الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا اسْتِيفَاءٌ وَنَظِير ذَلِكَ الْخِلَافُ فِي الْإِبْرَاءِ هَلْ هُوَ إسْقَاطٌ أَوْ تَمْلِيكٌ وَفِي الرَّجْعَةِ هَلْ هِيَ ابْتِدَاءُ نِكَاحٍ أَوْ اسْتِدَامَتُهُ وَفِي النَّذْرِ هَلْ يَسْلُكُ بِهِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَوْ جَائِزِهِ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ قَبُولُ الْحَوَالَةِ بِمَالِ مُوَلِّيهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ بَحَثَ بَعْضُهُمْ عَدَمَ الْجَوَازِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ بِخِلَافِ الْحَوَالَةِ عَلَى الطِّفْلِ فَتَجُوزُ وَيُطَالَبُ الْوَلِيُّ بِالتَّسْلِيمِ وَذَكَرَ الْمَرْعَشِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِأَحَدِ طِفْلَيْنِ عَلَى أَخِيهِ مَالٌ فَأَحَالَهُ الْأَبُ بِمَا لَهُ عَلَى أَخِيهِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَى ابْنٍ آخَرَ لَهُ صَغِيرٍ جَازَ.
(وَسُئِلَ) وَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْغَنِيِّ أَدَاءُ الدَّيْنِ فَوْرًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ إنْ خَافَ فَوْتَ أَدَائِهِ إلَى الْمُسْتَحَقِّ إمَّا بِمَوْتِهِ أَوْ بِمَرَضِهِ أَوْ بِذَهَابِ مَالِهِ أَوْ خَافَ مَوْتَ الْمُسْتَحِقِّ أَوْ طَالَبَهُ رَبُّ الدَّيْن أَوْ عَلِمَ حَاجَته إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ ذَكَرَ ذَلِكَ الْبَارِزِيُّ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ أَحَالَ بِدَيْنٍ لَهُ بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ فَهَلْ يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى الْمُحْتَالِ مَعَ وَصْفِ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بِصِفَةِ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ كَصِفَةِ الْأَجَلِ وَالْحُلُولِ وَلَا يُعْتَبَرُ رِضَا الرَّاهِنِ أَوْ الْكَفِيلِ كَمَا يَنْتَقِلُ الدَّيْنُ إلَى وَرَثَةِ الدَّائِنِ بِصِفَةِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيل مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهُمَا وَفَارَقَ هَذَا مَا لَوْ أَحَالَ الْمَدْيُونُ دَائِنَهُ بِدَيْنٍ لَهُ بِهِ رَهْنٌ أَوْ كَفِيلٌ فَقَبِلَ فَإِنَّهُمَا يَنْفَكَّانِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ اللَّازِم مِنْهَا بَرَاءَةُ كَفِيلِهِ وَانْفِكَاكُ رَهْنِهِ هَذَا مَا أَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ وَبَيَّنَ فِي الْقُوتِ مَا فِيهِ مِنْ اعْتِرَاضٍ وَغَيْرِهِ فَلْيُنْظَرْ مِنْهُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِالزَّكَاةِ وَعَلَيْهَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ تَجُوزُ الْحَوَالَةُ بِهَا كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ نَقْلًا عَنْ الْمُتَوَلِّي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَوَالَةَ اسْتِيفَاءٌ وَقَيَّدَهُ الْإِسْنَوِيُّ بِمَا إذَا تَلِفَ النِّصَابُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لِيَصِيرَ دَيْنًا وَقَالَ غَيْرُهُ بَلْ هُوَ مَعَ بَقَائِهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَخْلُو عَنْهَا عَلَى أَنَّ مَا نَظَرَ فِيهِ السُّبْكِيّ نَظَرَ فِيهِ وَغَيْره وَتَجُوزُ عَلَيْهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إنْ انْحَصَرَ الْمُسْتَحِقُّونَ وَتَعَيَّنُوا وَإِلَّا فَالْوَجْهُ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرٌ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ رَجُلٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَحَالَ بِهِ دَائِنه وَقَبِلَ الْحَوَالَةَ ثُمَّ طَالَبَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ وَقَالَ لَيْسَ لِمُحِيلِك عَلَيَّ دَيْنٌ فَرَجَعَ لِلْمُحِيلِ فَقَالَ أَنْتَ قَبِلْت الْحَوَالَة فَلَا مُطَالَبَة لَك عَلَيَّ فَهَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَيْسَ لِلْمُحْتَالِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُحِيلِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ قَبُولَهُ لِلْحَوَالَةِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِالدَّيْنِ مُتَضَمِّنٌ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ فَيُؤَاخَذُ بِذَلِكَ لَوْ أَنْكَرَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ وَهَلْ لَهُ تَحْلِيفُ الْمُحِيلِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَرَاءَتَهُ فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ فِي مَطْلَبِهِ قَالَ غَيْرُهُ وَأَوْجَهُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ لَهُ تَحْلِيفَهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ شَخْصٍ أُحِيلَ عَلَيْهِ بِحَبٍّ لِشَخْصٍ فَدَفَعَ لَهُ الْبَعْضَ وَبَاعَهُ مَا بَقِيَ فِي ذِمَّتِهِ بِثَمَنٍ مِنْ غَيْرِ حُضُورِ ذَلِكَ فَهَلْ يَصِحُّ بَيْعُ مَا فِي ذِمَّتِهِ وَيَلْزَمُ الثَّمَنُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا تَصِحُّ الْحَوَالَةُ بِالْحَبِّ إلَّا إذَا كَانَ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ حَبٌّ مُوَافِقٌ لِمَا عَلَى الْمُحِيلِ مِنْ الْحَبِّ جِنْسًا وَنَوْعًا وَقَدْرًا وَصِفَةً وَحُلُولًا وَأَجَلًا فَإِذَا وُجِدْت هَذِهِ الشُّرُوطُ صَحَّتْ الْحَوَالَةُ وَانْتَقَلَ حَقّ الْمُحْتَالِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ وَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْهَا فَالْحَوَالَة بَاطِلَةٌ وَلَا شَيْءَ لِلْمُحْتَالِ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْحَوَالَة لَمْ يَصِحَّ اسْتِبْدَال الْمُحْتَال عَنْ الْحَبِّ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الِاسْتِبْدَالِ أَنْ لَا يَكُونَ الْمُسْتَبْدَلَ عَنْهُ رِبَوِيًّا بِيعَ بِجِنْسِهِ وَالْحَوَالَة بَيْعُ دَيْنٍ بِدَيْنٍ فَالْمُسْتَبْدَلُ عَنْهُ رِبَوِيٌّ بِيعَ بِجِنْسِهِ فَلَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ الْمَذْكُورُ فِي السُّؤَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الضَّمَانِ]
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ قِنٍّ مَمْلُوكٍ يَعْمَلُ صَنْعَةً فَجَاءَ لَهُ شَخْصٌ دَفَعَ لَهُ سِلْعَةً لِيَصْنَعهَا لَهُ فَأَخَذَهَا وَأَتْلَفَهَا فَجَاءَ إلَيْهِ وَأَلْزَمَهُ بِقِيمَتِهَا مِنْ غَيْرِ اطِّلَاعِ سَيِّدِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ حُجَّةً بِقِيمَتِهَا فَجَاءَ شَخْصٌ آخَرُ فَضَمَّنَهُ فِيمَا لَزِمَهُ مِنْ الْقِيمَةِ فَهَلْ يَلْزَمُ الْعَبْدَ مَا الْتَزَمَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ وَهَلْ يَصِحُّ الضَّمَانُ كَمَا أَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْمُفْتِينَ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَفْتَى بِعَدَمِ صِحَّتِهِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) التَّنَاقُضُ الصَّادِرُ مِنْ الْمُفْتِي الْمَذْكُورِ كَأَنَّهُ نَشَأَ مِنْ إغْفَالِهِ النَّظَرَ إلَى أَنَّ هَذَا الْمَالَ أَعْنِي قِيمَةَ الْعَيْنِ الْمُتْلَفَةِ هَلْ يَلْزَم الْعَبْدَ
أَوْ لَا فَتَوَهَّمَ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ فَأَفْتَى بِعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِهِ ثُمَّ تَوَهَّمَ ثَانِيًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ فَأَفْتَى بِصِحَّةِ ضَمَانِهِ وَصِحَّةِ ضَمَانِ الْأَجْنَبِيِّ لِلْعَبْدِ فِي دُيُونِ الْمُعَامَلَةِ أَيْ مَثَلًا مَذْكُور فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا.
وَمَا وَقَعَ لِلْمُفْتِي الْمَذْكُورِ تَخْلِيطٌ نَشَأَ مِنْ عَدَمِ التَّأَمُّلِ وَالْجَوَابُ الْحَقُّ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ صَرِيحُ كَلَامِهِمْ خِلَافًا لِمَا وَقَعَ فِي الْحَاوِي الصَّغِيرِ فِي إتْلَافِ الْوَدِيعَةِ فَإِنَّهُ مِنْ تَفَرُّدِهِ وَقَدْ رَدَّهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَكَابِرِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَإِنْ انْتَصَرَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِمَا لَا يُجْدِي أَنَّ السَّيِّدَ هُنَا إنْ كَانَ أَذِنَ لِقِنِّهِ فِي أَخْذِ السِّلَعِ لِيَصْنَعَهَا لِأَرْبَابِهَا كَانَ الضَّمَانُ عَلَى السَّيِّدِ؛ لِأَنَّهُ بِإِبْقَائِهَا مُسَلَّطٌ لَهُ عَلَى الْإِتْلَافِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَذِنَ لَهُ فِي ذَلِكَ تَعَلَّقَ الضَّمَانُ بِرَقَبَةِ الْقِنِّ دُونَ ذِمَّتِهِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ قِيمَةِ مَا أَتْلَفَهُ وَفِي كُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ لَا يَصِحُّ ضَمَانُ الضَّامِنِ الْمَذْكُورِ لِلْعَبْدِ الْمَذْكُورِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ حَتَّى يَضْمَنَ عَنْهُ بَلْ الْمَلْزُومُ بِذَلِكَ هُوَ السَّيِّدُ فِيهِمَا إلَّا أَنَّ الْقِيمَةَ تَتَعَلَّقُ فِي الْأُولَى بِجَمِيعِ أَمْوَالِهِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ فَإِنْ وَقَّتَ بِهَا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لِصَاحِبِ الْقِيمَةِ غَيْرُ مَا سَاوَتْهُ الرَّقَبَةُ وَإِذَا كَانَ السَّيِّدُ هُوَ الْمُلْزَمُ بِذَلِكَ فِي الصُّورَتَيْنِ فَالْعَبْدُ غَيْرُ مُلْزَمٍ أَمَّا فِي الْأُولَى فَوَاضِحٌ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ مَحَلُّ الْحَقِّ الْمُسْتَوْفَى مِنْهُ فَهُوَ كَعَيْنٍ تَعَلَّقَ بِهَا حَقٌّ يُسْتَوْفَى مِنْهَا فَلَمْ يَصِحَّ ضَمَانُهَا فِي الصُّورَتَيْنِ لِمَا قَرَّرْته فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ وَقَعَ فِيهِ خَبْطٌ وَتَخْلِيطٌ كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي السُّؤَال وَالْجَوَاب، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا إذَا أَبْرَأَ الْأَصِيلُ عَلَى ظَنِّ انْتِقَالِ الدَّيْنِ عَنْ ذِمَّتِهِ إلَى ذِمَّةِ الضَّمِينِ هَلْ يَبْرَأُ الْأَصِيلُ وَالضَّامِنُ مَعًا أَمْ أَحَدُهُمَا اُبْسُطُوا الْجَوَابَ مَعَ بَيَانِ الْمُعْتَمَدِ فِي ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ فِيهِ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْيَمَنِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ صَرَائِحُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ ذَلِكَ قَوْل الرُّويَانِيِّ فِي الْبَحْرِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ أَبْرَأْتُك مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ قَالَ الْأَصْحَابُ تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ فِي الْحُكْمِ وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنِّي لَمْ أَعْلَمْ ذَلِكَ.
وَهَلْ يَبْرَأُ فِي الْبَاطِنِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ الْمَنْعُ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ الدَّيْنُ فَهُوَ مَجْهُولٌ. اهـ.
وَنَقَلَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَاعْتَمَدُوهُ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ النَّوَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ اسْتَوْفَى دَيْنَهُ مِنْ غَرِيمِهِ وَكَانَ الْوَفَاءُ مِنْ مَالٍ حَرَامٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَابِضُ أَنَّهُ حَرَامٌ ثُمَّ ابْرَأْهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ إنْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ لَمْ يَصِحَّ وَيَبْقَى الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ سَقَطَ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِيمَا لَوْ أَطْلَقَ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فَلَا يَسْقُطُ. اهـ.
وَنَظِيرُ مَسْأَلَتنَا مَا لَوْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَة إسْقَاطٍ وَقَدْ عُلِمَتْ صِحَّة الْبَرَاءَةِ وَسُقُوطُ الدَّيْنِ حِينَئِذٍ فَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَتنَا وَلَا يُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ فِيهَا عَلَى الِاسْتِيفَاءِ فِيهَا بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ النَّوَوِيِّ فَإِنَّ فِيهَا اسْتِيفَاءً فَحُمِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَاعْتَمَدَهُ وَقَالَ إنَّهُ مُقْتَضَى الْقَوَاعِدِ وَهُوَ أَنَّ الْبَرَاءَةَ مِنْ الصَّدَاقِ مِنْ الرَّشِيدَةِ يَنْبَغِي نُفُوذُهَا وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا أَبْرَأَتْهُ بِنَاءً عَلَى كَوْنِهِ صِفَةً لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فَبَانَ عَدَمُ وُقُوعِهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْبَحِيِّ فِي فَتَاوِيهِ رَجُلٌ أَرَادَ أَنْ يَخْتَلِعَ امْرَأَتَهُ فَحَضَرَ آخَرُ وَقَالَ اخْلَعْهَا إلَى ذِمَّةِ أُمِّهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَخَلَعَهَا الزَّوْجُ إلَى ذِمَّةِ أُمِّهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَرِئْت ذِمَّتُهُ مِنْ الْمَهْرِ؛ لِأَنَّهُ رَجُلٌ مِنْ الْعَامَّةِ لَا يَعْرِفُ الْفِقْهَ ثُمَّ قَالَ الْوَاسِطَةُ تَبَارَأْ أَنْتَ وَصِهْرَتك فَأَبْرَأَهَا الزَّوْجُ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ الْمَهْرِ فَهَلْ تَصِحُّ بَرَاءَتُهُ لِلصِّهْرَةِ مِمَّا ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهَا لَهُ مِنْ عِوَضِ الْخُلْعِ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ مِثْله الَّذِي بِذِمَّتِهِ لِلزَّوْجَةِ أَمْ لَا الْجَوَابُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ بَلْ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ فِي الظَّاهِرِ إنْ كَانَ قَدْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ. اهـ.
وَهَذَا كَالنَّصِّ فِي مَسْأَلَتنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْ الْمُبَرِّئِ دَعْوَاهُ أَنَّهُ ظَنَّ انْتِقَالَ الدَّيْنِ مِنْ الْأَصِيلِ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ إنْ كَانَ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَشَأَ بَيْنَهُمْ وَشَهِدَتْ قَرَائِنُ أَحْوَالِهِ بِأَنْ يَجْهَلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَلَا يَبْعُدُ حِينَئِذٍ بُطْلَانُ الْبَرَاءَةِ؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا مَعْنَاهَا الشَّرْعِيَّ إلَّا أَنَّ كَلَامَهُمْ كَالصَّرِيحِ فِي خِلَافِ ذَلِكَ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعِبْرَةَ فِي الْعُقُودِ بِمَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا بِمَا فِي ظَنّ الْمُكَلَّفِ
وَلَمْ يَخُصُّوا ذَلِكَ بِمَنْ عَذَرَ بِذَلِكَ الظَّنِّ وَمِنْ ثَمَّ صَحَّ بَيْعُ وَعِتْقُ وَتَزْوِيجُ وَإِبْرَاءُ مَنْ ظَنَّ أَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ ثُمَّ بَانَ أَنَّ لَهُ وِلَايَةً وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ مَنْ عُذِرَ فِي ظَنِّهِ أَوْ لَا فَتَقْيِيدُ الْأَصْبَحِيِّ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ قَدْ نَشَأ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُخَالِفٌ لِكَلَامِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَا فَرْق فَتَنْفُذُ الْبَرَاءَةُ مُطْلَقًا نَشَأَ بَيْن الْمُسْلِمِينَ أَمْ لَا ثُمَّ رَأَيْت الْفَقِيهَ الصَّالِحَ عَبْدَ اللَّهِ أَبَا مَخْرَمَةَ أَفْتَى بِمَا أَفْتَيْت فَقَالَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ يَبْرَأ الْمَضْمُون عَنْهُ وَالضَّامِنُ عَنْ الدَّيْنِ الْمَذْكُورِ فَلَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ فَإِنْ قُلْت يُنَافِي مَا ذَكَرْته عَنْ أَبِي مَخْرَمَةَ قَوْلَ الْأَنْوَار لَوْ اشْتَرَى طَعَامًا فِي الذِّمَّةِ وَقَضَى ثَمَنَهُ مِنْ حَرَامٍ فَإِنْ سَلَّمَهُ الْبَائِع قَبْل قَبْضِ الثَّمَن بِطِيبِ قَلْبِهِ وَأَكَلَهُ الْمُشْتَرِي قَبْل أَدَاءِ الثَّمَنِ حَلَّ مِنْ الْحَرَامِ أَوْ لَمْ يُؤَدِّ أَصْلًا وَالثَّمَنُ بَاقٍ فِي ذِمَّتِهِ فَإِنْ أَدَّاهُ مِنْ الْحَرَامِ وَأَبْرَأهُ الْبَائِعُ مَعَ الْعِلْم بِحُرْمَتِهِ بَرِئَ وَلَكِنْ أَثِمَ بِرَوَاحِهِ وَإِنْ أَبْرَأهُ بِظَنِّ الْحِلِّ لَمْ يَبْرَأ. اهـ.
وَوَجْهُ الْمُنَافَاة أَنَّ الظَّنَّ هُنَا أَثَرٌ فَلِمَ لَا أَثَرَ فِي صُورَةِ السُّؤَالِ قُلْت لَا مُنَافَاةَ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْأَنْوَار يَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ عَنْ النَّوَوِيِّ فِي عَيْنِ مَسْأَلَته وَهُوَ أَنَّ الصُّورَةَ أَنَّهُ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ اسْتِيفَاءٍ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَبْرَأَهُ بَرَاءَةَ إسْقَاطٍ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ تَصِحُّ حِينَئِذٍ وَهَذِهِ هِيَ نَظِيرُ مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِيفَاءَ فِيهَا حَتَّى يُقْصَدَ أَوْ يَنْزِلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ فَتَعَيَّنَ حَمْلُ الْإِبْرَاءِ عَلَيْهَا عَلَى بَرَاءَةِ الْإِسْقَاطِ وَقَدْ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ بِصِحَّتِهِ مَعَ ظَنِّ الْحِلِّ فَقِيَاسُهُ صِحَّتُهُ فِي مَسْأَلَتنَا وَلَوْ مَعَ ظَنِّ انْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَإِنْ قُلْت سَلَّمْنَا عَدَمَ الْمُنَافَاةِ فِيمَا ذَكَرَ لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَهُ عَلَى إنْكَارٍ ثُمَّ قَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ الْحَقِّ أَوْ بَرِئْت مِنْهُ لَمْ يَبْرَأْ وَرَدُّوا عَلَى مَنْ قَالَ إذَا صَرَّحَ بِالْإِبْرَاءِ بَعْدَ الصُّلْحِ سَقَطَ حَقُّهُ وَقَوْلُ الذَّخَائِرِ إنَّ الشَّاشِيَّ حَكَى هَذَا عَنْ الْمَذْهَبِ وَلَمْ يَحْكِ سِوَاهُ غَلَطٌ وَإِنَّمَا حَكَاهُ الشَّاشِيُّ مَقَالَة وَأَفْسَدَهَا وَمَحَلُّ الْخِلَافِ إنْ ظَنَّ صِحَّةَ الْمُصَالَحَةِ فَإِنْ عَلِمَ فَسَادَهَا ثُمَّ أَبْرَأَهُ نَفَذَ الْإِبْرَاءُ لَا مَحَالَةَ وَلَا يُنَافِي مَا تَقَرَّرَ إطْلَاقَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْكِرٌ وَقُلْنَا لَا يَفْتَقِرُ الْإِبْرَاءُ إلَى الْقَبُولِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ بِهِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ إذَا لَمْ تَجْرِ مُصَالَحَةٌ قُلْت لَا يُنَافِي شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ؛ لِأَنَّ السُّبْكِيّ رحمه الله صَوَّرَ مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ بِمَا إذَا صَالَحَ مَعَ الْإِنْكَارِ مِنْ أَلْفٍ عَلَى خَمْسمِائَةِ وَأَبْرَأَهُ مِنْ الْبَاقِي فَحِينَئِذٍ لَا يَبْرَأُ وَيَلْزَمُهُ ظَاهِرًا رَدُّ مَا قَبَضَ حَتَّى لَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً بِالْأَلْفِ أَخَذَهَا جَمِيعَهَا وَعَلَّلَ ذَلِكَ نَقْلًا عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الْإِبْرَاءَ كَانَ مَقْرُونًا بِمِلْكِ مَا صَالَحَ بِهِ فَلَمَّا لَزِمَهُ رَدُّهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بَطَلَ إبْرَاؤُهُ لِعَدَمِ صِفَاتِهِ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا بَيْعًا فَاسِدًا فَأَذِنَ لِمُشْتَرِيهِ فِي عِتْقِهِ فَأَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِهِ لَمْ يَعْتِقْ؛ لِأَنَّ إذْنَهُ كَانَ لِمِلْكِ الْعِوَضِ فَلَمَّا لَمْ يَمْلِكهُ بِالْعَقْدِ الْفَاسِد لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ لِلْإِذْنِ. اهـ.
كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَوَافَقَهُ حَتَّى عَلَى مَسْأَلَةِ الْعِتْقِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَبِهِ يَتَّجِهُ عَدَمُ الْمُنَافَاةِ الَّتِي ذَكَرْتهَا؛ لِأَنَّ الْإِبْرَاء هُنَا وَقَعَ عِوَض مُعَاوَضَة لِاقْتِرَانِهِ بِمِلْكِ مَا صَالَحَ بِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ بُطْلَانُهُ فِي الْآخَرِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّ الْإِبْرَاءَ فِيهَا لَمْ يَقَعْ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ حَتَّى إذَا فَسَدَ فَسَدَ الْإِبْرَاءُ فَمِنْ ثَمَّ صَحَّ مُطْلَقًا كَمَا قَدَّمْته وَمِمَّا يُزِيدُ ذَلِكَ وُضُوحًا قَوْلُ السُّبْكِيّ أَيْضًا وَمَا ذُكِرَ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ لَا شَكَّ فِيهِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ صَالَحْتُك مِنْ الْأَلْفِ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ كَمَا سَبَقَ أَطْلَقَهَا أَوْ عَيَّنَهَا وَيُعَلَّلُ عَدَمُ حُصُولِ الْبَرَاءَةِ وَإِنْ انْكَشَفَ الْحَالُ بَعْدَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ بِأَنَّ الْبَرَاءَةَ هُنَا إنَّمَا كَانَتْ فِي ضِمْنِ الصُّلْحِ فَإِذَا فَسَدَ الصُّلْحُ فَسَدَتْ أَمَّا لَوْ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ أَبْرَأْتُك مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ الْأُخْرَى فَالْإِبْرَاء هُنَا وُجِدَ مُسْتَقِلًّا لَكِنَّهُ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ وَكَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ هُنَا يَقْتَضِي الْفَسَادَ أَيْضًا وَاَلَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ بَعْدَ الصُّلْح أَبْرَأْتُك فَإِنْ اعْتَقَدَ صِحَّةَ الصُّلْح لَمْ يَبْرَأْ كَمَا لَوْ قَالَ لِمُكَاتَبِهِ بَعْدَ قَبْضِ النُّجُومِ أَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ يُرَدُّ لِلرِّقِّ وَإِنْ اعْتَقَدَ فَسَادَهُ بَرِئَ لَكِنْ إنَّمَا يَأْتِي مَا قَالَهُ عَلَى قَوْلِ شَيْخِهِ الْقَاضِي وَالْبَغَوِيَّ وَغَيْرهمَا فِي الرَّهْن وَنَظَائِرِهِ عَلَى ظَنِّ الْوُجُوبِ بِالْفَسَادِ وَاَلَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي النَّوَوِيَّ الصِّحَّةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقِيَاسُهُ أَنْ
يَكُونَ الْأَصَحُّ هَذَا كَذَلِكَ أَيْ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَقَوْلُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابَةِ أَنْتَ حُرٌّ مُحْتَمِلٌ لِلْإِقْرَارِ وَالْقَرِينَةُ الظَّاهِرَةُ صَارِفَةٌ إلَيْهِ فَلَمْ يَقَعْ بِهِ عِتْقٌ بِخِلَافِ أَبْرَأْتُك فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِنْشَاءِ فَوَقَعَتْ بِهِ الْبَرَاءَةُ. اهـ. وَبِتَأَمُّلِهِ يَزِيدُ إيضَاحُ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّ مَسْأَلَةَ الصُّلْحِ لَا تُنَافِي مَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ السُّبْكِيّ فَوَاضِحٌ مُوَافِقٌ لِمَا قُلْنَاهُ أَوْ بِفَسَادِهِ وَهُوَ مَا اعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَطَالَ فِيهِ فَلِكَوْنِهِ وَقَعَ عِوَضًا فِي مُقَابَلَةِ مِلْكِ مَا صَالَحَ عَلَيْهِ فَإِذَا فَسَدَ أَحَدُهُمَا فَسَدَ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ هَذَا هُوَ شَأْنُ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِيمَا نَحْنُ فِيهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِيمَا لَوْ قَالَ أَبْرِئْ فُلَانًا مِنْ دَيْنِك أَوْ أَبْرِئِي فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَهُوَ فِي أَرْضِي الْفُلَانِيَّة أَوْ أَنَا بِهِ ضَمِينٌ فَأَبْرَأَ أَوْ أَبْرَأْت فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الِالْتِزَامُ وَهَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ عَلَى مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ كَلَامٌ جَمَعْته فِي تَعْلِيقَةٍ مِنْ فَتَاوَى الْمُتَأَخِّرِينَ أَوْضِحُوا ذَلِكَ بِنَقْلِ مَا هُنَالِكَ وَابْسُطُوا وَاذْكُرُوا الْحَاصِلَ الْمُرَادَ آخِرَ الْكَلَامِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَةِ الْإِبْرَاءِ حَيْثُ قَالَ لِآخَرَ إنْ رَدَدْت عَبْدِي فَقَدْ أَبْرَأْتُك عَنْ دَيْنِي عَلَيْك صَحَّ وَإِذَا رَدَّ يَبْرَأُ وَإِنْ قُلْنَا الْإِبْرَاءُ إسْقَاطٌ فَهُوَ إسْقَاطٌ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعِوَضُ مَنَافِعَ بَدَنِهِ اهـ.
قَالَ السُّبْكِيّ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَعْلِيقَ الْإِبْرَاءِ لَا يَصِحُّ. اهـ.
إذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَمَنْ قَالَ لِدَائِنٍ أَبْرِئْ فُلَانًا مِنْ دَيْنِك بِهَذِهِ الْعَيْنِ فَقَالَ أَبْرَأْته بِهَا بَرِئَ وَمَلَكَهَا الدَّائِنُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ أَبْرِئْهُ وَأَنَا بِهِ ضَمِينٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ ضَمَانٌ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيل وَهُوَ بَاطِلٌ عَلَى الْمَشْهُودِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَدِينِ الْحَيِّ وَأَمَّا الْمَدِينُ الْمَيِّتُ فَهُوَ فِي الْحَالَةِ الْأُولَى أَعْنِي بَذْلَ الْعَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ إبْرَائِهِ كَالْحَيِّ بَلْ أَوْلَى فَيَصِحُّ الْبَذْلُ وَيَبْرَأُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَاذِلُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا وَأَمَّا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فَيَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَالضَّمَانُ وَيُغْتَفَرُ حِينَئِذٍ كَوْنُهُ ضَمَانًا بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ تَعْجِيلًا وَتَحْصِيلًا لِمَصْلَحَةِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَالْحَيِّ فِي ذَلِكَ فَلَا يَصِحُّ الضَّمَانُ وَكَذَا لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ إنْ جُعِلَ فِي مُقَابَلَةِ صِحَّةِ الضَّمَانِ وَإِلَّا صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ الضَّمَانُ فَإِنْ قُلْت مَا الَّذِي يَتَرَجَّحُ مِنْ هَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ قُلْت الْكَلَامُ عَلَى الرَّاجِحِ مِنْهُمَا يَحْتَاجُ لِمُقَدِّمَةٍ لَا بَأْسَ بِذِكْرِهَا وَإِنْ أَدَّتْ إلَى طُولٍ وَهِيَ أَنَّ الْأَصْحَابَ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ يُبَادَرَ إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إنْ تَيَسَّرَ فِي الْحَالِ أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُ الدَّيْنِ وَهُوَ حَاضِرٌ قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ يَتَأَخَّرُ أَيْ قَضَاءُ دَيْنِ الْمَيِّتِ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ. اهـ. وَجَرَى عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعِبَارَةُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يَتَوَصَّلُ إلَى أَنْ يُحِيلَ غُرَمَاءَ الْمَيِّتِ عَلَى مَنْ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَهِيَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَلَيْسَتْ قَيْدًا ثُمَّ كَلَامهمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَة مُبَرِّئَةٌ لِلذِّمَّةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ فَقَالَ ظَاهِر كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ الْبَرَاءَةُ بِتَحَمُّلِ الْوَلِيِّ وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمْ عَلَى مَصِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَإِنْ كَانَ ضَمَانًا فَكَيْفَ يَبْرَأُ الْمَضْمُون عَنْهُ ثُمَّ يُطَالَبُ الضَّامِنُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ الْمَالَ عَنْ الْمَيِّتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْآن بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ حِين وَفَّاهُ لَا حِينَ ضَمِنَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَأَوْا هَذِهِ الْحَوَالَة جَائِزَةً مُبَرِّئَةً لِلْمَيِّتِ فِي الْحَالِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ. اهـ.
وَتَبِعَهُ فِي الْخَادِمِ فَقَالَ كَلَامُهُمْ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ مُبَرِّئَةٌ لِلذِّمَّةِ وَنَازَعَ فِيهِ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَة تَفْتَقِرُ إلَى مُحِيلٍ وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ اُغْتُفِرَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً لِلْمَيِّتِ كَمَا فَعَلَ أَبُو قَتَادَةَ لَمَّا امْتَنَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَدْيُونَ حَتَّى قَالَ عَلَيَّ دَيْنُهُ وَاسْتَفَدْنَا مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ ذَلِكَ عَلَى احْتِيَالِ الْوَلِيِّ بَلْ الْأَجْنَبِيِّ كَذَلِكَ. اهـ.
وَتَوَقَّفَ فِيهِ النَّشَائِيُّ أَيْضًا فِي جَامِعِهِ وَلَا تَوَقُّفَ لِمَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ ثُمَّ قَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَكَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي تَحَمُّلِ الْوَلِيِّ الْمُقْتَضِي لِانْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَيْهِ وَبَرَاءَةِ الْمَيِّتِ بِهِ لِلْمَصْلَحَةِ بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِالْحَوَالَةِ أَنْ يُحِيلَ الْوَلِيُّ
عَنْ الْمَيِّتِ فِي إيجَابِهَا وَاحْتُمِلَتْ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ وَمِنْ غَيْرِ رِضَا الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ لِلْمَصْلَحَةِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ جَمْعٌ مُتَقَدِّمُونَ إنْ كَانَتْ التَّرِكَةُ نَقْدًا قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْهَا أَوْ غَيْرَ نَقْدٍ سَأَلَ الْوَلِيُّ غُرَمَاءَ الْمَيِّتِ أَنْ يَحْتَالُوا عَلَيْهِ لِيَصِيرَ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ وَلَا بَيْنَ أَنْ يُرَادَ بِهَا تَحَمُّلُ الْوَلِيِّ الدَّيْنَ عَنْ الْمَيِّتِ بِرِضَا الْغَرِيمِ فَيَحْصُلُ انْتِقَالُهُ لِذِمَّتِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّ الْمَيِّتَ خَلَّفَ تَرِكَةً أَوْ لَا نَظَرًا لِكَوْنِهِ حِينَئِذٍ يُشْبِهُ الضَّمَانَ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا بِصِحَّتِهِ عَلَى الضَّعِيفِ فَظَاهِرٌ وَحِينَئِذٍ الْأَجْنَبِيُّ كَالْوَلِيِّ لِمَا صَحَّ فِي قِصَّةِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ الدِّينَارَيْنِ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هُمَا عَلَيْك وَالْمَيِّتُ مِنْهُمَا بَرِيءٌ فَقَالَ نَعَمْ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ فَهَذَا مُسْتَثْنًى لِلْمُصْلِحَةِ كَمَا عُلِمَ مِمَّا مَرَّ وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَبَرِئَ مِنْهُمَا الْمَيِّتُ بَرَاءَتَهُ مِنْ رُجُوعِ أَبِي قَتَادَةَ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانٌ بِغَيْرِ أَمْرِهِ. اهـ.
وَفِيهِ نَظَرٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَحَمُّلَ الْوَلِيِّ بِقِسْمَيْهِ الْمَذْكُورَيْنِ مُغْتَفَرٌ لِمَصْلَحَةِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ الِاحْتِمَالَيْنِ اللَّذَيْنِ أَبْدَيْتهمَا أَوَّلُهُمَا فَحِينَئِذٍ يُفَارِقُ الْمَيِّتُ الْحَيَّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لِمَا تَقَرَّرَ مِنْ احْتِيَاجِ الْمَيِّتِ لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَكْثَرَ فَاغْتُفِرَ فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْحَيِّ ثُمَّ رَأَيْت الرِّيمِيَّ ذَكَرَ فِي تَفْقِيهِهِ مَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْته بَلْ يُصَرِّحُ بِهِ حَيْثُ قَالَ وَصُورَةُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْحَوَالَةِ أَنْ يَقُولَ لِرَبِّ الدَّيْنِ أَسْقِطْ حَقَّكَ عَنْ الْمَيِّتِ وَعَلَيَّ عِوَضُهُ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ رَبُّ الدَّيْنِ بَرِئَ الْمَيِّتُ وَلَزِمَ الْمُلْتَزِمَ مَا الْتَزَمَهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْعَاءُ إتْلَافِ مَالِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ ثُمَّ اسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِكَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْحَوَالَة عَلَى مَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ تُسَمَّى حَوَالَة حَقِيقَةً عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَضَمَانًا بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ الْأَصْبَحِيِّ فِي فَتَاوِيهِ ذَكَرَ فِي الْبَيَانِ أَوَّلَ مَا يَبْدَأُ بِهِ وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ أَوْ يَحْتَالَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَلْتَزِمَ لِغَرِيمِ الْمَيِّتِ دَيْنَهُ فِي ذِمَّتِهِ بِمُعَاوَضَةٍ إنْ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ. اهـ. فَقَوْلُهُ أَنْ يَلْتَزِمَ إلَخْ ظَاهِرٌ فِيمَا ذَكَرْته مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ عَنْ الْمَيِّتِ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ وَتَنْظِيرُ بَعْضِهِمْ فِيهِ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَمِمَّا يَدُلُّ لِذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْبُخَارِيَّ تَرْجَمَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ بِبَابِ الْحَوَالَةِ ثُمَّ بِبَابِ الْكَفَالَةِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ وَالثَّانِي هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّمَا تَرْجَمَ بِالْحَوَالَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَدِيثَ وَهُوَ فِي الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْحَوَالَةَ وَالضَّمَانَ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مُتَقَارِبَانِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْتَظِمَانِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ نَقْلُ ذِمَّةِ رَجُلٍ إلَى ذِمَّةِ آخَرَ وَالضَّمَانُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَقْلُ مَا فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ إلَى ذِمَّةِ الضَّامِنِ فَصَارَ كَالْحَوَالَةِ سَوَاءً بِسَوَاءٍ. اهـ.
وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمَا قَدَّمْته مِنْ اسْتِوَاءِ الضَّمَانِ وَالْحَوَالَة فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُمَا إنَّمَا اُغْتُفِرَ فِيهِمَا عَدَمُ وُجُودِ شُرُوطِهِمَا لِمَصْلَحَةِ بَرَاءَةِ الْمَيِّتِ وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ إنَّ الضَّمَانَ عَنْ الْمَيِّتِ يُبْرِئُهُ إذَا كَانَ مَعْلُومًا سَوَاءٌ خَلَّفَ الْمَيِّتُ وَفَاءً أَمْ لَا وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا امْتَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ لِارْتِهَانِ ذِمَّتِهِ بِالدَّيْنِ فَلَوْ لَمْ يُبْرِئْ ضَمَانَ أَبِي قَتَادَةَ لَمَا صَلَّى عَلَيْهِ وَالْعِلَّةُ الْمَانِعَةُ قَائِمَةٌ. اهـ.
لَا يُقَالُ الْحَدِيثُ إنَّمَا هُوَ حُجَّةٌ لِلْوَجْهِ الْمَرْجُوحِ الْقَائِلِ بِصِحَّةِ الضَّمَانِ بِشَرْطِ بَرَاءَةِ الْأَصِيلِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ لِلْمُعْتَمَدِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَدَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ أَنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَوْ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ وَلَا يَضُرُّ هَذَا الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتُ الْعَقْد إذْ يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الضَّمَانِ بَرَاءَتُهُ بِمُجَرَّدِ الضَّمَانِ كَمَا مَرَّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي التَّحَمُّلِ الصَّادِقِ بِالضَّمَانِ وَالْحَوَالَة وَاغْتَفَرُوا ذَلِكَ هُنَا تَعْجِيلًا لِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَرِعَايَةً لِمَصْلَحَتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ لِذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ لِانْقِطَاعِ سَعْيِهِ فَاغْتَفَرُوا فِيهِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْحَيِّ (تَتِمَّةٌ) قَالَ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ إيرَادِهِ مَا مَرَّ عَنْ الْمَجْمُوعِ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمْ اغْتَفَرُوا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِحَاجَةِ الْمَيِّتِ وَمَصْلَحَتِهِ كَوْنَ الْوَلِيِّ مُحِيلًا وَمُحَالًا عَلَيْهِ مَعَ فَرَاغِ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَاكْتَفَوْا بِرِضَاهُ مَعَ رَبِّ الدَّيْنِ بِذَلِكَ فَلِرَبِّ الدَّيْنِ مُطَالَبَتِهِ بِدَيْنِهِ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَإِنْ تَلْفِت التَّرِكَةُ وَهَلْ يَنْقَطِعُ تَعَلُّقُهُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُتَّجَهُ دَوَامُهُ؛ لِأَنَّ تَسْوِيغَ ذَلِكَ
لِمَصْلَحَةِ الْمَيِّتِ وَالتَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ مِنْ مَصْلَحَتِهِ وَكَأَنَّ الْوَلِيَّ اسْتَدَامَ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِهَا عَنْ جِهَتِهِ فَهُوَ كَتَجَدُّدِ رَهْنِهَا مِنْ جِهَتِهَا بَعْدَ انْتِقَالِ الدَّيْنِ إلَى ذِمَّتِهِ سِيَّمَا إذَا تَعَرَّضَ رَبُّ الدَّيْنِ لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ لِيَكُونَ بَاعِثًا عَلَى تَعْجِيلِ الْقَضَاءِ. اهـ.
وَتَعَقَّبَهُ بَعْضُهُمْ فَقَالَ وَالِاتِّجَاهُ فِي دَوَامِ التَّعَلُّقِ وَادِّعَاءِ مَصْلَحَةِ الْمَيِّت فِيهِ مَمْنُوع فَلْيَتَأَمَّلْ. اهـ وَالتَّعَقُّب أَوْجَه؛ لِأَنَّ رِضَا الدَّائِن بِذِمَّةِ الْوَلِيّ فِيهِ فَكٌّ مِنْهُ لِلتَّرِكَةِ عَنْ الرَّهْنِيَّةِ فَكَيْف مَعَ تَعَلُّقِ حَقّه بِذِمَّةِ الْوَلِيّ وَانْتِقَاله مِنْ ذِمَّة الْمَيِّت وَفَرَاغهَا مِنْهُ تَبْقَى التَّرِكَة مَرْهُونَة بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَى الْمَيِّت مِنْهُ شَيْءٌ وَدَعْوَى أَنَّ مَصْلَحَةَ الْمَيِّتِ تَقْتَضِي التَّعَلُّقَ غَيْرُ صَحِيحَةٍ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ ذِمَّتَهُ بَرِئْت مِنْ الدَّيْنِ بِكُلِّ وَجْه فَلَا يَعُود عَلَيْهِ مَنْفَعَة بِتَعَلُّقِ الدَّيْن بِالتَّرِكَةِ وَعَدَم تَعَلُّقِهِ بِهَا؛ لِأَنَّهُ بَعْد أَنْ اسْتَقَرَّ فِي ذِمَّة الْوَلِيّ وَفَرَغَتْ ذِمَّة الْمَيِّت مِنْهُ صَارَ لَا يُمْكِنُ عَوْدُهُ لِذِمَّتِهِ سَوَاء أَدَّاهُ الْوَلِيّ أَمْ لَمْ يُؤَدِّهِ نَعَمْ إنْ تَعَرَّضَ الدَّائِن لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيّ اُحْتُمِلَ أَنْ يُقَالَ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ وَالْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَأَنْ يُقَالَ بِبُطْلَانِهِ وَعَلَيْهِ فَهَلْ يَبْطُلُ أَصْلُ التَّحَمُّل لِاقْتِرَانِهِ بِشَرْطٍ فَاسِدٍ أَوْ لَا كُلٌّ مُحْتَمَل وَالْأَوَّلُ أَعْنِي صِحَّةَ الشَّرْطِ وَالْعَمَلَ بِمُقْتَضَاهُ غَيْرُ بَعِيدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْمَيِّتِ إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الدَّائِنَ لَمْ يَرْضَ بِتَحَمُّلِ الْوَلِيِّ إلَّا بِهَذَا الشَّرْطِ فَلَوْ لَمْ نُصَحِّحْهُ لَبَقِيَ التَّعْلِيقُ بِذِمَّةِ الْمَيِّتِ مُسْتَمِرًّا، وَاَللَّه أَعْلَم
(وَسُئِلَ) هَلْ يَصِحُّ الضَّمَان لِغَائِبٍ عَلَى غَائِبٍ وَهُوَ عَارِفٌ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ وَالْمَضْمُونَ لَهُ وَبِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّهُ يَصِحُّ الضَّمَانُ الْمَذْكُورُ فَقَدْ قَالُوا شَرْطُ الضَّامِنِ أَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ وَشَرْطُ الْمَضْمُونِ لَهُ مَعْرِفَةُ عَيْنِهِ فَلَا يَكْفِي مَعْرِفَةُ وَكِيلِهِ كَمَا بَيَّنْته فِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا يُشْتَرَطُ قَبُولُهُ وَلَا رِضَاهُ بَلْ يَلْزَمُهُ أَدَاءُ ضَامِنٍ وَالْمُؤَدَّى بِإِذْنِ الْغَرِيمِ وَلَا يُشْتَرَط رِضَا الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَلَا قَبُولُهُ وَلَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ عَنْ الْمُعْسِرِ وَالرَّقِيقِ وَالْمَجْهُولِ وَالْمُنْكَرِ وَشَرْطُ الْمَالِ الْمَضْمُونِ أَنْ يَكُونَ دَيْنًا ثَابِتًا لَازِمًا أَوْ أَصْلُهُ اللُّزُومُ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ وَالصِّفَةِ، وَاَللَّه أَعْلَم
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي رَجُلٍ يَعْلَمُ دَيْنَ مُورَثِهِ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ وَلَا يَعْلَمُ كَمْ نَصِيبُهُ مِنْهُ فَأَبْرَأَ زَيْدًا مِنْهُ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) إذَا عَلِمَ دَيْنَ مُورَثِهِ الَّذِي عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ يَعْلَمْ كَمْ نَصِيبُهُ فَأَبْرَأَ مِنْ الْجَمِيعِ الْمَعْلُومِ لَهُ صَحَّ الْإِبْرَاءُ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ نَقْلًا عَنْ نَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ يُسْتَثْنَى مِنْ الْإِبْرَاءِ بِالْمَجْهُولِ مَا إذَا ذَكَرَ غَايَةً يَعْلَم أَنَّ حَقَّهُ دُونَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ قَدْرَ حَقِّهِ فَكَمَا صَحَّ هُنَا مَعَ جَهْلِهِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ فَكَذَلِكَ يَصِحُّ فِي مَسْأَلَتنَا؛ لِأَنَّهُ أَبْرَأَهُ مِنْ قَدْرٍ مَعْلُومٍ يَعْلَمُ أَنَّ حَقَّهُ دُونَهُ بَلْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَاخِلَةٌ فِي كَلَامِهِمْ ذَاكَ؛ لِأَنَّ مِنْ صُوَرِهِ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ مِائَةٍ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ أَنَّ دَيْنَهُ دُونَهَا لَكِنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَهُ وَصُورَتُهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ مَالَ مُورَثِهِ وَلَا يَعْلَمُ كَمْ لَهُ مِنْهَا فَإِذَا صَحَّ الْإِبْرَاءُ فِي تِلْكَ صَحَّ فِي هَذِهِ فَالصُّورَتَانِ دَاخِلَتَانِ تَحْتَ كَلَامِهِمْ الَّذِي ذَكَرْته وَكَذَا تَحْتَ قَوْلِ الْأَنْوَار وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُبْرِئ مِنْ مَجْهُولٍ فَالطَّرِيقُ أَنْ يَذْكُرَ عَدَدًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ الدَّيْنُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ حَقَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى مِائَةٍ مَثَلًا أَوْ أَلْفٍ فَيَقُولُ أَبْرَأْتُك مِنْ مِائَةٍ أَوْ أَلْفٍ ثُمَّ رَأَيْت الْأَصْبَحِيَّ أَفْتَى بِمَا ذَكَرْته، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَحَالَهُ ثُمَّ قَضَاهُ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ؟
(فَأَجَابَ) إذَا أَحَالَ دَائِنُهُ عَلَى مَدِينِهِ انْتَقَلَ الدَّيْنُ مِنْ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إلَى ذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ فَإِذَا قَضَى الْمُحِيلُ الْمُحْتَالَ ذَلِكَ الدَّيْنَ الَّذِي أَحَالَهُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فِي الْأَدَاءَ عَنْهُ كَانَ الْمُحِيلُ حِينَئِذٍ مُتَبَرِّعًا بِالْأَدَاءِ فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَى أَحَدٍ نَعَمْ قِيَاسُ كَلَامِهِمْ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ أَنَّهُ لَوْ أَدَّى إلَيْهِ ظَانًّا أَنَّ ذِمَّتَهُ مَشْغُولَةٌ لَهُ إلَى الْآن وَإِنَّ الْحَقَّ لَمْ يَنْتَقِلْ لِذِمَّةِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ انْتَقَلَ إلَيْهَا مَعَ بَقَائِهِ فِي ذِمَّتِهِ أَيْضًا كَانَ ذَلِكَ عُذْرًا لَهُ مُقْتَضِيًا لِرُجُوعِهِ عَلَى مَنْ أَدَّى إلَيْهِ بِمَا أَدَّاهُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَنَى الْإِعْطَاءَ لَهُ عَلَى ظَنٍّ بَانَ خَطَؤُهُ وَلَا يُقَالُ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي نَحْو الْعِبَادَات وَحَيْثُ لَا عُذْر وَإِلَّا فَقَدْ يُعَوِّلُونَ عَلَى الظَّنِّ وَإِنْ بَانَ خَطَؤُهُ إذَا عُذِرَ الظَّانُّ بِقِيَامِ قَرِينَةٍ تَقْتَضِي مَا ظَنَّهُ وَالْقَرِينَةُ هُنَا قَوِيَّةٌ وَهِيَ أَنَّ ذِمَّتَهُ كَانَتْ مَشْغُولَةً بِالدَّيْنِ وَكَوْنُهُ يَنْتَقِلُ عَنْهَا بِالْكُلِّيَّةِ بِالْحَوَالَةِ أَمْرٌ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فَمَنْ ظَنَّ خِلَافَهُ مَعْذُورٌ بِلَا شَكٍّ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) هَلْ
يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ بَيْعُ مَالِ الْيَتِيمِ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ إذَا خَشِيَ عَلَيْهِ التَّلَفَ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَقَدْ أَفْتَى الْقَفَّالُ عَنْ ضَيْعَةِ خَرَابٍ يُطْلَبُ مَالُهَا عَنْ الصَّبِيّ وَيَسْتَأْصِلُ مَالَهُ فَقَالَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلَوْ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِيهِ وَقَضِيَّته أَنَّ لَهُ بَيْعُ كُلِّ مَا خِيفَ غَصْبُهُ أَوْ هَلَاكُهُ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلِهِ وَيُؤَيِّدُهُ إفْتَاءُ الْغَزَالِيِّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ نَقْصُ الصَّغِيرَةِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ
لِلْمَصْلَحَةِ
وَأَخَذَ مِنْهُ ابْن عُجَيْلٍ مَسْأَلَتنَا وَمَثَّلَهُ بِمَا لَوْ أَبَقَ عَبْدُ الْمَحْجُورِ الْمُكْتَسِبِ مَالًا وَتَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ وَمَا مَعَهُ فَبَاعَهُ مِمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى انْتِزَاعِ الْكَسْبِ مِنْهُ بِدُونِ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَشَرَطَ أَنْ يَرُدَّ لَهُ الْكَسْبَ جَازَ وَلَا نَظَرَ لِكَوْنِ هَذَا وَعْدًا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ لَوْ زَادَ رَاغِبٌ وَقَدْ بَاعَ الْوَكِيلُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ بَقَاؤُهُ عَلَى الزِّيَادَةِ وَيُؤَيِّدُهُ تَجْوِيزُهُمْ تَعْيِيبَ مَالِ الْيَتِيمِ إذَا خِيفَ أَخْذُ ظَالِمٍ لَهُ كَقَضِيَّةِ السَّفِينَةِ مَعَ الْخَضِرِ وَمِنْ ثَمَّ أَفْتَى الْأَزْرَقِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ سُرِقَ أَحْسَنُهُمَا وَلَمْ يَرُدَّهُ اللِّصُّ إلَّا بِأَخْذِ الْأَدْوَنِ جَازَ إعْطَاؤُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) فِي شَخْصٍ قَيِّمٍ عَلَى مَحْجُورٍ بَالِغٍ دَفَعَ إلَيْهِ مَبْلَغًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَيَخْتَبِرَ بِهِ فَأَتْلَفَهُ فَهَلْ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْقَدْرَ الْمَذْكُورَ بِغَيْرِ إذْنِ الْقَاضِي وَتَلِفَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ يُحْسَبُ عَلَى الْمَحْجُورِ أَوْ لَا وَهَلْ إذَا اسْتَدَانَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ دَيْنًا وَلَمْ يَحْكُمْ بِدَفْعِهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَوَفَّى الْقَيِّمُ عَنْهُ ذَلِكَ يُحْسَبُ عَلَى الْمَحْجُورِ أَوْ لَا وَمَا حُكْمُ اللَّهِ فِي ذَلِكَ أَفْتَوْنَا مَأْجُورِينَ؟
(فَأَجَابَ) إذَا دَفَعَ الْوَلِيُّ الْمَالَ إلَى مَحْجُورِهِ قُبَيْلَ الْبُلُوغِ لِلْمُمَاكَسَةِ الَّتِي يَتَبَيَّنُ بِهَا اخْتِبَارُهُ فَتَلِفَ فِي يَدِ الْمَحْجُورِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ فَإِذَا دَفَعَهُ لَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ كَذَلِكَ ضَمِنَ بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ الِاخْتِبَارَ وَقْتُهُ قُبَيْلَ الْبُلُوغِ وَأَمَّا اسْتِدَانَةُ الْمَحْجُورِ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ رَشِيدٍ مُطْلَقًا أَوْ مِنْ رَشِيدٍ وَتَلِفَ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِرَدِّهِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْهُ يَضْمَنُهُ الْمَحْجُورُ فَإِذَا أَدَّاهُ وَلِيُّهُ عَنْهُ مِنْ مَالِ الْمَحْجُورِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْوَلِيُّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ الْأَدَاءُ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ رَشِيدٍ وَتَلِفَ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ بِرَدِّهِ لَا يَضْمَنُهُ الْمَحْجُورُ فَإِذَا أَدَّاهُ الْوَلِيُّ حِينَئِذٍ ضَمِنَهُ وَقَوْلُنَا لَمْ يَضْمَنْهُ الْمَحْجُورُ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْحَجْرِ وَالْإِقْرَارِ أَنَّ الْمَحْجُورَ يَضْمَنُهُ بَعْدَ انْفِكَاك الْحَجْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم.
(وَسُئِلْتُ) عَمَّا لَوْ قِيلَ لِامْرَأَةٍ أَبْرِئِي فُلَانًا مِنْ مَهْرِك وَهُوَ فِي أَرْضِي الْفُلَانِيَّةِ وَفِي الضَّمَانِ وَالرَّهْن مِنْ الْقُوتِ مَا يَنْبَغِي مُرَاجَعَته فِي ذَلِكَ (فَأَجَبْت) الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ صِحَّةُ الْبَرَاءَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَائِلِ؛ لِأَنَّهَا إذَا أَبْرَأَتْهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِأَرْضِهِ مَثَلًا فَلَيْسَ مِنْ بَابِ ضَمَانِ الدَّيْنِ فِي رَقَبَةِ عَيْنٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ هُنَاكَ مَوْجُودٌ ثَابِتٌ عِنْدَ الضَّمَانِ فَصَحَّ تَعَلُّقُهُ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ أَمْوَالِ الضَّامِنِ وَأَمَّا هُنَا فَإِنَّهُ اشْتَرَطَ عَلَيْهَا لِتَعَلُّقِ الْمَهْرِ بِأَرْضِهِ مَثَلًا إبْرَاءَهَا مِنْهُ وَبِالْإِبْرَاءِ مِنْهُ لَمْ يَبْقَ لَهَا شَيْءٌ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِغَيْرِهِ فَاتَّضَحَ أَنَّ هَذَا لَغْوٌ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ وَإِحَالَةُ السَّائِلِ نَفَعَ اللَّهُ بِهِ وَبِعُلُومِهِ وَبَرَكَتِهِ عَلَى مَا فِي الْقُوتِ إنْ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ كَلَامَهُ يُؤْخَذُ مِنْ عُمُومِهِ ذَلِكَ فَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْقُوتِ بِذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَتْ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيهِ بِخُصُوصِهَا فَالْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ بِحَسَبِ النُّسْخَةِ الَّتِي عِنْدِي فَإِنِّي فَتَّشْت فِيهَا بَابَيْ الضَّمَانِ وَالرَّهْنِ فَلَمْ أَرَ لِخُصُوصِ مَسْأَلَة السُّؤَال ذِكْرًا فِيهِ أَصْلًا فَإِمَّا أَنَّ السَّائِلَ أَرَادَ الْمَعْنَى الْأَوَّل أَوْ أَنَّ فِي نُسْخَتِهِ زِيَادَةٌ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَلْيَنْظُرْ مَا قُلْته مَعَ مَا فِي نُسْخَتِهِ فَإِنْ وَافَقَهُ فَلِلَّهِ أَتَمُّ الْحَمْدِ وَأَكْمَلَهُ وَإِنْ خَالَفَهُ فَلْيُرْسِلْ إلَيَّ بِالْعِبَارَةِ حَتَّى أَنْظُر فِيهَا وَفِي الرَّوْضَة عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ مَا يَقْرَبُ مِنْ مَسْأَلَتنَا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ قَالَ بِعْ عَبْدَك مِنْ زَيْدٍ بِأَلْفٍ عَلَيَّ لَمْ يَصِحَّ الْتِزَامُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ مَا لَمْ يَجِبْ وَلَا جَرَى سَبَبُ وُجُوبِهِ فَلَوْ بَاعَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ لِاشْتِرَاطِ الثَّمَنِ عَلَى غَيْرِ مَالِكِ الْمَبِيعِ نَعَمْ إنْ تَوَلَّى الْآمِرُ الْعَقْدَ صَحَّ لَكِنْ إنْ تَوَلَّاهُ بِوِلَايَةٍ أَوْ وَكَّلَهُ وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا وَقَعَ لَهُ وَلَزِمَهُ الثَّمَن فِيهِمَا وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي الْأُولَى وَإِنْ قَالَ بِعْهُ مِنْهُ بِأَلْفٍ وَأَنَا أَدْفَعُهُ لَك فَهُوَ وَعْدٌ لَا يَلْزَمُ فَلَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَلَا يَلْزَمُ الْآمِرَ شَيْءٌ لِعَدَمِ الْتِزَامِهِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ يُسْتَثْنَى مِنْ قَاعِدَة أَنَّ الْحَالَّ
لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ التَّأْجِيلُ بَعْدَ لُزُومِهِ حَالًّا شَيْءٌ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ اسْتَثْنَى الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ مَسْأَلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا إذَا قَالَ الدَّائِنُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُطَالِبَ الْمَدِينَ بِهِ إلَّا بَعْد شَهْرٍ مَثَلًا لَزِمَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ اعْتِمَادُهُ الثَّانِيَةَ إذَا أَوْصَى أَنْ لَا يُطَالَبَ بِهِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَإِنَّهُ تَنْفَدُ وَصِيَّتُهُ وَزَادَ ابْنُ الرِّفْعَةِ ثَالِثَةً وَهُوَ مَا لَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ ثُمَّ أَلْحَقَ الْأَجَلَ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ وَالزَّرْكَشِيُّ رَابِعَةً وَهِيَ إذَا ثَبَتَ الْإِفْلَاسُ عَلَى الْمَدِينِ فَلَمْ يُطَالِبهُ حَتَّى أَيْسَر وَارْتَفَعَ الْحَجْرُ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَعُودُ مُؤَجَّلًا ذَكَرَهَا الْقَفَّالُ فِي فَتَاوِيهِ وَخَامِسَةً وَهِيَ مَا إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ وَأَطْلَقَ الْعَقْدَ حَالًّا.
وَلَنَا خِلَافٌ هَلْ السَّلَمُ أَصْلُهُ الْحُلُولُ أَوْ التَّأْجِيلُ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَأَجَّلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُؤَجِّلًا وَالْكَلَام عَلَى ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى بَيَانٍ وَمَزِيد بَسْطٍ فَنَقُول أَمَّا مَسْأَلَةُ النَّذْرِ فَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِده مُسْتَشْكِلًا لَهَا إنْ كَانَتْ الصُّورَة فِي مُعْسِرٍ فَإِنْظَارُهُ وَاجِب وَالْوَاجِب لَا يَصِحُّ نَذْره وَإِنْ كَانَتْ فِي مُوسِرٍ مُؤَدٍّ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ أَخْذه مِنْهُ وَاجِبٌ وَلَا يَصِحُّ إبْطَالُ الْوَاجِب بِالنَّذْرِ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ مَيِّتًا فَلَا أَثَرَ لِنَذْرِ تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَة؛ لِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ وَاجِبَةٌ فَلَا يُؤَثِّرُ النَّذْرُ حَتَّى وَلَوْ رَضِيَ رَبُّ الدَّيْنِ وَالْوَارِث بِذَلِكَ وَيُجَاب بِأَنَّهُ قَدْ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ الْإِنْظَارِ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا فَيَصِحُّ نَذْرُهُ وَيَصِير وَاجِبًا بِالنَّذْرِ وَذَلِكَ فِي مُوسِر بِغَيْرِ جِنْسِ الدَّيْنِ فَإِنَّهُ لَوْ طَالَبَهُ بِالْوَفَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ بَيْعُ أَمْتِعَتِهِ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ فِي ذَلِكَ فَوَاتُ رِبْحٍ يُؤَمِّلُهُ فِيهَا فَإِذَا عَلِمَ الدَّائِنُ ذَلِكَ مِنْ حَالِهِ نَدَبَ لَهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ أَنْ يُنْظِرَهُ إلَى أَنْ يَحْصُلَ لَهُ مَا يُؤَمِّلُهُ فِي أَمْتِعَتِهِ مِنْ الرِّبْحِ فَإِذَا نَذَرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَدَمَ مُطَالَبَتِهِ إلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ لَزِمَ النَّذْرُ؛ لِأَنَّهُ نَذْرُ قُرْبَةٍ مَقْصُودَةٍ غَيْرِ وَاجِبَةٍ فَهَذَا هُوَ مَحْمَلُ كَلَامِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَة الْمُعْسِرِ وَالْمُوسِرِ بِجِنْسِ الدَّيْنِ الْبَاذِل لَهُ وَالْمَيِّت فَمَعْلُومٌ مِنْ كَلَامهمْ فِي بَاب النَّذْرِ عَدَمُ صِحَّة النَّذْرِ فِيهَا فَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً مِنْهَا مُرَادَة لِلْمُتَوَلِّيَّ فَاتَّضَحَ بِذَلِكَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ التَّحْقِيقَ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَرَجَّحَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ أَنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ بَلْ الْحُلُولُ مُسْتَمِرٌّ وَلَكِنْ مُنِعَ الطَّلَبُ لِعَارِضٍ كَالْإِعْسَارِ لِلْعِلْمِ بِحَالِهِ أَوْ لِقِيَمِ الرِّقّ فِيمَا يَتْبَعُ بِهِ الْعَبْد إذَا عَتَقَ وَقَوْل الْمُتَوَلِّي لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أُطَالِبَهُ إلَّا بَعْد شَهْر لَزِمَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِلُزُومِ الْأَجَلِ بَلْ كَلَامٌ مُحْتَمَلٌ لَأَنْ يُرِيدَ لُزُومَ الْأَجَلِ أَوْ لُزُومَ النَّذْرِ وَإِطْبَاقهمْ عَلَى أَنَّ الْحَالَّ لَا يُؤَجَّلُ يُومِئُ إلَى أَنَّ مُرَادَهُ الثَّانِي وَيَكُونُ سَمَّاهُ تَأْجِيلًا مَجَازًا لِمَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَلَاقَةِ مَنْعِ الْمُطَالَبَةِ وَفَاءً بِالنَّذْرِ وَلَا بِدْعَ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ حَالًّا وَتَمْتَنِعَ الْمُطَالَبَةُ بِهِ لِعَارِضٍ كَالْمُعْسِرِ فَإِنَّهُ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ الْحَالِّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنَّهُ تَأْجِيلٌ وَإِنَّمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ مَعَ أَنَّ مَسْأَلَته هِيَ الْأَصْلُ فِي الْكَلَام عَلَى تَأْخِير الْحَالِّ وَحُلُول الْمُؤَجَّلِ عَلَى مَا هُوَ مَعْرُوف فِي بَابِهِ فَإِنْ قُلْت هَلْ يَظْهَرُ لِلْقَوْلِ بِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ أَوْ حَالٌّ امْتَنَعَ طَلَبُهُ لِعَارِضٍ أَثَرٌ.
قُلْت: نَعَمْ يَظْهَر لِذَلِكَ أَثَرٌ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا عَجَّلَهُ الْمَدْيُونُ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِغَرَضِ الْبَرَاءَة هَلْ يُجْبَرُ رَبُّ الدَّيْن جَزْمًا عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْإِبْرَاءِ أَوْ الْقَبُولِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ الْحَالَّةِ لَا سِيَّمَا أَنَّ هَذِهِ الْمُدَّة لَمْ تَقَعْ بِرِضَا الْمَدْيُونِ أَوْ لَا يُجْبَرُ؛ لِأَنَّهُ مُؤَجَّلٌ وَمِنْهَا الْحِنْثُ إذَا حَلَفَ لَا مَالَ لَهُ وَقُلْنَا بِالتَّفْصِيلِ بَيْن الْحَالِّ وَالْمُؤَجَّلِ وَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الزَّكَاة وَتَحْرِيرُهَا أَنَّ النَّذْرَ إمَّا أَنْ يَكُون بَعْد تَمَام الْحَوْل فَلَا إشْكَال فِي إخْرَاجِ الزَّكَاة غَيْرَ أَنَّهُ هَلْ يُسْتَثْنَى ذَلِكَ الْقَدْرُ مِنْ وُجُوب الْإِنْظَار فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ لِغَيْرِهِ بِنَاءً عَلَى الصَّحِيح وَهُوَ أَنَّ الْفُقَرَاءَ شُرَكَاءُ رَبّ الْمَالِ أَوْ يَجِبُ الْإِنْظَار فِيهِ وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لِكَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى تَمَامِ نَذْرِهِ لِجَوَازِ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ كَمَا قُلْنَا بِهِ فِيمَا إذَا رَهَنَ مَالًا زَكَوِيًّا وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ قَالَ بَلْ مَسْأَلَتنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ سَابِق عَلَى الْوُجُوبِ بِخِلَافِ النَّذْرِ وَأَمَّا أَنْ يَكُون قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ احْتِمَالٌ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ قَبْل تَعَلُّقِ حَقِّ الْفُقَرَاءِ وَقِيَاسُ مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ كَمَا قَالَهُ الْإِسْنَوِيُّ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْره عِنْد الْقُدْرَةِ وَمِنْهُ عِنْد عَدَمِهَا وَمِنْهَا مَا لَوْ مَاتَ النَّاذِرُ فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّأْجِيلِ لَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ قُلْنَا بِبَقَائِهِ عَلَى صِفَةِ الْحُلُولِ فَهَلْ
لَهُمْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ حَالٌّ وَالنَّاذِرَ مَاتَ وَهُمْ لَمْ يَنْذِرُوا أَمْ عَلَيْهِمْ الْإِمْهَال؛ لِأَنَّ الْحَقَّ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ كَذَلِكَ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ.
وَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الْأَوَّلُ هَذَا كُلُّهُ ظَاهِرٌ إنْ كَانَتْ الصُّورَةُ مَا مَرَّ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ لَا أَطْلُبُهُ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ مَا لِي عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ يَصِيرُ مُؤَجَّلًا إلَى شَهْرٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهَلْ يَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ مِنْ كَوْنِهِ مُسْتَمِرًّا عَلَى الْحُلُولِ وَيَكُونُ الْتِزَامُ التَّأْجِيلِ مَعْنَاهُ الْتِزَامُ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ أَوْ يُقَالُ هُنَا إنَّهُ تَأْجِيل لِلنَّصِّ عَلَى الْتِزَامِ التَّأْجِيل بِخُصُوصِهِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْوَصِيَّةِ فَفِيهَا مَا مَرَّ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ حَرْفًا بِحَرْفٍ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَنْفِيذهَا بِتَأْخِيرِ الطَّلَب تَأْجِيلُ الدَّيْنِ بَلْ هُوَ بَاقٍ بِصِفَةِ الْحُلُولِ وَلَكِنَّ تَنْفِيذَهَا مَنَعَ مِنْ الْمُطَالَبَةِ بِهِ عَلَى حُكْمِ الْحُلُولِ كَالْمُعْسِرِ إذَا ثَبَتَ إعْسَارُهُ وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّافِعِيِّ وَالرَّوْضَةِ لَوْ أَوْصَى مَنْ لَهُ دَيْنٌ حَالٌّ بِإِمْهَالِهِ مُدَّةً فَعَلَى وَرَثَتِهِ إمْهَالُهُ وَلَمْ يَقُولَا إنَّ الدَّيْنَ تَأَجَّلَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ ابْنِ الرِّفْعَةِ الَّتِي زَادَهَا وَادَّعَى أَنَّهَا أَوْلَى مَمْنُوعَة كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَا وَقَعَ بِهِ الْعَقْدُ أَوْ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ مَعَ اعْتِبَارِ اللَّوَاحِقِ فِي مَجْلِسِ التَّخَايُرِ وَالرَّاجِحُ الثَّانِي إذْ اللَّاحِقُ فِي الْمَجْلِسِ كَالْوَاقِعِ فِي طَلَب الْعَقْدِ وَحِينَئِذٍ فَالثَّمَنُ إنَّمَا هُوَ مُؤَجَّلٌ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ فَكَأَنَّهُ إنَّمَا عَقَدَ بِهِ بِصِفَتِهِ لَا أَنَّهُ كَانَ حَالًّا ثُمَّ تَأَجَّلَ؛ لِأَنَّ الثَّمَن كَمَا يُرَاعَى فِي مِقْدَارِهِ تُرَاعَى صِفَته وَيَظْهَرُ أَثَرُ ذَلِكَ فِي نَحْو عَقَدِ التَّوْلِيَةِ هَلْ يَدْخُل الْمُلْحَقُ فِي زَمَن الْخِيَارِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَدْخُلُ وَدَعْوَى ابْن الرِّفْعَةِ التَّأْجِيلَ بَعْدَ الْحُلُولِ لَا تَتِمُّ إلَّا إذَا ثَبَتَ تَعَلُّقُهُ بِذِمَّتِهِ وَكَوْنُهُ مَمْلُوكًا وَذَلِكَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا مَلَك الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَالْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ وَمَا دَامَ زَمَنُ الْخِيَارِ لَهُمَا بَاقِيًا فَالِانْتِقَالُ غَيْرُ وَاقِعٍ
لِأَنَّ الْخِيَارَ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ فَمَلَكَ الْمَبِيع لَهُ أَوْ لِلْمُشْتَرِي فَمِلْكه لَهُ أَوْ لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ خِيَارُ الشَّرْطِ وَالْمَجْلِسِ لَكِنَّ صُورَةَ ابْنِ الرِّفْعَةِ إنَّمَا تَتَأَتَّى إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ الْأَجَلِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا يَصِحُّ حَيْثُ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَإِلَّا فَمَتَى لَزِمَ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا أَوْ انْفَسَخَ لَمْ يُمْكِنْ الْإِلْحَاقُ فَمُرَادُ ابْنِ الرِّفْعَةِ بِقَوْلِهِ ثُمَّ أُلْحِقَ الْأَجَلُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ مَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا وَلَمْ يَلْزَمْ الْعَقْدُ وَلَوْ مِنْ جِهَةِ أَحَدِهِمَا وَلَا انْفَسَخَ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْقَفَّالِ وَهِيَ أَنَّ الْمُفْلِسَ إذَا ثَبَتَ إفْلَاسُهُ حَلَّ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَذَلِكَ وَجْهٌ أَوْ قَوْلُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ بَاقٍ بِأَجَلِهِ بَلْ بَقِيَّةُ كَلَامِ الْقَفَّالِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ آثَارَ الْأَجَلِ بَاقِيَةٌ لَمْ تَنْقَطِعْ قَطْعًا حَقِيقِيًّا لِعَوْدِهِ مُؤَجَّلًا كَمَا كَانَ إذَا أَيْسَر وَلَمْ يُطَالِبْهُ حَتَّى انْفَكَّ الْحَجَرُ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ السَّلَمِ فَقَدْ عُلِمَ جَوَابَهَا مِنْ مَسْأَلَةِ ابْنِ الرِّفْعَةِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُل زَوَّجَ ابْنَهُ عَلَى صَدَاقٍ ضَمِنَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَمَاتَ الِابْنُ عَنْ تَرِكَةٍ تَفِي بِهِ فَأَرَادَ وَارِثُهُ أَخْذَ الصَّدَاقِ مِنْ الْأَبِ الضَّامِنِ وَتَبْقَى التَّرِكَةُ مِيرَاثًا لِضَمَانِهِ بِلَا إذْنٍ فَهَلْ يُجَابُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَفْتَى التَّاجُ الْفَزَارِيّ وَالْبُرْهَانُ الْمَرَاغِيُّ بِأَنَّ لِلضَّامِنِ الِامْتِنَاعَ مِنْ الْأَدَاءِ حَتَّى يَقْضِيَ الدَّيْنَ مِنْ التَّرِكَةِ قَالَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ تَعَلَّقَ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ بِالْمَوْتِ وَإِذَا تَعَلَّقَ الْحَقُّ بِالذِّمَّةِ وَالْعَيْنِ كَانَ لِمَنْ الدَّيْنُ فِي ذِمَّتِهِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ الْأَدَاءِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْ الْعَيْنِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِهِ رَهْنٌ لَا يُلْزَمُ بِأَدَاءٍ إذَا أَمْكَنَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْ الرَّهْنِ وَأَيْضًا فَالدَّيْنُ لَا يَنْفَكُّ بِالضَّمَانِ مِنْ ذِمَّةِ الْأَصِيل فَإِذَا مَاتَ تَعَلَّقَ بِتَرِكَتِهِ وَلَا مِيرَاثَ إلَّا بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فَلَوْ جَازَ إلْزَامُ الضَّامِنِ بِالْأَدَاءِ وَأَنْ تَبْقَى التَّرِكَةُ لِلْوَارِثِ لَقُدِّمَ الْإِرْثُ عَلَى الدَّيْنِ قَالَ ثُمَّ وَجَدْت فِي مُخْتَصَرِ النِّهَايَةِ لِشَيْخِنَا الْعِزِّ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فَإِنْ مَاتَ الْأَصِيلُ فَأَرَادَ الْكَفِيلُ إلْزَامَ رَبِّ الدَّيْنِ بِقَبْضِهِ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ أَنْ يُبْرِئَهُ مِنْ الضَّمَانِ فَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي النِّهَايَةِ وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِتَمَامِ هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ الْأَجَلَ إذَا ثَبَتَ مَقْصُودًا فِي حَقِّ الضَّامِنِ وَلَوْ مَاتَ الْمَضْمُونُ عَنْهُ وَحَكَمْنَا بِحُلُولِ الدَّيْنِ عَلَيْهِ فَكَانَتْ تَرِكَتُهُ عِنْدَهُ وَافِيَةً فَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ لَسْت أَطْلُبُ حَقِّي مِنْ التَّرِكَةِ فَهَلْ لِلضَّامِنِ أَنْ يَقُولَ إمَّا أَنْ تَأْخُذَ حَقَّك مِنْهَا نَاجِزًا أَوْ تُبْرِئَنِي فَعَلَى وَجْهَيْنِ أَظْهَرهُمَا فِي النَّقْلِ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَالثَّانِي لَا وَهُوَ ظَاهِرُ الْقِيَاسِ اهـ.
وَمَا أَفْتَى بِهِ مِمَّا ذُكِرَ ظَاهِرٌ إنْ
كَانَ الطَّالِبُ لِذَلِكَ هُوَ وَارِثُ الِابْن غَيْر الزَّوْجَة فَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ لَهُ هُوَ الزَّوْجَةُ الَّتِي هِيَ الْمَضْمُونُ لَهُ فَالْأَوْجَه أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَالِبَ الْأَبَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ الرُّجُوعِ عَلَى التَّرِكَةِ وَعَلَى الضَّامِنِ فَإِذَا اخْتَارَتْ الرُّجُوعَ عَلَيْهِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ وَكَلَام النِّهَايَةِ وَمُخْتَصَرهَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ نَافَاهُ ظَاهِر مَا ذَكَرَهُ الْفَزَارِيّ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُشْتَرَطُ إقْرَارُ الْمَضْمُون عَنْهُ بِالدَّيْنِ حَتَّى لَوْ أَنْكَرَ أَصْلَ الدَّيْنِ وَاعْتَرَفَ بِهِ إنْسَانٌ ثُمَّ ضَمِنَهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْكِفَايَة أَنَّ ذَلِكَ لَا يُشْتَرَطُ فَيَصِحُّ وَيَلْزَمهُ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه بِمَا لَفْظُهُ فِي الْمَدِينَة الشَّرِيفَة عَلَى سَاكِنهَا أَفْضَل الصَّلَاة وَالسَّلَام وَفِي مَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَقْتَرِضَ مِنْ آخَرَ دَرَاهِمَ ثُمَّ يُرْهِنهُ بِهَا رَهْنًا مَمْلُوكًا لِلْغَيْرِ بِغَيْرِ رِضَاهُ فَلَا يَتِمُّ تَوَثُّقُهُ فَيَتَوَلَّى طَامِعه عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي لَهُ بِضَامِنٍ يَضْمَنُ لَهُ صِحَّةَ الرَّهْن فَيُقْرِضهُ ثُمَّ يَرْهَنُ عِنْدَهُ الرَّهْنَ ثُمَّ يَقُولُ آخَر ضَمِنْت لَك صِحَّةَ الرَّهْنِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّهُمَا يُضْمِرَانِ أَنَّهُ مَتَى خَرَجَ الرَّهْنُ مُسْتَحَقًّا صَارَ الضَّامِنُ الْمَذْكُور ضَامِنًا لِذَلِكَ الدَّيْن الْمَرْهُونِ بِسَبَبِهِ أَوْ لِمِثْلِ هَذَا الرَّهْنِ لِيَأْتِيَ بِهِ إلَى الْمُقْرِض لِيُبْقِيَ تَوَثُّقَهُ فَهَلْ يَصِحُّ هَذَا الضَّمَانُ وَإِذَا خَرَجَ مُسْتَحَقًّا يَكُونُ ضَامِنًا لِلدَّيْنِ أَوْ لِمِثْلِ الرَّهْنِ.
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ تَخْرِيجُهُ عَلَى مَا قَرَّرُوهُ مِنْ صِحَّةِ ضَمَانِ دَرْكِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ بِجَامِعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِمَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ لَا يُعْرَفُ حَاله وَيُحْتَمَلُ وَهُوَ الْأَقْرَبُ عَدَم تَخْرِيجِهِ عَلَيْهِ إمَّا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ لِخُرُوجِهِ عَنْ الْقَاعِدَةِ كَمَا قَرَّرُوهُ فَلَا يُقَاسَ عَلَيْهِ كَمَا وَقَعَ لِلْفُقَهَاءِ نَظِيرُهُ فِي مَسَائِل خَرَجَتْ عَنْ الْأَصْلِ فَلَا يَقِيسُونَ عَلَيْهَا وَإِنْ وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي خَرَجَتْ لِأَجْلِهِ هَذَا إنْ سُلِّمَ أَنَّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ جَامِعًا وَقَدْ يُقَالُ لَا جَامِعَ بَيْنهمَا أَصْلًا فَلَا تُقَاسُ مَسْأَلَةُ الرَّهْنِ عَلَى مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِ الْقِيَاس لِوُجُودِ الْفَارِقِ بَيْنَهُمَا.
وَهُوَ أَنَّ فِي تَصْحِيحِ الضَّمَانِ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَة الْبَيْعِ الْأَمْنُ مِنْ ضَيَاعِ الْمُقَابِلِ مِنْ كُلِّ الْمَبِيع أَوْ الثَّمَنِ أَوْ مَا نَقَصَ فَفِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُود عَلَى نَفْسِ الْعَقْدِ الْمُشْتَمِل عَلَى ذَلِكَ مِنْ أَمْنِ غَائِلَةِ مَنْ لَا يُدْرَى حَاله وَأَمَّا فِي مَسْأَلَة الرَّهْنِ فَلَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَعُود عَلَى نَفْس عَقْدِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ تَابِعٌ وَبِخُرُوجِ الْمَرْهُون مُسْتَحَقًّا لَا يُمْكِنُ إلْزَامُ الضَّامِن بِمِثْلِهِ بَلْ يَكُونُ ضَامِنًا لِدَيْنِ الْقَرْضِ فَالْمَنْفَعَةُ لَمْ تَعُدْ إلَّا عَلَيْهِ وَهُوَ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْمَضْمُونِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُقَابِلٍ لَهُ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ فَعَوْدُ الْمَصْلَحَةِ إلَيْهِ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَيْهِ لِثُبُوتِهِ وَرِضَا الْمُقْرِضِ بِذِمَّتِهِ قَبْلَ الضَّمَانِ الْمَذْكُورِ حَيْثُ لَمْ يُشْتَرَطْ الرَّهْنُ فِي عَقْدِ الْقَرْضِ وَإِلَّا فَاشْتِرَاطُهُ كَافٍ؛ لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ خُرُوجِ الْمَرْهُونِ مُسْتَحَقًّا يُطَالِبهُ بِرَهْنِ غَيْرِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ فِي دَيْنِ الْقَرْضِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ التَّوَثُّقِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ بِأَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ فِي الْعَقْدِ الْإِتْيَانَ بِمَنْ يَكْفُلهُ فَلَا ضَرُورَةَ لَهُ إلَى ضَمَانِ دَرْكِ الرَّهْنِ بِخِلَافِهِ فِي مَسْأَلَة الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اشْتِرَاطُ الْكَفِيلِ وَالرَّهْنِ إلَّا عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ مِنْ الْمُعَيَّنِ فَإِذَا خَافَ آخِذُهُ مِنْ خُرُوجِهِ مُسْتَحَقًّا أَوْ نَاقِصًا كَانَ مُضْطَرًّا إلَى وُجُودِ مَنْ يَضْمَنُ لَهُ دَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عِنْدَهُ لِعَدَمِ تَأَتِّي الضَّمَان الْأَصْلِيّ فِيهِ فَاغْتُفِرَ لَهُ اشْتِرَاطُ ضَمَانِ دَرْكِهِ لِلضَّرُورَةِ.
فَهِيَ مُحَقَّقَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ فَجَازَ فِيهِ ضَمَانُ الدَّرْكِ الْمُخَالِف لِلْأَصْلِ وَالْقَاعِدَةُ غَيْرُ مُحَقَّقَةٍ بَلْ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي مَسْأَلَةِ الرَّهْنِ فَلَمْ تَجْرِ فِيهَا.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّنْ ضَمِنَ دَيْنًا مُعَيَّنًا وَرَهَنَ بِهِ مِلْكَهُ ثُمَّ إنَّ الدَّائِنَ أَبْرَأَهُ مِنْ الضَّمَانِ فَهَلْ يَنْفَكُّ الرَّهْنُ أَيْضًا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ أَجَابَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَعْدَ فِكْرِهِ فِيهَا مُدَّةً أَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ الرَّهْنُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّامِنَ الْتَزَمَ هَذَا الدَّيْنَ بِطَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا تَعَلُّقُهُ بِعَيْنِ الرَّهْنِ وَالْآخَرُ جَعْلُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَأَحَدُهُمَا مُنْفَكٌّ عَنْ الْآخَرِ فَالْإِبْرَاءُ عَنْ الضَّمَانِ لَا يَكُونُ فَسْخًا لِلرَّهْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُمَا مُتَعَلِّقَانِ بِدَيْنٍ وَاحِدٍ فَإِسْقَاطُ أَحَدِهِمَا إسْقَاطٌ لِلْآخَرِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ لَا عَنْ خُصُوصِيَّةِ الضَّمَانِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ قَالَ أَنْتَ فِي حِلٍّ فِي نَصِيبِي هَلْ هُوَ صَرِيحٌ أَمْ كِنَايَةَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ صَرِيحٌ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْنِ يُونُسَ أَلْفَاظُ الْإِبْرَاءِ تِسْعَةٌ عَفَوْت وَأَبْرَأْت وَأَسْقَطْت وَحَطَطْت
وَتَرَكْت وَوَهَبْت وَأَحْلَلْت وَوَضَعْت وَمَلَّكْت.
(وَسُئِلَ) عَنْ إبْرَاءِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ ظَانًّا تَحَوُّلَ الْحَقِّ عَنْهُ بِالضَّمَانِ فَهَلْ يَبْرَأُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ يَبْرَأُ هُوَ وَالضَّامِنُ وَلَا عِبْرَةَ بِظَنٍّ بَانَ خَطَؤُهُ وَنَظِيرُهُ إذَا طَلَّقَ رَجْعِيًّا ثُمَّ ثَانِيَةً فِي الْعِدَّةِ ظَنًّا أَنَّهُ قَدْ بَانَتْ مِنْهُ الْأُولَى فَإِنَّ الثَّانِيَةَ تَقَعُ أَيْضًا.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ طَالَبَ مَدِينَهُ فَقَالَ لَهُ آخَرُ اُتْرُكْهُ وَاَلَّذِي لَك عَلَيْهِ عِنْدِي أَوْ قَالَ أَبْرِئْهُ وَلَك عِنْدِي كَذَا فَهَلْ يَلْزَمُهُ مَا ذَكَرَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَلْزَمُ الْقَائِلَ بِذَلِكَ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ لَفْظَ عِنْدِي لِلظَّرْفِيَّةِ وَلَا إشْعَارَ لَهَا بِاشْتِغَالِ الذِّمَّةِ بِذَلِكَ فَإِنْ قَالَ عَلَيَّ أَوْ فِي ذِمَّتِي كَانَ ضَمَانًا لَكِنَّهُ مُعَلَّقٌ عَلَى شَرْطٍ فَلَا يَصِحُّ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا لَفْظُهُ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّه تَعَالَى بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَيِّت عَنْ الدَّيْنِ بِتَحَمُّلِ الْوَلِيّ وَاسْتَشْكَلَهُ وَصَوَّرَهُ بَعْضُهُمْ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّامِلِ بِأَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِلدَّائِنِ أَبْرِئْ مُوَرِّثِي أَوْ أَسْقِطْ حَقَّك عَنْهُ وَعَلَيَّ عِوَضُهُ فَإِذَا أَبْرَأَهُ بَرِئَ وَلُزُومُ الْوَارِثِ مَا الْتَزَمَهُ وَبَعْضُهُمْ فِي شَرْحِهِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِذَلِكَ أَيْضًا.
وَقَالَ إنَّهُ اسْتِدْعَاءُ إتْلَافِ مَالٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ مُشْكِلٌ بِقَوْلِهِمْ فِي بَابِ الضَّمَانِ أَنَّ التَّحَمُّل وَغَيْرَهُ مِنْ أَلْفَاظِ الضَّمَانِ لَا يَحْصُلُ بِهِ بَرَاءَةُ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَإِذَا بَرِئَ الضَّامِنُ وَفِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إذَا لَمْ يُمْكِنُ الْمُبَادَرَةُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَحْتَالَ الْوَلِيُّ حَتَّى يُسْقِطَهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَيَصِيرَ فِي ذِمَّتِهِ فَمَا صُورَةُ ذَلِكَ وَمَا الْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا تَحَمَّلَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يَخْتَصُّ بِهِ أَوْ لَا أَوْ يُفَرَّقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ قَاصِرٌ أَوْ لَا وَإِذَا قَالَ الْوَارِثُ أَوْ غَيْرُهُ ضَمِنْت دَيْنَك عَلَى فُلَانٍ فَأَبْرِئْهُ أَوْ أَبْرِئْهُ وَأَنَا ضَمِينُك بِمَا عَلَيْهِ فَهَلْ يَبْرَأ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ الْمَجْمُوعِ وَتَصْوِيرُهُ بِمَا ذَكَرَ صَحِيحٌ مُعْتَمَدٌ وَلَا يُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا فِي الضَّمَانِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَقِيقَةِ الضَّمَانِ الْمَشْهُورِ الْمُفْتَقِرِ إلَى أَصِيلٍ بَلْ هُوَ مِنْ قَبِيلِ اسْتِدْعَاءِ إتْلَافِ مَالٍ بِعِوَضٍ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَهُوَ بَرَاءَةُ ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِمَّا نَفْسُهُ مُعَلَّقَةٌ بِهِ كَمَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ فَالْمُسَارَعَةُ إلَى فِكَاكِهَا مِنْ الْمَقَاصِدِ الصَّحِيحَةِ الْمَطْلُوبَةِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرُوا فِي أَطْلِقْ هَذَا الْأَسِيرَ أَوْ اُعْفُ عَمَّنْ لَك عَلَيْهِ قَوَدٌ أَوْ أَطْعِمْ هَذَا الْجَائِعَ وَلَك عَلَيَّ كَذَا أَوْ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَعَلِيَّ ضَمَانُهُ.
وَمَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَحُمِلَ عَلَى التَّصْوِير السَّابِق وَيُؤَيِّدهُ حِكَايَةُ الْمَرَاغِيِّ لَهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاج وَالْمُرَادُ بِالْوَلِيِّ هُنَا الْوَارِثُ وَهُوَ جَرْيٌ عَلَى الْغَالِبِ وَإِلَّا فَالْأَجْنَبِيُّ كَذَلِكَ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ وَإِذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ اخْتَصَّ بِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَقِيَّةِ إلَّا إنْ أَذِنُوا لَهُ وَلَا عِبْرَةَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ إذْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْمَوْلَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِذَا الْتَزَمَ ذَلِكَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ وَصِيٌّ فَلَا رُجُوعَ لَهُ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُ الْوَارِثُ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ أَوْ أَطْلَقَ عَلَى الْأَوْجَهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِ دَيْنِ الْمَيِّتِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي فَتَاوِيهِ لَوْ قَالَ اقْضِ دَيْنِي عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلِيَّ أَوْ دَيْنَ فُلَانٍ عَلَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيَّ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ الْقَائِلُ ضَامِنًا عَنْ فُلَان. اهـ وَظَاهِرٌ أَنَّ اسْتِدْعَاءَ إبْرَاءِ الْغَيْرِ كَاسْتِدْعَاءِ الْأَدَاءِ عَنْهُ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ الْبَغَوِيّ مَا عَلِمْت وَالْأَوْجَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ.
قَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ النَّقْلُ أَنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَصِحُّ فَإِنَّهُ لَمْ يُبْرِئْهُ بَرَاءَةَ تَبَرُّعٍ وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا جَرَى وَلَمْ يُتِمَّ لِفَسَادِ الضَّمَانِ فَفِي الْمُهِمَّاتِ أَوَائِلَ الْبَابِ الثَّالِثِ مِنْ أَبْوَابِ الْبَيْعِ عَنْ النَّصِّ أَنَّ الصُّلْحَ إذَا فَسَدَ لِكَوْنِهِ جَرَى عَلَى الْإِنْكَارِ فَهُمَا عَلَى أَصْلِ حَقِّهِمَا وَيَصِيرُ الْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَإِنْ قَالَ أَبْرَأْتُك مِمَّا ادَّعَيْت عَلَيْك أَوْ مِنْ بَدَلِهِ مِنْ قَبِيلِ أَنَّهُ إنَّمَا أَبَرَأَهُ عَلَى أَنْ يُتِمَّ لَهُ مَا أَخَذَهُ مِنْهُ. اهـ. وَعَلَى مَا اقْتَضَاهُ هَذَا النَّصُّ جَرَى فِي الْأَنْوَارِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ. اهـ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَمَّا إذَا قَالَ إلَّا رَدَدْت عَبْدِي فَقَدْ أَبْرَأْتُك عَنْ الدَّيْنِ فَهَلْ يَصِحُّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمَنْقُولُ عَنْ التَّتِمَّةِ الصِّحَّةُ وَإِذَا أَبْرَأَهُ بَرِئَ؛ لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْإِبْرَاءُ تَمْلِيكٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ وَهَذَا الثَّوْبُ لَك أَوْ إسْقَاطٌ فَهُوَ إسْقَاطٌ يَجُوزُ بَذْلُ الْعِوَضِ فِي مُقَابَلَتِهِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ إذَا كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ حَالٌّ فَصَارَ يُعْطِيه فِي كُلِّ
وَقْتٍ شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ أَنَّهُ مِنْ دَيْنِهِ وَالْآخَرُ يَظُنُّ أَنَّهُ هَدِيَّةٌ فَيُرْسِلُ إلَيْهِ طَعَامًا يُسَاوِي ثَمَنَ ذَلِكَ فَهَلْ يَقَعُ ذَلِكَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ يَصِيرُ مُقَابِلًا لَهُ وَذِمَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مُعَلَّقَةٌ لِلْآخَرِ إلَى أَنْ يَقَعَ بَيْنَهُمَا مُقَاصَّةٌ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْعِبْرَةُ فِيهَا بِنِيَّةِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَدَّاهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ وَإِنْ ظَنَّ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَنَّهُ إنَّمَا يَدْفَعُ لَهُ ذَلِكَ هَدِيَّةً وَمَا يُرْسِلهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ عَلَى جِهَةِ مُكَافَأَتِهِ بِمَا ظَنَّهُ هَدِيَّةً مِنْهُ فَهُوَ تَبَرُّعٌ لَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ عَلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ ذِمَّةَ الْمَدِينِ تَبْرَأُ مِمَّا دَفَعَهُ بِنِيَّةِ الدَّيْنِ وَأَنَّهَا لَا تَشْتَغِلُ بِشَيْءٍ مِمَّا أَرْسَلَهُ لَهُ صَاحِبُ الدَّيْنِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إذَا كَانَ عَلَى شَخْصٍ دَيْنٌ لِآخَرَ وَلَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ وَلَمْ يَقَعْ بَيْنَهُمَا مُقَاصَّةٌ فَهَلْ تَكُونُ ذِمَّتُهُمَا مُعَلَّقَةً وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْمُقَاصَّةُ بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ طَوِيلَةٌ ذَاتُ مَفَاوِزَ أَمْ تَبْرَأُ ذِمَّتهمَا لِلتَّعَذُّرِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنَانِ الْمَذْكُورَانِ فِيهَا نَقْدَيْنِ وَاتَّفَقَا جِنْسًا وَحُلُولًا وَصِفَةً سَقَطَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ بِلَا رِضًا بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ أَوْ الصِّفَةِ كَصِحَاحٍ وَمُكَسَّرَةٍ أَوْ الْحُلُولِ وَالتَّأْجِيلِ أَوْ فِي قَدْرِ الْأَجَلِ وَإِنْ كَانَا غَيْرَ نَقْدَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ عَرْضًا فَلَا تَقَاصَّ وَإِنْ تَرَاضَيَا وَلَا فَرْقَ فِيمَا ذُكِرَ بَيْنَ أَنْ تَطُولَ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَوْ تَقْصُرَ.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا صَالَحَ الضَّامِنُ عَنْ الدَّيْنِ بِشَيْءٍ رَجَعَ بِالْأَقَلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ عَيْنًا بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِالدَّيْنِ مَا الْفَرْقُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْفَرْقُ أَنَّ لَفْظَ الصُّلْحِ يُشْعِرُ بِقَنَاعَةِ الْمُسْتَحِقِّ بِالْقَلِيلِ عَنْ الْكَثِيرِ كَمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَالْمُتَوَلِّي بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ يُشْعِرُ بِتَفَاوُتِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ فِي الْقِيمَةِ فَعَمِلْنَا فِي كُلٍّ بِمَا هُوَ الْأَغْلَبُ فِيهِ وَهَذَا فَرْقٌ صَحِيحٌ وَإِنْ سَوَّى الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ كَالسُّبْكِيِّ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالُوا وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ.
(وَسُئِلَ) هَلْ يُبْطِلُ ضَمَانَ الْمَرِيضِ وَارِثُهُ مُطْلَقًا أَمْ فِيهِ تَفْصِيلُ الْأَجْنَبِيِّ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي ذَكَرُوهُ أَنَّ الضَّمَانَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ إنْ كَانَ بِحَيْثُ يَثْبُتُ الرُّجُوعُ بِأَنْ أَذِنَ الْأَصِيلُ لِلضَّامِنِ فِي الضَّمَانِ وَالْأَدَاءِ أَوْ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ أَوْ فِي الْأَدَاءِ بِشَرْطِ الرُّجُوعِ وَوَجَدَ الضَّامِنُ مَرْجِعًا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ وَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ الْوَارِثِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ رُجُوعُ وَلَا وَجَدَ مَرْجِعًا فَإِنْ كَانَ الضَّمَانُ عَنْ وَارِثٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ وَإِنْ كَانَ عَنْ أَجْنَبِيٍّ فَمِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ وَأَجَازَ الْوَارِث نَفَذَ وَإِلَّا بَطَل فِي الزَّائِد فَقَطْ وَمَا ذَكَر عَنْ الْأَنْوَارِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَوْ مَبْنِيٌّ عَلَى ضَعِيفٍ وَهُوَ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ ادَّانَ مَبْلَغًا وَضَمِنَهُ جَمَاعَةٌ فَهَلْ يَكُونُ كُلٌّ ضَامِنًا لِلْجَمِيعِ أَوْ بِالْقِسْطِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ قَالُوا مَعًا ضَمِنَّاهُ فَكُلٌّ بِالْقِسْطِ وَإِنْ قَالَ كُلٌّ عَلَى حِدَةِ فَكُلٌّ ضَامِنٌ لِلْجَمِيعِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ أَلْقِ مَتَاعَك فِي الْبَحْرِ وَأَنَا وَالْجَمَاعَةُ ضَامِنُونَ أَوْ أَنَا ضَامِنٌ وَالْجَمَاعَةُ ضَامِنُونَ فَإِنَّهُ فِي الْأُولَى يَضْمَنُ بِالْقِسْطِ وَفِي الثَّانِيَةِ يَضْمَنُ الْجَمِيعَ وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْته يُحْمَلُ مَا مَالَ إلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ضَامِنًا إلَّا بِالْقِسْطِ وَمَا صَحَّحَهُ السُّبْكِيّ تَبَعًا لِلْمُتَوَلِّي مِنْ أَنَّهُ يَكُونُ ضَامِنًا لِلْجَمِيعِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ تَعْيِين ضَمَانِ الدَّرْكِ فِي مِلْكٍ مُعَيَّنٍ يَصِحُّ تَبَعًا أَمْ لَا وَضَمَانُ أَرْشِ الْعَيْبِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ حُصُولِهِ يَصِحُّ وَيَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الدَّرْكِ أَمْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ ضَمَانُ الدَّرْكِ هُوَ ضَمَانُ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي إنْ خَرَجَ الْمَبِيعُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا مَثَلًا أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ أَوْ ضَمَانِ الْمَبِيعِ لِلْبَائِعِ إنْ خَرَجَ الثَّمَنُ الْمُعَيَّنُ مُسْتَحَقًّا مَثَلًا أَوْ أُخِذَ بِشُفْعَةٍ سَابِقَةٍ عَلَى الْبَيْعِ بِبَيْعٍ آخَرَ أَوْ ضَمَانِ دَرْكِ رَدَاءَةِ جِنْسِ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا فِي الذِّمَّةِ وَشَكَّ الْمُسْتَحِقُّ عِنْدَ الْقَبْضِ هَلْ الْمَقْبُوضُ مِنْ جِنْسِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ أَرْدَأُ.
وَكَذَا لَوْ شَرَطَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِوَضِ صِفَةٍ وَخَشِيَ أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الصِّفَةُ غَيْرَهَا أَوْ ضَمَان دَرْكِ نَقْصِ صَنْجَةٍ وُزِنَ بِهَا الثَّمَنُ أَوْ الْمَبِيعُ وَمِثْلهَا الْكَيْلُ وَالذِّرَاعُ أَوْ ضَمَانُ دَرْكِ عَيْبِ يَظْهَرُ فِي الْمَبِيع بِأَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ أَوْ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ بِالْعَيْبِ أَوْ ضَمَانِ دَرْكِ فَسَادٍ يَظْهَرُ فِي الْعَقْدِ بِسَبَبِ غَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ كَتَخَلُّفِ شَرْطِ مُعْتَبَرٍ فِي الْبَيْعِ أَوْ اقْتِرَانِ مُفْسِدٍ بِهِ فَيَصِحُّ الضَّمَانُ
فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ لِلْحَاجَةِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ وَإِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ لَا يَجْرِي فِي غَيْرِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ لَا اسْتِقْلَالًا وَلَا تَبَعًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَرَى فِيمَا مَرَّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ مَا جَازَ لِضَرُورَةٍ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَأَنَّهُ أَعْنِي ضَمَانَ الدَّرْكِ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي صُوَرِ الْعَيْبِ فِيمَا ذَكَرْته وَهُوَ صِحَّةُ ضَمَانِ دَرْكِ عَيْبٍ يَظْهَرُ فِي الْمَبِيعِ بِأَنْ يَرُدَّ الثَّمَنَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِالْعَيْبِ أَوْ يَظْهَرُ فِي الثَّمَنِ بِأَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إذَا رَدَّ الثَّمَنَ بِالْعَيْبِ وَأَمَّا ضَمَانُ دَرْكِ أَرْشِ عَيْبٍ يَجِبُ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ مِنْ غَيْرِ رَدٍّ لَعَيْنِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي ضَمِنْت لَك دَرْكَ ضَمَانِ مَا يَجِبُ لَك عَلَى الْبَائِعِ مِنْ عَيْبٍ قَدِيمٍ إنْ وَجَدْته وَسَقَطَ رَدُّك لِحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَك أَوْ لِلْبَائِعِ نَظِيرُ ذَلِكَ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ فِي مَوَاضِعَ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ إنَّمَا يَصِحُّ فِيمَا مَرَّ بَعْدَ قَبْضِ ثَمَنٍ إنْ كَانَ التَّدَارُكَ بِهِ أَوْ مَبِيع إنْ كَانَ التَّدَارُكُ بِهِ قَالُوا؛ لِأَنَّ ضَامِنَ الدَّرْكِ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي وَلَزِمَهُ رَدُّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ نَحْوِهِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ. اهـ.
فَكَذَا الْأَرْشُ الْمَذْكُورُ لَمْ يُوجَدْ مُوجِبُهُ حَالَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ضَمَانِهِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ ضَمَانُ الدَّرْكِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ قَالُوا وَلَوْ ضَمِنَ لِمُشْتَرِي أَرْضٍ لِغَرْسٍ أَوْ بِنَاءٍ عُهْدَةَ ثَمَنِهِمَا وَأَرْشَ نَقْصِ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ لَوْ قُلِعَا بِاسْتِحْقَاقٍ صَحَّ ضَمَانُ عُهْدَة الثَّمَنِ دُونَ الْأَرْشِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ عِنْدَ ضَمَانِهِ وَمِنْ ثَمَّ لَوْ ضَمِنَهُ فَقَطْ قَبْلَ الْقَلْعِ وَلَوْ بَعْدَ ظُهُورِ الِاسْتِحْقَاقِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ إنْ عَلِمَ قَدْرَهُ. اهـ.
فَكَذَا يُقَالُ فِي ضَمَانِ أَرْشِ عَيْبٍ مُطَّلَعٍ عَلَيْهِ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ إنْ كَانَ بَعْدَ ظُهُورِهِ وَعَلِمَ قَدْرَهُ صَحَّ ضَمَانُهُ وَلَا يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ الدَّرْكِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ ضَمِنَ عُهْدَةَ الثَّمَنِ لِلْمُشْتَرِي فَبَانَ فَسَادُ الْعَقْدِ بِشَرْطٍ أَوْ غَيْرِهِ مَا عَدَا الِاسْتِحْقَاق أَوْ فَسَخَ الْعَقْدَ بِعَيْبٍ أَوْ وَجَبَ بِهِ أَرْشٌ لِحُدُوثِ مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ بِهِ كَحُدُوثِ كَحُدُوثِ عَيْبٍ عِنْدَهُ أَوْ انْفَسَخَ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ بَعْدَهُ بِخِيَارٍ أَوْ تَقَايُلٍ لَمْ يُطَالَبْ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأَرْشِ ضَامِنُ الْعُهْدَةِ بَلْ الْبَائِعُ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ضَمَانِهَا إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ عَلَى الضَّامِنِ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا قَبْلَ ذَلِكَ لَوْ ضَمِنَ عُهْدَة فَسَادِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ الِاسْتِحْقَاقِ أَوْ عُهْدَةَ الْعَيْبِ أَوْ التَّلَفِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ صَحَّ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَلَا يَنْدَرِجُ ذَلِكَ تَحْتَ ضَمَانِ الْعُهْدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ ضَمَانِهَا إنَّمَا هُوَ الرُّجُوعُ بِسَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ. اهـ. وَمَعْنَى ضَمَانِ عُهْدَةِ الْعَيْبِ فِيمَا ذُكِرَ كَمَا يُعْلَمُ بِتَأَمُّلِ كَلَامِهِمْ الْمَذْكُورِ مَا قَدَّمْته مِنْ أَنَّهُ يَرُدُّ الثَّمَنَ إذَا رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ أَوْ يَرُدُّ الْمَبِيعَ إذَا رَدَّ الثَّمَن بِالْعَيْبِ وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِضَمَانِ عُهْدَةِ الْعَيْبِ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا فَلَا تَعَرُّضَ فِيهَا لِصُورَةِ السُّؤَالِ بِطَرِيقِ التَّصْرِيحِ أَصْلًا خِلَافًا لِمَا يُتَوَهَّمُ مِنْهَا بِبَادِئِ الرَّأْيِ وَإِنَّمَا اقْتَضَى كَلَامُهُمْ فِي مَوْضِعِ الصِّحَّةِ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ وَفِي مَوَاضِع عَدَمَهَا وَهُوَ الَّذِي يَتَّجِهُ كَمَا قَدَّمْته ثُمَّ رَأَيْت الْمَسْأَلَة مَنْصُوصَةً بِعَيْنِهَا لِأَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ لَكِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ الصِّحَّةَ وَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ عَدَمَهَا.
وَعِبَارَةُ الْجَوَاهِرِ لَوْ قَالَ ضَمِنْتُ لَك أَرْشَ مَا يَظْهَر مِنْ عَيْبٍ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَوْرَدَهُ سُلَيْمٌ وَثَانِيهمَا لَا يَصِحُّ وَصَحَّحَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الطَّبَرِيُّ وَلِتَأَخُّرِ هَذَيْنِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاسْتِدْرَاكهمَا عَلَيْهِ كَانَ مَا قَالَاهُ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحْته فِيمَا مَرَّ وَيُوَجَّهُ أَيْضًا بِأَنَّ عَدَمَ الصِّحَّةِ فِي ضَمَانِ الدَّرْكِ هُوَ الْأَصْلُ مَعَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إذْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ نَحْو الْفَسَادِ أَوْ نَقْصِ الصَّنْجَةِ فَإِنَّهُ مَوْجُودٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَيُخْشَى مَعَهُ مِنْ فَوَاتِ عَيْنِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ فَمَسَّتْ الْحَاجَة إلَى ضَمَان دَرْكِ عَيْنِهِمَا وَأَمَّا الْعَيْبُ فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ظُهُورِهِ وَعَدَمِ صِحَّةِ ضَمَانِ دَرْكِهِ فَوَاتُ عَيْنٍ أَصْلًا لَا بَعْضًا وَلَا كُلًّا وَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ فَوَاتُ وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الثَّمَنِ أَوْ الْمَبِيعِ مَعَ أَنَّ سَبَبَ ذَلِكَ الْفَوَاتِ هُوَ تَعَاطِيهِ الرَّدَّ بِاخْتِيَارِهِ.
وَمَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ لَوْ لَمْ يُرَدَّ فَلَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ
إلَى ضَمَانِ أَرْشِ ذَلِكَ الْعَيْبِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا قُلْته أَوَّلًا تَخْرِيجًا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَلَى أَحَدِ ذَيْنك الْوَجْهَيْنِ الَّذِي هُوَ أَوْلَاهُمَا بِالِاعْتِمَادِ لِتَأَخُّرِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالطَّبَرِيِّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ الْمُصَحِّحِ لِمُقَابِلِهِ وَاطِّلَاعِهِمَا عَلَى تَصْحِيحِهِ مَعَ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ عَلَى أَنَّ الطَّبَرِيَّ لَمْ يَعْتَدَّ بِذَلِكَ الْوَجْهِ الْمُقَابِلِ الْقَائِلِ بِالصِّحَّةِ حَيْثُ جَزَمَ بِعَدَمِهَا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى الْقَائِلِينَ بِهَا وَقَدْ سَبَقَ الْقَمُولِيَّ إلَى حِكَايَةِ الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي عَيْنِ صُورَةِ السُّؤَالِ شَيْخُهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ فَنُقِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فِيهَا الصِّحَّةَ وَيَرْجِعُ بِالْأَرْشِ عَلَى الضَّامِنِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ وَجْهًا وَاحِدًا ثُمَّ قَالَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الضَّمَانَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يَصِحُّ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ. اهـ.
فَأَشْعَرَ قَوْلُهُ أَعْنِي ابْنَ الرِّفْعَةِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ حَكَى عَدَمَ الصِّحَّةِ وَقَوْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ بِأَنَّ مَقَالَةَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَدَمُ صِحَّةِ ضَمَانِ أَرْشِ الْعَيْبِ وَهُوَ مَا قَدَّمْته وَلِلَّهِ الْحَمْدُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ مَظْلُومٍ أَذِنَ لِآخَرِ فِي دَفْعِ مَظْلِمَةٍ عَنْهُ فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ لَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِ كَمَا قَالُوهُ فِي الْأَسِيرِ إذَا قَالَ لِآخَرَ افْدِنِي بِكَذَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ الرُّجُوعَ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ مَنْ ضَمِنَ لِي أَلْفَ دِرْهَمٍ فَزَوْجَتِي طَالِقٌ فَضَمِنَ لَهُ الْأَلْفَ شَخْصَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا فَهَلْ يَصِحُّ الضَّمَان وَيَقَع الطَّلَاق بَائِنًا أَمْ لَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَضَمِنَ لَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو الْأَلْفَ مَعًا فَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِذَلِكَ بَائِنًا وَلَهُ مُطَالَبَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْأَلْفِ أَوْ لَا يُطَالِبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَّا بِخَمْسِمِائَةٍ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الْمُرَادُ بِالضَّمَانِ هُنَا حَيْثُ أُطْلِقَ الِالْتِزَامُ فَمَتَى الْتَزَمَ لَهُ بِالْأَلْفِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ وَقَعَ الطَّلَاقُ بَائِنًا فَإِنْ الْتَزَمَ كُلٌّ مِنْ اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِالْأَلْفِ مَعًا فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ فِي مُطَالَبَةِ أَيٍّ مِنْهُمَا أَوْ مِنْهُمْ بِهِ أَوْ مُرَتَّبًا وَقَعَ بِالْأَوَّلِ فَيُطَالَبُ بِالْأَلْفِ وَحْدَهُ فَإِنْ الْتَزَمَ كُلٌّ بِبَعْضِ الْأَلْفِ وَقَعَ الطَّلَاقُ عِنْدَ تَمَامِ الْتِزَامِ الْأَلْف.
وَيُطَالَبُ كُلٌّ بِمَا الْتَزَمَهُ إلَّا الْأَخِيرَ فَإِنَّهُ إذَا الْتَزَمَ مَا يُوَفِّي الْأَلْفَ وَزِيَادَةً لَا يُطَالَبُ إلَّا بِتَتِمَّةِ الْأَلْفِ لَا غَيْرُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ لَفْظ مَنْ يَشْمَلُ الْوَاحِدَ وَالزَّائِدَ عَلَيْهِ وَلَفْظُ الضَّمَانِ الْمُرَادُ بِهِ الِالْتِزَامُ أَوْ الْمُنْصَرِفُ إلَيْهِ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَتِهِ وَحَيْثُ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي مُقَابَلَة مَالٍ رَاجِعٍ إلَى الزَّوْجِ فَهُوَ بَائِنٌ وَلَفْظُ الْأَلْفِ مَعَ رِعَايَةِ مَنْ يَشْمَلُ وُجُودَ الْتِزَامِهِ مِنْ وَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ كَمَا تَقَرَّرَ كَمَا أَنَّهُ أَرَادَ وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي مُقَابَلَةِ التَّلَفُّظ بِالضَّمَانِ لَا الْتِزَامَهُ فَتَلَفَّظَ بِهِ وَاحِدٌ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَقَعُ الطَّلَاقُ أَيْضًا لَكِنَّهُ رَجْعِيٌّ لَا بَائِن.
(وَسُئِلَ) عَمَّا إذَا صَرَّحَ الْمَالِكُ بِإِبْرَاءِ الْغَاصِبِ عَنْ ضَمَانِ الْغَصْبِ وَالْمَغْصُوبُ بَاقٍ فِي يَده صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَصَحَّحَ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ يَبْرَأُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا صَارَتْ الْوَدِيعَة مَضْمُونَة عَلَى الْمُودَع فَأَبْرَأَهُ الْمَالِكُ وَصَحَّحَ أَنَّهُ يَعُودُ أَمِينًا فَهَلْ ذَلِكَ تَنَاقُضٌ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فَرْقٌ وَمَا الرَّاجِح فِي ذَلِكَ؟
(فَأَجَابَ) بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ وَقَوْلُ السَّائِلُ إنَّ النَّوَوِيَّ صَحَّحَ أَنَّهُ يَبْرَأُ لَيْسَ بِصَحِيحِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَحِّحْ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ نَفْسه.
وَإِنَّمَا الَّذِي وَقَعَ لَهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَة أَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ تَصْحِيحَ الرَّافِعِيِّ عَدَمَ الْبَرَاءَةِ زَادَ أَنَّ غَيْرَ الرَّافِعِيِّ كَالْبَغَوِيِّ صَحَّحَ الْبَرَاءَةَ وَهِيَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الشَّامِلِ وَالْمُهَذَّبِ أَيْ وَصَرَّحَ بِهَا الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ الْمُعْتَمَدُ مَا صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ كَمَا جَرَى عَلَيْهِ مُخْتَصِرُو الرَّوْضَة وَالْمُتَكَلِّمُونَ عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ أَشَارَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ إلَى وَجْهِ ضَعْفِ مَا فِيهَا وَهُوَ أَنَّ مَا ذُكِرَ عَنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْبَرَاءَةِ إنَّمَا هُوَ وَجْهٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الْبَرَاءَةِ عَمَّا لَمْ يَجِبْ وَوَجَدَ سَبَبَ وُجُوبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَكَذَا هُنَا وَيُفَرَّق بَيْنَ هَذَا وَمَا قَالَهُ الشَّيْخَانِ فِي الْوَدِيعَةِ مِنْ أَنَّهَا إذَا صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَأَحْدَث لَهُ الْمَالِكُ اسْتِئْمَانًا أَوْ إبْرَاءً أَوْ إيدَاعًا أَوْ إذْنًا فِي حِفْظِهَا فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِأَنَّ الْإِيدَاعَ لَا يُجَامِعُ الضَّمَانَ لِتَأَصُّلِ الْأَمَانَةِ فِيهِ فَبِالْخِيَانَةِ فِيهَا صَارَتْ غَيْرَ وَدِيعَةٍ وَمِنْ ثَمَّ لَزِمَهُ رَدّهَا فَوْرًا فَإِذَا أَحْدَثَ لَهُ الْمَالِكُ مَا ذُكِرَ صَارَ ذَلِكَ اسْتِيدَاعًا جَدِيدًا وَيَلْزَمُهُ ارْتِفَاعُ حُكْمِ الْأَوَّلِ وَمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنْ الضَّمَانِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الضَّمَانَ لَا يُجَامِعُ الْإِيدَاعَ أَصْلًا وَأَمَّا الْغَصْبُ فَهُوَ بَاقٍ لَا يَرْتَفِعُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِنَّمَا الْمُرْتَفِعُ بِهِ عَلَى الْقَوْلِ