّا فُوِّضَ لِنَاظِرِ الْمَسْجِدِ التَّقْرِيرُ فِي جَمِيعِ وَظَائِفِهِ وَإِنْ كَانَتْ أَوْقَافُهَا فِي غَيْرِ بَلَدِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ شَرْطَ وَاقِفٍ عُمِلَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَفُوِّضَ لِلنَّاظِرِ مَا ذُكِرَ عُمِلَ بِتَقْرِيرِهِ هُنَا مُطْلَقًا وَأَجَابَ مَرَّةً أُخْرَى بَعْد تَغْيِيرٍ فِي بَعْضِ السُّؤَالِ فَقَالَ إنْ كَانَ الْوَقْفُ بِمَكَّةَ فَالتَّقْرِيرُ لِقَاضِيهَا لَا غَيْرُ وَإِنْ كَانَ بِمِصْرَ مَثَلًا فَإِنْ شَرَطَ الْوَاقِفُ شَيْئًا عُمِلَ بِهِ وَإِلَّا فَإِنْ اطَّرَدَتْ الْعَادَةُ فِي زَمَنِهِ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ قَاضِي مَكَّةَ وَمِصْرَ يُقَرِّرُ فَتَقْرِيرُ قَاضِي مَكَّةَ هُوَ الصَّحِيحُ لِسَبْقِهِ وَإِنْ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ كَذَلِكَ فَالْوِلَايَةُ لِقَاضِي مِصْرَ فَلَيْسَ لِقَاضِي مَكَّةَ أَنْ يُوَلِّيَ إلَّا عَلَى جِهَةِ النِّيَابَةِ فِي تِلْكَ الْوَظِيفَةِ حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إلَى قَاضِي مِصْرَ وَيُقَرِّرُ فِيهَا مَنْ يَرَاهُ هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَالْأَذْرَعِيِّ وَكَلَامُ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِفٍ شَرَطَ فِي وَقْفِهِ أَنْ يُصْرَفَ رِيعُهُ فِي جِهَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا قُرَّاءٌ يَقْرَءُونَ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ مَعْلُومَ كُلِّ يَوْمٍ مِنْ الْأُجْرَةِ الْمَقْبُوضَةِ أَوْ بَعْضِهَا بِحِسَابِهِ أَمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ إلَّا بَعْد انْقِضَاءِ الْإِجَارَةِ وَالْحَال أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنُصَّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِذَا حَصَلَ فِي الْوَقْفِ هَدْمٌ أَوْ خَلَلٌ فِيهِ فَتَوَقَّفَ النَّاظِرُ عَنْ عِمَارَتِهِ وَإِصْلَاحِهِ مِنْ رِيعِهِ فَهَلْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ مُطَالَبَتُهُ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَتَمَادَى إلَى خَرَابِهِ كُلِّهِ فَيَفُوتُ غَرَضُ الْوَاقِفِ وَهَلْ لِلْمُسْتَحِقِّينَ مُحَاسَبَتُهُ بِالْأُجْرَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ لِيَعْلَمَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَا يَخُصُّهُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّ الْأُجْرَةَ تَزِيدُ وَتَنْقُصُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
وَهَذَا مَحْسُوسٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُمْ ذَلِكَ فَهَلْ لَهُمْ تَحْلِيفُهُ إذَا لَمْ يُصَادِقْهُمْ عَلَى شَيْءٍ خَفِيَ أَوْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ مَنْ غَيْرِ مُحَاسَبَةٍ وَهَلْ لَهُمْ أَيْضًا مُحَاسَبَتُهُ فِي الْعِمَارَةِ أَيْضًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَسْتَحِقُّونَ مَا يَخُصُّ كُلَّ يَوْمٍ قَرَءُوهُ بِمُضِيِّهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ لِذَلِكَ عَلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَيَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ الْعِمَارَةُ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطهَا الْوَاقِفُ فَإِنْ تَرَكَهَا مَعَ التَّمَكُّنِ فَسَقَ وَانْعَزَلَ عَنْ النَّظَرِ وَلِلْمُسْتَحِقَّيْنِ مُطَالَبَتُهُ بِهَا وَلَهُمْ أَيْضًا مُطَالَبَتُهُ بِالْحِسَابِ إذَا كَانُوا مُعَيَّنِينَ كَمَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ كَشُرَيْحٍ وَغَيْرِهِ بِأَنَّ النَّاظِرَ لَوْ ادَّعَى صَرْفَهُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ وَهُمْ مُعَيَّنُونَ وَأَنْكَرُوا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمْ وَلَهُمْ الْمُطَالَبَةُ بِالْحِسَابِ وَبِهِ يُعْلَمُ الْجَوَابُ عَنْ جَمِيعِ مَا فِي السُّؤَالِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ وَقَفَ رَبْعَةً شَرِيفَةً وَقَرَّرَ فِيهَا صُوفِيَّةً وَشَيْخًا لَهُمْ وَقَرَّرَ لِكُلِّ إنْسَانٍ مَبْلَغًا مَعْلُومًا فِي كُلِّ سَنَةٍ وَشَرَطَ فِي كِتَابٍ وَقَفَهُ شُرُوطًا مِنْهَا أَنَّ مَنْ غَابَ أَكْثَرَ مَنْ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ ظَاهِرَةٍ أَخْرَجَهُ النَّاظِرُ أَوْ الشَّيْخُ وَقَرَّرَ فِي وَظِيفَتِهِ غَيْرَهُ وَكَانَ الْوَاقِفُ قَرَّرَ شَخْصًا فِي أَوَّلِ وَظِيفَةٍ تَشْغُرُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فَشَغَرَتْ بَعْد مُدَّةٍ وَظِيفَةٌ بِمَوْتِ صَاحِبِهَا وَكَانَ الشَّخْصُ الْمُقَرَّرُ بِالتَّعْلِيقِ مُسَافِرًا إذْ ذَاكَ فِي بِلَادٍ بَعِيدَةٍ لَمْ يَبْلُغْهُ شُغُورُ الْوَظِيفَةِ فَهَلْ تَكُونُ غَيْبَتُهُ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ وَعَدَمُ عِلْمِهِ بِالشُّغُورِ ضَرُورَةً ظَاهِرَةً لِأَنَّهُ سَافَرَ قَبْل الشُّغُورِ وَإِذَا قُلْتُمْ إنَّهَا ضَرُورَةٌ ظَاهِرَةٌ فَهَلْ لِلْمُتَكَلِّمِ عَنْ الْغَائِبِ إقَامَةُ نَائِبٍ عَنْهُ إلَى حِينِ حُضُورِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَتَى ثَبَتَ لِلْمُقَرَّرِ بِالتَّعْلِيقِ حَقُّ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ بِأَنْ اُسْتُوْفِيَتْ شُرُوطُ ذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ وَحَكَمَ بِهِ لَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا بَعْد عَمَلِهِ وَمُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ حُضُورِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ فِي عَدَمِ الْحُضُورِ كَخَوْفِ الطَّرِيقِ أَوْ عَدَمِ الْأَمْنِ عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ لَوْ سَافَرَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَقَدْ صَرَّحَ بِمَا ذَكَرْته آخِرًا أَوْ بِنَظِيرِ مَا ذَكَرْته أَوَّلًا تَلْوِيحًا شَيْخَا الْإِسْلَامِ أَبُو حَفْصِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَبُو زُرْعَةَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ قَالَ وَلِذَلِكَ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ حَبَسَ جِهَاتٍ لَهُ عَلَى عَشَرَةِ أَشْخَاصٍ مَنْ الْمُقِيمِينَ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى أَنْ يَقْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ جُزْءًا مِنْ الْقُرْآنِ الشَّرِيفِ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَشَرَطَ أَنَّ مَنْ غَابَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِضَرُورَةٍ يُسَامَحُ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَائِبٍ وَمَنْ غَابَ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ سُومِحَ بِإِقَامَةِ نَائِبٍ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ غَابَ لِغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ فِي الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ زِيَارَةٍ تُنْزَعُ مِنْهُ الْوَظِيفَةُ وَيُقَرَّرُ فِيهَا غَيْرُهُ وَشَرَطَ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ لِنَفْسِهِ التَّغْيِير وَالتَّبْدِيلِ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيه رَأْيُهُ وَثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى صِحَّةَ ذَلِكَ.
وَرَفَعَ لَهُ شَخْصٌ قِصَّةً تَتَضَمَّن أَنَّهُ مِنْ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا قِرَاءَةُ الْجُزْءِ بِهَا وَسَأَلَهُ أَنْ يُقَرِّرهُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ يَشْغُرُ مِنْ ذَلِكَ فَأَجَابَ سُؤَالَهُ وَقَرَّرَهُ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ مُقِيمًا بِغَيْرِ الْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ بِهَا الْقِرَاءَةُ إلَى أَنْ رَفَعَ لِلْوَاقِفِ النَّاظِرِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَعْلَاهُ شَخْصٌ آخَرُ قِصَّةً تَتَضَمَّن مَا تَضَمَّنَتْهُ الْقِصَّةُ الْأَوْلَى فَأَجَابَ النَّاظِرُ سُؤَالَهُ وَقَرَّرَهُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ يَشْغَرُ وَأَشْهَد عَلَى نَفْسِهِ النَّاظِرُ فِي ذَلِكَ وَأَثْبَتَ تِلْكَ الْقِصَّةَ عَلَى يَدِ حَاكِمِ الشَّرْعِ الَّذِي يَرَى صِحَّةَ ذَلِكَ فَانْتَقَلَ بِالْوَفَاةِ أَحَدُ الْمُسْتَحِقِّينَ فَأَظْهَرَ الثَّانِي مِنْ الْمُقَرَّرِينَ قِصَّتَهُ الْمَثْبُوتَةَ الْمَشْهُودَ فِيهَا عَلَى الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ فَمُكِّنَ مِنْ الْمُبَاشَرَةِ وَبَاشَرَ عَامَيْنِ ثُمَّ إنَّ وَالِدَ الْمُقَرَّرِ الْأَوَّلِ نَازَعَ الثَّانِي عَنْ وَلَدِهِ بِحَسَبِ مَا بِيَدِهِ مِنْ الْقِصَّةِ الْعَارِيَّةِ عَنْ الثُّبُوتِ وَعَنْ الْإِشْهَادِ عَلَى النَّاظِرِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ وَرَفَعَ أَنَّهُ مَحْجُورٌ مَعَ أَنَّ الْمُقَرِّرَ الْأَوَّلَ مِنْ يَوْمِ قَرَّرَ إلَى الْآنَ غَائِبٌ عَنْ الْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ الْقِرَاءَةُ فِيهَا فَهَلْ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ عَنْ وَلَدِهِ بِحَسَبِ حَجْرِهِ لَهُ أَمْ لَا وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَهَلْ اسْتِمْرَارُ غَيْبَتِهِ بَعْد الشُّغُورِ وَإِظْهَارِ الثَّانِي الْمُقِيمِ بِالْبَلَدِ الْمُشْتَرَطِ فِيهَا الْقِرَاءَةُ قِصَّتَهُ الْمَحْكُوم بِهَا وَتَمْكِينُهُ مَنْ الْمُبَاشَرَةِ وَالْمُبَاشَرَةُ لِتِلْكَ الْمُدَّةِ مُبْطِلٌ لِمَا بِيَدِ الْأَوَّلِ مَنْ التَّقْرِيرِ وَيُوجِبُ الِاسْتِحْقَاقَ لِلثَّانِي أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا ثَبَتَ أَنَّ النَّاظِرَ الَّذِي هُوَ الْوَاقِفُ اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ التَّغْيِيرَ وَالتَّبْدِيلَ عَلَى حَسْبِ مَا يَرَاهُ وَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ وَبِصِحَّةِ التَّقْرِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ كَانَ
تَقْرِيرُهُ لِلثَّانِي إبْطَالًا لِتَقْرِيرِهِ لِلْأَوَّلِ إنْ كَانَ حَالُ تَقْرِيرِ الثَّانِي ذَاكِرًا لِتَقْرِيرِ الْأَوَّلِ وَصَرَّحَ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ أَوْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ قَرِينَةٌ وَإِلَّا اشْتَرَكَا فِي الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا لَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ لِزَيْدٍ ثُمَّ أَوْصَى بِهَا لِعُمَرَ وَشَرَّكَ بَيْنهمَا فَإِنْ قَالَ الَّذِي أَوْصَيْتُ بِهِ لِعُمَرَ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْ الْوَصِيَّةِ الْأَوْلَى وَفِي الْحَالَةِ الْأَوْلَى لَوْ رَدَّ أَحَدُهُمَا كَانَ لِلْآخَرِ الْجَمِيعُ اهـ. وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّا إذَا قُلْنَا بِالتَّشْرِيكِ بَيْنَ الْمُقَرَّرِينَ فِي السُّؤَالِ فَبَطَل حَقُّ الْأَوَّلِ لِعِلْمِهِ بِالْمَوْتِ وَغَيْبَتِهِ الْمُدَّةَ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْوَاقِفُ لِغَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ اسْتَحَقَّ الثَّانِي جَمِيعَ الْوَظِيفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَحَيْثُ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ حَقٌّ نَابَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ الثَّابِتَةُ وِلَايَتُهُ أَوْ وَكَالَتُهُ وَإِلَّا فَلَا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا جُدِّدَ مَسْجِدٌ وَزِيدَ عَلَى حُدُودِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فَهَلْ لِلْمَزِيدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَنَحْوِهَا وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْن كَوْنِ الْأَرْضِ الَّتِي زِيدَ فِيهَا مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا لِلْمَسْجِدِ وَبَيْن نِيَّةِ جَعْلِهِ مَسْجِدًا وَالْإِطْلَاقِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُت لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فَهَلْ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِلْمَزِيدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ وَغَيْرِهَا إنْ وَقَفَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِأَرْضِهَا مَسْجِدًا بِأَنْ تَلَفَّظَ الْوَاقِفُ بِذَلِكَ أَوْ كَانَتْ أَرْضُ الزِّيَادَةِ مَوَاتًا وَنَوَى بِالْبِنَاءِ فِيهَا إحْيَاءَهَا مَسْجِدًا وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِذَلِكَ فَإِنْ انْتَفَى قَيْدٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَكُنْ لِلزِّيَادَةِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ كَانَ فِيهَا مَصْلَحَةٌ وَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهَا ضَرَرٌ كَهَدْمِ جِدَارِ الْمَسْجِدِ أَوْ إحْدَاث مَا يَضُرّهُ كَوَضْعِ الْجُذُوعِ عَلَى جِدَارِهِ فَإِنْ انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذُكِرَ امْتَنَعَتْ الزِّيَادَةُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا قَالَ أَحَدٌ وَقَفْتُ كَذَا وَجَعَلْتُ زَيْدًا وَالِيًا عَلَيْهِ وَهُوَ بِحِلٍّ مِمَّا يَأْخُذُ مِنْ الْوَقْفِ هَلْ يُؤَثِّرُ هَذَا الْإِحْلَالُ أَثَرًا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا قَوْلُهُ وَجَعَلْته وَالِيًا عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ شَرْطُ النَّظَرِ لَهُ عَلَى إطْلَاقِهِ فَفِي شَرْحِي لِلْإِرْشَادِ قَالَ السُّبْكِيّ وَمُوَرِّقُو كُتُبِ الْأَوْقَافِ تَارَةً يَقُولُونَ وَشَرَطَ الْوَاقِفِ النَّظَرَ لِفُلَانٍ وَيَفْهَمُونَ بَيْنهمَا مَعْنًى وَاحِدًا وَهُوَ الِاشْتِرَاطُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّرْطِ إذَا دَلَّتْ الْقَرِينَةُ عَلَيْهِ بِأَنْ يَجْعَلهُ فِي ضِمْنِ الْكِتَابِ.
وَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ وَقْفٌ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ وَمَا أَشْبَهَهُ حَتَّى لَوْ قَالَ فِي الْكِتَابُ وَبَعْد تَمَامِ الْوَقْفِ جَعَلَ النَّظَرِ لِفُلَانٍ أَوْ شَرَطَهُ لَهُ لَمْ يَصِحَّ فَالْحَاصِل أَنَّهُ إذَا وَرَدَ الْوَقْفُ عَلَى صِفَةٍ دَلَّ عَلَيْهَا بِصِيغَةِ الشَّرْطِ أَوْ الْجَعْلِ أَوْ التَّفْوِيضِ أَوْ غَيْرِهَا لَزِمَ جَمِيعُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ الَّذِي أَوْرَدَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْرَدَ الْوَقْف وَحْده ثُمَّ ذَكَرَ تِلْكَ الشُّرُوطَ مُتَرَاخِيَةً أَوْ مُتَعَاقِبَةً فَإِنَّهَا لَا تَلْزَم وَلَا تَصِحّ وَفِي إطْلَاقه ذَلِكَ نَظَرٌ يُتَلَقَّى مِمَّا مَرَّ فِي وَقَفْت وَشَرَطْت وَيُجَاب بِأَنَّ مَا ذُكِرَ إنَّمَا هُوَ فِي عِبَارَاتِ كُتُبِ الْأَوْقَافِ الْمُحْتَمَلَة لِصُدُورِهَا مِنْ الْوَاقِفِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ فَاحْتِيطَ لَهَا بِمَا ذُكِرَ.
وَمَا مَرَّ إنَّمَا هُوَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ الْمُحَقِّقِ فَعُمِلَ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَهُوَ بِحِلٍّ إلَخْ فَلَا أَثَر لَهُ لِأَنَّهُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْإِبَاحَةِ لَا الشَّرْطِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ وَالْإِبَاحَةُ لَا تُتَصَوَّر مِنْ الْوَاقِفِ لِأَنَّهُ بِالْوَقْفِ خَرَجَتْ الْعَيْنُ الْمَوْقُوفَةُ عَنْ مِلْكه فَلَا تَنْفُذُ إبَاحَتُهُ فِيهَا عَلَى أَنَّ مِثْلَ تِلْكَ الصِّيغَةِ لَوْ صَدَرَتْ مَنْ حَيٍّ لِآخَرَ فِي مَالِهِ لَمْ يَسْتَبِحْهُ بِهَا فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا يَسْتَبِيح بِهَا مِنْ الْوَاقِفِ شَيْئًا وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَبَحْت لَك مَا فِي دَارِي مِنْ الطَّعَامِ أَوْ مَا فِي كَرْمِي مِنْ الْعِنَبِ جَازَ لَهُ أَكْلُهُ لَا بَيْعُهُ وَحَمْلُهُ وَتُقْتَصَرُ الْإِبَاحَةُ عَلَى الْمَوْجُودِ وَلَوْ قَالَ أَبَحْت لَك جَمِيعَ مَا فِي دَارِي أَكْلًا وَاسْتِعْمَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْجَمِيعَ لَمْ تَحْصُلْ الْإِبَاحَةُ اهـ. فَالصُّورَةُ الْأَخِيرَةُ هِيَ الَّتِي نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهَا مَعَ الْجَهْلِ لَا تُفِيدُ الْإِبَاحَةَ فَبِالْأَوْلَى أَنْ لَا تُفِيدَهَا فِي صُورَةِ السُّؤَالِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ مِمَّا قَرَّرْته عَلَى أَنَّ لِلْعِمَادِ بْنِ يُونُسَ احْتِمَالًا فِي نَظِيرِ مَسْأَلَتنَا بِالْبُطْلَانِ.
فَإِنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَلِأُمِّي السُّكْنَى بِهَا حَتَّى تَمُوتَ
فَأَجَابَ بِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءُ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ تَطْلُقُ وَيَلْغُو الِالْتِزَام وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَتِهِ مُدَّةً مَجْهُولَةً وَهِيَ حَيَاتُهَا فَهَذَا الِاحْتِمَالُ يَجْرِي فِي مَسْأَلَتنَا وَلَكِنَّ الْأَوْجَهَ
مِنْ احْتِمَالَيْ ابْنِ الْعِمَادِ الْأَوَّلُ وَيُجَابُ عَمَّا عَلَّلَ بِهِ الثَّانِي الْجَارِي فِي مَسْأَلَتنَا نَظِيرُهُ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ لَيْسَ نَصًّا فِي الشَّرْطِيَّة إذْ قَوْلُهُ وَلِأُمِّي إلَخْ بِالْوَعْدِ أَوْ الْإِبَاحَةِ أَشْبَهُ كَمَا قُلْنَاهُ فِي مَسْأَلَتنَا فَمِنْ ثَمَّ رَجَّحْنَا بُطْلَانَهُ هُوَ لَا بُطْلَانَ الْوَقْفِ مِنْ أَصْلِهِ وَكَذَا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَغَلَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْغَلَّةَ وَانْتَفَعَ بِهَا بِغَيْرِ صَرْفٍ مَنْ النَّاظِرِ فَتَقَعُ الْمَوْقِعَ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَقَعُ الْمَوْقِعَ كَمَا يُعْلَمُ بِالْأَوْلَى مِمَّا ذَكَرُوهُ فِي مَبْحَثِ الْوِصَايَةِ مِنْ أَنَّ لِلْمُسْتَحِقِّ لِعَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِأَخْذِهَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِنَحْوِ فَتْحِ بَابٍ وَحَلِّ وِكَاءٍ وَيُشْتَرَطُ هُنَا أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ النَّاظِرُ أَرْصَدَهُ تَحْتَ يَدِهِ لِعِمَارَةٍ أَوْ نَحْوهَا وَأَنْ لَا يَكُونَ اسْتَحَقَّ صَرْفَهُ فِي ذَلِكَ لِوُجُودِ الدَّاعِي إلَيْهِ فَحِينَئِذٍ مَتَى أَخَذَهُ ضَمِنَهُ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ حِينَئِذٍ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ قَوْلُ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ يَبْدَأُ مِنْ فَوَائِدِ الْوَقْفِ بِعِمَارَتِهِ سَوَاءٌ أَشَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يَشْرِطْهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ بُسْتَانًا عَلَى أَحَدٍ وَاشْتَرَطَ عِمَارَةَ دَارِهِ الْمَوْقُوفَةِ مِنْ غَلَّةِ الْبُسْتَانِ فَاسْتَغَلَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْبُسْتَانَ مُدَّةً ثَمَّ وَقَعَ الْخَرَابُ بِالدَّارِ هَلْ يُؤْخَذُ لِعِمَارَةِ الدَّارِ مِمَّا اسْتَغَلَّهُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مِنْ الْبُسْتَانِ قَبْلَ الْخَرَابِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ فَالظَّاهِرُ صِحَّتَهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِي فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنَّ الْعِمَارَةَ عَلَى السَّاكِنِ وَشَرَطَ أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ لَا تُؤَجَّرُ فَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي مِنْ كَلَامِهِمْ بَعْد الْفَحْصِ أَنَّ الشَّرْطَ الْأَوَّلَ صَحِيحٌ كَمَا شَمِلَهُ عُمُومُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ لَمْ يَشْرِطْ أَيْ نَفَقَتَهُ فِي كَسْبِهِ ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَالِ إنْ لَمْ يَشْرِطْ.
وَقَوْلُهُمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ مَا لَمْ يُنَافِ الْوَقْفَ أَوْ الشَّرْعَ وَفَائِدَةُ صِحَّتِهِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُلْزَمُ بِهَا الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِأَنَّ لَهُ تَرْكَ مِلْكِهِ بِلَا عِمَارَةٍ فَمَا يَسْتَحِقُّ مَنْفَعَتَهُ بِالْأَوْلَى تَوَقُّفُ اسْتِحْقَاقِهِ عَلَى تَعْمِيرِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ فِيمَا إذَا أَشْرَفَتْ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا عَلَى الِانْهِدَامِ لَا بِسَبَبِهِ بَيْن أَنْ يُعَمِّرَ وَيَسْكُنَ وَبَيْنَ أَنْ يُهْمِلَ وَإِنْ أَفْضَى ذَلِكَ إلَى خَرَابِهَا نَعَمْ عَلَى النَّاظِر إيجَارُهَا الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهِ بَقَاؤُهَا وَإِنْ خَالَفَ شَرْطَ الْوَاقِفِ عَدَمَهُ لِأَنَّهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مَعْمُولٍ بِهِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ لَا يُقَالُ شَرْطَ الْعِمَارَةِ عَلَى السَّاكِنِ يُنَافِي مَقْصُودَ الْوَاقِفِ مِنْ إدْخَالِ الرِّفْقِ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إذْ شَأْنُهُ أَنْ يَغْنَمَ وَلَا يَغْرَمَ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ قَطَعَ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ بِالصِّحَّةِ فِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْكُنَ مَكَانَ كَذَا كَمَا مَرَّ وَهَذَا صَادِقٌ بِمَا إذَا عَيَّنَ مَكَانًا لَا يُسْكَنُ إلَّا بِأُجْرَةٍ زَائِدَةٍ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ.
وَإِنْ لَمْ يَحْتَجَّ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ لِسُكْنَاهُ أَوْ زَادَتْ أُجْرَتُهُ عَلَى مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ غَلَّةِ الْوَقْفِ فَكَمَا أَوْجَبَ الِاسْتِحْقَاقُ هُنَا السُّكْنَى بِالْأُجْرَةِ الْمَذْكُورَةِ مَعَ عَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهَا فَكَذَلِكَ تَجِبُ الْعِمَارَةُ لِاسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى إنْ أَرَادَهَا وَإِلَّا سَقَطَ حَقُّهُ مِنْهَا فَعُلِمَ أَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ قَدْ يَغْرَمُ وَقَدْ يَحْصُلُ لَهُ رِفْقٌ بِالْمَوْقُوفِ وَأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مُنَافٍ لِلْوَقْفِ حَتَّى يَلْغُوَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ فِيهِ مَثَلًا وَإِنَّمَا غَايَتُهُ أَنَّهُ قَيَّدَ اسْتِحْقَاقَهُ لِسُكْنَاهُ بِأَنْ يُعَمِّرَ مَا تَهَدَّمَ مِنْهُ فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ فَلْيُعَمِّرْهُ وَإِلَّا فَلْيُعْرِضْ عَنْهُ ثُمَّ رَأَيْت بَعْض مَشَايِخَنَا أَيَّدَ الصِّحَّةَ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِأَلْفٍ إنْ تَبَرَّعَ لَوَلَدِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحّ وَإِذَا قَبِلَ لَزِمَهُ دَفْعُهَا إلَيْهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ النَّفَقَةَ عَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لَزِمَتْهُ بِمَعْنَى أَنَّ اسْتِحْقَاقه يَتَوَقَّفُ عَلَى بَذْلهَا انْتَهَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ الْمَذْكُورِ وَأَخْذُ صِحَّةِ الشَّرْطِ مِنْهَا فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِهِ أَيْضًا.
قَوْلُهُمْ لَوْ وَقَفَ دَابَّةً وَجَعَلَ الرُّكُوبَ لِوَاحِدٍ وَالدَّرَّ وَالنَّسْلَ لِآخَرَ جَازَ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ وَقَوْلُهُمْ نَفَقَةُ الْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ إلَّا شَرَطَهَا الْوَاقِفُ فِي كَسْبِهِمَا اتَّبَعَ شَرْطَهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَكَذَا إنْ شَرَطَهَا فِي مَالِ نَفْسِهِ وَفِي مَعْنَاهُ مَا إذَا شَرَطَهَا فِي وَقْفٍ آخَرَ وَقَفَهُ ثُمَّ إذَا صَحَّ الشَّرْطُ فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الصَّرْفَ إلَى الدَّارِ بَعْد خَرَابِهَا أَوْ خَرَابِ بَعْضِهَا أَوْ إشْرَافِهِ عَلَى الْخَرَابِ فَمِنْ الْآن يُمْنَع الْمَوْقُوف عَلَيْهِ مِنْ أَخْذ شَيْءٍ مِنْ الْغَلَّةِ حَتَّى تَكْمُلَ الْعِمَارَةُ لِاسْتِحْقَاقِ صَرْفِهَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْعِمَارَةُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا شَيْئًا غَرِمَهُ وَأَمَّا مَا اسْتَغَلَّهُ قَبْل الْإِشْرَافِ عَلَى الِانْهِدَامِ فَإِنَّهُ يَفُوزُ بِهِ لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالظُّهُورِ مِنْ غَيْرِ تَعَلُّقِ حَقِّ أَحَدٍ بِهِ.
وَعَلَى
هَذَا لَوْ اسْتَغَلَّ ثَمَرَةَ سَنَةٍ ثُمَّ وَقَعَ خَرَابٌ بِهَا بَعْد الِاسْتِغْلَالِ فَازَ بِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَاسْتَمَرَّتْ الدَّارُ مُعَطَّلَةً إلَى غَلَّةِ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ يَمْلِكُ أُجْرَةَ الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ وَمَعَ ذَلِكَ فَقْد أَفْتَى الْقَفَّالُ وَصَرَّحَ الْإِصْطَخْرِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أَجَّرَهُ النَّاظِرُ سِنِينَ بِأُجْرَةٍ مُعَجَّلَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ الْأُجْرَةَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُعْطِي بِقِسْطِ مَا مَضَى وَوَقَعَ لِابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ لَهُ التَّعَجُّلَ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ عَجَّلَ النَّاظِرُ فَمَاتَ الْآخِذُ ضَمِنَ النَّاظِرُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْقَفَّالُ أَيْضًا وَصَرَّحُوا أَيْضًا بِأَنَّ لِلنَّاظِرِ مَنْع الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ مِنْ سُكْنَى الدَّارِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَيْهِ لِيُؤَجِّرَهَا لِعِمَارَةٍ اقْتَضَاهَا الْحَالُ وَإِلَّا لَأَدَّى ذَلِكَ إلَى الْخَرَابِ.
وَقَوْلِي السَّابِقُ بِالظُّهُورِ سَبَقَنِي إلَيْهِ الْقَاضِي فِي ثَمَرَةِ غَيْرِ النَّخْلِ وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا فِي ثَمَرَةِ النَّخْلِ وَعِبَارَةُ فَتَاوِيهِ إذَا مَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بَعْد خُرُوجِ الثَّمَرَةِ إنْ كَانَتْ ثَمَرَةَ غَيْرِ النَّخْلِ فَهِيَ لِلْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَتْ ثَمَرَةَ النَّخْلِ فَكَذَلِكَ إنْ مَاتَ بَعْد التَّأْبِيرِ وَقَبْلَهُ وَجْهَانِ انْتَهَتْ قَالَ الْغَزِّيُّ فِي أَدَبِ الْقَضَاءِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ شَاةً أَوْ جَارِيَةً حَامِلًا فَوَلَدَتْ بَعْد مَوْتِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَمْلَ هُنَا لَهُ قِسْطٌ أَوْ لَا اهـ. وَقَضِيَّةُ بِنَائِهِ أَنَّ الْأَرْجَحَ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْحَمْلَ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَعْلَمُ وَيُقَابِلُ بِقِسْطٍ مِنْ الثَّمَنِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْغَزِّيُّ حُكْمَ مَا إذَا مَاتَ وَقَدْ سَنْبَلَ الْحَبُّ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ بَعْدَ الِاشْتِدَادِ كَبَعْدِ تَأْبِيرِ النَّخْلِ وَقَبْله عَلَى الْوَجْهَيْنِ اهـ. وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِقَوْلِي وَأَمَّا مَا اسْتَغَلَّهُ قَبْل الْإِشْرَافِ فَإِنَّهُ يَفُوزُ بِهِ إلَخْ قَوْلُ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ الْمُقِيمِينَ بِدِمَشْقَ مِنْ أَهْلِهَا وَالْوَارِدِينَ إلَيْهَا مِنْ الشَّامِ دُون غَيْرِهِ فَحَصَلَ مِنْ الْوَقْفِ حَاصِل وَتَأَخَّرَتْ قِسْمَته حَتَّى وَرَدَ وَارِدٌ مِنْ الْمَوْصُوفِينَ لَمْ يُسَاهِمْهُمْ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءَ وَهُمْ مَحْصُورُونَ اهـ. فَتَأَمَّلْ إفْتَاءَهُ بِعَدَمِ الْمُسَاهَمَةِ فِيمَا ذَكَرَهُ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا ظَهَرَ مِنْ الثَّمَرَةِ قَبْل اسْتِحْقَاقِ الْعِمَارَةِ يَفُوزُ بِهِ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ صَرْفُ شَيْءٍ مِنْهُ لَهَا وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الصَّرْفُ مِنْ الْغَلَّةِ الَّتِي قَارَنَ ظُهُورُهَا وُجُودَ سَبَبَ الْعِمَارَةِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْت عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِ فَقَبِلَ زَيْدٌ ثُمَّ مَاتَ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَ الْأَوْلَادِ فَحِصَّتُهُ لِمَنْ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذَا وَقْفٌ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ حَيْثُ لَا زِيَادَةَ عَلَى مَا ذَكَرنَا فِي السُّؤَال وَمَصْرِفُ مُنْقَطِعُ الْوَسَطِ أَقْرَبُ النَّاسِ رَحِمًا إلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَفِي صُورَتِنَا لَا يُصْرَفُ لِلْأَقْرَبِ إلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا بَعْد انْقِرَاضِ جَمِيعِ الْأَوْلَادِ أَوْ رَدِّهِمْ كُلِّهِمْ فَإِذَا مَاتَ بَعْضُهُمْ أَوْ رَدَّ وَبَقِيَ بَعْضُهُمْ صَرَفَ الْكُلَّ إلَى مَنْ بَقِيَ وَلَوْ وَاحِدًا وَهَذَا ظَاهِرٌ جَلِيٌّ مِنْ كَلَامِهِمْ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ بَنَى فِي مَوْضِعٍ مَمْلُوكٍ بِنَاءً لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا ثُمَّ جَعَلَهُ مَسْجِدًا مِنْ غَيْر وَقْفِ الْأَرْضِ فَهَلْ يَصِيرُ بِذَلِكَ مَسْجِدًا أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي أَرْضٍ مُسْتَعَارَةٍ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَالْقَمُولِيِّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَلَا يَصِحّ الِاعْتِكَافُ فِي بِنَاءِ أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ إلَّا أَنْ يُثَبِّتَ فِيهِ دَكَّةً أَوْ بَلَّطَهُ بِأَحْجَارٍ وَوُقِفَتْ مَسْجِدًا وَاعْتَمَدَاهُ هُمَا وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ أَوْجَهُ مِمَّا وَقَعَ لِلزَّرْكَشِيِّ مِنْ صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ فِيهِ مَسْطَبَةً بَلْ عِنْدَ التَّأَمُّلِ لَا وَجْهَ لِمَا قَالَهُ لِأَنَّهُ إنْ وَقَفَ ذَلِكَ الْبِنَاءَ مَسْجِدًا وَقُلْنَا بِصِحَّةِ وَقْفِهِ هُوَ لِإِقْرَارٍ لَهُ وَالِاعْتِكَافُ إنَّمَا يَصِحُّ بِاللُّبْثِ فِي مَسْجِدٍ وَلُبْثه هُنَا لَيْسَ فِي مَسْجِدٍ بِخِلَافِهِ فِي الدَّكَّةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا مَسْجِدٌ فَاللُّبْث فِيهَا لُبْثٌ فِي مَسْجِدٍ ثُمَّ رَأَيْت بَعْضَهُمْ قَالَ عَقِب قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ الْمُتَّجَهُ صِحَّتُهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنْ لَمْ يَغْرِسْ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا لِلْحِيطَانِ وَالسَّقْفِ وَإِنْ جَلَسَ عَلَى الْأَرْضِ لِأَنَّ الْهَوَاءَ يُحِيطُ بِهِ اهـ.
مُلَخَّصًا وَمَا قَالَهُ عَجِيبٌ وَالصَّوَابُ خِلَافُهُ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ إنَّمَا يَصِحّ عَلَى السَّقْفِ لَا تَحْتَهُ انْتَهَتْ عِبَارَةُ شَرْحِ الْعُبَابِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ كَمَا تَرَى فِي صِحَّة وَقْف الْبِنَاءِ دُون الْأَرْضِ مَسْجِدًا سَوَاء أَكَانَتْ الْأَرْضُ مُسْتَأْجَرَةً أَمْ مُسْتَعَارَةً أَمْ لَا وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْإِرْشَادِ الرَّابِعُ الْمُعْتَكَفُ فِيهِ فَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا فِي مَسْجِدٍ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ بَيْن سَطْحِهِ وَصَحْنِهِ وَرَحْبَتِهِ الْمَعْدُودَةِ مِنْهُ وَأَفْهَم كَلَامه أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي مُصَلَّى بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَا فِيمَا وُقِفَ جُزْؤُهُ شَائِعًا مَسْجِدًا وَلَا فِي مَسْجِدٍ أَرْضُهُ مُسْتَأْجَرَةٌ وَهُوَ
كَذَلِكَ نَعَمْ رَجَّحَ الْإِسْنَوِيُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لَوْ بَنَى فِيهِ مَسْطَبَةً وَوَقَفَهَا مَسْجِدًا صَحَّ كَمَا يَصِحُّ عَلَى سَطْحِهِ وَجُدْرَانِهِ وَقَوْلِ الزَّرْكَشِيّ يَصِحّ وَإِنْ لَمْ يَبْنِ مَسْطَبَةً مَرْدُودٌ إذْ الْمَسْجِدُ هُوَ الْبِنَاءُ الَّذِي فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَا الْأَرْضُ وَمِنْ هُنَا عُلِمَ أَنَّهُ يَصِحُّ وَقْفُ الْعُلْوِ دُون السُّفْلِ مَسْجِدًا كَعَكْسِهِ انْتَهَتْ وَهِيَ أَيْضًا مُصَرِّحَةٌ بِصِحَّةِ وَقْفِ الْبِنَاءِ دُون الْأَرْضِ مَسْجِدًا فَالْمُصَلِّي فِي هَوَائِهِ كَأَنَّهُ مُصَلٍّ بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ سَقَّفَ ذَلِكَ الْبِنَاءَ صَحَّ عَلَى سَقْفِهِ الِاعْتِكَافُ وَأُعْطِيَ سَقْفُهُ جَمِيعَ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ وَذَكَرَ الْقَمُولِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ نَحْو مَا قَدَّمْته فَقَالَ يَصِحّ وَقْفُ الْعُلْوِ دُونَ السُّفْلِ مَسْجِدًا وَعَكْسُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَرَادَ بِنَاءَ مَسْجِدٍ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ لِلسُّكْنَى وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهَا وَهُوَ الْمُرَجَّحُ فَالْحِيلَةُ أَنْ تُبْنَى الْعَرْصَةُ بِالْآجُرِّ وَالنُّورَةِ فَيَصِيرُ مَسْجِدًا إذَا وَقَفَهُ قِيَاسًا عَلَى وَقْفِ الْعُلْوِ دُون السُّفْلِ اهـ.
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا فِي مَوَاتٍ صَارَ مَسْجِدًا بِالنِّيَّةِ وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ آلَاتِهِ بَعْد اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعهَا وَهِيَ قَبْلَهُ مِلْكه إلَّا أَنْ يَقُولَ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ فَتَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ وَلَوْ بَنَى بَعْضَهُ لَمْ يُجْبَر عَلَى إتْمَامه وَلَوْ سَقَطَ عَلَى شَيْءٍ لَمْ يَضْمَنهُ سَوَاءٌ أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا اهـ.
قَالَ الْقَمُولِيُّ وَالْبُلْقِينِيُّ وَفِي قَوْلِهِ تَخْرُجُ آلَاتُهُ عَنْ مِلْكِهِ بِقَوْلِهِ إنَّهَا لِلْمَسْجِدِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي تَوَقُّفُهُ عَلَى قَبُولِ مَنْ لَهُ النَّظَرُ وَقَبْضُهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْبُقْعَةَ تَقْدِيرًا وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي الْبِئْرِ الْمَحْفُورَةِ فِي الْمَوَاتِ لِلتَّسْبِيلِ وَمَا يَحْيَى بِقَصْدِ تَسْبِيلِهِ مَقْبَرَةً قُلْته تَخْرِيجًا اهـ. فَتَأَمَّلْ كَوْنَهُ حُكِمَ بِأَنَّ الْبِنَاءَ مَسْجِدٌ مَعَ بَحْثِهِ أَنَّ الْبَانِي لَا يَمْلِك الْأَرْضَ تَقْدِيرًا وَأَنَّهَا بَاقِيَةٌ عَلَى كَوْنِهَا مَوَاتًا لِيَزِيدَ بِذَلِكَ اتِّضَاحُ مَا مَرَّ مِنْ صِحَّةِ وَقْفِ الْبِنَاءِ مَسْجِدًا دُون الْأَرْضِ وَقَوْلُ الْفَارِقِيِّ لَا يَصِيرُ مَسْجِدًا لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ تَخَصُّصُهُ بِالصَّلَاةِ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ ضَعُفَ كَمَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَرْضِ دُون الْبِنَاءِ فَيُوَافِقُ مَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَقَوْلُ الْمَاوَرْدِيُّ السَّابِق أَنَّهُ يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ الْآلَةِ بَعْدَ اسْتِقْرَارِهَا فِي مَوْضِعِهَا رَدٌّ بِمَا نَقَلَهُ الْقَمُولِيُّ بَعْدَهُ عَنْ الرُّويَانِيِّ وَأَقَرَّهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَمَّرَ مَسْجِدًا خَرَابًا وَلَمْ يَقِفْ الْآلَةَ كَانَتْ عِمَارَتُهُ لَهُ يَرْجِعُ فِيهَا مَتَى شَاءَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ كُتُبَهُ هَلْ يَدْخُلُ مُصْحَفُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الظَّاهِرُ مَنْ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَدْخُلُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى كِتَابًا لُغَةً وَشَرْعًا أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ بَيْتَ الشَّعْرِ يُسَمَّى بَيْتًا لُغَةً وَهُوَ وَاضِحٌ وَشَرْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ} [النحل: 80] فَكَذَلِكَ نَقُولُ الْمُصْحَفُ يُسَمَّى كِتَابًا شَرْعًا لِأَنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى سَمَّاهُ فِي الْقُرْآنِ كِتَابًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ فَثَبَتَ أَنَّهُ يُسَمَّى كِتَابًا لُغَةً وَشَرْعًا وَبِفَرْضِ أَنَّهُ لَا يُسَمَّاهُ عُرْفًا لَا اعْتِبَارَ بِهِ فَقْد صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَغْيِيرُ مُقْتَضَى اللُّغَةِ بِاصْطِلَاحٍ.
وَصَرَّحَ الْإِمَامُ بِأَنَّ الْعُرْفَ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي إزَالَةِ الْإِبْهَامِ لَا فِي تَغْيِيرِ مُقْتَضَى الصَّرَائِحِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِأَنَّهُ إذَا تَعَارَضَتْ اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ الْعَامُّ قُدِّمَتْ اللُّغَةُ ثُمَّ قَالَ مَتَى كَانَ اللَّفْظُ مُطْلَقًا وَجَبَ الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِهِ عَمَلًا بِالْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مَتَى عَمَّتْ اللُّغَةُ قُدِّمَتْ عَلَى الْعُرْفِ وَقَوْلُهُ إذَا اخْتَلَفَتْ اللُّغَةُ وَالْعُرْفُ فَكَلَامُ الْأَصْحَابِ يَمِيلُ إلَى تَرْجِيحِ اللُّغَةِ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ يَرَيَانِ اعْتِبَارَ الْعُرْفِ أَيْ فِي الْأَيْمَانِ وَنَحْوهَا فَإِنْ قُلْت قَدْ قَدَّمُوا الْعُرْفَ عَلَى اللُّغَةِ فِيمَا يُشْبِه مَسْأَلَتنَا فَقَالُوا لَوْ قَالَ زَوْجَتِي طَالِق لَمْ تَطْلُقْ سَائِرُ زَوْجَاتِهِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ وَإِنْ اقْتَضَى وَضْعُ اللُّغَةِ الطَّلَاقَ لِأَنَّ اسْمَ الْجِنْسِ إذَا أُضِيفَ عَمَّ وَكَذَا لَوْ قَالَ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي لَمْ يُحْمَلُ عَلَى الثَّلَاثِ وَإِنْ كَانَ فِي اللُّغَةِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعُمُومِ.
وَلَوْ أَوْصَى لِلْقُرَّاءِ لَمْ يَدْخُل مَنْ يَقْرَأُ فِي الْمُصْحَف وَلَا يَحْفَظُ عَمَلًا بِالْعُرْفِ لَا بِاللُّغَةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قُلْت يُجَابُ عَنْ الصُّورَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ بِأَنَّ دُخُول الزَّائِد عَلَى الْوَاحِدَة فِيهِمَا خِلَافُ الْمَقْصُودِ بِحَسَبِ الظَّاهِر وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ شَرْطَ دُخُول غَيْر الْمَقْصُود فِي الْعَامِّ أَنْ لَا تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى إخْرَاجِهِ وَإِلَّا لَمْ يَدْخُل فِيهِ قَطْعًا وَالْقَرِينَة هُنَا اطِّرَاد اسْتِعْمَال ذَلِكَ مُرَادًا بِهِ الْوَاحِدَةَ لَا زَائِد عَلَيْهَا بِخِلَافِ مَسْأَلَتنَا فَإِنَّهُ لَا يُقَال إنَّ الْمَقْصُودَ فِيهَا إخْرَاجُ الْمُصْحَفِ بَلْ الْمَقْصُودُ إدْخَالُهُ لِأَنَّ قَصْدَ الْوَاقِف الثَّوَاب وَهُوَ فِي وَقْفِ الْمُصْحَفِ أَكْثَر فَلَمْ يُعَارِضْ
الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ فِيهِ شَيْءٌ فَأُبْقِيَ عَلَى عُمُومِهِ.
وَعَنْ الثَّالِثِ بِنَظِيرِ مَا قَبْلَهُ وَحَاصِلُهُ أَنَّنَا لَمَّا نَظَرْنَا فِي أَكْثَرِ الْوَصَايَا رَأَيْنَا أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ بِالْقُرَّاءِ فِيهَا إلَّا الْحُفَّاظَ فَحَمَلْنَا لَفْظَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِمْ دُون غَيْرِهِمْ وَإِنْ خَالَفَ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ عَمَلًا بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ شَرْطَ شُمُولِ الْعَامِّ لِلصُّورَةِ الْمَقْصُودَةِ أَنْ لَا تَقُومَ قَرِينَةٌ عَلَى إخْرَاجِهَا وَهُنَا قَامَتْ الْقَرِينَةُ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ مُطْلَقِ مَنْ يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ فَعَمِلُوا بِذَلِكَ هَذَا مَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ وَأَمَّا مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى سَبِيلِ الْخُصُوصِ مِمَّا يَقْتَضِي أَوْ يُصَرِّحُ بِالدُّخُولِ فِي مَسْأَلَتنَا فَأُمُورٌ الْأَوَّلُ أَنَّ كَلَامَهُمْ فِي الْوَقْفِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ الْمَدَارَ فِيهِ غَالِبًا عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ لَا الْعُرْفِيِّ.
وَمِنْ ثَمَّ لَمَّا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْعِشْرَةُ الْعَشِيرَةُ عَلَى الْأَصَحِّ اعْتَرَضَهُ النَّوَوِيُّ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَنْ جَعَلَهُمْ عَشِيرَةً خَصَّصَهُمْ بِالْأَقْرَبِينَ وَنُقِلَ فِيهِ عِبَارَاتُ جَمْعٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ثُمَّ قَالَ وَمُقْتَضَى مَا قَالُوهُ أَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِمْ ذُرِّيَّتُهُ وَعَشِيرَتُهُ الْأَدْنَوْنَ وَهُوَ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ اهـ. وَتَرْجِيحُ الْأَذْرَعِيِّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ إلَى الْعُرْفِ يُرَدُّ بِمَا قَرَّرْته أَنَّ الَّذِي يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُهُمْ فِي أَمَاكِنَ مِنْ صُوَرِ الْوَقْفِ أَنَّ اللُّغَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْعُرْفِ مِنْ ذَلِكَ شُمُولُ الْمَوْلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لِلْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ فَإِنَّ الْأَكْثَرِينَ وَالْمُحَقِّقِينَ قَالُوا بِهِ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُهُمَا وَانْفَرَدَ الْفَارِقِيَّ فَصَحَّحَ أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُعْتَقُ قَالَ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ يَنْصَرِفُ إلَى الْعَتِيقِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَتَأَمَّلْ إطْبَاقَهُمْ إلَّا الْفَارِقِيَّ عَلَى تَقْدِيمِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ عَلَى الْعُرْفِيِّ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا الْكَلَامُ الْمَشْهُورُ فِيمَا إذَا حَدَّثَ أَحَدُهُمَا بَعْد الْوَقْفِ عَلَى الْآخَرِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ مِنْ دُخُولِ أَوْلَادِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْوَاقِفُ إذَا كَانَ امْرَأَةً وَقَفْت عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِي وَأُجِيبَ عَنْ الْإِشْكَال الْمُقَرَّرِ هُنَا بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ فَإِنْ قُلْت قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي قَوْلِهِمْ عَلَى عِيَالِي هُمْ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ وَلَوْ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا وَعَلَى حَشَمِي هُمْ مَنْ فِي نَفَقَتِهِ سِوَى الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَعَلَى حَاشِيَتِهِ هُمْ الْمُتَّصِلُونَ بِخِدْمَتِهِ مَأْخَذُ ذَلِكَ كُلِّهِ الْعُرْفُ اهـ. وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْقَوْلَ بِالْعُرْفِ فَلَا يَدْخُلُ الْمُصْحَفُ قُلْت فَرْقٌ ظَاهِرٌ بَيْنهمَا فَإِنَّ اللُّغَةَ لَمْ تَضْبِط تِلْكَ الْأَلْفَاظَ الثَّلَاثَةَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهِمَا فِيهَا فَالرُّجُوعُ فِيهَا إلَى الْعُرْفِ إنَّمَا هُوَ لِتَعَذُّرِ الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوْ اضْطِرَابِهِ فِيهَا لَا لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَإِنَّ الْوَضْعَ اللُّغَوِيَّ فِيهَا مُطَّرِدٌ اطِّرَادًا ظَاهِرًا أَنَّ الْمُصْحَفَ يُسَمَّى كِتَابًا فَقُدِّمَ هَذَا الْوَضْعُ عَلَى الْعُرْفِ سِيَّمَا.
وَقَدْ عَضَّدَ اللُّغَوِيُّ الشَّرْعِيَّ كَمَا مَرَّ وَيُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْعُرْفِ إنَّمَا هُوَ لِعَدَمِ اطِّرَادِ اللُّغَةِ إنَّهَا لَمَّا اطَّرَدَتْ فِي الْغِلْمَانِ وَالْجَوَارِي وَالْفَتَيَاتِ وَالشُّبَّانِ رَجَعُوا إلَيْهَا فِيهَا فَقَالُوا الْأَوَّلُ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغُ مِنْ الذُّكُورِ وَالثَّانِي لِمَنْ لَمْ يَبْلُغُ مِنْ الْإِنَاثِ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ مَنْ بَلَغَ إلَى أَنْ يُجَاوِزَ ثَلَاثِينَ سَنَةَ وَلِمَا لَمْ يَطَّرِدْ فِيمَنْ بَلَغَ أَشُدَّهُ قَالُوا يُرْجَعُ فِيهِ لِرَأْيِ الْحَاكِمِ الثَّانِي قَوْلُهُمْ فِي الْإِقْرَارِ الْأَضْعَفِ مِنْ الْوَقْفِ فِي الشُّمُولِ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي أَنَّ الْوَقْفَ كَالْبَيْعِ فِي الشُّمُولِ بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَلَوْ أَقَرَّ أَوْ أَوْصَى بِثِيَابِ بَدَنِهِ دَخَلَ فِيهِ حَتَّى الطَّيْلَسَانُ وَاللِّحَافُ وَالْقَلَنْسُوَةُ وَمُنَازَعَةُ الْإِسْنَوِيِّ فِي نَحْوِ الْآخَرِينَ رَدُّوهَا عَلَيْهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي رِعَايَتِهِمْ لِمُقْتَضَى اللُّغَةِ لَا الْعُرْفِ وَإِذَا رَاعَوْا ذَلِكَ فِي الْإِقْرَار الْأَضْعَفِ مِنْ الْوَقْف كَمَا تَقَرَّرَ وَفِي الْوَصِيَّةِ الْمُسَاوِيَةِ لِلْوَقْفِ فَلْيُرَاعُوهُ فِي الْوَقْفِ بِالْأَوْلَى فِي الْأَوَّلِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الثَّانِي.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا وَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ حَقُّهُ لِوَرَثَتِهِ بِالنَّسَبِ لِلذَّكَرِ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ فَمَاتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ وَخَلَفَ بِنْتًا وَأَخًا فَهَلْ لِبِنْتِهِ النِّصْفُ اعْتِبَارًا بِظُهُورِ قَصْدِهِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ إجْرَاءَ الْوَارِثِ عَلَى فَرِيضَةِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَإِنْ قَصُرَتْ عِبَارَتُهُ لِجَرْيِهَا عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ أَوْ لَهَا الثُّلُثُ اعْتِبَارًا بِعُمُومِ لَفْظِهِ فَإِنْ قُلْتُمْ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَقَدْ مَاتَ الْأَخُ أَيْضًا وَهُوَ الْأَخِيرُ مِنْ الطَّبَقَةِ الْأَوْلَى وَلَمْ يَخْلُفْ فِي الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا ابْنَ الْأَخِ وَبِنْتَ الْأَخِ الْمَذْكُورَةِ فَهَلْ لَهَا الثُّلُثُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الثَّانِيَةَ تَرْجِعُ فِي مَقَامِ الْأُولَى كَمَا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَوْ لَا يَكُون لَهَا شَيْءٌ وَيَفُوزُ ابْنُ الْأَخِ بِالْجَمِيعِ بِاعْتِبَارِ الشَّرْطِ كَمَا مَالَ إلَيْهِ السَّيِّدُ
السَّمْهُودِيُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ظَاهِرُ كَلَامِ أَئِمَّتِنَا فِي بَابِ الْوَقْفِ بَلْ صَرِيحُهُ كَمَا بَسَطْتُهُ فِي كِتَابِي الْمُسَمَّى بِالتَّحْقِيقِ فِيمَا يَشْمَلهُ لَفْظ الْعَتِيقِ أَنَّ الْمَدَارَ عَلَى مَا يُعْطِيهِ لَفْظُ الْوَاقِفِ مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ غَيْرَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَفْظُهُ هُنَا ظَاهِرٌ فِي عُمُومِ شَرْطِ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَيُعْمَلُ بِهِ وَيَكُونُ لَهَا الثُّلُثُ وَلَهُ الثُّلُثَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالْمِيرَاثِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا النِّصْفُ لِأَنَّهُ لَمْ تَقُمْ مِنْ لَفْظِهِ قَرِينَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصُّورَةِ رِعَايَةَ الْإِرْثِ وَاسْتَثْنَاهَا مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ وَبِهَذَا يَرُدُّ قَوْلَ بَعْضِهِمْ الَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ أَنَّ لَهَا النِّصْفَ بِاعْتِبَارِ قَصْدِهِ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْمَرْأَةِ فِيمَا اسْتَوَوْا فِيهِ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِدْلَاء إلَى الْمَيِّتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ كَأَخٍ وَأُخْتٍ وَابْنٍ وَبِنْتٍ لَا فِيمَا لَمْ يَسْتَوِيَا فِيهِ كَذَلِكَ كَبِنْتٍ وَأَخٍ فَإِنَّهُ يُعْمَلُ بِالْقَصْدِ لِقُوَّتِهِ لَا بِعُمُومِ اللَّفْظِ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي النِّكَاحِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْعُمُومُ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُمَا يَعْلَمَانِ مَا انْطَوَى تَحْتَ عُمُومِ كَلَامِهِمَا بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا إذْ لَا يَسْتَحْضِرُ حَالَ نُطْقِهِ مَا انْطَوَى مِنْ الْمَعَانِي تَحْتَ عُمُومِ لَفْظِهِ فَيَكُونُ لِلْبِنْتِ النِّصْفُ عَمَلًا بِقُوَّةِ الْقَصْدِ لِأَنَّ الصُّورَةَ الْمَسْئُول عَنْهَا لَيْسَ هِيَ مِمَّا يَكُونُ لِلذَّكَرِ فِيهِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَكَذَا نَقُولُ فِي ابْنِ أَخٍ وَبِنْتِ أَخٍ فَإِنَّهَا لَا شَيْءَ لَهَا فِي الْإِرْثِ مَعَ أَخِيهَا وَهُنَا لَهَا الثُّلُثُ لِأَنَّ قَصْدَهُ لَيْسَ الْإِرْثَ بَلْ الْقَرَابَةَ فَلَا تَحْرُمُ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهَا النِّصْفَ إذْ لَا تَعْصِيبَ لَهَا فِي الْفَرَائِضِ وَهُوَ الَّذِي يَقْوَى عِنْدِي عَمَلًا بِقَصْدِهِ وَهُوَ مُطْلَقُ الْقَرَابَةِ وَلَيْسَ الْمَقَامُ مِمَّا لَا يَكُونُ فِيهِ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْمَرْأَةِ إذْ لَا إرْثَ هُنَا بِخِلَافِهِ فِي الْفَرَائِضِ اهـ.
وَقَدْ أَشَرْت أَوَّلًا إلَى رَدِّ أَكْثَرِ مَا قَالَهُ عَلَى أَنَّ كَلَامَهُ لَا يَخْلُو عَنْ تَنَافٍ وَقَعَ فِي أَطْرَافِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ قَصْدَهُ أَنَّ لِلذَّكَرِ ضِعْفُ مَا لِلْمَرْأَةِ فِيمَا اسْتَوَوْا فِيهِ إلَخْ دَعْوَى مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَكَمَا أَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا فَقِيهٌ كَذَلِكَ الْعُمُومُ لَا يُدْرِكُهُ إلَّا فَقِيهٌ فَلِمَ اُعْتُبِرَ قَصْدُهُ الْمَذْكُورُ مَعَ عَدَمِ دَلَالَةٍ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْعُمُومُ الْمَذْكُورُ مَعَ صَرَاحَةَ اللَّفْظِ بِهِ فَكَانَ مَا زَعَمَهُ مِنْ النَّظَرِ إلَى الْقَصْدِ دُون الْعُمُومِ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَمَا نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ فَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ مَقَالَةٌ لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا وَلَا يُنْظَرُ إلَيْهَا وَكَمْ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِعَامٍّ مِنْ لَفْظِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَوْ أَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَحْكَامٍ وَقَضَايَا وَحَوَادِثٍ بَلْ فِي كَلَامِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِعُمُومِ أَلْفَاظِ الْوَاقِفِينَ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الصُّورَةَ الْمَسْئُولَ عَنْهَا إلَخْ لَا يَشْهَدُ لَهُ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ هُوَ إلَخْ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الْإِرْثِ وَنَحْنُ إنَّمَا نُفَرِّعُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ هُنَا إنَّمَا هُوَ بِالْقَرَابَةِ مَعَ شَرْطِ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَالْمُرَادُ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ اللَّفْظِ أَنَّ كُلَّ قَرِيبَيْنِ اقْتَضَى شَرْطُ الْوَاقِفِ اسْتِحْقَاقَهُمَا يَكُونُ ذَلِكَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى وَجْهٍ هُوَ أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لَهَا فِي الْإِرْثِ مَعَ أَخِيهَا وَهُنَا لَهَا الثُّلُثُ إلَخْ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى مَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّا لَا نَعْتَبِرُ كَيْفِيَّةَ الْإِرْثِ وَلَا نَقِيس عَلَيْهِ وَإِنَّمَا نَعْتَبِرُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ اقْتَضَى لَفْظُ الْوَاقِفِ دُخُولَ اثْنَيْنِ فِي وَقْفِهِ فِي زَمَنٍ وَاحِدٍ كَانَ لِلذَّكَرِ مِنْهُمَا مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّ قَوْلَ ذَلِكَ الْبَعْض وَيُحْتَمَلُ أَنَّ لَهَا النِّصْفُ إلَخْ غَيْرُ صَحِيحٍ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ وَقَفَ دَارًا لِلسُّكْنَى عَلَى بَنَاته وَأَوْلَادِهِنَّ وَهَكَذَا فَكَثُرُوا وَصَارُوا غَيْرَ مَحَارِمَ أَوْ ضَاقَتْ الدَّارُ عَنْهُمْ فَهَلْ لَهُمْ الْإِجَارَةُ وَيُؤَجِّرُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِمْ أَوْ الْقِسْمَةُ أَوْ الْإِعَارَةُ وَهَلْ تَسْكُن الزَّوْجَةُ وَالْخَادِمُ مَعَ مَتْبُوعِهِمَا مَعَ أَنَّهُمَا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِمَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لَهُمْ إجَارَةٌ وَلَا إعَارَةٌ وَلَا يَجُوزُ الْإِيجَارَةُ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ إذَا تَنَازَعُوا فِيهِ وَهُنَا الْإِجَارَةُ مُنَافِيَةٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَمَقْصُودُهُ مِنْ سُكْنَاهُمْ فِيهَا وَعِنْدَ تَنَازُعِهِمْ يَدْعُوهُمْ الْحَاكِمُ إلَى السُّكْنَى جَمِيعًا إنْ أَمْكَنَ حِسًّا وَشَرْعًا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اخْتِلَاطٌ مُحَرَّمٌ بَيْن الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ الْأَجَانِبِ وَإِلَّا تَهَايُؤُهَا عَلَى مَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ فَإِنْ امْتَنَعُوا أَعْرَضَ عَنْهُمْ إلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْخَادِمِ
مَعَ مَخْدُومِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ وَأَمَّا زَوْجَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَزَوْجُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا فَأَفْتَى فِيهِمَا مُحَمَّدٌ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ النَّاشِرِيُّ الْيَمَنِيُّ بِمَنْعِهِمَا إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمَا غَيْرُ دَاخِلَيْنِ فِي الْوَقْفِ وَالْإِعَارَةُ هُنَا مُمْتَنِعَةٌ كَالْإِجَارَةِ وَأَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ فُقَهَاءُ عَصْره وَفِي قَوْلِهِ إذَا امْتَنَعَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ نَظَرٌ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَسْكُنُ التَّابِعُ إعَارَةً وَأَنَّ الْإِعَارَةَ مُمْتَنِعَةٌ وَإِنْ رَضِيَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ فَلْيُمْنَعَا وَإِنْ رَضِيَ جَمِيعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَاشْتِرَاطُهُ فِي الْمَنْعِ امْتِنَاعُ بَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ غَيْرُ صَحِيحٍ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْيَمَنِيِّينَ مِمَّنْ تَأَخَّرَ عَنْ عَصْرِ أُولَئِكَ خَالَفَهُمْ فَأَفْتَى بِجِوَازِ سُكْنَى الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَإِنْ لَمْ تَخْدُمْ زَوْجَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَتِمَّةِ الِانْتِفَاعِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْإِعَارَةِ لِمُخَالِفَتِهِمَا لِمَقْصُودِ الْوَاقِفِ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحّ بَيْعُ الْأَرْضِ الَّتِي فِيهَا أَمْوَاتٌ مَدْفُونُونَ سَوَاءٌ أَعُرِفَتْ قُبُورُهُمْ أَمْ لَا وَيَصِحّ وَقْفُهَا مَسْجِدًا أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَصِحّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِإِمْكَانِ الِانْتِفَاعِ بِهَا مَعَ وُجُودِ الدَّفْنِ فِيهَا أَمَّا بِالْفَارِغِ فَوَاضِحٌ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَبُعْدٌ وَحَيْثُ صَحَّ الْبَيْعُ صَحَّ الْوَقْفُ كَمَا قَالُوهُ فِيمَا لَوْ وَقَفَ أَرْضًا مَسْجِدًا وَفِيهَا أَشْجَارٌ فَإِنَّهُ يَصِحّ الْوَقْفُ وَلَا تَدْخُلُ الْأَشْجَارُ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَهَا غَيْرَ مَسْجِدٍ فَإِنَّ الْأَشْجَارَ تَدْخُلُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُعْتَمَدُ عَلَى التَّارِيخِ الْمَكْتُوبِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالْمَقَابِرِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا اعْتِمَادَ عَلَى ذَلِكَ نَعَمْ يَنْبَغِي أَنَّهُ يُفِيدُ نَوْعًا مِنْ الِاحْتِيَاطِ فَإِذَا رَأَيْنَا مَحَلًّا مُهَيَّأً لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَاتَرْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُ مَسْجِدٌ لَمْ يَجِبُ الْتِزَامُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ فِيهِ لَكِنْ إذَا رَأَيْنَا مَكْتُوبًا فِي بَعْضِهِ ذَلِكَ تَأَكَّدَ نَدْبُ الِاحْتِيَاطِ فِي أَمْرِهِ وَالْتِزَامُ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِيَّةِ لَهُ لِأَنَّ الْغَالِب فِي الْمَوَاضِع الْمُهَيَّأَة لِلصَّلَاةِ أَنَّهَا مَسَاجِد لَا سِيَّمَا الْمَبْنِيّ فِي الْمَوَات إذْ الْمَبْنِيّ فِيهَا بِنِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ التَّلَفُّظُ بِالْوَقْفِ بَلْ يَصِيرُ مَسْجِدًا بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ ثَمَّ رَأَيْت السُّبْكِيّ أَوْجَبَ إجْرَاءَ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ عَلَى هَيْئَةِ الْمَسَاجِدِ وَجَهِلَ وَلَهُ وَجْهٌ وَجِيهٌ وَأَمَّا الْمَقْبَرَةُ فَالْمَدَارُ فِي كَوْنِهَا مُسَبَّلَةً أَوْ غَيْرَ مُسَبَّلَةٍ عَلَى اعْتِيَادِ أَهْلِ الْبَلَدِ الدَّفْنَ وَعَدَمِ اعْتِيَادِهِمْ فَإِنْ اعْتَادُوهُ فِي مَحَلٍّ حُكِمَ بِأَنَّهُ مُسَبَّلٌ وَيُهْدَمُ كُلُّ مَا بُنِيَ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَإِنْ لَمْ يَعْتَادُوهُ بَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ الْمِلْكِ فِي غَيْرِ الْمَوَاتِ وَالْإِبَاحَةُ فِي الْمَوَاتِ هَذَا حُكْمُهَا الشَّرْعِيُّ فَإِنْ رَأَيْنَا تَارِيخًا يُخَالِفُ شَيْئًا مِمَّا تَقَرَّرَ كَوَقْفِهَا عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ مَثَلًا لَمْ يَجِبُ الْتِزَامُ الْعَمَلِ بِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي الْعَمَلُ بِهِ احْتِيَاطًا أَوْ تَوَرُّعًا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقْفَ كِتَابًا مُكَرَّسًا فِي جِلْدٍ أَوْ كَانَ مَحْبُوكًا وَتَكَرَّسَ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ أَهْلِ رِبَاطٍ مُعَيَّنِينَ هَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخْذُ كُرَّاسٍ يَنْتَفِعُ بِهِ وَإِنْ كَانَ فِي جِلْدِهِ أَحْفَظُ أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ انْتِفَاعُ الْكُلُّ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ إلَّا عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَهَلْ يَجُوزُ لِوَاحِدٍ أَنْ يَأْخُذَ كُرَّاسًا بَعْد كُرَّاسٍ لِلِانْتِفَاعِ وَإِنْ انْتَفَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِهِ خَارِجَ الرِّبَاطِ أَوْ لَا فَإِنْ جَازَ لَهُمْ فَهَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِمْ أَوْ لَا فَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ لِأَنَّ الْحَقَّ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ فِيهِ فَهَلْ يَجُوزُ لَهُمْ إذَا اتَّفَقُوا عَلَى الْإِعَارَةِ كُلُّهُمْ أَوْ لَا وَمَنْ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى أَهْلِ رِبَاطٍ هَلْ يُقَدَّمُ بِهِ الْأَسْبَقُ أَمْ الْأَكْثَرُ انْتِفَاعًا أَمْ يَكُونُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُشَاهَرَةً وَعَمَّنْ وَقَفَ زِيرًا وَقِدْرًا وَقَصْعَةً عَلَى أَهْلِ رِبَاطٍ هَلْ يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُخْرِجَهَا عَنْ الرِّبَاطِ لِيَنْتَفِعَ بِهَا أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُزْ لِأَحَدِهِمْ هَلْ يَجُوز لَهُمْ إذَا رَضُوا جَمِيعًا أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ يَجُوز عِنْد الِاتِّفَاقِ عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ الرِّبَاطِ هَلْ لَهُمْ أَنْ يُعِيرُوهُ أَوْ يُؤَجِّرُوهُ فَإِنْ جَازَ هَلْ تُقَسَّمُ الْأُجْرَةُ بَيْنهمْ أَوْ تُرْصَدُ لِمَصَالِحِ الرِّبَاطِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ هُنَاكَ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ عَرَفَهُ عَمِلَ بِقَضِيَّتِهِ لِأَنَّهُ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَإِنْ فُقِدَ ذَلِكَ فَإِنْ وَقَفَ الْكِتَابَ مَحْبُوكًا لَمْ يَجُزْ فَكُّهُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ نَقْصِهِ وَضَيَاعِهِ أَوْ مُكَرَّسًا جَازَ انْتِفَاعُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِبَعْضِهِ انْتِفَاعًا بِحَسْبِهِ وَيَلْزَمهُ وِقَايَتُهُ مِمَّا يُؤَدِّي إلَى نَقْصِهِ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْمَوْقُوفِ عَلَى أَهْلِ مَحَلٍّ مِنْهُ أَخْذًا مِمَّا ذَكَرَهُ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حُرْمَةِ نَقْلِ الْمَاءِ الْمُسَبَّلِ وَعِبَارَةُ شَرْحِي لِلْعُبَابِ وَفِي الْخَادِمِ عَنْ الْعَبَّادِيِّ أَنَّهُ يَحْرُمُ حَمْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسَبَّلِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَحَلِّ كَمَا لَوْ أَبَاحَ لِوَاحِدٍ طَعَامًا لِيَأْكُلهُ لَا يَجُوز لَهُ حَمْلُ الْحَبَّةِ مِنْهُ
وَلَا صَرْفه إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْأَكْلِ ثُمَّ قَالَ وَفِي هَذَا تَضْيِيقٌ شَدِيدٌ وَعَمِلَ النَّاسُ عَلَى خِلَافِهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ وَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَوْجَهُ فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمَحَلِّ فِي كَلَامِهِ الْمَحَلَّةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا كَنَقْلِ الزَّكَاةِ أَوْ مَوْضِعِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ عَادَةً بِحَيْثُ يَقْصِدُ الْمُسَبَّلَ أَهْلُهُ بِذَلِكَ مَحَلُّ نَظَرٍ وَالثَّانِي أَقْرَبُ انْتَهَتْ وَبِهَا يُعْلَمُ مَا ذَكَرْته مِنْ حُرْمَةِ نَقْلِ الْمَوْقُوفِ مِنْ كِتَابٍ أَوْ قِدْرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا عَلَى أَهْلِ مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ عَنْهُ وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إعَارَتُهُ بَلْ وَلَا لِكُلِّهِمْ وَمَا حُكِيَ عَنْ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مِمَّا قَدْ يُخَالِفُ ذَلِكَ لَعَلَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ وَيُقَدَّمُ الْأَسْبَقُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ فِي الزَّمَنِ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِيهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَنِ وَلَا تَأْتِي الْمُشَاهَرَةُ وَنَحْوُهَا هُنَا وَلَا يَجُوزُ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ إجَارَةُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ لِلنَّاظِرِ حَيْثُ رَآهُ مَصْلَحَةً وَلَمْ يُخَالِف شَرْطَ الْوَاقِفِ وَلَا غَرَضَهُ وَمَتَى صَحَّتْ إجَارَتُهُ لَهُ لَزِمَهُ صَرْفُ الْأُجْرَةِ الْأَهَمُّ فَالْأَهَمُّ مِنْ مَصَالِحِ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ كِتَابًا عَلَى أَهْلِ مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ رِبَاطٍ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يُعْلَمُ هَلْ جَعَلَ الْوَاقِفُ النَّظَرَ لِنَاظِرِ الرِّبَاطِ أَوْ لَا أَوْ جَعَلَ لِمَنْ لَا أَهْلِيَّةَ لَهُ وَالنَّظَرُ إنَّمَا هُوَ لِلنَّاظِرِ الْعَامِّ ثُمَّ أَرَادَ أَحَدُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَخْذَ الْكِتَابِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ فَهَلْ يُشْتَرَطُ إذْنُ النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ الْعَامِّ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي يَتَّجِهُ لِي فِي ذَلِكَ أَخْذًا مِنْ صَرِيحِ كَلَامِهِمْ الْآتِي أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ هُنَاكَ شَرْطٌ لِلْوَاقِفِ اُتُّبِعَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَلِمَهُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِهِ فَيُتَّبَعُ ذَلِكَ أَيْضًا وَهُوَ وَاضِحٌ أَيْضًا وَإِنَّهُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ وَلَا شَرْطٌ أَوْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَقَّفْ حِلُّ انْتِفَاعِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ بِالْمَوْقُوفِ سَوَاءٌ الْكِتَابُ وَغَيْرُهُ عَلَى إذْنِ النَّاظِرِ سَوَاءٌ الْعَامُّ وَالْخَاصُّ لِأَنَّ الْمَدَارَ فِي الْحِلِّ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ وَهُوَ مَوْجُودٌ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ النَّاظِرُ وَإِنَّمَا الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى النَّاظِرِ تَقْدِيمُ الْأَحَقِّ عِنْد تَزَاحُمِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لِسَبْقٍ أَوْ أَحْوَجِيَّةٍ أَوْ عُمُومِ انْتِفَاعٍ أَوْ عَدَمِ خَوْفٍ مِنْ بَقَاءِ الْوَقْفِ تَحْت يَدِهِ أَوْ نَحْو ذَلِكَ مِمَّا يَقْتَضِيه النَّظَرُ السَّدِيدُ فَإِذَا ازْدَحَمَ جَمَاعَةٌ عَلَى الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ مَثَلًا تَعَيَّنَ عَلَى النَّاظِرِ إيثَارُ أَحَقَّهُمْ بِهِ رِعَايَةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ مِنْ وُصُولِ مَزِيدِ الثَّوَابِ إلَيْهِ وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا مِنْ عَدَمِ تَوَقُّفِ حَلِّ الِانْتِفَاعِ عَلَى إذْنِ النَّاظِرِ.
قَوْلُ الرَّوْضَةِ مَنْ سَبَقَ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ رِبَاطٍ مُسَبَّلٍ صَارَ أَحَقَّ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ إزْعَاجُهُ سَوَاءٌ أَدَخَلَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَمْ بِغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ إذَا نَزَلَ بِهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَهَذَا كَمَا تَرَى صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ لِإِذْنِ النَّاظِرِ بِالنِّسْبَةِ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ وَعِبَارَةُ الْمُتَوَلِّي تَجُوزُ السُّكْنَى أَذِنَ الْإِمَامُ أَمْ لَا إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يَسْكُنَ أَحَدٌ إلًّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ لَهُ النَّظَرُ فَمَنْ سَكَنَ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الْمُقَامِ اهـ. قَالَ الْإِمَامُ التَّقِيُّ أَبُو الْحَسَنِ السُّبْكِيّ وَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ هَذَا تَصْرِيحٌ بِاشْتِرَاطِ إذْنِ النَّاظِرِ وَلَا بِعَدَمِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَشْتَرِط حَيْثُ لَا شَرْطَ لِلْوَاقِفِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ اهـ. فَإِنْ قُلْت قَدْ يُنَافَى ذَلِكَ قَوْلُ الْأَذْرَعِيِّ بَعْد مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ.
وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ أَحَقِّيَّةَ السَّابِقِ إلَى الْمَدَارِسِ وَالْخَوَانِقِ وَالرَّبْطِ أَيْ لِلسُّكْنَى بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَاظِرٌ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَجُزْ النُّزُولُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ إنْ أَمْكَنَ لِلْعُرْفِ وَكَذَا إذَا كَانَ لِلْمَدْرَسَةِ مُدَرِّسٌ دُون مَا إذَا فُقِدَ اهـ. قُلْت لَا يُنَافِيه بِدَلِيلِ قَوْلِهِ أَحَقِّيَّةُ السَّابِقِ فَكَلَامُهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَحَقِّيَّةِ وَهِيَ عِنْد التَّنَازُعِ إنَّمَا يُرْجَعُ فِيهَا لِنَظَرِ النَّاظِرِ فَلَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُ الْمُتَنَازِعَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يُجِزْ النُّزُولُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ أَيْ لَمْ يَسْتَمِرَّ حَقُّهُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَتَقْرِيرِهِ وَبِفَرْضِ الْأَخْذِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مِنْ أَنَّ إذْنَهُ شَرْطٌ لِحِلِّ الِانْتِفَاعِ بِهِ يَكُونُ كَلَامُهُ ضَعِيفًا لِمَا عَلِمْت مِنْ مُخَالَفَتِهِ لِكَلَامِ الرَّوْضَةِ وَالْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِمَا وَاعْتِمَادُ السُّبْكِيّ هَذَا دُون كَلَامِ شَيْخِهِ ابْنِ الرِّفْعَةِ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُهُ قَوْلُ النَّوَوِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي فَتَاوِيهِ يَجُوز لِلْفَقِيهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَنْزِلِ سُكْنَى الْمَدْرَسَةِ إذَا أَسْكَنَهُ النَّاظِرُ اهـ. قُلْت لَا يُؤَيِّدُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِجَوَازِ السُّبْكِيّ اسْتِمْرَارهَا كَمَا تَقَرَّرَ عَلَى أَنَّ الْإِسْنَوِيَّ اعْتَرَضَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَقَالَ
وَلَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يُقَالَ الْمَنْزِلُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ الْإِذْنُ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ السُّكْنَى حَقٌّ آخَرُ مُغَايِرٌ لِحَقِّ التَّنْزِيلِ اهـ لَكِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِيمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ نَظَر لِأَنَّ التَّنْزِيلَ يُشْعِرُ بِالْإِذْنِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ يَكْفِي إذَا كَانَ شَرْطُ الْوَاقِفِ السُّكْنَى بِهَا اكْتِفَاءً بِشَرْطِهِ اهـ.
وَمِمَّا يُصَرِّحُ بِمَا ذَكَرْته أَوَّلًا وَآخِرًا قَوْلُ الْقَاضِي فِي نَحْوِ الرِّبَاطَاتِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَدَارِسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الصُّوفِيَّةِ وَالْمُتَفَقِّهَةِ كُلُّ مَنْ يَسْكُنُهَا مِنْ أَهْلِهَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَانَ أَوْلَى فَإِذَا جَاءَ فَقِيرٌ آخَرُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ عَنْهُ وَيَسْكُنُ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ الِاسْتِحْقَاقِ اللَّهُمَّ إلَّا إذَا رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي أَنْ يَجْعَلَهَا مُتَسَاوِيَةً بَيْن الْفُقَرَاءِ أَوْ مَخَافَةَ أَنَّهُ إذَا طَالَ مُقَامُ وَاحِدٍ فِيهِ تَمَلَّكَهُ وَيَنْدَرِسُ الْوَقْفُ فَلَهُ أَنْ يُزْعِجَهُ وَيُسْكِنَ فِيهِ آخَرُ اهـ.
فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَظْهَرُ لَك وَوَضَّحْته وَحَرَّرْته، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) وَاقِفٌ صُورَةُ شَرْطِهِ أَنَّهُ أَوْقَفَ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِهِ أَحْمَدَ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى أَوْلَادٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادٍ وَإِنْ سَفَلُوا الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ طَبَقَةً بَعْد طَبَقَةٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا أَبَدًا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى عَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْوَقْفِ وَتَرَك وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَل مِنْ ذَلِكَ مِنْ وَلَدِ الظَّهْرِ أَوْ مِنْ وَلَدِ الْبَطْنِ انْتَقَلَ ذَلِكَ إلَى وَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ فِيهِ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتْرُك وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى إخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ الْمُشَارِكِينَ لَهُ فِي هَذَا الْوَقْفِ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ فِيهِ مُضَافًا إلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ ذَلِكَ وَعَلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَمْ يَتْرُك وَلَدًا وَلَا وَلَدَ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَخًا وَلَا أُخْتًا انْتَقَلَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى مَنْ هُوَ فِي دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ مُضَافًا إلَى مَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ ذَلِكَ وَحَكَمَ بِذَلِكَ مَنْ يَرَاهُ ثُمَّ انْتَهَى الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ إلَى وَلَدَيْنِ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ وَهُمَا عَزِيزٌ وَعَلِيٌّ وَلَدَا شَرْعَانِ بْنِ أَحْمَدَ ثَمَّ تُوُفِّيَ عَلِيٌّ عَنْ وَلَدِهِ أَبِي الْقَاسِمِ وَبِنْتِهِ خُونْدَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَزِيزٌ عَنْ أَوْلَادِهِ شَرْعَانَ وَأَجْوَدَ وَمُحَمَّدٍ وَفَاطِمَةَ وَشُمَيْسَةَ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَبُو الْقَاسِمِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَرَجَعَ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ إلَى أُخْتِهِ خُونْدَةَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ شُمَيْسَةُ عَنْ إخْوَتِهَا الْمَذْكُورِينَ وَهُمَا شَرْعَانُ وَأَجْوَدُ وَمُحَمَّدٌ وَفَاطِمَةُ ثَمَّ تَزَوَّجَ أَجْوَدُ ابْنَةَ عَمِّهِ خُونْدَةَ وَرُزِقَ مِنْهَا مِصْبَاحًا ثُمَّ تُوُفِّيَتْ خُونْدَةُ عَنْ زَوْجِهَا أَجْوَدَ وَبِنْتِهَا مِصْبَاحَ ثُمَّ تُوُفِّيَتْ مِصْبَاحُ عَنْ وَالِدِهَا أَجْوَدَ وَعَنْ أُخْتٍ لَهَا مِنْ أَبِيهَا تُسَمَّى مُجِيبَةَ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ مُجِيبَةُ مَا كَانَ لِأُخْتِهَا مِصْبَاحَ أَوْ يَكُونُ الِاسْتِحْقَاقُ لِوَالِدِهَا أَجْوَدَ وَلِطَبَقَتِهِ وَإِنْ قُلْتُمْ بِاسْتِحْقَاقِ مُجِيبَةَ وَرُزِقَ وَالِدُهَا أَجْوَدُ أَوْلَادًا أُخَرُ مِنْ جِهَةٍ ثَانِيَةٍ فَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ مَعَ مُجِيبَةَ شَيْئًا أَوْ تَكُونُ قَدْ اسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ انْفِرَادِهَا عِنْد مَوْتِ أُخْتِهَا مِصْبَاحَ قَبْلَ وُجُودِ الْإِخْوَة الْمَذْكُورِينَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ وَبَيِّنُوا وَأَوْضِحُوا مَا أُشْكِلَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ سبحانه وتعالى الْجَنَّةَ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ قَدْ وَقَعَ فِي نَظِيرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَعْنِي أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ وَالْمُشَارَكَةَ الْمَذْكُورَيْنِ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ هَلْ يُحْمَلَانِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ نَظَرًا لِقَصْدِ الْوَاقِفِ لَا يَحْرِمُ أَحَدًا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَوْ عَلَى مَا بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ الْمُتَبَادَرُ مِنْ لَفْظِهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِيهِ وَالْحَقِيقَةُ لَا تَنْصَرِفُ عَنْ مَدْلُولِهَا بِمُجَرَّدِ غَرَضٍ لَمْ يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ اضْطِرَابٌ طَوِيلٌ بَيْن أَئِمَّتِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَاَلَّذِي حَرَّرْته فِي كِتَابِي سَوَابِغُ الْمَدَدِ أَنَّ الرَّاجِحَ الثَّانِي ثُمَّ رَأَيْت بَعْد ذَلِكَ شَيْخَنَا شَيْخَ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ سبحانه وتعالى عَهْدَهُ وَقَدْ اسْتَقَرَّ أَمْرُهُ فِي فَتَاوِيهِ عَلَيْهِ تَبَعًا لِجَمَاعَةٍ أَئِمَّةٍ كَالْبَغَوِيِّ وَالتَّاجِ وَالْفَزَارِيِّ وَالْكَمَالِ سَلَّارٍ شَيْخِ النَّوَوِيِّ وَرَدَّ أَعْنِي شَيْخُنَا مَا أَفْتَى بِهِ قَبْلُ مِنْ خِلَافِهِ الَّذِي مَشَى عَلَيْهِ السُّبْكِيّ وَجَمَاعَةٌ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيّ لَا أَشْتَهِي أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُقَلِّدُنِي فِيهِ وَمِمَّنْ جَرَى عَلَى الْأَوَّلِ السِّرَاجُ الْبُلْقِينِيُّ وَمَنْ تَبِعَهُ وَعَلَيْهِ فَحِصَّةُ عَلِيٍّ وَهِيَ النِّصْفُ لِوَلَدَيْهِ أَبِي الْقَاسِمِ وخُونْدَةَ أَثْلَاثًا وَحِصَّةُ عَزِيزٍ وَهِيَ النِّصْفُ لِأَوْلَادِهِ أَثْمَانًا وَحِصَّةُ أَبِي الْقَاسِم وَهِيَ ثُلُثَا النِّصْفِ لِأُخْتِهِ خُونْدَةَ لِأَنَّهَا حِين مَوْتِهِ مِنْ
أَهْلِ الْوَقْفِ مُضَافًا لِمَا تَسْتَحِقُّهُ فَيُكَمَّلُ لَهَا النِّصْفُ وَحِصَّةُ شُمَيْسَةَ وَهِيَ ثُمْنُ النِّصْفِ لِإِخْوَتِهَا الْمَذْكُورِينَ أَسْبَاعًا وَحِصَّةُ خُونْدَةَ وَهِيَ النِّصْفُ كَامِلًا لَبِنْتِهَا مِصْبَاحَ وَحِصَّةُ مِصْبَاحَ وَهِيَ النِّصْفُ كَامِلًا لِأَبِيهَا أَجْوَدَ وَإِخْوَته عَمَلًا بِقَوْلِ الْوَاقِفِ الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا أَبَدًا تَحْجُبُ الطَّبَقَةَ السُّفْلَى دُون قَوْلِهِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ وَقَوْلُهُ وَعَلَى الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْإِخْوَة وَالْأَخَوَاتِ وَأَنْ يَكُونُوا مُشَارِكِينَ لِلْمَيِّتِ فِيمَا يَسْتَحِقُّهُ وَأَنَّ مَا يَنْتَقِلُ مِنْهُ إلَيْهِمْ مُضَافٌ لِمَا يَسْتَحِقُّونَهُ وَمُجِيبَةُ وَإِخْوَتُهَا لَا حَقَّ لَهُمْ فِي الْوَقْفِ الْآن فَلَمْ يُوجَد فِيهِمْ الْآن شَرْطُ الْوَاقِفِ لِأَنَّ مَنْ فِي دَرَجَةِ مِصْبَاحَ غَيْرَ مُسْتَحِقِّينَ فَتَعَيَّنَ الْعَمَلُ بِمَا قُلْنَاهُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) نَفَعَ اللَّه تَعَالَى بِعُلُومِهِ عَنْ شَخْصٍ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِي وَقْفِهِ لِأَوْلَادِهِ وَفِيهِمْ قَاصِرٌ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرُ وَيَقُومُ وَلِيُّهُ الشَّرْعِيُّ مَقَامَهُ أَوْ لَا وَفِيمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى أَخَوَاتِ زَيْدٍ فَانْقَرَضَ أَوْلَادُهُ وَلِزَيْدٍ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ أَخَوَاتٌ بَعْد سَنَتَيْنِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْأُخْتِ الْمَوْجُودَةِ لِلْوَقْفِ فَهَلْ يَشْتَرِكْنَ مَعَهَا أَمْ لَا وَفِيمَا لَوْ شَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا يُؤَجِّرَ وَقْفَهُ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ ثُمَّ خَرِبَ الْوَقْفُ الْمَذْكُورُ وَتَعَيَّنَتْ إجَارَتُهُ لِبَقَاءِ عَيْنِهِ فَهَلْ تَصِحُّ وَيُبَاشِرُهَا النَّاظِرُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ أَمْ لَا تَصِحّ مِنْهُ بَلْ مِنْ الْحَاكِمِ أَمْ لَا تَصِحّ الْإِجَارَةُ أَصْلًا وَفِيمَا لَوْ شَرَطَ أَنَّهُ مَتَى أَجَّرَ النَّاظِرُ الْوَقْفَ كَانَ مَعْزُولًا قُبَيْلَ إجَارَتِهِ وَقُلْتُمْ بِجَوَازِ إجَارَةِ النَّاظِرِ فَهَلْ يُلْغَى هَذَا الشَّرْطُ أَمْ يَصِحّ وَيَكُونُ مَحَلُّ جَوَازِ الْإِجَارَةِ إذَا تَعَيَّنَتْ مَا لَمْ يَشْرِط مَا ذَكَرَ وَهَلْ هَذَا الشَّرْطُ فِي نَفْسِهِ مُعْتَبَرٌ مُؤَثَّرٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا نَظَر لِلْقَاصِرِ وَلَا لِوَلِيِّهِ بَلْ لِلْقَاضِي وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ وَتُشَارِكُ الْحَادِثَانِ الْمَوْجُودَةَ وَتَصِحّ الْإِجَارَةُ فِيمَا ذَكَرَ فِي الْقَدْرِ الضَّرُورِيّ وَيُبَاشِرهَا النَّاظِرُ وَلَا يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ إذْ لَا يُؤَثِّرُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ مُنْقَطِعِ الْوَسَطِ أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى الْأَقْرَبِ إلَى الْوَاقِفِ فَمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ هَلْ الْمُرَادُ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْوَصَايَا بِقَوْلِهِمْ وَأَقْرَبُ قَرِيبٍ فَرْعٌ ثُمَّ أَصْلٌ إلَى آخِرَ مَا ذَكَرُوهُ أَمْ الْمُرَادُ غَيْرُ ذَلِكَ وَمَا هُوَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُرَادَ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ الْأَقْرَبُ إلَى الْوَاقِفِ رَحِمًا وَهُوَ مَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ دَارًا وَجَعَلَ ثُلُثَ غَلَّتِهَا لِوَلَدِهِ وَالثُّلُثَ الثَّانِيَ لِبِنْتِهِ وَالثُّلُثَ الثَّالِثِ يُصْرَفُ مِنْهُ فِي عِمَارَةِ الْوَقْفِ مَا يَحْتَاجَ إلَيْهِ وَمَا فَضَلَ بَعْد الْعِمَارَةِ يُصْرَفُ مِنْهُ أَشْرَفِيَّانِ فِي كُلّ سَنَةٍ لِمَعْتُوقِهِ مُبَارَكٍ لِيَتَعَاطَى إجَارَةَ الْبُيُوتِ وَعِمَارَاتِهَا وَمَا بَقِيَ بَعْد ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ يُدْفَعُ لِأُمِّ وَلَدِهِ الْمَذْكُورِ أَعْلَاهُ وَوَقَفَ دَارًا أَيْضًا عَلَى أَنْ يُصْرَفَ مِنْ غَلَّتِهَا لِأَرْبَعَةِ قُرَّاءٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ فِي الْمَسْجِدِ لِكُلِّ شَخْصٍ أَشْرَفِيَّانِ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَلِتَسْبِيلِ مَاءٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَشْرَفِيَّانِ وَمَا فَضَلَ يُصْرَفُ مِنْهُ فِي عِمَارَةِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ثُمَّ مَا بَقِيَ بَعْد ذَلِكَ يُدْفَعُ لِأُمِّ وَلَدِهِ الْمَذْكُورَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ جِهَةً يُصْرَفُ إلَيْهَا غَيْرُ الْمَذْكُورِينَ بَعْد انْقِرَاضِهِمْ فَمَاتَ الْمَعْتُوقُ الْمَذْكُورُ وَأُمُّ الْوَلَدِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْوَلَدُ وَأُخْتُهُ الْمَذْكُورَانِ أَعْلَاهُ عَلَى الْأَمَاكِنِ الْمَذْكُورَةِ وَاقْتَسَمَا مَا كَانَ يُعْطَى لِلْمَعْتُوقِ وَلِأُمِّ الْوَلَدِ نِصْفَيْنِ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَلَدَ وَلَدُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ وَلَدًا وَبِنْتًا فُقَرَاءَ وَطَلَبَا أَنْ يُصْرَفَ لَهُمَا مَا كَانَ لِلْمَعْتُوقِ وَأُمِّ الْوَلَدِ الْمَذْكُورَيْنِ فَهَلْ يُصْرَفُ لَهُمَا ذَلِكَ لِاسْتِحْقَاقِهِمَا لَهُ بِصِفَةِ الْفَقْرِ أَمْ يُصْرَفُ لِأَوْلَادِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لِكَوْنِهِمْ أَقْرَبَ إلَى الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَاضِلُ عَنْ الْعِمَارَةِ وَعَنْ حِصَّتَيْ الْوَلَدِ وَالْبِنْتِ فِي الْأُولَى وَعَنْ حِصَّتَيْ الْقُرَّاءِ وَالتَّسْبِيلِ فِي الثَّانِيَةِ يَجِبُ صَرْفُهُ لِلْوَلَدِ وَالْبِنْتِ اللَّذَيْنِ هُمَا وَلَدَا وَلَدِ الْوَاقِفِ لِفَقْرِهِمَا وَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ شَيْءٌ لِوَلَدِ الْوَاقِفِ وَبِنْتِهِ مَا دَامَا غَنِيَّيْنِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادِهِ لِصُلْبِهِ وَهُمْ حِينَئِذٍ عَوْدَةُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَعَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَبَنَاتِهِ وَهُنَّ رُقَيَّةُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَمَرْيَمُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَنَفِيسَةُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَخَيْرَةُ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ وَأُمُّ هَانِئٍ ابْنَةُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْبَالِغِينَ كُلُّهُمْ وَعَلَى
مَنْ يُحْدِثُهُ اللَّهُ سبحانه وتعالى مِنْ الْأَوْلَادِ غَيْرِهِمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى فِي بَاقِي عُمْرِهِ أَيَّامِ حَيَاتِهِ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ لِلْأَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْ وَلَدِهِ لَيْسَ لِأَوْلَادِ الْبَنَاتِ دُخُولٌ فِي ذَلِكَ وَشَرْطُ الْوَاقِف الْمَذْكُور أَنْ يَقْتَسِمُوا غَلَّة هَذَا الْوَقْفِ الْمَوْصُوفِ بَيْنهمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] .
وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَبْنَاءِ دُخُولٌ فِي ذَلِكَ مَعَ الْآبَاءِ إلَّا أَنْ يَنْقَرِضَ أَحَدٌ وَيَتْرُكَ وَلَدًا فَتَكُونُ أَوْلَادُهُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ الْمَنْعُوتِ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادُ الْمَيِّتِ كُلُّهُمْ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ رَجَعَ هَذَا الْوَقْفُ إلَى الذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادٍ ذُكِرَ أَنَّهُمْ أَوْلَادُ الذُّكُورِ وَإِنَاثُهُمْ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَلَا تَدْخُلُ الْأَبْنَاءُ مَعَ الْآبَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَنْقَرِضَ أَحَدٌ فَيَتْرُكَ وَلَدًا فَتَكُونُ أَوْلَادُهُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي بَنَاتِ الْمُحْتَسِبِ الْوَاقِفِ دُخُولٌ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْوَقْفِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ بَنِي بَنَاتِ بَنِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إذْ كَانَ وَقْفُهُ هَذَا إنَّمَا هُوَ عَلَى أَوْلَادٍ لِصُلْبِهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ الذُّكُورِ دُون أَوْلَادِ بَنَاتِهِمْ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ يَجْرِي الْحَالُ بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى الْوَصْفِ الْمَذْكُورِ طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ وَنَسْلًا بَعْد نَسْلٍ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَاتِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ يَجْرِي الْحَالُ بَيْنَهُمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَلَى الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنْهُمْ كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ يَتَوَلَّى النَّظَرُ فِي ذَلِكَ الْبَالِغُ الرَّشِيدُ مِنْ أَوْلَادِهِ ثُمَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ نَسْلٌ تَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ الْأَرْشَدُ فَالْأَرْشَدُ مِنْ عَصَبَاتِ الْوَاقِفِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ تَوَلَّى النَّظَرَ فِي ذَلِكَ حَاكِمُ الْمُسْلِمِينَ يُوَلِّي النَّظَرَ فِيهِ لِمَنْ شَاءَ مِنْ الْعُدُولِ هَذَا لَفْظُهُ فَإِذَا آلَ الْوَقْفُ إلَى أَقْرَبِ عَصَبَاتِهِ بِشَرْطِهِ وَهُمْ سُلَيْمَانُ وَإِبْرَاهِيمُ وَعُمَرُ وَمُحَمَّدٌ فَتُوُفِّيَ عُمَرُ الْمَذْكُورُ وَتَرَك وَلَدَهُ عَبْدَ اللَّطِيفِ عَلَى الرُّبْعِ ثُمَّ تُوُفِّيَ إبْرَاهِيمُ الْمَذْكُورُ وَتَرَك وَلَدَهُ أَحْمَدَ عَلَى الرُّبْعِ أَيْضًا ثُمَّ تُوُفِّيَ مُحَمَّدٌ الْمَذْكُورُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَانْتَقَلَ الرُّبْعُ الْمُخْتَصُّ بِهِ لِسُلَيْمَانَ الْمَذْكُورَ ثُمَّ تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ الْمَذْكُورُ وَتَرَك وَلَدَهُ عَبْدَ الْعَزِيزِ عَلَى النِّصْفِ ثُمَّ تُوُفِّيَ أَحْمَدُ وَتَرَكَ وَلَدَهُ مُحَمَّدًا عَلَى الرُّبْعِ حِصَّةَ وَالِدِهِ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّطِيفِ الْمَذْكُورُ وَتَرَكَ أَوْلَادَهُ وَهُمْ عِيسَى وَعَبْدُ اللَّهِ وَمُبَارَكُ وَعَائِشَةُ وَحُورِيَّةُ عَلَى الرُّبْعِ حِصَّةِ وَالِدِهِمْ ثُمَّ تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَذْكُورُ وَتَرَكَ ثَلَاثَةَ صِبْيَانٍ وَخَمْسَ بَنَاتٍ وَتُوُفِّيَ عِيسَى الْمَذْكُورُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَتُوُفِّيَتْ بِنْتٌ مِنْ بَنَاتِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ فَهَلْ حِصَّةُ عِيسَى وَحِصَّةُ الْبِنْتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ تَنْتَقِلُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهِ أَقْرَبَ الطَّبَقَاتِ إلَى الْوَاقِفِ أَمْ لِإِخْوَتِهِمْ الْمَذْكُورِينَ أَعْلَاهُ وَمَا الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ فِي هَذَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ أَنَّ الْعَصَبَاتِ حُكْمُهُمْ حُكْمُ الْأَوْلَادِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ فِيهِمْ لِقَوْلِهِ عَلَى الْأَقْرَبِ مِنْ عَصَبَاتِ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورِ يَجْرِي الْحَالُ بَيْنهمْ أَيَّامَ حَيَاتِهِمْ عَلَى الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ وَمِنْ الْوَضْعِ الْمَذْكُورِ فِي الْأَوْلَادِ أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَبْنَاءِ دُخُولٌ فِي ذَلِكَ مَعَ الْآبَاءِ إلَّا أَنْ يَنْقَرِضَ أَحَدٌ وَيَتْرُكَ وَلَدًا فَتَكُونُ أَوْلَادُهُ عَلَى مِثْلِ نَصِيبِ أَبِيهِمْ وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْأَبْنَاءِ وَلَمْ يَتْرُكْ وَلَدًا فَنَصِيبُهُ رَاجِعٌ إلَى كُلِّ مَنْ عَلَيْهِ الْوَقْفُ يَقْتَسِمُونَهُ بَيْنهمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْأَوْلَادِ فَيَجْرِي مِثْلُهُ فِي الْعَصَبَاتِ لِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ كَمَا عَلِمْت فَحِينَئِذٍ حِصَّةُ مُحَمَّدٍ الْمُتَوَفَّى عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ لَا تَخْتَصُّ بِسُلَيْمَانَ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ السَّائِلُ بَلْ يَشْتَرِكُ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ عَبْدُ اللَّطِيفِ وَأَحْمَدُ وَسُلَيْمَانُ فَإِذَا تُوُفِّيَ سُلَيْمَانُ كَانَ لِوَلَدِهِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الرُّبْعُ وَثُلُثُ الرُّبْعِ لَا النِّصْفُ خِلَافًا لِمَا زَعَمَهُ السَّائِلُ وَإِذَا تُوُفِّيَ أَحْمَدُ كَانَ لِوَلَدِهِ الرُّبْعُ وَثُلُثُ الرُّبْعِ وَإِذَا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّطِيفِ كَانَ لِأَوْلَادِهِ الرُّبْعُ وَثُلُثُ الرُّبْعِ وَهُوَ ثُلُثُ الْكُلِّ فَيَكُونُ لَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَسْهُمٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ سَهْمًا عَلَى سَبْعَةِ رُءُوسٍ فَيَخُصُّ عَبْدَ اللَّهِ سَهْمٌ وَسُبُعَا سَهْمِ يَنْتَقِلَانِ لِأَوْلَادِهِ وَنَصِيبُ عِيسَى الْمَيِّتِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَهُوَ سَهْمَانِ وَسُبُعَا سَهْمٍ يَنْتَقِلُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ وَلِمُحَمَّدِ بْن أَحْمَدَ وَلِمُبَارَكَةَ وَعَائِشَةَ وَحُورِيَّةَ وَلِأَوْلَادِ عَبْدِ اللَّهِ يَقْتَسِمُونَ
هَذَيْنِ السَّهْمَيْنِ وَالسُّبْعَيْنِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَنَصِيبُ الْبِنْتَيْنِ الْمَيِّتَتَيْنِ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ مِنْ أَبِيهِمَا عَبْدِ اللَّهِ يَنْتَقِلُ لِعَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَوْصَى آخَرَ بِأَنْ يَقِفَ بَعْدَ مَوْتِهِ أَرْضًا عَلَى قَارِئٍ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ عَلَى شَفِيرِ قَبْرِهِ وَعَيَّنَ خِتْمَاتٍ شَرِيفَةً مَعْلُومَةً بِالسَّنَةِ أَوْ بَعْضِهَا وَتَفَضَّلَ مِنْ مُغِلِّ الْأَرْضِ شَيْءٌ كَثِيرٌ زَائِدٌ عَلَى أُجْرَةِ الْقَارِئِ فَهَلْ الزَّائِدُ لِلْوَرَثَةِ إرْثًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ لِغَيْرِهِمْ وَإِذَا لَمْ يُعَيِّنْ قَدْرَ الْخَتْمَاتِ فَهَلْ الْقِرَاءَةُ بِقَدْرِ أَمْثَالِ الْأَرْضِ، أَوْ يَسْتَأْجِرُ بِالْكُلِّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّمَا يَصِحُّ وَقْفُ الْأَرْضِ الْمُوصَى بِهَا لِمَا ذُكِرَ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَمَا يَحْتَمِلُهُ مِنْهَا ثُمَّ إذَا وُقِفَتْ فَإِنْ كَانَ الْمُوصِي قَالَ: أَوْصَيْتُ بِأَنْ تُوَقَّفَ تِلْكَ الْأَرْضُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ كَذَا وَكَذَا خَتْمَةً عَلَى شَفِيرِ قَبْرِي بَعْدَ مَوْتِي وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَاَلَّذِي يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي بَابِ الْجَعَالَةِ أَنَّ الْقَارِئَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ إلَّا إنْ قَرَأَ مَا عُيِّنَ لَهُ وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ مُغَلِّ الْأَرْضِ وَإِنَّ كَثُرَ وَزَادَ عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّ هَذَا كَالْجَعَالَةِ فَإِذَا أَتَى بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْجُعْلِ وَهُوَ مُغَلُّ الْأَرْضِ مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ صَارَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الْآخِرِ فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ رَحِمًا لَا إرْثًا بِشَرْطِ الْفَقْرِ فَإِنْ اسْتَوَى جَمَاعَةٌ فِي الْأَقْرَبِيَّةِ صُرِفَ إلَيْهِمْ بِحَسَبِ رُءُوسِهِمْ.
وَإِنْ قَالَ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ وَلَمْ يُعَيِّنْ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ فِي مَحَلِّ الْمُوصِي حَالَ الْوَصِيَّةِ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ قَدْرًا وَزَمَنًا عُمِلَ بِذَلِكَ الْعُرْفِ وَنَزَلَ كَلَامُ الْمُوصَى عَلَيْهِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَسْتَحِقُّ كُلُّ مَنْ قَرَأَ كَالْجَعَالَةِ وَلَا يَنْتَقِلُ شَيْءٌ مِنْ الْوَقْفِ إلَى غَيْرِ الْقُرَّاءِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْعَلْ لِلْقِرَاءَةِ حَدٌّ تَنْتَهِي إلَيْهِ فَيَكُونُ الْوَقْفُ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ اسْتَحَقَّ مِنْ الْوَقْفِ كُلُّ مَنْ قَرَأَ عَلَى الْقَبْرِ وَلَوْ شَيْئًا يَسِيرًا فَيُعْطِيهِ النَّاظِرُ مَا يَرَاهُ لَائِقًا بِعَمَلِهِ وَالْوَقْفُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ غَيْرُ مُنْقَطِعِ الْآخِرِ أَيْضًا فَلَا يُصْرَفُ مِنْهُ شَيْءٌ لِغَيْرِ الْقُرَّاءِ ثَمَّ رَأَيْت فِي فَتَاوَى الْأَصْبَحِيِّ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ مُخَالَفَةً لِبَعْضِ مَا ذَكَرْتُهُ فَلَا تَغْتَرَّ بِهِ وَلَفْظُهُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُوقَفَ عَلَى قَبْرِهِ فَهَذَا يَنْصَرِفُ إلَى الْغَلَّةِ لَا غَيْرُ وَيَحْكُمُ الْعُرْفُ فِي غَلَّةِ كُلِّ سَنَةٍ لِسَنَتِهَا فَمَنْ قَرَأَ جُزْءًا اسْتَحَقَّ بِقِسْطِهِ وَمَنْ قَرَأَ أَكْثَرَ كَذَلِكَ وَإِنْ قَرَأَ الْجَمِيعَ اسْتَحَقَّ غَلَّةَ ذَلِكَ الْعَامِ وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةٌ بِالْأَرْضِ مِنْ غَيْرِ وَقْفٍ فَإِنْ عَيَّنَ مُدَّةَ الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ جُزْءًا إلَى مُدَّةِ كَذَا فَلَا يَسْتَحِقُّ الْعَيْنَ الْمُوصَى بِهَا إلَّا مَنْ قَرَأَ تِلْكَ الْمُدَّةَ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ وَقَعَتْ الْمُدَّةُ مَجْهُولَةً إذْ لَا آخِرَ لِذَلِكَ وَالِاسْتِحْقَاقُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ مَجْهُولٍ لَا آخِرَ لَهُ فَيُشْبِهُ مَسْأَلَةَ الدِّينَارِ وَفِيهَا إشْكَالٌ وَتَصْوِيرَاتٌ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ فِي آخِرِ تَفْرِيعَاتِهَا وَهَذِهِ مُشْكِلَةٌ لَا يُهْتَدَى إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ وَقْفًا فَهُوَ أَقْرَبُ أَوْ وَصِيَّةً مُدَّةً مُعَيَّنَةً فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَصِيَّةً إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَنْصُوصَةٌ فِي الْغَرَائِبِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُدَّةِ الْمَجْهُولَةِ مَرْدُودٌ كَقِيَاسِهِ لَهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الدِّينَارِ قَبْلُ فَإِذَا قَرَأَ الْقَارِئُ عَلَى قَبْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ جُزْءًا مِنْ الْقُرْآنِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ اسْتَحَقَّ الْوَصِيَّةَ وَإِلَّا فَلَا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ كَذَا عَلَى وَارِدِ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيُصْرَفُ لِلْوَارِدِ فِي مَسْجِدٍ مَا فَإِنْ كَانَ لَا يَصِحُّ فَمَا وَجْهُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ بُطْلَانُ الْوَقْفِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُعَيِّنْهُ لَمْ يَصِحَّ أَيْ: لِإِبْهَامِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَيَتَعَذَّرُ الصَّرْفُ إلَيْهِ وَذَلِكَ يُنَافِي مَقْصُودَ الْوَاقِفِ فَبَطَلَ وَظَاهِرٌ أَنَّ مِثْلَ هَذَا قَوْلُهُ عَلَى وَارِدِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْوَارِدَ وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِوَصْفِهِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ مُبْهَمًا مِنْ حَيْثُ انْبِهَامُ مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُطْلِقْهُ وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِمَحَلٍّ مُبْهَمٍ فَلَزِمَ مِنْ انْبِهَامِ الْقَيْدِ انْبِهَامُ الْمُقَيَّدِ فَتَعَذَّرَ الصَّرْفُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَبَطَلَ الْوَقْفُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ وَإِنَّمَا لَمْ يَصِحَّ نَظَرًا إلَى أَنَّ الْمَسْجِدَ مُحَلًّى بِأَلْ فَيَعُمُّ لِاسْتِحَالَةِ ذَلِكَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ مَدْلُولَ الْعَامِّ كُلِّيَّةً فَكَأَنَّهُ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى وَارِدِ كُلِّ مَسْجِدٍ وَوُرُودُ الشَّخْصِ لِكُلِّ مَسْجِدٍ الْمَشْرُوطُ فِي اسْتِحْقَاقِهِ بِالتَّقْرِيرِ الَّذِي تَقَرَّرَ مُحَالٌ.
فَلَمْ يُنْظَرْ إلَيْهِ كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إلَيْهِ فِي: وَقَفْتُ هَذَا الْمَسْجِدَ، وَصَرْفَهُ لِلْوَارِدِ فِي مَسْجِدٍ مَا لَمْ يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ فَلِمَ يَنْظُرْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ عَامًّا كَمَا تَقَرَّرَ، فَوَاضِحٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مَدْلُولُهُ أَوْ غَيْرُ عَامٍّ بِأَنْ كَانَتْ أَلْ فِيهِ عَهْدِيَّةً فَالْإِبْهَامُ فِيهِ حَاصِلٌ لِلْجَهْلِ بِذَلِكَ الْمَعْهُودِ فَبَطَلَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ. نَعَمْ لَوْ قَالَ الْوَاقِفُ: أَرَدْتُ مَسْجِدَ كَذَا فَيَظْهَرُ قَبُولُ قَوْلِهِ لِاحْتِمَالِهِ فَيَصِحُّ الْوَقْفُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ التَّحْشِيَةِ فِي الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ أَتَجُوزُ أَوْ يُفَرِّقُ بَيْنَ مَحْشٍ وَمَحْشٍ، وَتَحْشِيَةٍ دُونَ تَحْشِيَةٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: الْقِيَاسُ مَنْعُ التَّحْشِيَةِ فِي الْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى حَوَاشِيهَا اسْتِعْمَالُ لَهَا فِيمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ الْوَاقِفُ. وَالْأَصْلُ امْتِنَاعُهُ إلَّا إذَا اقْتَضَتْ
الْمَصْلَحَةُ
خِلَافُهُ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَبْعُدُ جَوَازُهَا إنْ اقْتَضَتْهَا الْمَصْلَحَةُ بِأَنْ كَانَ الْخَطُّ حَسَنًا، وَعَادَ مِنْهَا مَصْلَحَةٌ عَلَى الْكِتَابِ الْمُحَشِّي عَلَيْهِ لِتَعَلُّقِ الْحَوَاشِي بِمَا فِيهِ تَصْحِيحًا أَوْ بَيَانًا وَإِيضَاحًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ سَبَبًا لِكَثْرَةِ مُطَالَعَةِ النَّاسِ لَهُ وَانْتِفَاعِهِمْ بِهِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَوْ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ لَأَحَبَّهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِ الثَّوَابِ لَهُ بِتَعْمِيمِ النَّفْعِ بِوَقْفِهِ وَمَتَى انْتَفَى شَرْطٌ مِمَّا ذَكَرْتُهُ لَمْ تَجُزْ التَّحْشِيَةُ، وَهَذَا كُلُّهُ وَإِنْ لَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا لَكِنْ كَلَامُهُمْ فِي بَابِ الْوَقْفِ دَالٌّ عَلَيْهِ، فَإِنْ قُلْتَ قَضِيَّةُ قَوْلِهِمْ: يُكْرَهُ نَقْشُ الْمَسْجِدِ كَمَا فِيهِ أَحْكَامٌ تَبَرُّعًا: جَوَازُ الْحَوَاشِي هُنَا مُطْلَقًا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الزَّرْكَشِيّ: يُكْرَهُ أَيْضًا كِتَابَةَ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي قِبْلَتِهِ، قَالَهُ مَالِكٌ اهـ فَكَمَا جَازَ النَّقْشُ فِي جِدَارِهِ مَعَ عَدَمِ إذْنِ الْوَاقِفِ فِيهِ فَكَذَا تَجُوزُ التَّحْشِيَةُ فِي حَوَاشِي الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ الْوَاقِفُ فِيهِ. قُلْتُ: النَّقْشُ إنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُفْعَلَ فِي جِدَارِهِ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ حَيْثُ قَالَ: لَيْسَ تَزْوِيقُهُ مِنْ الْمَنَاكِيرِ الَّتِي يُبَالَغُ فِيهَا لِأَنَّهُ يُفْعَلُ تَعْظِيمًا لِشَعَائِرِ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَبَاحَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إشْغَالِ قَلْبِ الْمُصَلِّي. وَأَمَّا الْحَوَاشِي الَّتِي لَا تَعُودُ مِنْهَا مَصْلَحَةٌ عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ فَلَا تَعْظِيمَ فِيهَا فَلِذَلِكَ قُلْنَا بِامْتِنَاعِهَا عَلَى أَنَّ مِنْ شَأْنِ كِتَابَةِ الْحَوَاشِي أَنَّهَا تَضُرُّ بِمَحَلِّهَا مِنْ الْوَرَقِ فَفِيهَا نَوْعُ ضَرَرٍ لِلْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ فَعِنْدَ الْمَصْلَحَةِ يُحْتَمَلُ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ مُحَقَّقَةٌ، وَالْمَضَرَّةُ مَوْهُومَةٌ، وَالْمُحَقَّقُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَوْهُومِ. وَأَمَّا التَّزْوِيقُ فَلَا ضَرَرَ فِيهِ لِلْجِدَارِ بِوَجْهٍ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ مَسْحُهُ وَإِزَالَتُهُ عَنْهُ بِخِلَافِ الْحَوَاشِي فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّزْوِيقِ وَكِتَابَةِ الْحَوَاشِي.
(وَسُئِلَ) عَنْ وَاقِفَةٍ وُقِفَتْ عَلَى جَمَاعَةِ نِسْوَةٍ نَحْوِ سَبْعَةٍ مَثَلًا عَلَى بَنَاتِهِنَّ وَبَنَاتِ بَنَاتِهِنَّ إنَاثًا غَيْرَ ذُكُورٍ مُرَتَّبًا بَطْنًا بَعْدَ بَطْنٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِنَّ عَلَى غَيْرِهِمْ وَقْفًا شَرْعِيًّا ثُمَّ شَرَطَتْ أَنْ يَبْدَأَ بِالْعِمَارَةِ مِنْ رِيعِهِ وَأَنْ يَدْفَعَ لِلْمُسْتَحِقَّاتِ اسْتِحْقَاقَهُنَّ وَأَنْ يَدْفَعَ مِنْ أُجْرَتِهِ لِقَارِئٍ شَرَطَتْهُ فِي وَقْفِهَا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا فَهَذَا صُورَةُ لَفْظِهَا فِي وَقْفِهَا فَهَلْ يَأْخُذُ الْقَارِئُ الْعَشَرَةَ الْمَشْرُوطَةَ لَهُ أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْعِمَارَةِ قَبْلَ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِنَّ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ يَكُونُ لَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ كَمَا شَرَطَتْ أَمْ يُوَزَّعُ الْبَاقِي بَعْدَ الْعِمَارَةِ بَيْنَ الْقَارِئِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَيْهِنَّ بِالسَّوِيَّةِ وَالْقَصْدُ التَّأَمُّلُ الشَّافِي فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفَةِ فَإِنَّ مَا فِيهَا تَرْتِيبٌ بَلْ يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِهَا تَقْدِيمُ اسْتِحْقَاقِ الْقَارِئِ عَلَيْهِنَّ يُدْفَعُ لِلْقَارِئِ مِنْ رِيعِهِ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَيُدْفَعُ لِلْمُسْتَحِقَّاتِ اسْتِحْقَاقُهُنَّ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا فَضَلَ عَنْ الْعِمَارَةِ يُصْرَفُ مِنْهُ لِلْقَارِئِ قَدْرُ أُجْرَةِ مِثْلِ قِرَاءَتِهِ لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا عَمَلَ عَلَيْهِ وَمَا فَضَلَ عَنْ أُجْرَةٍ مِثْلِهِ مِمَّا سَمَّاهُ لَهُ الْوَاقِفُ إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ يُقَسَّمُ مَا بَقِيَ مِنْ الْغَلَّةِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِنَّ لِأَنَّهُ يُضَارُّ بِهِنَّ بِهِ كَمَا أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ بِنَظِيرِهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ شَرَطَ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ فَنَصِيبُهُ رَاجِعٌ إلَى الْبَاقِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَمَنْ حَدَثَ مِنْ الذَّرَارِيِّ فَهُوَ بِنَصِيبِهِ مَعَ الْمَوْجُودِينَ حَالَ ظُهُورِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَهَلْ يَرْجِعُ نَصِيبُ الْمَيِّتِ إلَى الْبَاقِينَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَقْرَبَ وَيَسْتَحِقُّ مَنْ حَدَثَ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ مِنْ أَحَدِ الْمَوْجُودِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُهُمْ وَكَذَا يُقَالُ فِي الرُّتْبَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَهَكَذَا وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَفِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الْبَنُونَ وَالْبَنَاتِ مَا لَمْ يَقُلْ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْهُمْ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا
فَاَلَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْوَاقِفِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وَآخِرًا أَنَّ نَصِيبَ الْمَيِّتِ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ يَرْجِعُ إلَى الْمَوْجُودِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمْ أَقْرَبَ إلَى الْمَيِّتِ مِنْ الْبَاقِينَ وَأَنَّ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى هُنَا سَوَاءٌ وَأَنَّ مَنْ حَدَثَ مِنْ أَوْلَادِ الْبُطُونِ أَوْ أَوْلَادِ الظُّهُورِ شَارَكَ الْمَوْجُودِينَ لَكِنْ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَلَهُ مِثْلُ الذَّكَرِ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَلَهُ نِصْفُ مَا لِلذَّكَرِ وَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْحَادِثُ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمَوْجُودِ أَيْضًا أَوْ لَا وَهَذَا آخِرُ مَا كَتَبْتُهُ فِي جَوَابِ السُّؤَالِ وَبَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ نُنَبِّهُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ قَوْلُهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] إلَى مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ أَيْضًا فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا سِيَاقٌ آخَرُ وَذَلِكَ لِأَنَّ السِّيَاقَ الْأَوَّلَ فِيهِ مِنْ الشَّرْطِيَّةِ وَجَوَابِهَا بِقَوْلِهِ فَنَصِيبُهُ رَاجِعٌ إلَى الْبَاقِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ وَالثَّانِي فِيهِ [مَنْ] أَيْضًا وَجَوَابُهَا بِقَوْلِهِ فَهُوَ نَصِيبُهُ إلَخْ فَتَخْصِيصُ قَوْلِهِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ الْمُقْتَضَى لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِقَوْلِهِ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وَقَعَ فِي جَوَابِ هَذَا الشَّرْطِ الثَّانِي وَجَوَابُ الْأَوَّلِ لَمْ يُخَصِّصْ فِيهِ الِاسْتِوَاءُ بِشَيْءٍ فَعَمِلْنَا بِقَضِيَّةِ قَوْلِهِمْ وَالصِّفَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ عَلَى جُمَلٍ مَعْطُوفَةٍ كَوَقَفْت عَلَى فُقَرَاءِ أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي وَكَذَا الْمُتَأَخِّرَةِ كَعَلَى أَوْلَادِي وَإِخْوَتِي الْمُحْتَاجِينَ وَالِاسْتِثْنَاءُ كَقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ تُعْتَبَرُ فِي الْكُلِّ قَالَ الْإِمَامُ إلَّا إنْ عَطَفَ بِثُمَّ أَوْ تَخَلَّلَ كَلَامٌ طَوِيلٌ وَإِلَّا اخْتَصَّتْ بِالْأَخِيرَةِ لَا يُنَافِي مَا قَرَّرْتُهُ لِأَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَقَعَ فِي جَوَابِ شَرْطٍ غَيْرَ الشَّرْطِ الْأَوَّلِ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ بَابِ تَأْخِيرِ الصِّفَةِ عَنْ جُمَلٍ مُتَعَاطِفَةٍ وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ مَوْضِعُهُ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْبَاقِينَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَيِّتِ وَهُوَ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ. نَعَمْ لَوْ قَالَ وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ اتَّجَهَ أَنْ يُقَالَ: إنَّهُ رَاجِعٌ لِلْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِشَيْءٍ فَحَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ هُوَ قَاعِدَةُ الْبَابِ وَهَلْ يَتَقَيَّدُ قَوْلُهُ {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ مَعَ الْمَوْجُودِينَ؟ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ إلَّا إنْ كَانَ هُنَاكَ مَوْجُودِينَ غَيْرَهُ فَلَوْ حَدَثَ وَلَا مَوْجُودَ غَيْرَهُ تَسَاوَى الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى أَوْ لَا يَتَقَيَّدُ بِهِ لِأَنَّ هَذَا قَيْدٌ فِي اسْتِحْقَاقِهِ مُطْلَقًا الْأَقْرَبُ الثَّانِي.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ كَيْفَ يُمَثِّلُ الْأَصْحَابُ لِتَأْخِيرِ الصِّفَةِ عَنْ الْجُمَلِ الْمَعْطُوفَةِ أَوْ تَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ أَوْ الِاسْتِثْنَاءِ بَعْدَهَا بِقَوْلِهِمْ: وَقَفْتُ عَلَى مُحْتَاجِي أَوْلَادِي وَأَحْفَادِي وَإِخْوَتِي مَعَ أَنَّ هَذِهِ مُفْرَدَاتٍ لَا جُمَلَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ذَلِكَ إطْلَاقٌ مَجَازِيٌّ وَمِنْ ثَمَّ مَثَّلَ الْإِمَامُ لِذَلِكَ فِي الْأُصُولِ بِقَوْلِهِ وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي دَارِي وَحَبَسْتُ عَلَى أَقَارِبِي ضَيْعَتِي وَتَصَدَّقْتُ عَلَى عُتَقَائِي بِبُسْتَانِي إلَخْ وَقَدْ اسْتَبْعَدَ الْوَلِيُّ الْعِرَاقِيُّ كَوْنَ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ عَطْفِ الْجُمَلِ وَإِنْ قَدَّرَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَامِلٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ نَعَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ فِعْلٌ مُقَدَّرٌ بَعْدَ الْعَاطِفِ لَا الْعَامِلَ فِي الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ شَيْئًا عَلَى مَنْ يُصَلِّي الْخَمْسَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ أَوْ مَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يَقْرَأُ كُلَّ يَوْمٍ فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ فَأَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ بِقِسْطِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى فِيهَا الْوَظِيفَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةِ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَخَاطَ بَعْضَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّا نَتَّبِعُ فِي الْأَعْوَاضِ وَالْعُقُودِ الْمَعَانِي وَفِي الشُّرُوطِ وَالْوَصَايَا الْأَلْفَاظ وَالْوَقْفُ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ لَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَاتِ فَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءِ مِنْ الشُّرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقُّ شَيْئًا اهـ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ يَسْتَحِقُّ قَدْرَ مَا عَمِلَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ: إنَّ مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِلنِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ فَمَاتَ وَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَرْكَانِ أَنَّهُ يُوَزَّعُ وَهُوَ وَاضِحٌ اهـ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا اسْتَنَابَ إمَامُ الْمَسْجِدِ مَنْ يُصَلِّي عَنْهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ فَهَلْ يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّ الْإِمَامَ وَالنَّائِبَ لَا يَسْتَحِقَّانِ شَيْئًا مِنْ الْجَامِكِيَّةِ ثُمَّ إنْ جَعَلَ لِلنَّائِبِ جُعْلًا اسْتَحَقَّهُ وَإِلَّا فَلَا. قَالَا فَإِنْ أَذِنَ لَهُ النَّاظِرُ فِي الِاسْتِنَابَةِ جَازَتْ وَاسْتَحَقَّ النَّائِبُ الْمَشْرُوطُ لِلْإِمَامَةِ دُونَهُ وَلَيْسَ هُوَ نَائِبًا عَنْهُ بَلْ هُوَ وَكِيلُهُ فِي هَذِهِ التَّوْلِيَةِ فَإِنْ تَوَاطَآ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ بَعْضًا لَمْ يَجُزْ وَفِي صِحَّةِ التَّوْلِيَةِ حِينَئِذٍ نَظَرٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَعْلُومَ
كَالْمَشْرُوطِ وَلَوْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي التَّوْلِيَةِ بَطَلَتْ وَلَمْ يَسْتَحِقَّ الْقَائِمُ بِالْإِمَامَةِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجْرِ شَرْطٌ وَلَا تَوَاطَآ فَتَبَرَّعَ الْإِمَامُ عَلَى الْوَكِيلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ اهـ وَخَالَفَهُمَا التَّقِيُّ السُّبْكِيّ وَغَيْرُهُ فَأَفْتَوْا بِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ قَالَ السُّبْكِيّ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِمْ إذَا اسْتَعَانَ الْمَجْعُولُ لَهُ بِغَيْرِهِ وَعَمِلَ غَيْرُهُ بِقَصْدِ الْإِعَانَةِ مُنْفَرِدًا أَوْ مُشَارِكًا اسْتَحَقَّ الْمَجْعُولُ لَهُ كَمَالَ الْجُعْلِ فَقِيَاسُهُ أَنَّ الْمُسْتَنِيبَ هُنَا يَسْتَحِقُّ جَمِيعَ الْمَعْلُومِ لِأَنَّ النَّائِبَ مُعَيِّنٌ لَهُ قَالَ لَكِنِّي أَشْتَرِطُ أَنْ يَكُونَ النَّائِبُ مِثْلَ الْمُسْتَنِيبِ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ لِأَنَّ الْغَرَضِ هُنَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ بِخِلَافِهِ فِي الْجَعَالَةِ إذْ الْغَرَضُ رَدُّ الْعَبْدِ مَثَلًا فَالْعَالِمُ وَالْجَاهِلُ فِيهِ سَوَاءٌ فَإِنْ كَانَ دُونُهُ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إنْ كَانَتْ التَّوْلِيَةُ شَرْطًا وَإِلَّا اسْتَحَقَّ الْمُبَاشِرُ لِاتِّصَافِهِ بِالْإِمَامَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَالِاسْتِنَابَةُ فِيهَا تُشْبِهُ التَّوْكِيلَ فِي الْمُبَاحَاتِ وَفِي مَعْنَى هَذَا كُلُّ وَظِيفَةٍ تَقْبَلُ الِاسْتِنَابَةَ كَالتَّدْرِيسِ وَهَذَا فِيمَا لَا يَعْجَزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا إشْكَالَ فِي الِاسْتِنَابَةِ اهـ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى مُدَرِّسٍ يُقْرِئُ النَّاسَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَدْرَسَةٍ كُلَّ يَوْمٍ وَاعْتِيدَ تَرْكُ الْإِقْرَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَهَلْ عَلَيْهِ الْإِقْرَاءُ فِيهِ أَيْضًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ أَنَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ يَوْمٍ تَصْرِيحٌ بِالْعُمُومِ فَلَا يُتْرَكُ بِعُرْفٍ خَاصٍّ قَالَ ثُمَّ إنْ كَانَ مُرِيدٌ وَالْقِرَاءَةُ مَحْصُورَيْنِ فَلَا بُدٌّ مِنْ اسْتِيعَابِهِمْ وَإِلَّا اكْتَفَى بِثَلَاثَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ عِزِّ الدِّينِ يُخَالِفُهُ فَإِنَّهُ قَالَ الْعُرْفُ الْمُطَّرِدُ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْرُوطِ فَيَنْزِلُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ فَإِذَا وَقَفَ عَلَى الْمُدَرِّسِ وَالْمُعِيدِ وَالْفُقَهَاءِ بِمَدْرَسَةِ كَذَا نَزَلَ عَلَى مَا يَقْتَضِيه الْعُرْفُ مِنْ التَّفَاوُتِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْفَقِيهِ وَالْأَفْقَهُ وَكَذَلِكَ يَنْزِلُ عَلَى إلْقَاءِ الدَّرْسِ فِي الْغَدَوَاتِ وَلَا يَكْفِي إلْقَاؤُهُ لَيْلًا وَلَا عَشِيَّةً وَلَا ظُهْرًا.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا أَجَّرَ مُتَوَلِّي الْمَسْجِدِ حَانُوتَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُعَمِّرَهُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنْ مَالِهِ وَيَكُونَ مَا أَنْفَقَهُ مَحْسُوبًا لَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ وَيُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آخِرَ الْإِجَارَةِ عَدَمُ صِحَّةِ الْإِجَارَةِ لِأَنَّهُ عِنْدَهَا غَيْرُ مُنْتَفِعٍ وَعَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ إذْ لَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ حَتَّى يُحْسَبَ مِنْهَا مَا أَنْفَقَهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى عِمَارَةِ الْمَسْجِدِ هَلْ يَجُوزُ صَرْفُ الرِّيعِ إلَى نَحْوِ نَقْشِهِ وَمُؤَذِّنِيهِ وَقُوَّامِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ قَالَ وَفِي الْعِدَّةِ أَيْ وَالْحَاوِي وَلَا إلَى أَئِمَّتِهِ وَمُؤَذِّنِيهِ وَيَجُوزُ إلَى قُوَّامِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقَيِّمَ لِحِفْظِ الْعِمَارَةِ وَاخْتِصَاصِ الْأَئِمَّةِ وَالْمُؤَذِّنِينَ بِأَحْوَالِ الْمُصَلِّينَ قَالَ وَلَا يَشْتَرِي مِنْهُ الدُّهْنَ بِخِلَافِ الْبَوَارِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّ مَا يُفْرَشُ حَافِظٌ لِلْعِمَارَةِ وَمَنْفَعَةُ الدُّهْنِ تَخْتَصُّ بِالْمُصَلِّي قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَأَكْثَرُ مَنْ تَعَرَّضَ لِلْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي بِهِ الدُّهْنَ وَلَا الْحُصْرَ وَالتَّجْصِيصَ الَّذِي فِيهِ أَحْكَامٌ مَعْدُودٌ مِنْ الْعِمَارَاتِ وَلَوْ وَقَفَ عَلَى مَصْلَحَتِهِ لَمْ يُصْرَفُ إلَى النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ أَيْضًا وَتَجُوزُ عِمَارَتُهُ وَشِرَاءُ الْحُصْرِ وَالدُّهْنِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْقِيَاسُ جَوَازُ الصَّرْفِ إلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ أَيْضًا وَلَوْ وَقَفَ عَلَى الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا صَحَّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى عِمَارَتِهِ وَفِي الْجُرْجَانِيَّاتِ حِكَايَةُ وَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ الصَّرْفِ إلَى النَّقْشِ وَالتَّزْوِيقِ وَالْمُعْتَمَدُ الْأَوَّلُ وَمَا فَضَلَ عَنْ الْعِمَارَةِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَحْفَظُ لِلْمَسْجِدِ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ يَشْتَرِي بِهِ عِقَارًا وَيُوقَفُ لَهُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى دُهْنِ السِّرَاجِ فِي الْمَسْجِدِ هَلْ يَجُوزُ سِرَاجُهُ جَمِيعَ اللَّيْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَحَدٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي أَفْتَى بِهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ جَمِيعَ اللَّيْلِ إنْ انْتَفَعَ مَنْ بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ نَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَحَدٌ وَلَا يُمْكِنُ دُخُولُهُ لَمْ يُسْرِجْ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ يَجُوزُ إيقَادُ الْيَسِيرِ مِنْ الْمَصَابِيحِ لَيْلًا مَعَ خُلُوِّهِ احْتِرَامًا لَهُ وَتَنْزِيهًا عَنْ وَحْشَةِ الظُّلْمَةِ وَلَا يَجُوزُ نَهَارًا لِمَا فِيهِ مِنْ السَّرَفِ وَالْإِضَاعَةِ وَالتَّشْبِيهِ بِالنَّصَارَى وَمِنْ كَلَامِهِ هَذَا يُؤْخَذُ تَحْرِيمُ إكْثَارِ الْوُقُودِ فِي الْمَسَاجِدِ بِحَيْثُ يَزِيدُ عَلَى الْحَاجَةِ قَطْعًا أَيَّامَ رَمَضَانَ وَنَحْوَهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ الْمَدَارِسِ الْمَوْقُوفَةِ عَلَى الْفُقَهَاءِ هَلْ يَجُوزُ لِغَيْرِهِمْ دُخُولُ أَخْلِيَتِهَا وَالشُّرْبُ مِنْ مَائِهَا وَالْجُلُوسُ فِيهَا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ
بِجَوَازِ ذَلِكَ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَاسْتَمَرَّ بِهِ الْعُرْفُ فِي الْمَدَارِسِ وَيَنْزِلُ الْعُرْفُ فِي ذَلِكَ مَنْزِلَةَ شَرْطِ الْوَاقِفِ فِي وَقْفِهِ صَرِيحًا قَالَ وَبِذَلِكَ أَفْتَى الْغَزَالِيُّ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنٌ وَوَقَّادٌ وَكَنَّاسٌ فَعَجَزَ رِيعُ الْوَقْفِ فَمَنْ مُقَدَّمٌ مِنْهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُقَدَّمُ الثَّانِي كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ وَأَطَالَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ قَالَ وَمَحَلُّهُ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ فَالْمُؤَذِّنُ أَوْلَى لِعِظَمِ مَوْقِعِهِ فِي الدِّينِ وَأَفْتَى ابْنُ الْفِرْكَاحِ فِيمَنْ وَقَفَ عَلَى مَصَالِحِ جَامِعٍ عَلَيْهِ وَتَرَتَّبَ أَئِمَّةٌ وَخَطِيبٌ وَمُؤَذِّنُونَ وَقَوْمُهُ وَأُنَاسٌ يُلَقِّنُونَ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ. وَالْوَقْفُ لَا يَفِي بِجَمِيعِهِمْ بِأَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْمُؤَذِّنِينَ وَالْإِمَامِ وَالْخَطِيبِ عَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُلَقِّنِينَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةٌ وَلَا يُنَافِي مَا ذَكَرَهُ السُّبْكِيّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ حَوْشًا بِهِ ثَلَاثَةُ حَوَاصِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْفَارٍ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ ثُمَّ أَنْهَى أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الْمُسْتَحِقِّينَ إلَى النَّاظِرِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي لَهُ وِلَايَةُ النَّظَرِ الْعَامِّ أَنَّ الْحَوْشَ وَمَا بِهِ مِنْ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةِ خَرِبٌ مُنْهَدِمٌ مُتَسَاقِطٌ وَاسْتَأْجَرَهُ مِنْ قَيِّمٍ شَرْعِيٍّ أَقَامَهُ النَّاظِرُ الْمُشَارُ إلَيْهِ أَعْلَاهُ فِي ذَلِكَ وَالْحَالُ أَنَّ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةَ قَائِمَةٌ عَلَى أُصُولِهَا وَقْتَ الْإِيجَارِ لَمْ يَحْصُلْ بِهَا هَدْمٌ وَلَا خَرَابٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُؤَجِّرُ شَيْئًا مِنْ الْحَوَاصِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْإِيجَارِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ حَدَّدَ الْحَوْشَ بِحُدُودٍ شَمِلَتْ الْحَوَاصِلَ الْمَذْكُورَةَ فَهَلْ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ لِوَرَثَتِهِمْ الْمُطَالَبَةُ بِأُجْرَةِ الْحَوَاصِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي وَضَعَ فِيهَا الْمُسْتَأْجِرُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِكَوْنِ الْمُؤَجِّرِ لَمْ يَذْكُرْهَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا أَمْ لَا؟
أَوْ تَدْخُلُ فِي الْحُدُودِ الْمَذْكُورَةِ وَتَشْمَلُهَا الْإِجَارَةُ لِكَوْنِ الْحُدُودِ شَامِلَةً لَهَا مَعَ كَوْنِهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي الْإِجَارَةِ وَالْحَالُ أَنَّ الْأُجْرَةَ الْمُسْتَأْجِرُ بِهَا دُون أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَهَلْ تَصِحُّ الْإِجَارَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ لَا وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأُجْرَةَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ حِينَ الْإِجَارَةِ وَحُكِمَ بِذَلِكَ فَهَلْ تُقَدَّمُ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَنَّ الْأُجْرَةَ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ أَمْ لَا وَهَلْ يُنْقَضُ الْحُكْمُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى ثُبُوتِ الْأُجْرَةِ السَّابِقَةِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا أَجَّرَ النَّاظِرُ أَوْ نَائِبُهُ الْحَوْشَ الْمَذْكُورَ لِأَجْلِ كَوْنِهِ خَرِبًا وَكَانَ خَرَابُهُ هُوَ الْمُسَوِّغُ لِلْإِيجَارِ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَرَابًا وَقْتَ الْإِيجَارِ بَانَ بُطْلَانُ الْإِيجَارِ وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ إيجَارُهُ إنْ وَقَعَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ وَإِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّ مَا أَجَّرَ بِهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ وَشَهِدَتْ أُخْرَى بِأَنَّهُ دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ قُدِّمَتْ الثَّانِيَةُ وَإِنْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِقَضِيَّةِ الْأُولَى عَلَى الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ خِلَافًا لِلسُّبْكِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمَحَلُّ بَاقِيًا عَلَى حَالِهِ إلَى يَوْمِ التَّنَازُعِ وَلَمْ يَخْلُفْ الرَّاغِبُونَ فِيهِ بَلْ كَانَتْ رَغْبَتُهُمْ فِيهِ يَوْمُ الْإِيجَارِ رَغْبَتَهُمْ فِيهِ عِنْدَ التَّدَاعِي وَقَطَعَ الْمُقَوِّمُونَ أَنَّ الْأُجْرَةَ الَّتِي حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ بِأَنَّهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ هِيَ أُجْرَةُ مِثْلِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الشَّاهِدَانِ بِأَنَّهَا دُونَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ سَبَبًا يَقْتَضِي مَا شَهِدَا بِهِ قُدِّمَتْ الْبَيِّنَةُ الشَّاهِدَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ لَا مُعَارِضَ لَهَا حِينَئِذٍ وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ السُّبْكِيّ وَحَيْثُ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْإِجَارَةِ دَخَلَ فِيهَا مَا تَنَاوَلَتْهُ الْحُدُودُ الْمَذْكُورَةُ فِي عَقْدِ الْإِجَارَةِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ وَشَرْطُ النَّظَرِ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ الذُّرِّيَّةِ فَأَثْبَتَ بَعْضُهُمْ أَرْشَدِيَّتَهُ بِبَيِّنَةٍ وَمَكَثَ سِتَّ سَنَوَاتٍ ثُمَّ أَثْبَتَ آخَرُ أَرْشَدِيَّتَهُ بِبَيِّنَةٍ أُخْرَى فَهَلْ يُشَارِكُ الْأَوَّلُ فِي النَّظَرِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ شَرَطَ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ أَيْ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهِ فَأَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ اشْتَرَكُوا فِي النَّظَرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْلَالٍ إذَا وُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ فِي جَمِيعِهِمْ فَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِهِمْ اخْتَصَّ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ تَعَارَضَتْ فِي الْأَرْشَدِ فَتَسَاقَطَتْ وَبَقِيَ أَصْلُ الرُّشْدِ فَصَارَتْ كَمَا لَوْ قَالَتْ الْبَيِّنَةُ بِرُشْدِ الْجَمِيعِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَحُكْمُهُ التَّشْرِيكُ لِعَدَمِ الْمَزِيَّةِ وَأَمَّا عِنْدَ الِاسْتِقْلَالِ فَكَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى شَخْصَيْنِ مُطْلَقًا اهـ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ جَمَاعَةٌ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي التَّشْرِيكِ بَيْنَهُمْ إذَا أَثْبَتَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنَّهُ الْأَرْشَدُ بَيْنَ أَنْ يُقِيمَا الْبَيِّنَتَيْنِ مَعًا أَوْ تَتَقَدَّمُ بَيِّنَةُ أَحَدِهِمَا وَهُوَ مُتَّجَهٌ إذْ التَّعَارُضُ حَاصِلٌ فِي كِلَا الْحَالَيْنِ وَقَدْ صَرَّحَ بِأَنَّ التَّعَارُضَ يَلْزَمُهُ تَسَاقُطُ الْبَيِّنَتَيْنِ وَبَقَاءُ الرُّشْدِ وَذَلِكَ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي مُشَارَكَةِ الثَّانِي الْمَذْكُورِ فِي السُّؤَالِ
لِلْأَوَّلِ مِنْ حِينِ تَثْبُتُ أَرْشَدِيَّتُهُ وَأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِتَقَدُّمِ ثُبُوتِ رُشْدِهِ وَهُوَ وَجِيهٌ مَعْنًى وَنَقْلًا وَأَمَّا مَا قَالَهُ الرُّويَانِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَرَطَ لِلْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ مِنْ بَنِيهِ كَانَ لِأَفْضَلِهِمْ حَالَةَ اسْتِحْقَاقِ النَّظَرِ فَلَوْ تَجَدَّدَ أَفْضَلُ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ. نَعَمْ إنْ تَغَيَّرَ حَالُهُ انْتَقَلَتْ الْوِلَايَةُ إلَى مَنْ هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَلَوْ جَعَلَهَا لِلْأَفْضَلِ مِنْ وَلَدِهِ فَفِي دُخُولِ الْإِنَاثِ وَجْهَانِ ثَانِيهمَا يُرَاعَى الذُّكُورُ لِأَنَّهُمْ أَفْضَلُ اهـ.
فَهُوَ وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ نَقَلَهُ وَأَقَرَّهُ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ خِلَافُهُ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَمِنْ ثَمَّ لِمَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْهُمَا قَالَ وَعِنْدِي فِيهِ وَقْفَةٌ فِيمَا لَوْ تَجَدَّدَ فِيهِمْ مَنْ هُوَ أَفْضَلُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَحِقَّ وَيَنْعَزِلَ الْأَوَّلُ عَمَلًا بِقَضِيَّةِ كَلَامِ الْوَاقِفِ اهـ.
وَبِتَأَمُّلِ قَوْلِهِ وَيَنْبَغِي إلَخْ يُعْلَمُ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ لَا تَعَارُضَ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ بِأَنْ يَعْلَمَ تَجَدُّدَ الْأَفْضَلِيَّةِ لِلثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ فُرِضَ التَّعَارُضُ هُنَا كَأَنْ أَقَامَ كُلَّ بَيِّنَةٍ أَنَّهُ الْأَفْضَلُ وَجَبَ التَّسَاوِي بَيْنَهُمْ وَحِينَئِذٍ فَلَا يُنَافِي مَا قَالَاهُ مَا مَرَّ عَنْ الرَّوْضَةِ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا كَمَا عَلِمْتَ فِيمَا إذَا حَصَلَ تَعَارُضٌ فَيَجِب الْحُكْمُ بِالتَّسَاوِي إذْ لَا مُرَجِّحَ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّهُ لَا تَعَارُضَ فَوَجَبَ اتِّبَاعُ لَفْظِ الْوَاقِفِ وَهَذَا نَصٌّ فِيمَا ذَكَرَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فَوَجَبَ تَضْعِيفُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا مَرَّ وَبِمَا قَرَّرْتُهُ آخِرًا، تَعْلَمُ وَجْهَ اعْتِمَادِي مَا بَحَثَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَتَضْعِيفِي لِكَلَامِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَوَجْهُ عَدَمِ اعْتِمَادَنَا لِمُقْتَضَى تَنْظِيرِهِ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ لِوُضُوحِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا عَرَفْتَ ثُمَّ قَوْلَهُمَا نَعَمْ إلَخْ فِيهِ نَظَرٌ أَيْضًا وَإِنْ مَشَى ابْنُ الرِّفْعَةِ عَلَى مُقْتَضَاهُ إذْ مُقْتَضَى النَّصِّ انْتِقَالُ النَّظَرِ إلَى الْحَاكِمِ كَمَا لَوْ غَابَ الْأَهْلُ وَفَارَقَ انْتِقَالُ وِلَايَةِ النِّكَاحِ إلَى الْأَبْعَدِ بِفِسْقِ الْأَقْرَبِ بِأَنَّ الثَّانِي هُنَا لَمْ يُجْعَلْ لَهُ النَّظَرُ إلَّا بَعْدَ الْأَوَّلِ وَلَا سَبَبَ فِي حَقِّهِ غَيْرِهِ وَأَوْلِيَاءُ النِّكَاحِ السَّبَبُ الْمُقْتَضَى مَوْجُودٌ فِي جَمِيعِهِمْ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَقُدِمَ الْأَقْرَبُ عِنْدَ أَهْلِيَّتِهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَهْلِيَّةٌ عَمِلَ الْمُقْتَضَى فِي الْأَبْعَدِ عَمَلُهُ ثُمَّ رَأَيْتَ السُّبْكِيّ قَالَ لَوْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ بِأَرْشَدِيَّةِ زَيْدٍ ثُمَّ أَرَادَ آخَرُ أَنْ يُثْبِتَ أَرْشَدِيَّتَهُ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدِهِ وَقَصُرَ الزَّمَنُ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ صِدْقَهُمَا تَعَارَضَتَا ثُمَّ يُحْتَمَلُ سُقُوطُهُمَا وَيُحْتَمَلُ اشْتِرَاكُهُمَا اهـ.
قَالَ غَيْرُهُ وَبِالثَّانِي أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ قَالَ أَعْنِي السُّبْكِيّ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ فَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالثَّانِيَةِ إنْ صَرَّحَتْ بِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ مُتَجَدِّدٌ اهـ.
قَالَ غَيْرُهُ بَلْ مُقْتَضَاهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّا نَحْكُمُ بِالثَّانِيَةِ إذَا تَغَيَّرَ حَالُ الْأَرْشَدِ الْأَوَّلِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ شَرَطَ فِي كِتَابِ وَقْفِهِ مَبْلَغًا فِي كُلِّ سَنَةٍ لِإِمَامِ مَسْجِدٍ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ عَلَى الْمَسْجِدِ صَرْفُ الْمَبْلَغِ فِي عِمَارَتِهِ إذَا صَارَ خَرَابًا أَوْ لَا وَهَلْ صَرْفُ مَبْلَغِ الْإِمَامِ فِي مُدَّةِ خَرَابِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يُبَاشِرْ وَهَلْ لَهُ صَرْفُ الْمَبْلَغِ فِي ثَمَنِ حُصْرٍ وَقَنَادِيلَ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَمَا حُكْمُ الْمَبْلَغِ الْمُتَحَصِّلِ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ سبحانه وتعالى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ قَالَ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا وَتَقَدَّمَ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ عَلَى حَقِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَيْ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ وَمِنْهُ يُؤْخَذُ بِالْأَوْلَى أَنَّهُ لَوْ تَعَذَّرَ إعَادَةُ الْمَسْجِدِ أَوْ الْمُنْهَدِمِ مِنْهُ إلَّا بِصَرْفِ مَبْلَغِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ صَرَفَهُ فِي ذَلِكَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلَّةِ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فَقْد قَالَ الزَّرْكَشِيُّ لَوْ تَوَلَّى وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا أَفْتَى تَاجُ الدِّينِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِهِ الْمَعْلُومَ وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرْ اهـ وَفِي فَتَاوَى شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا كَفَتَاوَى السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ مَا يُوَافِقُ الْأَوَّلَ لَكِنَّ الْأَوْجَهَ الثَّانِي وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَالظَّاهِرُ فِيهَا أَنَّ مَبْلَغَ الْإِمَامِ لَا يُصْرَفُ إلَى نَحْوِ الْقَنَادِيلِ لِأَنَّ إقَامَةَ الْجَمَاعَةِ بِالْمَسْجِدِ أَقْرَبُ إلَى غَرَضِ الْوَاقِفِ وَالشَّارِعِ مِنْ وَقُودِهِ وَفَرْشِهِ وَأَمَّا غَلَّةُ وَقْفِ الْمَسْجِدِ الْمُتَعَطِّلِ فَقَالَ الرُّويَانِيُّ كَالْمَاوَرْدِيِّ تُصْرَفُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ وَقَالَ فِي مَحَلٍّ آخَرَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ فَتُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِأَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُصْرَفُ لِأَقْرَبِ الْمَسَاجِدِ إلَيْهِ وَقَالَ الْإِمَامُ يُحْفَظُ لِتَوَقُّعِ عَوْدِهِ وَهُوَ قِيَاسُ مَا ذَكَرُوهُ فِي غَلَّةِ وَقْفِ الثَّغْرِ اهـ وَاَلَّذِي يَتَّجِهُ تَرْجِيحُهُ إنْ رَجَا تَوَقُّعَ عَوْدِهِ وَوُجِدَ مَوْثُوقٌ ذِكْرُهُمْ يُحْفَظُ وَإِلَّا فَاَلَّذِي يَتَّجِه مَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الزَّائِدُ مِنْ غَلَّةِ الْمَسْجِدِ عَلَى مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فَيُدَّخَرُ مِنْهُ مَا يُعَمِّرُهُ بِتَقْدِيرِ
هَدْمِهِ وَيُشْتَرَى لَهُ بِالْبَاقِي عَقَارٌ أَوْ نَفَقَةٌ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَى عِمَارَتِهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ حِفْظِ الْوَقْفِ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ كَجِّ وَالْقَفَّالُ وَإِنْ نَظَرَ فِيهِ الْأَذْرَعِيُّ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ وَقْفُ الْإِمَامِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى ابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ بِرَدِّ اللَّهِ تَعَالَى مَضْجَعَهُمَا بِصِحَّةِ ذَلِكَ تَبَعًا لِجَمْعٍ لَكِنْ قَالَ السُّبْكِيّ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقْفُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ وَلَا عَلَى طَوَائِفَ مَخْصُوصَةٍ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُمْ أَنَّ الْإِمَامَ فِي أَمْوَالِ بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَلِيِّ فِي مَالِ مُولِيهِ وَقَدْ صَرَّحُوا هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَصِحّ وَقْفَ الْوَلِيِّ فَلْيَكُنْ الْإِمَامُ مِثْلَهُ لَكِنْ قَدْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الْإِقْطَاع لِمَا يَرَى فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَكَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ أَوْ جِهَةٍ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ سُومِحَ لَهُ فِي أَنْ يَقِفَ مَا يَرَاهُ مَصْلَحَةً عَلَى مِنْ يَرَاهُ أَهْلًا لِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَالْوَلِيِّ فِيمَا ذُكِرَ إلًّا أَنَّهُ أَوْسَعُ نَظَرًا مِنْهُ فَلَمْ يُعْطَ حُكْمَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَوْلُهُمْ شَرْطُ الْمَوْقُوفِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ هَذَا عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ عَلَى رَجُلٍ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ فَهَلْ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ يُصْرَفُ إلَى مَنْ؟ وَمَا مُدَّةُ الصَّرْفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُصْرَفُ بَعْدَ مَوْتِ زَيْدٍ إلَى الْفُقَرَاءِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَةِ أَمَدِ الِانْقِطَاعِ هَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ ابْنُ الْمُقْرِي قَالَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ وَهَذَا أَخْذَهُ مِنْ تَفْرِيعِ الْأَصْلِ لَهُ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّةِ وَقْفٍ مُنْقَطِعِ الْأَوَّلِ اهـ.
وَهَذَا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَضْعِيفًا لَهُ وَيُحْتَمَلُ خِلَافَهُ أَيْ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَخْذُهُ إيَّاهُ مِنْ التَّفْرِيعِ عَلَى ضَعِيفٍ لِأَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ لَكِنْ اعْتَمَدَ بَعْضُهُمْ الْأَوَّلَ وَاسْتَدَلَّ بِعِبَارَةِ الْمِنْهَاجِ وَالرَّوْضَةِ وَجَامِعِ النَّشَائِيِّ وَرَدَ بِأَنَّ مَحَلَّ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ فِي مَجْهُولٍ يُمْكِنُ انْتِظَارَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الرَّجُلَ الْآخَرَ يُمْكِنُ انْتِظَارُهُ بِمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِذَا قُلْنَا إنَّ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُقْرِي ضَعِيفٌ فَيُصْرَفُ إلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَى الْوَاقِفِ أَيْ أَفْقَرِ الْأَقْرِبَاءِ إلَيْهِ حِينَئِذٍ وَأَمَّا مُدَّةُ الصَّرْفِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تُقَدَّرُ بِزَمَنِ حَيَاةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ الْمُبْهَمُ لَوْ كَانَ مُعَيَّنًا وَعَلَيْهِ فَهَلْ يُقَدَّرُ الْعُمْرُ الطَّبِيعِيُّ وَهُوَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ سَنَةً لِأَنَّا قَبْلَ ذَلِكَ نَشُكُّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْفُقَرَاءِ حِينَئِذٍ أَوْ يُقَدَّرُ الْعُمْرُ الْغَالِبُ وَهُوَ مَا يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ لَوْ غَابَ كُلُّ مُحْتَمَلٍ وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي أَيْضًا لِأَنَّ الرَّجُلَ إنَّمَا يُطْلَقُ فِي أَشْهَرِ إطْلَاقَاتِهِ عَلَى الْبَالِغِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا جَدَّدَ مَسْجِدًا بِآلَاتٍ جُدُدٍ، فَهَلْ يَجُوز صَرْفُ مَا بَقِيَ مِنْ آلَاتِهِ الْقَدِيمَةِ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ قَدِيمٍ مُحْتَاجٍ لِلْعِمَارَةِ أَوْ لَا وَحِينَئِذٍ فَهَلْ تُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهَا أَوْ تُحْفَظُ هِيَ لِحَاجَاتِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ آجِلًا وَلَوْ نَوَى أَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْمُرَ مَسْجِدًا مُعَيَّنًا وَجَمَعَ لِذَلِكَ آلَاتٍ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَعْمُرَ مَسْجِدًا آخَرَ أَوْ لَا وَهَلْ يُفَرِّقُ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْقَصْدِ أَوْ لَا وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَوْ يَصْرِفَ مَا نَذَرَهُ فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ أَوْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَفَرَاشِهِ لِحَاجَاتٍ كَحَاجَةِ الْعُرْسِ وَكَعَرْضِ شَيْءٍ كَالْكُتُبِ عَلَى الشَّمْسِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْهُ بُدٌّ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ صَرْفُ تِلْكَ الْآلَاتِ الَّتِي قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا مَسْجِدُهَا فِي عِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ وَلَا يَبِيعَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَى النَّاظِرِ حِفْظُهَا لِحَاجَاتِ ذَلِكَ الْمَسْجِدِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُعَمِّرَ مَسْجِدًا مُعَيَّنًا أَوْ فِي مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَمِّرَ غَيْرَهُ بَدَلًا عَنْهُ هَذَا إنْ تَلَفَّظَ بِالنَّذْرِ فَإِنْ قَصَدَ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ شَيْءٌ وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ حُصْرِ الْمَسْجِدِ وَلَا فِرَاشِهِ فِي غَيْرِ فُرُشِهِ مُطْلَقًا سَوَاءً أَكَانَ لِحَاجَةٍ أَمْ لَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْأَعْرَاسِ مِنْ أَقْبَحِ الْمُنْكَرَاتِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ إنْكَارُهَا وَقَدْ شَدَّدَ الْعُلَمَاءُ النَّكِيرَ عَلَى مَنْ يَفْرِشُهَا بِالْأَعْرَاسِ وَالْأَفْرَاحِ وَقَالُوا يَحْرُمُ فَرْشُهَا وَلَوْ فِي مَسْجِدٍ آخَرَ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ جَدَّدَ مَسْجِدًا أَوْ عَمَّرَهُ بِآلَاتٍ جُدُدٍ وَبَقِيَتْ الْآلَةُ الْقَدِيمَةُ هَلْ تَجُوزُ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ آخَرَ قَدِيمٍ بِهَا أَوْ لَا فَتُبَاعُ وَيُحْفَظُ ثَمَنُهَا أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ تَجُوزُ عِمَارَةُ مَسْجِدٍ قَدِيمٍ أَوْ حَادِثٍ بِهَا حَيْثُ قَطَعَ بِعَدَمِ احْتِيَاجِ الْمَسْجِدِ الَّذِي هِيَ مِنْهُ إلَيْهَا قَبْلَ فِنَائِهَا وَلَا يَجُوزُ بَيْعَهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمُعَطَّلَ لِخَرَابِ الْبَلَدِ إذَا خِيفَ مِنْ
أَهْلِ الْفَسَادِ عَلَى نَقْضِهِ نُقِضَ وَحُفِظَ وَإِنْ رَأَى الْحَاكِمُ أَنْ يُعَمِّرَ بِنَقْضِهِ مَسْجِدًا آخَرَ جَازَ وَمَا قَرُبَ مِنْهُ أَوْلَى وَالْحَاصِلُ مِنْ رِيعِ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ يَصْرِفُهُ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ آخَرَ قَالَ الْمُتَوَلِّي إلَى عِمَارَةِ الْمَنْقُولِ إلَيْهِ وَكَذَا الرِّبَاطَاتِ وَالْآبَارِ الْمُسَبَّلَةِ يُنْقَلُ نَقْضُهَا وَرِيعُ وَقْفِهَا إلَى مِثْلِهَا لَا إلَى نَوْعٍ آخَرَ إلَّا إذَا فُقِدَ نَوْعُهَا فَتُصْرَفُ لِغَيْرِهِ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي وَيَفْعَلُ الْحَاكِمُ بِمَا فِي الْمَسْجِدِ الْخَرَابِ مِنْ حُصْرِ وَقَنَادِيلَ وَنَحْوِهَا ذَلِكَ فَيَنْقُلُهَا إلَى غَيْرِهِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَيْهَا، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) بِمَا لَفْظُهُ وَقْفُ تَرْتِيبٍ عَلَى بُطُونٍ مَضَتْ عَلَيْهِ مُدَدٌ وَإِنْسَانٌ سَاكِنٌ فِيهِ فَطَالَبَهُ نَاظِرٌ مُسْتَحِقٌّ الْآنَ بِجَمِيعِ مَا مَضَى إلَّا لَمْ يَقُمْ بَيِّنَةٌ بِدَفْعِهِ لِمَنْ قَبْلَهُ فَهَلْ تُسْمَعُ مُطَالَبَتُهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تُسْمَعُ مُطَالَبَتُهُ بِمَا فِي اسْتِحْقَاقِهِ وَأَمَّا بِمَا مَضَى فِي اسْتِحْقَاقِ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ يَحْتَاجُ لِعِمَارَةٍ سُمِعَتْ لِيَأْخُذَ وَيَصْرِفَهُ فِيهَا لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِيمَا لَوْ كَانَ فِي زَمَنِ الْأَوَّلِينَ عَامِرًا إلَى مُضِيِّ زَمَنِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَلَمْ يَطْرَأْ خَرَابُهُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يُصْرَفُ فِيهِ مَا لَمْ يَقْبِضْهُ الْمُتَقَدِّمُونَ لِأَنَّهُمْ إلَى الْآنَ لَمْ يَمْلِكُوهُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا فَتُقَدَّمُ عِمَارَةُ الْوَقْفِ عَلَيْهِمْ أَوْ يَفُوزُونَ بِهِ لِأَنَّ الْعِمَارَةَ لَمَّا حَدَثَتْ بَعْدُ تَعَلَّقَتْ بِغَلَّةِ زَمَنِ حُدُوثِهَا لَا غَيْرُ لِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ وَالْمُتَبَادَرُ هُوَ الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِمَارَةً لَمْ يُطَالِبْهُ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ وَارِثِهِ لِأَنَّ الْغَلَّةِ إذَا تَمَخَّضَتْ لِمُسْتَحِقٍّ جَازَ لَهُ أَنْ يُسَامِحَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يَرْضَ النَّاظِرُ فَاشْتَرَطَ فِي طَلَبِهِ عَدَم مُسَامَحَةِ الْمُسْتَحِقِّ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ امْرَأَةٍ مَاتَتْ وَهِيَ تَسْتَحِقُّ حِصَّةً مَعْلُومَةً فِي وَقْفِ نَخْلٍ مَعْلُومٍ وَكَانَ مَوْتُهَا بَعْدَ إطْلَاعِ بَعْضِ ذَلِكَ النَّخْلِ وَتَأْبِيرِ بَعْضِهِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ وَرَثَتُهَا حِصَّتَهَا مِنْ ذَلِكَ النَّخْلِ الْمَوْقُوفِ بِمُجَرَّدِ إطْلَاعِ بَعْضِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ إطْلَاعُ كُلِّهِ وَتَأْبِيرِهِ أَوْ لَا وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّونَ فِيمَا أَطْلَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ دُونَ مَا أَطْلَعَ بَعْدَهُ وَأَيْضًا لَوْ أَطْلَعَ بَعْضُ النَّخْلُ قَبْلَ مَوْتِهَا وَأَطْلَعَ بَاقِيهِ بَعْدَهُ فَهَلْ يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَوْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ جَمِيعَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْبَعْضُ كَافِيًا فِي الِاسْتِحْقَاقِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيمَا أَطْلَعَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقِيهَانِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ مَتَى وَقَعَ الْمَوْتُ بَعْدَ وُجُودِ الثَّمَرَةِ اسْتَحَقَّهَا وَرَثَةُ الْمَيِّتِ وَإِنْ لَمْ تَتَأَبَّرْ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ فِي إفْتَاءٍ سَبَقَ وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ فَرَاجِعْهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ وَالْإِفْتَاءُ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَلَى مُشَرِّفِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَتِسْعمِائَةٍ فِي عَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ بِمَا صُورَتُهُ بَيْتُ وَقْفٍ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى مَنْ يُوجَدُ بِهَا مِنْ الْحَضَارِمِ مُقَدِّمًا مِنْهُمْ أَهْلَ السَّفَلَةِ وَالْكَثِيرِ وَذَوُو عَنْ وَدَاوَى عَمَدَ عَلَى غَيْرِهِمْ الذَّكَرُ الْمُحْتَاجُ الْمُتَزَوِّجُ مِنْ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ انْقَرَضَ مَنْ وُجِدَ أَجَّرَ الْوَقْفَ الْمَذْكُورَ لِمَنْ يَسْكُنُ فِيهِ سَنَةً بَعْدَ سَنَةٍ وَأُصْرِفَتْ أُجْرَتُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمُقِيمِينَ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ مِنْ الْجِهَاتِ الْمَذْكُورَةِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ انْقَرَضَ مَنْ وُجِدَ فَعَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ فَأَكْثَرُ مِنْ الْمُجَاوِرِينَ بِالْمَدِينَةِ
هَذَا لَفْظُ الْوَاقِفِ فَمَا الْمُرَادُ بِالْحَضْرَمِيِّ هَلْ هُوَ الْمُتَوَلِّدُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْطِنُهَا أَوْ مَنْ قَدْ اسْتَوْطَنَ بِهَا وَإِنْ لَمْ يُولَدْ فِيهَا أَوْ مَنْ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ يُولَدْ هُوَ فِيهَا. وَسُئِلَ عَنْ الْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا وَقَدْ أَسْكَنَهُ فِيهَا أَوْ أَعْتَقَهُ فِيهَا هَلْ هُوَ حَضْرَمِيٌّ أَوْ لَا وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْمُحْتَاجِ مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ مَسْكَنٌ أَوْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَسْكَنٌ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِهِ بِكِرَاءٍ وَنَحْوِهِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الْمُتَزَوِّجُ بِالسُّكْنَى فَقَطْ أَوْ بِالسُّكْنَى وَالْأُجْرَةِ إنْ أُوجِرَ وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ.
وَقَوْلُ الْوَاقِفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ الْمُقِيمِينَ مَا الْمُرَادُ بِالْإِقَامَةِ هَلْ هُوَ الْإِقَامَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ الْمُجَاوَرَةُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ الِاسْتِيطَانِ لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاقِفِ مَتَى خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَدِينَةِ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْعَوْدِ بَطَلَ اسْتِحْقَاقُهُ وَإِذَا حَضَرَ مُسْتَحِقُّونَ فَهَلْ يُقَدِّمُ مِنْهُمْ النَّاظِرُ مَنْ شَاءَ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ الْأَسْبَقَ وَالسَّبْقُ هَلْ يُعْتَبَرُ بِكَوْنِهِ إلَى الْمَدِينَةِ أَوْ إلَى النَّاظِرِ فَإِنْ تَشَاحُّوا فَهَلْ يُكْرَى مِنْ بَيْنَهُمْ أَوْ يَسْكُنُهُ أَحَدُهُمْ بِأُجْرَةِ مَا يَخُصُّ الْبَاقِينَ وَإِذَا أَعْرَضَ الْمُتَزَوِّجُونَ عَنْ السُّكْنَى وَأَكْرَى هَلْ
يَخْتَصُّونَ بِالْأُجْرَةِ أَوْ يُشَارِكهُمْ فِيهَا الْأَعْزَابُ وَهَلْ يَسْتَحِقُّ مَنْ حَضَرَ وَقْتَ لُزُومِ عَقْدِ الْإِجَارَةِ أَوْ وَقْتِ اسْتِقْرَارِ الْأُجْرَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْوَاقِفِ وَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ إنَّهُ إذَا وُجِدَ بِالْمَدِينَةِ ذَكَرٌ مُحْتَاجٌ مُتَزَوِّجٌ وَهُوَ لَا أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ الْخَمْسَةِ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ الْمَكَانُ سَكَنًا أَوْ إسْكَانًا اتَّحَدَا وَتَعَدَّدَ نَوَى الْإِقَامَةَ وَالِاسْتِيطَانَ بِالْمَدِينَةِ أَمْ لَا مَا دَامَ مَوْجُودًا بِالْمَدِينَةِ أَوْ خَارِجَهَا إنْ كَانَ عَازِمًا عَلَى الْعَوْدِ إلَيْهَا وَإِنْ طَالَ زَمَنُ غَيْبَتِهِ عَنْهَا كَمَا يَأْتِي وَأَنَّ الْمُرَادَ بِأَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ الْخَمْسَةِ مِنْ سَكَنِهَا هُوَ لَا أَبُوهُ أَيْضًا عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيطَانِ بِهَا سَوَاءً أَكَانَ مِنْ الْقَبِيلَةِ الْمُسَمَّاةِ بِحَضْرَمَوْتَ أَمْ لَا لِأَنَّ فَحَوَى عِبَارَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ إلَّا كَوْنَهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْمَحَالِّ لَا غَيْرُ.
وَأَهْلُ تِلْكَ الْمَحَالِّ يَكُونُونَ مِنْ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ بَلْ لَا نَظَرًا إلَى خُصُوصِ تِلْكَ الْقَبِيلَةِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ لِلْجَهْلِ بِهِمْ أَوْ خَفَائِهِمْ فَلَمْ يَعْتَبِرْ الْوَاقِفُ كَأَهْلِ الْعُرْفِ الْعَامِّ فِي الْحَضْرَمِيِّ إلَّا سَاكِنَ حَضْرَمَوْتَ وَإِنْ لَمْ يُنْسَبْ لِتِلْكَ الْقَبِيلَةِ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّ الْعُرْفَ الْمُطَّرِدَ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ إذَا عَلِمَ بِهِ يَنْزِلُ عَلَيْهِ لَفْظُهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ شَرْطِهِ الْعَمَلَ ذَكَرَهُمْ فِي صُلْبِ عَقْدِ وَقْفِهِ وَالْمُرَادُ بِسَاكِنِ حَضْرَمَوْتَ الْمُتَوَطِّنُ مَحَلًّا مِنْ ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ وَلَوْ قِنًّا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ فِي الْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ أَهْلُهَا أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَنْ لَا يَصِحُّ تَمَلُّكِهِ وَمِنْهُمْ الْأَرِقَّاءُ فَيَكُونُ لِسَادَاتِهِمْ وَعَلَيْهِ فَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحُرِّ وَغَيْرِهِ إلَّا عِنْدَ النَّظَرِ لِلْقَبِيلَةِ إذْ لَا يَدْخُلُ فِيهِمْ مَوَالِيهمْ فَضْلًا عَنْ أَرِقَّائِهِمْ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْقَبِيلَةَ غَيْرَ مُرَادَةٍ هُنَا نَعَمْ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْوَاقِفَ أَرَادَهَا عُمِلَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَدْخُلْ مَمْلُوكُهُمْ وَلَا مَوْلَاهُمْ.
وَخَبَرُ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ الْمُرَادُ بِهِ فِي الشَّرَفِ وَمِنْ ثَمَّ حُرِّمَتْ الزَّكَاةُ عَلَى مَوْلَى بَنِي هَاشِمِ وَالْمُطَّلِبِ لَا فِي التَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِمْ حَتَّى يَدْخُلَ فِيمَا وُقِفَ عَلَيْهِمْ مَثَلًا وَفَرْقٌ وَاضِحٌ بَيْنَ اعْتِبَارِ الشَّرَفِ الَّذِي هُوَ أَمْرٌ اعْتِبَارِيٌّ يُكْتَفَى فِيهِ بِأَدْنَى مُلَابَسَةٍ وَاعْتِبَارُ التَّسْمِيَةِ الَّتِي هِيَ فِي الْأَصْلِ إنَّمَا تَنْشَأُ عَنْ أَمْرٍ وُجُودِيٍّ وَالْمُحْتَاجُ هُنَا مَنْ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَسْكَنٌ أَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ أَنَّهُ سَوَاءٌ اتَّحَدَ أَمْ تَعَدَّدَ يَسْتَحِقُّ السُّكْنَى أَوْ الْإِسْكَانَ فَإِنْ وُجِدَ جَمَاعَةٌ مُتَّصِفُونَ بِتِلْكَ الصِّفَاتِ غَيْرُ مَحْصُورِينَ جَازَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ أَوْ مَحْصُورِينَ اسْتَحَقُّوا كُلُّهُمْ ثُمَّ إنْ كَانَ كُلٌّ يُرِيدُ السُّكْنَى تَهَايُؤًا فِيهَا وَإِلَّا أَجَّرَهُ النَّاظِرُ وَقَسَمَ غَلَّتَهُ عَلَى الْمَوْجُودِينَ مِنْهُمْ حَالَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَكَانَ السَّائِلُ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فَهِمَ أَنَّ فِي الْإِجَارَةِ خِيَارًا حَتَّى صَرَّحَ فِيهَا بِاللُّزُومِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَتَّى خِيَارُ الْمَجْلِسِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَوْجُودُ حَالَ وُجُوبِ الْغَلَّةِ وَهِيَ تَجِبُ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ تَسْتَقِرَّ إلَّا بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَاَلَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ ذَكَرٌ مُحْتَاجٌ مُتَزَوِّجٌ مِنْ تِلْكَ الْجِهَاتِ الْخَمْسَةِ بِإِنْ لَمْ يُوجَدُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا أَصْلًا أَوْ وُجِدَ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَا بِتِلْكَ الصِّفَاتِ وَوَجَدَ أَحَدٌ مِنْ بَقِيَّةِ الْحَضَارِمِ تَعَيَّنَتْ إجَارَةُ تِلْكَ الدَّارِ وَصُرِفَتْ أُجْرَتُهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ الْحَضَارِمِ وَمَرَّ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ مَنْ تَوَطَّنَ بِنَفْسِهِ مَحَلًّا مِنْ إقْلِيمِ حَضْرَمَوْتَ الْمُقِيمِينَ بِالْمَدِينَةِ الشَّرِيفَةِ وَالْخَارِجِينَ عَنْهَا بِنِيَّةِ الْعَوْدِ إلَيْهَا وَإِنْ طَالَ زَمَنُ خُرُوجِهِ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الْوَاقِفِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَصْدُقُ فِي نِيَّةِ الْعَوْدِ بِلَا يَمِينٍ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَبَحَثَ غَيْرُ وَاحِدٍ الِاكْتِفَاءَ فِي الْإِقَامَةِ بِمَا لَا يُعَدُّ أَيْ عُرْفًا مَعَهُ غَرِيبًا أَيْ بِأَنْ نَوَى الِاسْتِيطَانَ وَإِنْ قَلَّتْ إقَامَتُهُ أَوْ مَكَثَ مُدَّةً ثُمَّ بِحَيْثُ صَارَ أَهْلُ الْعُرْفِ يَعُدُّونَهُ مُقِيمًا بِذَلِكَ الْمَحَلِّ وَلَا يَكْتَفِي هُنَا بِمُجَرَّدِ الْإِقَامَةِ الْمَانِعَةِ لِلتَّرَخُّصِ بِنَحْوِ الْقَصْرِ لِأَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا تُحْمَلُ غَالِبًا عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ دُونَ الدَّقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِذَا وُجِدَ مَنْ هَؤُلَاءِ جَمَاعَةٌ فَإِنْ كَانُوا عِنْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ غَيْرَ مَحْصُورِينَ جَازَ لِلنَّاظِرِ الِاقْتِصَارُ عَلَى إعْطَاءِ ثَلَاثَةٍ أَوْ مَحْصُورِينَ لَزِمَ اسْتِيعَابُهُمْ وَقَوْلُ السَّائِلِ - نَفَعَ اللَّهُ سبحانه وتعالى بِهِ - فَإِنْ تَشَاحُّوا إلَخْ قَدْ عُلِمَ جَوَابُهُ أَنَّهُمْ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ إنْ تَهَايَئُوا وَإِلَّا أُوجِرَ لِأَنَّ الْوَاقِفَ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُ خُيِّرَ ثَمَّ بَيْنَ السَّكَنِ وَالْإِسْكَانِ.
وَفِي الْقِسْمِ الثَّانِي أَعْنِي الْمُقِيمِينَ مِمَّنْ لَمْ تُوجَدْ فِيهِمْ تِلْكَ الصِّفَاتُ حِين إيجَارِهِ فَلَا حَقَّ لَهُمْ فِي سَكْنَاهُ - وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -
مَا وَظِيفَةُ النَّاظِرِ فِي الْوَقْفِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ وَظِيفَتُهُ الْعِمَارَةُ وَجَمْعُ الْغَلَّةِ وَقِسْمَتُهَا عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا وَتَوَابِعُ ذَلِكَ لَا نَحْوَ تَنْزِيلِ طَلَبَةٍ لِلدَّرْسِ عَلَى خِلَافٍ فِي ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) عَنْ وَقْفٍ صُورَتُهُ وَقَفَ دَارِهِ الْمُعَيَّنَةَ عَلَى نَفْسِهِ أَيَّامَ حَيَاتِهِ ثُمَّ عَلَى بَنَاتِهِ الْأَرْبَعِ وَمَنْ سَيَحْدُثُ لَهُ مِنْ الْأَوْلَادِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءً عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَلَدًا أَوْ وَلَدَ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِمَنْ فِي طَبَقَتِهِ مِنْ إخْوَتِهِ ثُمَّ عَلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَعَلَى وَلَدِ وَلَدِ أُخْتِهِ مَحْمُودٍ وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ وَنَسْلِهِ وَعَقِبِهِ فَإِذَا انْقَرَضُوا كَانَ وَقْفًا عَلَى جَمَاعَةٍ سَمَّاهُمْ.
وَقَالَ فِي كِتَابٍ وَقَفَهُ تُحْجَبُ الطَّبَقَةُ الْأُولَى مِنْ دُونِهَا وَلَا تُحْجَبُ مِنْ دُونِهَا مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ مِنْ أَوْلَادِ مَنْ هُوَ فِي طَبَقَتِهِ إذَا مَاتَ مَنْ هُوَ فِي الطَّبَقَةِ ثُمَّ مَاتَ الْوَاقِفُ عَنْ بَنَاتِهِ الْأَرْبَعِ ثُمَّ مَحْمُودٌ فِي حَيَاتِهِنَّ عَنْ وَلَدٍ ثُمَّ ثَلَاثٍ مِنْهُنَّ لَا عَنْ وَلَدٍ ثُمَّ الرَّابِعَةِ عَنْ أَرْبَعَةِ أَوْلَادٍ لَهَا وَثَلَاثَةِ أَوْلَادِ لِوَلَدٍ لَهَا مَاتَ قَبْلَهَا فَهَلْ يَشْتَرِكُ الْكُلُّ حَتَّى وَلَدُ مَحْمُودٍ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ أَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ مَوْتِ بِنْتِ الْوَاقِفِ الْأَخِيرَةِ يَنْتَقِلُ كُلُّهُ إلَى الْأَوْلَادِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِأَنَّ الْوَقْفَ بَعْدَ انْقِرَاضِ الطَّبَقَةِ الْأُولَى لِسَائِرِ الطَّبَقَاتِ بَعْدَهَا وَبِأَنَّهُ لَا حَجْبَ فِيمَا بَعْدَ الْأُولَى وَبِأَنَّ مَنْ مَاتَ يَكُونُ نَصِيبُهُ لَوَلَدِهِ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاسْتِحْقَاقِ لِقَوْلِهِ وَلَا تَحْجُبُ الطَّبَقَةُ مَنْ هُوَ دُونَهَا إلَخْ الصَّرِيحُ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوَلَدِ نَصِيبُ أَبِيهِ بِفَرْضِ حَيَاتِهِ وَمَحْمُودٌ لَوْ عَاشَ مَعَ أَوْلَادِ بِنْتِ الْوَاقِفِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ مُشَارِكًا لَهُمْ بِنَصِّ الْوَاقِفِ وَكَذَا وَلَدُ بِنْتِ الْوَاقِفِ الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهَا لَوْ عَاشَ كَانَ مُشَارِكًا لَهُمْ بِنَصِّ الْوَاقِفِ أَيْضًا فَكَذَا وَلَدُ مَحْمُودٍ وَأَوْلَادِ هَذَا يَكُونُونَ مُشَارِكِينَ لَهُمْ بِنَصِّ الْوَاقِفِ أَيْضًا وَبِمَا قَرَّرْتُهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي هُنَا الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ أَئِمَّتِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ لَفْظَ النَّصِيبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُذْكَرُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَى مَا يَعُمُّ النَّصِيبَ الْمُقَدَّرَ مَجَازُ الْقَرِينَةِ وَهُوَ مَا عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ كَثِيرُونَ وَكَادَ السُّبْكِيّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنْ يَنْقُلَ إجْمَاعَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ عَلَيْهِ أَوْ يَخْتَصُّ بِالْحَقِيقِيِّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَالْقَرَائِنُ فِي ذَلِكَ ضَعِيفَةٌ وَهُوَ الْمَنْقُولُ وَعَلَيْهِ كَثِيرُونَ أَيْضًا لِأَنَّ مَحَلَّ هَذَا الْخِلَافِ كَمَا يَعْلَمهُ مَنْ أَحَاطَ بِحُجَجِ الْفَرِيقَيْنِ فِي لَفْظٍ يَشْمَلُ ذَا النَّصِيبِ الْمُقَدَّرِ وَيَجْعَلُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا لَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَتنَا مَعَ قَوْلِ الْوَاقِفِ وَلَا تَحْجُبُ مَنْ دُونِهَا إلَخْ وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ أَرْضٍ مُشْتَرَكَةٍ عَلَى الْإِشَاعَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا وَقْفٌ لِلْغِرَاسِ تَبَعًا لِغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الضَّيْعَةِ وَرُبْعُهَا طَلْقٌ وَقَدْ صَارَ لِبَعْضِ أَرْبَابِ الْوَقْفِ بِطَرِيقِ الشِّرَاءِ وَفِي تِلْكَ الْأَرْضِ مَسْجِدٌ صَغِيرٌ بَنَاهُ الْأَوَائِلُ قَبْلَ أَنْ يَقِفَ صَاحِبُ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ حِصَّتَهُ فَاتَّفَقَ أَنَّ أَهْلَ الْبَلَدِ يَتْرُكُونَ تِلْكَ الضَّيْعَةِ بَعْضَ السَّنَةِ مِنْ خَوْفِ الْإِفْرِنْجِ وَلَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الضَّيْعَةِ مَاءٌ سِوَى بِرْكَةٍ وَاحِدَةٍ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ وَاحْتَاجُوا لِمَسْجِدٍ فَجَاءَ بَعْضُ النَّاسِ وَأَحْدَثَ دَكَّةً شَرْقِيَّ الْمَسْجِدِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ لِيُصَلِّيَ النَّاسُ عَلَيْهَا وَجَاءَ آخَرُ وَأَحْدَثَ دَكَّةً أُخْرَى قِبْلِيَّ الْمَسْجِدِ أَيْضًا وَاتَّصَلَتْ الْمَنَافِذُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى الدَّكَّتَيْنِ وَأَقَامُوا عَلَى هَذَا مُدَّةً. وَلَمَّا رَأَى بَعْضُ أَرْبَابِ الْوَقْفِ حَاجَةَ النَّاسِ إلَى الْمَسْجِدِ وَاسْتَمَرَّتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِالنَّقْلَةِ إلَى هَذِهِ الضَّيْعَةِ فِي كُلِّ سَنَةٍ انْتَهَضَ لِعِمَارَةِ تِلْكَ الْبُقْعَةِ فَأَخْرَبَ الدِّكَّتَيْنِ وَالْمَسْجِدَ وَجَعَلَهُمَا مَسْجِدًا وَقَدْ بَنَاهُ وَخَصَّصَهُ بِالْجِصِّ سَطْحَهُ وَصَحْنَهُ فَمُنْذُ شَرَعَ فِي عِمَارَتِهِ إلَى الْآنَ نَحْوُ اثْنَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَالْآنَ جَمَعَ شَيْئًا مِنْ النُّورَةِ وَأَرَادَ تَرْمِيمَ الْمَسْجِدِ وَتَقْوِيَتِهِ فَأَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ طَلَبَةِ الْعِلْمِ الشَّرِيفِ بِأَنَّ بِنَاءَ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَةِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ رَضِيَ أَهْلُ الْوَقْفِ وَكَانَ الْفَقِيهُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَنْظُرْ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُ عِلْمٌ بِالْوَقْفِ وَإِلَّا فَهَذَا الْفَقِيهُ نَفْسُهُ قَدْ رَامَ بِنَاءَ هَذِهِ الْبُقْعَةِ لَمَّا رَأَى حَاجَةَ النَّاسِ إلَى الْمَسْجِدِ فَالْآنَ الْمَسْجِدُ قَدْ بُنِيَ وَالنَّاسُ مُحْتَاجُونَ لَهُ وَلَا فِي الْمَكَانِ مَسْجِدٌ آخَرُ غَيْرُهُ وَقَدْ بَدَا الْخَلَلُ فِي سَطْحِهِ وَشُرَافَاتِهِ إنْ لَمْ يُتَدَارَكْ وَيُتَعَهَّدُ بِالتَّرْمِيمِ وَإِلَّا خَرِبَ رَأْسًا وَأَيْضًا عَامِرُ الْمَسْجِدِ هُوَ صَاحِبُ الرُّبْعِ.
الطَّلْقِ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُعَوِّضَ أَهْلَ الْوَقْفِ بِمِثْلِ مِسَاحَةِ الْمَسْجِدِ أَوْ بِمِثْلَيْهَا أَوْ يَتْرُكُ رُبْعَهُ كُلَّهُ وَيَكُونُ وَقْفًا عَلَى مُقْتَضَى الْوَقْفِ الْأَوَّلِ فَهَلْ يُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَيَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَثِمِ.
فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ فَكَيْفَ صُورَةُ ذَلِكَ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا فَهَلْ مِنْ حِيلَةٍ أَوْ رُخْصَةٍ وَلَوْ بِتَقْلِيدِ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ فِي تَبْقِيَةِ الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِمْرَارِ عَلَى عِمَارَتِهِ وَتَعَهُّدِهِ وَلَا تَرَوْا عَلَى الْمَمْلُوكِ بِالسُّؤَالِ عَنْ الرُّخْصَةِ فَالْأَمْرُ كَمَا عَلِمْتُمْ وَلَا يَخْفَى كَمْ مَقْصُودُهُ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا رُخْصَةَ وَلَا حِيلَةَ فَهَلْ تُشِيرُونَ بِخَرَابِ الْمَسْجِدِ وَمَنْعِ الصَّلَاةِ فِيهِ أَمْ بِالْبَقَاءِ عَلَى حَالِهِ وَنَكُفُّ عَنْ تَرْمِيمِهِ لَا غَيْرُ؟ وَمَا الْحُكْمُ لَوْ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي بَنَى بَنَى بِإِذْنِ أَرْبَابِ أَهْلِ الْوَقْفِ الْكَامِلِينَ؟ فَهَلْ يَسُوغُ لَهُمْ وَلَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ أَرْبَابُ الْوَقْفِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ مَنْ سَيَأْتِي بَعْدَهُمْ مِنْ بَاقِي الْبُطُونِ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُبَادَرَةُ إلَى هَذِهِ وَرَدُّ الْأَرْضِ إلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا أَوْ لَا فَإِنْ قُلْتُمْ نَعَمْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ فَلَوْ أَنَّ الَّذِي بَنَاهُ امْتَنَعَ مِنْ هَدْمِهِ وَحَاوَلَ تَبْقِيَتَهُ وَلَمْ يَرْضَ بِذَلِكَ فَهَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ الصَّلَاةُ وَالْقُعُودُ فِيهِ عَلَى الدَّوَامِ وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِيهِ لِمُرِيدِ الِاعْتِكَافِ فِيهِ أَيْضًا أَوْ لَا وَهَلْ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِيهِ أَوْ لَا وَلَوْ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي بَنَاهُ وَقَفَهُ مَسْجِدًا مَا حُكْمُهُ بَعْدَ ذَلِكَ هَلْ تُوجِبُونَ هَدْمَهُ أَمْ لَا وَلَوْ أَنَّ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ إمَامًا يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ فِيهِ دَوَامًا فَهَلْ الْأَوْلَى لِلشَّخْصِ الصَّلَاةُ مَعَهُمْ لِأَجْلِ تَحْصِيلِ ثَوَابِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ أَوْ الْأَوْلَى تَرْكُهُ وَاعْتِزَالُهُ عَنْهُ وَصَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَجِبُ هَدْمُ الْمَسْجِدِ الْمَذْكُورِ عَلَى كُلِّ مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِعَادَتُهُ عَلَى حَالَتِهِ الْأُولَى لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا وَقَفَ بَعْضَ تِلْكَ الْأَرْضِ لِلْغِرَاسِ أَبْطَلَ سَائِرَ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ بِهَا بِغَيْرِ الْغِرَاسِ فَلَوْ جَوَّزْنَا بِنَاءَ مَسْجِدٍ فِيهَا وَلَوْ بِإِذْنِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ لَزِمَ إبْطَالُ غَرَضِ الْوَاقِفِ وَتَغْيِيرُ مَعَالِمِ الْوَقْفِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ احْتَاجَ النَّاسُ لِمَسْجِدٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَعَوَّضَ بَانِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ الْأَوَّلِ أَهْلَ الْوَقْفِ أَضْعَافَهَا أَمْ لَا نَعَمْ يَجُوزُ أَنْ يُرْفَعَ الْأَمْرُ إلَى حَاكِمٍ يَرَى التَّعْوِيضَ فَإِذَا رُفِعَ إلَيْهِ وَحَكَمَ بِهِ جَازَ بِنَاءُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَالصَّلَاةُ فِيهَا وَأَمَّا قَبْلَ الْحُكْمِ بِذَلِكَ فَلَا يَثْبُتُ لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ أَحْكَامُ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُقِرَّ بَانِيهَا عَلَى بِنَائِهَا أَوْ تَرْمِيمِهَا وَلَا الصَّلَاةِ فِيهَا وَلَا الِاعْتِكَافِ لِأَنَّ الْأَرْضَ حِينَئِذٍ مَغْصُوبَةٌ فَيَتَرَتَّبُ عَلَى بَانِيهَا أَحْكَامُ الْغَاصِبِ إثْمًا وَضَمَانًا وَرَدًّا وَغَيْرَهَا وَلَوْ كَانَ بَانِي تِلْكَ الزِّيَادَةِ يَمْلِكُ بَعْضَ أَرْضِهَا فَوَقَفَ ذَلِكَ الْبَعْضَ مَسْجِدًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ فِي حُرْمَةِ الْجُلُوسِ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ لَا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ وَوَقْفُهُ ذَلِكَ الْبَعْضَ مَسْجِدًا لَا يَمْنَعُ حُرْمَةَ الْبِنَاءِ وَوُجُوبَ الْهَدْمِ عَلَيْهِ بَلْ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْبِنَاءُ وَيَجِبُ هَدْمُهُ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ صَلَاةٌ وَلَا اعْتِكَافٌ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ مَا مَلَكَهُ مَسْجِدًا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) فِي وَقْفٍ عَلَى فُطُورِ الْمَسْجِدِ هَلْ يَحِلُّ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ أَمْ يَخْتَصُّ بِالْفَقِيرِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْمُفْطِرِ الْمَعْذُورِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِلْمُقِيمِ بِالْمَسْجِدِ التَّفْضِيلُ بَيْنَ آحَادِ النَّاسِ؟ وَهَلْ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ مَنْ صَلَّى فِيهِ وَهَلْ يَحِلُّ لِلْعَبِيدِ وَالصِّغَارِ وَمَنْ لَا يُصَلِّي وَإِذَا أَخَذَ بَعْضُ مَنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ شَيْئًا وَخَرَجَ بِهِ لِغَيْرِ مَنْ صَلَّى فِيهِ مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ أَوْ لِمَنْ لَا يُصَلِّي لَكِنَّهُ حَضَرَ الْمَسْجِدَ هَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ؟ وَهَلْ يَجُوزُ لِمَنْ أَخَذَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِمَنْ لَا يَصُومُ أَوْ يَصْرِفَهُ فِي حَوَائِجِهِ حَوَائِجِهِ وَأَغْرَاضِهِ أَوْ يَبِيعَهُ أَوْ يُبْقِيَهُ لِسُحُورِهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ؟
بَيِّنُوا لَنَا ذَلِكَ فَقَدْ وَقَفْنَا عَلَى جَوَابَاتٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ يَتَحَرَّرْ لَنَا مَا التَّحْقِيقُ فِيهَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْوَقَائِعِ عِنْدَنَا فَبَيِّنُوا لَنَا حُكْمَهَا وَابْسُطُوا لَنَا الْكَلَامَ فِيهَا أَثَابَكُمْ اللَّهُ سبحانه وتعالى الْجَنَّةَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَتَّضِحُ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ إلَّا إنْ عُلِمَ لَفْظُ الْوَاقِفِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْأَوْقَافِ مَنُوطَةٌ بِأَلْفَاظِ الْوَاقِفِينَ دَائِمًا إلَّا إذَا عَرَفْتَ مَقَاصِدَهُمْ كَأَنْ اطَّرَدَتْ عَادَةُ زَمَنِهِمْ بِأَشْيَاءَ مَخْصُوصَةٍ فَتَنْزِلُ عَلَيْهَا أَلْفَاظُهُمْ وَحِينَئِذٍ فَمَا ذُكِرَ مِنْ الْوَقْفِ عَلَى الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ إنْ كَانَ لِذَلِكَ عَادَةٌ مُطَّرِدَةٌ فِي زَمَنِ الْوَاقِفِ وَعَلَمَ بِهَا الْوَاقِفُ كَانَ وَقْفُهُ مُنَزَّلًا عَلَيْهَا لِتَصْرِيحِ الْأَئِمَّةِ بِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ شَرْطِهِ فَحِينَئِذٍ مَا قَصَدْت بِهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْفَقِيرِ أَوْ الصَّائِمِ.
أَوْ الْأَكْلِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَنَّ مَا يُعْطَاهُ يَأْكُلهُ فَوْرًا أَوْ لَا يُعْطِيهِ غَيْرَهُ أَوْ غَيْر ذَلِكَ يُعْمَلُ بِالْعَادَةِ فِيهِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ وَلَا إشْكَالٍ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ لِذَلِكَ فَلَا بُدَّ لَنَا مِنْ نَظَرِ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ لِنُرَتِّبَ عَلَيْهَا مُقْتَضَاهَا وَبِفَرْضٍ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَقُلْ إلَّا وَقَفْتُ كَذَا عَلَى مَنْ يَفْطُرُ فِي رَمَضَانَ فِي مَسْجِدِ كَذَا فَحُكْمُ ذَلِكَ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ اغْتِنَامُ فَضِيلَةِ تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ وَفَضِيلَةِ تَعْجِيلِهِمْ لِلْفِطْرِ وَحِينَئِذٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَيَتَقَيَّدُ الْإِعْطَاءُ بِمِنْ فِي الْمَسْجِدِ وَبِالصَّائِمِ حَقِيقَةً فَلَا يُعْطَى لِمَنْ أَفْطَرَ لِنَحْوِ مَرَضٍ وَلَا لِمَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ وَإِنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ وَيُعْطَى مُمَيَّزٌ صَامَ، وَقِنٌّ كَذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أُعْطَى شَيْئًا أَنْ يُفْطِرَ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَا أَنْ يُؤَخِّرَهُ لِسُحُورِهِ وَلَا أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ كُلُّ ذَلِكَ تَقْدِيمًا لِغَرَضِ الْوَاقِفِ وَتَحْقِيقًا لِمَا قَصَدَهُ مِنْ عَظِيمِ ثَوَابِ تَفْطِيرِ الصَّائِمِينَ وَتَعْجِيلِهِمْ لِلْفِطْرِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ بُقْعَةٍ مِنْ الْأَرْضِ تَشْتَمِلُ عَلَى قَدْرِ عِشْرِينَ عُودًا مِنْ النَّخْلِ وَصِفَةُ ذَلِكَ النَّخْلِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَذْكُورَةِ أَنَّ بَيْنَ كُلِّ نَخْلَةٍ وَنَخْلَةٍ مَسَافَةً قَدْرَ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْبُقْعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَيْسَ هُوَ مِمَّا يَشْرَبُ مِنْ النَّهْرِ أَوْ غَيْرِهِ وَإِنَّمَا يَشْرَبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عِنْدَ غِرْسِهِ بِحَمْلِ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي قِرَبٍ وَنَحْوِهَا فَإِذَا اشْتَدَّ وَصَارَ حَيًّا لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْ الْمَاءِ بِجَذْبِ عُرُوقِهِ وَاكْتِفَائِهِ بِذَلِكَ إذَا عُرِفَ هَذَا فَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمَذْكُورَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو مُشَاعًا لِزَيْدٍ فِيهِ رُبْعُهُ وَلِعَمْرٍو ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ فَاتَّفَقَ مِنْ حَالِ الشَّرِيكَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى قِسْمَةِ النَّخْلِ الْمَذْكُورِ دُونَ أَرْضِهِ بِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى تَبْقِيَتهَا بَيْنَهُمَا عَلَى الْإِشَاعَةِ إلَى وَقْتٍ مَا فَاقْتَسَمَا كَذَلِكَ فَخَرَجَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ عَدَدًا مِنْ النَّخْلِ عَلَى قَدْرِ مَا اقْتَضَتْهُ شَرِكَتُهُمَا فِي ذَلِكَ مُفَرَّقًا فِي جَمِيعِ جِهَاتِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ فَأَخَذَا عَلَى ذَلِكَ مُدَّةً مَدِيدَةً وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَعْرِفُ مَا يَخْرُجُ لَهُ مِنْ النَّخْلِ بِالْقِسْمَةِ ثُمَّ إنَّ عُمَرًا صَاحِبَ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ الْمَذْكُورَةِ وَقَفَ نَصِيبَهُ فِي النَّخْلِ وَالْأَرْضِ جَمِيعًا عَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِ مَا تَنَاسَلُوا ثُمَّ بَعْدَ مُدَّةٍ أَيْضًا طَلَبَ وَرَثَةُ عَمْرٍو الْوَاقِفِ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ زَيْدٍ الشَّرِيكِ الْمَذْكُورِ قِسْمَةَ الْأَرْضِ الْمَشْغُولَةِ بِمَا ذُكِرَ مِنْ النَّخْلِ. وَالْفَرْضُ أَنَّ النَّخْلَ الَّذِي اقْتَسَمَاهُ كُلَّهُ أَوْ مُعْظَمَهُ بَاقٍ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ لَمْ يَزُلْ مِنْهَا فَأَجَابَ زَيْدٌ إلَى ذَلِكَ وَاقْتَسَمَا الْأَرْضَ الْمَذْكُورَةَ فَخَرَجَ لِزَيْدٍ رُبْعُ بَيَاضِ الْأَرْضِ فِي طَرَفٍ مُعَيَّنٍ مَشْغُولًا بِشَيْءٍ مِنْ نَخْلِهِ وَنَخْلِ شُرَكَائِهِ أَصْحَابِ الْوَقْفِ وَلِأَرْبَابِ الْوَقْفِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ بَيَاضِ الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ النَّخْلِ مُفَرَّقًا أَيْضًا فِي سَائِرِ جِهَاتِهَا فَالثَّلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ الْمَذْكُورَةِ صَارَتْ مَشْغُولَةً كَذَلِكَ بِشَيْءٍ مِنْ نَخْلِهِمْ وَنَخْلِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ فَدَامُوا عَلَى هَذَا الْوَصْفِ مُدَّةً ثُمَّ إنَّ بَعْضَ أَرْبَابِ الْوَقْفِ اُنْتُدِبَ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فِي تِلْكَ الْبُقْعَةِ بَيْنَ بَيَاضِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ النَّخْلِ مِنْ الْجِهَتَيْنِ يَقَعُ فِي بَعْضِهِ دَاخِلًا وَذَلِكَ لِحَاجَةِ النَّاسُ إلَيْهِ وَتَعْوِيلِهِمْ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِ فَبَنَاهُ بِإِذْنِ أَرْبَابِ أَهْلِ الْوَقْفِ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ الْبَيَاضِ الَّذِي صَارَ لِلْوَقْفِ وَكَانَ مِنْ صُورَةِ بِنَائِهِ فِيهِ أَنَّهُ اخْتَطَّ بُقْعَةً قَدْرُهَا عِشْرُونَ أَوْ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا وَبَنَاهَا بِنَاءً مُحْكَمًا وَأَوْقَفَهَا مَسْجِدًا عَلَى الْمُصَلِّينَ وَغَيْرِهِمْ وَاسْتَمَرَّ الْحَالُ بَعْدَ بِنَائِهِ وَتَرَدَّدَ النَّاسُ إلَيْهِ وَصَلَاتُهُمْ فِيهِ مُدَّةً مِنْ الزَّمَانِ يَزِيدُ قَدْرُهَا عَلَى عَشْرِ سِنِينَ ثُمَّ إنَّ بَعْضَ الْمَدْرَسَةِ الْمُتَفَقِّهَةِ وَصَلَ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي اتَّفَقَ فِيهِ وُقُوعُ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَجَرَى لَهُ مَعَ صَاحِبِ الْمَكَانِ الَّذِي اتَّفَقَ لَهُ وُقُوعُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبِنَاءِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ بَحْثٌ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ وَعَدَمِهِ فَقَالَ ذَلِكَ الْمُتَفَقِّهُ إنَّ ذَلِكَ الْبِنَاءَ لَا يَجُوزُ وَيَجِبُ عَلَى بَانِيهِ أَنْ يَهْدِمَهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا ثَوَابَ لِلْجَمَاعَةِ فِيهِ بَلْ لَا يَثْبُتُ لِذَلِكَ الْبِنَاءِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ لَا حِلًّا وَلَا حُرْمَةً فَتَحَرَّجَ الَّذِي بَنَاهُ وَطَالَ لِأَجْلِ ذَلِكَ عَنَاهُ وَذَلِكَ لِوُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَأُمُورٍ غَيْرِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ تَعِبَ فِي بِنَائِهِ تَعَبًا شَدِيدًا وَأَنْفَقَ فِي إنْشَائِهِ مَالًا كَثِيرًا وَمِنْهَا أَنَّ أَهْلَ الْمَكَانِ الَّذِي بَنَى ذَلِكَ الْمَسْجِدَ مِنْ أَجْلِهِمْ وَبِسَبَبِهِمْ وَبِرَأْيِهِمْ
حَاجَتُهُمْ إلَى إبْقَائِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مُتَأَكِّدَةٌ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَا يَجِدُونَ مَكَانًا تُصَلِّي فِيهِ الْجَمَاعَةُ غَيْرَهُ وَلَا يَجِدُونَ مَا يَتَوَضَّؤُنَّ وَيَغْتَسِلُونَ فِيهِ إلَّا عِنْدَهُ وَمِنْهَا أَنَّ فِي هَدْمِهِ وَإِزَالَتِهِ عَنْ مَكَانِهِ سَبَبُ افْتِرَاقِ شَمْلِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي كَانَتْ تُصَلِّي فِيهِ لَا سِيَّمَا مَعَ ضَعْفِ أَهْلِ الْمَكَانِ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى إنْشَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ فَهَلْ تَرَوْنَ طَرِيقًا لِهَذَا الْمُسْتَفْتِي فِي إبْقَاءِ مَا بَنَاهُ وَتَقْرِيرُ مَا عَنَاهُ فَقَدْ طَالَ تَعَطُّشُهُ لِذَلِكَ وَتَطَلُّبُهُ لِمَا هُنَالِكَ أَوْ تَجِدُونَ فِي ذَلِكَ وَجْهًا نَخْتَارُهُ وَنَقْتَفِي مَنَارَهُ أَوْ تَرَوْنَ فِي بَعْضِ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ إسَاغَةَ التَّقْلِيدِ فِي هَذِهِ الْمُهِمَّةِ فَإِنْ رَأَيْتُمْ ذَلِكَ وَعَرَفْتُمُوهُ فَأَوْضِحُوهُ لَنَا وَمَا الَّذِي تَعُدُّونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَيْضًا صَوَابًا التَّقْلِيدُ لِلضَّرَرِ الْأَكِيدِ وَالِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَالتَّخَلِّي عَنْهُ أَوْضِحُوا لَنَا حُكْمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَدِلَّتِهَا وَأَحْكَامِهَا وَأَقْسَامِهَا إيضَاحًا شَافِيًا وَبَيِّنُوا لَنَا الْمَقْصُودَ مِنْ الْغَرَضِ فِي التَّقْلِيدِ وَعَدَمِهِ بَيَانًا شَافِيًا وَافَيَا وَلِيَعْلَمْ سَيِّدُنَا شَرَّفَ اللَّهُ قَدْرَهُ وَأَعْلَى فِي الطَّيِّبِينَ ذِكْرَهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي بَنَى مَا ذَكَرْنَاهُ لَمْ يَبْنِهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ اسْتَشَارَ أَهْلَ الْوَقْفِ وَاسْتَشَارَ صَاحِبَ الرُّبْعِ الطَّلْقِ أَيْضًا فَصَوَّبَ الْجَمِيعُ رَأْيَهُ وَأَذِنَ فِي بِنَائِهِ فَهَلْ تَرَوْنَ ذَلِكَ لَهُ مُفِيدًا أَوْ تَجِدُونَ لِمَا اُبْتُلِيَ بِهِ تَسْدِيدًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قِسْمَةُ النَّخْلِ دُونَ الْأَرْضِ جَائِزَةٌ بِالتَّرَاضِي وَكَذَا قِسْمَةُ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ الْوَقْفِ عَنْ الرُّبْعِ الْمِلْكِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ الْقِسْمَةُ إفْرَازًا بِأَنْ تَسْتَوِيَ جَمِيعُ أَجْزَاءِ الْأَرْضِ وَلَمْ يَقَعْ رَدٌّ مِنْ الْمَالِكِ وَإِذَا اقْتَسَمَاهَا كَذَلِكَ صَارَ مَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَلِجِهَةِ الْمِلْكِ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُهُ وَأَمَّا فِي حِصَّةِ كُلٍّ مِنْ نَخْلِ الْآخَرَ فَيَجْرِي فِيهِ كَمَا رَجَّحْتُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ مَا ذَكَرُوهُ آخِرَ الْعَارِيَّةِ مِمَّا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي كُتُبِهِمْ هُنَاكَ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مَا خَرَجَ بِالْقِسْمَةِ لِجِهَةِ الْوَقْفِ تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْوَقْفِ فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ وَلَوْ بِإِذْنِ الْبَاقِينَ تَغْيِيرُ مَا قَصَدَهُ الْوَاقِفُ مِنْ كَوْنِهِ وَقْفًا عَلَى ذُرِّيَّتِهِ يَنْتَفِعُونَ بِغَلَّتِهِ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مَسْجِدًا فَحِينَئِذٍ يَجِبُ هَدْمُهُ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَحْكَامِ الْمَسْجِدِيَّةِ وَيَجِبُ عَلَى بَانِيهِ الرُّجُوعُ إلَى اللَّهِ سبحانه وتعالى وَالتَّوْبَةُ مِمَّا اقْتَرَفَهُ إنْ عَلِمَ حُرْمَةُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْمُ بِنَائِهِ وَإِنْ تَعِبَ وَصَرَفَ أَمْوَالًا وَإِنْ احْتَاجَ النَّاسُ أَوْ اُضْطُرُّوا إلَيْهِ وَلَوْ تَفَرَّقَتْ الْجَمَاعَةُ بِسَبَبِ هَدْمِهِ وَلَوْ كَانَ لَهُ قَصْدٌ صَالِحٌ فِي الْبِنَاءِ وَالرُّجُوعِ إلَى الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ نَعَمْ إنْ رَأَى لَهُ فِي مَذْهَبٍ مِنْ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ وَجْهًا مُسَوِّغًا لِبَقَاءِ بِنَائِهِ مَسْجِدًا فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِي رَفْعِ الْأَمْرِ لِلْحَاكِمِ بِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ بِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا وَوَجَدَ قَوْلًا مُعْتَمِدًا فِي أَحَدِ تِلْكَ الْمَذَاهِبِ بِذَلِكَ فَلَهُ تَقْلِيدُهُ لَكِنْ لَا يُقَلِّدُ فِي اعْتِقَادِهِ إلَّا رَجُلًا عَالِمًا ثِقَةً عُرِفَ بِالتَّقَدُّمِ فِي ذَلِكَ الْمَذْهَبِ وَيُمَيِّزُ مُعْتَمِدُهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ وَقَفْتُ عَلَى مَنْ يُنْسَبُ إلَيَّ مِنْ أَوْلَادِ أَوْلَادِي لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُ الْبَنَاتِ هَلْ هُوَ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ دُخُولُ أَوْلَادِ الْبَنِينَ دُونَ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَاقِفُ رَجُلًا أَمْ امْرَأَةً فَإِنْ قُلْتَ هُوَ فِي الْمَرْأَةِ مُشْكِلٌ بِقَوْلِهِمْ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ إنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَ الْأُمِّ وَالِابْنِ فِي النَّسَبِ قُلْتُ: يُمْكِنُ الْجَوَابَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا مُشَارَكَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنِهَا فِي الِانْتِسَابِ إلَى مَنْ تُنْسَبُ هِيَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهَا لِكَوْنِهِ ابْنَ ابْنَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُنْسَبُ إلَيْهَا لِكَوْنِهِ ابْنهَا فَدَخَلَ ابْنُهُ فِي قَوْلِهَا مَا تَقَدَّمَ بِخِلَافِ ابْنِ بِنْتِهَا فَإِنَّهُ إنَّمَا يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ لَا نِسْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّ أُمِّهِ بِخِلَافِ ابْنِ ابْنِهَا فَإِنَّهُ يُنْسَبُ إلَى أَبِيهِ وَأَبُوهُ مَنْسُوبٌ إلَى أُمِّهِ بِالْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْتُهُ وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرْتُهُ عَلِمْتَ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ مَا هُنَا وَمَا فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ وَإِنَّ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ شَيْخِنَا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِشْكَالَ السَّابِقَ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَكَرَ الِانْتِسَابَ هُنَا لِبَيَانِ الْوَاقِعِ لَا لِلْإِخْرَاجِ فَتَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِ الْبَنَاتِ أَيْضًا وَلَا يَلْزَمُ إلْغَاءُ الْوَصْفِ أَصْلًا فَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِالنِّسْبَةِ اللُّغَوِيَّةِ لَا الشَّرْعِيَّةِ وَيَكُونُ كَلَامُ الْفُقَهَاءِ مَحْمُولًا عَلَى وَقْفِ الرَّجُلِ اهـ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ وَفُلَانَةَ إلَّا عَمَلَا لَهَا حُلِيًّا فَهَلْ يَصِحُّ الْوَقْفُ وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ أَوْ لَا
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ هَذَا الْوَقْفُ بَاطِلٌ سَوَاء قَصَدَ تَعْلِيقَ صِحَّةَ الْوَقْفِ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يُعْلَم لَهُ قَصْدٌ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّ الصِّيغَةَ ظَاهِرَةٌ فِي الشَّرْطِ وَإِنْ ذَكَرَهُ بَعْد أَنْ صَدَرَ مِنْهُ الْوَقْفُ وَهُوَ قَاصِدٌ عَدَمَ تَعْلِيقِهِ عَلَى شَيْءٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ يَسْتَحِقُّ وَقْفًا كَامِلًا بِمُفْرَدِهِ وَشَرَطَ لَهُ الْوَاقِفُ النَّظَرَ بَعْدَهُ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِ يَسْتَحِقُّ الْوَقْفَ أَوْلَادُهُ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ عَصَبَاتُهُمْ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ الْفُقَرَاءُ فَخَرِبَ الْوَقْفُ (بَعْدَ مَوْتِ الْوَاقِفِ) وَلَمْ يَجِد النَّاظِرُ الْمُسْتَحِقُّ مَنْ يَسْتَأْجِرَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَخَشِيَ عَلَى أَنْقَاضِهِ الْفَوْتَ فَأَجَّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ هَلْ يَصِحّ مِنْهُ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ رَأَى الْحَظَّ وَالْمَصْلَحَة فِي ذَلِكَ وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِهِ سَوَاءٌ أَصَرَفَهَا فِي عِمَارَتِهِ أَمْ لَا لِكَوْنِهِ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حَيَاتِهِ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.
وَإِذَا قُلْتُمْ بِبُطْلَانِهَا فَهَلْ لِوَرَثَتِهِ أَوْ لِعَصَبَاتِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ الرُّجُوعُ بِالْأُجْرَةِ كُلِّهَا أَوْ بِأُجْرَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ حَالَ مَوْتِهِ وَإِذَا أَجَّرَهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَأَصْرَفَ بَعْضَهَا فِي عِمَارَتِهِ وَالْبَاقِي أَصَرَفَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِكَوْنِهِ يَسْتَحِقُّهُ فَهَلْ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بَعْدَ حَيَاتِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِعَدَمِ الِانْفِسَاخِ فَهَلْ يَسْتَحِقُّ وَارِثُهُ بَقِيَّةَ الْأُجْرَةِ مِنْ تَرِكَةِ مُوَرِّثِهِ وَالْحَالُ أَنَّ الْوَقْفَ وَالتَّرِكَةَ صَارَتْ إلَيْهِ بِمَوْتِهِ وَإِذَا قُلْتُمْ لَهُ ذَلِكَ كَيْف صُورَةُ ذَلِكَ وَهَلْ يَكُونُ حُكْمُ الْوَارِثِ وَالْأَجْنَبِيِّ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ سَوَاءً أَمْ يَفْتَرِقَانِ وَإِذَا أَصْرَفَ النَّاظِر الْمُسْتَحَقّ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ فِي صَرْفِ عِمَارَتِهِ لِيَرْجِعَ عَلَى رِيعِهِ بِذَلِكَ هَلْ يَسُوغُ مِنْهُ ذَلِكَ أَمْ لَا يَسُوغُ لِكَوْنِهِ يَسْتَحِقّ رِيعَهُ وَيَرُوحُ عَلَيْهِ مَجَّانًا فَإِذَا قُلْتُمْ يَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ كَيْفَ يُحَاسِبُ بِشَيْءٍ يَسْتَحِقُّهُ وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَيْنَا ذَلِكَ أَوْضِحُوهُ لَنَا وُضُوحًا شَافِيًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يَصِحُّ لِلنَّاظِرِ الْمُسْتَحِقِّ وَحْدَهُ أَنْ يُؤَجِّرَ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَكِنَّهُ إذَا مَاتَ تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يَنْتَقِلُ لِمَنْ بَعْدَهُ وَهُوَ لَمْ يَرْضَ حَالَ اسْتِحْقَاقِهِ بِإِيجَارِهِ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ أَجَّرَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ وَإِنْ مَاتَ مُعْسِرًا وَضَيَّعَ الْأُجْرَةَ جَمِيعَهَا لَكِنَّهَا أَعْنِي مَا يَخُصّ مَا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ يَصِيرُ لِلطَّبَقَةِ الَّذِينَ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانُوا أَوْلَادَهُ دَيْنًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَتَلَقَّوْنَ مِنْهُ بَلْ مِنْ الْوَاقِفِ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ آخَرُ قُسِّمَتْ تَرِكَتُهُ بَيْن الْكُلِّ بِالْحِصَّةِ وَحَيْثُ قُدِّمَ اسْتِحْقَاقُ النَّاظِرِ عَلَى الْعِمَارَةِ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ ذَلِكَ فَأَصْرَفَ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ عَلَيْهَا بِإِذْنِ الْحَاكِمِ لِيَرْجِعَ رَجَعَ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا يَرْجِعُ إنْ صَرَفَ مِنْ مَالِهِ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ وَفَائِدَةُ الرُّجُوعِ مَعَ أَنَّهُ الْمُسْتَحِقُّ وَحْدَهُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ صَارَ مَا أَصَرَفَهُ دَيْنًا لِوَرَثَتِهِ عَلَى الْوَقْفِ وَكَذَا لَوْ فُرِضَ بُطْلَانُ اسْتِحْقَاقِهِ فِي حَيَاتِهِ فَيَصِيرُ مَا أَصَرَفَهُ دَيْنًا لَهُ عَلَى الْوَقْف فَعُلِمَ أَنَّ كَوْنَهُ الْمُسْتَحِقّ لَا يُنَافِي أَنَّهُ يَثْبُت لَهُ دَيْنٌ عَلَى الْوَقْفِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ وَقَفَ وَقْفًا عَلَى أَوْلَادٍ ذُكُورٍ خَمْسَةٍ قَاسِم الرَّجُلِ الرَّشِيدِ وَأَحْمَدَ الرَّجُلِ الرَّشِيدِ أَيْضًا حَسْبَمَا اعْتَرَفَ بِذَلِكَ وَالِدُهُمَا الْوَاقِفُ الْمَذْكُورُ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ وَإِبْرَاهِيمَ الْمُرَاهِقِ وَحَسَنٍ الْمُمَيِّزِ وَحُسَيْنٍ السُّدَاسِيِّ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ وَعَقِبِهِمْ لِلذَّكَرِ مِنْهُمْ سَهْمَانِ وَلِلْأُنْثَى سَهْمٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ أَوْ وَلَدِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لَهُ وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا وَلَدِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ وَذَوِي طَبَقَتِهِ تَحْجُبُ أَبَدًا الطَّبَقَةُ الْعُلْيَا السُّفْلَى {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] فَإِذَا انْقَرَضُوا بِأَسْرِهِمْ وَأَبَادَهُمْ الْمَوْتُ عَنْ آخِرِهِمْ كَانَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ الْقَاطِنِينَ بِمَكَّةَ وَالْوَارِدِينَ إلَيْهَا وَجَعَلَ الْوَاقِف الْمَذْكُور النَّظَرَ فِي ذَلِكَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَمَاتَ الْوَاقِفُ الْمَذْكُورُ ثَمَّ مَاتَ قَاسِمٌ وَتَرَكَ وَلَدًا يُدْعَى جَسَّارًا ثُمَّ مَاتَ جَسَّارٌ الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَعْقُب وَمَاتَ أَحْمَدُ وَحُسَيْنٌ وَلَمْ يَعْقُبَا وَالْمَوْجُودُ الْآن مِنْ ذُرِّيَّةِ الْوَاقِفِ ذَكَرَانِ أَخَوَانِ شَقِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُدْعَى مُبَارَكًا وَالْآخَرُ يُدْعَى عَلِيًّا مِنْ ذُرِّيَّةِ إبْرَاهِيمَ ابْن الْوَاقِفِ أَحَدِ الْأُخُوَّةِ الْخَمْسَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ وَبِنْتٌ تُدْعَى شُمَيْسَةَ يَتَّصِلُ نَسَبُهَا بِحَسَنٍ وَلَدِ الْوَاقِفِ فَمَا يَسْتَحِقُّ الْأَخَوَانِ وَمَا تَسْتَحِقُّ شُمَيْسَةُ مِنْ الْوَقْفِ الْمَذْكُورِ هَلْ يَكُونُ بَيْنهمْ أَثْلَاثًا النِّصْف لِلْبِنْتِ وَالنِّصْفُ لِلْأَخَوَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَوْ الْخُمْسُ لِلْبِنْتِ أَمْ
كَيْفَ الْحَالُ وَمُبَارَكٌ وَعَلِيٌّ الْأَخَوَانِ الْمَذْكُورَانِ هُمَا وَلَدَا إبْرَاهِيمَ بْن إبْرَاهِيمَ بْن عَلِيٍّ الَّذِي هُوَ الْوَاقِفُ وَشُمَيْسَةُ الْمَذْكُورَةُ هِيَ بِنْتُ إبْرَاهِيمَ بْن مُحَمَّد بْن عِيسَى بْن حَسَن بْن عَلِيٍّ الْوَاقِفِ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَمَّا شُمَيْسَةُ فَلَهَا الْخُمْسُ بِيَقِينٍ عَلَى كُلّ تَقْدِير وَأَمَّا الْأَخَوَانِ الْمَذْكُورَانِ عَلِيٌّ وَمُبَارَكٌ فَلَهُمَا الْخُمْسُ كَذَلِكَ وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ الْبَاقِيَةُ فَيَحْتَاجُ الْكَلَامُ فِيهَا إلَى مَعْرِفَةِ مَنْ كَانَ مَوْجُودًا عِنْد مَوْت جَسَّارٍ وَأَحْمَدَ وَحُسَيْنٍ مِنْ أَوْلَادِ الْوَاقِفِ أَوْ مِمَّنْ بَعْدهمْ لِاخْتِلَافِ الْحُكْمُ بِذَلِكَ فَإِنَّ جَدّ شُمَيْسَة إنْ تَأَخَّرَ مَوْته عَنْ جَسَّار وَأَحْمَد وَحُسَيْن وَإِبْرَاهِيمَ كَانَتْ تِلْكَ الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ لَهَا وَحْدَهَا وَإِنْ كَانَ الْمُتَأَخِّر مَوْته هُوَ جَدّ الْوَلَدَيْنِ كَانَتْ تِلْكَ الثَّلَاثَةُ لَهُمَا وَحْدَهُمَا وَإِنْ تَأَخَّرَ مَوْتٌ الْجَدَّيْنِ عَنْ مَوْتِ أُولَئِكَ الثَّلَاثَةِ كَانَتْ تِلْكَ الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ بَيْنهمَا وَانْتَقَلَتْ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمَا شُمَيْسَةَ وَالْأَخَوَيْنِ كَذَلِكَ فَإِنْ عُرْف ذَلِكَ فَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَف فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ تُوقَفُ الْأَخْمَاسُ الثَّلَاثَةُ بَيْن شُمَيْسَةَ وَالْأَخَوَيْنِ إلَى أَنْ يُعْرَفَ ذَلِكَ أَوْ يَصْطَلِحُوا فِيهِ عَلَى شَيْءٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ بِالسَّوِيَّةِ شُرِطَ فِيهِ لِقَارِئٍ بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ وَلِجِهَةِ صَدَقَاتٍ بِمَبْلَغٍ مَعْلُومٍ مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ فِيهِمْ فَهَلْ يُقَدَّمُ مِنْ رَيْعِهِ بَعْدَ عِمَارَتِهِ أَحَدٌ إذَا لَمْ يَفِ رَيْعُهُ بِهِمْ أَجْمَعِينَ أَمْ يُوَزَّعُ بَيْنهمْ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْحُقُوقُ عَلَى قَدْرِ اسْتِحْقَاقِهِمْ وَإِذَا قُلْتُمْ بِالتَّوْزِيعِ وَكَانَ رَيْعُهُ فِي سَنَةٍ أَرْبَعِينَ أَشْرَفِيًّا وَكَانَ لِلْقَارِئِ عَشْرَةٌ أَشْرَفِيَّةٌ وَلِجِهَاتِ الْبِرِّ خَمْسَ عَشَرَ أَشْرَفِيًّا مَثَلًا مَا يَأْخُذُ الْقَارِئُ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِ وَأَصْحَابُ الْبِرِّ مِنْ اسْتِحْقَاقِهِمْ إذَا كَانَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنهمْ وَمَاذَا يَأْخُذُهُ الْجَمَاعَةُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ بَيْنهمْ بِالسَّوِيَّةِ.
وَمَا الْحُكْمُ بَيْنهمْ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يَفِ رَيْعُهُ بِهِمْ فَهَلْ يُعْطِي الْقَارِئُ كَمَلًا أَوَّلًا ثُمَّ جِهَاتُ الْبِرِّ كَمَلًا إنْ كَانَ أَوْ مَا فَضَلَ وَالْبَاقِي لِجَمَاعَةِ الْوَقْفِ إنْ كَانَ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَإِذَا سَكَنَ بَعْضُ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ أَوْ مَنْ لَهُ اسْتِحْقَاقٌ فِيهِ بِإِجَارَةٍ مِنْ النَّاظِرِ هَلْ لَهُ أَنْ يُقَاصِصَ بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الرِّيعِ وَيَسْقُط عَنْهُ وَيَدْفَع الْبَاقِي لِلْمُسْتَحِقِّينَ أَمْ لَا وَإِذَا أَرَادَ الْبَعْضُ السُّكْنَى بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَأَبَى الْبَعْضُ وَأَرَادُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ وَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ هَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ يُؤَجِّرَ أَجْنَبِيًّا أَوْ يُغْلِقَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ يَصْطَلِحُوا وَهَلْ يَتَوَقَّفُ إغْلَاقُ الْبَابِ عِنْد التَّنَازُعِ عَلَى إذْنِ الْحَاكِمِ مَعَ وُجُودِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَمْ لَا.
وَإِذَا سَكَنَ الْبَعْضُ تَعَدِّيًا مِنْ غَيْرِ إجَارَةٍ مِنْ نَاظِرِهِ هَلْ لَهُ إخْرَاجُهُمْ وَيُطَالِبُهُمْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ أَمْ لَا وَإِذَا غَابَ النَّاظِرُ الْخَاصُّ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَلَمْ يُوَكِّل وَكِيلًا أَوْ امْتَنَعَ مِنْ الْإِجَارَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ هَلْ يَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ وَإِذَا كَانَ لِلْوَقْفِ نَاظِرَانِ وَأَرَادَ أَحَدُهُمَا اسْتِئْجَارَ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ هَلْ لِلنَّاظِرِ الثَّانِي أَنْ يُؤَجِّرَهُ أَوْ الْحَاكِمِ الشَّرْعِيّ وَإِذَا لَمْ يَحْصُل فِي الْوَقْفِ أُجْرَةَ الْمِثْلِ فِي بَعْضِ السِّنِينَ فَهَلْ لِلنَّاظِرِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ رَضِيَ أَرْبَابُ الْحُقُوقِ أَمْ لَا وَهَلْ تَنْفَسِخُ إجَارَتُهُ بِذَلِكَ أَمْ لَا تَنْفَسِخ إذَا رَأَى الْحَظَّ فِي ذَلِكَ لِلْوَقْفِ خُصُوصًا لِإِجْلِ عِمَارَته وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ إنَّ هَذَا حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ لِلْعِمَارَةِ.
وَإِذَا خَرِبَ بَعْضُ الْوَقْفِ وَعَمَّرَهُ النَّاظِرُ مِنْ رَيْعِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ هَلْ يُرْجَعُ إذَا اقْتَرَضَهُ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ شَرْعِيٍّ وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيمَا أَصَرَفَهُ وَعَمَّرَ بِهِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا أَوْ لَا بُدَّ مِنْ بَيِّنَةٍ شَرْعِيَّةٍ تَشْهَدُ بِذَلِكَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ التَّفْصِيلُ بِمَا أَصَرَفَهُ فِي ثَمَنِ نَوْرَةٍ وَأَحْجَارٍ وَأُجْرَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ أَمْ يَكْفِي قَوْلُ الشَّاهِدِ إنَّهُ أَصْرَفَ كَذَا وَكَذَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ وَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُ النَّاظِرِ أَنَّ الْوَقْفَ خَرَابٌ أَمْ لَا بُدّ مِنْ الْبَيِّنَةِ أَوْضِحُوا لَنَا ذَلِكَ مُرَتَّبًا مُفَصَّلًا أَثَابَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْجَنَّةَ
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُقَدَّمُ أَحَدٌ مِنْ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ إذَا كَانَ بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَهُمْ بَعْدَ الْعِمَارَةِ بَلْ يُوَزَّعُ عَلَيْهِمْ بِحَسَبِ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَلَوْ كَانَ الرِّيعُ خَمْسَةً وَالْمَشْرُوطُ لِوَاحِدٍ عَشَرَةً وَلِآخَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ قُسِّمَتْ الْخَمْسَةُ بَيْنهمَا أَخْمَاسًا فَيَأْخُذُ ذُو الْعَشَرَةِ اثْنَيْنِ وَذُو الْخَمْسَةِ ثَلَاثَةً وَأَمَّا مِثَال السَّائِلِ فَلَا تَوْزِيعَ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا فُرِضَ أَنَّ الرِّيعَ أَرْبَعُونَ وَأَنَّ لِوَاحِدٍ عَشَرَةٌ
وَلِآخَرَ خَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ الرَّيْعُ أَكْثَرَ مِنْ مَجْمُوعِ حَقَّيْهِمَا فَيَأْخُذَانِ حَقَّيْهِمَا وَيُفْعَلُ فِي الْفَاضِلِ مَا شَرَطَ الْوَاقِفُ فِيهِ وَإِلَّا أَرْصَدَهُ لِنَحْوِ عِمَارَةِ الْوَقْفِ فَإِنْ كَانَ وَقْفَ تَرْتِيبٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ الْمُؤَخَّرُ شَيْئًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمُقَدَّمُ جَمِيعَ مَا شَرَطَهُ لَهُ وَلَا تَقَاصَّ فِي مَسْأَلَةِ السُّكْنَى الْمَذْكُورَةِ لِفَقْدِ شَرْطِهِ فَيَدْفَعُ جَمِيعَ الْأُجْرَةِ لِلنَّاظِرِ ثُمَّ يُفَرِّقُهَا النَّاظِرُ فِي مَصَارِفِهَا وَيَتَخَيَّرُ النَّاظِرُ بَيْن إيجَارِ بَعْضِهِمْ وَغَيْرِهِمْ وَلَا يُجَابُ طَالِبٌ خِلَافَ ذَلِكَ مِنْ غَلْقٍ وَغَيْرِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ إجَابَةُ طَالِب الْغَلْقِ وَمَنْ سَكَنَ مِنْهُمْ تَعَدِّيًا أَخْرَجَهُ النَّاظِرُ قَهْرًا عَلَيْهِ وَأَخَذَ مِنْهُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ لِلْمُدَّةِ الَّتِي سَكَنَهَا أَوْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى الْوَقْفِ فِيهَا وَيَقُومُ الْحَاكِمُ مَقَامَ النَّاظِرِ لِنَحْوِ غَيْبَةٍ أَوْ امْتِنَاعِهِ وَإِذَا شَرَطَ اجْتِمَاعَ النَّاظِرِينَ عَلَى تَصَرُّفٍ لَمْ يُؤَجِّرْ أَحَدَهُمَا الْآخَر وَإِلَّا جَازَ لَهُ إيجَارُهُ وَلَهُ الْإِجَارَةُ بِدُونِ أُجْرَةِ الْمِثْلِ بِرِضَا الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنِ أَوْ لِضَرُورَةِ الْعِمَارَةِ وَنَحْوِهَا أَخْذًا مِمَّا قَالُوهُ فِي وَلِيّ الْيَتِيمِ وَلَا يَكْتَفِي بِقَوْلِهِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ تِلْكَ الضَّرُورَةِ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الْقَدْرِ الْمُحْتَمَلِ الَّذِي صَرَفَهُ فِي نَحْو الْعِمَارَةِ وَلِلْحَاكِمِ تَحْلِيفَهُ إنْ اتَّهَمَهُ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ
(وَسُئِلَ) عَنْ مَوْضِعٍ فِي مَدْرَسَةٍ لِلْفُقَرَاءِ فَانْهَدَمَتْ وَتَعَطَّلَتْ وَخِيفَ عَلَى أَحْجَارِهَا وَأَخْشَابهَا مِمَّنْ يَأْخُذُهَا فَهَلْ لِرَجُلٍ أَنْ يَنْقُلَهَا إلَى مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنْهَا وَيَبْنِيهَا مَدْرَسَةً حَيْثُ لَمْ تَكُنْ مَوْقُوفَةً أَمْ لَا يَحِلُّ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَجُوزُ النَّقْلُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ وَظِيفَةِ تَدْرِيسٍ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِيهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ السُّبْكِيّ فِي طَبَقَاتِهِ عَنْ ابْنِ رَزِينٍ امْتِنَاعَ ذَلِكَ وَكَأَنَّ مَلْحَظَهُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَعْهُودِ أَوْ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الِاشْتِرَاكِ نَقْصُ انْتِفَاعِ الطَّلَبَةِ بِمُغَايَرَةِ مَا يُلْقَى إلَيْهِمْ مِنْ تَقْرِير كُلّ وَأُسْلُوبِهِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَقَفَ قِطْعَةَ أَرْضٍ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى وَلِيٍّ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَعْلَمُ هَلْ مُرَادُهُ يَقْرَأُ عِنْد قَبْرِهِ أَوْ يَقْرَأُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ وَيَدْعُو اللَّهَ أَنْ يُوصِلَ ثَوَابَ قِرَاءَتِهِ إلَيْهِ مَا الْحُكْمُ وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الصُّورَةَ الثَّانِيَةَ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ حَيْثُ عُلِمَ أَنَّهُ قَالَ وَقَفْت هَذَا عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى فُلَانٍ لَمْ تَجِب الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَلَا يَبْحَثُ عَنْ مُرَادِ الْوَاقِفِ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ عَلَى خُصُوصِ الْأَرْضِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الصُّورَةُ الَّتِي تَلَفَّظَ بِهَا الْوَاقِفُ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ أَيْضًا لِأَنَّ الْأَصْلَ إجْزَاؤُهَا عَلَى الْقَبْرِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَعْلَمَ تَخْصِيصَ الْوَاقِفِ لَهَا بِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ وَلَمْ يَعْلَم ذَلِكَ فَعَمِلْنَا بِالْأَصْلِ نَعَمْ إنْ أَطَّرَدَتْ عَادَةُ بَلَد الْوَاقِف حِين الْوَقْفِ بِأَنَّ مُرَادَهُمْ الْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى الْقَبْرِ دُون غَيْرِهِ فَتَتَعَيَّنُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَعَيَّنُ الْقَبْرُ فَالْأَحْوَطُ وَالْوَرَع أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ مُبَرِّئَةٌ لِلذِّمَّةِ بِيَقِينٍ، وَاَللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ وَقَفَ مَحَلًّا عَلَى قُرَّاءٍ ثَلَاثَةٍ مِنْ طَائِفَةٍ مَعْلُومَةٍ ثُمَّ مِنْ بَعْدِهِمْ عَلَى غَيْرِهِمْ كَهُمْ ثَلَاثَةٌ بَعْدَ ثَلَاثَةٍ إلَى مَا لَا يَنْتَهِي وَقْفًا صَحِيحًا شَرْعِيًّا ثُمَّ شَرَطَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ رَيْعِ وَقْفِهِ بَعْدَ الْمَصَارِيفِ الْبَاقِي لِلْقُرَّاءِ الْمَذْكُورِينَ وَشَرَطَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ قِرَاءَتِهِمْ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مَثَلًا مَا تَيَسَّرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْعَزِيزِ وَأَنْ يُهْدُوا مِثْلَ ثَوَابِ ذَلِكَ فِي صَحَائِفِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ فِي صَحَائِفِ الْوَاقِفِ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا وَفِي صَحَائِفِ وَالِدَيْهِ وَالْمُسْلِمِينَ فَهَلْ هَذَا الْوَقْفُ صَحِيحٌ بِشُرُوطِهِ الْمَذْكُورَةِ وَإِذَا قُلْتُمْ بِصِحَّتِهِ فَهَلْ مَا تَأْخُذهُ الْقُرَّاءُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِرَاءَةِ صَحِيحٌ وَيَكُونُ كَالْأُجْرَةِ إذَا أَتَوْا بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَى وَجْهِهِ وَإِذَا أَخَلَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَسَفَرٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَلَمْ يَسْتَنِبْ عَنْهُ فِيهِمَا هَلْ يَسْقُط مِنْ حَقِّهِ بِقَدْرِ مَا أَخَلَّ بِهِ مِنْ الْأَيَّامِ مَثَلًا وَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَنِيب إذَا لَمْ يَشْرِط لَهُ الْوَاقِفُ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا لَا فَهَلْ يُقَرِّرُ النَّاظِرُ غَيْرَهُ وَيَسْقُطُ حَقَّهُ مِنْ الرِّيعِ فِي حَالَةِ الْعُذْرِ وَبَعْد زَوَالِهِ أَمْ يَسْتَنِيبَ عَنْهُ النَّاظِرُ إلَى أَنْ يَزُولَ الْعُذْرُ وَيُعْطَى لَهُ بِقَدْرِ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْعَمَلِ أَمْ تَسْتَمِرُّ الْقِرَاءَةُ شَاغِرَةً إلَى حِين زَوَالِ الْعُذْرِ وَيَعْمَلُ وَيَأْخُذُ مَا كَانَ يَسْتَحِقُّهُ حَالَةَ الْعُذْرِ وَهَذَا الْأَخِيرُ كَمَا لَا يَخْفَى عَنْ عِلْمِكُمْ الْكَرِيمِ مُسْتَحِيلٌ لِأَنَّ
الِاسْتِحْقَاقَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ وَلَا عَمَل وَمَا قَدْرُ مَا يَلْزَمُ الْقَارِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ أَنْ يَقْرَأَ مَا تَيَسَّرَ هَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِثَلَاثِ آيَاتٍ وَهُوَ أَقَلُّ الْجَمْعِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ يَتَّبِعُ عُرْفَ بَلَدِ الْوَاقِفِ وَهَلْ يَصِلُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ إلَى الْوَاقِفِ فِي حَالِ حَيَاتِهِ كَمَا شَرَطَ وَإِذَا قُلْتُمْ لَا فَإِذَا شَرَطَ أَنْ يُهْدَى لَهُ عَقِب الْقِرَاءَةِ فِي الدُّعَاءِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَلِوَالِدِيهِ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُعَيِّنْ قَبْرًا وَلَا غَيْرَهُ.
هَلْ يَصِحُّ ذَلِكَ وَيُهْدَى لَهُمْ حَيْثُمَا كَانُوا سَوَاءٌ أَعَرِف قُبُورَهُمْ أَمْ لَا وَإِذَا شَرَطَ الْقِرَاءَةَ عَلَى قَبْرِهِ وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَبْرٌ هَلْ يَصِحّ ذَلِكَ أَمْ لَا وَيَبْطُلُ وَقْفُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ تَبَعًا لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِذَا شَرَطَ أَنْ يُهْدَى مِثْل ثَوَاب ذَلِكَ إلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَالْمُسْلِمِينَ حَيْثُمَا كَانُوا هَلْ يَصِحّ ذَلِكَ وَيَصِلُ إلَى جَمِيعِهِمْ وَمَا صِيغَةُ الْإِهْدَاءِ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِلْوَاقِفِ وَغَيْرِهِ وَهَلْ يَقُولُ ثَوَابُ الْقِرَاءَةِ أَوْ مِثْلهَا أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ أَثَابَكُمْ اللَّهُ الْجَنَّةَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْوَقْفُ صَحِيحٌ بِشُرُوطِهِ وَمَعْنَى إهْدَائِهِ مِثْل ثَوَابِ ذَلِكَ فِي صَحَائِفِ الْوَاقِفِ الْحَيِّ الدُّعَاء لَهُ بِأَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ مِثْلَ ثَوَابِ قِرَاءَتِهِمْ لَهُ وَهَذَا غَرَضٌ صَحِيحٌ لِرَجَاءِ قَبُولِ مِثْلِ ذَلِكَ وَوُصُوله لَهُ إذْ هُوَ لِلْغَيْرِ مَقْبُولٌ حَيًّا كَانَ أَوْ مَيِّتًا وَمِنْ ثَمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ فِي الْعُمْرَةِ «لَا تَنْسَانَا مِنْ دُعَائِك» ثُمَّ رَأَيْت شَيْخنَا زَكَرِيَّا سَقَى اللَّهُ تَعَالَى عَهْدَهُ يُفْتِي بِنَحْوِ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ سُئِلَ عَنْ إجَارَةِ مَنْ يَقْرَأُ لِحَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِنَحْوِ وَصِيَّةٍ أَوْ نَذْرِ خَتْمَةً هَلْ يَصِحّ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ زَمَنٍ وَمَكَانٍ وَهَلْ يَصِحّ الْإِجَارَةُ لِلْقِرَاءَةِ وَإِذَا فَرَغَ الْقَارِئُ مِنْ الْقِرَاءَةِ فَمَا صُورَةُ مَا يَدْعُو بِهِ وَهَلْ يُهْدِيه أَوَّلًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَهُ أَوْ يَعْكِس فَأَجَابَ بِمَا حَاصِلُهُ تَصِحّ لِقِرَاءَةِ خَتْمَةٍ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِزَمَنٍ وَلِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ بِتَقْدِيرِ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَعَيَّنَ مَكَانًا أَوْ لَا وَقَدْ أَفْتَى الْقَاضِي بِصِحَّتِهَا بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ مُدَّةً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْوَجْهُ تَنْزِيلُهُ عَلَى مَا يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ إمَّا بِالدُّعَاءِ لَهُ عَقِبَهَا إذْ هُوَ حِينَئِذٍ أَقْرَبُ إجَابَةً وَأَكْثَرُ بَرَكَةً وَإِمَّا بِجَعْلِ مَا حَصَلَ مِنْ الْأَجْرِ لَهُ وَاخْتَارَ النَّوَوِيُّ صِحَّتَهَا مُطْلَقًا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي لِأَنَّ مَحَلَّهَا مَحَلُّ بَرَكَةٍ وَتَنْزِيلُ الرَّحْمَةِ وَهَذَا مَقْصُودٌ يَنْفَعُ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُ وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْن الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ وَغَيْرِهِ وَلَهُ الدُّعَاءُ بِثَوَابِ ذَلِكَ وَمِثْلِهِ إذْ الْمَعْنَى عَلَيْهِ وَلَهُ أَنْ يَهْدِيَهُ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ثُمَّ لِلْمُسْتَأْجِرِ لَهُ بَلْ هُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ التَّبَرُّكِ بِتَقْدِيمِ مَنْ يَطْلُبُ بَرَكَتَهُ وَهُوَ أَحَبُّ لِلْمُسْتَأْجِرِ غَالِبًا فَالْأُجْرَةُ الْمَأْخُوذَةُ فِي مُقَابِلِ ذَلِكَ حَلَال لِمَا قُلْنَا وَلِعُمُومِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ» اهـ.
عَلَى أَنَّ بُطْلَانَ جُمْلَة مِنْ كَلَامِ الْوَاقِفِ لَا يَقْتَضِي بُطْلَانَ الْوَقْفِ كَنَظِيرِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت دَارِي هَذِهِ عَلَى مَسْجِدِ كَذَا وَلِأَمِّي السُّكْنَى بِهَا فَفِي فَتَاوَى الْعِمَادِ بْنِ يُونُسَ احْتِمَالُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا صِحَّةُ الْوَقْفِ وَإِلْغَاءُ الشَّرْطِ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْك أَلْفٌ تَطْلُقُ، وَيَلْغُو الْإِلْزَامَ وَالثَّانِي بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ شَرَطَ اسْتِيفَاءَ مَنْفَعَةٍ مُدَّةً مَجْهُولَةً وَهِيَ حَيَاتُهَا اهـ وَالْأَوْجُه الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا فِيهِ نَصَّا بَلْ هُوَ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَبْطُلُ بِهِ الْوَقْفُ الْمُحَقَّقُ ثُمَّ رَأَيْت ابْنَ الصَّلَاحِ صَرَّحَ بِمَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ تَرَدَّدْنَا فِي اشْتِرَاطِ شَيْءٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ الِاسْتِحْقَاقِ كَمَا لَوْ قَالَ وَقَفْت لِتَفْعَلُوا كَذَا وَتَفْعَلُوا كَذَا فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْن كَوْنِهِ تَوْصِيَةً وَاشْتِرَاطًا وَالِاحْتِيَاطُ أَوْلَى وَمَا يَأْخُذُهُ الْقُرَّاءُ مِنْ رَيْعِ الْوَقْفِ فِي مُقَابَلَةِ الْقِرَاءَةِ سَائِغ بَلْ هُوَ مِنْ أَطْيَبِ وُجُوهِ الْكَسْبِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ خَبَرُ الْبُخَارِيِّ السَّابِقِ وَهُوَ كَالْأُجْرَةِ أَوْ الْجَعَالَةِ فَيَتَوَقَّفُ اسْتِحْقَاقُهُمْ عَلَى إتْيَانِهِمْ بِالْعَمَلِ الْمَشْرُوطِ عَلَى وَجْهِهِ وَمَنْ أَخَلَّ مِنْهُمْ بِهِ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي سَقَطَ مِنْ مَعْلُومِهِ مَا يُقَابِلُ ذَلِكَ وَإِنْ أَطَرَدَتْ الْعَادَةُ بِالتَّرْكِ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ الَّذِي أَخَلَّ بِهِ فَفِي فَتَاوَى ابْنِ الصَّلَاحِ لَوْ وَقَفَ عَلَى مُقْرِئٍ يَقْرَأَ لِلنَّاسِ بِمَوْضِعِ كَذَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَجَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ بِتَرْكِ الْإِقْرَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ لَهُ تَرْكُ الْإِقْرَاءِ فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ يَوْمٍ صَرِيحٍ فِي الْعُمُومِ فَلَا يُتْرَكُ بِعُرْفٍ خَاصٍّ فَكَذَا قَوْلُهُ هُنَا كُلُّ لَيْلَةٍ صَرِيح فِي ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي بِعُرْفٍ خَاصٍّ وَفِي فَتَاوِيهِ أَيْضًا لَوْ شَرَطَ قِرَاءَةَ جُزْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَتَرَكَهُ أَيَّامًا ثُمَّ قَضَاهُ هَلْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَهَلْ يَسْتَحِقُّونَ
فِي أَشْهُرِ الْبَطَالَةِ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ أَجَابَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ نَلْحَظُ شُرُوطَ الْوَاقِفِ فَمَا كَانَ فِيهِ إخْلَالٌ بِمَا شَرَطَهُ مَنَعَ الِاسْتِحْقَاقِ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إخْلَالٌ بِهِ لَمْ يَمْنَعهُ إلَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعُرْفُ وَتَنْزِلُ الْعَادَةُ مَنْزِلَةَ الشَّرْطِ وَالْمُعْتَبَرُ الْعُرْفُ الْمُقَارِنُ لِلْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَاقِفُ مِنْ أَهْلِهِ بِقَوْلِهِ وَأَمَّا مَنْ أَخَلَّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُون بَعْضٍ فَيَنْظُرُ فِي كَيْفِيَّةِ اشْتِرَاطِهِ فَإِنْ اقْتَضَى اشْتِرَاطُ الزَّمَنِ الَّذِي تُرِك فِيهِ سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ فِيهِ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ كَإِخْلَالِ الْمُتَفَقِّهَةِ بِالِاشْتِغَالِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ حَيْثُ لَا نَصَّ لِلْوَاقِفِ عَلَى وُجُودِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَكَذَلِكَ تَرْك الدُّرُوسِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَخْرُجهُ عَنْ الْمُعْتَادِ وَمِنْ الْقَبِيلِ الْأَوَّلِ اشْتِرَاطُ جُزْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ كُلَّ يَوْمٍ فَأَيُّ يَوْم تَرَكَهُ فِيهِ سَقَطَ اسْتِحْقَاقُهُ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ ثُمَّ قَالَ وَأَمَّا الْبَطَالَةُ فِي الْأَشْهُرِ الثَّلَاثَةِ فَالْوَاقِعُ مِنْهَا فِي رَمَضَانَ وَنِصْفِ شَعْبَانَ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ حَيْثُ لَا نَصَّ لِلْوَاقِفِ عَلَى الِاشْتِغَالِ فِيهِمَا وَالْوَاقِعُ قَبْلَهُمَا يُمْنَعُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ عُرْفٌ مُسْتَمِرٌّ وَلَا وُجُودَ لَهُ فِي أَكْثَرِ التَّأْثِيرِ مَنْزِلَةَ الْعُرْفِ الْعَامِّ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتْرُكُ وَلَا يَخْفَى وَجْهُ الِاحْتِيَاطِ اهـ.
وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْإِخْلَالَ بِالشَّرْطِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ يَسْقُطُ اسْتِحْقَاقُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَطْ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ خَالَفَهُ فِيهِ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْن عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ حَيْثُ قَالَ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَوْ مَنْ يَشْتَغِلَ بِالْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَدْرَسَةِ أَوْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَذَا فِي هَذِهِ التُّرْبَةِ فَأَخَلَّ الْأَمَامُ وَالْمُشْتَغِلُ وَالْقَارِئُ بِهَذِهِ الْوَظَائِفِ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا مِنْ الْغَلَّةِ فِي مُقَابَلَةِ الْأَيَّامِ الَّتِي أَدَّى فِيهَا الْوَظِيفَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ خَمْسَةِ أَثْوَابٍ فَخَاطَ بَعْضَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ حِصَّتَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّا نَتَّبِعُ فِي الْأَعْوَاضِ وَالْعُقُودِ الْمَعَانِي وَفِي الشُّرُوطِ وَالْوَصَايَا الْأَلْفَاظ وَالْوَقْفُ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ لَا الْمُعَاوَضَاتِ فَمَنْ أَخَلَّ بِشَيْءٍ مِنْ الشُّرُوطِ لَمْ يَسْتَحِقّ شَيْئًا لِانْتِفَاءِ شَرْطِ الِاسْتِحْقَاقِ اهـ.
وَاعْتَرَضَهُ جَمْعٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْمُتَأَخِّرِينَ بَلْ غَلَّطَهُ الزَّرْكَشِيُّ كَمَا يَأْتِي وَقَالَ السُّبْكِيّ مَا قَالَهُ فِي غَايَةِ التَّضْيِيق وَيُؤَدِّي إلَى مَحْذُورٍ فَإِنَّ أَحَدًا لَا يُمْكِنهُ أَنْ لَا يُخِلَّ بِيَوْمٍ وَلَا بِصَلَاةٍ إلَّا نَادِرًا وَلَا يَقْصِدُ الْوَاقِفُونَ ذَلِكَ اهـ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ ابْنَ عَبْدِ السَّلَامِ قَائِلٌ بِمَنْعِ الِاسْتِنَابَةِ مُطْلَقًا كَمَا يَأْتِي وَبِهِ يَزِيدُ التَّضْيِيقِ وَيَقْوَى الْمَحْذُورُ الْمَذْكُورُ وَقَالَ شَيْخُنَا زَكَرِيَّا مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ اخْتِيَارٌ لَهُ يَلِيقُ بِالْمُتَوَرَّعِينَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ أَقَوْمُ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَا فَرَّقَ بِهِ بَيْن الْإِجَارَةِ وَالْوَقْفِ لَا يَنْهَضُ عِنْد التَّأَمُّلِ بَلْ الْوَقْفُ إذَا كَانَ أَرْصَادًا وَأَرْزَاقًا أَوْسَعُ مِنْ الْمُعَاوَضَاتِ لِأَنَّهُ يَتَسَامَحُ فِيمَا فِيهِ شَائِبَةُ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ مَا لَا يَتَسَامَحُ بِهِ فِيمَا هُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى اسْتِقْصَاء الْمُتَعَاوَضِينَ لِغَرَضَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ مُسَامَحَةِ صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ مِنْهُ مَا أَمْكَنَهُ فَإِذَا كَانَ الْإِخْلَالُ بِمَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِجَارَةِ لَا يَمْنَعُ اسْتِحْقَاقَهُ أُجْرَةَ مَا عَمِلَهُ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ ذَلِكَ فِي الْوَقْفِ ثُمَّ رَأَيْت السُّبْكِيّ صَرَّحَ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْجَامِكِيَّةَ عَلَى الْإِمَامَةِ وَالطَّلَبِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّ شَيْئًا إذَا أَخَلَّ بِبَعْضِ الصَّلَوَاتِ أَوْ الْإِمَامَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ الْمَبْنِيّ عَلَى الْإِحْسَانِ وَالْمُسَامَحَةِ بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ فَإِنَّهَا مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ وَلِهَذَا يَمْتَنِعُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْقَضَاءِ وَيَجُوزُ أَرْزَاقه مِنْ بَيْن الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَى هَذَا لِأَنَّهُ فِعْلُ الْعِبَادَةِ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ وَهُوَ يَمْنَع مِنْ مَشْرُوعِيَّتِهَا اهـ.
فَتَأَمَّلْ فَرْقَهُ بَيْن الْأَرْصَادِ وَالْأَرْزَاقِ وَبَيْن مِمَّا يَحْتَاجُ لِتَأَمُّلِ فَإِنْ قُلْت يُؤَيِّدُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي التِّبْيَانِ مَا حَاصِلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْبَسْمَلَةِ أَوَّلَ كُلِّ سُورَةٍ سِوَى بَرَاءَةٍ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَالُوا إنَّهَا آيَةٌ مِنْ غَيْرِ بَرَاءَةٍ فَإِذَا قَرَأَهَا تَيَقَّنَ قِرَاءَةَ الْخَتْمَةِ أَوْ السُّورَةِ وَإِلَّا كَانَ تَارِكًا لِبَعْضِ الْقُرْآنِ عِنْد الْأَكْثَرِينَ فَإِنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ فِي وَظِيفَةٍ عَلَيْهَا جُعْل كَالْأَسْبَاعِ وَالْأَجْزَاءِ الَّتِي عَلَيْهَا أَوْقَافٌ وَأَرْزَاقٌ كَانَ الِاعْتِنَاءُ بِالْبَسْمَلَةِ أَشَدُّ لِيَسْتَحِقَّ مَا يَأْخُذُهُ يَقِينًا فَإِنَّهُ إذَا أَخَلَّ بِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْوَقْفِ عِنْد مَنْ يَقُولُ الْبَسْمَلَةُ مِنْ أَوَائِلِ السُّورَةِ وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ بِتَأَكُّدِ الِاعْتِنَاءِ بِهَا وَإِشَاعَتِهَا اهـ.
قُلْت لَا يُؤَيِّدُهُ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا أَيْ لِمَا أَخَلَّ بِهِ إذْ
الْفَرْضُ أَنَّهُ شَرَطَ عَلَيْهِ قَدْر مُعَيَّنٌ فَإِذَا أَخَلَّ مِنْهُ بِشَيْءٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ وَعَلَى التَّنَزُّلِ فَهُوَ اخْتِيَارٌ لَهُ أَيْضًا يَلِيق بِمَزِيدِ وَرَعِهِ وَزُهْدِهِ عَلَى أَنَّ الزَّرْكَشِيّ أَشَارَ إلَى تَغْلِيطِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ حَيْثُ قَالَ لَوْ وَرَدَتْ الْجَعَالَةُ عَلَى تَحْصِيلِ شَيْئَيْنِ يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَقَوْلِهِ مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَرَدَّ أَحَدَهُمَا اسْتَحَقَّ نِصْف الْجُعْلِ قَالَ وَعَلَى هَذَا يَتَخَرَّجُ غَيْبَةُ الطَّالِبِ عَنْ الدَّرْسِ بَعْضِ الْأَيَّامِ إذَا قَالَ الْوَاقِفُ مَنْ حَضَرَ شَهْرَ كَذَا فَلَهُ كَذَا فَإِنَّ الْأَيَّامَ مُتَفَاضِلَةٌ فَيَسْتَحِقُّ بِقِسْطِ مَا حَضَرَ تَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا يُغْلَطُ فِيهِ اهـ.
وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْن أَنْ يَتْرُكَ الْمُبَاشَرَةَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَسْتَحِقَّ لِمَا بَاشَرَهُ مَا يُقَابِلُهُ وَيَسْقُطُ مَا يُقَابِلُ مَا لَمْ يُبَاشِرُهُ مُطْلَقًا وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِمَنْعِ الِاسْتِنَابَةِ وَعَدَمِ اسْتِحْقَاقِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمَّا النَّائِبُ فَلِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يَنْصِبهُ وَأَمَّا الْمُسْتَنِيبُ فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالشَّرْطِ وَخَالَفَ السُّبْكِيّ فَإِنَّهُ اسْتَنْبَطَ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْمَجْعُولِ لَهُ تَمَامَ الْجُعْلِ عِنْد قَصْد الْمُشَارِكِ إعَانَتَهُ جَوَاز الِاسْتِنَابَةِ فِي الْإِمَامَةِ وَالتَّدْرِيسِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْوَظَائِفِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَنِيبَ مِثْله أَوْ خَيْرًا مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بِصِفَتِهِ لَمْ يَحْصُلُ الْغَرَض بِهِ وَشَبَّهَ الِاسْتِنَابَةِ فِي ذَلِكَ بِالتَّوْكِيلِ بِالْمُبَاحَاتِ قَالَ وَيَسْتَحِقُّ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كُلَّ الْمَعْلُومِ اهـ.
وَأَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ وَالِاعْتِمَادِ عَلَى مَا قَالَهُ الْأَوَّلَانِ بِقَوْلِهِ وَمَدْرَكُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ الرِّيعَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ وَلَا الْجَعَالَةِ لِأَنَّ شَرْطَهُمَا أَنْ يَقَعَ الْعَمَلُ فِيهِمَا لِلْمُسْتَأْجِرِ وَالْجَاعِلِ وَالْعَمَلُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِبَاحَةُ بِشَرْطِ الْحُضُورِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَصْلُحُ إلْحَاق مَا قَالَاهُ بِمَسْأَلَةِ الْجَعَالَةِ قَالَ وَهَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاقِفِ فَإِنْ أَذِنَ فَهُوَ كَمَا لَوْ فَوَّضَ إلَيْهِمَا الْقَضَاءَ وَالْوَكَالَةَ وَأَذِنَ لَهُ فَاسْتَنَابَ وَفِي كَوْنِ النَّائِبِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يَتَوَلَّى عَنْ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي وَعَلَى هَذَا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَنِيبُ مِنْ عَزْلِهِ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ عَنْ الْأَوَّلِ وَيَنْبَغِي طَرْدُهُ هُنَا اهـ.
وَذَلِكَ رَدُّ مَا قَالَهُ أَوَّلًا فَإِنَّا لَمْ نَدَّعِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْإِجَارَةِ أَوْ الْجَعَالَةِ حَقِيقَةً وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ فِيهِ شَائِبَةً مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَوْلُهُ الْعَمَلُ لَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ لِلْجَاعِلِ لَا يَضُرُّنَا لِأَنَّهُ يَقَعُ لَهُ نَظِيرُهُ إذْ الْقَصْدُ بِهِ الثَّوَابُ وَالدَّالُّ عَلَى الْخَيْرِ فَضْلًا عَنْ الْمُسْتَنِيب فِيهِ لَهُ مِثْل أَجْرِ فَاعِلِهِ وَقَوْلُهُ: فَلَمْ يَبْقَ. . . إلَخْ مَمْنُوعٌ بَلْ حُضُورُ النَّائِبِ كَحُضُورِ الْمُسْتَنِيبِ فَلِمَ يَفُتْ الْحُضُورُ مِنْ أَصْلِهِ وَبِهَذَا اتَّضَحَ كَلَامُ السُّبْكِيّ وَيُؤْخَذُ مِنْ آخِرِ كَلَامِ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِنَابَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَأَنَّهَا لِعُذْرٍ كَالْقَدْرِ الْعَاجِزِ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ سَائِغَةً بِلَا شَكٍّ وَبِهِ صَرَّحَ الدَّمِيرِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْد بَحْثِ السُّبْكِيّ السَّابِقِ وَهَذَا فِيمَا لَا يَعْجَزُ عَنْ مُبَاشَرَتِهِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا فَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِهِ وَأَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ السُّبْكِيّ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْفَخْرِ ابْنِ عَسَاكِرَ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ مَدَارِسُ بِدِمَشْقَ يُدَرِّسُ فِيهَا وَكَانَ مَعَهُ الصَّلَاحِيَّة بِالْقُدْسِ يُقِيمُ بِهَذِهِ أَشْهُرًا وَبِهَذِهِ أَشْهُرًا فِي السَّنَةِ مَعَ عِلْمِهِ وَوَرَعِهِ قَالَ وَقَدْ وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّنْ وَلِيَ تَدْرِيسَ مَدْرَسَتَيْنِ فِي بَلَدَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ كَحَلَبِ وَدِمَشْقَ فَأَفْتَى جَمَاعَةٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ وَيَسْتَنِيبُ مِنْهُمْ قَاضِي الْقُضَاةِ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيّ وَالشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الْبَعْلَبَكُّيُّ وَشَمْسُ الدِّينِ الْقَرَنِيُّ وَالشَّيْخُ عِمَادُ الدِّينِ الْحُسْبَانِيُّ وَمِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ آخَرُونَ وَمَنَعَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ غَيْرُهُمْ وَهَذَا الْأَشْبَهُ لِأَنَّ غَيْبَتَهُ فِي أَحَدِهِمَا لِأَجْلِ الْحُضُور فِي الْأُخْرَى لَيْسَتْ بِعُذْرٍ اهـ وَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي الِاسْتِنَابَةِ آرَاءً أَحَدُهَا لَا تَجُوزُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّوَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ إلَّا إنْ أَخَذْنَا بِقَضِيَّةِ كَلَامِهِ السَّابِقِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّهُ قَائِلٌ بِالْإِطْلَاقِ قَوْلُهُ مِنْ وَلِيَ وَظِيفَةً وَأُكْرِهَ عَلَى عَدَمِ مُبَاشَرَتِهَا لَا يَسْتَحِقّ مَعْلُومَهَا لِأَنَّهَا جَعَالَةٌ وَهُوَ لَمْ يُبَاشِرُ اهـ.
لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِ أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ فَاسْتَنَابَ اسْتَحَقَّ وَالثَّانِي الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ ابْنُ عَسَاكِرَ وَالْبَهَاءُ السُّبْكِيّ كَأَبِيهِ إلَّا عَلَى احْتِمَالٍ مَرَّ عَنْ الْغَزِّيِّ وَالْبَعْلَبَكِّيِّ وَالْحُسْبَانِيِّ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُمْ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ اسْتَحَقَّ وَإِلَّا فَلَا وَعَلَيْهِ السُّبْكِيّ عَلَى احْتِمَالٍ مَرَّ عَنْ الزَّرْكَشِيّ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ آخِرُ كَلَامِهِ وَالدَّمِيرِيِّ وَهُوَ الْأَوْجَهُ وَيُوَافِقُهُ إفْتَاءُ التَّاجِ الْفَزَارِيّ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُكْرَهِ السَّابِقِ إذْ الْمُكْرَهُ
شَرْعًا كَالْمُكْرَهِ حِسًّا وَحَيْثُ مَنَعْنَاهُ مِنْ الِاسْتِبَانَةِ فَغَابَ غَيْبَةً تُشْعِرُ بِالْإِعْرَاضِ قَرَّرَ النَّاظِرُ غَيْرَهُ، وَحَيْثُ جَوَّزْنَاهَا لَهُ فَإِنْ اسْتَنَابَ فَوَاضِحٌ، وَإِلَّا قَرَّرَ غَيْرَهُ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ، وَإِذَا شُرِطَتْ قِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ عُرْفٌ مُطَّرِدٌ حَالَ الشَّرْطِ عَلِمَهُ الْوَاقِفُ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا اكْتَفَى بِمَا يُسَمَّى قِرَاءَةً كَجُمْلَةٍ أَفَادَتْ مَعْنَى مُسْتَقِلًّا لِصِدْقِ الِاسْمِ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ.
وَقَدْ قَالُوا: لَوْ قَالَ لِقِنِّهِ: إنْ قَرَأْت الْقُرْآنَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ إلَّا بِقِرَاءَةِ جَمِيعِهِ أَوْ قُرْآنًا عَتَقَ بِقِرَاءَةِ بَعْضِهِ، وَالْفَرْقُ التَّعْرِيفُ وَالتَّنْكِيرُ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّ قُرْآنًا وَمَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فِي الْمَعْنَى لَكِنَّهُمْ أَطْلَقُوا الْبَعْضَ، وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ مَا قَدَّمْته وَيَصِلُ لِلْوَاقِفِ ثَوَابُ الدُّعَاءِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْقِرَاءَةِ وَإِيصَالِ الْبِرِّ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ، لَا نَفْسُ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ لِلْقَارِئِ بِالنَّصِّ فَلَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ لِغَيْرِهِ، وَمَرَّ بَعْضُ ذَلِكَ فَإِنْ دَعَا بِوُصُولِ مِثْلِهِ لِلْوَاقِفِ حَصَلَ لَهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ الدُّعَاءِ لَا مِنْ حَيْثُ الْقِرَاءَةِ، وَإِذَا شَرَطَ الْإِهْدَاءَ لَهُ وَلِآخَرِينَ عَيَّنَهُمْ وَجَبَ الْإِهْدَاءُ إلَيْهِمْ، وَإِنْ جُهِلَتْ قُبُورُهُمْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِلُ إلَيْهِمْ مُطْلَقًا.
وَالْوَقْفُ عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَى قَبْرِهِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعُ الْأَوَّلِ إذْ قَدْ لَا يُعْلَمُ قَبْرُهُ فَيَتَعَذَّرُ الْإِتْيَانُ بِمَا شَرَطَهُ فَإِنْ قَالَ: وَقَفْت بَعْدَ مَوْتِي عَلَى مَنْ يَقْرَأُ عَلَيَّ فَهُوَ وَصِيَّةٌ، فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ صَحَّ الْوَقْفُ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ صَحَّتْ فِيهِ فَقَطْ، وَيَصِحُّ شَرْطُ إهْدَاءِ الثَّوَابِ أَوْ مِثْلِهِ فِي صَحَائِفَ مِنْ ذِكْرٍ وَصُورَةُ مَا يَدْعُو بِهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ ذَلِكَ أَوْ اللَّهُمَّ اجْعَلْ مِثْلَ ثَوَابِ ذَلِكَ، إذْ الْمَعْنَى عَلَى مِثْلِ ثَوَابِ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَوْصَى لِزَيْدٍ بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى مَعْنَى مِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ اهـ
(وَسُئِلَ) عَنْ مَسْأَلَةٍ وَقَعَ فِيهَا خِلَافٌ طَوِيلٌ بَيْن عُلَمَاءِ مِصْرَ وَنُقِلَتْ مَعَ أَجْوِبَةِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إلَيْهِ نَفَعَ اللَّهُ تَعَالَى بِعُلُومِهِ بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ فِي عِدَّةِ أَعْوَامٍ لِطَلَبِ جَوَابِهِ فِيهَا وَهُوَ يَمْتَنِعُ مِنْ الْكِتَابَةِ فِيهَا؛ لِأَنَّ بَعْضَ الْأَجْوِبَةِ الَّتِي فِيهَا لِبَعْضِ مَشَايِخِهِ فَخَشِيَ مِنْ تَغَيُّرِ خَاطِرِهِ إنْ وَقَعَ مِنْهُ مُخَالَفَةٌ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ لَمَّا تَأَكَّدَ الطَّلَبُ لِجَوَابِهِ اسْتَخَارَ اللَّهَ سبحانه وتعالى وَاسْتَعَانَ بِهِ فِي أَنْ يُلْهِمَهُ مَوَانِحَ التَّوْفِيقِ وَيَقْطَعَ عَنْهُ مَوَانِعَ التَّحْقِيقِ إنَّهُ الْجَوَّادُ الْكَرِيمُ الرَّءُوفُ الرَّحِيمُ وَأَفْرَدَ ذَلِكَ بِهَذَا التَّأْلِيفِ، وَسَمَّاهُ التَّحْقِيقُ لِمَا يَشْمَلُهُ لَفْظُ الْعَتِيقِ) سَائِلًا مِنْ اللَّهِ سبحانه وتعالى أَنْ يَجْعَلَهُ خَالِصًا لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَأَنْ يَحِلَّهُ، تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ بِفَضْلِهِ أَعَالِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ آمِينَ قَالَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ: أَمَّا السُّؤَالُ فَصُورَتُهُ مَا قَوْلُكُمْ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْكُمْ - وَنَفَعَ بِعُلُومِكُمْ الْمُسْلِمِينَ فِي مَكْتُوبِ وَقْفٍ عِبَارَتُهُ: جُعِلَ ذَلِكَ وَقْفًا عَلَى عُتَقَاءِ الْوَاقِفِ بِالسَّوِيَّةِ الذَّكَر وَالْأُنْثَى وَالطَّوَاشِيَّةِ فِي ذَلِكَ، سَوَاءٌ مُدَّةَ حَيَّاتِهِمْ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَى بَاقِي الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ، وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا، فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ نَفَرًا قُسِّمَ رَيْعُ الْمَوْقُوفِ الْمُخْتَصِّ بِالْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ شَطْرَيْنِ شَطْرٍ: يُصْرَفُ لِلْعُتَقَاءِ الْخَمْسِينَ الْبَاقِينَ عَلَى الْحُكْمِ الْمَشْرُوحِ وَالشَّطْرِ الثَّانِي: يُصْرَفُ لِلْخُدَّامِ بِالْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ عَلَى الْحَالِّ بِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَالْفَرَّاشِينَ وَالْوَقَّادِينَ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ، فَهَلْ قَوْلُهُ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ أَمْ لَا فَإِذَا قُلْتُمْ يَخْتَصُّ وَقَدْ انْقَرَضَ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ بِأَسْرِهِمْ وَبَقِيَ الْآنَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ وَذُرِّيَّتِهِمْ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ، فَهَلْ يَكُون ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ بَيْنهمْ وَبَيْن جِهَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ، وَيَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْعُتَقَاءِ جَمِيعُ الرَّيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحَقِّ لِنَصِيبِهِ أَمْ لَا؟ وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ أَفْتُونَا مَأْجُورِينَ؟
هَذَا لَفْظُ السُّؤَالِ وَأَمَّا الْأَجْوِبَةُ عَنْهُ فَمِنْهَا: أَنَّهُ أَرَادَ الْوَاقِفُ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا مَا يَشْمَلُ حَقِيقَتَهُ وَمَجَازَهُ؛ لِأَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ تَتَضَمَّنُ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْفَرْعِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَلَا يَدْخُلُ لِجِهَةِ الْحَرَمِ رَيْعُ الْوَقْفِ مَا بَقِيَ مِنْ ذُرِّيَّةِ الْعُتَقَاءَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ نَفَرًا لِاسْتِحْقَاقِهِمْ حِينَئِذٍ
لِجَمِيعِ الرَّيْعِ، وَمِنْهَا قَوْلُ الْوَاقِفِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا لَا يَخْتَصُّ بِمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ بِأَسْرِهِمْ وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ عَدَدٌ يَزِيد عَلَى الْخَمْسِينَ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ بَيْنهمْ وَبَيْنَ جِهَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ، وَيَسْتَحِقُّ أَوْلَادُ الْعُتَقَاءِ جَمِيعَ الرَّيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحِقِّ لِنَصِيبِهِ، فَالْمَوْجُودُ بِوُجُودِ أَوْلَادِهِ هُوَ الْعَتِيقُ الَّذِي بَاشَرَهُ الْعِتْقُ فَهُوَ لَمْ يَنْقَرِضْ، بَلْ هُوَ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ نَصِيبِهِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَصَبَةَ كُلِّ عَتِيقٍ يَقُومُونَ مَقَامَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْعَتِيقَ بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ وَإِذَا كَانَ مَوْجُودًا بِوُجُودِ عَصَبَتِهِ فَلَمْ يَنْقَرِضْ الْعُتَقَاءُ الْخَمْسُونَ، بَلْ مَنْ وُجِدَتْ ذُرِّيَّتُهُ وَأَوْلَادُهُ، فَهُوَ مَوْجُودٌ وَمِنْهَا حَيْثُ كَانَ الْأَوْلَادُ الَّذِينَ يَسْتَحِقُّونَ عَدَدُ جُمْلَتِهِمْ تَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ نَسَلُوا عَنْ الْعُتَقَاءِ يَزِيدُ عَدَدُ جُمْلَتِهِمْ عَلَى خَمْسِينَ، فَجَوَابِي كَهَذَا الْجَوَابِ مِنْ أَنَّ الْأَوْلَادَ الْمَذْكُورِينَ يَسْتَحِقُّونَ جَمِيعَ الرَّيْعِ دُونَ قِسْمَتِهِ بَيْنَهُمْ وَبَيْن خِدْمَةِ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ عَلَى سَاكِنِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لِأَنَّ الْوَاقِفَ جَعَلَ الْفَرْعَ قَائِمًا مَقَامَ أَصْلِهِ وَحَائِزًا لِنَصِيبِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ الْعَتِيقُ مَوْجُودًا شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا.
وَهَذِهِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ وَخَالَفَ قَائِلِيهَا آخَرُونَ فَأَجَابُوا بِأَجْوِبَةٍ مُخَالِفَةٍ لَهَا وَارِدَةٍ عَلَيْهَا مِنْهَا لَا يَشُكُّ شَاكٍّ أَنَّ الْعُتَقَاءَ حَقِيقَةٌ، فِيمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَلَا يَجُوز حَمْلَهُ عَلَى مَجَازِهِ، وَهُوَ مَنْ شَمِلَهُ نِعْمَةُ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ أَقْصَى مَا يَتَمَحَّلُ لِهَذَا الْمَجَازِ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ لِإِرَادَةِ الْمَجَازِ بَعْدَ اللَّتَيَّا وَاَلَّتِي، وَهَذَا الْمِقْدَارُ غَيْرُ كَافٍ فِي صَرْفِ اللَّفْظِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ، فَإِنْ قُلْت: إزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ تَتَضَمَّنُ الْإِزَالَةَ عَنْ فَرْعِهِ فَكَأَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ قُلْنَا: إنْ أَرَدْت أَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ إزَالَةٌ عَنْ فَرْعِهِ الْمَوْجُودِ فَهُوَ بَاطِلٌ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ ذَوِي الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ أَرَدْت بِهِ الْفَرْعَ الَّذِي سَيُوجَدُ فَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ حَتَّى يَزُولَ عَنْهُ، عَلَى أَنَّ الْفَرْعَ إذَا وُجِدَ حُرًّا لَمْ تَكُنْ حُرِّيَّتَهُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَتِيقَ الْمَذْكُورَ إذَا تَزَوَّجَ بِأَمَةِ الْغَيْرِ فَأَوْلَدَهَا كَانَ الْوَلَدُ رَقِيقًا لِلْغَيْرِ، فَأَيُّ رِقٍّ أَزَالَهُ عَنْ فَرْعِهِ بِإِزَالَتِهِ عَنْ أَصْلِهِ؟ وَأَمَّا قَوْلُهُ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ فَلَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ مُغَيًّا إلَى غَايَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا يَجُوز إلْغَاؤُهَا وَهِيَ بُلُوغُ عَدَدِ الْعُتَقَاءِ خَمْسِينَ فَإِنْ قُلْت: إذَا بَقِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَتِيقَ الزَّائِدَ عَلَى الْخَمْسِينَ إذَا مَاتَ عَنْ وَلَدٍ صَارَ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ بِوُجُودِ وَلَدِهِ الْمُسْتَحِقِّ لِنَصِيبِهِ؛ لِأَنَّ عَصَبَةَ كُلِّ عَتِيقٍ يَقُومُونَ مَقَامَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ، فَلَمْ يَنْقَرِضْ الْعُتَقَاءُ الْخَمْسُونَ.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ لِنَصِيبِ الْأَبِ يَجْعَلُ الْأَبَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ، وَعَصَبَةُ الْعَتِيقِ لَا تَقُومُ مَقَامُ الْعَتِيقِ فِي وُجُودِهِ بَلْ تَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ الَّذِي كَانَ لَهُ لَا غَيْرُ إلَى الْغَايَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الْوَاقِفُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْتُمْ: إنَّ الْعَصَبَةَ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْعَتِيقِ يَلْزَمُ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْأَوْلَادِ الْمَوْجُودِينَ الْآنَ الزَّائِدِينَ عَلَى الْخَمْسِينَ، هَلْ هُمْ أَوْلَادُ خَمْسِينَ مِنْ الْعُتَقَاءِ فَمَا دُونَهُمْ؟ يَلْزَمُ أَنْ يَقُولُوا: بِقِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ وَإِنْ تَعَدَّدُوا يَقُومُونَ مَقَامَ أَصْلِهِمْ الْوَاحِدِ فَتَحَقَّقَتْ الْغَايَةُ، فَكَيْفَ يَكُون الْعَدَدُ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسِينَ مِنْ الْأَوْلَادِ مُطْلَقًا مَانِعًا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ، فَإِنْ قُلْت الْوَاقِفُ جَعَلَ الْوَلَدَ قَائِمًا مَقَامَ أَصْلِهِ وَحَائِزًا لِنَصِيبِهِ فَيَكُونُ الْأَصْلُ الْعَتِيقُ مَوْجُودًا شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا قُلْنَا: الْوَاقِفُ لَمْ يَجْعَلُ الْفَرْعَ قَائِمًا مَقَامَ الْأَصْلِ فِي الْوُجُودِ، وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مُسْتَحِقًّا لِنَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا شَرْعًا، بَلْ الْمَوْجُودُ شَرْعًا وَحِسًّا إنَّمَا هُوَ فَرْعُهُ لِانْتِقَالِ نَصِيبِ وَالِدِهِ الَّذِي قَدْ مَاتَ إلَيْهِ لَا يَسَعُ أَحَدًا أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ سِيَّمَا مِنْ مَارْسَ الْمَنْقُولَ وَالْمَعْقُولَ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا يُسْتَرَابُ وَالصَّوَابَ الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أُولُو الْأَلْبَابِ أَنَّهُ إذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الَّذِينَ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ، وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ عَدَدٌ يَزِيدُ عَلَى الْخَمْسِينَ سَوَاءٌ نَشَئُوا عَنْ خَمْسِينَ فَمَا
دُونَهُمْ مِنْ الْأُصُولِ أَوْ عَنْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ مِنْهُمْ، قُسِّمَ رَيْعُ الْوَقْفِ شَطْرَيْنِ شَطْرٍ لِلْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ وَشَطْرٍ لِأَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى حُكْمِ مَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ عَمَلًا بِصَرِيحِ قَوْلِهِ بِظَاهِرِ عِبَارَتِهِ.
وَلَا يَتَشَبَّثُ بِمَا تَوَهَّمَهُ الْمُخَالِفُونَ مِنْ ارْتِكَابِ التَّمَحُّلَاتِ الْبَعِيدَةِ وَالتَّكَلُّفَاتِ الشَّدِيدَةِ الْغَيْرِ سَدِيدَةٍ الَّتِي يَنْبُو عَنْهَا الطَّبْعُ السَّلِيمُ وَالذِّهْنُ الْمُسْتَقِيمُ، وَمِنْهَا الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ يَسْتَدْعِي تَمْهِيدَ مُقَدِّمَةٍ، وَهِيَ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يُخْرِجَهُ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى الْمَجَازِ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ دَاعٍ يَدْعُوهُ لِتَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ، وَإِلَّا لَكَانَ عَبَثًا، ثَمَّ عَلَاقَةٌ تَرْبِطُ بَيْن الْمَعْدُولِ عَنْهُ وَالْمَعْدُولِ إلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ إطْلَاقُ كُلِّ لَفْظٍ عَلَى كُلِّ مَعْنًى، ثُمَّ قَرِينَةٌ صَارِفَةٌ عَنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ، وَإِلَّا تَبَادَرَ لِكَوْنِهِ الْأَصْلَ، وَهَذَا الْقَدْرُ مِمَّا لَا نِزَاعَ لِفَاضِلٍ فِيهِ لِإِطْبَاقِ كُتُبِ الْأُصُولِ، بَلْ وَكُتُبِ الْبَلَاغَةِ عَلَيْهِ غَالِبًا، وَلَوْ أَرَدْنَا الِاسْتِشْهَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ لَطَالَ الْحَالُ وَأَدَّى إلَى الْمَلَالِ.
لَا يُقَالُ: إنَّ الدَّاعِيَ إلَى التَّجَوُّزِ وَالْقَرِينَةِ الصَّارِفَةِ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَاحِدٌ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي أَنَّ كُلًّا يَصْرِفُ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ لِأَنَّا نَقُولُ: افْتِرَاقُهُمَا فِي عَدِّ كُلٍّ شَرْطًا عَلَى حِيَالِهِ يَأْبَى ذَلِكَ وَأَيْضًا فَالدَّاعِي شَرْطٌ لِلْعُدُولِ، وَمَعْنَاهُ جَوَازُ تَرْكِ الْحَقِيقَةِ إلَى غَيْرِهَا، وَالْقَرِينَةُ شَرْطٌ لِمَنْعِ تَبَادُرِ الْحَقِيقَةِ لِأَصَالَتِهَا، وَاخْتِلَافُ الْأَثَرَيْنِ يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُؤَثِّرَيْنِ، وَأَيْضًا فَاعْتِبَارُ الْقَرِينَةُ بَعْد اعْتِبَارِ الدَّاعِي بَلْ وَبَعْدَ اعْتِبَارِ الْعَلَاقَةِ لِمَا لَا يَخْفَى مِنْ أَنَّ طَلَبَ مَا يُصَحِّحُ الْإِطْلَاقَ الْمَجَازِيَّ لَا يَحْسُنُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ مَا يَجُوز الْمَصِيرُ إلَيْهِ، وَإِنْ طَلَبَ مَا يَمْنَعُ مُبَادَرَةِ الْأَصْلِ إنَّمَا يَتَأَتَّى بَعْدَ صِحَّةِ اسْتِعْمَالِ الْفَرْعِ، وَإِنَّمَا تَعَرَّضْنَا لِذَلِكَ لِادِّعَاءِ بَعْضِ الْأَعْيَانِ لَهُ عِنْد مُنَاصَرَتِهِ فِيمَا كَتَبَ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ غَيْرَ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى الْحَقِّ فِي ذَلِكَ لِمَا عَرَفَهُ، وَإِذَا تَمَهَّدَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَتَأَكَّدَتْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ فَاعْلَمْ أَنَّ حَامِلَ الْعَتِيقِ فِي هَذَا السُّؤَالِ عَلَى مَا يَشْمَلُ وَلَدَهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْلُكَ الطَّرِيقَ الْجَادَّةَ، وَهِيَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ مَجَازٌ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُعْتَمَدُ ابْنِ الْحَاجِبِ وَشَارِحِهِ الْعَضُدِ وَالتَّاجِ السُّبْكِيّ وَغَيْرِهِمْ
بِدَلِيلِ سَوْقِهِمْ مَا عَدَا ذَلِكَ مَسَاقَ الْآرَاءِ الضَّعِيفَةِ وَالْمَذَاهِبِ الْمَرْجُوحَةِ لِتَصْدِيرِهِمْ الْأَوَّلِ وَتَرْجِيحِهِ وَتَأْخِيرِهِمْ الثَّانِيَ وَتَوْهِينِهِ، أَوْ يَسْلُكَ طَرِيقَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهِيَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ عَلَى التَّوْزِيعِ.
وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ فَالْمُتَجَوِّزُ مُطَالَبٌ بِالدَّاعِي لِمَا سَبَقَ، فَإِنْ زَعَمَ أَنَّهُ الِاخْتِصَارُ لَوْ عَبَّرَ عَنْ الْمَعْنَيَيْنِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، أَمَّا حَيْثُ عَبَّرَ عَنْ كُلِّ مَعْنَى بِلَفْظٍ فَأَنَّى يَدَّعِي لَهُ الِاخْتِيَارَ، وَكَيْفَ يَدَّعِي زِيَادَةَ الْبَيَانِ، وَالْمَعْنَى الْمَجَازِيُّ إمَّا فَرْعُ الْعَتِيقِ أَوْ الْمُرَكَّبِ مِنْ الْعَتِيقِ مَعَ فَرْعِهِ، وَكَوْنُ لَفْظِ الْعَتِيقِ بِمُفْرَدِهِ أَوْضَحُ دَلَالَةً عَلَى الْفَرْعِ أَوْ عَلَيْهِ مَعَ أَصْلِهِ مِنْ لَفْظِ الْوَلَدِ أَوْ الْعَتِيقِ وَوَلَدِهِ مِمَّا لَا يُدَّعَى إلَّا سَهْوًا أَوْ عِنَادًا، لِمَا عُلِمَ مِنْ أَنَّ الْحَقِيقَةَ مَا لَمْ تُهْجَرُ أَوْضَحُ دَلَالَةً عَلَى الْمَعْنَى مِنْ الْمَجَازِ، وَلَوْ احْتَفَّ بِقَرَائِنَ شَتَّى؛ لِأَنَّ قُصَارَى أَثَرِ الْقَرَائِنِ أَنْ تُلْحِقَ الْمَجَازَ فِي الْوُضُوحِ بِالْحَقِيقَةِ، وَأَنَّى لَهُ بِالْقَرَائِنِ بَلْ بِالْقَرِينَةِ الْوَاحِدَةِ، فَكَيْفَ بِالْمُسَاوَاةِ فَضْلًا عَنْ الزِّيَادَةِ؟ ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ زَعْمُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْد تَعْدِيدِ أَقْسَامِ الدَّاعِي أَنَّ بَعْضَ الْمَجَازَاتِ أَوْضَحُ دَلَالَةً مِنْ الْحَقِيقَةِ لِقَوْلِ السَّعْدِ فِي التَّلْوِيحِ بَعْدَ مَا أَوْرَدَ ذَلِكَ إنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى مَا يُقْصَدُ مِنْ اللَّفْظِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا كَالْحُجَّةِ وَالْعِلْمِ مَثَلًا، فَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ دَلَالَةَ لَفْظِ الْمَوْضُوعِ لَهُ عَلَيْهِ أَوْضَحُ عِنْد الْعِلْمِ بِالْوَضْعِ مِنْ دَلَالَةِ لَفْظِ الشَّمْسِ وَالثَّوْرِ، وَلَوْ مَعَ أَلْفِ قَرِينَةٍ، فَإِنْ فَرَضْنَا الظَّفَرَ بِالدَّاعِي بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ، فَإِنْ قِيلَ: هِيَ كَوْنُ الْوَلَدِ قَائِمًا مَقَامَ أَبِيهِ وَحَائِزًا نَصِيبَهُ عِنْد عَدَمِهِ وَمُكْتَسِبَ الْحُرِّيَّةِ عَنْ حَرِيَّتِهِ، قُلْنَا: هَذِهِ الْعَلَاقَة مَعَ مَا فِيهَا قُصَارَى أَمْرِهَا أَنْ تُصَحِّحَ إطْلَاقَ الْعَتِيقِ مَجَازًا عَلَى وَلَدِهِ لَيْسَ غَيْرُ.
وَلَيْسَ هَذَا الْمَجَازُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا عَلَى كِلْتَا الطَّرِيقَتَيْنِ لِمَا لَا يَخْفَى، فَيَبْقَى الطَّلَبُ مُتَعَلِّقًا بِعَلَاقَةِ هَذَا الْمَجَازِ الْخَاصِّ الَّذِي هُوَ الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ، وَعَزَّ أَنْ يَظْفَرَ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ الْمَوْلَى سَعْدُ الدِّينِ فِي حَاشِيَةِ الْعَضُدِ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَقَامِ إنْ أُرِيدَ الْمَجْمُوعُ لَا مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُ الْحُكْمِ بِالْمَجْمُوعِ مِنْ
حَيْثُ هُوَ، بَلْ مِنْ حَيْثُ تَعَلُّقُهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ كَانَ شَامِلًا لِلْمَعْنَيَيْنِ لَكِنَّ تَصْحِيحَ هَذَا الْمِثَالِ وَبَيَانَ الْعَلَاقَةِ فِيهِ مُشْكِلٌ، وَحَدِيثُ اسْتِعْمَالِ الْجُزْءِ فِي الْكُلِّ كَاذِبٌ لِمَا سَمِعْتَ يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى مَا أَسْلَفَهُ عِنْدَ ذِكْرِ الثَّالِثِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرَكِ، وَهُوَ إطْلَاقُهُ عَلَى مَجْمُوعِ الْمَعْنَيَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مَنَاطًا لِلْحُكْمِ مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ وَلَا نِزَاعَ فِي امْتِنَاعِ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَجَوَازِهِ مَجَازًا إنْ قَامَتْ عَلَاقَةٌ مُصَحِّحَةٌ، فَإِنْ قِيلَ: عَلَاقَةُ الْجُزْءِ وَالْكُلِّ مُتَحَقِّقَةٌ قَطْعًا قُلْنَا: لَيْسَ كُلُّ مَا يُعْتَبَرُ جُزْءًا مِنْ مَجْمُوعٍ يَصِحُّ إطْلَاقُ اسْمِهِ عَلَيْهِ لِلْقَطْعِ بِامْتِنَاعِ إطْلَاقِ الْأَرْضِ عَلَى مَجْمُوعِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا جُزْؤُهُ، وَهَذَا مِنْهُ تَصْرِيحٌ أَوْ كَالتَّصْرِيحِ بِالْعَجْزِ عَنْ إثْبَاتِ الْعَلَاقَةِ لِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ وَأَنَّ أَبْلَغَ مَا يَتَبَادَرُ عَلَاقَةُ مَا أَبْدَاهُ وَدَفْعُهُ عَلَى تَقْدِيرِي: الْكُلُّ الْمَجْمُوعِيُّ وَالْكُلُّ الْإِفْرَادِيُّ. فَإِنْ قُلْتَ: الَّذِي اسْتَظْهَرْت بِهِ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وَمَسْأَلَتُنَا مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، قُلْتُ: هُمَا مِنْ وَادٍ وَاحِدٍ حَتَّى قَالَ السَّعْدُ فِي الْحَاشِيَةِ الْمَذْكُورَةِ عِنْدَ ذِكْرَ الرَّابِعِ مِنْ أَحْوَالِ الْمُشْتَرَكِ: وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، بَلْ رُبَّمَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِذِكْرِ الْمُشْتَرَكِ نَظَرًا إلَى أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِالشَّخْصِ وَالْمَجَازِيِّ بِالنَّوْعِ سَلَّمْنَا الِاقْتِدَارَ عَلَى إبْدَاءِ الْعَلَاقَةِ بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ مُتَعَلِّقَةً بِالْقَرِينَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّ الْقَرِينَةَ قِيَامُهُ مَقَامَ أَبِيهِ إلَى آخِرِ مَا مَرَّ فِي الْعَلَاقَةِ قُلْنَا: دَعَوَا الْحِيرَةَ وَأَنْتُمْ بِالْخِيرَةِ بَيْنَ أَنْ تَجْعَلُوا مَا ذَكَرْتُمْ عَلَاقَةً كَمَا تَوَارَدْتُمْ عَلَيْهِ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذِهِ الْحَادِثَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَجْعَلُوهُ قَرِينَةً، فَإِنْ اخْتَرْتُمْ الْأَوَّلَ فَقَدْ أَسَلَفْنَا إبْطَالَهُ أَوْ الثَّانِيَ بَيَّنَّا إهْمَالَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَا يُصْرَفُ عَنْ الشَّيْءِ وَيُبْعَدُ عَنْ إرَادَتِهِ غَيْرُ مَا يَقْرَبُ مِنْهُ وَيَرْبِطُ بِهِ، وَإِذَا صَارَ هَذَا مِنْ الْوُضُوحِ بِهَذِهِ الْمَرْتَبَةِ فَأَيُّ مَجَازٍ لَا دَاعِيَةَ إلَيْهِ وَلَا قَرِينَةَ عَلَيْهِ، سُبْحَانَك هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْجَادَّةُ سَبِيلَ هَذَا الْمُتَجَوِّزِ، وَهُوَ مِمَّنْ رَأَى مَا رَأَى الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ، فَبَعْدَ مُطَالَبَتِهِ بِالدَّاعِي وَالْعَلَاقَةِ فِي الْمَجَازِ.
وَاعْتِرَافُنَا بِأَنَّ مَا زَعَمَهُ ثَمَّ عَلَاقَةٌ يُمْكِنُ هُنَا لَنَا فِي تَضْعِيفِ مُعْتَمَدِهِ وَتَوْهِينِ مُسْتَنَدِهِ طُرُقٌ أَحَدُهَا: أَنَّ مَا نُسِبَ إلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ ذَلِكَ مَسُوقٌ كَمَا مَرَّ مَسَاقَ الْأَقْوَالِ السَّقِيمَةِ وَالْآرَاءِ الضَّعِيفَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ، وَيُؤَيِّدُ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ قَوْلُ الْكَمَالِ بْنِ أَبِي شَرِيفٍ - فِي حَاشِيَةِ شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ - عِنْدَ قَوْلِ الْمَتْنِ (وَعَنْ الشَّافِعِيِّ حَقِيقَةٌ وَفِي التَّعْبِيرِ بِعَنْ إشَارَةٌ) إلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ حَقِيقَةٌ غَيْرُ مَجْزُومٍ بِهِ عِنْدَهُ بِأَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، لِمَا ذَكَرْنَا يُشِيرُ إلَى قَوْلِهِ أَوَّلَ الْقَوْلَةِ، أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَحَكَاهُ عَنْهُ الْآمِدِيُّ وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: إنَّهُ اللَّائِقُ بِمَذْهَبِهِ لَكِنْ نَقْلَ النَّقْشَوَانِيُّ فِي التَّلْخِيصِ عَنْهُ أَنَّهُ مَجَازٌ كَمَا مَال إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الْحَاجِبِ تَبَعًا لِلْآمِدِيِّ اهـ.
وَلَا يُنَافِي اخْتِيَارُ التَّاجِ السُّبْكِيّ لِذَلِكَ مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِهِ لِمِنْهَاجِ الْبَيْضَاوِيِّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ، مِنْ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْوَصَايَا مِنْ مَطْلَبِهِ أَنَّهُ أَخْرَجَ نَصَّهُ مِنْ الْأُمِّ عَلَى ذَلِكَ لِقَوْلِهِ فِي خَاتِمَةِ بَحْثِ الْمُشْتَرَكِ عَنْ الرَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: الْأَشْبَهُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمُشْتَرَكَ لَا يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَلَا يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِهَا، ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيّ: فَسِيَاقُ كَلَامِهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى ذَلِكَ وَكَيْفَ وَقَدْ جَعَلَ الْأَشْبَهَ خِلَافَ ذَلِكَ اهـ.
ثَانِي الطُّرُقِ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ بْنُ أَبِي شَرِيفٍ فِي حَاشِيَةِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ لِلْمَحَلِّيِّ تَبَعًا لِلشَّارِحِ هُوَ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْحَقِيقَةِ، فَإِنْ قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا، أَوْ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَحْدَهُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ فَقَطْ، أَوْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى قَصْدِ الْمَجَازِ وَلَا انْتِفَائِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَقَطْ. كَذَا قَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ الْمُخْتَصَرِ عَنْ وَالِدِهِ قَالَ: وَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: إذَا لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ فَلَا مَدْخَلَ لِلْحَمْلِ عَلَى الْمَجَازِ فَإِنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةٍ اهـ. فَأَنْتَ تَرَى كَلَامَ الْكَمَالِ عَلَى هَذَا الْمَطْلَبِ كَمَالَ الْكَلَامِ، فَإِنْ رَجَعْتُمْ إلَى ادِّعَاءِ أَنَّ الْقَرِينَةَ قِيَامُ الْفَرْعِ مَقَامَ أَصْلِهِ فَجَوَابُكُمْ مَا أَسْلَفْنَاهُ عَلَى أَنَّا نَدَّعِي أَنَّ الْقَرِينَةَ عَلَى قَصْدِ الْحَقِيقَةِ كَنَارٍ عَلَى عَلَمٍ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ وَقَفَ عَلَى عُتَقَائِهِ، وَهُمْ بِالِاتِّفَاقِ حَقِيقَةٌ فِيمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ
وَسَوَّى بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ وَضِدَّيْهِمَا ثَمَّ قَالَ: إنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌّ أَوْ وَلَدُّ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَمَعْلُومٌ بِلَا مِرْيَةٍ وَمُقَرَّرٌ بِلَا شُبْهَةٍ أَنَّ الْوَلَدَ هُنَا حَقِيقَةٌ فِي فَرْعِ مَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ، أَلَيْسَ الدَّلَّالَةُ عَلَى الْفَرْعِ بِلَفْظِ حَقِيقَتِهِ مِمَّا يُعَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْعَتِيقِ حَقِيقَتُهُ فَقَطْ دُونَ مَجَازِهِ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لِمُدَّعٍ أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّ لَفْظَ عَتِيقٍ مُسْتَعْمَلٌ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِيمَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَفِي فُرُوعِهِ، سَوَاءٌ أَقُلْنَا إنَّ ذَلِكَ مَجَازٌ أَوْ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ عَلَى التَّوْزِيعِ أَفَتَحْفَظُ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْفُضَلَاءِ بَلْ مِنْ الْعُقَلَاءِ قَالَ: إذَا اجْتَمَعَ مِنْ لَافِظٍ وَاحِدٍ فِي تَعْبِيرٍ وَاحِدٍ حَقِيقَتَانِ أَلْغَيْنَا مَدْلُولَ أَحَدِهِمَا اعْتِبَاطًا وَجَعَلْنَاهُ مَدْلُولًا مَجَازِيًّا لِلْأُخْرَى، وَهَلْ ذَلِكَ إلَّا بِمَثَابَةِ رَأَيْتُ رَجُلًا شُجَاعًا إذَا غَابَ الْأَسَدُ خَلَفَهُ فِي شَجَاعَتِهِ، فَالْأَسَدُ بِمَثَابَةِ الْعَتِيقِ لِتَأَصُّلِ الْوَصْفِ فِيهِ، وَالْغَيْبَةُ بِمَثَابَةِ الْمَوْتِ، وَالرَّجُلُ الشُّجَاعُ بِمَثَابَةِ الْوَلَدِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الشَّجَاعَةِ بِمَثَابَةِ قِيَامِ وَلَدِ الْعَتِيقِ مَقَامَهُ فِي حَوْزِ نَصِيبِهِ، وَلَا يَلِيقُ بِلَبِيبٍ وَلَا يَنْبَغِي لِأَرِيبٍ أَنْ يُخَالِجَهُ شَكٌّ أَوْ يُزَاحِمَهُ وَهْمٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَسَدِ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْهَيْكَلُ السَّبُعِيُّ الْمَخْصُوصُ فَقَطْ، وَبِالرَّجُلِ الشُّجَاعِ الذَّكَرُ الْبَالِغُ مِنْ بَنِي آدَمَ وَإِلَّا لَزِمَ إهْمَالُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ مَعَ تَأَتِّيهِ وَإِعْمَالُ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ مَعَ عَدَم تَأَتِّيهِ.
وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَاهِدُ صِدْقٍ عَلَى مَا ادَّعَيْنَاهُ وَهُوَ مَا حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي هَلْ يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ؟ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا لَا ثُمَّ قَالَ: وَقَدْ يَقْتَرِنُ بِمَا يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِخُرُوجِهِمْ كَقَوْلِهِ: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضُوا فَعَلَى أَحْفَادِي فَهَلْ ذَلِكَ إلَّا أَنَّ ثَمَّ حَقِيقَتَيْنِ أَعْمَلَ كُلَّ مِنْهُمَا فِي مَدْلُولِهِ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ لَهُ الْمَدْلُولُ الْمَجَازِيُّ مَكَانًا تَنَزَّلْنَا حَيْثُ لَا مُنَزَّلَ، وَكُلِّفْنَا الْقَوْلَ بِمُسَاوَاةِ التِّبْرِ لِلتُّرَابِ الْأَسْفَلِ، وَسَلَّمْنَا مَا ادَّعَيْتُمُوهُ قَرِينَةً أَفَلَا تَجْعَلُونَهُ مُسَاوِيًا لِقَرِينَتَا فَيَتَعَارَضَانِ فَيَتَسَاقَطَانِ وَنَرْجِعُ إلَى الْعَمَلِ بِالْحَقِيقَةِ لِمَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ الْكَمَالِ، فَإِنْ قُلْتَ إنَّ الْكَمَالَ عَقَّبَ مَا حَكَيْتَهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ ذَلِكَ بِمَا إذَا لَمْ يَكْثُرْ اسْتِعْمَالُ الْمَجَازِ كَثْرَةً يُوَازِي بِهَا الْحَقِيقَةَ بِحَيْثُ يَتَسَاوَيَانِ، فَهُمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْقَوَاطِعِ لِابْنِ السَّمْعَانِيِّ قُلْنَا:{كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} [الإسراء: 14] أَتَقَوَّلُ: إنَّ لَفْظَ عَتِيقٍ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى مَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ كَهُوَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهُ؟ وَأَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ مُتَسَاوِيَانِ فَهْمًا وَبِدَارًا إلَى الذِّهْنِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ لَا أَحْسَبُ أَنَّ أَحَدًا يَلْتَزِمُ ذَلِكَ اللَّهُمَّ مَنْ أَغْشَى التَّعَصُّبُ بَصَرَ بَصِيرَتِهِ وَحَلَّى ظَاهِرَهُ بِتَعْطِيلِ سَرِيرَتِهِ.
وَإِذَا تَقَرَّرَ مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ وَتَبَيَّنَ مَا نَهَيْنَا عَلَيْهِ فَالْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، وَالصَّوَابُ الَّذِي لَا خَطَأَ يَعْتَرِيهِ، أَنْ يَسْتَحِقَّ أَهْلُ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ النَّبَوِيِّ مُشَاطَرَةَ الْعُتَقَاءِ فِي الرَّيْعِ عِنْدَ بُلُوغِ الْعُتَقَاءِ بِالتَّنَاقُصِ خَمْسِينَ نَفَرًا كَمَا شَرَطَهُ الْوَاقِفُ، وَعَدَمُ قِيَامِ أَوْلَادِ الزَّائِدِينَ عَلَى خَمْسِينَ مَقَامَهُمْ فِي الْعَدِّ عَلَى أَهْلِ الْحَرَمِ لِحِرْمَانِهِمْ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يُهْدِي السَّبِيلَ، هَذَا بَعْضُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ عَلَى هَذَا السُّؤَالِ وَالثَّانِي مِنْهَا لِمَالِكِيٍّ وَالرَّابِعُ لِحَنَفِيٍّ وَالْبَقِيَّةُ لِلشَّافِعِيَّةِ، فَهَلْ تَعْتَمِدُونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَاذَا مِنْهَا فَإِنَّ الْخَطْبَ فِيهَا عَظِيمٌ بَيْنَ الْمُفْتِينَ، وَالتَّنَازُعُ الشَّدِيدُ فِي تَحْرِيرِهَا قَدْ تَفَاشَى بَيْنَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَرْبَابِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَوُلَاةِ الشَّرِيعَةِ الْمُطَهَّرَةِ بِحَيْثُ إنَّ كَثِيرِينَ أَفْتَوْا ثَمَّ رَجَعُوا ثَمَّ أَفْتَوْا وَصَمَّمُوا، وَلَمْ تَزَلْ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى التَّنَاقُضِ وَالتَّخَالُفِ، فَلَعَلَّ بِجَوَابِكُمْ يَحْصُلُ التَّوَافُقُ وَالتَّآلُفُ، جَزَاكُمْ اللَّهُ سبحانه وتعالى خَيْرًا عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَمَتَّعَكُمْ بِقُرْبِهِ وَجُودِهِ وَكَرَمِهِ فِي بَلَدِهِ الْأَمِينِ آمِينَ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ: مَا ذُكِرَ فِي الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ، الْأَوَّلُ: مِنْ قِيَامِ الْوَلَدِ مَقَامَ أَبِيهِ لِلْقَرِينَةِ الَّتِي أَشَارُوا إلَيْهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَوْ مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ، وَذِكْرُ الْقَرِينَةِ لِمَزِيدِ التَّقْوِيَةِ وَدَفْعِ الْخِلَافِ لَا لِاشْتِرَاطٍ لِمَا يَأْتِي فِيهِ هُوَ اللَّائِقُ بِالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالِاسْتِعْمَالَات الشَّرْعِيَّةِ أَوْ الْعُرْفِيَّةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ كُتُبِ الْأَوْقَافِ كَمَا سَتَرَاهُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي كَلَامِ الْأَئِمَّةِ.
وَمَا ذُكِرَ فِي الْجَوَابَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ مِنْ عَدَمِ قِيَامِ الْوَلَدِ مَقَامَ أَبِيهِ لِعَدَمِ اتِّضَاحِ الدَّاعِي إلَى التَّجَوُّزِ، وَالْعَلَاقَةِ الْمُصَحِّحَةِ، وَالْقَرِينَةِ الْمَانِعَةِ مِنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ هُوَ اللَّائِقُ
بِالْقَوَاعِدِ الْأُصُولِيَّةِ لَكِنَّ الْمَدَارَ فِي الْفَتَاوَى إنَّمَا هُوَ عَلَى كَلَامِ الْفُقَهَاءِ وَتَصَرُّفَاتِهِمْ الَّتِي ذَكَرُوهَا فِي كَلَامِ الْوَاقِفِينَ دُونَ تَدْقِيقَاتِ الْأُصُولِيِّينَ وَالنُّحَاةِ وَغَيْرِهِمَا وَمِنْ ثَمَّ قَالُوا: لَيْسَ لِلْأُصُولِيِّ الْمَاهِرِ الْإِفْتَاءُ؛ لِأَنَّ الْمُفْتِي إنْ كَانَ مُجْتَهِدًا فَعِلْمُ الْأُصُولِ وَحْدَهُ لَا يَنْفَعُهُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْأَحْكَامِ فِي الْوَقَائِعِ الْجُزْئِيَّةِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَإِنْ كَانَ مُقَلِّدًا فَهُوَ مُرْتَبِطُ بِكَلَامِ أَئِمَّةِ الْفُرُوعِ دُونَ أَئِمَّةِ الْأُصُولِ فَاتَّضَحَ أَنَّ عِلْمَ الْأُصُولِ وَحْدَهُ مَثَلًا لَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْإِفْتَاءُ فِي الْمَسَائِلِ الْجُزْئِيَّةِ، وَإِنَّمَا الْمَدَارُ عَلَى عِلْمِ الْفُرُوعِ وَتَصَرُّفَاتِ أَهْلِهِ حَتَّى لَا يَسُوغُ لِلْمُفْتِي الْخُرُوجُ عَنْ تَصَرُّفَاتِهِمْ وَقَوَاعِدِهِمْ وَحِينَئِذٍ قُلْنَا: هُنَا كَلَامَانِ (الْكَلَامُ الْأَوَّل) فِي بَيَانِ الْأَدِلَّةِ الْوَاضِحَةِ مِنْ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ عَلَى شُمُولِ الْعُتَقَاءِ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِ السَّابِقَةِ فِي السُّؤَالِ لِأَوْلَادِهِمْ، (الْكَلَامُ الثَّانِي فِي الْكَلَامِ) عَلَى تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ وَاحِدًا فَوَاحِدًا وَبَيَانِ مَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمَقْبُولِ وَغَيْرِهِ.
وَالْكَلَامُ الْأَوَّلُ فِيمَا ذَكَرَ وَفِيهِ مَبْحَثَانِ (الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ) فِي تَحْقِيقِ خِلَافِ مَا أَطْبَقَتْ عَلَيْهِ الْأَجْوِبَةُ الْخَمْسَةُ مِنْ أَنَّ أَوْلَادَ الْعَتِيقِ لَا يَتَنَاوَلُهُمْ لَفْظُهُ إلَّا مَجَازًا، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الرُّويَانِيَّ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا وَنَاهِيكَ بِهِ يَقُولُ: لَوْ أُحْرِقَتْ كُتُبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَمْلَيْتُهَا مِنْ حِفْظِي قَالَ فِي بَحْرِهِ - الَّذِي هُوَ مِنْ أَجْلِ كُتُبِ الْمَذْهَبِ - أَثَرُ الْكَلَامِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَقْفَ عَلَى الْمَوَالِي: فَرْعٌ لَوْ قَالَ: عَلَى مَوَالِي مِنْ أَسْفَلَ وَلِوَلَدِهِ مَوَالٍ مِنْ أَسْفَلَ، لَمْ يَدْخُلْ فِي ذَلِكَ إلَّا مَوَالِيهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فِيهِ مَوَالِي وَلَدِهِ. ثَمَّ قَالَ فَرْعٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَيَدْخُلُ فِيهِ أَوْلَادُ الْمَوَالِي وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوَالِي الْمَوَالِي؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ مَوَالِيهمْ لَهُمْ دُونَهُ وَوِلَايَةَ أَوْلَادِهِمْ لَهُ دُونَهُمْ اهـ.
فَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ هَذَا وَفَرْقَهُ بَيْنَ أَوْلَادِ الْمَوَالِي وَمَوَالِي الْمَوَالِي، بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ وَلَاؤُهُمْ لَهُ وَالْآخَرِينَ وَلَاؤُهُمْ لِمَوَالِيهِ لَا لَهُ، تَجِدْهُ قَاضِيًا فِي مَسْأَلَتِنَا بِأَنَّ الْعُتَقَاءَ يَشْمَلُ أَوْلَادَ الْمُعْتَقِينَ بِالْمُبَاشَرَةِ حَقِيقَةً لَا مَجَازًا فَيَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَهَكَذَا فَيَصْدُقُ عَلَى الْكُلِّ صِدْقًا وَاحِدًا بِنَاءً عَلَى جَوَازِ بَلْ وُجُوبِ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ الْمُنْكَرِ أَمْ الْمُعَرَّفِ أَمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ خِلَافًا لِمَنْ فَرَّقَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي تَلْخِيصِهِ لِتَقْرِيبِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرِ الْبَاقِلَّانِيِّ عَنْ مَذَاهِبِ الْمُحَقِّقِينَ وَجَمَاهِيرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْكِبْرِيتِ الْأَحْمَرِ: إنَّهُ مَذْهَبُ أَكْثَرِ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَحَكَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فِي الْعُيُونِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَحَمَلُوا مَنْ حَلِفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ الْإِنَاءِ عَلَى الْكَرْعِ وَالشُّرْبِ مِنْ الْإِنَاءِ، وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى الْكَرْعِ وَنَسَبَهُ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ لِمَذْهَبِهِمْ قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ أَوْ الْمَجَازِ؟
قَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ: وَاللَّائِقُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْهُ إنَّهُ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ حَمْلَهُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَنَقَلَهُ السَّيْفُ الْآمِدِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي كَسَائِرِ الْأَلْفَاظِ الْعَامَّةِ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ، وَلِهَذَا حُمِلَتْ عِنْدَ التَّجَرُّدِ عَنْ الْقَرَائِنِ عَلَى الْجَمِيعِ وَقِيلَ: إنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ وَنُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا وَمَالَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الَأَوَّلُ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ: إنَّ وُجُوبَ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ قَرِينَةٍ صَارِفَةٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: إنَّ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ دَالٌ عَلَى ذَلِكَ قَالَ جَمْعٌ: وَلِأَنَّ ذَلِكَ لَوْ لَمْ يَجِبْ فَإِمَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا وَيَلْزَمَ التَّحَكُّمُ أَوْ تَعْطِيلُ النَّصِّ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَلَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ تَفْهِيمُ الْمُرَادِ بِاللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ، فَيَصِيرُ انْتِفَاءُ الْقَرِينَةِ الْمُخَصِّصَةِ قَرِينَةً أَيْ قَرِينَةً عَلَى التَّعْمِيمِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي التَّدْبِيرِ: الْأَشْبَهُ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَلَا يُحْمَلُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَى جَمِيعِهَا رَدُّوهُ بِأَنَّهُ بَحْثٌ مُخَالِفٌ لِمَنْقُولِ الْمَذْهَبِ، فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَيْسَ كَمَا قَالَ وَإِنَّمَا هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ كَمَا قَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُوسِيُّ فِي تَقْوِيمِ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَعْنَى
الرَّافِعِيَّ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ فِي مَوَاضِعَ فَتَعَيَّنَ أَنَّ بَحْثَهُ لِذَلِكَ إنَّمَا هُوَ تَبَعٌ لِبَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ كَابْنِ الْقُشَيْرِيِّ. قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضُوعًا لِلْجَمِيعِ بَلْ لِآحَادِ مُسَمَّيَاتِهِ عَلَى الْبَدَلِ اهـ.
وَمَحَلُّ الْخِلَافِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ حَيْثُ لَا قَرِينَةَ تُعَيِّنُ أَحَدَ مَعَانِيهِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ وُجِدَتْ حُمِلَ عَلَيْهَا قَطْعًا.
(تَنْبِيهٌ) مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ أَنَّهُ يُوجِبُ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، هُوَ مَا اُشْتُهِرَ عَنْهُ فِي كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَقَالَ: لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ صَرِيحٌ فِيهِ، وَإِنَّمَا اسْتَنْبَطُوا هَذَا مِنْ نَصِّهِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ أَوْ وَقَفَ عَلَيْهِمْ وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ أَعْلَى وَمِنْ أَسْفَلَ أَنَّهُ يُصْرَفُ لِلْجَمِيعِ، وَهَذَا اسْتِنْبَاطٌ لَا يَصِحُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ يَرَى أَنَّ اسْمَ الْمَوْلَى مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَوَاطِئَةِ، وَأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، وَعِنْدَ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَكَيْفَ يُحْكَى عَنْهُ ذَلِكَ قَاعِدَةً كُلِّيَّةً. اهـ.
وَالْقَوْلُ بِالتَّوَاطُؤِ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضُوعًا لِمَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى جِهَةِ التَّوَاطُؤِ، وَهُوَ الْمُوَالَاةُ وَالْمُنَاصَرَةُ نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ عَنْ شَيْخِهِ عِمَادِ الدِّينِ فِي الْمَطْلَبِ ثَمَّ رَدَّهُ بِمَا فِيهِ خَفَاءٌ، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ بَابِ التَّوَاطُؤِ لَمْ يَأْتِ الْخِلَافُ: هَلْ تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَالْوَقْفُ أَوْ لَا؟ وَعَلَى الصِّحَّةِ هَلْ يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا أَوْ عَلَى الْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى أَوْ عَلَى الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلَ أَوْ يُوقَفُ؟ أَقْوَالٌ. فَاخْتِلَافُهُمْ فِيهِ كَذَلِكَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنْ بَابِ الْمُشْتَرَكِ لَا مِنْ بَابِ التَّوَاطُؤِ فَانْدَفَعَ اعْتِرَاضُ ابْنِ تَيْمِيَّةَ أَيْضًا، وَبَانَ أَنْ تَجْوِيزَهُ احْتِمَالَ التَّوَاطُؤِ فِي لَفْظِ الْمَوْلَى غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَنَّ اسْتِنْبَاطَ الْأَئِمَّةِ الْمَذْكُورَ صَحِيحٌ لَا اعْتِرَاضَ عَلَيْهِ.
وَلَقَدْ قَالَ السُّبْكِيّ عَنْ ابْنِ تَيْمِيَّةَ: وَهَذَا الرَّجُلِ كُنْتُ رَدَدْتُ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ فِي إنْكَارِهِ السَّفَرَ لِزِيَارَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي إنْكَارِهِ وُقُوعَ الطَّلَاقِ إذَا حُلِفَ بِهِ، ثَمَّ ظَهَرَ لِي مِنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي نَقْلٍ تَفَرَّدَ بِهِ لِمُسَارَعَتِهِ إلَى النَّقْلِ بِفَهْمِهِ، وَلَا فِي بَحْثٍ يُنْشِئُهُ لِخَلْطِهِ الْمَقْصُودَ بِغَيْرِهِ وَخُرُوجِهِ عَنْ الْحَدِّ جِدًّا، وَهُوَ كَانَ مُكْثِرًا مِنْ الْحِفْظِ وَلَمْ يَتَهَذَّبْ بِشَيْخٍ وَلَمْ يَرْتَضِ فِي الْعُلُومِ، بَلْ يَأْخُذُهَا بِذِهْنِهِ مَعَ جَسَارَتِهِ وَاتِّسَاعِ خَيَالِهِ وَشَغَبٍ كَثِيرٍ، ثَمَّ بَلَغَنِي مَنْ حَالِهِ مَا يَقْتَضِي الْإِعْرَاضَ عَنْ النَّظَرِ فِي كَلَامِهِ جُمْلَةً، وَكَانَ النَّاسُ فِي حَيَاتِهِ اُبْتُلُوا بِالْكَلَامِ مَعَهُ لِلرَّدِّ عَلَيْهِ، وَحُبِسَ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَوُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا غَرَضٌ فِي ذِكْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ وَلَكِنْ لَهُ أَتْبَاعٌ يَنْعَقُونَ وَلَا يَعُونَ اهـ.
وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ الْمُبَالَغَةَ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِ ثَمَّ عَقَّبْتُهُ بِكَلَامِ السُّبْكِيّ هَذَا؛ لِأَنِّي رَأَيْتُ مَنْ يَعْتَرِضُ عَلَى الشَّافِعِيَّةِ فِي حَمْلِهِمْ الْمُشْتَرَكَ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، وَيَحْتَجُّ بِكَلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ هَذَا، وَقَدْ دَلَّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَلَى حَمْلِ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ كَمَا قَرَّرْتُ فِي مَحَلِّهَا، وَالِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ لَمْ يَحْمِلْ الشَّفَقَ عَلَى مَعْنَيَيْهِ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ غَفْلَةٌ عَنْ أَنَّ سَبَبَ تَخْصِيصِهِ لَهُ بِالْأَحْمَرِ وُرُودُ التَّقْيِيدِ بِهِ فِي حَدِيثٍ، وَكَذَا حَيْثُ خَصَّصَ مُشْتَرَكًا بِأَحَدِ مَعَانِيهِ فَإِنَّمَا هُوَ الدَّلِيلُ أَوْ قَرِينَةٌ كَمَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِ مَوَاقِعِ كَلَامِهِ وَاسْتِنْبَاطَاته، ثَمَّ الْخِلَافُ فِي حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي الْكُلِّيِّ الْعَدَدِيِّ أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٌ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَجْعَلَهُ يَدُلّ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ بِالْمُطَابَقَةِ فِي الْحَالَةِ الَّتِي يَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ بِهَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْكُلَّ الْمَجْمُوعِيَّ أَيْ: يَجْعَلُ مَجْمُوعَ الْمَعْنَيَيْنِ مَدْلُولًا مُطَابِقًا كَدَلَالَةِ الْخَمْسَةِ عَلَى آحَادِهَا وَلَا الْكُلِّيِّ الْبَدَلِيِّ أَيْ: يَجْعَلُ كُلَّ وَاحِدٍ مَدْلُولًا مُطَابِقًا عَلَى الْبَدَلِ، وَمِنْ هُنَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي شَرْحِ الْبَزْدَوِيِّ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا أُرِيدَ بِالْمُشْتَرَكِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ مَعْنَيَيْهِ، وَأَمَّا إرَادَةُ الْمَجْمُوعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَعْنَيَيْنِ جُزْءَ الْمَعْنَى، بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يُصَيِّرُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ.
وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْكُلِّيِّ الْمَجْمُوعِيِّ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ عَنَدَ الشَّافِعِيِّ كَالْعَامِّ اهـ. وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ الْأَكْثَرِ يُعْرَفُ بِتَحْرِيرِ أَنَّ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ هَلْ هُوَ مِنْ بَابِ الْعُمُومِ أَوْ الِاحْتِيَاطِ؟ وَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا: وَعَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ وَالْآمِدِيُّ وَابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ كَالْعَامِّ وَأَنَّ نِسْبَةَ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ إلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ كَنِسْبَةِ الْعَامِّ إلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ. وَالْعَامُّ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْقَرَائِنِ
يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ أَفْرَادِهِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ، فَكَذَا الْمُشْتَرَكُ وَتَضْعِيفُ النَّقْشَوَانِيِّ لَهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ اللَّفْظَ حِينَئِذٍ مُتَوَاطِئٌ لَا مُشْتَرَكٌ، وَبِأَنَّ الْأَئِمَّةَ لَمْ يُرِيدُوا الْعُمُومَ وَإِنَّمَا وَهْمُ النَّاقِلِ عَنْهُمْ ذَلِكَ مَرْدُودٌ بِأَنَّ تَوْهِيمَهُمْ النَّاقِلَ عَنْ الْأَئِمَّةِ وَهْمٌ، وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْمُشْتَرَكُ كَالْعَامِّ فِي مَعْنَى اسْتِغْرَاقِهِ لِمَدْلُولَاتِهِ وَوُجُوبِ حَمْلِهِ عَلَى جَمِيعِهَا حَيْثُ لَا قَرِينَةَ، فَهُوَ كَالْعَامِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، لَا أَنَّ الْأَفْرَادَ الدَّاخِلَةَ تَحْتَ الْمُشْتَرَكِ كَالْأَفْرَادِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْعَامِّ حَتَّى يَلْزَمَ التَّوَاطُؤُ لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَيْفَ وَأَفْرَادُهُ مَحْصُورَةٌ؟ بِخِلَافِ الْعَامِّ وَقَدْ حَمَلُوهُ عَلَى مَعَانِيهِ حَتَّى فِي النَّكِرَةِ الْمُفْرَدَةِ وَالْفِعْلِ مَعَ أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِيهِمَا.
ثَانِيهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَخْرُ الرَّازِيّ: أَنَّهُ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا: بِالتَّوَقُّفِ لَزِمَ تَعْطِيلُ النَّصُّ لَا سِيَّمَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، أَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى أَحَدِهَا لَزِمَ التَّحَكُّمُ فَلِمَ يَبْقَ إلَّا الْحَمْلُ عَلَى الْجَمِيعِ، وَهُوَ أَحْوَطُ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَدْلُولَاتِ اللَّفْظِ بِأَسْرِهِمْ؛ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ، فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَمَلِ بِالْخِطَابِ وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّ الْمَقْصُودَ أَحَدُهَا عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ الْكُلُّ.
وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فَقَالَ: إنْ لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى تَعْيِينِ أَحَدِهَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْكُلِّ لَا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ وَضْعًا، بَلْ لِأَنَّ اللَّفْظَ دَالٌّ عَلَى أَحَدِهَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَتِهِ إلَّا بِالْجَمِيعِ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ ظَهَرَ وَاتَّضَحَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى جَمِيعِ مَعَانِيهِ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مِنْ تَنَاوُلِهِ لِأَوْلَادِ الْعَتِيقِ هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ الَّذِي لَا غُبَارَ عَلَيْهِ وَلَا نَقْضَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ فِيهِ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي الْعُتَقَاءِ فَإِنْ قُلْتَ: مَا الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَكُونَ مُشْتَرَكًا كَالْأَوَّلِ؟ قُلْتُ: الْجَامِعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ تُعْلَمْ حَقِيقَتُهُ وَمَدْلُولُهُ وَمُسَمَّاهُ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّارِعِ حَيْثُ قَالَ فِي الْخَبَرِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» فَكَانَ مِنْ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ غَالِبًا مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْحَقَائِقِ الثَّلَاثِ يُعْرَفُ مِنْ قَوْلِهِمْ: الْوَضْعُ الْمُعْتَبَرُ إمَّا وَضْعُ اللُّغَةِ وَهِيَ اللُّغَوِيَّةُ كَالْأَسَدِ لِلْحَيَوَانِ الْمُفْتَرِسِ، وَإِمَّا وَضْعُ الشَّرْعِ وَهِيَ الشَّرْعِيَّةُ كَالصَّلَاةِ لِلْأَرْكَانِ، وَقَدْ كَانَتْ لُغَةً لِلدُّعَاءِ، وَإِمَّا وَضْعُ الْعُرْفِ وَهِيَ الْعُرْفِيَّةُ بِأَنْ يَنْقُلَ اللَّفْظَ أَهْلُ الْعُرْفِ عَنْ وَضْعِهِ الْأَصْلِيِّ إلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ بَيْنَهُمْ.
وَالْأَصْلُ اللُّغَوِيَّةُ إذْ كُلٌّ مِنْ الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ نَاقِلٌ لِلْمَوْضُوعِ اللُّغَوِيِّ إلَى غَيْرِهِ، فَالْوَضْعُ فِي اللُّغَوِيَّةِ غَيْرُهُ فِيهِمَا إذْ الْأَوَّلُ تَعْلِيقُ اللَّفْظِ بِإِزَاءِ مَعْنًى لَمْ يُعْرَفْ بِغَيْرِ ذَلِكَ الْوَضْعِ الثَّانِي وَالثَّالِثُ: بِمَعْنَى غَلَبَةِ الِاسْتِعْمَالِ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ لُغَةً، إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الشَّارِعِ أَنَّهُ وَضَعَ لَفْظَ نَحْوِ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ بِإِزَاءِ مَعَانِيهَا الشَّرْعِيَّةِ بَلْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِإِزَاءِ تِلْكَ الْمَعَانِي حَتَّى صَارَتْ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مَهْجُورَةً، وَكَذَلِكَ الْعُرْفُ فَإِنَّ أَهْلَهُ لَمْ يَضَعُوا الْقَارُورَةَ مَثَلًا لِلظَّرْفِ مِنْ الزُّجَاجِ عَلَى جِهَةِ الِاصْطِلَاحِ، كَمَا أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَضَعْ لَفْظَ الزَّكَاةِ لِقَطْعِ طَائِفَةٍ مِنْ الْمَالِ لِنَحْوِ الْفُقَرَاءِ، بَلْ صَارَتْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ شَرْعِيَّةً وَعُرْفِيَّةً بِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ دُونَ أَنْ يَسْبِقَهُ تَعْرِيفٌ بِتَوَاضُعِ الِاسْمِ.
وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ لِلشَّرْعِ وَضْعًا كَاللُّغَةِ، فَإِنَّ الْوَضْعَ تَعْلِيقُ لَفْظٍ بِإِزَاءِ مَعْنًى لَكِنْ يَخْتَلِفَانِ فِي سَبَبِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ فَهُوَ فِي اللُّغَةِ: إعْلَامُ الْغَيْرِ بِأَنَّهُ وُضِعَ لِذَلِكَ وَفِي الشَّرْعِ وَالْعُرْفِ: كَثْرَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي الْمَحْصُولِ وَغَيْرِهِ الْمُرَادُ بِالشَّرِيعَةِ: اللَّفْظَةُ الَّتِي اُسْتُفِيدَ وَضْعُهَا لِلْمَعْنَى مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ غَيْرِهِ مَا كَانَ مَعْنَاهُ ثَابِتًا بِالشَّرْعِ فَالِاسْمُ مَوْضُوعٌ لَهُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ بُرْهَانٍ: تَارَةً يُسْتَفَادُ الْمَعْنَى مِنْ الشَّرْعِ وَاللَّفْظُ مِنْ اللُّغَةِ وَتَارَةً عَكْسُهُ وَالْكُلُّ أَسَامٍ شَرْعِيَّةٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَهَلْ الْمُرَادُ بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ كُلُّ مَا وَرَدَ عَلَى لِسَانِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ مِمَّا هُوَ مُخَالِفٌ لِلْوَضْعِ اللُّغَوِيِّ أَوْ وَإِنْ وَافَقَهُ الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، فَإِطْلَاقُ حَمَلَةُ الشَّرْعِ لَفْظَ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ فِي مَوَاضِعَ لَا ضَرُورَةَ بِنَا إلَى صَرْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ اللُّغَوِيَّةِ إلَى مَجَازِهِ الشَّرْعِيِّ، إذْ الْحَقِيقَةُ اللُّغَوِيَّةُ مَتَى أَمْكَنَتْ لَمْ يَكُنْ بِنَا حَاجَةٌ إلَى ادِّعَاءِ الْمَجَازِ الشَّرْعِيِّ.
وَتَنْقَسِمُ الْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ إلَى أَرْبَعَة أَقْسَامٍ. الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى مَعْلُومَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ لَكِنَّهُمْ لَمْ يَضَعُوا ذَلِكَ الِاسْمَ لِذَلِكَ الْمَعْنَى كَلَفْظَةِ الرَّحْمَنِ لِلَّهِ، الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا غَيْرَ مَعْلُومَيْنِ
لَهُمْ كَأَوَائِلِ السُّوَرِ، الثَّالِثُ: أَنْ يَعْلَمُوا اللَّفْظَ دُونَ الْمَعْنَى كَلَفْظِ الصَّلَاةِ، الرَّابِعُ: عَكْسُهُ كَلَفْظِ الْأَبِّ لِمَا تَأْكُلهُ الْبَهَائِمُ وَلِهَذَا لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} [عبس: 31] قَالَ عُمَرُ: مَا الْأَبُّ؟ وَنُوزِعَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْسَامِ بِأَنَّهُ يَسْتَحِيلُ نَقْلُ الشَّرْعِ لَفْظَةً لُغَوِيَّةً إلَى مَعْنًى مَجَازِيٍّ لُغَةً وَلَا يَعْرِفُهُمَا أَهْلُ اللُّغَةِ، وَنُوزِعَ أَيْضًا فِي وُقُوعِ الشَّرْعِيَّةِ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ وُقُوعُهَا، وَأَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَّا أَبَا حَامِدٍ الْمَرْوَزِيَّ، فَإِنَّهُ زَعَمَ أَنَّ جَمِيعَ الْأَسَامِي بَاقِيَةٌ عَلَى وَضْعِهَا اللُّغَوِيِّ قَبْلَ الشَّرْعِ أَيْ: وَالشَّرْعُ إنَّمَا اعْتَبَرَ زِيَادَةَ أَرْكَانٍ وَشُرُوطٍ وَقُيُودٍ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا، وَعَلَى هَذَا أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ، وَالْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ اخْتَلَفُوا فَفِرْقَةٌ عَلَى إنَّهَا حَقَائِقُ وَضَعَهَا الشَّارِعُ مُبْتَكَرَةً لَمْ يُلَاحَظْ فِيهَا الْمَعْنَى اللُّغَوِيُّ أَصْلًا، وَلَيْسَ لِلْعَرَبِ فِيهَا تَصَرُّفٌ فَلَيْسَتْ مَجَازَاتٍ لُغَةً، فَإِنْ وُجِدَتْ عَلَاقَةٌ بَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ، فَهُوَ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ غَيْرُ مَنْظُورٍ إلَيْهِ وَفِرْقَةٌ وَهُمْ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهَا: مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ تَجَوُّزًا بِأَنْ اُسْتُعِيرَ لَفْظُهَا لِلْمَدْلُولِ الشَّرْعِيِّ لِعَلَاقَةِ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ، وَنَصُّ الْأُمِّ صَرِيحٌ فِيهِ فَالْحَاصِلُ: أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَافَّةُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّهَا أَسْمَاءٌ قَدْ كَانَ لَهَا فِي اللُّغَةِ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ، فَحَقِيقَتُهَا مَا نَقَلَهَا الشَّارِعُ عَنْهُ وَمَجَازُهَا مَا نَقَلَهَا إلَيْهِ لِعَلَاقَةٍ بَيْنَهُمَا، ثَمَّ الْمُثْبِتُونَ اتَّفَقُوا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْفَرْعِيَّةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الدِّينِيَّةِ كَالْإِيمَانِ.
هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمِنْهُمْ مَنْ عَكَسَ ذَلِكَ وَبَيَّنَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ: أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ تَصَرَّفَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالصَّلَاةِ فَإِنَّهَا لُغَةً الدُّعَاءُ فَأَبْقَاهُ وَزَادَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرَاتٍ أُخَرَ وَبِالنَّقْصِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَالْحَجِّ، فَإِنَّهُ لُغَةً الْقَصْدُ وَبِالزِّيَادَةِ مِنْ وَجْهٍ وَالنَّقْصِ مِنْ وَجْهٍ كَالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ مَخْصُوصٌ مَعَ النِّيَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّرْعِيَّةَ تُطْلَقُ عَلَى مَا فِي كَلَامِ الشَّارِعِ وَمَا فِي كَلَامِ جُمْلَةِ الشَّرْعِ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْفُقَهَاءِ، كَمَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عَضُدُ الدِّينِ قَالَ: لَكِنَّ الثَّانِيَةَ لَيْسَتْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً، بَلْ عُرْفِيَّةً وَأَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ إذَا وُجِدَتْ فِي كَلَامِ الشَّارِعِ مُجَرَّدَةً عَنْ الْقَرِينَةِ مُحْتَمِلَةً الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ وَالشَّرْعِيَّ فَعَلَى أَيِّهِمَا تُحْمَلُ؟ فَمَنْ أَثْبَتَ النَّقْلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ قَالَ: إنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى عُرْفِ الشَّارِعِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ كُلَّ مُتَكَلِّمٍ يُحْمَلُ لَفْظُهُ عَلَى عُرْفِهِ وَقِيلَ: يَجِبُ الْوَقْفُ وَمَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الَّتِي فِي كَلَامِ الشَّارِعِ، أَمَّا الَّتِي فِي كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ فَتُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِلَا خِلَافٍ؛ لِأَنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ حَقَائِقُ عُرْفِيَّةٌ لَا حَاجَةَ لَهُمْ فِيهَا إلَى الْقَرِينَةِ كَمَا هُوَ حُكْمُ سَائِرِ الْحَقَائِقِ، وَإِذْ قَدْ اتَّضَحَ مَا قَرَّرْنَاهُ وَتَأَيَّدَ مَا بَيِّنَاهُ فِي الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَلَاءِ اتَّضَحَ مَا قُلْنَاهُ فِي الْعَتِيقِ: مِنْ أَنَّهُ كَالْمَوْلَى لِلْجَامِعِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَبَيَانُهُ: أَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْعَتِيقِ وَفُرُوعِهِ وَتَسْمِيَتَهُمْ مَوَالِيَ وَعُتَقَاءَ لَهُ إنَّمَا عُرْفٌ مِنْ الشَّارِعِ سِيَّمَا عِنْدَ تَوَهُّمِ أَقْوَامٍ فِي قَضِيَّةِ بَرِيرَةَ أَنَّ الْوَلَاءَ يَكُونُ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ، فَبَالَغَ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ عَلَى مِنْبَرِهِ الشَّرِيفِ، وَبَيَّنَ أَنَّ الْوَلَاءَ خَاصٌّ بِمَنْ أَعْتَقَ فَأَفْهَمَ أَنَّ بَيْنَهُمَا تَلَازُمًا فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ.
وَحِينَئِذٍ كَمَا سَمَّيْتُ أَوْلَادَ الْعَتِيقِ مَوَالِيَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً كَمَا مَرَّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَظَهَرَ بِمَا تَقَرَّرَ مِنْ مَبَاحِثِ الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ، فَكَذَا يُسَمُّونَ عُتَقَاءَ شَرْعًا أَيْضًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَعْنِي انْجِرَارَ آثَارِ الْعِتْقِ إلَيْهِمْ الْمُسْتَلْزِمِ لِتَسْمِيَتِهِمْ عُتَقَاءَ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا مِنْ الشَّارِعِ، فَلْيَكُنْ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعَتِيقِ عَلَيْهِمْ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ بَيَّنَ بِإِلْحَاقِ الْأَبْنَاءِ بِالْآبَاءِ فِي أَنَّهُ يَثْبُتُ لَهُمْ مَا لِآبَائِهِمْ أَنَّ الْكُلَّ يُسَمُّونَ عُتَقَاءَ شَرْعًا حَقِيقَةً، وَإِنْ كَانَ إطْلَاقُ الْعَتِيقِ عَلَى الْأَوْلَادُ إنَّمَا هُوَ مَجَازٌ لُغَوِيٌّ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْحَقَائِقِ اللُّغَوِيَّةِ تَجَوُّزًا، وَقَدْ تَقَرَّرَ قَرِيبًا أَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ الَّتِي لَمْ تُسْتَفَدْ إلَّا مِنْ كَلَامِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ تُحْمَلُ عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اُسْتُفِيدَتْ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ تُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَوْلَى وَالْعَتِيقِ مِنْ شُمُولِهِمَا لِأَوْلَادِهِمَا مُسْتَفَادٌ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ وَأَئِمَّةِ الشَّرْعِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ، فَتَأَمَّلَهُ حَقَّ التَّأَمُّلِ يَظْهَرُ لَكَ أَنَّهُ الْحَقُّ الْوَاضِحُ وَالصِّدْقُ النَّاجِحُ وَأَنَّ مَا سِوَاهُ لَا يَصِلُ شَفَاهُ، وَإِذَا بَانَ ذَلِكَ تَعَيَّنَ حَمْلُ
كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ وَلَا احْتِيَاجَ لِقَرِينَةٍ، وَحِينَئِذٍ اتَّضَحَ مَا اُسْتُفِيدَ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ فَلْيُعْمَلْ بِمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ مَتَى بَقِيَ مِنْ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ لَا يُصْرَفُ شَيْءٌ إلَى جِهَةِ الْحَرَمِ النَّبَوِيِّ عَلَى مَشْرِفِهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، وَتَأَمَّلْ تَصْرِيحَ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْوَلَاءِ عَلَى قِسْمَيْنِ: وَلَاءُ الْمُبَاشَرَةِ وَوَلَاءُ الِاسْتِرْسَالِ وَالسِّرَايَةِ قَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يَثْبُتُ عَلَى أَوْلَادِ الْعَتِيقِ وَأَحْفَادِهِ تَبَعًا لِثُبُوتِهِ عَلَى أَبِيهِمْ، فَصَرَّحُوا بِأَنَّ ثُبُوتَ الْوَلَاءِ عَلَى فُرُوعِ الْعَتِيقِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ، وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحُوا بِأَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَفُرُوعِهِ، فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِمَا أَيْ شَرْعًا كَمَا قَدَّمْتُهُ وَلَمْ يُبَالُوا بِأَنَّ ثُبُوتَهُ فِي أَحَدِهِمَا إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ لِمَا قَرَّرْتُهُ مِنْ أَنَّ أَئِمَّةَ الشَّرْعِ أَطْلَقُوهُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ إطْلَاقًا وَاحِدًا، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْأَصْلِ نِعْمَةٌ عَلَى الْفَرْعِ، وَهَذَا الْإِطْلَاقِ مِنْ عَلَامَاتِ الْحَقِيقَةِ فَلَمَّا كَانَ حَقِيقَةً فِيهِمَا كَانَ مُشْتَرَكًا.
وَهَذَا جَمِيعُهُ جَارٍ بِعَيْنِهِ فِي إطْلَاقِ الْعَتِيقِ عَلَى مِنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَمَنْ سَرَى إلَيْهِ مَنْ فُرُوعِهِ، فَكَانَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فِيهِمَا أَيْضًا فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِمَا مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ كَمَا تَقَرَّرَ، فَإِنْ قُلْتَ يُشْكِلُ عَلَى ذَلِكَ إطْلَاقُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْأَوْلَادِ لَا يَتَنَاوَلُ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ قُلْتُ: الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَلَفْظِ الْمَوْلَى وَالْعَتِيقِ ظَاهِرٌ جَلِيٌّ وَبَيَانُهُ أَنَّ هَذَيْنِ لَمْ يُعْرَفْ مَدْلُولُهُمَا إلَّا مِنْ الشَّارِعِ وَأَئِمَّةِ الشَّرْعِ فَحَسْبُ، فَلِمَ يَكُنْ لِلُّغَةِ فِيهِمَا مَدْخَلٌ حَتَّى يُقْضَى بِهَا عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْأَوْلَادِ فَإِنَّ لَهُ مَدْلُولًا لُغَوِيًّا لَمْ يَنْقُلْهُ الشَّارِعُ عَنْهُ وَلَا صَرَفَهُ إلَى غَيْرِهِ، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَدْلُولِهِ اللُّغَوِيِّ، إذْ لَا مُعَارِضَ لَهُ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ، وَمَدْلُولُهُ اللُّغَوِيِّ هُوَ الْأَوْلَادُ حَقِيقَةً وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ مَجَازًا، وَإِذَا تَعَارَضَ الْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ حُمِلَ عَلَى الْحَقِيقَة وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْمَجَاز مَعَهَا أَوْ وَحْدَهُ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَعَلَى هَذَا جَرَى أَصْحَابُنَا فِي بَاب الْوَقْف فَقَالُوا: لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ إلَّا بِقَرِينَةٍ، وَأَمَّا إلْحَاقُهُمْ أَوْلَادَ الْأَوْلَادِ بِالْأَوْلَادِ فِي بَاب الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهِ فَلِأَدِلَّةٍ وَمَدَارِكٍ تَخُصُّهَا فَظَهَرَ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ فِي الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي سَائِرِ الْأَبْوَابِ لَا يُنَافِي مَا ذَكَرُوهُ فِي الْمَوْلَى، وَلَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَتِيقِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَاهُ كَمَا تَقَرَّرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مِمَّا يُسْتَفَادُ وَيُحْتَاجُ إلَيْهِ، إذْ بِهِ يَنْكَشِف إشْكَالٌ رُبَّمَا يُورَدُ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي دُخُولِ الْأَوْلَادِ دُون أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَدُخُولِ الْمَوْلَى وَأَوْلَادِهِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمَوْلَى، وَمِثْلُهُ الْعَتِيقُ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ بَاشَرَهُ الْعِتْقُ وَأَوْلَادُهُ، فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي مَا قَرَّرْته فِي هَذَا الْمَبْحَثِ قَوْلُ السُّبْكِيّ فِي أَثْنَاءِ إيرَادٍ أَوْرَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَنَحْنُ إنَّمَا نَرْجِعُ فِي الْأَوْقَافِ إلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُ وَاقِفِهَا سَوَاءٌ أَوَافَقَ ذَلِكَ عُرْفَ الْفُقَهَاءِ أَمْ لَا، قُلْت: لَا يُنَافِيهِ لِأَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ تَنْزِيلُ لَفْظِ الْوَاقِفِ عَلَى عُرْفِ الْفُقَهَاءِ، أَمَّا إذَا أَمْكَنَ تَنْزِيلُهُ عَلَيْهِ فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ السُّبْكِيّ نَفْسُهُ فِي أَثْنَاءِ جَوَابِ هَذَا الْإِيرَادِ، فَإِنَّهُ لَمَّا بَيَّنَ أَنَّ كَلَام الْوَاقِفِ فِي صُورَةِ النِّزَاعِ لَمْ يُخَالِفْ الْفُقَهَاءَ، قَالَ: فَقْد ظَهَرَ إمْكَانُ حَمْلِ كَلَامِ الْوَاقِفِ عَلَى مَا لَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ وَكَلَامَ الْفُقَهَاءِ، وَإِذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِهِ اهـ.
(الْمَبْحَث الثَّانِي) فِي بَيَانِ أَنَّا إذَا تَنَزَّلْنَا وَقُلْنَا: إنَّ لَفْظَ الْعَتِيقِ لَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُ إلَّا مَجَازًا، وَأَنَّ قَوْل الْوَاقِفِ السَّابِقَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْن الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ اللُّغَوِيَّيْنِ، فَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ، الْأَوَّلُ لِأُمُورٍ بَعْضُهَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا فِي الْأُصُولِ، وَبَعْضُهَا ذَكَرَهُ أَئِمَّتُنَا فِي بَابِ الْوَقْفِ، وَبَعْضُهَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ، الْأَوَّلُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فِي الْإِيمَانِ جَوَازُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَكَأَنَّ الرَّافِعِيَّ لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّقْلِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: إنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِمَا مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ وَهُوَ عَلَى مِنْوَالِ مَا سَبَقَ عَنْهُ فِي الْمُشْتَرَكِ، وَمَرَّ رَدُّهُ، وَمَنْ نَقَلَ عَنْ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ الْمَنْعَ وَأَطْلَقَ، فَقْد وَهِمَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَنَعَ الْحَمْلَ لَا الِاسْتِعْمَالَ حَيْثُ قَالَ فِي تَقْرِيبِهِ، وَتَبِعَهُ الْإِمَامُ فِي تَلْخِيصِهِ: اعْلَمْ أَنْ إرَادَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إنَّمَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَا يَخْطِرُ لَهُ التَّعَرُّضُ لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، لَكِنْ يُقْتَصَرُ عَلَى إرَادَةِ الْمُسَمَّيَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِكَوْنِ وَجْهَ الِاسْتِعْمَالِ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَرَى عَلَى
مِنْوَالٍ وَاحِدٍ فَجَوَّزَ اسْتِعْمَالَهُ فِيهِمَا وَحَمَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا، وَأَخْرَجَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَطْلَبِ نَصَّهُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْأُمِّ عِنْدَ الْكَلَامِ فِيمَا إذَا عَقَدَ الرَّجُلُ عَلَى امْرَأَتَيْنِ، وَلَمْ يُعْلَمْ السَّابِقُ مِنْهُمَا.
وَقَالَ الْإِمَامُ وَابْنُ الْقُشَيْرِيِّ: إنَّهُ ظَاهِرُ اخْتِيَارِ الشَّافِعِيِّ أَيْ: بَلْ هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] قِيلَ لَهُ: أَرَادَ بِالْمُلَامَسَةِ الْجِمَاعَ؟ فَقَالَ: أَحْمِلُهُ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ حَقِيقَةً وَعَلَى الْوِقَاعِ مَجَازًا، وَكَذَلِكَ صَرَّحَ فِي قَوْله تَعَالَى:{لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ حَقِيقَةً بِدَلِيلِ: {حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] وَعَلَى مَحَلِّهَا، وَهُوَ الْمَسْجِدُ مَجَازًا بِدَلِيلِ:{إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43]
وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُمْ عُتَقَاءُ لَمْ يَدْخُلُوا مَعَ أَنَّهُمْ مَوَالِيهِ مَجَازًا بِالسَّبَبِيَّةِ، وَقَوْلُهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَمْ يَدْخُلْ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَجْلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، بَلْ لِأَنَّ الْقَرِينَةَ هُنَا عَيَّنَتْ الْحَقِيقَةَ وَحْدَهَا أَمَّا فِي الْأَوَّلِ؛ فَلِأَنَّ وَلَاءَ مَوَالِيهِمْ لَهُمْ دُونَهُ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَقَالَ الْغَزَالِيُّ: التَّعْمِيمُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ أَقْرَبُ مِنْهُ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ اهـ.
وَفِيهِ خَفَاءٌ يَحْتَاجُ لِتَوْضِيحٍ وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْأَوْلَادَ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الْبَطْنِ الْأَوَّلِ وَأَوْلَادَ الْأَوْلَادِ حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ فِي الْبَطْنِ الثَّانِي، فَإِرَادَةُ هَذَيْنِ الْحَقِيقَتَيْنِ بِاللَّفْظِ الْأَوَّلِ بَعِيدَةٌ، إذْ لَا تَقْرِيبَ لِلِاسْتِعْمَالِ حِينَئِذٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ سُمِّيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ أَوْلَادًا مَجَازًا مِنْ تَسْمِيَةِ الْمُسَبَّبِ بِاسْمِ السَّبَبِ، وَأُطْلِقَ عَلَيْهِمْ لَفْظُ الْأَوْلَادِ لِتِلْكَ الْعَلَاقَةِ مَعَ إرَادَةِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ، فَإِنَّهُ لَا بُعْدَ فِيهِ نَظَرًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ الْعَلَاقَةِ الْمُقَرِّبَةِ لِلِاسْتِعْمَالِ فَاتَّضَحَ أَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ بِعَدَمِ دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ بِجَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ مَعَ مَا فِي الْأَوَّلِ مِنْ الْبُعْدِ بِخِلَافِ الثَّانِي، هَذَا وَالْأَوْلَى فِي الْفَرْقِ مَا أَشَرْتُ إلَيْهِ بِالْفَرْقِ الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَبْلَ الْمَبْحَثِ الثَّانِي فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنَّهُ أَوْضَحُ مِمَّا أَشَارَ إلَيْهِ الْغَزَالِيُّ، وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ إرَادَةِ اللَّافِظِ أَوْ قِيَامِ قَرِينَةٍ عَلَى إرَادَتِهِ، وَالْكَلَامُ فِي وَاقِفٍ لَمْ تُعْلَمْ إرَادَتُهُ وَلَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَتِهِ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ ثَمَّ رَأَيْتُ كَلَامَ الْغَزَالِيِّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا مَرَّ عَنْهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَطَعَ بِمَنْعِ الْجَمْعِ بَيْنَ حَقِيقَتَيْنِ وَتَرَدَّدَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَقَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا: هُوَ عِنْدَنَا كَالْمُشْتَرَكِ وَإِنْ كَانَ التَّعْمِيمُ فِيهِ أَقْرَبَ قَلِيلًا اهـ.
وَسَبَبُ الْأَقْرَبِيَّةِ مَا أَشَرْت إلَيْهِ قَرِيبًا فَتَأَمَّلْهُ وَأَمَّا مَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيِّ مِنْ جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَتَيْنِ وَامْتِنَاعِهِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَهُوَ بَعِيدٌ، فَإِنْ قُلْت: يُؤَيِّدُهُ مَا تَقَرَّرَ عَنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مِنْ حَمْلِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعَانِيهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، قُلْت: لَا تَأْيِيدَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ فِي الْأَخِيرَةِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا هُوَ لِضَرُورَةِ وُجُودِ الْمَجَازِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَكِ لَا مَجَازَ فِيهِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِقَرِينَةٍ، فَالِاحْتِيَاجُ لَهَا وَعَدَمُهُ أَمْرٌ خَارِجٌ عَمَّا نَحْنُ فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْجَمْعَ مَعَ وُجُودِهَا أَقْرَبُ مِنْهُ فِي الْجَمْعِ بِهِ فِي الْمُشْتَرَكِ كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي مِنْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ يَلْزَمُهُ مُحَاوَلَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ نَقِيضَيْنِ يُرَدُّ بِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَلْزَمُ حَيْثُ كَانَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَمَعَ اعْتِبَارٍ وَاحِدٍ، أَمَّا إذَا كَانَ مِنْ حَيْثِيَّتَيْنِ بِاعْتِبَارَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ مُحَاوَلَةُ جَمْعٍ بَيْنَ نَقِيضَيْنِ وَقَطْعًا فَتَأَمَّلْهُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ الْأُصُولِيِّينَ تَعَقَّبَ الْقَاضِيَ فِي كَلَامِهِ هَذَا وَهُوَ جَدِيرٌ بِالتَّعَقُّبِ وَالرَّدِّ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ.
ثُمَّ رَأَيْت مَا ذَكَرْتُهُ عَنْ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا رَدَدْت بِهِ كَلَامَ الْقَاضِي، وَمَنَعَ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ مُطْلَقًا وَنَقَضَ عَلَيْهِمْ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ حَلَفَ لَا يَضَعُ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ فَدَخَلَ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا حَنِثَ نَظَرًا لِلْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَقَوْلِهِمْ لَوْ قَالَ: الْيَوْمُ الَّذِي أَدْخُلُ فِيهِ الدَّارَ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِدُخُولِهِ لَهَا وَلَوْ لَيْلًا، وَقَوْلِهِمْ لَوْ أَخَذَ الْأَمَانَ لِبَنِيهِ دَخَلَ بَنُوهُ وَبَنُو بَنِيهِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِنَا عَدَمُ الْحِنْثِ فِي الْأَوَّلِ إذَا دَخَلَ رَاكِبًا إذْ لَا قَرِينَةَ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ، وَفِي الثَّانِي مُوَافَقَتُهُمْ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ التَّتِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ طَلُقَتْ حَالًا وَلَوْ لَيْلًا، وَيَلْغُو ذِكْرُ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعَلِّقْ وَإِنَّمَا سَمَّى الْوَقْتَ بِغَيْرِ اسْمِهِ كَذَا قِيلَ.
وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ؛
لِأَنَّ قَوْلَهُ: الْيَوْمُ الَّذِي أَدْخُلُ فِيهِ الدَّارَ فِي مَعْنَى التَّعْلِيقِ بِدُخُولِهَا فِي الْيَوْمِ وَلَمْ يَحْصُلْ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ بِدُخُولِهَا لَيْلًا، بِخِلَافِ قَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ التَّعْلِيقُ بِالْيَوْمِ بِوَجْهٍ فَأُلْغِيَ وَفِي الثَّالِثِ عُدِمَ الدُّخُولُ كَمَا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ، وَحَيْثُ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ فَشَرْطُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْمَجَازِ إلَّا أَنْ يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُرَادٌ بِهِ، وَقِيَامُ الدَّلَالَةِ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ لَا تَنْفِي عَنْ اللَّفْظِ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ اهـ. قِيَامُ قَرِينَةٍ عَلَى الْمَجَازِ، فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ أَيْ: عَنْ الْقَرِينَةِ حَتَّى لَا يُنَافِيَ قَوْلَهُمْ السَّابِقَ.
وَحَمَلَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ ثَمَّ أَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ إرَادَةَ الْمُتَكَلِّمِ لِلْمَجَازِ، فَحِينَئِذٍ إنْ وُجِدَتْ قَرِينَةٌ عَلَيْهِ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهَا، وَإِلَّا اخْتَصَّ بِالْحَقِيقَةِ وَلَوْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهَا قَرِينَةٌ خِلَافًا لِمَنْ اشْتَرَطَ الْقَرِينَةَ فِيهَا أَيْضًا فَقَالَ: لَا يُحْمَلُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِدَلِيلٍ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْحَمْلِ عَلَيْهِمَا مَا إذَا ظَهَرَ قَصْدُ الْمَجَازِ بِقَرِينَةٍ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَوْ بِقَصْدِهِمَا مَعًا أَمَّا إذَا قَصَدَهَا فَقَطْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا قَطْعًا أَوْ قَصَدَهُ فَقَطْ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ قَطْعًا، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ قَصْدٌ لَمْ يُحْمَلُ عَلَيْهِ إذْ اللَّفْظُ إنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى مَجَازِهِ بِقَرِينَةٍ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكَذَا فِي نَظَائِرِهِ وَنَظِيرُهُ لَوْ أَوْصَى لِإِخْوَةِ فُلَانٍ، وَلَهُ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ قَالَ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ: مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَخْتَصُّ بِالْإِخْوَةِ دُونَ الْأَخَوَاتِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَدْخُلْنَ أَيْضًا وَكَلَامُ ابْنِ السَّمْعَانِيِّ يَقْتَضِيهِ وَقَدْ أَفَادَ أَنَّهُمَا إذَا تَسَاوَيَا فِي الِاسْتِعْمَالِ بِأَنْ يَكْثُرَ الْمَجَازُ كَثْرَةً تُوَازِي الْحَقِيقَةَ تَسَاوَيَا فِيهِمَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَا يُحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى قَرِينَةٍ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصُّوَرَ أَرْبَعٌ إحْدَاهَا: أَنْ تَدُلَّ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ السُّكُوتِ عَنْ الْحَقِيقَةِ ثَانِيهَا: أَنْ تَدُلَّ عَلَى إرَادَتِهِمَا جَمِيعًا ثَالِثُهَا: أَنْ لَا يَكُونَ قَرِينَةٌ وَلَكِنْ لِلْمَجَازِ شُهْرَةٌ يُوَازِي بِهَا الْحَقِيقَةَ، وَالْخِلَافُ ثَابِتٌ فِي الْكُلِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ: الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا رَابِعُهَا: حَالَةُ الْإِطْلَاقِ مَعَ عَدَمِ شُهْرَةِ الْمَجَازِ فَلَا يُحْمَلُ فِيهَا عَلَى الْمَجَازِ بِلَا خِلَافٍ، وَحَيْثُ حَمَلْنَا اللَّفْظَ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَقَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: هُوَ حَقِيقَةٌ وَمَجَازٌ بِاعْتِبَارَيْنِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَمِنْ ثَمَّ أَشَارَ الزَّرْكَشِيُّ إلَى ضَعْفِ مُقَابِلِهِ فَقَالَ: وَزَعَمَ ابْنُ الْحَاجِبِ أَنَّهُ مَجَازٌ قَطْعًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ اهـ.
لَكِنْ وَافَقَ ابْنَ الْحَاجِبِ جَمْعٌ مُحَقِّقُونَ، إذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُعْتَمَدَ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِشَرْطِ أَنْ يَشْتَهِرَ الْمَجَازُ شُهْرَةً يُوَازِي بِهَا الْحَقِيقَةَ، أَوْ تَقُومَ قَرِينَةٌ قَوِيَّةٌ عَلَى إرَادَتِهِ وَمَا فِي السُّؤَالِ مِنْ عِبَارَةِ الْوَاقِفِ اشْتَمَلَتْ عَلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ الْأَوْلَادِ، بَلْ عَلَى قَرَائِنَ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُ ذَلِكَ وَبَيَانُهُ.
الْأَمْرُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّهُ إذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ وَتَبِعَهُ الْأَصْحَابُ، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ وَعَصَبَةٌ أُعْطِيَ السُّدُسَ، قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ: وَهَذَا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْوَلَدِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يَتَنَاوَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ حَتَّى لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ دَخَلَ فِيهِ أَوْلَادُ أَوْلَادِهِ اهـ.
وَأَجَابَ عَنْ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ دَلِيلٌ عَلَى مَا ادَّعَاهُ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ أَحَدُ وَلَدَيْهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ مِنْ الصُّلْبِ إلَّا وَاحِدٌ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْوَلَدِ عَلَى وَلَدِ الْوَلَدِ، فَاسْتُعْمِلَ فِيهِ لِأَجْلِ الْقَرِينَةِ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَقْفِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى شُمُولِ الْوَلَدِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ التَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا: لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا أَوْلَادٌ حُمِلَ اللَّفْظُ عَلَيْهِ أَيْ لِلْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْوَلَدِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ، وَإِذَا تَأَيَّدَ جَوَابُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِهَذَا فَهُوَ مُتَعَيِّنٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ حَتَّى يَجْتَمِعَ بِهِ أَطْرَافُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَوَهُّمُ التَّنَاقُضِ الَّذِي ظَنَّهُ بَعْضُهُمْ، وَحِينَئِذٍ فَهُوَ شَاهِدُ صِدْقٍ عَلَى أَنَّهُ يُكْتَفَى
فِي شُمُولِ الْوَلَدِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ بِأَدْنَى قَرِينَةٍ، فَكَذَا فِي الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي السُّؤَالِ يُكْتَفَى فِي شُمُولِهِمْ لِأَوْلَادِهِمْ بِأَدْنَى قَرِينَةٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ عَلَيْهِمْ وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْتَقَلَ إلَى بَاقِي الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ إلَخْ مَا يَشْمَلُ الْعُتَقَاءَ حَقِيقَةً وَأَوْلَادَهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا مَجَازًا
فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّك إذًا لَا تَجِدُ بَيْنَ هَذِهِ وَالْقَرِينَةِ الَّتِي فِي كَلَامِ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَغَيْرِهِ فَرْقًا أَصْلًا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، بَلْ هَذِهِ الْقَرِينَةُ أَوْضَحُ وَأَقْوَى؛ لِأَنَّ هَذِهِ قَرِينَةٌ لَفْظِيَّةٌ مُتَّصِلَةٌ وَتِلْكَ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَالْقَرِينَةُ اللَّفْظِيَّةُ أَقْوَى؛ لِأَنَّ الْحَالِيَّةَ قَدْ يُغْفَلُ عَنْهَا عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْقَرِينَةَ لَا تَتِمُّ لِابْنِ الرِّفْعَةِ فِي سَائِرِ صُوَرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ فِي الْوَصِيَّةِ: أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ وَلَا وَلَدَ لَهُ ثُمَّ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَعَصَبَةٍ كَانَ الْحُكْمُ كَمَا مَرَّ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الْمَوْتِ لَا الْوَصِيَّةِ مَعَ أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَتَأَتَّى جَوَابُ ابْنِ الرِّفْعَةِ لِانْتِفَاءِ الْقَرِينَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا، فَلَا مُسَاغَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ جَوَابِ ابْنِ الرِّفْعَةِ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَأْخُذُ مِثْلَ نَصِيبِ الْبِنْتِ.
وَلَا تَدْخُلُ بِنْتُ الِابْنِ لِعَدَمِ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْوَلَدِ أَوْ يُقَالُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلُ نَصِيبِ بِنْتِ الِابْنِ، وَالْقَرِينَةُ عَلَى شُمُولِ الْوَلَدِ لَهَا: أَنَّ الْمَدَارَ فِي الْإِعْطَاءِ بِالْوَصِيَّةِ عَلَى الْيَقِينِ، وَهُوَ السُّدُسُ الَّذِي هُوَ مِثْلُ نَصِيبِ بِنْتِ الِابْنِ لَا النِّصْفُ الَّذِي هُوَ مِثْلُ نَصِيبِ الْبِنْتِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ قَرِينَةً عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَدْنَى أَنْصِبَاءِ أَهْلِ التَّرِكَةِ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ، وَكَانَ نَصِيبُ وَلَدِ الْوَلَدِ أَقَلَّ أُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ مِثْلَ نَصِيبِ وَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ الْأَقَلُّ، وَالْأَقْرَبُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ فَإِنْ قُلْت: إنَّمَا تَتِمُّ الْقَرِينَةُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي حَكَاهَا الْقَاضِي عَنْ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَا سَبَقَ فِي قَوْلِهِ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَلَدَيْهِ، لَا فِي الصُّورَةِ الَّتِي حَكَاهَا الْمُتَوَلِّي عَنْ الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْوَصَايَا: لَوْ أَوْصَى لِإِنْسَانٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَهُ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ أُعْطِيَ الْمُوصَى لَهُ مِثْلَ نَصِيبِ بِنْتِ الِابْنِ فَعَدَّهُ أَيْ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدًا اهـ.
فَذَكَرَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الْأَوْلَادَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ مَعَ الْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ عَصَبَةً فَأَيُّ قَرِينَةٍ عَلَى شُمُولِ الْأَوْلَادِ لِبِنْتِ الِابْنِ هُنَا؟ قُلْت: الْقَرِينَةُ مَوْجُودَةٌ هُنَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ أَوْلَادِهِ وَلَا مَوْجُودَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَوَلَدُ وَلَدٍ دَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْوَلَدِ فِي الْحَالَةِ الرَّاهِنَةِ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ، وَعَلَى أَنَّ مُرَادَهُ بِالْجَمْعِ فِي الْحَالَةِ الْمُتَرَقَّبَة مَا يَشْمَلُ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاحِدِ بِفَرْضِ أَنْ يَأْتِيَ لَهُ وَلَدٌ أَوْ أَكْثَرُ قَبْلَ مَوْتِهِ، وَحِينَئِذٍ فَهَذِهِ الْقَرِينَةُ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ كَمَا تَرَى، وَقَدْ اكْتَفَى بِهَا الشَّافِعِيُّ فِي اسْتِعْمَالِ الْجَمْعِ فِي الِاثْنَيْنِ، وَفِي شُمُولِ الْوَلَدِ لِوَلَدِ الْوَلَدِ فَلْتَكْفِ الْقَرِينَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي صُورَةِ الْعُتَقَاءِ بِالْأَوْلَى، فَإِنْ قُلْت: مَا مَسَاغُ الْحِكَايَةِ لِلْخِلَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ؟ قُلْت: اخْتِلَافُ نُصُوصِهِ وَكُتُبِهِ فَيَكُونُ الْقَاضِي نَقَلَ نَصًّا وَتِلْمِيذُهُ الْمُتَوَلِّي نَقَلَ نَصًّا آخَرَ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَ النَّقْلَيْنِ لِذَلِكَ كَمَا لَا تَنَافِيَ بَيْنَ الْمَنْقُولَيْنِ لِمَا قَدَّمْته فَإِنْ قُلْت: يُنَافِي مَا مَرَّ عَنْ ابْنِ الرِّفْعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الْقَرِينَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ وَلَهُ وَلَدٌ وَأَوْلَادُ وَلَدٍ اخْتَصَّ بِهِ الْوَلَدُ عَلَى الْأَصَحِّ، فَلَمْ يَعْتَبِرُوا هُنَا الْقَرِينَةَ الْحَالِيَّةَ فَكَيْفَ اعْتَبَرَهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ فِيمَا مَرَّ وَجَعَلَهَا مَحَطَّ جَوَابِهِ؟ قُلْت: عَدَمُ اعْتِبَارِ هَذِهِ الْقَرِينَةِ هُنَا غَيْرُ مُتَّفَقٍ عَلَيْهِ بَلْ اعْتَبَرَهَا بَعْضُهُمْ فَقَالَ يَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ: أَوْلَادِي قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَةِ وَلَدِ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِصِيغَةِ جَمْعٍ مَعَ فَقْدِهِ فِي أَوْلَادِهِ، فَكَانَ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَا يَشْمَلُ وَلَدَ الْوَلَدِ حَتَّى عَبَّرَ بِالْجَمْعِ.
وَعَلَى الْأَصَحِّ يُفَرَّقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَصُورَةِ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِمَا قَدَّمْت الْإِشَارَةَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَمَّا كَانَ لَهَا قَاعِدَةٌ مُقَرَّرَةٌ، وَهِيَ إعْطَاءُ مِثْلِ أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ اخْتَلَفَ الْحَالُ فِيهَا بِوُجُودِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ الْوَارِثِينَ، فَأَثَّرَتْ الْقَرِينَةُ الَّتِي هِيَ التَّعْبِيرُ بِالْجَمْعِ فِيهَا بِخِلَافِ الْوَقْفِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِثْلُ تِلْكَ الْقَاعِدَةِ فَلَمْ يَكُنْ لِلَفْظِ الْجَمْعِ فِيهِ تَأْثِيرٌ فَأَعْمَلْنَا الْحَقِيقَةَ وَجَعَلْنَاهُ لِلْوَلَدِ، وَأَلْغَيْنَا
الْمَجَازَ فَلَمْ نُعْطِ وَلَدَ الْوَلَدِ مِنْهُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا قَرِينَةَ هُنَا عَلَى إرَادَةِ التَّجَوُّزِ، وَمُجَرَّدُ لَفْظِ الْجَمْعِ هُنَا لَا أَثَرَ لَهُ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوْلَادِ فِي هَذَا الْبَابِ الْجِهَةُ رَدًّا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لَوْ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ، وَلَيْسَ لَهُ إلَّا وَلَدٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْأَوَّلِ فَيَبْطُلُ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ عَلَيْهِ أَوَّلًا لَمْ يُوجَدْ وَوَجْهُ الرَّدِّ عَلَيْهِ: أَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً فِي جِهَةِ الْفُرُوعِ الْمُنْتَسِبِينَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ قَلُّوا أَوْ كَثُرُوا، فَأَدَرْنَا الْأَمْرَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِيهِ وَأَلْغَيْنَاهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ الْعُرْفِيَّةَ أَقْوَى مِنْ الدَّلَالَةِ اللُّغَوِيَّةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّهَا كَالنَّاسِخَةِ لَهَا فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ نَفِيسٌ وَبِهِ يَجْتَمِعُ أَطْرَافُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فِي الْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ وَأَطْرَافُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي رِعَايَةِ الْجَمْعِ تَارَةً وَعَدَمِ رِعَايَتِهِ أُخْرَى، وَخُذْ مِنْ ذَلِكَ اتِّضَاحَ مَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ لِلْقَرِينَةِ الْوَاضِحَةِ الَّتِي مَرَّ بَيَانُهَا.
، الْأَمْرُ الثَّالِثُ: أَنَّا سَبَرْنَا كَلَامَ الْأَئِمَّةِ فِي فَتَاوِيهِمْ وَمُصَنَّفَاتِهِمْ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْأَوْقَاتِ، فَلَمْ نَرَهُمْ قَطُّ بَحَثُوا عَنْ عَلَاقَةِ الْمَجَازِ وُجُودًا وَلَا عَدَمًا وَلَا عَوَّلُوا عَلَى ذَلِكَ بِوَجْهٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَطْبَقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ تَجَوُّزٌ بَحَثُوا عَنْ قَرِينَةٍ، فَإِنْ وَجَدُوا لَهُ قَرِينَةً دَلَّ عَلَيْهَا كَلَامُ الْوَاقِفِ أَوْ غَرَضُهُ أَوْ حَالُهُ عَوَّلُوا عَلَيْهَا وَعَمِلُوا بِالْمَجَازِ لِأَجْلِهَا، سَوَاءٌ أَوُجِدَتْ عَلَاقَةٌ لِذَلِكَ الْمَجَازِ أَمْ لَا، وَإِنْ لَمْ يَجِدُوا لَهُ قَرِينَةً أَعْرَضُوا عَنْ الْعَمَلِ بِهِ، هَذَا مَا عَلِمْنَاهُ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَأَنْتَ مِنْ وَرَاءِ النَّظَرِ فِيهِ وَالتَّأَمُّلِ لِمَدَارِكِهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَنِيعُهُمْ ظَاهِرُ الْمَعْنَى جَلِيُّ الْمَغْزَى، فَإِنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِينَ غَالِبًا إنَّمَا يُنَزَّلُ عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَالْعَلَاقَةُ لَا شُغْلَ لَهَا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنْهَا إنَّمَا يَلِيقُ بِكَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْبَلَاغَةِ، وَأَمَّا كَلَامُ الْوَاقِفِينَ فَلَا يَرْتَبِطُ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا الَّذِي يَرْتَبِطُ بِهِ هُوَ الْقَرِينَةُ الدَّالَّةُ عَلَى التَّجَوُّزِ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ.
وَقَدْ صَرَّحَ الْبُلْقِينِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِمَا يُوَافِقُ مَا ذَكَرْته وَحَاصِلُ عِبَارَةِ فَتَاوِيهِ: رَجُلٌ وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ عَلَى ذُكُورِ أَوْلَادِهِمْ الذُّكُورِ، فَهَلْ يَسْتَحِقُّ ابْنُ الْبِنْتِ كَمَا زَعَمَهُ بَعْضُهُمْ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ الذُّكُورِ تَأْكِيدٌ لَفْظِيٌّ لِلْمُضَافِ فِي قَوْلِهِ ذُكُورِ أَوْلَادِهِمْ، أَمْ لَا يَسْتَحِقُّ كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ الْمُضَافِ إلَيْهِ أَوْلَادِ؟ وَلَا يُقَالُ: الْإِبْدَالُ مِنْ ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ مُمْتَنِعٌ عَلَى الْمُخْتَارِ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ بَدَلِ الْبَعْضِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْهُ وَلَا يَرِدُ عَلَى هَذَا أَنَّ بَدَلَ الْبَعْضِ يَحْتَاجُ إلَى ضَمِيرٍ يَعُودُ عَلَى الْمُبْدَلِ لِأَنَّهُ هُنَا مُقَدَّرٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ} [آل عمران: 97] أَيْ ذُكُورِ أَوْلَادِ الذُّكُورِ مِنْهُمْ، وَابْنُ الْبِنْتِ مِنْ ذُكُورِ الْأَوْلَادِ لَا مِنْ ذُكُورِ أَوْلَادِ الذُّكُورِ، وَحَمْلُ الْكَلَامِ عَلَى التَّأْسِيسِ خَيْرٌ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى التَّأْكِيدِ فَمَنْ هُوَ الْمُصِيبُ مِنْ هَذَيْنِ
فَأَجَابَ: لَا يَسْتَحِقُّ ابْنُ الْبِنْتِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَوْلَادِ الذُّكُورِ ثُمَّ قَالَ: وَلَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ إلَى الْبَدَلِ مِنْ ضَمِيرِ الْغَائِبِ وَلَا إلَى بَدَلِ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مِنْ الْمُقِرِّينَ وَالْمُنْشِئِينَ لِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إعْتَاقٍ تُحْمَلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّ الْوَاقِفَ قَدْ لَا يَكُونُ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا دَقَائِقِهَا وَلَا الْبَدَلِ وَلَا الْمُبْدَلِ، فَتَنْزِيلُ كَلَامِهِ عَلَى مَا لَا يَعْرِفُهُ لَا يَسْتَقِيمُ وَلَوْ لَحَنَ فِي الْإِعْتَاقِ بِتَذْكِيرٍ أَوْ تَأْنِيثٍ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْإِعْتَاقِ عَمَلًا بِالْعُرْفِ، وَلَوْ كَانَ الْوَاقِفُ يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ، فَإِنَّهُ لَا يُقْضَى عَلَى لَفْظِهِ الَّذِي لَهُ مُحْتَمَلَاتٌ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِأَحَدِ الْمُحْتَمَلَاتِ، إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ إرَادَةُ ذَلِكَ.
قَالَ: وَمَسْأَلَةُ الْبَدَلِ لَنَا عَلَيْهَا عَمَلٌ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعُ بَسْطِهِ فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الْفَتْوَى وَوَجْهُ تَأْيِيدِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ دَلَّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ وَالْقَرِينَةُ الْمُتَعَدِّدَةُ كَمَا مَرَّ، وَيَأْتِي وَكَلَامُهُ أَوَّلًا إنَّمَا هُوَ فِي فَهْمِ شَيْءٍ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ اللَّفْظُ بِقَرِينَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي لَا يُعْتَمَدُ عَلَى فَهْمِهِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي قَضِيَّةِ أَوْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الظِّهَارَ كَانَ عِنْدَهُمْ طَلَاقًا فَهُوَ فَاهِمٌ لِلَفْظِهِ مُعْتَقِدٌ بِهِ مَدْلُولَهُ الَّذِي عِنْدَهُمْ، لَكِنْ خَفَّفَ الشَّارِعُ عَنْهُ بِإِلْغَاءِ الطَّلَاقِ الَّذِي كَانُوا يَتَعَارَفُونَهُ وَإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ، فَهُوَ لَمْ يُؤَاخَذْ بِغَيْرِ مَا يَفْهَمُهُ مِنْ اللَّفْظِ، بَلْ سُومِحَ فِي مُقْتَضَى اللَّفْظِ بِاعْتِبَارِ عَقِيدَتِهِ فَتَأَمَّلْهُ مَعَ قَوْلِ الزَّرْكَشِيّ. وَلَكِنَّا نَنْظُرُ فِي ذَلِكَ إلَخْ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِيمَا قُلْنَاهُ مِنْ حَمْلِ الْعُتَقَاءِ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ شَرْعًا سَوَاءٌ عَلِمْنَا أَنَّ
الْوَاقِفَ فَهِمَ ذَلِكَ وَقَصَدَهُ أَمْ لَا، وَهَذَا غَايَةٌ فِي الْحُجَّةِ لَنَا عَلَى مَا فَهِمْنَا مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ وَعَمِلْنَا بِهِ لِوُجُودِ عَاضِدِهِ وَقَرِينَتِهِ بِاسْتِحْقَاقِ مَنْ ذُكِرَ أَوْ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِهِ، ثُمَّ بَيَّنَّ خَارِجَ هَذَا الْجَوَابِ كَلَامَهُ الَّذِي دَلَّ عَلَى الْبَدَلِ: بِأَنَّ بَدَلَ الظَّاهِرِ مِنْ الضَّمِيرِ إنَّمَا يَمْتَنِعُ عِنْدَ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ أَوْ الْمُخَاطَبِ، فَأَمَّا ضَمِيرُ الْغَائِبِ فَلَا يَمْتَنِعُ الْبَدَلُ مِنْهُ اتِّفَاقًا فَمَا أُورِدَ عَلَى ذَلِكَ أَيْ فِي السُّؤَالِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَيْضًا غَيْرُ صَحِيحٍ.
وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَتْوَى مِنْ أَنَّهُ لَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِلْبَدَلِ لَمْ يُقَرِّرْ مُدَّعِيهِ عَلَى دَعْوَاهُ وَإِنَّمَا أَرَدْنَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِي الْعَرَبِيَّةِ لَا تُعْتَمَدُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ اهـ.
فَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَاظَ مِنْ الْمُقِرِّينَ أَوْ الْمُنْشَئِينَ لِوَقْفٍ أَوْ وَصِيَّةٍ أَوْ إعْتَاقٍ تُحْمَلُ عَلَى مَا يَفْهَمُهُ أَهْلُ الْعُرْفِ، لَا عَلَى دَقَائِقِ الْعَرَبِيَّةِ إلَخْ وَقَوْلُهُ: مِثْلُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِي الْعَرَبِيَّةِ لَا تُعْتَمَدُ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ أَنَّ كَلَامَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا يُنَزَّلُ عَلَى مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ، لَا عَلَى دَقَائِقِ الْبَلَاغَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنَّ الْبَحْثَ عَنْ الْعَلَاقَةِ وُجُودًا وَعَدَمًا لَا يَلِيقُ بِكَلَامِ الْوَاقِفِينَ وَتَأَمَّلْ وُضُوحَ الدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ: لِرَجُلٍ زَنَيْتِ بِكَسْرِ التَّاءِ أَوَلِامْرَأَةٍ زَنَيْتَ بِفَتْحِهَا كَانَ ذَلِكَ قَذْفًا وَكَذَا فِي الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ، وَلَا أَثَرَ لِلَّحْنِ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمَدَارَ عَلَى الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ الْمُتَعَارَفِ بَيْنَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ، فَإِذَا أَلْغَوْا النَّظَرَ إلَى اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ عَمَلًا بِالْمُتَعَارَفِ بَيْنَ النَّاسِ، فَكَذَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ فَذِكْرُ الْوَاقِفِ أَوْلَادَ الْعُتَقَاءِ وَأَنَّ لَهُمْ نَصِيبَ آبَائِهِمْ لَا يَقْبَلُ النِّزَاعَ فِي أَنَّ ذَلِكَ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِوَقْفِهِ رِفْقَ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ، وَأَنَّ لَهُمْ اسْتِحْقَاقًا فِي وَقْفِهِ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ اتَّضَحَ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ، سَوَاءٌ أَوُجِدَ لِهَذَا الْمَجَازِ عَلَاقَةٌ أَمْ لَا؟ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ مِنْ غَيْرِ عَلَاقَةٍ فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ كَاللَّاحِنِ، وَقَدْ عَلِمْت مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ اللَّحْنَ وَنَحْوَهُ لَا يُؤَثِّرُ.
وَأَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا فِيمَنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَكُونَ فِي وَظَائِفِ مَدْرَسَتِهِ عَجَمِيٌّ ثُمَّ نَزَلَ فِيهَا عَتِيقُهُ الرُّومِيُّ، فَهَلْ لِلنَّاظِرِ بَعْدَهُ عَزْلُهُ؟ بِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَزْلُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُطْلَقُ فِي الْعُرْفِ عَلَى الطَّائِفَةِ الْمَخْصُوصَةِ الْخَارِجَةِ عَنْ التُّرْكِ وَالرُّومِ الَّذِينَ لُغَتُهُمْ غَيْرُ لُغَةِ الْعَجَمِ، فَتَأَمَّلْ تَحْكِيمَهُ الْعُرْفَ وَإِعْرَاضَهُ عَنْ مَدْلُولِ الْعَجَمِ لُغَةً وَشَرْعًا، تَجِدْ ذَلِكَ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِيمَا ذَكَرْته أَنَّ أَلْفَاظَ الْوَاقِفِينَ إنَّمَا تُحْمَلُ غَالِبًا عَلَى الْأُمُورِ الْمُتَعَارَفَةِ بَيْنَ النَّاسِ دُونَ غَيْرِهَا، وَذَلِكَ مِنْ الْوَاضِحِ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ وَلَا شُبْهَةَ تَعْتَرِيهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَاهُ وَيُصَرِّحُ بِهِ قَوْلَ الزَّرْكَشِيّ فِي قَوَاعِدِهِ، الْأَمْرُ الرَّابِعُ: أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي وَاقِفَةٍ جَعَلَتْ النَّظَرَ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدِ مِنْ أَوْلَادِهَا ثُمَّ أَوْلَادِ أَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، بِأَنَّ أَوْلَادَ أَوْلَادِهَا يَدْخُلُونَ فِي قَوْلِهَا مِنْ أَوْلَادِهَا، وَبِأَنَّ الْمُوَثِّقَ سَهَا فَأَسْقَطَ مَرْتَبَةً وَهِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَرَائِنَ ثُمَّ قَالَ: وَمَعَ السَّهْوِ الَّذِي نَسِينَاهُ لِلْمُوَثِّقِ وَأَيَّدْنَاهُ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ أَوْلَادُ أَوْلَادِهَا فِي قَوْلِهَا ثُمَّ لِلْأَرْشَدِ فَالْأَرْشَدُ مِنْ أَوْلَادِهَا وَتَكُونُ الْقَرَائِنُ الْمَذْكُورَةُ قَاضِيَةً بِإِدْخَالِ وَلَدِ الْوَلَدِ فِي الْأَوْلَادِ اهـ.
فَتَأَمَّلْ إفْتَاءَهُ بِإِدْخَالِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ لِلْقَرَائِنِ تَجِدْهُ صَرِيحًا فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَقَوْلَ الْبُلْقِينِيُّ لِلْقَرَائِنِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي نَحْوِ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ قَرِينَةٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ الْجَمْعَ؛ لِأَنَّهُ الْوَاقِعُ فِي تِلْكَ الْقَضِيَّةِ، لَا لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى الِاكْتِفَاءِ فِيهِ بِقَرِينَةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَدْ اكْتَفَى هُوَ بِالْقَرِينَةِ الْوَاحِدَةِ فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا أَنَّهُ قَالَ فِي جَوَابٍ لَهُ: وَقَوْلُ الْوَاقِفِ إلَى أَقْرَبِ أَهْلِهِ مِنْ الْعَصَبَاتِ الظَّاهِرُ فِيهِ: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ عَصَبَاتُ أَهْلِ الْوَقْفِ لَا الْعَصَبَةُ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ قَضِيَّةَ التَّخْصِيصِ بِالْأَوْلَادِ الْمَذْكُورِينَ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَدْخُلَ مَعَهُمْ غَيْرُهُمْ اهـ.
فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ ذِكْرَ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ قَرِينَةً عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَقَصْرِهِ تَجِدْهُ صَرِيحًا أَيَّ صَرِيحٍ فِي أَنَّ ذِكْرَ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ، وَالْجَامِعُ بَيْنَ هَذَا وَصُورَةِ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ قَصْرَ الْعَامِّ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهِ يَحْتَاجُ إلَى قَرِينَةٍ، بَلْ دَلِيلٍ بِخِلَافِ تَعْمِيمِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْقَرِينَةِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ
إلَى دَلِيلٍ فَإِذَا اكْتَفَى الْبُلْقِينِيُّ فِيمَا يَحْتَاجُ لِدَلِيلٍ بِمُجَرَّدِ قَرِينَةِ ذِكْرِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ عَلَى تَخْصِيصِ الْعَامِّ وَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِمُجَرَّدِ قَرِينَةِ ذِكْرِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا عَلَى شُمُولِ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ وَالْجَلَاءِ الَّذِي لَا يَقْبَلُ مَنْعًا وَلَا تَشْكِيكًا، فَإِيَّاكَ ثُمَّ إيَّاكَ أَنْ تَغْفُلَ عَنْهُ فَإِنَّك إذَا تَأَمَّلْتَهُ اتَّضَحَ لَك مَا أَفْتَى بِهِ أَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ مِنْ دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ عَلَى أَنَّ لَنَا أَنْ نَقُولَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ: إنَّ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ أَوْ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِهِمْ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ فِيهِمْ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا قَرِينَةٌ أَنَّ الْبُلْقِينِيُّ جَعَلَ نَظِيرَهُ مِنْ الْقَرَائِنِ الدَّالَّةِ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الْأَوْلَادِ فَاتَّضَحَ أَنَّ هَذَا قَرِينَةٌ صَحِيحَةٌ عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ.
وَالْقَرِينَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ أَوَّلًا: إلَى بَاقِي الْعُتَقَاءِ، وَثَانِيًا: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ فَعِنْدَ نَصِّهِ عَلَى عَدَمِ الْوَلَدِ عَبَّرَ بِبَاقِي الْعُتَقَاءِ، وَعِنْدَ عَدَمِ نَصِّهِ عَلَى ذَلِكَ عَبَّرَ بِالْعُتَقَاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ بَاقِيَ وَلَا قَالَ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْهُمْ فَعُدُولُهُ عَنْ الضَّمِيرِ إلَى الظَّاهِرِ مَعَ تَعْبِيرِهِ أَوَّلًا بِبَاقِي وَثَانِيًا بِالْعُتَقَاءِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَبُرْهَانٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ، وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ الْفَرْقُ إلَّا إنْ قُلْنَا: إنَّهُ حَيْثُ لَا وَلَدَ مُرَادُهُ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يُعَبِّرْ هُنَا بِبَاقِي؛ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَ الْفُرُوعَ فِي مَنْزِلَةِ الْأُصُولِ لَمْ يَتَّضِحْ التَّعْبِيرُ بِالْبَاقِي، وَمِثْلُ هَذَا التَّغَايُرِ فِي التَّعْبِيرِ الَّذِي مُسْتَنَدُ إدْرَاكِ الْفَرْقِ فِيهِ إلَى مُجَرَّدِ الذَّوْقِ يَكْفِي فِي الْقَرِينَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْوُضُوحُ بِحَيْثُ لَا تَقْبَلُ الْمَنْعَ كَمَا يُعْلَمُ بِتَصَفُّحِ كَلَامِ الْفُقَهَاءِ، بَلْ وَالْبُلَغَاءِ فِي الْقَرَائِنِ الَّتِي يُرَجِّحُونَ بِهَا إرَادَةَ الْمَجَازَاتِ.
وَالْقَرِينَةُ الثَّالِثَةُ قَوْلُهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ نَفَرًا وَوَجْهُ الْقَرِينَةِ فِي هَذَا: أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الِاسْتِمْرَارِ أَنَّ كُلَّ مَرْتَبَةٍ مِنْ مَرَاتِبِ الْفُرُوعِ يَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِمْ كَمَا كَانَ فِي الْمَرْتَبَةِ الْأُولَى مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَمَنْ مَاتَ لَا عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِأَهْلِ دَرَجَتِهِ، وَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ نَفَرًا، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ مَعْنَى ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ ظَاهِرًا فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، إذْ لَا يَتَأَتَّى جَرَيَانُ ذَلِكَ الشَّرْطِ فِي انْتِقَالِ نَصِيبِ الْمَيِّتِ لِوَلَدِهِ، وَإِلَّا فَلِأَهْلِ طَبَقَتِهِ، إلَّا إذَا أُرِيدَ بِالْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ الْكُلَّ فِي سَائِرِ الطَّبَقَاتِ، وَأَمَّا إذَا أُرِيدَ بِهِمْ حَقِيقَتُهُمْ فَقَطْ فَلَيْسَ مَعَنَا إلَّا مَرْتَبَةٌ وَاحِدَةٌ اُسْتُفِيدَتْ مِنْ قَوْلِهِ أَوَّلًا وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ، فَلَوْ قَصَرْنَا الْحُكْمَ عَلَى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ لَزِمَ إمَّا إلْغَاءُ قَوْلِهِ وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَهَذَا لَا يَقُولُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ مِنْ ذَوْقٍ، وَإِمَّا كَوْنُهُ تَأْكِيدًا لِمَا قَبْلَهُ وَهَذَا بَعِيدٌ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى كَمَا هُوَ جَلِيٌّ، عَلَى أَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فِي الْكَلَامِ عَلَى كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَغَيْرِهَا إذَا دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ وَالتَّأْسِيسِ فَالتَّأْسِيسُ أَوْلَى، وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا قُلْنَاهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ تَأْسِيسٌ؛ لِأَنَّهُ أَفَادَ مَا لَا يُفِيدُهُ قَوْلُهُ أَوَّلًا: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ بِخِلَافِ مَا إذَا قُصِرَ لَفْظُ الْعُتَقَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ قَوْلَهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ إمَّا لَغْوٌ أَوْ تَأْكِيدٌ
وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ كَمَا تَقَرَّرَ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ حَقَّ التَّأَمُّلِ، فَإِنَّك حِينَئِذٍ تَجِدُهُ قَرِينَةً جَلِيَّةً وَاضِحَةً بَلْ صَرِيحًا لَائِحًا عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ، وَأَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا؛ لِأَنَّهُ سَوَّى بَيْنَ الْكُلِّ بِقَوْلِهِ وَمَنْ تُوُفِّيَ إلَخْ وَقَوْلُهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ إلَخْ فَأَشَارَ إلَى ذَلِكَ بِتَعْبِيرِهِ بِبَاقِي الْعُتَقَاءِ أَوَّلًا وَبِالْعُتَقَاءِ ثَانِيًا وَثَالِثًا.
وَالْقَرِينَةُ الْوَاحِدَةُ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَافِيَةٌ فَكَيْفَ وَقَدْ اجْتَمَعَتْ كُلُّهَا؟ بَلْ يَأْتِي قَرِيبًا قَرِينَةٌ رَابِعَةٌ أَيْضًا وَهَذَا أَعْدَلُ شَاهِدٍ وَأَوْضَحُ بُرْهَانٍ عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ لَمْ يُرِدْ بِالْعُتَقَاءِ الْحَقِيقَةَ فَحَسْبُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِمْ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ لِمَا بَيَّنَاهُ وَقَرَّرْنَاهُ وَأَيَّدْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ، فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِذَلِكَ، وَاتَّضَحَ بِهِ مَا قَالَهُ أَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأَوَّلُ: مِنْ دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ وَبِاَللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ وَإِلَيْهِ الضَّرَاعَةُ فِي التَّأْيِيدِ وَالْحِفْظُ مِنْ الزَّلَلِ وَالْوَصْمَةِ إنَّهُ أَكْرَمُ كَرِيمٍ وَأَرْحَمُ رَحِيمٍ آمِينَ.
الْأَمْرُ الْخَامِسُ: أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا بِمَا هُوَ صَرِيحٌ فِي دُخُولِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ طَوِيلٍ: وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَ الْوَاقِفَةِ إدْخَالُ جَمِيعِ ذُرِّيَّتِهَا عَلَى مَا رَتَّبَتْ قَوْلَهَا، وَتُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ قَضِيَّةَ هَذَا التَّعْمِيمِ فَتَأَمَّلْ جَعْلَهُ قَوْلَهَا: وَتُوُفِّيَتْ الْوَاقِفَةُ عَنْ غَيْرِ وَلَدٍ وَلَا أَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ قَرِينَةً عَلَى دُخُولِ جَمِيعِ فُرُوعِهَا فِي وَقْفِهَا
تَجِدْهُ صَرِيحًا عَلَى دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ فِيهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالْأَوْلَى، وَوَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الْوَاقِفَ فِي مَسْأَلَتِنَا ذَكَرَ انْتِقَالَ نَصِيبِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ إنْ وُجِدَ، وَإِلَّا فَلِلْمُسَاوِي وَهَذَانِ قَرِينَتَانِ بِمُقْتَضَى قِيَاسِ هَذِهِ الَّتِي نَظَرَ إلَيْهَا الْبُلْقِينِيُّ وَمَا فِيهِ قَرِينَتَانِ أَوْلَى مِمَّا فِيهِ قَرِينَةٌ، بَلْ لَوْ فُرِضَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَسْأَلَتِنَا إلَّا الْقَرِينَةُ الْأُولَى لَكَانَ أَوْلَى أَيْضًا وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ دَلَالَةَ انْتِقَالِ نَصِيبِ الْأَصْلِ لِلْفَرْعِ عَلَى دُخُولِ الْفَرْعِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ جَعْلِ فَقْدِ الْفَرْعِ شَرْطًا لِانْتِقَالِهِ لِغَيْرِ الْفَرْعِ عَلَى دُخُولِ الْفَرْعِ إنْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ وَذَاكَ مَنْطُوقٌ قَوِيٌّ فَاتَّضَحَ أَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ قَرِينَتَيْنِ وَأَنَّ إحْدَاهُمَا بِانْفِرَادِهَا أَقْوَى مِنْ قَرِينَةِ الْبُلْقِينِيُّ، فَكَانَ مَا قُلْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِأَوْلَادِهِمْ وَسَائِرِ فُرُوعِهِمْ أَوْلَى بِالشُّمُولِ مِمَّا ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ، فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الصَّرَائِحِ فِي مَسْأَلَتِنَا.
فَإِنْ قُلْت يُنَافِي هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُلْقِينِيُّ مَا يَأْتِي فِي الْأَمْرِ الْعَاشِرِ مِنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَنَّ شَرْطَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ فِي الصَّرْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِشَيْءٍ مِنْ الْوَقْفِ قُلْت: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْبُلْقِينِيُّ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ قَوْلِهَا ذَلِكَ اسْتِحْقَاقَ أَهْلِ مَرْتَبَةٍ شَيْئًا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْوَاقِفُ، وَإِنَّمَا الَّذِي أَخَذَهُ مِنْهُ أَنَّ قَوْلَهَا وَلَا أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ عَامٌّ فَأَخَذْنَا بِمَفْهُومِهِ مِنْ أَنَّهُ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ صُرِفَ إلَيْهِ، وَهَذَا أَخْذٌ ظَاهِرٌ دَلَّ عَلَيْهِ مَفْهُومُ كَلَامِ الْوَاقِفَةِ كَمَا تَقَرَّرَ، وَأَمَّا صُورَةُ الْأَكْثَرِينَ فَإِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهَا فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مَا يُفْهِمُ عِنْدَهُمْ اسْتِحْقَاقَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ الْوَقْفَ بِالْأَوْلَادِ ثُمَّ جَعَلَ انْقِرَاضَ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَرْطًا فِي إعْطَاءِ الْفُقَرَاءِ، وَهَذَا لَا يُفْهَمُ مِنْهُ وَضْعًا أَنَّ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَيْئًا، وَسَيَأْتِي لِذَلِكَ مَزِيدٌ.
الْأَمْرُ السَّادِسُ، وَلَمْ أَظْفَرْ بِهِ إلَّا بَعْدَ كِتَابَةِ جَمِيعِ مَا سَبَقَ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِي عَيْنِ مَسْأَلَتِنَا بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِلْقَرِينَةِ السَّابِقَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: وَقَدْ ذَكَرَتْ الْوَاقِفَةُ فِي أَمْرِ الْعُتَقَاءِ مَا نَصُّهُ: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْهُمْ يُصْرَفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِهِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهِ وَذُرِّيَّتِهِ وَعَقِبِهِ وَنَسْلِهِ، ثُمَّ قَالَ وَقَدْ قَالَتْ الْوَاقِفَةُ بَعْدَ ذَلِكَ: فَإِنْ انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الْمَذْكُورُونَ فِيهِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَبْقَ بِوَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ مِنْهُمْ حِينَ وَفَاةِ الْوَاقِفَةِ الْمَذْكُورَةِ صُرِفَ مَا هُوَ مُعَيَّنٌ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِ الْوَاقِفَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ إلَى أَوْلَادِ أَوْلَادِهَا إلَخْ، فَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ عَيْنُ صُورَةِ سُؤَالِ الْمُفْتِي الْمَذْكُورِ أَوَّلَ هَذَا الِاسْتِفْتَاءِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَفْتَى الْبُلْقِينِيُّ فِيهِ بِأَنَّهُ يَعُمُّ ذُرِّيَّةَ الْعُتَقَاءِ حَيْثُ قَالَ بَعْدَ الْعِبَارَةِ الْأُولَى: وَقَضِيَّةُ هَذَا تَعْمِيمُ ذُرِّيَّةِ الْعُتَقَاءِ، وَلَوْ كَانَ بَعْضُ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ مَاتَ قَبْلَ صُدُورِ الْوَقْفِ، وَهَذَا مِنْهُ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفَةِ آخَرُ فَإِذَا انْقَرَضَ الْعُتَقَاءُ الْمَذْكُورُونَ إلَخْ لَمْ تُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الْعُتَقَاءِ وَإِنَّمَا أَرَادَتْ بِهِمْ مَا يَشْمَلُ أَوْلَادَهُمْ وَأَوْلَادَ أَوْلَادِهِمْ، وَإِنْ سَفَلُوا أَخْذًا بِقَوْلِهَا أَوَّلًا: ثُمَّ مِنْ بَعْدِ مَنْ لَهُ وَلَدٌ مِنْهُمْ يُصْرَفُ إلَخْ فَتَصْرِيحُهُ بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِقَرِينَةِ ذِكْرِ أَوْلَادِهِمْ وَنَسْلِهِمْ حَتَّى إنَّ أَوْلَادَ الْوَاقِفَةِ لَا يَسْتَحِقُّونَ مِنْ حِصَّةِ الْعُتَقَاءِ شَيْئًا مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ فُرُوعِهِمْ.
وَلَا نَظَرَ لِتَعْبِيرِهَا آخِرًا بِالْعُتَقَاءِ لِشُمُولِهِمْ لِفُرُوعِهِمْ لِأَجْلِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ تَصْرِيحٌ فِي مَسْأَلَتِنَا بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ فِيهَا لِفُرُوعِهِمْ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ أَعْنِي مَسْأَلَةَ الْبُلْقِينِيُّ وَمَسْأَلَتَنَا وَاحِدَةٌ، وَالْقَرِينَةَ فِيهِمَا وَاحِدَةٌ فَإِذَا قَالَ فِي تِلْكَ: بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ كَانَ قَائِلًا فِي هَذِهِ بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، بَلْ فِي الْحَقِيقَةِ الْبُلْقِينِيُّ مُفْتٍ فِي مَسْأَلَتِنَا بِعَيْنِهَا بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهَا هِيَ عَيْنُ صُورَةِ مَسْأَلَتِنَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ
وَلَا نَقْصٍ، وَإِذَا كَانَ الْبُلْقِينِيُّ مُفْتِيًا فِي مَسْأَلَتِنَا بِذَلِكَ فَكَفَى بِهِ حُجَّةً وَمُسْتَنَدًا لِمَا قُلْنَاهُ وَحَرَّرْنَاهُ وَبَيَّنَّاهُ، وَلِمَ لَا؟ وَالْمُحَقِّقُ أَبُو زُرْعَةَ الَّذِي قِيلَ فِي تَرْجَمَتِهِ مَا رَأَى مِثْلَ نَفْسِهِ يَقُولُ فِي حَقِّ شَيْخِهِ السِّرَاجِ الْبُلْقِينِيُّ بَعْدَ أَنْ أَطْنَبَ فِي تَرْجَمَتِهِ: وَبِالْجُمْلَةِ فَقَدْ كَمُلَتْ فِي شَيْخِنَا هَذَا شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ الْمُطْلَقِ.
فَلِلَّهِ سبحانه وتعالى أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلُهُ وَأَزْكَاهُ وَأَنْمَاهُ وَأَشْمَلُهُ وَأَفْضَلُهُ، إذْ وَافَقْتُ أَنَا وَأَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ هَذَا الْحَبْرَ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّ لَفْظَ الْعُتَقَاءِ يَشْمَلُ فُرُوعَهُمْ إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ كَافِيًا فِي الْحُجَّةِ، وَلِذَا لَوْ اطَّلَعْت عَلَيْهِ فِي الْأُوَلِ لَاكْتَفَيْتَ بِهِ وَلَمْ أُتْعِبْ نَفْسِي فِيمَا سَبَقَ وَلَا فِيمَا يَأْتِي، لَكِنَّ فِي ذَلِكَ فَرَائِدَ وَفَوَائِدَ وَقَوَاعِدَ لَا بَأْسَ بِاسْتِفَادَتِهَا، فَإِنَّهَا تَزِيدُ الْحَقَّ وُضُوحًا وَظُهُورًا وَتُبْلِجُ الصَّدْرَ سُرُورًا وَحُبُورًا وَتُعِينُ عَلَى إدْرَاكِ عَوِيصَاتِ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا بِخُصُوصِهَا مَنْقُولٌ وَلَا يُهْتَدَى لِدَرْكِ الْحُكْمِ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الْمَعْقُولِ، يَسَّرَ اللَّهُ لَنَا سبحانه وتعالى ذَلِكَ وَجَعَلَنَا مِمَّنْ تَحَقَّقَ بِإِدْرَاكِ هَذِهِ الْمَسَالِكِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِينَ.
الْأَمْرُ السَّابِعُ: قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي تَوَسُّطِهِ مَا حَاصِلُهُ: أَنَّ الْأَئِمَّةَ اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ وَمَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِلَ الْوَقْفُ إلَيْهِ كَانَ لِوَلَدِهِ إذَا انْتَقَلَ إلَيْهِ مَا كَانَ جَارِيًا عَلَى أَبِيهِ، فَكَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً زَعَمَ الْقَاضِي بَهَاءُ الدِّينِ بْنُ الزَّكِيِّ أَنَّ نَصِيبَهَا لَا يَنْتَقِلُ إلَى وَلَدِهَا بِحُكْمِ هَذَا الشَّرْطِ؛ لِأَنَّهُ مَذْكُورٌ بِلَفْظِ الْأَبِ، فَلَا يَتَنَاوَلُ الْأُمَّ، وَأَنَّ التَّاجَ الْفَزَارِيّ إمَامَ الشَّافِعِيَّةِ فِي زَمَنِهِ وَكَانَ مِنْ مُعَاصِرِي النَّوَوِيِّ لَكِنَّهُ كَانَ أَشْيَعَ وَأَشْهَرَ مِنْ النَّوَوِيِّ قَالَ: إنَّ لَفْظَ الْأَبِ جَاءَ لِلتَّغْلِيبِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَأَفْتَى بِذَلِكَ، قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَسَاعَدَهُ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ وَبَلَغَهُ أَنَّ السُّؤَالَ عُرِضَ عَلَى الشَّرَفِ الْمَقْدِسِيِّ وَالزِّيَنِ بْنِ عُمَرَ مَكِّيٌّ فَامْتَنَعَا مِنْ الْكِتَابَةِ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْقَاضِي بَهَاءِ الدِّينِ، فَحَوْقَلَ الشَّيْخُ رحمه الله وَاسْتَرْجَعَ لِذَلِكَ اهـ كَلَامُ الْأَذْرَعِيِّ، وَهُوَ صَرِيحٌ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلتَّاجِ وَمُوَافِقِيهِ وَمُنْكِرٌ عَلَى الْبَهَاءِ الزَّكِيِّ وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ الْكِتَابَةِ لِأَجْلِهِ.
وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْأَبَ اُسْتُعْمِلَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ وَلَمْ يُبَيِّنُوا لِذَلِكَ قَرِينَةً، فَكَيْفَ لَا يُسْتَعْمَلُ الْعُتَقَاءُ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِلْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي سَبَقَ تَقْرِيرُهَا، فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ سَاغَ لِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَعْلَمُوا اللَّفْظَ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ بِلَا قَرِينَةٍ سِيَّمَا مَعَ تَصْرِيحِ رَئِيسِهِمْ التَّاجِ الْفَزَارِيّ بِالتَّغْلِيبِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلتَّجَوُّزِ قُلْت: الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ اكْتَفَوْا بِوُضُوحِ الْقَرِينَةِ الْمَفْهُومَةِ مِنْ لَفْظِ الْوَاقِفِ، فَإِنَّهُ صَرَّحَ أَوَّلًا بِأَوْلَادِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَبِأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ انْتَقَلَ لِوَلَدِهِ مَا كَانَ لَهُ كَمَا يُعْرَفُ بِمُرَاجَعَةِ كَلَامِ التَّوَسُّطِ وَجَامِعِ فَتَاوَى التَّاجِ الْفَزَارِيّ وَأَئِمَّةِ عَصْرِهِ لِبَعْضِ تَلَامِذَتِهِ، وَمِنْهُ نَقَلَ الْأَذْرَعِيُّ فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّك تَجِدُهُ نَصًّا فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةَ أَخَذُوا مِنْ قَوْلِ الْوَاقِفِ أَوَّلًا أَنَّ مَنْ مَاتَ عَنْ وَلَدٍ يَكُونُ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْأَبِ الْمَذْكُورِ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يَشْمَلُ الْأُمَّ تَغْلِيبًا، فَاكْتَفَوْا بِهَذِهِ الْقَرِينَةِ الْوَاحِدَةِ فِي ذَلِكَ وَحِينَئِذٍ فَقِيَاسُهُ أَنَّهُ يُكْتَفَى فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ بِمِثْلِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ، وَقَدْ مَرَّ قَرِيبًا مِثْلُهَا مَعَ قَرَائِنَ أُخْرَى فَلْيَكُنْ الشُّمُولُ فِي مَسْأَلَتِنَا أَوْلَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَفْتَى بِهِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ نَصٌّ قَاطِعٌ لِلنِّزَاعِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَلَا يَسُوغُ لِأَحَدٍ الْعُدُولُ عَنْهُ.
الْأَمْرُ الثَّامِنُ: قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ فِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ طَوِيلٍ: ثُمَّ إنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ الْحُكْمُ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَذْكُورِينَ عَلَى رُجْحَانِ هَذَا الْمَحْمَلِ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ، بَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا مُتَسَاوِيًا فَإِنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ ذِكْرُهُ لَفْظَ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَقْيِيدُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِمُحْتَمِلٍ لِذَلِكَ، انْتَهَى الْمَقْصُودُ مِنْهُ وَجَرَى عَلَى ذَلِكَ السُّبْكِيّ فِي فَتَاوِيهِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي صُورَةٍ وُجُوهًا لِلِاسْتِحْقَاقِ وَوُجُوهًا لِعَدَمِهِ وَبَيَّنَهَا ثُمَّ قَالَ: الِاسْتِحْقَاقُ مُحَقَّقٌ وَالْحَجْبُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُتْرَكُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ وَيُعْمَلُ بِالْمُحَقَّقِ فَيُقْضَى لَهُنَّ بِالِاسْتِحْقَاقِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ: الْأَصْلُ قَبْلَ الْوَقْفِ عَدَمُ الِاسْتِحْقَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِهِ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ أَرْجَحُ اهـ.
وَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ لِهَذَيْنِ الْإِمَامَيْنِ نَصٌّ فِي مَسْأَلَتِنَا أَيْضًا بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ وَأَوْلَادِ أَوْلَادِهِمْ وَهَكَذَا، وَبَيَانُهُ أَنَّا تَيَقَّنَّا اسْتِحْقَاقَ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ
بِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَيْهِمْ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ وَلَدٍ إلَخْ ثُمَّ شَكَكْنَا فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا بَقِيَ مِنْهُمْ خَمْسُونَ، هَلْ أَرَادَ مِنْ الْعُتَقَاءِ دُونَ فُرُوعِهِمْ أَوْ مِنْهُمْ وَمِنْ فُرُوعِهِمْ؟ وَعِنْدَ الشَّكِّ يَجِبُ الرُّجُوعُ لِلْمُتَيَقَّنِ وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْفُرُوعِ فَيُحْكَمُ لَهُمْ بِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ خُرُوجُهُمْ بِدَلِيلٍ غَيْرِ مُحْتَمِلٍ أَخْذًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ الصَّلَاحِ الْمَذْكُورِ، فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَقْيِيدُهُ وَلَا يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ بِمُحْتَمِلٍ لِذَلِكَ، وَلَوْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ هُنَا يَقِينٌ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ كَانَ قَوْلُ ابْنِ الصَّلَاحِ: وَإِنْ مُحْتَمِلًا مُتَسَاوِيًا إلَخْ مُقْتَضِيًا لِاسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ ابْنَ الصَّلَاحِ اسْتَدَلَّ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ بِتَقَدُّمِ ذِكْرِ النَّسْلِ وَالْعَقِبِ فَأُجْرِيَ عَلَى إطْلَاقِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ مُحْتَمِلِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ جَارٍ فِي صُورَتِنَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ وَأَسْفَلَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِذَا جَرَى فِيهَا ذَلِكَ جَرَى فِيهَا مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا تَسَاوِيَ الِاحْتِمَالَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى ذَلِكَ ذِكْرُ الْفُرُوعِ فَيَخْرُجُونَ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ مَا لَمْ يَظْهَرْ مُخْرِجٌ لَهُمْ مِنْهُ بِغَيْرِ مُحْتَمِلٍ، وَلَا يُمْكِنُ مُدَّعِيًا هُنَا أَنْ يَزْعُمَ إخْرَاجَهُمْ بِغَيْرِ مُحْتَمِلٍ؛ لِأَنَّ حَمْلَ الْعُتَقَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ لَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ لَا قَرِينَةَ لَهُ كَانَ مِنْ أَظْهَرْ قَرَائِنِهِ تَقَدُّمُ اسْتِحْقَاقِ الْفُرُوعِ وَالنَّظَرِ إلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ ثَابِتٍ دَوَامُهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ مَانِعًا لَهُ مِنْ ادِّعَاءِ انْصِرَافِهِ إلَى حَقِيقَتِهِ فَقَطْ، وَإِذَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَ الْعَمَلُ بِالْمُتَيَقَّنِ أَوَّلًا وَهُوَ اسْتِحْقَاقُ الْفُرُوعِ بِنَصِّ الْوَاقِفِ، فَإِنْ قُلْت: هَلْ يَصْدُقُ عَلَى أَوْلَادِ الْعُتَقَاءِ فِي مَسْأَلَتِنَا أَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ فِي حَيَاةِ آبَائِهِمْ أَوْ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ آبَائِهِمْ؟ قُلْت: كُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْأَقْرَبُ إلَى قَوَاعِدِ اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ، كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيّ ثُمَّ اسْتَنْتَجَ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ دَاخِلُونَ فِي لَفْظِ الْوَاقِفِ وَمُرَادِهِ أَوَّلًا، وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمْ وَبِثُمَّ إنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِكَوْنِ الْمُقْتَضَى إذَا وُجِدَ عَمَلٌ عَمِلَهُ وَلَهُ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ طَوِيلٌ فِي إفْتَاءٍ آخَرَ حَاصِلُهُ: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَنَّهُ قَبْلَ اسْتِحْقَاقِهِ يُسَمَّى مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ وَبَيْنَ ذَلِكَ.
الْأَمْرُ التَّاسِعُ: قَالَ السُّبْكِيّ بَعْدَ ذِكْرِهِ أَمْرَيْنِ مُتَعَارِضَيْنِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ لِبَعْضِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ وَعَدَمِهِ: فَهَذَانِ الظَّاهِرَانِ تَعَارَضَا وَهُوَ تَعَارُضٌ قَوِيٌّ صَعْبٌ، وَلَيْسَ التَّرْجِيحُ فِيهِ بِالْهَيِّنِ، بَلْ هُوَ مَحَلُّ نَظَرِ الْفَقِيهِ وَخَطَرَ لِي فِيهِ طُرُقٌ مِنْهَا أَنَّ الشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ جَمِيعِهِمْ مُتَقَدِّمٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ، وَالشَّرْطَ الْمُقْتَضِيَ لِإِخْرَاجِهِمْ بِقَوْلِهِ: مَنْ مَاتَ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ لِوَلَدِهِ مُتَأَخِّرٌ فَالْعَمَلُ بِالْمُقَدَّمِ أَوْلَى، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ النَّسْخِ حَتَّى يُقَالَ: الْعَمَلُ بِالْمُتَأَخِّرِ أَوْلَى اهـ.
وَهَذَا نَصٌّ قَاطِعٌ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ التَّنَزُّلِ فِيهَا أَنْ يُقَالَ: الشَّرْطُ الْمُقْتَضِي لِاسْتِحْقَاقِ الْعُتَقَاءِ مُتَقَدِّمٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ وَالشَّرْطُ الْمُقْتَضِي لِإِخْرَاجِهِمْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعُتَقَاءَ فِي قَوْلِهِ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ إلَخْ الْمُرَادُ بِهِمْ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً فَقَطْ مُتَأَخِّرٌ، وَالْعَمَلُ بِالْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى بِنَصِّ هَذَا الْخَبْرِ، وَيُوَجَّهُ مَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُتَقَدِّمِ أَوْلَى بِمَا عُرِفَ مِمَّا سَبَقَ فِي كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ: مِنْ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفَادَ بِيَقِينٍ إدْخَالَهُمْ وَشَكَكْنَا فِي الثَّانِي هَلْ أَخْرَجَهُمْ أَوْ لَا؟ فَأَبْقَيْنَا الْمُتَيَقَّنَ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ دَوَامِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ نَرْفَعْهُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْوَ عَلَى ذَلِكَ مَعَ مُعَارَضَتِهِ لِلْأَوَّلِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ يَزْدَدْ لَك بِهِ وُضُوحُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ دُخُولِ فُرُوعِ الْعُتَقَاءِ، وَاشْكُرْ اللَّهَ عَلَى وُضُوحِ الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمُشْكِلَةِ وَالْوَاقِعَةِ الْعَوِيصَةِ الْمُعْضِلَةِ.
الْأَمْرُ الْعَاشِرُ: قَالَ السُّبْكِيّ: قَالَ أَصْحَابُنَا: إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي وَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَأَوْلَادُ أَوْلَادِي فَعَلَى الْفُقَرَاءِ صُرِفَ إلَى الْأَوْلَادِ فَإِذَا انْقَرَضُوا وَبَقِيَ أَوْلَادُ الْأَوْلَادِ فَوَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: وَكَلَامُ الْأَكْثَرِينَ مَائِلٌ لِتَرْجِيحِهِ يَكُونُ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ الثَّانِي أَنَّهُ يُصْرَفُ إلَى أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي عَصْرُونَ وَلَيْسَ لِأَجْلِ الْمَفْهُومِ؛ لِأَنَّ الْمَفْهُومَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لَا يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ، وَهُوَ مِنْ مَفْهُومِ الشَّرْطِ وَإِنَّمَا انْصَرَفَ لِأَوْلَادِ الْأَوْلَادِ عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهِمْ وَتَوْقِيفِ الصَّرْفِ إلَى الْفُقَرَاءِ
عَلَى انْقِرَاضِهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَوْلَادِي وَأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ فِيهِمْ وَتَجَوَّزَ بِإِطْلَاقِ الْأَوْلَادِ وَإِرَادَةِ الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ، بَلْ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: إنَّ ذَلِكَ حَقِيقَةٌ، فَلَيْسَ هَذَا مِنْ الْمَفْهُومِ فِي شَيْءٍ وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا جَرَيَانُهُ فِيمَا إذَا قَالَ: وَقَفْت عَلَى أَوْلَادِي، فَإِذَا انْقَرَضَ أَوْلَادِي وَانْقَرَضَ زَيْدٌ الْأَجْنَبِيُّ فَعَلَى الْفُقَرَاءِ، بَلْ الَّذِي يُتَّجَهُ هَهُنَا الْقَطْعُ بِكَوْنِهِ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ؛ لِأَنَّ زَيْدًا لَا يَدْخُلُ فِي اسْمِ الْأَوْلَادِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا كَوْنُهُ مُعَلَّقًا عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلِاسْتِحْقَاقِ اهـ. كَلَامُ السُّبْكِيّ، فَتَأَمَّلْ مَا وَجَّهَ بِهِ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِاسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ مِنْ أَنَّ قَرِينَةَ ذِكْرِهِمْ وَتَوْقِيفِ الصَّرْفِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَهُمْ بِقَوْلِهِ: أَوْلَادِي وَأَنَّهُ تَجَوَّزَ فَأَطْلَقَ الْأَوْلَادَ عَلَى الْأَوْلَادِ وَأَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّك تَجِدُهُ صَرِيحًا فِي شُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ؛ لِأَنَّ السُّبْكِيّ إذَا اكْتَفَى فِي أَنَّ لَفْظَ الْأَوْلَادِ جَمَعَ فِيهِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِمُجَرَّدِ ذِكْرِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ وَتَوْقِيتِ الصَّرْفِ عَلَى انْقِرَاضِهِمْ، فَهُوَ يَكْتَفِي فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي مَسْأَلَتِنَا، فَهُوَ فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ فَلْيُكْتَفَ فِيهَا فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ قَطْعًا، فَيَكُونُ لَفْظُ الْعُتَقَاءِ شَامِلًا لِلْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَمَجَازًا فَيَشْمَلُ سَائِرَ فُرُوعِهِمْ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَك أَنَّ الْوَجْهَيْنِ الْجَارِيَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَا يَجْرِي نَظِيرُهُمَا فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ إنَّمَا مَالَ كَلَامُهُمْ إلَى تَرْجِيحِ عَدَمِ اسْتِحْقَاقِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ لِضَعْفِ تِلْكَ الْقَرِينَةِ كَمَا ظَهَرَ لَكَ مِمَّا قَرَّرْتُهُ وَأَمَّا مَسْأَلَتُنَا فَالْقَرِينَةُ فِيهَا قَوِيَّةٌ جِدًّا بَلْ وَمَعَهَا قَرَائِنُ أُخْرَى كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا، فَلَا يَأْتِي نَظِيرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ فِي مَسْأَلَتِنَا؛ لِأَنَّ غَايَةَ مَا يُعَلِّلُونَ بِهِ أَنَّ جَعْلَ انْقِرَاضِ أَوْلَادِ الْأَوْلَادِ شَرْطًا فِي الصَّرْفِ لِلْفُقَرَاءِ لَا يَدُلُّ وَضْعًا لَا مَنْطُوقًا وَلَا مَفْهُومًا عَلَى الصَّرْفِ لَهُمْ.
وَالْأَصْلُ عَدَمُ اسْتِحْقَاقِهِمْ فَعَمِلُوا بِذَلِكَ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَتِنَا فَلَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا بِنَظِيرِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا ذَكَرَ الْأَوْلَادَ وَنَصَّ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مَا كَانَ لِأَبِيهِ دَلَّ ذَلِكَ صَرِيحًا عَلَى دُخُولِهِمْ فِي وَقْفِهِ وَلَفْظِهِ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِدَوَامِ اسْتِحْقَاقِهِمْ، إذْ لَا رَافِعَ لَهُ وَبِتَقْدِيرِ أَنَّ لَهُ رَافِعًا بَعْدَهُ لَا يُعْمَلُ بِهِ كَمَا مَرَّ عَنْ السُّبْكِيّ قَرِيبًا فِي الْأَمْرِ التَّاسِعِ.
(الْكَلَامُ الثَّانِي) فِي بَيَانِ مَا فِي تِلْكَ الْأَجْوِبَةِ، أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ: أَرَادَ الْوَاقِفُ إلَخْ كَلَامٌ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّهُ وُجِدَ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِ مِنْ الْقَرَائِنِ الْمُتَعَدِّدَةِ كَمَا قَدَّمْت بَيَانَهَا وَإِيضَاحَهَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ مَا يَشْمَلُ حَقِيقَتَهُ وَمَجَازَهُ يَنْبَغِي حَمْلُهُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى جِهَةِ التَّنَزُّلِ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّحْقِيقَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ بَابِ اسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعَانِيهِ، لَا مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ إلَخْ بَيَانٌ لِعَلَاقَةِ ذَلِكَ الْمَجَازِ وَقَوْلُهُ: وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ بَيَانٌ لِلْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ مَجَازَهُ أَيْضًا، وَقَدْ قَدَّمْت مِنْ الْقَرَائِنِ وَالْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ مَا يَنْشَرِحُ لَهُ الصَّدْرُ وَتَقَرُّ بِهِ الْعَيْنُ وَيَتَّضِحُ بِهِ الْحَقُّ وَيَزُولُ عَنْ إدْرَاكِ عَوْرَةِ كَثَائِفِ الرَّيْنِ وَالْغَيْنِ، وَقَوْلُهُ: فَلَا يَدْخُلُ إلَخْ هُوَ الْوَجْهُ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الْوَاقِفِ وَمَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ التَّصْرِيحُ بِنَظِيرِهِ وَعَنْهُ وَعَنْ أَئِمَّةٍ آخَرِينَ أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مُصَرِّحَةٌ بِهِ لَا تَقْبَلُ تَأْوِيلًا وَلَا تَحْتَاجُ دَلِيلًا، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الثَّانِي فَقَوْلُهُ: لَا يَخْتَصُّ إلَخْ لَا يُنَافِي الَّذِي قَبْلَهُ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً إلَّا خَمْسُونَ وَلَمْ يُوجَدْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِينَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَانِعًا مِنْ الصَّرْفِ لِجِهَةِ الْحَرَمِ، وَأَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْعُتَقَاءُ وَأَوْلَادُهُمْ قُدِّمَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً إنْ زَادُوا عَلَى خَمْسِينَ لِنَصِّ الْوَاقِفِ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالِاخْتِصَاصِ الَّذِي ذَكَرَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: فَإِذَا انْقَرَضَ إلَخْ نَعَمْ قَضِيَّةُ قَوْلِهِ فَإِذَا انْقَرَضَ إلَخْ أَنَّهُ لَوْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ لَكِنَّ بَعْضَهُمْ عُتَقَاءُ حَقِيقَةً وَبَعْضَهُمْ مِنْ فُرُوعِ الْمَيِّتِينَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادًا؛ لِأَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ إذَا كَانُوا مِنْ مَحْضِ الْفُرُوعِ وَمُنِعُوا مِنْ ذَلِكَ بِنَصِّ هَذَا الْمُجِيبِ وَبَقِيَ مِنْ أَوْلَادِهِمْ إلَخْ فَأَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ الْأَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ الَّذِينَ بَعْضُهُمْ مِنْ الْعُتَقَاءِ وَبَعْضُهُمْ مِنْ الْفُرُوعِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِهِ فَلَا تُرَدُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَوْهَمَ ظَاهِرُهُ خِلَافَهَا
عِنْدَ عَدَمِ التَّأَمُّلِ وَأَنَّهُ مَتَى وُجِدَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَبَعْضُهُمْ مِنْ الْفُرُوعِ، فَإِنَّ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ هُمَا مَحَلُّ الْخِلَافِ بَيْنَ هَؤُلَاءِ الْمُجِيبِينَ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ الْحَقَّ أَنَّ الْفُرُوعَ كَالْأُصُولِ فِي الْمَنْعِ، لَكِنَّ الْمُرَادَ بِالْفُرُوعِ فُرُوعُ مَنْ مَاتَ لَا مَنْ هُوَ مَوْجُودٌ؛ لِأَنَّ نَصَّ الْوَاقِفِ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ وَلَهُ وَلَدٌ إلَخْ أَفَادَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ أَبِيهِ فِي تَنَاوُلِ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ لَهُ، إلَّا إنْ مَاتَ أَبُوهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَرِينَةَ الظَّاهِرَةَ عَلَى دُخُولِهِ قَوْلُهُ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ إلَخْ لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَتَأَتَّى إنْ قُلْنَا: إنَّ دُخُولَهُمْ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ أُرِيدَ بِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ: وَمَنْ تُوُفِّيَ مِنْهُمْ إلَخْ أَمَّا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ فَتَدْخُلُ الْفُرُوعُ، وَلَوْ مَعَ وُجُودِ آبَائِهِمْ، بَلْ قَضِيَّةُ مَا قَدَّمْته أَوَاخِرَ الْأَمْرِ الثَّامِنِ عَنْ السُّبْكِيّ دُخُولُهُمْ هُنَا مُطْلَقًا وَيُجَابُ: بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ مُجَرَّد اتِّصَافِهِمْ بِالدُّخُولِ وَأَنَّهُمْ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يَحْجُبُونَ غَيْرَهُمْ؛ لِأَنَّ الْحَجْبَ حُكْمٌ مُغَايِرٌ لِمُجَرَّدِ الْإِطْلَاقِ وَالتَّسْمِيَةِ، فَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْوَجْهُ أَنَّ الْفُرُوعَ الْمَوْجُودَ آبَاؤُهُمْ لَا مَدْخَلَ لَهُمْ فِي حَجْبِ جِهَةِ الْحَرَمِ حَيْثُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً وَمِنْ فُرُوعِ الْمَوْتَى إلَّا خَمْسُونَ فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ، فَإِنَّ هَذِهِ الْأَجْوِبَةَ ظَاهِرُهَا التَّنَافِي فِي ذَلِكَ، إذْ ظَاهِرُ هَذَا الْجَوَابِ هُنَا مَا قُلْنَاهُ.
وَظَاهِرُ الْحَاصِلِ الَّذِي ذَكَرَهُ عِنْدَ تَأَمُّلِ آخِرِهِ وَظَاهِرُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْفَرْعَ يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ وَالِدِهِ مُطْلَقًا، وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ لِمَا بَيَّنَّاهُ وَقَوْلُهُ الزَّائِدُ عَلَى الْخَمْسِينَ الظَّاهِرُ أَنَّهُ تَصْوِيرٌ لَا تَقْيِيدٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: كَأَنَّهُ إلَخْ وَقَوْلُهُ: عَصَبَةُ كُلِّ عَتِيقٍ الْمُرَادُ مِنْهُمْ فُرُوعُهُ لَا مُطْلَقًا، كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الثَّالِثِ فَقَوْلُهُ: كَانَ الْأَوْلَادُ إلَخْ الظَّاهِرُ: أَنَّهُ أَخَذَ هَذَا التَّقْيِيدَ مِمَّا قَرَّرَهُ أَنَّ كُلَّ أَصْلٍ مَوْجُودٌ شَرْعًا بِوُجُودِ فَرْعِهِ حِسًّا، وَإِذَا كَانَتْ الْأُصُولُ كَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ بِوُجُودِ فُرُوعِهَا، فَلَا بُدَّ عِنْدَ تَمَحُّضِ الْفُرُوعِ الْأَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْفُرُوعِ الْمَوْجُودِينَ نَشَأَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَتَّى تَكُونَ الْعُتَقَاءُ حَقِيقَةً كَأَنَّهُمْ مَوْجُودُونَ، لَكِنَّ هَذَا لَا يَتِمُّ لَهُ بِإِطْلَاقِهِ، لِأَنَّ قَوْلَ الْوَاقِفِ: انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ يَشْمَلُ الْفَرْعَ الْوَاحِدَ وَالْمُتَعَدِّدَ وَإِذَا شَمَلَ ذَلِكَ اقْتَضَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ وَاحِدٌ مِنْ الْعُتَقَاءِ الْأَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ عَنْ أَكْثَرِ مِنْ خَمْسِينَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الْأَكْثَرُ مِنْ الْخَمْسِينَ مِنْ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً، وَبَقِيَتْ الْفُرُوعُ الْأَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ الَّذِينَ أَبُوهُمْ وَاحِدٌ، مَنَعَ هَؤُلَاءِ الصَّرْفَ لِجِهَةِ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى أَنَّ مَقْصُودَ الْوَاقِفِ بِمُقْتَضَى الْقَرَائِنِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا أَنَّ الْفُرُوعَ يُسَمَّوْنَ عُتَقَاءَ فَيَدْخُلُونَ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي كَلَامِهِ.
وَإِذَا دَخَلُوا فِيهِ وَصَارُوا بِمَنْزِلَةِ آبَائِهِمْ اُتُّجِهَ مَا قُلْنَاهُ لَا مَا قَالَهُ، فَالْوَجْهُ مَا أَفَادَهُ الْجَوَابَانِ الْأَوَّلَانِ مِمَّا يُوَافِقُ مَا قَرَّرْنَاهُ، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الرَّابِعِ فَمَا أَفَادَهُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُصْرَفُ لِفُرُوعِ الْعُتَقَاءِ شَيْءٌ مُوَافِقٌ لِقَوَاعِدِ أَهْلِ مَذْهَبِهِ مِنْ مَنْعِ اسْتِعْمَالِ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازه، وَاسْتِعْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِي جَمِيعِ مَعَانِيهِ لَكِنَّهُ أَشَارَ إلَى رَدِّ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ بِمَا يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ: لِأَنَّ أَقْصَى إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا التَّدْقِيقَ لَا يُبْحَثُ عَنْهُ فِي عِبَارَةِ الْوَاقِفِينَ، كَمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ فَتَاوَى أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ وَعِبَارَاتِ الْوَاقِفِينَ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا، وَقَدْ قَدَّمْت فِي تِلْكَ الْأُمُورِ الْعَشَرَةِ شَوَاهِدَ صِدْقٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ، وَقَوْلُهُ: بَلْ لَا بُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ التَّصْرِيحُ بِهِ إلَّا مِمَّنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُهُ بَلْ يُوجِبُهُ كَمَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا مَرَّ فَالْقَرِينَةُ عِنْدَهُ عَلَى قِسْمَيْنِ. قَرِينَةٌ: تَمْنَعُ إرَادَةَ الْحَقِيقَةِ وَقَرِينَةٌ: تَدُلُّ عَلَى انْضِمَامِ الْمَجَازِ إلَى الْحَقِيقَةِ حَتَّى يَشْمَلَهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ.
وَأَصْحَابُ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بَنَوْا كَلَامَهُمْ عَلَى الثَّانِي فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ بِالْأَوَّلِ، إذْ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْقَرِينَةِ مَنْعُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ مُطْلَقًا إلَّا مِمَّنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَقَوْلُهُ: إنَّ إلَخْ فَهُوَ رَدٌّ لِمَا قَالَهُ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ وَيُجَابُ عَنْهُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِزَالَةُ عَنْ الْمَوْجُودِ وَاَلَّذِي سَيُوجَدُ لَكِنْ لَا بِمَعْنَى أَنَّ مُعْتِقَ الْأَصْلِ بَاشَرَ عِتْقَ الْفَرْعِ وَلَا أَزَالَ عَنْهُ رِقًّا حَقِيقِيًّا؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ ذَلِكَ بَدِيهِيٌّ، فَلَا يُورَدُ مِثْلُهُ وَلَا يُرَادُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ بِذَلِكَ قَوْلَ أَصْحَابِنَا: إنْ مَسَّ الْمَيِّتَ رِقٌّ فَالْعَصَبَةُ الْوَارِثُ لَهُ بَعْدَ عَصَبَةِ
النَّسَبِ هُوَ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ، وَإِنَّمَا مَسَّ أَحَدَ آبَائِهِ فَالْعَصَبَةُ الْوَارِثُ لَهُ هُوَ مُعْتِقُ ذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي انْجَرَّ الْوَلَاءُ مِنْهُ إلَى ذَلِكَ الْفَرْعِ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْأَصْلِ نِعْمَةٌ عَلَى الْفَرْعِ فَمَنْ أُمُّهُ حُرَّةٌ أَصْلِيَّةٌ وَأَبُوهُ عَتِيقٌ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِمَوَالِي أَبِيهِ؛ لِأَنَّ الِانْتِسَابَ إلَى الْأَبِ وَهُوَ حُرٌّ مُسْتَقِلٌّ لِأَوْلَادٍ عَلَيْهِ فَلْيَكُنْ الْوَلَدُ مِثْلَهُ اهـ.
فَهَذَا يُظْهِرُ مَعْنَى قَوْلِ الْمُجِيبِ الْأَوَّلِ: إنَّ إزَالَةَ الرِّقِّ عَنْ الْأَصْلِ إزَالَةٌ لَهُ عَنْ الْفَرْعِ فَأَرَادَ بِإِزَالَةِ الرِّقِّ إزَالَةَ آثَارِهِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الْإِزَالَةَ تَسْتَلْزِمُ الْإِنْعَامَ عَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، أَمَّا الْأَصْلُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ النِّعْمَةَ بَاشَرَتْهُ حَقِيقَةً، وَأَمَّا الْفَرْعُ؛ فَلِأَنَّهُ حَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ زَوَالُ الْعَارِ عَنْهُ بِرِقِّ أَصْلِهِ وَمُكَافَأَتِهِ لِلْمَرْأَةِ الَّتِي تُسَاوِيهِ فِي حُرِّيَّةِ الْأُصُولِ، إذْ لَوْ بَقِيَ أَصْلُهُ رَقِيقًا لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لِمَنْ أَصْلُهَا عَتِيقٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلَانِ عَتِيقَانِ لَمْ يَكُنْ كُفُؤًا لِمَنْ لَهَا ثَلَاثَةُ أُصُولٍ عُتَقَاءُ.
وَكَذَا فِي تَحَمُّلِ الدِّيَةِ عَنْهُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ؛ لِأَنَّ أَبَاهُ لَوْ اسْتَمَرَّ رَقِيقًا لَمْ يَتَحَمَّلْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِ أَقْرِبَائِهِ عَنْهُ لَوْ جَنَى، فَلَمَّا عَتَقَ أَصْلُهُ صَارَ مُعْتِقَ أَصْلِهِ يَتَحَمَّلُ عَنْ ذَلِكَ الْفَرْعِ لَوْ جَنَى، وَلَا مُوجِبَ لِهَذَا التَّحَمُّلِ عَنْهُ إلَّا نِعْمَتُهُ الصَّادِرَةُ مِنْهُ عَلَى أَصْلِهِ السَّارِيَةُ مِنْ أَصْلِهِ إلَيْهِ الْمُقْتَضِيَةُ لِكَوْنِهِ صَارَ كَقَرِيبِهِ الَّذِي هُوَ مِنْ جَلْدَتِهِ، وَمِنْ ثَمَّ قَالَ: صلى الله عليه وسلم «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» فَظَهَرَ أَنَّ الْفَرْعَ اكْتَسَبَ شَرَفًا وَفَوَائِدَ مِنْ جِهَاتٍ عَدِيدَةٍ بِسَبَبِ عِتْقِ أَصْلِهِ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ الْعِتْقَ سَرَى إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ وُصُولِ آثَارِهِ إلَيْهِ وَحِينَئِذٍ فَتَسْمِيَةُ الْفَرْعِ عَتِيقًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ مَجَازٌ وَاضِحٌ لِلْعَلَاقَةِ الظَّاهِرَةِ الَّتِي أَشَرْت إلَيْهَا، وَقَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الْفَرْعَ إذَا وُجِدَ حُرًّا إلَخْ جَوَابُهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِهِ حُرًّا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ أَبِيهِ حَصَلَ لَهُ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْ جِهَةِ حُرِّيَّةِ أَبِيهِ أَوْجَبَتْ لَهُ أَنْ تَكُونَ النِّعْمَةُ عَلَى أَبِيهِ نِعْمَةً عَلَيْهِ، فَتَفَطَّنْ لِذَلِكَ، وَقَوْلُهُ: فَلَيْسَ مُطْلَقًا بَلْ مُغَيًّا إلَى غَايَةٍ مَخْصُوصَةٍ لَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا، وَهِيَ بُلُوغُ عَدَدِ الْعُتَقَاءِ خَمْسِينَ، جَوَابُهُ: أَنَّ الْمُجِيبِينَ الْأَوَّلِينَ لَا يُخَالِفُونَ فِي هَذِهِ الْغَايَةِ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْهُمْ: بِإِلْغَائِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُرَادِ بِلَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِيهَا فَهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ يَشْمَلُ مَجَازَهُ كَحَقِيقَتِهِ لِلْقَرِينَةِ، بَلْ وَالْقَرَائِنِ الَّتِي قَدَّمْت إيضَاحَهَا، وَمُخَالِفُوهُمْ يَقُولُونَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ حَقِيقَتُهُ فَقَطْ إلْغَاءً لِتِلْكَ الْقَرِينَةِ أَوْ الْقَرَائِنِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَقْوَ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا هُوَ مَنْشَأُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مَعَ اتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْغَايَةَ لَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِهَا، لَكِنْ الْأَوَّلُونَ يَعْتَبِرُونَ فِيهَا الْفُرُوعَ أَيْضًا، وَالْآخَرُونَ يَعْتَبِرُونَ فِيهَا الْأُصُولَ فَقَطْ.
وَقَوْلُهُ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْوَلَدِ لِنَصِيبِ الْأَبِ يَجْعَلُ الْأَبَ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ قَائِلَ هَذَا الْجَعْلَ لَمْ يُرِدْ بِهِ إلَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُجِيبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي قَرَّرْته وَوَضَّحْته فِيمَا بَسَطْته سَابِقًا، وَذَلِكَ أَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا نَصَّ عَلَى أَنَّ الْفُرُوعَ يَسْتَحِقُّونَ مَا كَانَ لِأُصُولِهِمْ وَأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي سَائِرِ طَبَقَاتِ الْفُرُوعِ، كَمَا أَفَادَهُ قَوْلُهُ: أَوْ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَيَسْتَمِرُّ الْحَالُ فِي ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ الْمَذْكُورِينَ خَمْسُونَ، كَانَ هَذَا النَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ قَرِينَةً أَيَّ قَرِينَةٍ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ فِي الْغَايَةِ جَمِيعَ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِمْ فِيمَا قَبْلَ الْغَايَةِ، وَهُمْ الْعُتَقَاءُ وَفُرُوعُهُمْ إعْمَالًا لِلَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ لِوُجُودِ الْعَلَاقَةِ، وَهِيَ مَا مَرَّ مِنْ أَنَّ النِّعْمَةَ عَلَى الْأَصْلِ نِعْمَةٌ عَلَى الْفَرْعِ حَتَّى صَارَ كَأَنَّهُ وَلِوُجُودِ الْقَرِينَةِ وَهِيَ نَصُّهُ عَلَى قِيَامِ الْفُرُوعِ مَقَامَ أَبِيهِمْ فِي الِاسْتِحْقَاقِ الْمُوجِبِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا فِيهِمْ، وَشَكَكْنَا فِي ارْتِفَاعِهِ عَنْهُمْ بِإِرَادَةِ الْعُتَقَاءِ حَقِيقَةً فِي الْغَايَةِ فَلَزِمَنَا الْعَمَلُ بِالْيَقِينِ وَطَرْحُ الشَّكِّ، كَمَا مَرَّ التَّصْرِيحُ بِهِ عَنْ الْأَئِمَّةِ عَلَى أَنَّهُ مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ فِي عَيْنِ مَسْأَلَتِنَا التَّصْرِيحُ بِشُمُولِ الْعُتَقَاءِ لِفُرُوعِهِمْ، وَكَفَى بِذَلِكَ حُجَّةً فِي تَأْيِيدِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ وَقَوْلُهُ: عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْتُمْ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ الْمُجِيبَ الثَّالِثَ قَدْ نَظَرَ لِذَلِكَ بِخِلَافِ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا قَدَّمْت الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ مَبْسُوطًا عِنْدَ بَيَانِ مَا فِي الْجَوَابِ الثَّالِثِ، وَأَنَّ الْحَقَّ مَا أَفَادَهُ الْجَوَابَانِ الْأَوَّلَانِ لَا مَا ذَكَرَهُ الثَّالِثُ، وَقَوْلُهُ: يَلْزَمُ أَنْ يَقُولُوا بِقَسْمِ الرَّيْعِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنِّي قَدَّمْت أَنَّ الْحَقَّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْأَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِينَ لَوْ كَانُوا أَوْلَادَ عَتِيقٍ وَاحِدٍ مَنَعُوا قِسْمَةَ الرَّيْعِ
شَطْرَيْنِ؛ لِأَنَّا لَا نَنْظُرُ إلَى وُجُودِ أُصُولِهِمْ لَا شَرْعًا وَلَا حِسًّا، خِلَافًا لِمَا نَظَرَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْجَوَابِ الثَّالِثِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُنْظَرُ إلَيْهِ أَنَّ الْفُرُوعَ يُسَمَّوْنَ عُتَقَاءَ مَجَازًا وَأَنَّهُمْ دَاخِلُونَ بِمُقْتَضَى الْعَلَاقَةِ وَالْقَرِينَةِ السَّابِقَتَيْنِ فِي لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي قَوْلِهِ، إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ، وَإِذَا كَانَ الْفُرُوعُ دَاخِلِينَ فِي ذَلِكَ، وَأَوْلَدَ بَعْضُ الْعُتَقَاءِ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَلَدًا ثُمَّ مَاتَ الْكُلُّ إلَّا فُرُوعَ ذَلِكَ الْعَتِيقِ مَنَعُوا مِنْ قِسْمَةِ الرَّيْعِ شَطْرَيْنِ كَمَا مَرَّ؛ لِأَنَّ الْغَايَةَ لَمْ تُوجَدْ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْعُتَقَاءِ مَجَازًا خَمْسُونَ فَقَطْ، بَلْ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِينَ، فَظَهَرَ أَنَّ النَّظَرَ لَيْسَ لِتَقْدِيرِ وُجُودِ الْأَصْلِ حَتَّى يَلْزَمَ عَلَيْهِ مَا مَرَّ، وَإِنَّمَا هُوَ لِتَسْمِيَةِ الْفُرُوعِ عُتَقَاءَ وَدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِ الْوَاقِفِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ.
وَقَوْلُهُ: قُلْنَا الْوَاقِفُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ النَّظَرَ إلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَا مَعْقُولَ عَلَيْهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ حُمِلَ عَلَى أَنَّ مُرَادَ قَائِلِهِ أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيرَ مُرَجِّحٌ لِإِرَادَةِ الْوَاقِفِ بِلَفْظِ الْعُتَقَاءِ مَا يَشْمَلُ فُرُوعَهُمْ، لَكَانَ لَهُ بَعْضُ إيضَاحٍ وَآلَ إلَى مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ النَّظَرَ إنَّمَا هُوَ لِتَسْمِيَةِ الْوَاقِفِ الْفُرُوعَ عُتَقَاءَ بِمُقْتَضَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُ، وَقَوْلُهُ: إنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا يُسْتَرَابُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا صَحِيحٌ بِالنِّسْبَةِ لِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِ فَتَغْلِيطُهُ عَلَى مَنْ خَالَطَهُ بِمَا ذَكَرَهُ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ إلَى مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ مَذْهَبِهِ لَا غَيْرُ لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَذْهَبٍ أَعْرَفُ بِقَوَاعِدِ مَذْهَبِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَلَا يَسَعُ غَيْرَهُمْ أَنْ يُشَنِّعَ عَلَيْهِمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ يُطَالِعَ كُتُبَ فُرُوعِهِمْ وَفَتَاوَى أَئِمَّتِهِمْ، فَإِذَا أَحَاطَ بِذَلِكَ سَاغَ لَهُ أَنْ يُشَنِّعَ عَلَى مَنْ خَالَفَ قَوَاعِدَ مَذْهَبِهِ، كَمَا وَقَعَ لِلسُّبْكِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ فِي مَوَاضِعَ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّهُ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِمْ بِكَلَامِ أَئِمَّتِهِمْ وَذِكْرِ نُصُوصِهِمْ مَعَ بَيَانِ أَنَّهُمْ خَالَفُوهَا، بَلْ وَقَعَ لَهُ مَعَ ابْنِ تَيْمِيَّةَ فِي مَسْأَلَةٍ فِي الْوَقْفِ نَقَلَ فِيهَا كَلَامَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ سَفَّهَ جَمِيعَ مَا قَالَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَبَيَّنَ سَبَبَ وَهْمِهِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ حَتَّى فَهِمَ مِنْهُ غَيْرَ الْمُرَادِ، وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيَّةِ وَسَاقَ كَلَامَ الرَّافِعِيِّ الظَّاهِرِ مِنْهُ سَبَبُ الْوَهْمِ، وَأَنَّهُ مُخْطِئٌ فِي فَهْمِهِ، وَبَيَّنَّ أَيْضًا سَبَبَ وَهْمِهِ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ مَذْهَبِهِ ثُمَّ سَاقَ نُصُوصَهُمْ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ، وَكَذَا فَعَلَ مَعَ مَنْ بَقِيَ وَأَطَالَ فِي بَيَانِ ذَلِكَ، فَمَنْ نَظَرَ فِي كَلَامِ الْمُخَالِفِينَ وَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِكَلَامِ أَئِمَّتِهِمْ قُبِلَ مِنْهُ، وَمَنْ لَا فَلَا، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَوَابِ الْخَامِسِ، فَمَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ قَائِلَهُ نَظَرَ إلَى كَلَامِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلَمْ يُمْعِنْ النَّظَرَ فِي كَلَامِ أَئِمَّةِ فُرُوعِ مَذْهَبِهِ، إذْ لَوْ أَمْعَنَ ذَلِكَ لَمْ يَفُتْهُ مَا قَدَّمْته عَنْهُمْ فِي الْأُمُورِ الْعَشَرَةِ الَّتِي بَسَطْت الْكَلَامَ فِيهَا.
عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْعُتَقَاءَ مُشْتَرَكًا كَمَا بَسَطْت بَيَانَهُ فِي الْمَبْحَثِ الْأَوَّلِ لَظَهَرَ لَهُ أَنَّ الْحَقَّ مَا مَرَّ مِنْ قِيَامِ الْفُرُوعِ مَقَامَ آبَائِهِمْ، وَلَمْ يُورِدْ شَيْئًا مِمَّا أَوْرَدَهُ عَلَى الْقَائِلِينَ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُجَابُ عَمَّا أَوْرَدَهُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يُقَالَ: قَوْلُهُ تَمْهِيدُ مُقَدِّمَةٍ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةَ فِي غَايَةِ التَّحْقِيقِ لَكِنَّ مَا بَرْهَنْت عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ دَاعٍ لِلتَّجَوُّزِ لَا يُرَدُّ عَلَى مُخَالِفِيهِ، لِمَا مَرَّ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّ تَدْقِيقَاتِ النُّحَاةِ وَغَيْرِهِمْ لَا تُدَارُ عَلَيْهَا كُتُبُ الْأَوْقَافِ، وَلِمَا أَطْبَقُوا عَلَيْهِ أَنَّهُمْ فِي الْمَجَازِ الْوَاقِعِ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ لَا يَبْحَثُونَ عَنْ الدَّاعِي إلَيْهِ أَبَدًا وَإِنَّمَا يَبْحَثُونَ عَنْ وُجُودِ قَرِينَةٍ عَلَيْهِ، فَإِنْ وُجِدَتْ أَدَارُوا الْحُكْمَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا وَمَرَّ بَيَانُ سَبَبِ إعْرَاضِهِمْ عَنْ الْبَحْثِ عَنْ الدَّاعِي وَالِاكْتِفَاءِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقَرِينَةِ فَحَسْبُ فَرَاجِعْهُ، عَلَى أَنَّ هُنَا دَاعِيًا ظَاهِرًا وَبَيَانُهُ: أَنَّ الْوَاقِفَ قَصَدَ بِتَجَوُّزِهِ بِتَسْمِيَةِ الْفُرُوعِ عُتَقَاءَ أَنْ يُبَيِّنَ السَّبَبَ الْحَامِلَ لَهُ عَلَى أَخْذِ الْفُرُوعِ حِصَصَ أُصُولِهِمْ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ تَشْمَلْهُمْ نِعْمَةُ عِتْقِهِ مُبَاشَرَةً فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُ: مَا سَبَبُ إلْحَاقِك الْفُرُوعَ بِأُصُولِهِمْ مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْك؟ فَقَالَ: سَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ نِعْمَةَ عِتْقِي شَمِلَتْ الْجَمِيعَ، فَكَمَا أَوْجَبَ عَلَيَّ الشَّرْعُ تَحَمُّلَ الدِّيَةِ عَنْهُمْ وَأَوْجَبَ لِي أَنِّي أَرِثُهُمْ، نَدَبَنِي إلَى بِرِّهِمْ وَإِلْحَاقِهِمْ بِآبَائِهِمْ فِي وُصُولِ بِرِّي لِجَمِيعِهِمْ.
وَذَلِكَ كُلُّهُ مُسْتَفَادٌ مِنْ تَسْمِيَتِهِ آبَاءَهُمْ عُتَقَاءَ وَلَوْ عَبَّرَ بِالْعُتَقَاءِ مُرِيدًا بِهِمْ حَقِيقَتَهُمْ وَبِفُرُوعِهِمْ، لَمْ يُسْتَفَدْ مِنْهُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ، فَلِذَا عَدَلَ عَنْ الْحَقِيقَةِ وَحْدَهَا إلَى مَا يَشْمَلُ مَجَازَهَا بَيَانًا لِهَذِهِ الْفَائِدَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْعَائِدَةِ الْبَاهِرَةِ، فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَتَّضِحُ بِهِ أَنَّ فِي
عُدُولِهِ عَنْ قَوْلِهِ: إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ وَفُرُوعِهِمْ إلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى لَفْظِ الْعُتَقَاءِ مُرِيدًا بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفُرُوعَ دَاعِيًا أَيَّ دَاعٍ إلَى هَذَا التَّجَوُّزِ، وَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ رِعَايَةِ الِاخْتِصَارِ وَزِيَادَةِ الْبَيَانِ اللَّذَيْنِ اُدُّعِيَا ازْدَادَ وُضُوحًا لَكِنَّا لَا نُعَوِّلُ إلَّا عَلَى الْأَوَّلِ لِظُهُورِ مَغْزَاهُ وَإِيضَاحِ مَعْنَاهُ، وَاَللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ، وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَقَوْلُهُ قُلْنَا قَدْ كَانَ يَتَأَتَّى إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّا لَا نَشْتَرِطُ فِي الدَّاعِي الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُتَجَوِّزُ انْحِصَارَ الْأَمْرِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ غَيْرُهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ كَلَامِهِمْ، وَإِذَا كَانُوا فِي الضَّرُورَاتِ الشِّعْرِيَّةِ لَا يَشْتَرِطُونَ ذَلِكَ فَأَوْلَى مَا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الضَّرُورَاتِ لَا يُبِيحُهَا إلَّا الِاضْطِرَارُ إلَيْهَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجْعَلُونَ مِنْهَا مَا يَقَعُ فِي نَحْوِ الشِّعْرِ، وَإِنْ سَهُلَ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَأَمَّا الدَّاعِي فَهُوَ مَا يَصِحُّ أَنْ يُخْرِجَ ذِكْرَهُمْ الْمُتَجَوِّزَ عَنْ كَوْنِهِ عَابِثًا، وَحَيْثُ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي الْعُدُولِ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ سَوَاءٌ أَمْكَنَ وُجُودُ سَبَبٍ آخَرَ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ قَالَ: إنَّ الدَّاعِيَ الِاخْتِصَارُ أَوْ زِيَادَةُ الْبَيَانِ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِمَا ذُكِرَ كَمَا لَا يَخْفَى مِمَّا قَرَّرْته فَتَأَمَّلْهُ، عَلَى أَنَّا لَوْ سَلَّمْنَا فَسَادَ الدَّاعِي لَمْ يَضُرَّنَا؛ لِأَنَّ ظَاهِرَ اشْتِرَاطِهِمْ الدَّاعِيَ لِيَخْرُجَ بِهِ الْمُتَجَوِّزُ عَنْ الْعَبَثِ أَنَّ الْعِبْرَةَ فِي كَوْنِهِ دَاعِيًا صَحِيحًا بِاعْتِقَادِ الْمُتَجَوِّزِ؛ لِأَنَّهُ مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُودَ الدَّاعِي خَارِجٌ عَنْ الْعَبَثِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَكْفِيهِ ذَلِكَ، وَإِنْ اعْتَقَدَ غَيْرُهُ فَسَادَ ذَلِكَ الدَّاعِي.
وَيُفَرَّقُ بَيْنَ هَذَا وَالْعَلَاقَةِ وَالْقَرِينَةِ فَإِنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ظُهُورِهَا لِلسَّامِعِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَيْضًا بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الْمُتَجَوِّزِ إفَادَةُ غَيْرِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْأَصْلُ، وَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ بَلْ وَلَا يُوجَدُ إلَّا إنْ كَانَ هُنَاكَ رَابِطٌ بَيْنَ الْمَعْدُولِ عَنْهُ وَالْمَعْدُولِ إلَيْهِ وَقَرِينَةٌ مَانِعَةٌ مِنْ إرَادَةِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ أَوْ دَالَّةٌ عَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُ جَمْعَهُمَا، فَكُلٌّ مِنْ هَذَيْنِ يَتَعَلَّقُ بِالسَّامِعِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِمَا ظَاهِرَيْنِ لَهُ بِحَيْثُ يَسْتَفِيدُ بِهِمَا ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيَّ، وَأَمَّا الدَّاعِي إلَى التَّجَوُّزِ فَهُوَ لَا يَرْتَبِطُ بِالسَّامِعِ أَصْلًا، وَإِنَّمَا يَرْتَبِطُ بِالْمُتَجَوَّزِ حَتَّى يَصُونَ قَوْلَهُ عَنْ الْعَبَثِ، فَاشْتُرِطَ فِيهِ صِحَّةُ ذَلِكَ الدَّاعِي عِنْدَ الْمُتَجَوِّزِ لَا عِنْدَ السَّامِعِ، إذْ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَى الْبَحْثِ عَنْهُ فَافْهَمْ ذَلِكَ كُلَّهُ فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مَعَ خَفَائِهِ وَنَفَاسَتِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَأَنَّى لَهُ بِالْقَرَائِنِ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا اسْتِبْعَادَ فِي ذَلِكَ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُدُودِهَا مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ: فَإِنْ فَرَضْنَا الظَّفَرَ بِالدَّاعِي إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ بَانَ وُجُودُهُ وَاتَّضَحَ، فَلَا حَاجَةَ لِتَقْدِيرِ فَرْضِ وُجُودِهِ وَقَوْلُهُ: بَقِيَتْ الْمُطَالَبَةُ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ ثُمَّ فَسَرَّهَا بِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ الْعَلَاقَةُ، قَدْ يُقَالُ عَلَيْهِ: هَذَا مَا قَدَّمْته تَبَعًا لِلْأَئِمَّةِ مِنْ مُغَايَرَةِ الْعَلَاقَةِ لِلْقَرِينَةِ، وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ تَجَوَّزَ بِإِطْلَاقِ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، إلَّا أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ مَعْنَى الْعَلَاقَةِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ عِبَارَتِهِ لِتَعْبِيرِهِ بِالْقَرِينَةِ الْمُصَحِّحَةِ وَبِقَوْلِهِ: أَنْ يُصَحِّحَ، وَالْمُصَحِّحُ لِلتَّجَوُّزِ إنَّمَا هُوَ حَقِيقَةُ الْعَلَاقَةِ لَا الْقَرِينَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا قَدَّمَهُ أَيْضًا، وَإِذَا كَانَتْ الْعَلَاقَةُ هِيَ الْمُرَادَةُ هُنَا انْحَلَّ الِاعْتِرَاضُ إذْ لَا نِزَاعَ فِي أَنَّ بَيْنَ الْعَتِيقِ وَأَوْلَادِهِ اشْتِرَاكًا فِي شُمُولِ نِعْمَةِ الْمُعْتِقِ لَهُمَا، فَصَحَّ إطْلَاقُ لَفْظِ الْعَتِيقِ عَلَيْهِمَا مِنْ بَابِ إطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، أَوْ مَا بِالْفِعْلِ عَلَى مَا بِالْقُوَّةِ، أَوْ الْأَصْلِ عَلَى الْفَرْعِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِمَا مَعْنَى الْقَرِينَةِ الْحَقِيقِيَّةِ وَحِينَئِذٍ انْحَلَّ الِاعْتِرَاضُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلِمَ وُجُودُ الْقَرِينَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا بِمَا لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وُجُودَ الْعَلَاقَةِ اتَّضَحَ مُدَّعَانَا، وَلَمْ يَبْقَ مَسَاغٌ لِلِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ: وَلَيْسَ هَذَا الْمَجَازُ هُوَ الْمُرَادُ هُنَا إلَخْ يُقَالُ عَلَيْهِ: لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تُرِيدَ الْبِنَاءَ عَلَى مَا قَدَّمْته عَنْ ابْنِ الْحَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَزَعَمْت أَنَّهُ الْمُعْتَمَدُ، أَوْ عَلَى مَا قَدَّمْته عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَزَعَمْت أَنَّهُ غَيْرُ الْمُعْتَمَدِ، فَإِنْ أَرَدْت الْأَوَّلَ اُحْتِيجَ إلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى التَّجَوُّزِ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْعَتِيقِ مُبَاشَرَةً وَالْعَتِيقِ سِرَايَةً فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ قَدَّمْنَا قَرَائِنَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ مِنْ لَفْظِ الْعُتَقَاءِ فِي كَلَامِهِ كُلٌّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ أَعْنِي مَنْ بَاشَرَهُمْ الْعِتْقُ وَمَنْ سَرَى إلَيْهِمْ، وَإِنْ أَرَدْت الثَّانِيَ اُحْتِيجَ إلَى قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ عَلَى حَالِهِ مِنْ مُبَادَرَةِ الذِّهْنِ إلَيْهِ مِنْ اللَّفْظِ، وَعَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ فِي فَهْمِهِ مِنْ ذَلِكَ اللَّفْظِ أَيْضًا.
وَكُلٌّ مِنْ الْقَرَائِنِ الَّتِي
قَدَّمْنَا بَسْطَهَا عَلَى ذَلِكَ فَرَاجِعْهَا، عَلَى أَنَّ الْوَاقِفَ لَمَّا ذَكَرْنَا أَنَّهُ وَقَفَ عَلَى عُتَقَائِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِمْ، وَأَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ عَنْ وَلَدٍ انْتَقَلَ نَصِيبُهُ إلَيْهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي فِي سَائِرِ الْبُطُونِ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْعُتَقَاءِ خَمْسُونَ، عُلِمَ مِنْ صَنِيعِهِ هَذَا أَنَّهُ مُدْخِلٌ لِفُرُوعِ عُتَقَائِهِ فِي وَقْفِهِ، وَدَلَالَةُ كَلَامِهِ عَلَى هَذَا تَكَادُ أَنْ تَكُونَ ضَرُورِيَّةً، وَإِذَا دَخَلُوا فِي وَقْفِهِ كَذَلِكَ لَمْ يَخْرُجُوا مِنْهُ إلَّا بِيَقِينٍ كَمَا مَرَّ نَقْلُهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ
وَإِذَا لَمْ يَخْرُجُوا عَنْهُ بِمُحْتَمِلٍ كَالْعُتَقَاءِ الْمُحْتَمِلِ لَأَنْ يُرَادَ بِهِمْ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ كَانُوا دَاخِلِينَ فِي الْعُتَقَاءِ اسْتِصْحَابًا لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ، حَتَّى يُتَيَقَّنَ وُجُودُ مَا يُخْرِجُهُمْ، وَهَذِهِ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ غَيْرُ الْقَرَائِنِ اللَّفْظِيَّةِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا وَبِهَا يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْوَاقِفِ بِالْعُتَقَاءِ حَقِيقَتُهُ وَمَجَازُهُ، وَكَوْنُ الْمَجَازِ هُنَا مِنْ الْكُلِّ الْمَجْمُوعِيِّ الَّذِي يَعِزُّ وُجُودُ الْعَلَاقَةِ لَهُ أَوْ مِنْ الْكُلِّ الْإِفْرَادِيِّ الَّذِي يَسْهُلُ ذَلِكَ فِيهِ مِنْ الْأُمُورِ الْغَامِضَةِ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ، فَلَا يَجْرِي مِثْلُهُ فِي كُتُبِ الْأَوْقَافِ كَمَا مَرَّ عَنْ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرِهِ، فَالْإِعْرَاضُ عَنْ هَذَا صَفْحًا أَحَقُّ وَالتَّنَاسِي لِلْكَلَامِ فِيهِ هُنَا أَلْيَقُ.
وَقَوْلُهُ: قُلْنَا: دَعُوا الْحَيْرَةَ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّهُ قَدْ بَانَ بِمَا قَرَّرْته وُجُودُ الْعَلَاقَة وَالْقَرِينَةِ بَلْ الْقَرَائِنِ وَأَنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَلْتَبِسُ بِالْأُخْرَى فَلَا حَيْرَةَ حِينَئِذٍ، وَإِذَا لَمْ يُصَرِّحْ أَحَدٌ مِنْ أَرْبَابِ الْأَجْوِبَةِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ بِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ عَلَاقَةٌ وَلَا قَرِينَةٌ، وَإِنَّمَا الَّذِي اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُمْ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ قَرِينَةٌ لَا عَلَاقَةٌ؛ لِأَنَّ مَنْ عِنْدَهُ أَدْنَى مَسْكَةٍ مِنْ ذَوْقِ الْفِقْهِ يَفْهَمُ الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعَتِيقِ مُبَاشَرَةً وَالْعَتِيقِ سِرَايَةً فَلَمْ يَحْتَاجُوا لِبَيَانِهَا، بِخِلَافِ الْقَرِينَةِ فَإِنَّهَا الَّتِي يَعْسُرُ إدْرَاكُهَا، فَاحْتَاجَ كُلٌّ مِنْهُمْ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فَهُمْ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُهُمْ عَنْهَا بِبَادِي الرَّأْيِ لَكِنَّهَا لَمْ تَخْتَلِفْ فِي الْحَقِيقَةِ، كَمَا قَدَّمْت ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَيْهَا وَاضِحًا مَبْسُوطًا وَقَوْلُهُ: أَوْ الثَّانِي بَيَّنَّا إهْمَالَهُ إلَخْ جَوَابُهُ: أَنَّ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْقَرِينَةَ هِيَ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَقَدْ بَيَّنْت فِيمَا مَضَى أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُهَا بِذَلِكَ فَحَسْبُ إلَّا مَنْ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ اللَّفْظِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ
وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يُفَسِّرَ الْقَرِينَةَ الدَّالَّةَ عَلَيْهِ بِأَنَّهَا الَّتِي تَدُلُّ عَلَى انْضِمَامِ الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ إلَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ وَإِرَادَتِهِمَا مِنْهُ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي قَرَّرْته وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ لَا غُبَارَ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَمْ يَتَبَيَّنْ إهْمَالُ مَا قَالُوهُ، بَلْ بَانَ ظُهُورُهُ وَاتِّضَاحُهُ وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ مَا يَصْرِفُ عَنْ الشَّيْءِ وَيُبْعِدُ عَنْ إرَادَتِهِ غَيْرُ مَا يُقَرِّبُ مِنْهُ وَيَرْبِطُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الرَّدَّ مَبْنِيٌّ عَلَى انْحِصَارِ الْقَرِينَةِ فِي الْمَانِعَةِ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ، وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ لَا يُفَسِّرُهَا بِذَلِكَ وَحْدَهُ إلَّا مَنْ يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَنَحْنُ إنَّمَا بَنَيْنَا الْكَلَامَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى جَوَازِهِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ وَيَأْتِي.
وَقَوْلُهُ مَسُوقٌ مَسَاقَ الْأَقْوَالِ السَّقِيمَةِ إلَخْ فِيهِ جَفَاءٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَمَا كُنْت أَوَدُّ لِهَذَا الْمُجِيبِ مَعَ أَنَّ عِنْدَهُ مِنْ تَعْظِيمِ الشَّافِعِيِّ مَا لَا أَصِفُهُ مِمَّا أَعْلَمُهُ مِنْهُ أَنْ يَكْتُبَ ذَلِكَ بِقَلَمِهِ وَلَا أَنْ يَتَفَوَّهَ بِهِ بِفَمِهِ، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ نُوزِعَ فِي نِسْبَتِهِ لِلشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّ النِّزَاعَ فِي ذَلِكَ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَيْفَ وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: وَنَاهِيك بِذَلِكَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِهِ جَوَازُ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطُوا قَرِينَةً فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمْ
وَقَوْلُ الرَّافِعِيِّ: إنَّ ذَلِكَ مُسْتَبْعَدٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ رَدُّوهُ بِأَنَّهُ لَمْ يُقَفْ عَلَى هَذَا النَّقْلِ، وَقَدْ قَدَّمْت ذَلِكَ مَبْسُوطًا مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ نَفْسِهِ فِي أَوَّلِ الْمَبْحَثِ الثَّانِي فَرَاجِعْهُ. وَقَوْلُهُ عَنْ الرَّافِعِيِّ إنَّهُ قَالَ: الْأَشْبَهُ إلَخْ مَرَّ أَنَّهُمْ رَدُّوهُ بِأَنَّ هَذَا الْأَشْبَهَ إنَّمَا يَلِيقُ بِقَوَاعِدِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَأَمَّا مَنْقُولُ مَذْهَبِنَا، فَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرَكَ يُرَادُ بِهِ جَمِيعُ مَعَانِيهِ وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ السُّبْكِيّ مِنْ قَوْلِهِ: فَسِيَاقُ كَلَامِهِ إلَخْ وَقَوْلُهُ هُوَ مَا إذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى إرَادَةِ الْمَجَازِ مَعَ الْقَرِينَةِ، وَأَنَّ مَنْ ادَّعَى تَجَوُّزًا مُنْضَمًّا إلَى الْحَقِيقَةِ لَا يُكَلَّفُ بِغَيْرِ بَيَانِ الْقَرِينَةِ لِخَفَائِهَا.
وَقَوْلُهُ: وَضِدَّيْهِمَا مَعَ قَوْلِهِ: قَبْلَهُ بَيْنَ ذَكَرِهِمْ وَأُنْثَاهُمْ سَهْوٌ، وَقَوْلُهُ: أَلَيْسَ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوَلَدِ إلَخْ جَوَابُهُ أَنَّ الْقِيَاسَ مُمْتَنِعٌ فِي كَلَامِ الْوَاقِفِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَئِمَّةُ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْ إرَادَتِهِ بِالْوَلَدِ حَقِيقَتَهُ فَقَطْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْعُتَقَاءِ حَقِيقَتَهُمْ فَقَطْ، فَضْلًا عَنْ أَنَّ