الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْغَاصِبُ ضَمِنَ جُزْءًا مِنْ الْمِثْلِ إذَا ضُمَّ أَرْشُهُ إلَى قِيمَةِ الْمُتَقَوِّمِ صَارَ أَغْبَطَ فَتَجِبُ الْقِيمَةُ هُنَا نَظَرًا لِمَا قَرَّرْته مِنْ وُجُوبِ تَبَعِيَّةِ الْأَرْشِ لِلْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ جُزْئِهَا وَمَعَ هَذَا لَا يَخْلُو كَلَامُ الْقَاضِي عَنْ نَظَرٍ وَنَقْدٍ وَإِنْ أَقَرَّهُ عَلَيْهِ فِي فَرْعِ الْقَمُولِيِّ وَضَعَّفُوا كَلَامَهُ فِي فَرْعِ الرَّوْضَةِ إلَّا أَنَّ وَجْهَ تَقْرِيرِهِمْ يُقِرُّ بِهِ مَا ذَكَرْته فَتَأَمَّلْهُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَا تَخَالُفَ فِيهَا فِي كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ بَيَّنُوا أَوَّلَ الْبَاب أَنَّ يَدَ الزَّوْجِ لَيْسَتْ يَدَ ضَمَانٍ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِيمَةِ وَفِي آخِرِهِ أَنَّ الْأُجْرَةَ فِيهَا تَفْصِيلٌ فَإِنْ فَوَّتَ الْمَنَافِعَ لَزِمَتْهُ أُجْرَتُهَا وَإِلَّا فَلَا وَإِنَّمَا الَّذِي يُشْكِلُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الرَّوْضَةِ أَنَّهُ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنَّ هَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ طَرِيقٌ فِي الضَّمَانِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِأَجْلِ هَذَا الْإِيهَامِ حَذَفَهُ الرَّوْضُ لَكِنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّهُ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ غَيْرُ طَرِيقٍ فَوَجَبَ حَمْلُ قَوْلِهِ إذَا غَرِمَ قِيمَتَهَا عَلَى مَا إذَا أَدَّاهَا لِلْمَالِكِ ظَنًّا أَنَّهَا تَلْزَمُهُ، ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُهُ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِهَا عَلَيْهِ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الْأَدَاءِ إذْ لَا عِبْرَةَ بِالظَّنِّ الْبَيِّنِ خَطَؤُهُ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْعَارِيَّةِ]
(وَسُئِلَ) حَيْثُ اقْتَضَى الْحَالُ أَنَّ الْمُعِيرَ يَتَمَلَّكُ بِالْقِيمَةِ هَلْ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ قَهْرًا مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ فَإِنْ قُلْتُمْ لَا بُدَّ فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعِلْمُ بِالْقِيمَةِ حَالَ التَّمَلُّكِ أَمْ لَا وَهَلْ يَكْتَفِي بِاللَّفْظِ قَبْلَ تَسْلِيمِ الْقِيمَةِ أَوْ لَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهَا أَوْ رِضَا الْمُسْتَعِيرِ بِذِمَّتِهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنَّ الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَزِيزِ نَقْلًا عَنْ التَّهْذِيبِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُعِيرِ قَهْرًا وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ وَعِبَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ. اهـ.
وَعِبَارَةُ التَّهْذِيبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الْقَلْعِ مَجَّانًا وَالْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ أَوْ الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ فَإِنْ أَرَادَ الْقَلْعَ لَا يَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْمُسْتَعِيرِ وَإِنْ أَرَادَ التَّمَلُّكَ بِالْقِيمَةِ أَوْ التَّقْرِيرَ بِالْأُجْرَةِ يَحْتَاجُ إلَى إذْنِهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ أَوْ إجَارَةٌ وَرُبَّمَا يُرِيدُ الْمُسْتَعِيرُ نَقْلَهُ انْتَهَتْ وَحَاصِلُهَا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِلُّ بِالتَّمَلُّكِ أَوْ بِالْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ بِخِلَافِ الْقَلْعِ؛ لِأَنَّ فِي التَّمَلُّكِ إخْرَاجَ مِلْكِهِ عَنْهُ وَفِي الْإِبْقَاءِ بِالْأُجْرَةِ إلْزَام ذِمَّتِهِ مَالًا وَهُوَ قَدْ لَا يُرِيدُ ذَلِكَ بَلْ يُرِيدَ الْقَلْعَ وَاعْتَمَدَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ مَا ذُكِرَ وَحِينَئِذٍ فَإِذَا اخْتَارَ الْمُعِيرُ التَّمَلُّكَ أَوْ الْإِبْقَاءَ بِالْأُجْرَةِ فَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَعِيرُ قُلْنَا لَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ إنْشَاءِ عَقْدِ بَيْعٍ فِي الْأَوَّلِ أَوْ إجَارَةٍ فِي الثَّانِي وَإِنْ لَمْ يَرْضَ الْمُسْتَعِيرُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا كُلِّفَ تَفْرِيغَ الْأَرْضِ، وَأَمَّا إذَا امْتَنَعَ الْمُعِيرُ مِنْ التَّخْيِيرِ وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ بَذْلِ الْأُجْرَةِ وَقَدْ طَلَبَهَا الْمُعِيرُ فَإِنَّهُمَا يُهْمَلَانِ إلَى أَنْ يَخْتَارَ الْمُعِيرُ مَا لَهُ اخْتِيَارُهُ أَوْ يَبْذُلَ لَهُ الْمُسْتَعِيرُ الْأُجْرَةَ وَيَرْضَى فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالتَّمَلُّكِ بِالشُّفْعَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهِ اللَّفْظُ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بَعْدَ رُؤْيَةِ الشِّقْصِ وَعِلْمِ الثَّمَنِ.
أَمَّا بِنَحْوِ تَمَلَّكْت بِالشُّفْعَةِ مَعَ قَبْضِ الْمُشْتَرِي عِوَضَ مَا سَلَّمَهُ لِلْبَائِعِ قَبْضًا كَقَبْضِ الْمَبِيعِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَرْضَى الْمُشْتَرِي بِذِمَّتِهِ حَيْثُ لَا رِبَا وَإِنْ لَمْ يَتَسَلَّمْ الشِّقْصَ، وَإِمَّا بِأَنْ يَتَمَلَّكَ عِنْدَ الْقَاضِي وَيَحْكُمَ لَهُ بِالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْ الثَّمَنَ قُلْت الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ لَا طَرِيقَ لَهُ سِوَى تَمَلُّك الشِّقْصِ الْمَذْكُورِ فَلِذَلِكَ كَانَ التَّمَلُّكُ فِيهَا قَهْرِيًّا بِخِلَافِ الضَّرَرِ فِي مَسْأَلَتنَا فَإِنَّهُ يَنْدَفِعُ بِالْقَلْعِ أَوْ بِالتَّبْقِيَةِ بِالْأُجْرَةِ كَمَا يَنْدَفِعُ بِالتَّمَلُّكِ فَلَمْ يَكُنْ قَهْرِيًّا وَإِذَا بَانَ أَنَّهُ غَيْرُ قَهْرِيٍّ بَانَ اتِّضَاحُ تَوَقُّفِهِ عَلَى رِضَا الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُرِيدُ دَفْعَ الضَّرَرِ بِغَيْرِهِ وَهُوَ الْقَلْعُ وَإِذَا تَوَقَّفَ رِضَاهُ وَرَضِيَ اُحْتِيجَ إلَى نَاقِلٍ لَهُ عَنْ مِلْكِهِ إلَى مِلْكِ الْمُعِيرِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِعَقْدٍ فَلِذَلِكَ اشْتَرَطَ هُنَا وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِالْقِيمَةِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْل حَتَّى يَقَعَ عَقْدُ الْبَيْعِ أَوْ الْإِجَارَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ وَأَنَّهُمَا حَيْثُ عَرَفَا الْقِيمَةَ أَوْ الْأُجْرَةَ وَعَقَدَا بِهَا فِي الذِّمَّةِ صَحَّ وَلَا يُشْتَرَطُ تَسْلِيمُهَا لِصِحَّةِ الْعَقْدِ بَلْ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا، ثُمَّ يُطَالِبُ الْمُسْتَعِيرُ الْمُعِيرَ فِي الْأُولَى وَعَكْسُهُ فِي الثَّانِيَةِ فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْبُدَاءَةِ بِالتَّسْلِيمِ يَأْتِي فِيهِمَا مَا فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ وَإِنْ امْتَنَعَ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْعَقْدِ بِالْقِيمَةِ فِي الذِّمَّةِ وَأَبِي إلَّا أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى عَيْنِهَا فَإِنْ وَافَقَهُ الْمُعِيرُ فَذَاكَ وَإِلَّا أَعْرَضَ
الْحَاكِمُ عَنْهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ نَظِيرَ مَا مَرَّ، وَاَللَّهُ أَعْلَم بِالصَّوَابِ.
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ مَسْأَلَةِ الْفَقِيهِ أَحْمَدَ بْنِ مُوسَى بْن عُجَيْلٍ الْيَمَنِيِّ فِي فَتْوَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَتْ بَهِيمَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَنْتَفِعُ بِهَا أَحَدُهُمَا بِرِضَا مِنْ صَاحِبِهِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نَصِيبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ عَارِيَّةٌ وَكَذَا وَلَدُهَا حُكْمُهُ حُكْمُ وَلَدِ الْمُسْتَعَارِ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُهَايَأَةٌ كَانَ حُكْمُهُ فِي يَدِ هَذَا وَيَدِ هَذَا حُكْمَ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ فَلَا ضَمَانَ مَا صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ وَالسَّبَبُ الْمُوجِبُ لِضَمَانِ نَصِيبِ الْآخَرِ وَمَا صُورَةُ الْمُهَايَأَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي السُّؤَال؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مَا ذُكِرَ عَنْ ابْنِ عُجَيْلٍ مِنْ ضَمَانِ نَصِيبِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ عَارِيَّةٌ وَمِنْ أَنَّ وَلَدَهَا كَوَلَدِ الْمُسْتَعَارِ صَحِيحٌ وَحُكْمُ وَلَدِ الْعَارِيَّةِ أَنَّهُ إنْ حَدَثَ بِيَدِ الْمُسْتَعِيرِ كَانَ أَمَانَةً شَرْعِيَّةً وَكَذَا لَوْ سَاقَهَا فَتَبِعَهَا وَلَدهَا الَّذِي وَلَدَتْهُ قَبْلَ الْعَارِيَّةِ وَعَلِمَ بِهِ الْمَالِك فَسَكَتَ فَيَكُون تَحْت يَده أَمَانَة شَرْعِيَّة أَيْضًا فَإِنْ تَلِفَ بِتَقْصِيرِهِ ضَمِنَهُ وَإِلَّا فَلَا وَمَا ذَكَره فِي مَسْأَلَة الْمُهَايَأَة مَبْنِيّ عَلَى أَنَّ الْمُهَايَأَة هَلْ هِيَ إجَارَة أَوْ عَارِيَّةٌ فِيهِ خِلَاف وَقَضِيَّة تَجْوِيزهمْ الرُّجُوع فِيهَا أَنَّهَا عَارِيَّة وَقَضِيَّة قَوْلهمْ لَوْ تَهَايَئَا فَرَجَعَ السَّابِقُ بَعْدَ أَنْ اسْتَوْفَى الْمَنْفَعَة لَزِمَهُ لِصَاحِبِهِ أُجْرَة مِثْل الْمَنْفَعَة الَّتِي اسْتَوْفَاهَا أَنَّهَا إجَارَة وَاَلَّذِي يَظْهَر تَرْجِيحُهُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَحْضَةٌ وَلَا عَارِيَّة مَحْضَة بَلْ فِيهَا شَائِبَة مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا لَكِنَّ شَائِبَة الْإِجَارَة أَظْهَر؛ لِأَنَّ وَضْعَهَا اسْتِيفَاء مَنْفَعَة فِي مُقَابَلَة مَنْفَعَة إذْ صُورَتهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا عَيْن مُشْتَرَكَة فَيَتَّفِقَانِ عَلَى قِسْمَة مَنَافِعهَا مُيَاوَمَة أَوْ مُشَاهَرَة أَوْ مُسَانَهَة بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَ أَحَدِهِمَا زَمَنًا مُعَيَّنًا وَعِنْدَ الْآخَرِ زَمَنًا كَذَلِكَ
فَإِذَا تَرَاضَيَا عَلَى ذَلِكَ جَازَ وَكَانَ فِي مَعْنَى الْإِجَارَة؛ لِأَنَّ الْمَنَافِع الْمُسْتَوْفَاة ضِمْنًا لَمْ تَكُنْ فِي غَيْر مُقَابِل وَإِنَّمَا مَنَافِع كُلّ مُقَابِلَة لِمَنَافِع الْآخَر وَهَذَا شَأْن الْإِجَارَة وَوَضَعَهَا دُون الْعَارِيَّة فَظَهَر أَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا مَعْنَى الْإِجَارَة وَإِذَا غَلَبَ فِيهَا ذَلِكَ كَانَ حُكْم مَا فِي يَد أَحَدهمَا مُدَّة الْمُهَايَأَة حُكْم الْمُؤَجَّرَة وَهُوَ الْأَمَانَة فَمَنْ تَلِفَ عِنْده مِنْهُمَا بِغَيْرِ تَفْرِيط لَا يَضْمَنُهَا فَظَهَرَ بِمَا قَرَّرْته صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عُجَيْلٍ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِ وَصَالِحِ مُعَامَلَاتِهِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه فِي شَخْصٍ قَالَ لِجَمَاعَةٍ أَعِينُونِي بِأَثْوَارِكُمْ بُكْرَةً لِلْحَرْثِ وَالْعَادَةُ أَنَّ مُعِيرَ الْأَثْوَارِ يَحْرُثُ عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ أَوْ أَجِيرِهِ أَوْ عَبْدِهِ فَسَرَحُوا مَعَهُ بُكْرَةً فَأَحَدُ الْجَمَاعَةِ يَحْرُثُ عَلَى ثَوْرَيْهِ بِنَفْسِهِ وَالثَّانِي حَرَثَ عَلَى ثَوْرَيْهِ عَبْدُهُ وَالثَّالِث أَجِيرُهُ وَالرَّابِعُ مُشْتَرِكٌ هُوَ وَآخَرُ فِي الثَّوْرَيْنِ وَآلَةِ الْحِرَاثَةِ وَفِي أُجْرَةِ الْأَجِيرِ كَذَلِكَ فَأَمَرَ الْأَجِيرَ يَحْرُثُ عَلَيْهِمَا فِي حَوْلِ الْمُسْتَعِيرِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ فَحَرَثُوا إلَى نَحْوِ رُبْعِ النَّهَارِ فَجَاءَ مُتَلَصِّصُونَ أَخَذُوا بَعْضَ الْأَثْوَارِ وَأَتْلَفُوا الْبَعْضَ وَقَتَلُوا الْحَرَّاثِينَ جَمِيعًا وَأَخَذُوا آلَةَ الْحِرَاثَةِ وَالدَّوَابَّ الَّتِي تَحْمِلُهَا مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْحُكْمُ فِي صُورَةِ الْأَثْوَارِ أَنَّ عَلَى الْآمِرِ لِمَالِكِهَا بِإِعَانَتِهِ بِهَا فِي أَرْضِهِ ضَمَانَهَا وَضَمَانَ جَمِيعِ مَا اسْتَعَارَهُ مِنْ آلَةِ الْحَرْثِ وَغَيْرِهَا وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْعَبْدَ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لِمَالِكِهِ أَعْنِي بِثَوْرِك لَا يَسْتَلْزِمُ اسْتِعَارَةَ الْعَبْدِ لِمَا ذُكِرَ فِي السُّؤَالِ مِنْ أَنَّ الْحُرَّاثَ تَارَةً يَكُونُ الْمَالِك وَتَارَةً يَكُونُ أَجِيرَهُ أَوْ عَبْدَهُ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْعَبْدُ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَعَارًا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُ أَعْنِي بِثَوْرِك وَعَبْدِك فَإِنَّ كُلًّا مِنْ الثَّوْرِ وَالْعَبْدِ مُسْتَعَارٌ حِينَئِذٍ وَوَاضِحٌ أَنَّ الرَّابِعَ يَضْمَنُ أَيْضًا حِصَّةَ شَرِيكِهِ فِي الثَّوْرَيْنِ وَالْآلَةِ الْمُشْتَرَكَةِ لِتَعَدِّيهِ بِاسْتِعْمَالِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ فِيمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَقَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَم.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه عَمَّنْ شَرِبَ مِنْ سِقَايَةٍ فِي الْمَسْجِدِ فَانْكَسَرَ مِنْهُ كُوزُهَا أَوْ انْكَسَرَ مِنْهُ قِنْدِيلُ الْمَسْجِدِ أَوْ أَخَذَ كُوزًا مِنْ سِقَاءٍ لِيَشْرَبَ مِنْهُ فَانْكَسَرَ أَوْ اسْتَعَارَ قِنْدِيلًا مُسْرَجًا أَوْ دَوَاةً فَانْكَسَرَا أَوْ شَمْعَةً لِيُقِدْهَا أَوْ انْكَسَرَ إنَاءٌ مِنْ بَعْضِ الضُّيُوفِ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَى مَنْ أَعْيَا بِرُكُوبِ دَابَّتِهِ فَمَاتَتْ تَحْتَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَ ظَرْفَ الْهَدِيَّةِ فَهَلْ يَضْمَنُ فِي كُلِّ ذَلِكَ أَمْ فِي بَعْضِهِ أَمْ لَا يَضْمَنُ فِي كُلِّهِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ أَمَّا الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَإِنْ كَانَتْ الْكِيزَانُ أَوْ الْقَنَادِيلُ الَّتِي لِلِاسْتِصْبَاحِ دُونَ غَيْرِهَا فَإِنَّهَا تُضْمَنُ مُطْلَقًا وُقِفَتْ عَلَى الشَّارِبِينَ أَوْ شُرِيَتْ مِنْ رُبْعِ الْوَقْفِ
حَيْثُ شَرَطَ الْوَاقِفُ فَلَا ضَمَانَ إنْ لَمْ يُفَرِّطْ.
وَمِثْلُهُمَا الْأَبَارِيقُ الْمَوْقُوفَةُ عَلَى مَنْ يَتَوَضَّأُ فَإِنْ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِ وَاضِعِهَا ضَمِنَ كَاسِرُهَا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ، وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَإِذَا أَعْطَى عَطْشَانًا كُوزًا لِيَشْرَبَ فَوَقَعَ مِنْهُ وَانْكَسَرَ ضَمِنَهُ كَالْمَاءِ الَّذِي فِيهِ إنْ زَادَ عَلَى كِفَايَتِهِ فَيَضْمَنُ الزَّائِدَ عَلَى الْأَوْجَه؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ لِغَرَضِ نَفْسِهِ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنْ أَعْطَاهُ لَهُ بِعِوَضٍ ضَمِنَ الْمَاءَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ لِعَدَمِ رُؤْيَتِهِ دُونَ الْكُوزِ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِالْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ، وَأَمَّا الرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ فَإِنْ اسْتَعَارَ لِيَسْتَصْبِحَ أَوْ يَكْتُبَ فَالْقِنْدِيلُ وَالدَّوَاةُ مَضْمُونَانِ بِالْعَارِيَّةِ دُونَ الزَّيْتِ وَالْحِبْرِ؛ لِأَنَّهُمَا مَأْخُوذَانِ بِالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ فَإِنْ اسْتَعَارَ لِيَكْتُبَ بِبَعْضِهِ فَقَطْ ضَمِنَ الزَّائِدَ عَلَى مَا مَرَّ، وَأَمَّا السَّادِسَةُ فَإِنْ صَرَّحَ بِالْعَارِيَّةِ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الصِّيغَةَ ضَمِنَ أَوْ الْمَعْنَى فَلَا، وَنَظَرُهُمْ لِلْأَوَّلِ أَكْثَرُ وَعَلَى الثَّانِي فَإِنْ اسْتَعَارَهَا لِإِيقَادِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا يَأْتِي مَا سَبَقَ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَا لَا تَصِحُّ إعَارَتُهُ مِمَّا يُسْتَهْلَكُ، وَأَمَّا السَّابِعَةُ فَالْأَوْجَهُ فِيهَا الضَّمَانُ كَمَا مَرَّ فِيمَنْ أَخَذَ كُوزًا لِيَشْرَبَ مِنْهُ بِلَا عِوَضٍ، وَأَمَّا الثَّامِنَةُ فَيَضْمَنُ فِيهَا الدَّابَّةَ، وَأَمَّا التَّاسِعَةُ فَإِذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِرَدِّ الظَّرْفِ ضَمِنَهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الرَّسُولِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُهْدَى لَهُ فَإِنْ كَانَ عَبْدَهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَيَدِهِ أَوْ وَكِيلِهِ فَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إنْ أَرْسَلَهُ لِيَطْلُبَ ذَلِكَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِقَبْضِ الْوَكِيل فَيَضْمَنُ الظَّرْفَ بِتَلَفِهِ فِي يَدِ وَكِيلِهِ بِلَا تَقْصِيرٍ وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ لَمْ يَدْخُل فِي مِلْكِهِ إلَّا بِقَبْضِهِ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَضْمَنُهُ الْوَكِيلُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَكِيلُ الْمُهْدِي لَا الْمُهْدَى لَهُ.
(وَسُئِلَ) عَنْ مُسْتَعِيرٍ سُرِقَ مِنْ عِنْدِهِ الْمُسْتَعَارُ فَحَلْوَنَ عَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الْحُلْوَانُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الرَّدِّ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ.
(وَسُئِلَ) رضي الله عنه هَلْ الْإِبَاحَةُ مِنْ أَلْفَاظِ التَّمْلِيكِ أَوْ لَا وَهَلْ قَوْلُهُمْ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ يُفْهَمُ التَّقْيِيدُ بِالْفُقَرَاءِ أَمْ لَا وَهَلْ الصَّدَقَةُ كَالْإِبَاحَةِ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ كَلَام الزَّرْكَشِيّ أَوَّلَ قَوَاعِدِهِ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ وَغَيْرِهِ أَخْذًا مِنْ كَلَامِ التَّاجِ السُّبْكِيّ أَنَّ لَفْظَ الْإِبَاحَةِ صَرِيحٌ فِي جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالشَّيْءِ الْمُبَاحِ، ثُمَّ إنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِذَهَابِ عَيْنِهِ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ قَبْلَ إتْلَافِهِ غَيْرَ لَازِمَةٍ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِأَيِّ وَجْهٍ أَرَادَ.
وَلَيْسَ لِلْمُبَاحِ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي أُبِيحَ لَهُ وَهُوَ أَكْلُهُ مَثَلًا فَإِذَا أَتْلَفَهُ بِأَكْلِهِ أَوْ نَحْوِهِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ مَلَكَهُ قُبَيْلَ إتْلَافِهِ عَلَى الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ فِي الضَّيْفِ وَإِنْ كَانَ الِانْتِفَاعُ بِهِ مُمْكِنًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ كَالْأَرْضِ كَانَتْ الْإِبَاحَةُ مُفِيدَةً لِجَوَازِ انْتِفَاعِهِ لَا لِمِلْكِهِ الْعَيْنَ وَلَا الْمَنْفَعَةَ فَلَا يَجُوزُ لَهُ إجَارَتُهُ وَلَا إعَارَتُهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَك أَنْ يَنْتَفِعَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بَيْنَ أَنْ يُقَيِّدَ الْإِبَاحَةَ بِمُدَّةٍ أَوْ يُطْلِقَهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ تَعْلِيقُهَا كَمَا رَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ إذْ لَا تَمْلِيكَ فِيهَا فَتَوْقِيتُهَا أَوْلَى وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا قَرَّرَتْهُ عَلِمْت الْجَمْعَ بَيْنَ مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ ظَاهِرُهَا التَّنَاقُضُ وَعَلِمْت الْفَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ وَالْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ تَقْتَضِي الْمِلْكَ حَيْثُ قَبَضَهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِنَحْوِ طَعَامٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا فَرْقَ فِي الصَّدَقَةِ وَالْإِبَاحَةِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَا عَلَى فَقِيرٍ أَوْ غَنِيٍّ كَمَا أَشَارَ إلَى ذَلِكَ التَّاجُ السُّبْكِيّ فِي قَوَاعِدِهِ وَإِنْ أَوْهَمَ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهَا وَإِبَاحَةُ الطَّعَامِ لِلْفُقَرَاءِ خِلَافَهُ
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ وَجَدَ غَلَطًا فِي كِتَابٍ مُسْتَعَارٍ مَعَهُ أَوْ مَوْقُوفٍ هَلْ لَهُ إصْلَاحُهُ وَمَا ظَنَّهُ غَلَطًا هَلْ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ فَوْقَهُ لَعَلَّهُ كَذَا كَمَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ نَقَلَ الْإِسْنَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْعَبَّادِيِّ وَأَقَرُّوهُ أَنَّهُ إذَا اسْتَعَارَ كِتَابًا فَرَأَى فِيهِ خَطَأً لَا يُصْلِحهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُرْآنًا فَيَجِبُ. اهـ. وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ حَسَنِ الْخَطِّ وَغَيْرِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ وَلِلنَّظَرِ فِيهِ مَجَالٌ.
وَفِي فَتَاوَى الْقَاضِي لَا يَجُوزُ رَدُّ الْغَلَطِ فِي كُتُبِ الْغَيْرِ وَحَمَلَهُ الرِّيمِيُّ عَلَى مَا لَا يُغَيِّرُ الْحُكْمَ وَإِلَّا وَجَبَ رَدُّهُ لَا سِيَّمَا عَلَى الثَّبْتِ الْيَقِظِ، وَكُتُبُ الْوَقْفِ أَوْلَى وَمَا ذَكَرَهُ ظَاهِرٌ عِنْدَ تَيَقُّنِ الْغَلَطِ فَلَا يَجُوزُ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ أَنْ يَكْتُبَ لَعَلَّهُ كَذَا فِي مِلْكٍ أَوْ وَقْفِ كَذَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَأَخَذَ الْأَذْرَعِيُّ بِجَوَازِ ذِكْرِ عَيْبِ الْخَاطِبِ لِأَجْلِ النَّصِيحَةِ
جَوَاز إصْلَاحِ الْخَطَإِ فِي الْكُتُبِ الْمُسْتَعَارَةِ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْعَبَّادِيِّ مَا مَرَّ، ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ إصْلَاحِ الْخَطَإِ فِي الْمُسْتَعَارِ خَطَأٌ فَنَقُولُ إنْ عَلِمَ رِضَا الْمُعِيرِ وَهُوَ أَهْلٌ لِلْإِصْلَاحِ جَازَ قَطْعًا أَوْ كَرَاهَتَهُ فَلَا قَطْعًا وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ خَطُّ الْمُسْتَعِيرِ كَخَطِّ الْكِتَابِ الْمُسْتَعَارِ أَوْ يُقَارِبُهُ فَهَذَا مُحْتَمِلٌ وَجْهَ الْجَوَازِ أَنَّهُ إحْسَانٌ فَالظَّاهِرُ رِضَا الْمُعِيرِ بِهِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ أَمْره، وَإِنْ كَانَ خَطُّ الْكِتَابِ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ لَمْ يَجُزْ قَطْعًا أَوْ الْعَكْسُ فَفِي الْجَوَازِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْإِصْلَاحَ بِتَخْرِيجِ السَّاقِطِ بِالْخَطِّ الْحَسَنِ يُبَيِّنُ قُبْحَ خَطِّ الْأَصْلِ وَيَفْضَحُهُ وَهَذَا إنْ لَمْ يَحْصُلْ بِالْإِصْلَاحِ كَشْطُ مَكْتُوبٍ أَوْ تَعْيِيبٌ أَوْ ضَرْبٌ فَإِنَّ هَذَا يُظْهِرُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِرِضَا الْمُعِيرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمَوْقُوفِ عَلَى جَمَاعَةٍ مُسْلِمِينَ وَبَيْنَ الْمِلْكِ وَالْمَوْقُوفِ عَلَى مُعَيَّنٍ فَكُلُّ مَا جَازَ فِيهِمَا جَازَ فِي الْمَوْقُوفِ عَلَى الْعُمُومِ مِنْ بَاب أَوْلَى وَكُلُّ مَا امْتَنَعَ فِيهِمَا هَلْ يَمْتَنِعُ فِيهِ هَذَا مَوْضِعُ تَرَوٍّ وَتَفْصِيلٍ يُدْرِكهُ النَّبِيهُ. اهـ. مُلَخَّصًا
(وَسُئِلَ) - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا صُورَتُهُ ذَكَرَ أَبُو شُكَيْلٍ شَارِحُ الْوَسِيطِ أَنَّ رَجُلًا اسْتَعَارَ عَبْدَيْنِ مِنْ مَالِكِهِمَا فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ عَمْدًا فَاقْتَصَّ الْمَالِكُ ضَمِنَ قِيمَتَهُمَا فَهَلْ هُوَ مُعْتَمَدٌ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ مُقْتَضَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ إذَا قَتَلَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْقَاتِل لِعَبْدِهِ فِي يَدِ الْغَاصِب بَرِئَ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُتْلِفُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ فَمَا ذَكَرَهُ أَبُو شُكَيْلٍ فِيهِ نَظَرٌ وَإِنْ وَافَقَهُ بَعْضُهُمْ.
وَفَرَّقَ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ بِأَنَّ الْمُسْتَعَارَ تُضْمَنُ رَقَبَتُهُ دُونَ جِنَايَتِهِ، وَالْمَغْصُوبُ تُضْمَنُ رَقَبَتُهُ وَجِنَايَتُهُ فَإِذَا اقْتَصَّ الْمَالِكُ مِنْ الْمَغْصُوبِ فَقَدْ اُسْتُوْفِيَ مُتَعَلِّقُ الْغَصْبِ وَسَقَطَ عَنْ الْغَاصِبِ حُكْمُ الْغَصْبِ فِي الرَّقَبَةِ وَفِي هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَإِذَا اسْتَوْفَى الْمُعِيرُ فَقَدْ اسْتَوْفَى شَيْئًا لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْعَارِيَّةِ وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُسْتَعِيرُ فَيَبْقَى حُكْمُ الْعَارِيَّةِ بِحَالِهِ وَهُوَ ضَمَانُ الْعَبْدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَهَلْ يَطَّرِدُ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْعَوَارِيِّ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُعِيرُ قَبْل أَنْ يَقْبِضَهَا؟ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتْلَفَ أَجْنَبِيٌّ الْمُسْتَعَارَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُعِيرُ فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ بِأَنْ أَتْلَفَهُ لِصِيَالٍ أَوْ قِصَاصٍ ضَمِنَهُ الْمُسْتَعِيرُ فَقَطْ وَإِلَّا فَهُوَ طَرِيقٌ وَالْقَرَارُ عَلَى الْمُتْلِفِ وَحِينَئِذٍ فَإِتْلَافُ الْمُعِير كَذَلِكَ فَفِي الْحَالَةِ الْأُولَى الضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِإِتْلَافِ الْمُعِيرِ بِخِلَافِ الْغَصْبِ فِي الْقِصَاصِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْهُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي تَغْرِيمِهِ وَهُوَ يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآخَرِ اهـ.
وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْغَاصِبِ وَالْمُسْتَعِيرِ.
(وَسُئِلَ) عَنْ شَخْصٍ قَالَ لِآخَرَ مَنَحْتُك كَذَا فَهَلْ هُوَ كَأَعَرْتُكَ أَوْ كَوَهَبْتُكَ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ صَرَّحَ فِي الْبَيَانِ فِي الْهِبَةِ بِأَنَّ الْمِنْحَةَ هِبَةٌ لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي الْعَارِيَّةِ صَرِيحٌ أَوْ كَالصَّرِيحِ فِي أَنَّ الْمِنْحَةَ هِيَ الْعَارِيَّةُ وَهُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيث وَاللُّغَةُ وَالِاسْتِعْمَال وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ الْوَسِيط.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَعَارَ عَبْدًا فَهَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ لَا يَضْمَنُهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ مُسْتَعْمِلًا لَهَا بِخِلَافِ إكَافِ الدَّابَّةِ.
(وَسُئِلَ) عَمَّنْ اسْتَعَارَ كِتَابًا مَوْقُوفًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ بِلَا تَقْصِيرٍ فَهَلْ يَضْمَنُهُ أَوْ لَا؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ فِي أَوَاخِر كِتَابِ الْوَقْفِ إذَا سُبِّلَتْ كِيزَانٌ عَلَى حَوْضٍ أَوْ نَهْرٍ فَتَلِفَ مِنْهَا شَيْءٌ فِي يَدِ أَحَدٍ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا بِالتَّعَدِّي وَمِنْهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ مَا وُقِفَ لَهُ وَبِهِ يَعْلَمُ أَنَّ الْكِتَابَ الْمَذْكُورَ إنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُسْتَعِيرِ بِأَنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَيْهِ بِأَنْ كَانَ وَقْفًا عَلَى إنْسَانٍ بِخُصُوصِهِ فَاسْتَعَارَهُ مِنْهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ اسْتَعَارَ مِنْ مُسْتَأْجِرٍ وَأَلْحَقَ بِذَلِكَ الِاسْتِعَارَةَ مِنْ كُلِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْمَنْفَعَةَ اسْتِحْقَاقًا لَازِمًا دُونَ الرَّقَبَةِ قَالَ وَعَلَيْهِ لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ مَنْفَعَةً أَوْ صَالَحَ عَلَيْهَا أَوْ جَعَلَهَا رَأْسَ مَالِ سَلَمٍ لَمْ يَضْمَنْ الْمُسْتَعِيرُ مِنْ هَؤُلَاءِ اهـ.
وَهُوَ بَحْثٌ مُتَّجَهٌ.
(وَسُئِلَ) عَنْ دَابَّةٍ مُسْتَعَارَةٍ عَثَرَتْ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ وَمَاتَتْ مَا الْحُكْمُ؟
(فَأَجَابَ) بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ سَبَبُ تَعَثُّرِهَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ الْمَأْذُونُ فِيهِ لَمْ يَضْمَنْهَا الْمُسْتَعِيرُ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَلِفَتْ بِالِاسْتِعْمَالِ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَإِنْ تَعَثَّرَتْ لَا بِسَبَبٍ أَوْ بِسَبَبٍ هُوَ الِاسْتِعْمَالُ لَكِنَّهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فِيهِ ضَمِنَهَا كَمَا لَوْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فِي الطَّرِيقِ، وَاَللَّه أَعْلَم.
(وَسُئِلَ)